الفقه الحنبلي - الهبة - العطية

(احداهما) لا تمنع الرجوع وهو مذهب الشافعي لانها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والمنفصلة (والثانية) تمنع وهو مذهب أبى حنيفة لان الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الاصل لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ولانه فسخ استرجاع المال يفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق ورجوع البائع في المبيع لفلس المشتري وفارق الرد بالعيب من جهة ان الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة وان فرض
الكلام فيما إذا باع عرضا بعرض فراد أحدهما ووجد المشتري بالآخر عيبا قلنا بائع المعيب سلط المشتري على الفسخ ببيعه المعيب فكان الفسخ وجد منه ولهذا قلنا فيما إذا فسخ لزوج النكاح لعيب المرأة قبل الدخول سقط صداقها كما لو فسخته وعلى هذا لا فرق بين الزيادة في العين كالسمن والطول ونحوهما أو في المعاني كتعلم صناعة أو كتابة أو قران أو علم أو اسلام أو قضاء دين عنه وبهذا قال محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة الزيادة بتعلم القرآن وقضاء دين عنه لا تمنع الرجوع ولنا أنها زيادة لها مقابل من الثمن فمنعت الرجوع كالسمن وتعلم صنعة وان زاد ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع كسائر الزيادات وان كانت زيادة العين أو التعلم لا تزيد في قيمته شيئا أو تنقص منها لم تمنع الرجوع لانه ليس بزيادة في المالية (فصل) فان قصر العين أو فصلها فهي زيادة متصلة هل تمنع الرجوع اولا؟ مبني على الروايتين في السمن قال شيخنا ويحتمل ان تمنع هذه الزيادة الرجوع بكل حال لانها حاصلة بفعل الابن فجرت مجرى العين الحاصلة بفعله بخلاف السمن فانه يحتمل أن يكون للاب فلا يمنع الرجوع لانه نماء العين فيكون نابعا لها وان وهبه حاملا فولدت في يد الابن فهي زيادة متصلة في الولد ويحتمل أن يكون الولد زيادة منفصلة إذا قلنا الحمل لا حكم له وان وهبه حاملا ثم رجع فيها حاملا جاز إذا لم تزد قيمتها
وان زادت قيمتها فهي زيادة متصلة، وان وهب حائلا فحملت فهي زيادة منفصلة وله الرجوع فيها دون حملها وان قلنا ان الحمل لا حكم له فزادت به قيمتها فهي زيادة متصلة وان لم تزد جاز الرجوع فيها وان وهبه نخلا فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده زيادة منفصلة * (مسألة) * (وان باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو اقالة فهل له الرجوع؟ على وجهين) إذا خرجت العين عن ملك الابن ببيع أو هبة ثم عادت إليه بسبب كبيع أو هبة أو وصية أو ارث أو نحوه لم يملك الاب الرجوع فيها لانها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل ابيه فلا يملك فسخه وازالته كالذي لم يكن موهوبا وان عادت إليه بفسخ العيب أو اقالة أو فلس المشتري ففيها وجهان (احدهما) يملك الرجوع لان السبب المزيل ارتفع وعاد الملك بالسبب الاول فاشبه
ما لو فسخ البيع بالخيار (والثاني) لا يملك الرجوع لان الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عليه اشبه ما لو عاد إليه بالهبة فاما ان عاد إليه بخيار الشرط أو خيار المجلس فله الرجوع لان الملك لم يستقر عليه.
* (مسألة) * (وان وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع الا ان يرجع هو) لان رجوعه ابطال لملك غير ابنه فان رجع الابن في هبته احتمل ان يملك الاب الرجوع في هبته لانه فسخ هبته برجوعه فعاد إليه الملك بالسبب الاول ويحتمل ان لا يملك الاب الرجوع لانه رجع إلى ابنه بعد استقرار ملك غيره عليه فاشبه ما لو وهبه ابن الابن لابنه.
* (مسألة) * (وان كاتبه أو رهنه لم يملك ابوه الرجوع الا ان ينفك الرهن وينفسخ) اما إذا رهنه الابن فليس للاب الرجوع قبل انفكاك الرهن لان في ذلك ابطال حق غير الولد فان انفك الرهن فله الرجوع لزوال المانع ولانه عاد إلى صحة تصرف الابن فيه اشبه غير المرهون وحكم الكتابة كذلك عند من لا يرى بيع المكاتب وهو مذهب الشافعي وجماعة غيره فاما من اجاز بيع المكاتب فحكمه عنده كالعين المستأجرة والمزوج على ما ذكرناه
(فصل) والرجوع في الهبة ان يقول قد رجعت فيها أو ارتجعتها أو رددتها أو نحو ذلك من الالفاظ الدالة على الرجوع ولا يفتقر إلى حكم حاكم، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح الرجوع الا بقضاء قاض لان ملك الموهوب له مستقر ولنا انه خيار في فسخ عقد فلم يفتقر إلى قضاء كالفسخ بخيار الشرط فان أخذ ما وهبه لولده ونوى به الرجوع كان رجوعا والقول قوله في نيته لان ذلك لا يعلم إلا منه، فان مات الاب ولم يعلم هل نوى الرجوع أو لا؟ ولم توجد قرينة تدل على الرجوع لم نحكم بأنه رجوع لان الاخذ يحتمل الرجوع وغيره، فلا نزيل حكما يقينيا بأمر مشكوك فيه فان اقترنت به قرائن دالة على الرجوع كان رجوعا في أحد الوجهين اختاره ابن عقيل لاننا اكتفينا في العقد بدلالة الحال في الفسخ ولان لفظ الرجوع إنما كان رجوعا لدلالته عليه فكذلك كل ما دل عليه، والآخر لا يكون رجوعا، وهو مذهب الشافعي لان الملك
ثابت للموهوب له يقينا فلا يزول إلا بالصريح، قال شيخنا ويمكن أن ينبني هذا على نفس العقد فمن أوجب الايجاب والقبول فيه لم يكتف ههنا إلا بلفظ يقتضي زواله، ومن اكتفى في العقد بالمعاطاة الدالة على الرضى به فههنا أولى، فان نوى الرجوع من غير فعل ولا قول لم يحصل الرجوع وجها واحدا لانه إثباتا لملك على مال مملوك لغيره فلم يحصل بمجرد النية كسائر العقود، وإن علق الرجوع بشرط فقال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت في الهبة لم يصح لان الفسخ للعقد لا يقف على شرط لا يقف العقد عليه * (مسألة) * (وعن احمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لانها لا تهبه له إلا مخافة غضبه أو اضرار بها بأن يتزوج عليها) اختلفت الرواية عن احمد في هبة المرأة زوجها، فعنه لا رجوع لها، وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي وربيعة ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور
وأصحاب الرأي وعطاء وقتاده لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) وقال تعالى (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا) الآية، وعموم الاحاديث وعنه رواية ثانية لها الرجوع.
قال الاثرم سمعت احمد يسئل عن المرأة تهب ثم ترجع فرأيته يجعل النساء غير الرجال ثم ذكر الحديث " انما يرجع في المواهب النساء وشرار الناس " وذكر حديث عمر: إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة فايما امرأة أعطت زوجها شيئا ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق، رواه الاثرم، وهذا قول شريح والشعبي وحكاه الزهري عن القضاة.
وعنه رواية ثالثة نقلها عنه أبو طالب: إذا وهبت له مهرها فان كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لانها لا تهب إلا مخافة غضبه أو اضرار بأن يتزوج عليها، وإن لم يكن سألها وترغب به فهو جائز فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضب عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع لان شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به نفسا وانما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها بقوله تعالى (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا فيكون فيها ثلاث روايات
(إحداها) ليس لها الرجوع كالاجنبي (والثانية) لها الرجوع مطلقا لحديث عمر (والثالثة) التفصيل الذي ذكرناه.
* (فصل) * (قال رضي الله عنه) وللاب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجته وعدمها في صغره وكبره ما لم تتعلق حاجة الابن به) إنما يجوز ذلك بشرطين (أحدهما) أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته (الثاني) أن لا يأخذ من مال ولد فيعطيه الآخر نص عليه احمد في رواية اسماعيل بن سعيد لانه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه فلان يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولى وقد روي أن مسروقا زوج ابنته بصداق، عشرة آلاف فأخذها فأنفقها في
سبيل الله وقال للزوج جهز امرأتك وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " متفق عيه وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل أحد أحق بكسبه من ولده ووالده والناس أجمعين " رواه سعيد في سننه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " رواه الدارقطني ولان لك لابن تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم من كسبكم " أخرجه سعيد والترمذي وقال حديث حسن، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي احتاج مالي فقال " أنت ومالك لابيك " رواه الطبراني في معجمه مطولا، ورواه ابن ماجه وروى أبو داود نحوه ورواه غيره وزاد " وان أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم " وروى محمد بن المنكدر والمطلب بن حنطب قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان لي مالا وعيالا ولابي مال وعيال وأبي يريد أن يأخذ مالي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لابيك " رواه سعيد في سننه ولان الله تعالى جعل الولد موهوبا لابيه فقال (ووهبنا له اسحاق ويعقوب) وقال (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (هب لي من لدنك وليا) وقال براهيم (الحمد لله الذي وهب لي
على الكبر اسماعيل واسحاق) وما كان موهوبا له كان له أخذ ماله كعبده قال سفيان بن عيينه في قوله تعالى (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) ثم ذكر بيوت سائر القرابات الا الاولاد لم يذكرهم لانهم دخلوا في قوله من بيوتكم فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم لم يذكر بيوت أولادهم ولان الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له التصرف فيه كمال نفسه، وأما أحاديثهم فأحاديثنا تخصها وتفسرها فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل مال الابن مالا لابيه بقوله " أنت ومالك لابيك " ولا تنافي بينهما وقوله عليه السلام " أحق به من والده وولده " الحديث مرسل ثم هو يدل على ترجيح حقه على حق
أبيه لا على نفي الحق بالكلية والولد أحق من الوالد فيما تعلقت به حاجته.
* (مسألة) * (فان تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء من دين لم يصح تصرفه فيه) نص عليه احمد قال لا يجوز عتق الاب لعبد ابنه ما لم يقبضه، فعلى هذا لا يصح ابراؤه من دينه ولا هبته لماله ولا بيعه له لان ملك الابن تام على مال نفسه يصح تصرفه فيه، وذكر ابن أبي موسى في الارشاد قال إذا وهب الابن من ماله شيئا فليس لابيه الاعتراض عليه الا أن يكون للولد عقار يكفيه ويكفي أباه ولا مال له غيره ولا مال لابيه فان احمد قال ان اعترض عليه الوالد رأيت أن يرده الحاكم على الاب ولا يبقى فقيرا لا حيلة له، ويحل له وطئ جواريه ولو كان الملك مشتركا لم يحل له الوطئ كما لا يحل وطئ الجارية المشتركة وإنما للاب انزاعه منه كالعين التي وهبها إياه فقبل انتزاعها لا يصح تصرفه لانه تصرف في ملك غيره بغير ولاية، وان كان الابن صغيرا لم يصح أيضا لانه لا يملك التصرف بما لا حظ للصغير فيه وليس من الحظ اسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله قال احمد بين الرجل وبين ولده ربا لما ذكرنا من أن ملك الابن على ماله تام * (مسألة) * (وان وطئ جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا تلزمه قيمته ولا حد عليه ولا مهر وفي التعزير وجهان) قال احمد لا يطأ جارية الابن إلا أن يقبضها يعني يتملكها لانه إذا وطئها قبل تملكها فقد وطئها وليست زوجة ولا ملك يمين فان تملكها لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها لانه ابتداء ملك
فوجب الاستبراء فيه كما لو اشتراها، فان كان الابن قد وطئها لم تحل له بحال فان وطئها قبل تملكها ولم يكن الابن وطئها كان محرما من وجهين (أحدهما) أنه وطئها قبل تملكها (والثاني) أنه وطئها قبل استبرائها وإن كان الابن وطئها حرمت بوجه ثالث وهو أنها صارت بمنزلة حليلة ابنه فان فعل فلا حد عليه لشبهة الملك فان النبي صلى الله عليه وسلم أضاف مال الولد إلى أبيه فقال " أنت ومالك لابيك "
وإن ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر لانه من وطئ سقط فيه الحد للشبهة وليس للابن مطالبته بشئ من قيمتها ولا قيمة ولدها ولا مهر ويجب تعزيره في أحد الوجهين لانه وطئ وطأ محرما أشبه وطئ الجارية المشتركة.
والثاني لا يعزر لانه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر بالتصرف في ماله، والاول أولى لان التعزير ههنا حق لله تعالى بخلاف الجناية على ولده لانها حق للولد (فصل) وليس لغير الاب الاخذ من مال غيره بغير اذنه للاحاديث التي ذكرناها لان الخبر ورد في الاب بدليل قوله عليه السلام " أنت ومالك لابيك " ولا يصح قياس غيره عليه لان للاب ولاية على ولده وماله إذا كان صغيرا وله شفقة تامة وحق متاكد، ولا يسقط ميراثه بحال والام لا تأخذ لانها لا ولاية لها والجد أيضا لا يلي على مال ولد ابنه وشفقته قاصرة عن شفقة الاب ويحجب به في الميراث وفي ولاية النكاح، وغيرهما من الاقارب والاحانب ليس لهم الاخذ بطريق التنبيه لانه إذا امتنع الاخذ في حق الام والجد مع مشاركتهما للاب في بعض المعاني فغيرهما ممن لا يشارك في ذلك أولى ويحتمل أن يجوز للام لدخول ولدها في قول الله تعالى (وأولادكم) * (مسألة) * (وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا ارش جناية ولا غير ذلك) وبه قال الزبير بن بكار ومقتضى قول سفيان بن عيينة وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي له ذلك لانه دين ثابت فجازت المطالبة به كغيره ولنا ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال " أنت ومالك لابيك " رواه الخلال باسناده وروى الزبير بن بكار في الموفقيات أن رجلا استقرض من أبيه مالا فحبسه فأطال حبسه فاستعدى عليه الابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر قصته في شعر فأجابه أبوه بشعر
أيضا فقال علي رضي الله عنه
قد سمع القاضي ومن ربى الفهم * المال للشيخ جزاء بالنعم يأكله برغم أنف من رغم * من قال قولا غير ذا فقد ظلم وجار في الحكم وبئس ما جرم قال الزبير إلى هذا نذهب ولان المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه به كحقوق الابدان ويفارق الاب غيره بما يثبت له من الحق على ولده فان مات الابن فانتقل الدين إلى ورثته لم يملكوا مطالبة الاب لان موروثهم لم يكن له المطالبة فهم أولى، فان مات الاب فقيل يرجع الابن في تركته بدينه لان دينه عليه لم يسقط عن الاب وانما تأخرت المطالبة وعن أحمد إذا مات الاب بطل دين الابن وقال فيمن أخذ من مهر ابنته شيئا فأنفقه ليس عليه شئ ولا يؤخذ من بعده وما أصابت من المهر من شئ بعينه أخذته وتأول أصحابنا كلام أحمد على أنه أخذه على سبيل التمليك لان أخذه له وانفاقه دليل على قصد التمليك فيثبت الملك له بذلك الاخذ والله أعلم * (مسألة) * (والهدية والصدقة نوعان من الهبة) والعطية تشمل الكل وكذلك النحلة ومعانيها كلها متقاربة إلا أنه في الغالب من أعطى شيئا ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاجين سمي صدقة وان دفع إلى غير محتاج للتقرب والمحبة فهي هبة، ومن بعث على هذا إلى إنسان مع غيره سمي هدية وكل ذلك مستحب مندوب إليه وأحكام ذلك أحكام الهبة ويشترط لها ما يشترط من الشروط على ما سبق.
* (فصل) * في عطية المريض قال الشيخ رحمه الله (أما المريض غير مرض الموت أو مرضا غير مخوف كالرمد ووجع الضرس والصداع ونحوه فعطاياه كعطايا الصحيح سواء تصح من جميع ماله) وجملة ذلك أن عطايا المريض إذا برأ من مرضه أو كان مرضا غير مخوف كالذي ذكره وكذلك ما في معناه كالجرب والحمى اليسيرة ساعة أو نحوها والاسهال اليسير من غير دم فعطاياه مثل عطايا الصحيح لانه لا يخاف منه في العادة
* (مسألة) * (وإن كان مرض الموت المخوف كالبرسام وهو بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في الدماغ فيختل عقل صاحبه، وذات الجنب وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب والرئة فانها لا تسكن حركتها فلا يندمل جرحها والرعاف الدائم فانه يصفي الدم فيذهب القوة والقولنج وهو أن ينعقد الطعام في بعض الاعضاء ولا ينزل عنه فهذه مخوفة، وإن لم يكن معها حمى وهي مع الحمى أشد خوفا وان ثار الدم واجتمع في عضو كان مخوفا لانه من الحرارة المفرطة، وان هاجت به الصفراء فهي مخوفة لانها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لانه من شدة البرودة وقد تغلب على الحرارة الغريزية فتطفيها، والطاعون مخوف لانه من شدة الحرارة إلا أنه يكون في جميع البدن، وأما الاسهال فان كان متحرقا لا يمكنه إمساكه فهو مخوف وإن كان ساعة لان من لحقه ذلك أسرع في هلاكه، وان كان يجري تارة وينقطع أخرى فان كان يوما أو يومين فليس بمخوف لان ذلك قد يكون من فضلة الطعام.
إلا أن يكون معه زحير أو تقطيع كأن يخرج متقطعا فانه يكون مخوفا لان ذلك يضعف وان دام الاسهال فهو مخوف سواء كان معه ذلك أو لم يكن، وكذلك الفالج في ابتدائه والسل في انتهائه والحمى المطبقة، وما أشكل من ذلك رجع فيه إلى قول عدلين من الاطباء لانهم أهل الخبرة بذلك ولا يقبل قول واحد لانه يتعلق به حق الوارث والمعطي، وقياس قول الخرقي أنه يقبل قول واحد عدل إذا لم يقدر على طبيبين.
فهذا الضرب وما أشبهه عطاياه صحيحه لان عمر رضي الله عنه أوصى حين جرح فسقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه فقال له الطبيب اعهد إلى الناس فعهد إليهم ووصى فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته وكذلك أبو بكر رضي الله عنه عهد إلى عمر حين اشتد مرضه فنفذ عهده.
(فصل) فان كان المريض يتحقق تعجيل موته فان كان عقله قد اختل مثل من ذبح أو أبينت حشوته فلا حكم لكلامه ولا لعطيته وان كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته واشتد مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وعطيته لما ذكرنا من حديث عمر وكذلك علي رضي الله عنهما بعد ضرب ابن
ملجم وصى وأمر ونهى ولم يختلف في صحة ذلك * (مسألة) * (فعطاياه كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لاجنبي بزيادة على الثلث الا باجازة الورثة كالهبة والعتق والكتابة والمحاباة) وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة والهبة المقبوضة والصدقة والوقف والابراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال والكتابة إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في هذا خلافا، وان كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول الجمهور وحكي عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجه وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر من الثلث، وروى عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولان هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا يتجاوز الثلث كالوصية (فصل) وحكم العطايا في مرض الموت حكم الوصية في خمسة أشياء (أحدها) أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث واجازة الورثة (الثاني) أنها لا تصح للوارث الا باجازة الورثة (الثالث) أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة لان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة قال " أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان " متفق عليه (الرابع) أن العطايا تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا فيه (الخامس) أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده
* (مسألة) * (فأما الامراض الممتدة كالجذام وحمى الربع والسل في ابتدائه والفالج في دوامه فان صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة والا فلا)
قال القاضي إذا كان يذهب ويجئ فعطاياه من جميع المال هذا تحقيق المذهب وقد روى حرب عن أحمد في وصية المجذوم والمفلوج من الثلث وهو محمول على أنه صار صاحب فراش وبه يقول الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وأبو، ثور وذكر أبو بكر وجها آخر أن عطايا هؤلاء من المال كله وهو مذهب الشافعي لانه لا يخاف تعجيل الموت فيه وان كان لا يبرأ منه فهو كالهرم.
ولنا أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف أشبه صاحب الحمى الدائمة وأما الهرم فان صار صاحب فراش فهو كمسئلتنا * (مسألة) * (ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في؟؟؟؟ البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون ببلده أو قدم ليقتص منه والحامل عند المخاض فهو كالمريض) وجملة ذلك أن الخوف يحصل في هذه المواضع الخمسة المذكورة فيقوم مقام المرض (أحدها) إذا التحم الحرب واختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل واحدة منهما مكافئة للاخرى أو مقهورة فأما القاهرة منهما بعد ظهورها فليست خائفة وكذلك إذا لم يختلطوا بل كانت كل واحدة منهما متميزة سواء كان بينهما رمي السهام أو لم يكن فليست حالة خوف، ولا فرق بين كون الطائفتين متفقتين في الدين أو لا وبه مالك والثوري والاوزاعي ونحوه عن مكحول وعن الشافعي قولان (احدهما) كقول الجماعة (والثاني) ليس بخوف لانه ليس بمرض ولنا أن توقع التلف ههنا كتوقع المرض أو أكثر فوجب أن يلحق به ولان المرض انما جعل مخوفا لخوف صاحبه التلف وهذا كذلك قال أحمد إذا حضر القتال كان عتقه من الثلث وعنه إذا التحم الحرب فوصيته من المال كله لكن يقف الزائد عن الثلث على إجازة الورثة فان حكم وصية الصحيح وخائف التلف واحد فيحتمل أن يجعل هذا رواية ثانية وسمى العطية وصية تجوز لكونها في حكم الوصية ويحتمل أن يحمل على حقيقته في صحة الوصية من المال كله (الثانية) إذا قدم ليقتل فهي حالة خوف سواء أريد قتله
للقصاص أو لغيره، وللشافعي فيه قولان أحدهما مخوف والثاني ان جرح فهو مخوف وإلا فلا لانه صحيح البدن والظاهر العفو عنه.
ولنا أن التهديد بالقتل جعل اكراها يمنع وقوع الطلاق وصحة البيع ويبيح كثيرا من المحرمات ولولا الخوف لم تثبت هذه الاحكام، وإذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهور السلامة وبعد وجود التلف فمع ظهور التلف وقربه أولى، ولا عبرة بصحة البدن فان المرض
لم يكن مثبتا لهذا الحكم لعينه بل لخوف افضائه إلى التلف فيثبت الحكم ههنا بطريق التنبيه لظهور التلف (الثالثة) إذا ركب البحر فان كان ساكنا فليس بمخوف وان اضطرب وهبت الريح العاصف فهو مخوف، وقد وصفهم الله تعالى بشدة الخوف فقال تعالى (هو الذي يسيركم في البر والبحر) الآية إلى قوله (جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم) (الرابع) الاسير والمحبوس إذا كان من عادتهم القتل فهو خائف عطيته من الثلث وإلا فلا وهذا قول أبي حنيفة ومالك وابن أبى ليلى وأحد، قولي الشافعي وقال الحسن لما حبس الحجاج إياس بن معاوية ليس له من ماله إلا الثلث وقال أبو بكر عطية الاسير من الثلث ولم يفرق وبه قال الزهري والثوري واسحاق وحكاه ابن المنذر عن أحمد وتأول القاضي ما روي وهو على ما ذكرناه من التفصيل ابتداء وقال الشعبي ومالك الغازي عطيته من الثلث وقال مسروق إذا وضع رجله في الغرز وقال الاوزاعي المحصور في سبيل الله والمحبوس ينتظر القتل هو في ثلثه والصحيح ان شاء الله ما ذكرناه من التفصيل لان مجرد الحبس والاسر من غير خوف القتل ليس بمرض ولا هو في معنى المرض في الخوف فلم يجز الحاقه به وإذا كان المريض الذي لا يخاف التلف عطيته من رأس ماله فغيره أولى (الخامسة) إذا وقع الطاعون ببلده فعن أحمد أنه مخوف ويحتمل أنه ليس بمخوف فانه ليس بمريض وإنما يخاف المرض (فصل) وكذلك الحامل عند المخاض لانه يحصل لها ألم شديد يخاف منه التلف أشبهت سائر أصحاب الامراض المخوفة وما قبل ذلك فلا ألم بها فلا يكون مخوفا، وقال الخرقي وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر يعنى عطيتها من الثلث وبه قال مالك وقال اسحاق إذا ثقلت لا يجوز لها إلا الثلث ولم
يحد حدا وحكاه ابن المنذر عن أحمد وقال سعيد بن المسيب وعطاء وقتادة عطية الحامل من الثلث وقال أبو الخطاب عطيتها من المال كله ما لم يضر بها المخاض فإذا ضر بها المخاض فعطيتها من الثلث وبه قال النخعي ومكحول ويحيى الانصاري والاوزاعي والثوري والعنبري وابن المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لانها لا تخاف إلا إذا ضر بها الطلق فاشبهت صاحب الامراض الممتدة قبل أن يصير صاحب فراش وقال الحسن والزهري عطيتها كعطية الصحيح وهو القول الثاني للشافعي لان الغالب سلامتها
ووجه قول الخرقي أن ستة الاشهر وقت يمكن الولادة فيه وهو من أسباب التلف، والصحيح ان شاء الله تعالى ما ذكرناه من أنه إذا ضر بها الطلق كان مخوفا بخلاف ما قبل ذلك لانه لا ألم بها واحتمال وجوده خلاف العادة فلا يثبت الحكم باحتماله البعيد مع عدمه كالصحيح وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله لانه لا مرض بهم وقد ذكرنا الخلاف في ذلك (فصل) فأما بعد الولادة فان بقيت المشيمة معها فهو مخوف وان مات الولد معها فهو مخوف لانه يصعب خروجه فان وضعت الولد وخرجت المشيمة فحصل ثم ورم أو ضربان شديد فهو مخوف وان لم يكن شئ من ذلك فقد روي عن أحمد في النفساء ان كانت ترمي الدم فعطيتها من الثلث فيحتمل أنه أراد بذلك إذا كان معه ألم للزومه ذلك في الغالب ويحتمل أن يحمل على ظاهره فانها إذا كانت ترمي الدم كانت كالمريض وحكمها بعد السقط مثل حكمها بعد الولد التام فان اسقطت مضغة أو علقة فلا حكم لها إلا أن يكون ثم مرض أو ألم وهذا كله مذهب الشافعي إلا أن مجرد الدم عنده ليس بمخوف (فصل) وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه واسقاطه كأرش جنايته وجناية عبده وما عاوض عليه بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافا وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وكذلك النكاح بمهر المثل يجوز من رأس المال لانه صرف ماله في حاجة
نفسه فقدم بذلك على وارثه وكذلك لو اشترى أمة للاستمتاع بها كثيرة الثمن بثمن مثلها أو اشترى من الاطعمة التي لا يأكل مثله مثلها جاز وصح شراؤه له لانه صرف ماله في حاجته وان كان عليه دين أو مات وعليه دين قدم بذلك على وارثه لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) (فصل) فاما ان قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون صح قضاؤه ولم يكن لسائر الغرماء الاعتراض عليه، وان لم يف بها ففيه وجهان (أحدهما) أن لسائر الغرماء الرجوع عليه ومشاركته فيما أخذه وهو قول أبي حنيفة لان حقهم تعلق بماله بمرض فمنع تصرفه فيه بما ينقص ديونهم كتبرعه ولانه لو وصى بقضاء بعض ديونه لم يجز فكذلك إذا قضاها (والثاني) لا يملكون الاعتراض عليه ولا مشاركته وهو قياس قول أحمد ومنصوص الشافعي لانه أدى واجبا عليه فصح
كما لو اشترى شيئا فأدى ثمنه أو باع بعض ماله وسلمه ويفارق الوصية فانه لو اشترى ثيابا مثمنة صح ولو وصى بتكفينه بثياب مثمنة لم يصح يحقق هذا أن إيفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه وقد صح عقيب البيع فكذلك إذا تراخى إذ لا أثر لتراخيه (فصل) وإذا تبرع المريض أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه أحمد فيمن أعتق عبده في مرضه ثم أقر بدين عتق العبد ولم يرد إلى الرق لان الحق ثبت بالتبرع في الظاهر فلم يقبل اقراره فيما يبطل به حق غيره * (مسألة) * (وان لم يف الثلث بالتبرعات المنجزة بدئ بالاول فالاول سواء كان الاول عتقا أو غيره) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد وان كانت من أجناس وكانت المحاباة متقدمة قدمت وان تأخرت سوي بينها وبين العتق وانما كان كذلك لان المحاباة حق آدمي على وجه المعاوضة فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين وإذا تساوى جنسها سوي بينها لانها عطايا من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوى بينها كالوصية وقال أبو يوسف ومحمد يقدم العتق تقدم أو تأخر
ولنا أنهما عطيتان منجزتان فكانت أولاهما أولى كما لو كانت الاولى محاباة عند أبي حنيفة أو عتقا عند صاحبه ولان العطية المنجزة لازمة في حق المعطي فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي لانه يملك الرجوع في بعضها بعطية أخرى بخلاف الوصايا فانها غير لازمة في حقه وانما تلزم بالموت في حال واحدة فاستويا لاستوائهما في حال لزومها بخلاف المنجزتين وما قاله في المحاباة لا يصح فانها بمنزلة الهبة ولو كانت بمنزلة المعاوضة أو الدين لما كانت من الثلث * (مسألة) * (وان تساوت قسم بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق) أما إذا وقعت دفعة واحدة بان وكل جماعة في هذه التبرعات فاوقعوها دفعة واحدة فان كانت كلها عتقا أقرعنا بينهم فكملنا العتق في بعضهم وان لم يكن فيها عتق قسمنا الثلث بينهم على قدر عطاياهم لانهم تساووا في الاستحقاق فقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس وانما خولف هذا الاصل في العتق لحديث عمران بن حصين
وسنذكر ذلك في موضعه، وان كان فيها عتق وغيره ففيه روايتان (احداهما) يقدم العتق لتأكده (والثانية) يسوى بين الكل لانها حقوق تساوت في استحقاقها فتساوت في تنفيذها كنما لو كات من جنس واحد لان استحقاقها حصل في حال واحدة (فصل) إذا قال المريض إذا أعتقت سعدا فسعيد حر ثم أعتق سعدا عتق سعيد ان خرج من الثلث وان لم يخرج من الثلث الا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما لوجهين (أحدهما) أن سعدا سبق بالعتق (والثاني) ان عتقه شرط لعتق سعيد فلو رق بعضه فات اعتاق سعيد أيضا لفوات شرطه وان بقي من الثلث ما يعتق به بعض سعيد عتق تمام الثلث منه، وان قال ان أعتقت سعدا فسعيد وعمرو حران ثم أعتق سعدا ولم يخرج من الثلث الا أحدهم عتق سعد وحده لما ذكرنا وان خرج من الثلث اثنان أو واحد وبعض آخر عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث لان عتقهما في حال
واحدة وليس عتق أحدهما شرطا في عتق الآخر، ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وان قال ان أعتقت سعدا فسعيد حر أو فسعيد وعمرو حران في حال اعتاقي سعدا فالحكم سواء لا يختلف لان عتق سعد شرط لعتقهما فلو رق بعضه لفات شرط عتقهما فوجب تقديمه فان كان الشرط في الصحة والاعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرناه (فصل) فان قال ان تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه باكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة تعتبر من الثلث فان لم يخرج من الثلث الا المحاباة أو العبد قدمت المحاباة لانها وجبت قبل العتق لكون التزويج شرطا في العتق فقد سبقت العتق ويحتمل ان يتساويا لان التزويج سبب لثبوت المحاباة وشرط للعتق فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه فيكونان سواء، ثم هل يقدم العتق على المحاباة؟ على روايتين وهذا فيما إذا ثبتت المحاباة بأن لا ترث المرأة الزوج اما لوجود مانع من الارث أو لمفارقته اياها في حياته اما بموتها أو طلاقها أو نحوه، فاما ان ورثته تبينا ان المحاباة لا تثبت لها الا باجازة الورثة فينبغي أن يقدم العتق عليها لانه لازم غير موقوف على الاجازة فيكون متقدما وان قال أنت حر في حال تزويجي فتزوج بأكثر من مهر المثل فعلى القول الاول يتساويان لان التزويج جعل حالة لايقاع العتق كما في عتق
سعد وسعيد وبطلان المحاباة لا يبطل التزويج ولا يؤثر فيه وعلى الاحتمال المذكور يكون العتق سابقا لان المحاباة انما تثبت بتمام التزويج والعتق قبل تمامه فيكون سابقا على المحاباة فيتقدم لهذا المعنى سيما إذا تأكد بقوته.
وكونه غير وارث (فصل) إذا أعتق المريض شقصا من عبد ثم أعتق شقصا من آخر ولم يخرج من الثلث الا العبد الاول عتق وحده لانه يعتق حين تلفظه باعتاق بعضه وان خرج الاول وبعض الثاني عتق ذلك وان أعتق الشقصين معا فلم يخرج من الثلث الا الشقصان عتقا ورق باقي العبدين وان لم يخرج الا أحدهما أقرع بينهما وان خرج الشقصان وباقئ أحد العبدين ففيه وجهان (أحدهما) تكميل العتق من أحدهما
بالقرعة بينهما كما لو أعتق العبدين فلم يخرج من الثلث الا أحدهما (والثاني) يقسم ما بقي من الثلث بينهما بغير قرعة لانه أوقع عتقا مشقصا فلم يكمله بخلاف ما لو أعتق العبدين ولهذا إذا لم يخرج من الثلث الا الشقصان اعتقناهما بغير قرعة ولم نكمله من أحدهما ولو وصى باعتاق النصيبين وان يكمل عتقهما من تلثه ولم يخرج من الثلث الا النصيبان وقيمة باقي أحدهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته كمل العتق فيه لان الموصي أوصى بتكميل العتق فجرى مجرى اعتاقهما بخلاف التى قبلها * (مسألة) * (وأما معاوضة المريض بثمن المثل فتصح من رأس المال وان كانت مع وارث) لانه ليس بوصية لان الوصية تبرع وليس هذا تبرعا فاستوى فيه الوارث وغيره ويحتمل أن لا يصح لوارث لانه خصه بعين المال أشبه ما لو حاباه * (مسألة) * (وان حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه ويصح فيما عداه) مثل أن يبيع شيئا بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن لانه تبرع له بنصف الثمن فبطل التصرف فيما تبرع له به وللمشتري الخيار لان الصفقة تبعضت في حقه * (مسألة) * (فان كان له شفيع فله أخذه فان أخذه فلا خيار للمشتري) لزوال الضرر عنه لانه لو فسخ البيع رجع بالثمن وقد حصل له الثمن من الشفيع (فصل) فان باع اجنبيا وحاباه لم يمنع ذلك صحة العقد عند الجمهور وقال أهل الظاهر
يبطل العقد.
ولنا عموم قوله تعالى (وأحل الله البيع ولانه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فعلى هذا لو باع عبدا لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث فان أجاز الورثة ذلك لزم البيع وان ردوا فاختار المشترى فسخ البيع فله ذلك لان الصفقة تبعضت في حقه فان اختار امضاء البيع فقال شيخنا عندي أنه يأخذ نصف المبيع بنصف
الثمن ويفسخ البيع في الباقي وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثي المبيع بالثمن كله والى هذا أشار القاضي في نحو هذه المسألة لانه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن وقال أهل العراق يقال له ان شئت أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع وان شئت فسخت ولا شئ لك وعند مالك له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسميه أصحابه خلع الثلث ولنا أن ما ذكرناه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميعه فصح ذلك كما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في احداهما لعيب أو غيره أو كما لو اشترى شقصا وسيفا فأخذ الشفيع الشقص أو كما لو اشترى قفيزا يساوي ثلثين بقفيز قيمته عشرة، وأما الوجه الثاني الذي اختاره القاضي فلا يصح لانه أوجب له المبيع بثمن فيأخذ بعضه بالثمن كله فلا يصح كما لو قال بعتك هذا بمائة فقال قد قبلت نصفه بها ولانه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه بقدره من ثمنه ولا يجوز فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه، وأما قول أهل العراق فان فيه اجبارا للورثة على المعاوضة على غير الوجه الذي عاوض موروثهم، وأما قول مالك فلا يصح لانه ذا فسخ البيع لم يستحق شيئا لان المحاباة إنما حصلت في ضمن البيع فإذا بطل البيع بطلت كما لو وصى لرجل بعينه أن يحج عنه بمائة وأجر المثل خمسون فطلب الخمسين الفاضلة بدون الحج.
وإن اشترى عبدا يساوي عشرة بثلاثين فانه يأخذ نصفها بنصفها وان باع العبد الذي يساوي ثلاثين بخمسة عشر جاز البيع في ثلثيه بثلثي الثمن في قول شيخنا وعلى قول القاضي للمشتري خمسة أسداسه بكل الثمن، وطريق هذا أن ينسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته فيصح البيع في مقدار تلك النسبة وهو خمسة
اسداسه وعلى الوجه الاول يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي فيصح البيع في
قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن فان خلف البائع عشرة أخرى فعلى الوجه الاول يصح في ثمانية اتساعه بثمانية أتساع الثمن وعلى الوجه الثاني يأخذ المشترى نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن * (مسألة) * (وان باع المريض اجنبيا وحاباه وكان شفيعه وارثا فله الاخذ بالشفعة) لان المحاباة لغيره يعني إذا باع شقصا تجب فيه الشفعة لان المحاباة انما وقعت للاجنبي فأشبه ما لو وصى لغريم وارثه ويحتمل أن لا يملك الوارث الشفعة ههنا لافضائه إلى جعل سبيل للانسان إلى اثبات حق وارثه في المحاباة وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه في الشفعة * (مسألة) * (ويعتبر الثلث عند الموت لانه وقت لزوم الوصية واستحقاقها وتثبت له ولاية القبول والرد فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله لخروجه من الثلث عند الموت وان صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شئ لان الدين يقدم على الوصية لما روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ويحتمل أن يعتق ثلثه لان تصرف المريض في الثلث كتصرف الصحيح في الجميع * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء (أحدها) انه يبدأ بالاول فالاول منها والوصايا سوى بين المتقدم والمتأخر منها) أما العطايا فقد ذكرنا حكمها والخلاف فيها، وأما الوصايا فانها تبرع بعد الموت فتؤخذ دفعة واحدة ولذلك استوى فيها المتقدم والمتأخر، (الثاني) انه لا يجوز الرجوع في العطية بخلاف الوصية لان العطية تقع لازمة في حق المعطي تنتقل إلى المعطى في الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض وإن كثرت فلم يكن له الرجوع فيها كالهبة وانما منع المريض من التبرع بزيادة على الثلث لحق الورثة لا لحقه فلم يملك اجازتها ولا ردها بخلاف الوصية لان التبرع بها مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية فهي كالهبة قبل القبول،
(الثالث) انه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها ويفتقر إلى شروط الهبة المذكورة لانها هبة منجزة فاعتبر لها
القبول عند وجودها كعطية الصحيح بخلاف الوصية فانه لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت على ما يأتي (فصل) والعطية تقدم على الوصية وهو قول الشافعي وجمهور العلماء وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر إلا في العتق فانه حكي عنهم تقديمه لان العتق يتعلق به حق الله تعالى ويسري وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه.
ولنا ان العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية كعطية الصحة أو فقدمت على العتق كعطية الصحة (الرابع) ان الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى فإذا خرج من الثلث عند الموت تبينا ان الملك كان ثابتا من حينه لان العطية في المرض تمليك في الحال لانها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال ولهذا يعتبر قبولها في المجلس كما لو كانت في الصحة، وكذلك إن كانت محاباة أو اعتاقا وأما كونها مراعاة فلانا لا نعلم هل هذا مرض الموت أو لا ولا نعلم هل يستفيد مالا أو يتلف شئ من ماله أو لا فتوقفنا لنعلم عاقبة أمره فنعمل عليها فإذا انكشف الحال علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد، ومثل ذلك ما لو أسلم أحد الزوجين بعد الدخول فانا لا ندري هل يسلم الثاني أم لا فنقف الامر حتى تنقضي العدة فان أسلم الآخر في العدة تبينا ان النكاح كان صحيحا باقيا وإن انقضت العدة قبل اسلامه تبينا ان النكاح انفسخ من حين اختلف دينهما * (مسألة) * (فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لانسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا وللموهوب إن كان موهوبا، وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك) إذا أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فللعبد من كسبه بقدر ما عتق منه وباقيه لسيده فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية لذلك ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من الكسب وينقص بذلك قدر المعتق منه فيدخل الدور فيستخرج ذلك بالجبر فيقال عتقق من العبد شئ وله من كسبه شئ لان كسبه مثله وللورثة من العبد شيئان لان لهم مثلي ما عتق منه وقد عتق منه شئ ولا يحسب على العبد ما حصل له من كسبه لان استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده فصار للعبد شيئان
وللورثة شيئان من العبد وكسبه فيقسم العبد وكسبه نصفين فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما، وإن كسب مثلي قيمته فله من كسبه شيئان صار له ثلاثة أشياء ولهم شيئان فيقسم العبد وكسبه أخماسا يعتق منه ثلاثة أخماس وله ثلاثة أخماس كسبه وللورثة خمساه وخمسا كسبه وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته فله من كسبه ثلاثة أشياء مع ما عتق منه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلثاه وله ثلثا كسبه وللورثة ثلثهما، وإن كسب نصف قيمته عتق منه شئ وله من كسبه نصف شئ ولهم شيئان فالجميع ثلاثة أشياء ونصف شئ فإذا بسطها انصافا صارت سبعة فله ثلاثة أسباعها فيعتق منه ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة وذلك مثلا ما عتق منه * (مسألة) * (وإن كان موهوبا لانسان فللموهوب له من العبد بقدر ما عتق منه وله من كسبه بقدر ذلك) فان كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئا فقد عتق منه مائة وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شئ فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلثمائة وتسعة وله من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من كسبه، فان كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شئ لان الدين مقدم على التبرع وإن لم يستغرق فقيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضى به الدين وما بقي منهما يقسم على ما يمل في العبد الكامل وكسبه، فعلى هذا لو كان على الميت دين بقيمة العبد صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه وقسم النصف الباقي بين الورثة والعتق نصفين وكذلك بقية الكسب، فان كسب العبد مثل قيمته وللسيد مال بقدر الكسب قسمت العبد ومثل قيمته على الاشياء الاربعة لكل شئ ثلاثة أرباع فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه (فصل) وإن أعتق عبدا قيمته عشرون ثم أعتق عبدا قيمته عشرة فكسب كل واحد منهما مثل قيمته أكملت الحرية في العبد الاول فيعتق منه شئ وله من كسبه شئ وللورثة شيئان ويقسم العبدان وكسبهما على الاشياء الاربعة لكل شئ خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي للورثة، وإن بدأ بعتق الادنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه
بينهما نصفين فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما عتق منهما، وإن أعتق العبدين دفعة واحدة أقرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدأ باعتاقه (فصل) فان أعتق ثلاثة أعبد قيمتهم سواء وعليه دين بقدر قيمة أحدهم وكسب أحدهم مثل قيمته أقرعنا بينهم لاخراج الدين، فان وقعت على غير المكتسب عتق كله والمكتسب وماله للورثة وإن وقعت قرعة الحرية على المكتسب عتق منه ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه وباقيه وباقي كسبه والعبد الآخر للورثة كما قلنا فيما إذا كان للسيد مال بقدر قيمته، ولو وقعت قرعة الدين ابتداء على المكتسب لقضينا الدين بنصفه ونصف كسبه ثم أقرعنا؟ ين باقيه وبين العبدين الآخرين في الحرية فان وقعت على غيره عتق كله وللورثة ما بقي، فان وقعت على المكتسب عتق باقيه وأخذنا باقي كسبه ثم يقرع بين العبدين لاتمام الثلث فمن وقعت عليه القرعة عتق ثلثه ويبقى ثلثاه والعبد الآخر للورثة (فصل) رجل أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة لا مال له غيرهما ثم مات أحدهما في حياته أقرع بين الحي والميت، فان وقعت على الميت فالحي رقيق وتبين ان الميت نصفه حر لان مع الورثة مثلي نصفه، وإن وقعت على الحي عتق ثلثه ولا يحسب المي؟؟؟؟ على الورثة لانه لم يصل إليهم (فصل) رجل أعتق عبدا لا مال له سواء قيمته عشره فمات قبل سيده وخلف عشرين فهي لسيده بالولاء وتبين انه مات حرا، وكذلك إن خلف أربعين وبنتا وإن خلف عشرة عتق منه شئ وله من كسبه شئ ولسيده شيئان وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل ستين فتبين ان نصفه حر وباقيه رقيق والعشرة يستحقها السيد نصفها بحكم الرق ونصفها بالولاء، فان خلف العبد ابنا فله من رقبته شئ ومن كسبه شئ لابنه بالميراث ولسيده شيئان فتقسم العشرة على ثلاثة للابن ثلثها وللسيد ثلثاها ونتبين انه عتق من العبد ثثه، وإن خلف بنتا فلها نصف شئ وللسيد شيئان فصارت العشرة على خمسة، للبنت خمسها وللسيد أربعة أخماسها تعدل ستين فتبين ان خمسي العبد مات حرا، وإن خلف العبد عشرين وابنا فله من كسبه شيئان يكونان لابنه ولسيده شيئان فصارت العشرون بين السيد وبين ابنه نصفين وتبين انه عتق منه نصفه فان مات الابن قبل موت السيد كان ابن معتقة
ورثه السيد لاننا تبينا أن أباه مات حرا لكون السيد ملك عشرين وهي مثلا قيمته فعتق وجر ولاء ابنه إلى سيده فورثه، وإن لم يكن الابن ابن معتقه لم ينجر ولاؤه ولم يرثه سيد أبيه، وكذلك الحكم لو خلف هذا الابن عشرين ولم يخلف أبوه شيئا أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت وإن لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه لان الاب لم يعتق، وإن عتق بعضه جر من ولاء ابنه بقدره، فلو خلف الابن عشرة وملك السيد خمسة فانك تقول عتق من العبد شئ ويجر من ولاء ابنه مثل ذلك ويحصل له من ميراثه شئ مع خمسة وهما يعدلان شيئين وباقي العشرة لمولى أمه فيقسم بين السيد وبين مولى الام نصفين ونتبين انه قد عتق من العبد نصفه ويحصل للسيد خمسة من ميراث ابنه وكانت له خمسة وذلك مثلا ما عتق من العبد، فان مات الابن في حياة أبيه قبل موت سيده وخلف مالا وحكمنا بعتق الاب أو عتق بعضه ورث مال أبيه إن كان حرا أو بقدر ما فيه من الحرية إن كان بعضه حرا ولم يرث سيده منه شيئا، وفي هذه المسائل خلا ف تركنا ذكره مخافة التطويل * (مسألة) * (وان أعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسبت نصف قيمتها) يعتق منها ثلاثة أسباعها وقد ذكرناه * (فصل) * وان وهبها مريضا آخر لا مال له غيرها ثم وهبها الثاني للاول وماتا جميعا فنقول صحت هبة الاول في شئ وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الثاني ثلثا شئ ولورثة الاول شيئان فاضر بها في ثلثه لزوال الكسر يكن ثمانية أشياء تعدل الامة الموهوبة فلورثة الواهب الاول ثلاثة أرباعها ستة ولورثة الثاني ربعها شيئان وان شئت قلت المسألة من ثلاثة لان الهبة صحت في ثلث المال وهبة الناني صحت في ثلث الثلث فتكون من ثلاثة اضر بها في أصل المسألة تكن تسعة أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية لاننا لو رددناه على الاول لوجب رده على جميع السهام الباقية إذ يلزم من زيادة الباقي للواهب الاول زيادة الجزء الذي صحت فيه الهبة الاولى فيسقط كما يسقط الباقي في مسألة الرد إذ العلة في إسقاطه ثم أننا لو رددناه لرددناه على جميع السهام بالسوية فإذا أسقطنا ذكره عاد على جميع السهام كذلك ههنا إذا أسقطنا هذا السهم بقيت المسألة من ثمانية كما ذكرنا
(فصول في هبة المريض) رجل وهب أخاه مائة لا يملك غيرها فقبضها ثم مات وخلف بنتا فقد صحت الهبة في شئ والباقي للواهب ورجع إليه بالميراث نصف الشئ الذي جازت الهبة فيه صار معه مائة الا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمسا ذلك رجع إلى الواهب نصفها عشرون صار معه ثمانون وبقي لورثة الموهوب له عشرون وطريقها بالباب ان يأخذ عددا لثلثه نصف وهو ستة فيأخذ ثلثه اثنين ويلغى نصفه سهما يبقى سهم فهو للموهوب له ويبقى للواهب أربعة فتقسم المائة بينهما على خمسة والسهم الذي أسقطته لا يذكر لانه يرجع على جميع السهام الباقية بالتسوية فيجب اطراحه كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الرد ولو ترك ابنتين ضربت ثلاثة في ثلاثة صارت تسعة وأسقطت منهما سهما يبقى سهمان فهي التي تبقى لورثة الموهوب له وتبقى ستة للواهب وهي مثلا ما جازت الهبة فيه وان خلف امرأة وبنتا فمسئلتها من ثمانية نضربها في ثلاثة تكن اربعة وعشرين يسقط منهما الثلاثة التي ورثها الواهب يبقى أحد وعشرون فهي المال ويأخذ ثلث الاربعة والعشرين وهي ثمانية يلغى منها الثلاثة يبقى خمسة في الباقية لورثة الموهوب له والباقي للواهب فتقسم المائة على هذه السهام (فصل) وان وهب رجلا جارية فقبضها الموهوب له ووطئها ومهرها ثلث قيمتها ثم مات الواهب ولا شئ له سواها وقيمتها ثلاثون ومهرها عشرة فقد صحت الهبة في شئ وسقط عنه من مهرها ثلث شئ وبقي للواهب أربعون الا شيئا وثلثا يعدل شيئين أجبر وقائل يخرچ الشئ خمس ذلك وعشرة وهو اثنا عشر وذلك خمسا الجارية فقد صحت الهبة فيه ويبقى للوارث ثلاثة أخماسها وله على الموهوب له ثلاثة أخماس مهرها وهو ستة ولو كان الواطئ أجنبيا فكذلك ويكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه للواهب وخمساه للموهوب له الا أن تعود الهبة فيما زاد على الثلث منها موقوف على حصول المهر من الوطئ فان لم يحصل منه شئ لم تزد الهبة على ثلثها وكلما حصل من شئ نفذت الهبة في الزيادة بقدر
ثلثه فان وطئها الواهب فعليها من عقرها بقدر ما جازت الهبة فيه وهو ثلث شئ يبقى معه ثلاثون إلا شيئا وثلثا يعدل شيئين فالشئ تسعة وهو خمس الجارية وعشرها وسبعة أعشارها لورثة الواطئ
وعليه عقر الذي جازت الهبة فيه ئلاثة فان أخذ من الجارية بقدرها صار له خمساها (فصل) وان وهب مريض عبدا لا يملك غيره فقتل العبد الواهب قيل للموهوب له اما أن تفديه واما أن تسلمه فان اختار تسلميه سلمه كله نصفه بالجناية ونصفه لانتقاص الهبة وذلك لان العبد كله قد صار إلى ورثة الواهب وهو مثلا نصفه فتبين ان الهبة جازت في نصفه فان اختار فداه ففيه روايتان احداهما يفديه باقل الامرين من قيمة نصيبه فيه اوراش جنايته والاخرى يفديه بقدر ذلك من ارش جنايته بالغة ما بلغت فان كانت قيمته دية فانك تقول صحت الهبة في شئ ويدفع إليهم نصف العبد وقيمة نصفه وذلك يعدل شيئين فتبين ان الشي نصف العبد وان كانت قيمته ديتين واختار دفعه فان الهبة تجوز في شئ ويدفع إليهم نصفه يبقى معهم عبد الا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمساه ويرد إليهم ثلاثة اخماسه لانتقاض الهبة وخمسا من اجل جنايته فيصير لهم اربعة اخماسه وذلك مثلا ما جازت الهبة فيه وان اختار فداءه فداه بخمسي الدية أو اقل وقلنا يفديه بأرش جنايته نفذت الهبة في جميعه لان ارشها أكثر من مثلي قيمته وان كانت قيمته ثلاثة اخماس الدية فاختار فداءه بالدية فقد صحت الهبة في شئ ويفديه بشئ وثلثين فصار مع الورثة عبد وثلثا شئ يعدل شيئين فالشئ يعدل ثلاثة ارباع فتصح الهبة في ثلاثة ارباع العبد ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة ارباع الدية سبعمائة وخمسون صار الجميع تسعمائة وهو مثلا ما صحت الهبة فيه فان ترك الواهب مائة دينار فاضممها إلى قيمة العبد فان اختار دفع العبد دفع ثلثه وربعه وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص الهبة فيصير للورثة العبد والمائة وذلك ما جازت الهبة فيه وان اختار الفداء فقد علمت انه يفدي ثلاثة ارباعه إذا لم يترك شيئا فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة يصر ذلك سبعة أثمان العبد فيفديه سبعة أثمان الدية (فصل) في إعتاق المريض: مريض أعتق عبدا لا مال سواه قيمته مائة فقطع أصبع سيده خطأ فانه يعتق نصفه وعليه نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق منه وأوجبنا
نصف قيمته عليه لان عليه من ارش جنايته بقدر ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شئ وعليه شئ للسيد فصار مع السيد عبد إلا شيئا وشئ يعدل شيئين فأسقط بشئ بقي ما معه من العبيد يعدل شيئا
مثل ما عتق منه، وإن كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه لانه يعتق منه شئ وعليه نصف شئ للسيد فصار للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فتكون بقية العبد تعدل شيئا ونصفا وهو ثلاثة أخماسه والشئ الذي عتق خمساه، وإن كانت قيمته خمسين أو أقل عتق كله لانه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر، وإن كانت قيمته شيئين قلنا عتق منه شئ وعليه شئ وثلثا شئ للسيد مع بقية العبد تعدل شيئين فبقية العبد إذا ثلث شئ فيعتق منه ثلاثة أرباعه وعلى هذا القياس إلا ان ما زاد من العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما إذا ما دبر عبدا وله دين في ذمة غريم له فكلما اقتضى من القيمة شيئا عتق من الموقوف بقدر ثلثه (فصل) فان أعتق عبدين دفعة واحدة قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الادنى على الا رفع جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك في جناية السيد ثم مات أقرعنا بين العبدين فان وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه من أرش الجناية مثل ذلك وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر وذلك مائة وستون وهو مثلا ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شئ وعليه نصف شئ لان جنايته بقدر نصف قيمته بقي للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فعلمت ان بقية العبدين تعدل شيئا ونصفا فإذا أضفت إلى ذلك الشئ الذي عتق صارا جميعا يعدلان شيئين ونصفا، فالشئ الكامل خمساهما وذلك أربعة أخماس أحدهما، وإن وقعت قرعة الحرية على المجني عليه عتق ثلثه وله ثلث ارش جنايته يتعلق برقبة الجاني وذلك تسع الدية لان الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق، والواجب من الارش يستغرق قيمة الجاني فيستحقة بها ولا يبقى لسيده مال سواه فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه فان أعتق عبدين قيمة أحدهما خمسون والآخر قيمته ثلاثون فجنى الادنى على الا رفع فنقصه حتى صارت قيمته أربعين أقرعنا بينهما فان خرجت القرعة للادنى عتق منه شئ وعليه ثلث شئ فبعد الجبر تبين أن العبدين شيئان وثلثان فالشئ ثلاثة أثمانهما وقيمتهما
سبعون فثلاثة أثمانهما ستة وعشرون وربع وهي من الادنى نصفه وربعه وثمنه، وان وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني فيأخذه بها أو يفديه المعتق وقد ثبتت فروع كثيرة
وفيما ذكرنا ما يستدل به على غيره إن شاء الله تعالى وكل موضع زاد المعتق على ثلث العبدين من أجل وجوب الارش للسيد تكون الزيادة موقوفة على أداء الارش كما ذكرنا من قبل والله أعلم * (مسألة) * (وان باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة وهما جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا لكونه يحرم التفاضل بينهما فالطريق في ذلك أن يسقط قيمة الردئ من قيمة الجيد ثم ينسب الثلث إلى ما بقي وهو عشرة من عشرين وذلك نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الردئ ويبطل فيما بقي) وطريق الجبر أن تقول يصح البيع في شئ من الا رفع بشئ من الادنى وقيمته ثلث شئ فتكون المحاباة بثلثي شئ ألقها من الا رفع يبق قفيز الا ثلثي شئ يعدل مثلي المحاباة وذلك شئ وثلث فإذا جبر به عدل شيئين والشئ نصف القفيز فان كانت قيمة الادنى خمسة عشر فإذا أسقطت قيمة الردئ من قيمة الجيد يبقى خمسة عشر إذا نسبت اليهما الثلث يكن ثلثيها فيصح البيع في ثلثي الجيد بثلثي الردئ فحصلت المحاباة بعشرة وذلك ثلث المال.
فان كان الادنى يساوي عشرين صحت في جميع الجيد بجميع الردئ * (مسألة) * (وان أصدق امرأة عشرة في مرضه لا مال له غيرها) وصداق مثلها خمسة ثم ماتت قبله ومات بعدها ولا مال لها سوى ما أصدقها دخلها الدور فنقول لها خمسة بالصداق وشئ بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة الاشياء ورجع إليهم بموتها نصف ذلك وهو اثنان ونصف ونصف شي صار لهم سبعة ونصف الا نصف شئ يعدل شيئين أجبرها بنصف شئ وقابل فزد على الشيئين نصف شئ يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفا فالشئ ثلاثة فلورثته ستة ولورثتها اربعة لانها كان لها خمسة وشئ وذلك ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة صار لهم ستة ولورثتها أربعة على ما ذكرنا فان ترك الزوج خمسة اخرى قلت يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف الا نصف شئ تعدل شيئين فالشئ خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة
الزوج وبقي لورثتها صداق مثلها فان كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شئ قلت يبقى مع ورثة الزوج
عشرة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمستها أربعة عشر رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة، وان كان عليها دين ثلاثة قلت يبقى مع ورثة الزوج ستة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ ديناران وخمسان والباب في هذا أن ينظر ما بقي في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشئ الذي صحت المحاباة فيه وذلك لانه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا، والشئ هو خمساها، وان شئت أسقطت خمسة وأخذت نصف ما بقي * (مسألة) * (وان مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة) لان حكمها في المرض حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث وعنه تعتبر المحاباة من الثلث لانها محاباة لمن تجوز له الصدقة عليه فاعتبرت من الثلث كمحاباة الاجنبي الا أن أبا بكر قال هذا قول قديم رجع عنه (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه انه أعتقه في صحته وهو وارثه عتق ولم يرث ذكره أبو الخطاب لانه لو ورثه كان اقراره لوارث فيبطل عتقه لانه مرتب على صحة الاقرار ولا يصح الاقرار للوارث وإذا بطل عتقه سقط الارث فعلى هذا نثبت الحرية ولا يرث لان توريثه يفضي إلى اسقاط توريثه ويحتمل أن يرث لانه حين الاقرار لم يكن وارثا فوجب أن يرث كما لو لم يصر وارثا وعلى قياس ذلك لو اشترى دار حمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصى له به أو وهب له فقبله في مرضه فالحكم في ذلك كالمسألة قبلها سواء لما ذكرنا وذكر شيخنا أنه إذا ملكه بغير عوض كالهبة والميراث انه يعتق ويرث المريض إذا مات وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يعتق ولا يرث كما قال أبو الخطاب لان عتقه وصية فلا تجتمع مع الميراث وهذا لا يصح لانه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه وجعل أهل العراق عتق الموهوب وصية يعتبر خروجه من الثلث، وان خرج من الثلث عتق وورث، وان لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه ولم يرث في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يحتسب بقيمته من ميراثه فان فضل من قيمته شئ سعى فيه
ولنا أن الوصية هي التبرع بعطية أو اتلاف أو السبب إلى ذلك ولم يوجد واحد منهما لان العتق
ليس من فعله ولا يقف على اختياره، وقبول الهبة ليس بعطية ولا اتلاف لماله انما هو تحصيل لشئ يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشئ لا يمكنه حفظه أو لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه وفارق الشراء فانه تضييع لماله في ثمنه قال القاضي هذا المذكور قياس قول احمد لانه قال في مواضع إذا وقف في مرضه على ورثته صح ولم تكن وصية لان الوقف ليس بمال لانه لا يباع ولا يورث قال الخبري هذا قول احمد وابن الماجشون وأهل البصرة ولم يذكر فيه عن احمد خلافه فاما ان اشترى من يعتق عليه فقال القاضي ان حمله الثلث عتق وورثه وهذا قول مالك وأبي حنيفة، وان لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ويرث بقدر ما فيه من الحرية وباقيه على الرق فان كان الوارث ممن يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه إذا ورثه، وقال أبو يوسف ومحمد لا وصية لوارث ويحتسب بقيمته من ميراثه وان فضل من قيمته شئ سعي فيه، وقال بعض أصحاب مالك يعتق من رأس المال ويرث كالموهوب والموروث وهو قياس قول احمد لكونه لم يجعل الوقف وصية واجازه للوارث فهذا أولى لان العبد لا يملك رقبته فيجعل ذلك وصية له ولا يجوز أن يجعل الثمن وصية له لانه لم يصل إليه ولا وصية للبائع لانه قد عاوض عنه وانما هو كبناء مسجد وقنطرة في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به فلا يمنعه ذلك الميراث واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله فقال بعضهم إذا حمله الثلث عتق وورث لان عتقه ليس بوصية له على ما ذكرنا، وقيل يعتق ولا يرث لانه لو ورث لصارت وصية لوارثه فتبطل وصيته ويبطل عتقه وارثه فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه فكان ابطال توريثه أولى، وقيل على مذهبه شراؤه باطل لان ثمنه وصية والوصية يقف خروجها من الثلث أو اجازة الورثة، والبيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفا، ومن مسائل ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة وخلف مائتي درهم وابنا آخر فانه يعتق وله مائة ولاخيه مائة وهذا قول ابي حنيفة ومالك والشافعي، وقيل على قول الشافعي لا يرث والمئتان كلها للابن الآخر، وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف نفسه ونصف المائتين ويحتسب بقيمة نصفه الباقي من ميراثه، وإن كانت قيمته مائتين وبقية التركة مائة عتق من رأس المال والمائة
بينه وبين أخيه وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يعتق منه نصفه لانه قدر ثلث التركة
ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث لان المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع الرجل يعتق أمته على أن تتزوجه، والمرأة تعتق عبدها على أن يتزوجها فيأبيان ذلك، والعبد المرهون يعتقه سيده والمشترى للعبد نصفه قبل قبضه وهما معسران ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته وهو حر يرث وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف التركة وذلك ثلاثة أرباع رقبته ويسعى في ربع قيمته لاخيه فان وهب له ثلاث أخوات متفرقات لا مال له سواهن ولا وارث عتقن من رأس المال وهذا قول مالك وان كان اشتراهن فكذلك فيما ذكره الخبري عن أحمد وهو قول ابن الماجشون وأهل البصرة وبعض أصحاب مالك وعلى قول القاضي يعتق ثلثهن في أحد الوجهين وهو قول مالك وفي الآخر يعنقن كلهن لكون وصية من لا وارث له جائزة في جميع ماله في أصح الروايتين، وان ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن، وقال ابو حنيفة إذا اشتراهن أو وهبن له ولا مال له سواهن ولا وارث عتقن وتسعى كل واحدة من الاخت للاب والاخت من الام في نصف قيمتها للاخت للابوين وانما لم يرثا لانهما لو ورثتا لكان لهما خمس وذلك رقبة وخمس بينهما نصفين فكان يبقى عليهما سعاية وإذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا وكانت لهما الوصية وهي رقبة بينهما نصفين وأما الاخت للابوين فإذا ورثت عتقت لان لها ثلاثة أخماس الرقاب وذلك أكثر من قيمتها فورثت وبطلت وصيتها وقال أبو يوسف ومحمد يعتقن وتسعى كل واحدة من الاخت للاب والاخت للام للاخت من الابوين في خمسي قيمتها لان كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة وعلى قول الشافعي لا يعتقن
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: