وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
لمحة في قوله :وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ15
لهذا الاعتراض السردي غور يفضي تقصيه إلى مشارفة إعجاز القرآن... تصديقا لقوله :
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ هود13
جاء الاعتراض في مفصل سردي مشهود:
لحظة قطع الصلات بين يوسف وإخوته ،فمن المنتظر أن يلتقطه بعض السيارة ليحمل لوجهة مجهولة...
وتضمن الاعتراض "استباقا سرديا "ينبيء عن اجتماع سيكون في ما يستقبلون من زمن ...
فلنتأمل الآن سلسلة الأحداث مسلطين الضوء على الحلقتين السرديتين:
لحظة الانفصال ولحظة الاتصال.ثم نستحضر الحلقات الرابطة بين الطرفين :
-يوسف في بيت العزيز غلاما مشترى
-يوسف في السجن بتهمة ملفقة.
-يوسف في القصر بفضل ما عنده من علم
-تصيب المنطقة جائحة سنوات متعاقبة من الجفاف..
-تخلو المنطقة من الطعام فلا يوجد إلا في مصر..
-تأتي وفود الناس إلى مصر طلبا للطعام..
-يأتي إخوة يوسف مثل غيرهم ..
-ثم يقع اللقاء..فينبئهم يوسف بأمرهم ذاك.
تفحص هذه الحلقات الوسيطة يكشف عن سلاسة في تلاحقها تبدو معها أحداثها كلها وكأنها "برنامج" – أوخوارزمية-وجهتها تحقيق اللقاء..
-فلم يبعه السيارة إلا للعزيز
-ولم يشتره العزيز إلا ليؤخذ إلى السجن ..
-ولم يسجن إلا للاقتراب من الملك..
-ولم يقرب من الملك إلا ليكون على الخزائن ..
-وتلك الخزائن هي المجتذبة لإخوة يوسف..
-فتحتم اللقاء.
المسار السردي منطقي جدا، خال من أي تعسف في الحبكة، أو افتعال في تصور الحدث ..وإن العقول الموغلة في الوضعية نفسها لن تجد اعتراضا على هذا المسار فلا يتخلله حدث خارق أو تدخل ماورائي متعال عن الأسباب الطبيعية... ووصول يوسف إلى الحكم -الذي قد يستغرب- أمر عادي -غير مستبعد عند الوضعيين أنفسهم- فمن عادة ملوك الأرض قديما وحديثا الاستعانة بأهل العلم والتقنيين واستوزارهم في شؤون الملك.
ثم إن هذا المسار من قبل ومن بعد تاريخ واقع وليس قصة متخيلة..
والآن يمكن للقرآن أن يرفع التحدي عاليا:
هل في وسع القصاصين والروائيين "افتراء" أحداث وفصول رابطة بين اللحظتين السرديتين :لحظة الانفصال ولحظة الاتصال..على أن تأتي هذه الفصول قريبة من سلاسة الربط القرآني!!!
بعبارة أخرى :يسرد على الأديب قصة يوسف إلى حدود الطرح في الجب ثم يقال له تخيل ما شئت من أحداث على سيبيل الافتراء لتجعل يوسف يلتقي بإخوته..
مع ملاحظة أمر ذي بال :
الإخوة هو الذين سيذهبون للقاء أخيهم -لا العكس - وهنا موطن الصعوبة..لأن عودة يوسف مثلا إلى بيت الأسرة أمر هين فلا شك أن لديه ذكرى ولو باهتة عن مكان صباه أو على الأقل يعرف اسم المكان أو القبيلة فمن السهل السؤال عنها والاهتداء إليها (وهذا شيء يسير في مخيلة الروائي)..لكن الأصعب هو أن يذهب الإخوة إلى يوسف وليس عندهم أدنى علم بمكان وجوده...وهذا ما حكاه القرآن..
إذن تخيل ما شئت من أحداث لتجعل يوسف يلتقي بإخوته..وهات ما شئت من سيناريوهات مفتراة وقارنها مع "سيناريو" القرآن "وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ".
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
حدائق القرأن
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: