الفقه الحنبلي - الشراكة -
حتى يسلم رأس المال إلى ربه، ومتى كان في المال خسارن وربح جبرت الوضيعة من
الربح سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أو الخسران في صفقة والربح في الاخرى أو أحد هما في سفرة والآخر في أخرى لان الربح هو الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح ولام نعلم في هذا خلافا (فصل) وفي ملك العامل نصيبه من الربح قبل القسمة روايتان (إحداهما) يملكه ذكره القاضي وهو قول أبي حنيفة (والاخرى) لا يملكه ذكرها أبو الخطاب وهو قول مالك وللشافعي قولان كالروايتين واحتج من لم يملكه انه لو ملكه لاختص بربحه ولو جب أن يكون شريكا لرب المال كشريكي العنان، ووجه الاول ان الشرط صحيح فيثبت مقتضاه وهو ان يكون له جزء من الربح فإذا وجد وجب أن يملكه بحكم الشرط كما يملك المساقي حصته من الثمرة بظهورها وقياسا على كل شرط صحيح في عقد ولانه مملوك ولا بد له من مالك ورب المال لا يملكه اتفاقا ولا تثبت أحكام الملك في حقه فلزم أن يكون للمضارب ولانه يملك المطالبة بالقسمة فكان مالكا كأحد شريكي العنان ولا يمتنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال كنصيب رب المال من الربح وبهذا امتنع اختصاصه بربحه ولانه لو اختص بربحه لا ستحق من الربح أكثر مما شرط له ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه، قال أحمد في المضارب يطأ جارية من المضاربة فان لم يكن ظهر في المال ربح لم تكن أم ولده وإن ظهر فيه ربح فهي أم ولده وفيه دليل على انه يملك الربح بالظهور وهذا ظاهر المذهب (فصل) إذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة ثم أخذ رب المال منها عشرة لم ينقص رأس
المال بالخسران لانه قد يربح فيجبر الخسران لكنه ينتقص بما أخذه رب المال وهي العشرة وقسطها من الخسران وهو درهم وتسع ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية اتساع درهم فان كان أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين لانه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع ولذلك إذا ربح المال ثم أخذ رب المال بعضه كان ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين فأخذها رب المال بعضه كان المال ثلاثة وثمانين وثلثا لانه أخذ سدس المال فنقص رأس المال سدسه وهو ستة عشروثلثان وحقها
من الربح ثلاثة وثلث، ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين لانه أخذ نصف المال فبقي نصفه وان كان أخذ خمسين بقي ثمانية وخسمون وثلث لانه أخذ ربح المال وسدسه بقي ثلثه وربعه وهو ما ذكرنا فان أخذ ستين ثم خسر في الباقي فصار أربعين فردها كان له على رب المال خمسة لان ما أخذه منه الرب المال انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر بربحه خسران ما بقي في يده لمفارقته اياه وقد أخذ منه الربح عشرة لان سدس ما أخذه ربح فكانت العشرة بينهما وإن لم يرد الاربعين كلها بل رد منها الى رب المال عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين (مسألة) (فان اشترى سلعتين فربح في احداهما وخسر في الاخرى أو تلفت جبرت الوضعية من الربح) إذا دفع إلى المضارب الفين فاشترى بكل ألف عبدا فربح في أحدهما وخسر في الآخر أو تلف وجب جبر الخسران من الربح ولا يستحق المضارب شيئا الا بعد كمال الالفين وبه قال الشافعي الافيما
إذا تلف أحد العبدين فان أصحابه ذكر وافيه وجها ثانيا ان التالف من رأس المال لانه بدل أحد الالفين ولو تلف أحد الالفين كان من رأس المال فكذلك بدله ولنا ان تلفه بعد ان دار في القراض وتصرف في المال بالتجارة فكان تلفه من الربح كما لو كان رأس المال دينارا فاشترى به سلعتين ولانهما سلعتان تجبر خسارة احداهما بربح الاخرى فجبر تلفها به كما لو كان رأس المال دينارا واحدا ولانه رأس مال واحد فلا يستحق المضارب فيه ربحا حتى يكمل رأس المال كالذي ذكرنا (مسألة) (ان تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة) وكان رأس المال الباقي خاصة وقال بعض أصحاب الشافعي مذهب الشافعي ان التالف من الربح لان المال انما يصير قراضا بالقبض فلا فرق بين هلاكه قبل التصرف أو بعده ولنا انه مال هلك على جهته قبل التصرف فيه فكان رأس المال الباقي كما لو تلف قبل القبض وفارق ما بعد التصرف لانهه دار في التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح
(فصل) إذا دفع إليه ألفا مضاربة ثم دفع إليه ألفا آخرو اذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الاول جاز وصار مضاربة واحدة كما لو دفعهما إليه جميعا، وان كان بعد التصرف في الاول في شراء المتاع لم يجزلان حكم الاول استقر وكان ربحه وخسرانه مختصا فضم الثاني إليه يوجب جبر خسران أحدهما بربح الآخر فإذا شرط ذلك في الثاني فسد فان نض الاول جاز ضم الثاني إليه لزوال هذا المعنى وان لم يأذن في ضم الثاني إلى الاول لم يجز نص عليه أحمد وقال اسحاق له ذلك قبل ان يتصرف في الاول ولنا انه أفرد كل واحد بعقد فكان عقدين لكل عقد حكم نفسه فلا يجبر وضيعة أحدهما ربح الآخر كما لو نهاه عن ذلك
(مسألة) (وان تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة به فهي له وثمنها عليه سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك إلا أن يجبزه رب المال) وذلك لانه اشتراها في ذمته وليست من مال المضاربة فاختصت به لانه لو صح شراؤه للمضاربة لكان مستدينا على غيره والاستدانة على الانسان بغير إذنه لا تجوز، فان أجازة رب المال جاز في إحدى الروايتين والثمن عليه لان من اشترى شيئا لغيره بغير اذنه وقف على إجازته فان أجازه فهو له والا فهو للمشتري وهذا كذلك، والثانية هو للعامل على كل حال لان هذا زيادة في مال المضاربة فلا تجوز (مسألة) (فان تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال) لانه دار في التجارة ويصير رأس المال هذا الثمن دون التالف لان الاول تلف قبل التصرف فيه وهذا قول بعض الشافعية ومنهم من قال رأس المال هو التالف حكي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن ولنا ان التالف تلف قبل التصرف فيه فلم يكن من رأس المال كما لو تلف قبل الشراء فلو اشترى عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال خمسين لان رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الجبران، ولو لم يتلف العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من الربح خمسة لان سدس ما أخذه رب المال ربح للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي ويبقى رأس المال
خمسين فان اقتسما الربح خاصة ثم خسر عشرين فعلى العامل رد ما أخذه وبقي رأس المال تسعين لان العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال
(فصل) ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وان اقتسما الربح قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن المضارب يربح ويضع مرارا فقال يرد الوديعة على الربح الا أن يقبض المال صاحبه ثم يرده إليه فيقول اعمل به ثانية فما ربح بعد ذلك لا يجبر به وضيعة الاول فهذا ليس في نفسي منه شئ وأمامالم يدفع فحتى يحتسبا حسابا كالقبض كما قال ابن سيربن، قيل وكيف يكون حسابا كالقبض؟ قال يظهر المال يعني ينض ويجئ فيحتسبان عليه فان شاء صاحب المال قبضه، قيل له فيحتسبان على المتاع؟ فقال لا يحتسبان الا على الناض لان المتاع قد ينحط سعره ويرتفع.
قال أبو طالب قيل لاحمد رجل دفع إلى رجل عشرة ألاف درهم مضاربة فوضع فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له اذهب فاعمل بها فربح؟ قال يقاسمه ما فوق الالف يعني إذا كانت الالف ناضة حاضرة ان شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها إليه فأما قبل ذلك فلا شئ للمضارب حتى يكمل عشرة آلاف ولو أن رب المال والمضارب اقتسما الربح وأخذ أحدهما شيئا باذن الآخر والمضاربة بحالها ثم خسر المضارب رد ما أخذ من الربح لا ننا تبينا انه ليس بربح ما لم تنجبر الخسارة والله أعلم (مسألة) (وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شئ الا بأذن رب المال) لا نعلم في هذا بين اهل العلم خلافا لثلاثة امور، احدها ان الربح وقاية لرأس المال فلا يؤمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابراله فيخرج بذلك عن كونه ربحا، الثاني ان رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه الثالث، ان ملكه غير مستقر عليه لانه بعرض ان يخرج عن يديه لجبران خسارة المال فان اذن رب المال في ذلك جاز لان الحق لا يخرج عنهما (مسألة) (وإذا طلب العامل البيع فابى رب المال أجبر ان كان فيه ربح وإلا فلا)
وجملة ذلك ان المضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ احدهما ايهما كان وبموته والحجر عليه لسفه كالوكالة، ويستوي في ذلك ما قبل التصرف وبعده فان انفسخت والمال ناض لا ربح فيه أخذه وبه فان كان فيه ربح قسماه على ما شرطا فان انفسخت والمال عرض فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لان الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه وان طلب العامل البيع فابى رب المال وقد ظهر في المال ربح اجبر رب المال على البيع وهذا قول الثوري واسحاق لان حق العامل في الربح ولا يظهر الا بالبيع وان لم يظهر ربع لم يجبر لانه لاحق له فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلم يبجر على بيعه وهذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال بعضهم فيه وجه آخر أنه يجبر لانه ربما زاد فيه راغب فزاد على ثمن الثمل فيكون للعامل في البيع حظ ولنا أن المضارب انما استحق الربح إلى حين الفسخ وذلك لا يعلم إلا بالتقويم ألا ترى أن المستعير إذا غرس أو بنى أو المشتري كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك إلى مستحق الارض؟ فههنا أولى وما ذكروه من احتمال الزيادة بزيادة راغب على القيمة فانما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل (مسألة) (وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا أو طلب البيع فله ذلك) أما إذا رضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا فله ذلك لانه أسقط البيع عن المضارب وأخذ العروض بثمنها الذي يحصل من غيره، وأما إذا طلب البيع وأبى العامل ففيه وجهان (أحدهما) يجبر العامل عليه وهو قول الشافعي لان عليه رد المال ناضا كما أخذه (والثاني) لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح وأسقط العامل حقه من الربح لانه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده فزالت وكالته قبل رده، ولو كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو بالعكس فهو كما لو كان عرضا على ما شرح وإذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لانه شركة بينهما ولا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه ولانه إنما لزمه أن ينض رأس المال ليرد إليه المال على صفته ولا يوجد هذا المعنى في الربح.
(مسألة) (وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه) سواء ظهر في المال ربح أولم يظهر وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه إلا أن يظهر ربح لانه لا غرض له في العمل فهو كالوكيل ولنا أن المضاربة تقتضي رد المال على صفته والديون لا تجري مجرى الناض فلزمه أن ينضه كما لو ظهر
ربح وكما لو كان رأس المال عرضا، ويفارق الوكيل فانه لا يلزمه رد المال كما قبضه ولهذا لا يلزمه بيع العروض ولا فرق بين كون الفسخ من العامل أو رب المال فان اقتضى منه قدر رأس المال أو كان الدين قدر الربح أو دونه لزم العامل تقاضيه أيضا لانه إنما يستحق نصيبه من الربح عند وصوله اليهما على وجه يمكن قسمته ووصول كل واحد منهما إلى حقه لا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه (فصل) إذا مات أحد المتقارضين أو جن انفسخ القراض وقد ذكرناه فان كان برب المال فأراد الوارث أو وليه اتمامه والمال ناض جازو يكون رأس المال وحصته من الربح رأس المال وحصة العامل من الربح شركة له مشاع وهذه الاشاعة لا تمنع لان الشريك هو العامل وذلك لا يمنع التصرف: وإن كان المال عرضا وأرادوا إتمامه فظاهر كلام احمد جوازه لانه قال في رواية علي بن سعيد إذا مات رب المال لم يجز للعامل أن يبيع ويشتري إلا باذن الورثة، فظاهر هذا إبقاء العامل على قراضه وهو منصوص الشافعي لان هذا إنمام للقراض لا ابتداء له ولان القراض إنما منع منه في العروض لانه يحتاج عند المفاصلة إلى رد مثلها أو قيمتها ويختلف ذلك باخلاف الاوقات وهذا غير موجود ههنا لان رأس المال غير العروض وحكمه باق ألا ترى أن للعامل أن يبيعه ليسلم رأس المال ويقسم الباقي؟ وذكر القاضي وجها آخر أنه لا يجوز لان القراض قد بطل بالموت وهذا اتبداء قراض على عروض، قال شيخنا وهذا الوجه أقيس لان المال لو كان ناضا كان ابتداء قرض وكانت حصة العامل من الربح شركة يختص بها دون رب المال
وإن كان المال ناقصا بخسارة أو تلف كان رأس المال الموجود منه حال ابتداء القراض فلو جوزنا ابتداء القراض ههنا وبناء هما على القراض لصارت حصة المضاربة من الربح غير مختصة به وحصتها من الربح مشتركة بينهما وحسبت عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصا، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلاف وكلام أحمد محمول على أنه يبيع ويشتري باذن الورثة كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض، فاما إن مات العامل أو جن وأراد رب المال ابتداء القراض مع وارثه أو وليه والمال ناض جاز كما قلنا فيما إذا مات رب المال، وإن كان عرضا لم يجز ابتداء القراض على العروض بأن تقوم العروض ويجعل رأس المال قيمتها يوم العقد لان الذي كان منه العمل قد جن أو مات وذهب عمله ولم يخلف أصلايني عليه
وارثه بخلاف ما إذا مات رب المال فان مال القراض موجود ومنافعه موجودة فأمكن استدامة العقد وبناء الوارث عليه، وإن كان المال ناضا جاز ابتداء القراض فيه فان لم يبتدئاه لم يكن للوارث شراء ولا يبع لان رب المال إنما رضي باجتهاد وارثه فإذا لم يرض ببيعه رفعه إلى الحاكم ليبيعه فان كان الميت رب المال فليس للعامل الشراء لان القراض انفسخ واما البيع فالحكم فيه وفي التقويم واقتضاء الدين على ما ذكرناه إذا انفسخت المضاربة ورب االمال حي (مسألة) (وان قارض في المرض فالربح من رأس المال وإن زاد على أجر المثل) إذا قارض في مرضه صح لانه عقد يبتغى فيه الفضل أشبه البيع والشراء وللعامل ما شرط له وإن زاد على أجر مثله ولا يحتسب به من ثلثه لان ذلك غير مستحق من رب المال وإنما حصل بعمل المضارب فما يوجد من الربح المشروط يحدث على ملك العامل ولا يزاحم به أصحاب الوصايا لانه لو أقرض المال كان الربح كله للمقترض فبعضه أولى وهذا بخلاف ما لو حابى الاجير في الاجرة فانه يحتسب بما حاباه من ثلثه لان الاجر يؤخذ من ماله، ولو شرط في المساقاة والمزارعة أكثر من أجر المثل احتمل أن لا
يحتسب به من ثلثه لان الثمرة تخرج على ملكيهما كالربح في المضاربة واحتمل أن يكون من ثلثه لان الثمرة زيادة في ملكه خارجة من عينه والربح لا يخرج من عين المال إنما يحتل بالتقليب (مسألة) (ويقدم به على سائر الغرماء إذا مات رب المال) لانه يملك الربح بالظهور فكان شريكا فيه ولان حقه متعلق بعين المال دون الذمة فكان متقدما على المتعلق بالذمة كحق الجناية أو كالمرتهن (مسألة) (وان مات المضارب ولم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركته) وكذلك الوديعة ولصاحبه أسوة الغرماء وقال الشافعي ليس على المضارب شئ لانه لم يكن في ذمته وهو حي ولم يعلم حدوث ذلك بالموت فانه يحتمل أن يكون المال قد هلك ولنا أن الاصل بقاء المال في يده واختلاطه بجملة التركة ولا سبيل إلى معرفة عينه فكان دينا كالوديعة إذا لم يعرف عينها وكما إذا خلطها بماله على وجه لا يتميز منه ولانه لا سبيل إلى اسقاط حق رب المال لان الاصل بقاؤه ولم يوجد ما يعارض ذلك ويخالفه ولا سبيل إلى اعطائه عينا من التركة لانه
يحتمل أن تكون غير مال المضاربة فلم يبق إلا تعلقه بالذمة (فصل) قال رضي الله عنه (والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران) لانه متصرف في مال غيره باذنه لا يختص بنفعه أشبه الوكيل بخلاف المستعير فان قبضه المنفته خاصة والقول قوله فيما يدعيه من تلف المال أو بعضه أو خسارة فيه ولا ضمان عليه في ذلك كالوكيل والقول قوله فيما يدعى عليه من خيانة أو تفريط وفيما يدعي أنه اشتراه لنفسه أو للقراض لان الاختلاف ههنا في نيته وهو أعلم بها لا يطلع عليها غيره فكان القول قوله فيما نواه كما لو اختلف الزوجان في نية الزوج بكناية الطلاق ولانه امين في الشراء فكان القول قوله كالوكيل، ولو اشترى عبدا فقال رب المال كنت نهيتك عن شرائه فأنكر العامل فالقول قوله لان الاصل عدم النهي ولا نعلم في هذا كله خلافا وكذلك القول قوله في
قدر رأس المال كذلك قال الثوري واسحاق واصحاب الراي حكاه عنهم ابن المنذر وقال اجمع على هذا كل من نحفظ عنه من اهل العلم وبه نقول لانه يدعى عليه قبض شئ وهو ينكره والقول قول المنكر (مسألة) (والقول قول رب المال في رده إليه مع يمينه) نص عليه احمد ولا صحاب الشافعي وجهان احدهما كقولنا والآخر يقبل قول العامل لانه امين ولان معظم النفع لرب المال فالعامل كالمودع وينبغى ان يخرج لنا مثل ذلك بناء على دعوى الوكيل الرد إذا كان بجعل، ووحه الاول انه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير ولان رب المال منكر والقول قول المنكر والمودع لا نفع له في الوديعة وقولهم ان معظم النفع لرب المال ممنوع وان سلم الا ان المضارب لم يقبضه الا لنفع نفسه لم يأخذه لنفع رب المال.
(مسألة) (وفي الجزء المشروط للعامل) إذا اختلفا فيما شرط للعامل ففيه روايتان (إحداهما) القول قول رب المال نص عليه في رواية ابن منصور وسندي وبه قال الثوري واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لان رب المال منكر للزيادة التي ادعاها العامل والقول قول المنكر (والثانية) ان العامل ان ادعى أجر المثل أو ما يتغابن الناس به فالقول قوله لان الظاهر صدقه وان أدعى أكثر فالقول قول رب المال فيما زاد على أجر الثمل كالزوجين إذا اختلفا في الصداق وقال الشافعي يتحالفان لانهما
اختلفا في عوض عقد فيتحالفان كالمتبايعين
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) ولانه اختلاف في المضاربة فلم يتحالفا كسائر ما قدمنا اختلافهما فيه والمتبايعان يرجعان على رءوس امولهما بخلاف ما نحن فيه (مسألة) (وان قال أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بخسمة فأنكره رب المال وقال انما أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء باربعة فالقول قول العامل) نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقيل القول قول رب المال وهو قول الشافعي لان الاصل عدم الاذن ولان القول قول رب المال في أصل الاذن فكذلك في صته.
ولنا أنهما اتفقا على الاذن واختلفا في صفته فكان القول قول العامل كمما لو قال نهيتك عن شراء عبد فأنكر النهي.
(مسألة) (وان قال ربحت الفاثم خسرتها أو تلفت قبل قوله) لانه أمين يقبل قوله فقبل في الخسارة كالو كيل: (مسألة) (وان قال غلطت أو نسيت لم يقبل قوله) لانه مقر بحق لآدمي فلم يقبل قوله في الرجوع عنه كما لو أقربان رأس المال الف ثم رجع ولو ان العامل خسر فقال لرجل أقرضني ما اتمم به رأس المال لاعرضه على ربه فاني أخشى ان ينزعه مني ان علم بالخسارة فاقرضه فعرضه على رب المال فقال هذا رأس مالك فأخذه فله ذلك، وذلك ولا يقبل رجوع العامل عن اقراره ان رجع ولا شهادة المقرض له لانه يجر إلى نفسه نفعا وليس له مطالبة رب المال لان العامل ملكه بالقرض ثم سلمه إلى رب المال وأقر أنه له ولكن يرجع المقرض على العامل لا غير
(فصل) وإذا دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف فنض المال وهو ثلاثة آلاف فقال رب المال رأس المال الفان فصدقه احدهما وقال الآخر بل هو الف فالقول قول المنكر مع يمينه فإذا حلف أنه الف فالربح الفان ونصيبه منهما خمسمائة يبقى الفان وخمسمائة يأخذ رب المال الفين لان الآخر يصدقه يبقى خمسمائة ربحا بين رب المال والعامل الآخر يقتسمانه اثلاثا لرب المال ثلثا ها
وللعامل ثلثها وذلك لان نصيب رب المال نصف الربح ونصيب العامل ربعه فيقسم بينهما باقي الربح على ثلاثة وما أخذه الحالف فيما زاد على قدر نصيبه كالتالف منهما والتالف يحسب في المضاربة من الربح وهذا قول الشافعي (فصل) إذا دفع إلى رجل الفا يتجر فيه فربح فقال العامل كان قرضا لي ربحه كله وقال رب المال كان قراضا ربحه بيننا فالقول قول رب المال لانه ملكه فكان القول قوله في صفة خروجه عن يده فإذا حلف قسم الربح بينهما، ويحتمل ان يتحالفا ويكون للعامل أكثر الامرين مما شرط له من الربح أو أجر مثله لانه ان كان الاكثر نصيبه من الربح فرب المال معترف له وبه وهو يدعي الربح كله وان كان أجر مثله أكثر فالقول قوله في عمله كما أن القول قول رب المال في ما له فإذا حلف قبل قوله في أنه ما عمل بهذا الشرط إنما عمل لغرض لم يسلم له فيكون له أجر المثل، فان أقام كل واحد منهما بينه
بدعواه فنص أحمد في رواية منها أنهما يتعارضان ويقسم المال بينهما نصفين، وان قال رب المال كان بضاعة وقال العامل كان قراضا احتمل أن يكون القول قول العامل لان عمله له فيكون القول قوله فيه ويحتمل ان يتحالفا ويكون للعامل أقل الامرين من نصيبه من الربح أو أجر مثله لانه يدعي أكثر من نصيبه من الربح فلم يستحق زيادة وان كان الاقل أجر مثله فلم يثبت كونه قراضا فيكون له أجر عمله، وان قال رب المال كان بضاعة وقال العامل كان قرضا حلف كل واحد منهما على إنكار ما ادعاه خصمه وكان للعامل أجر عمله لا غير وان خسر المال أو تلف فقال رب المال كان قرضا وقال العامل كان قراضا أو بضاعة فالقول قول رب المال (فصل) وإذا شرط المضارب النفقة ثم ادعى انه انفق من ماله واراد الرجوع فله ذلك سواء كان المال باقيا في يديه أو قد رجع إلى مالكه وبه قال أبو حنيفة إذا كان المال في يديه وليس له ذلك بعد رده.
ولنا انه امين فكان القول قوله في ذلك كما لو كان باقيا في يديه وكالوصي إذا ادعى النفقة على اليتيم (فصل) إذا كان عبد بين رجلين فباعه احدهما بامر الآخر بالف وقال له اقبض ثمنه وادعى
المشتري أنه قضه وصدقه الذي لم يبع برئ المشتري من نصف ثمنه لاعتراف شريك البائع بقبض وكيله حقه فبرئ المشتري منه كما لو أقر بقبضه بنفسه وتبقى الخصومة بين البائع وشريكه والمشتري
فان خاصمه شريكه وادعى عليه أنك قبضته نصيبي من الثمن فأنكر فالقول قوله مع يمينه فان كان للمدعي بينة حكم بها ولا تقبل شهادة المشتري له لانه يجبر بها إلى نفسه نفعا وان خاصم البائع المشتري فالقول قول البائع مع يمينه في عدم القبض لانه منكر فإذا حلف أخذ من المشتري نصف الثمن ولا يشاركه فيه شريكه لانه يقر انه يأخذه ظلما فلا يستحق مشاركته فيه وان كانت للمشتري بينة حكم بها ولا تقبل شهادة شريكه عليه شريكه عليه لانه يجربها إلى نفسه نفعا ومن شهد شهادة يجر بها إلى نفسه نفعا بطلت شهادته في الكل، ولا فرق بين مخاصمة الشريك قبل مخاصمة المشتري أو بعدها وان ادعى المشتري ان شريك البائع قبض الثمن منه فصدقه البائع نظرت فان كان البائع أذن لشريكه في القبض فهي كالتي قبلها وان لم يأذن له فيه لم تبرأ ذمة المشتري من شئ من الثمن لان البائع لم يوكله في القبض فقبضه لا يلزمه ولا يبرأ المشتري منه كما لو دفعه إلى أجنبي، ولا يقبل قول المشتري على شريك البائع لانه ينكره وللبائع بقدر نصيبه لا غير لانه مقر ان شريكه قبض حقه ويلزم المشتري دفع نصيبه إليه من غير يمين لان المشتري مقر ببقاء حقه وان دفعه إلى شريكه لم تبرأ ذمته فإذا قبض حقه فلشريكه مشاركته فيما قبض لان الدين لهما ثابت بسبب واحد فما قبض منه يكون بينهما كما لو كان ميراثا وله ان لا يشاركه ويطالب المشتري بحقه كله ويحتمل أن لا يملك الشريك مشاركته فيما قبض لان كل واحد منهما يستحق ثمن نصيبه الذي ينفرد به فلم يكن لشريكه مشاركته فيما قبض من ثمنه كما لو باع كل واحد نصيبه في
صففة، ويخالف الميراث لان سبب استحقاق الورثة لا يتبعض فلم يكن للورثة تبعيضه وههنا يتبعض لانه إذا كان البائع اثنين كان بمنزلة عقدين ولان الوارث نائب عن الموروث فكان ما يقضه هو للموروث يشترك فيه جميع الورثة بخلاف مسئلتنا فان ما يقبضه لنفسه، فان قلنا له مشاركته فيما قبض فعليه اليمين أنه لم يستوف حقه من المشتري ويأخذ من القابض نصف ما قبضه ويطالب المشتري ببقية حقه إذا
حلف له أيضا أنه ما قبض منه شيئا وليس للمقبوض منه ان يرجع على المشتري بعوض ما أخذ منه لانه مقر ان المشتري قد برئت ذمته من حق شريكه وإنما أخذ منه ظلما فلا يرجع بما ظلمه هذا على غيره، وإن خاصم المشتري شريك البائع وادعى عليه انه قبض الثمن منه وكانت له بينة حكم بها وتقبل شهادة البائع له إذا كان عدلا لانه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنه ضررا لانه إذا ثبت ان شريكه قبض الثمن لم يملك مطالبته بشئ لانه ليس بوكيل له في القبض فلا يقع قبضه له هكذا ذكر بعض أصحابنا، قال شيخنا وعندي لاتقبل شهادته له لانه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة شريكه له فيما يقضه من المشتري فإذا لم يكن بينة فحلف اخذ من المشتري نصف الثمن وان نكل أخذ المشتري منه نصفه (فصل) وإذا كان العبد بين اثنين فغصب رجل نصيب أحدهما بان يستولي على العبد ويمنع أحدهما
الانتفاع دون الآخر ثم ان مالك نصفه والغاصب باعا العبد صفقة واحدة صح في نصيب المالك وبطل في نصيب الغاصب، وان وكل الشريك الغاصب أو وكل الغاصب الشريك في البيع فباع العبد كله صفقة واحدة بطل في نصيب الغاصب في الصحيح وهل يصح في نصيب الشريك؟ على روايتين بناء على تفريق الصفقة وقد بطل البيع في بعضها فييطل في سائرها بخلاف ما إذا باع المالك والغاصب فانهما عقدان لان عقد الواحد مع الاثنين عقدان ولو أن الغاصب ذكر للمشتري انه وكيل في نصفه لصح في نصيب الآذن لكونه كالعقد المنفرد.
(فصل) إذا كان لرجلين دين بسبب واحد اما عقد أو ميراث أو استهلاك أو غير ذلك فقبض أحدهما منه شيئا فللآخر مشاركته فيه في ظاهر المذهب وعن احمد ما يدل على أن لاحدهما أخذ حقه دون صاحبه ولا يشاركه الآخر فيما أخذ وهو قول أبي العالية وأبي قلابة وابن سيرين وأبي عبيد، قيل لاحمد بعت أنا وصاحبي متاعا بيني وبينه فأعطاني حقي وقال هذا حقك خامة وأنا أعطي شريكك بعد؟ قال لا يجوز قيل له فان أخره أو أبرأه من حقه دون صاحبه؟ قال يجوز، قيل فقد قال أبو عبيد يجوز أن يأخذ دون صاحبه إذا كان له أن يؤخر ويبرئه دون صاحبه ففكر فيها ثم قال هذا يشبه الميراث إذا أخذ منه
بعض الورثة دون بعض وقد قال ابن سيرين وابو قلابة وأبو العالية من أخذ شيئا فهو نصيبه قال فرأيته قد احتج له وأجازه قال أبو بكر العمل عندي على ما رواه حنبل وحرب انه لا يجوز أن يكون نصيب
القابض له فيما أخذه لما في ذلك من قسمة الدين في الذمة من غير رضا الشريك فيكون المأخوذ ولا باقي جميعا مشتركا، ولغير القابض الرجوع على القابض بحصته من الدين سواء كان المال باقيا في يده أو أخرجه عنها برهن أو قضاء دين أو غيره، وله ان يرجع على الغريم لان الحق يثبت في ذمته لهما على وجه سواء فليس له تسليم حق احدهما إلى الاخر فان أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشئ لان حقه ثبت في أحد المحلين فإذا اختار أحدما سقط حقه من الآخر، وليس للقابض منعه من الرجوع على الغريم بأن يقول أنا أعطيك نصف ما قبضت بل الخيرة إليه من أيهما شاء قبض فان قبض من شريكه شيئا رجع الشريك على الغريم بمثله فان هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ولم يضمنه للشريك لانه قدر حقه فما تعدى بالقبض وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته في الاصل مشتركا وإن أبرأ أحد الشريكين من حقه برئ منه لانه بمنزلة تلفه ولا يرجع على غريمه بشئ وان أبرأ أحدهما من عشر الدين ثم قبضا من الدين شيئا اقتسماه على قدر حقهما في الباقي للمبرئ أربعة أتساعه ولشريكه خمسة أتساعه فان قبضا نصف الدين ثم أبرأ أحدهما من عشر الدين كله نفذت في خمس الباقي وما بقي بينهما على ثمانية لمبرئ ثلاثة أثمانه وللآخر خمسة أثمانه فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا، وإن اشترى احدهما بنصيبه ثوبا أو غيره فللا خر إبطال الشراء فان بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل لم يلزمه ذلك وإن
أجاز البيع ليملك نصف الثوب انبنى على بيع الفضولي هل يقف على الاجازة أو لا؟ وإن أخر أحدهما حقه من الدين جاز لانه لو أسقط حقه جاز فتأخيره أولى فان قبض الشريك بعد ذلك شيئا لم يكن لشريكه الرجوع عليه بشئ ذكره القاضي، والاولى أن له الرجوع لان الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل فوجود التأجيل كعدمه، واما إذا قلنا بالرواية الاخرى وأن ما يقبضه احدهما له دون صاحبه فوجهها ان ما في الذمة لا ينتقل إلى العين إلا تسليمه إلى غريمه أو وكيله وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض
ولا لو كيله فلا يثبت له فيه حق ويكون لقابضه لثبوت يده عليه بحق فأشبه ما لو كان الدين بسببين وليس هذا قسمة الدين في الذمه وإنما تعين حقه بقبضه فأشبه تعينه بالابراء ولانه لو كان لغير لقابض حق في المقبوض لم يسقط بتلفه كسائر الحقوق ولان هذا القبض ان كان بحق لم يشاركه غيره فيه كما لو كان الدين بسببين وإن كان بغير حق لم يكن له مطالبته لان حقه في الذمة لا في العين فأشبه مالوا خذ غاصب منه مالا، فعلى هذا ما قبضه القابض يختص به وليس لشريكه الرجوع عليه، وإن اشترى بنصيبه شيئا صح ولم يكن لشريكه إبطال الشراء، وإن قبض اكثر من حقه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم مما زاد على حقه (فصل) الثالث شركة الوجوه وقد اختلف في تفسيرها قال الخرقي وهو ان يشترك اثنان بمال غيرهما وقال القاضي معناها ان يدفع واحد ماله إلى اثنين مضاربة فكيون المضاربان شريكين في
الربح بمال غير هما لانهما إذا اخذا المال بجاههما لم يونا مشتركين بملك غيرهما وهذا محتمل، وقال غيره معناها انعما اشتركا فيما يأخذان من مال غيرهما وحملوا كلام الخرقي على ذلك ليكون كلامه جامعا لانواع الشركة، وعلى تفسير القاضي تكون الشركة بين ثلاثة ويكون الخرقي قد أخل بذكر نوع من انواع الشركة، وهي شركة الوجوه على تفسير القاضي فأما شركة الوجوه على ما ذكره شيخنا في الكتاب المشروح فهي ان يشترك اثنان فيما يشتريان بجاههما وثقة التجاربهما من غيران يكون لهما رأس مال على ان ما يشتريانه فهو بينهما نصفين أو أثلاثا أو نحو ذلك ويبيعان ذلك فما قسم الله من الربح فهو بينهما فهي جائزة سواء عين احدهما لصاحبه ما يشتريه أو قدره أو ذكر صنف المال أو لم يعين شيئا من ذلك بل قال ما اشتريت من شئ فهو بيننا، قال احمد في رواية ابن منصور في رجلين اشتركا بغير رءوس اموالهما على ان ما يشتريه كل واحد منهما بينهما فهو جائز وبهذا قال الثوري ومحمد بن الحسن وابن المنذر وقال أبو حنيفة لا يصح حتى يذكر الوقت أو المال أو صنفا من الثياب، وقال مالك والشافعي يشترط ذكر شرائط الوكالة لان شرائط الوكالة معتبرة في ذلك من تعيين الجنس وغيره من شروط الوكالة لان كل واحد منهما وكيل صاحبه ولنا انهما اشتركا في الابتياع وأذن كل واحد منهما للآخر فيه فصح وكان يتبايعانه بينهما كما لو ذكرا شرائط الوكالة وقولهم ان الوكالة لا تصح حتى يقدر الثمن والنوع ممنوع وان سلم فانما يعتبر في الوكالة المفردة أما الوكالة
الداخلة في ضمن الشركة فلا يعتبر فيها ذلك بدليل المضاربة وشركة العنان فان في ضمنها توكيلا ولا يعتبر فيها شئ من هذا كذا ههنا، فعلى هذا ان قال لرجل ما اشتريت اليوم من شئ فهو بيني وبينك نصفان أو اطلق الوقت فقال نعم أو قال ما اشتريت انا من شئ فهو بينى وبينك نصفان جازو كانت شركة صحيحة لانه اذن له في التجارة على ان يكون المبيع بينهما وهذا معنى الشركة ويكون توكيلا له في شراء نصف المتاع بنصف الثمن فيستحق الربح في مقابلة ملكه الحاصل في المبيع سواء خص ذلك بنوع من المتاع أو اطلق وكذلك لو قالا ما اشتريناه
أو ما اشتراه أحدنا من تجارة فهو بيننا فكل واحد وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن لان مبناها على الوكالة والكفالة لان كل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بذلك (مسألة) (والملك بينهما على ما شرطاه) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون على شروطهم، والوضيعة على قدر ملكيهما قياسا على شريكي العنان لانها في معناها، والربح بينهما على ما شرطاه لذلك، ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما قاله القاضى لان الربح يستحق بالضمان إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ لا مال لهما فيشتركان على العمل فيه والضمان لا تفاضل فيه فلا يجوز التفاضل في الربح ولانها شريكان في العمل والمال فجاز تفاضلهما في الربح مع تساو يهما في المال كشريكي العنان (مسألة) (وهما في التصرفات كشريكي العنان) يعني فيما يجب لهما وعليهما وفي إقراهما وخصومتهما وغير ذلك على ما ذكرناه وأيهما عزل صاحبه عن التصرف انعزل لانه وكيله، وسميت شركة الوجوه لانهما اشتركا فيما يشتريان بجاهما والجاه والوجه واحد يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاه قال الله تعالى في موسى عليه السلام (وكان عند الله وجيها) (فصل) الرابع شركة الابدان وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما فهي شركة صحيحة فهي أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه من المباح كالحطب والحشيش والثمار المأخوذة من الحبال والاصطياد والمعادن والتلصص على دار الحرب فهذا جائز نص عليه احمد في رواية أبي طالب فقال
لا بأس أن يشترك القوم بابدانهم وليس لهم مال مثل الصيادين والحمالين والنخالين قد اشرك انبي
صلى الله عليه وسلم بين عمار وسعد وابن معسود فجاء سعد بأسيرين ولم يجيئا بشئ، وفسر احمد صفة الشركة في الغنيمة فقال يشتركان فيما يصيبان من سلب المقتول لان القاتل يختص به دون الفانمين وبه قال مالك وقال أبو حنيفة يصح في الصناعة ولا يصح في اكتساب المباح كالاحتشاش والاغتنام لان الشركة مقتضاها الوكالة ولا تصح الوكالة في هذه الاشياء لان من أخذها ملكها، وقال الشافعي شركة الابدان كلها فاسدة لانها شركة على غير مال فلم تصح كما لو اختلفت الصناعات ولنا ما ورى أبو داود والاثرم باسنادهما عن عبد الله قال اشتركنا أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجئ انا عمار بشئ وجاء سعد بأسيرين.
ومثل هذا لا يخفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقرهم وقد قال أحمد أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم فان قيل فالمغانم مشتركة بين الغانمين بحكم الله تعالى فكيف يصح اختصاص هؤلاء بالشركة فيها؟ وقال بعض الشافعية غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له ان يدفعها إلى من يشاء فيحتمل أن يكون فعل ذلك لهذا قلنا أما الاول فالجواب عنه ان غنائم بدر كانت لمن أخذها قبل أن يشرك الله تعالى بينهم ولهذا نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أخذ شيئا فهو له) فكان ذلك من قبل المباحات من سبق إلى شيئ فهو له ويجوز أن يكون شرك بينهم فيما يصيبون من الاسلاب والنقل الا ان الاول اصح لقوله جاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعما بشئ
وأما الثاني فان الله تعالى انما جعل الغنيمة لنبيه عليه السلام بعد أن غنموا واختلفوا في الغنائم فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول) والشركة كانت قبل ذلك ويدل على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاما ان يكون قد أباحهم أخذها فصارت كالمباحات أولم يبحها لهم فكيف يشتركون في شئ لغيرهم؟ وفي هذا الخبر حجة على أبي حنيفة أيضا لانهم اشتركوا في مباح وفيما ليس بضاعة وهو يمنع ذلك ولان العمل أحد جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال وعلى أبي حنيفة أيضا أنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اشتركا في الخياطة والقصارة ولا نسلم ان الوكالة لا تصح في المباحات فانه يصح أن يستنيب في تحصيلها باجرة فكذلك يصح بغير عوض إذا تبرع آخذها بذلك كالتوكيل في بيع ماله ومبناهما على الوكالة لان كل واحد منهما وكيل صاحبه وما
يتقبله كل واحد منهما من الاعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما (مسألة) (وتصح مع اتفاق الصنائع رواية واحدة فأما مع اختلافهما ففيه وجهان (أحدهما) لا تصح اختاره أبو الخطاب وهو قول مالك لان مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمها ويطالب به كل واحد منهما فإذا تقبل احدهما شيئا مع اختلاف صنائعهما لم يمكن الآخر ان يقوم به فكيف يلزمه عمله؟ ام كيف يطالب بما لا قدرة له عليه؟ (والثاني) تصح اختاره القاضي لانهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع ولان الصنائع المتفقة قد يكون احد الرجلين احذق فيها من الآخر فربما يتقبل احدهما مالا يمكن الآخر عمله ولم يمنع ذلك صحتها فكذلك إذا اختلفت الصنائع
وقولهم يلزم كل واحد منهما ما يتقبله صاحبه قال القاضي يحتمل ان لا يلزمه ذلك كالوكيلين بدليل صحتها في المباح ولا ضمان فيها وإن قلنا يلزمه امكنه تحصيل ذلك بالاجرة أو بمن يتبرع له بعمله ويدل على صحة هذا انه لو قال احدهما انا اتقبل وانت تعمل صحت الشركة وعمل كل واحد منهما غير عمل صاحبه.
وقال زفر لا تصح الشركة إذا قال احدهما انا اتقبل وانت تعمل ولا يستحق العامل المسمى وإنما له اجر المثل.
ولنا ان الضمان يستحق به الربح بدليل شركة الابدان و تقبل العمل يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح فصار كتقبله المال في المضاربة والعمل يستحق به العامل الربح كعمل المضارب فينزل منزلة المضاربة (فصل) والربح في شركة الابدان على ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل لان العمل يستحق به الربح وقد يتفاضلان في المعل فجاز تفاضلهما في الربح الحاصل به ولكل واحد منهما المطالبة بالاجرة وللمستأجر دفعها إلى كل واحد منهما وايهما دفعها إليه برئ منها، وان تلفت في يد احدهما من غير تفريط فهي من ضمانهما لانهما كالوكيلين في المطالبة، وما يتفبله كل واحد منهما من الاعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله لان هذه الشركة لا تنعقد إلا على المضان ولا شئ فيها تنعقد عليه الشركة حال الضمان فكأن الشركة تضمنت ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه
وقال القاضي يحتمل ان لا يلزم احدهما ما لزم الآخر كما ذكرنا من قبل وما يتلف بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده على وجه يوجب الضمان عليه فهو عليه وحده وإن أقر أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه لان اليد له فيقبل اقراره بما فيها ولا يقبل اقراره بما في يد شريكه ولا بدين عليه لان لا يدله على ذلك (مسألة) (وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما فان طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه ذلك) وجملة ذلك أنه إذا عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما قال ابن عقيل نص عليه أحمد في رواية اسحاق بن هانئ وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الابدان فيأتي أحدهما بشئ ولا يأتي الآخر بشئ؟ فقال نعم هذا بمنزلة حديث سعد وعمار وابن مسعود يعني حيث اشتركوا فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران ولا ن العمل مضمون عليهما معا وبضمانهما له وجبت الاجرة فتكون لهما كما كان الضمان عليهما ويكون العامل عونا لصاحبه في حصته ولا يمنع ذلك استحقاقه كم استأجر رجلا ليقصر له ثوبا فاستعان القاصر بانسان فقصر معه كانت الاجرة للقصار المستأجر كذاههنا وسواء ترك العمل لمرض أو غيره فان طالب أحدهما الآخران يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل فله ذلك فان امتنع فللآخر الفسخ ويحتمل أنه إذا ترك العمل لغير عذر ان لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله
دونه لانه إنما شاركه ليعملا جميعا فإذا ترك احدهما العمل فما وفي بما شرط على نفسه فلم يستحق ما جعل له في مقابلته وانما احتمل ذلك فيما إذا تركه لعذر لانه لا يمكن التحرز منه (مسألة) (وان اشتركا ليحملا على دابتيهما والاجرة بينهما صح) لانه نوع من الاكتساب والدابتان آلتان فاشبها الاداة (مسألة) (فإذا تقبلا حمل شئ فحملاه عليهما أو على غير الدابتين صحت الشركة) والاجرة بينهما على ما شرطاه لان تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتهما ولهما ان يحملا باي ظهر كان والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه فأشبه مالو تقب قصاره فقصراها بغير أداتهما (مسألة) (وان اجراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته)
أما إذا أجرا الدابتين بأعيانهما على حمل شئ باجرة معلومة واشتركا على ذلك لم تصح الشركة ولكل واحد منهما أجرة دابته لانه لم يجب ضمان الحمل في ذممهما وإنما استحق المكتري منفعة البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الاجارة بموت الدابة المستأجرة ولان الشركة إما أن تنعقد على الضمان في ذممهما أو على عملهما وليس هذا بواحد منهما فانه لم يثبت في ذممهما ضمان ولا عملا بابدانهما ما تجب الاجرة في مقابلته ولان الشركة تنضمن الوكالة والوكالة على هذا الوجه لا تصح ولهذا قال أجر
عبدك وتكون أجرته بينى وبينك لم يصح كما لو قال بع عبدك وثمنه بيننا لم يصح قال شيخنا ويحتمل ان تصح الشركة كما لو اشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح فان أعان أحدهما صاحبه في التحميل والنقل كان له أجر مثله لانها منافع وفاها بشبهة عقد (فصل) فان كان لاحدهما أداة قصارة ولآخر بيت فاشتركا على ان يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما جاز والاجرة على ما شرطاه لان الشركة وقعت على عملهما والعمل يستحق به الربح في الشركة والآلة والبيت لا يستحق بهما شئ لانهما يستعملان في العمل المشترك فصارا كالدابتين اللتين أجرهما لحمل الشئ الذي تقبلا حمله، وان فسدت الشركة قسم الحاصل لهما على قدر أجر عملهما وأجر الدار والاداة، وان كانت لاحدهما آلة وليس للآخر شئ أو لاحدهما بيت وليس للآخر شئ فاتفقا على ان يعملا بالآلة أو في البيت والاجرة بينهما جاز لما ذكرنا (فصل) وان دفع رجل دابته إلى آخر ليعملا عليها وما رزق الله بنيهما نصفين أو أثلاثا أو ما شرطاه صح نص عليه أحمد في رواية الاثرم ومحمد بن أبي حرب وامد بن سعيد ونقل عن الاوزاعي ما يدل عليه هذا وكره ذلك الحسن والنخعي، وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر واصحاب الرأي لا يصح والربح كله لرب الدابة لان الحمل الذي يستحق به العوض منها وللعامل أجر مثله لان هذا ليس من اقسام الشركة إلا أن تكون المضاربة ولا تصح المضاربة بالعروض ولان المضاربة تكون
بالتجارة في الاعيان وهذه لا يجوز بيعها ولا اخراجها عن ملك مالكها وقال القفاضي يتخرج أن لا
يصح بناء على ان المضاربة بالعروض لا تصح فعلى، هذا ان كان أجر الدابة بعينها فالاجرة لما لكها وان تقبل حمل شئ فحمله عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالاجرة والثمن له وعليه أجر مثلها لما لكها ولنا أنها عين تنمي بالعمل عليها فصح العقد ببعض نمائها كالدارهم والدنانير وكالشجر في المساقاة والارض في المزارعة قولهم ليس من أقسام الشركة ولا هو مضاربة قلنا نعم لكنه يشبه المساقاة المزارعة فانه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها وبهذا يتبين أن تخرجها على المضاربة بالعروض فاسد فان المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال وهذا بخلافه وذكر القاضي في موضع آخر ان من استأجر دابة بنصف ما يرزق الله تعالى أو ثلثه جاز قال شيخنا ولا أرى لهذا وجها فان الاجارة يشترط لصحاها العلم بالعوض وتقدير المدة أو العمل ولم يوجد ولان هذا عقد غير منصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص فهو كسائر العقود الفاسدة إلا أن يريد بالاجارة المعاملة على الوجه الذي تقدم وقد اشاره أحمد إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة فقال لا بأس
بالثوب يدفع بالثلث والربع لحديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر وهذا يدل على انه صار في هذا ومثله إلى الجواز لشبهه بالمساقاة والمزارعة لا إلى المضاربة والاجارة (فصل) نقل أبو داود عن احمد فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة أرجوان لا يكون به بأس قال اسحاق بن ابراهيم قال أبو عبد الله إذا كان على النصف والربح فهو جائز وبه قال الاوزاعي ونقل أحمد بن سعيد عن احمد فيمن دع عبده إلى رجل ليكتسب عليه ويكون له ثلث ذلك أو ربعه فجائز والوجه فيه ما ذكرناه في مسألة الدابة وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله فمصا ويبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز نص عليه في رواية حرب وكذلك ان دفع غزلا إلى رجل يسنجه بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه، وقال مالك وابو حنيفة والشافعي لا يجوز شئ من ذلك لانه عوض مجهول وعمل مجهول وقد ذكرنا وجه جوازه فان جعل له مع ذلك دراهم لم يجز نص عليه وعنه يجوز والصحيح الاول قال ابو بكر هذا قول قذيم وما روي غير هذا فعليه المتمد قال الاثرم سمت ابا عبد الله يقول لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع وسئل عن الرجل يعطي الثوب بلا ثلث ودراهم أو
درهمين قال اكرهه لان هذا شئ لا يعرف والثلث إذا لم يكن معه شئ نراه جازا لحديث جابران
النبي صلى الله عليه وسلم اعطى خيبر على الشطر ققيل لابي عبد الله فان كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهما؟ قال فليجعل له ثلثا وعشرا ثلثا ونصف عشر وما اشبهه وروى الاثرم عن ابن سيرين والنخعي والزهري وايوب ويعلى بن حكيم انهم اجازوا ذلك وقال ابن المنذ ركره هذا كله الحسن وقال أبو ثور واصحاب الراي: هذا كله فاسد واختاره ابن المنذر وابن عقيل وقالوا لو دفع شبكته إلى الصياد ليصيدبها السمك بينهما نصفان فالصيد كله للصائد ولصاحب الشبكة اجر مثلها وقياس ما نقل عن احمد صحة الشركة وما رزق الله بينهما على ما شرطاه لانها عين تنمي بالعمل فيها فصح دفعها ببعض نمائها كالارض (فصل) وقد ذكر ابن عقيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان وهو ان يعطي الطان اقفزة معلومة يطحنها يقفيز دقيق منها وعلة المنع انه جعل له بعض معموله اجرا لعمله فيصير الطحن مستحقا له وعليه وهذا الحديث لا نعرفه ولم تثبت صحته ولا ذكره اصحاب السنن وقياس قول احمد جوازه لما ذكرنا عنه من المسائل (فصل) فان كان لرجل دابة ولآخر إكاف وجو القات فاشتركا على ان يؤجراهما والاجرة
بينهما نصفان فهو فاسد لان هذه اعيان لا يصح الاشتراك فيها كذلك في منافعها إذا تقديره اجر دابتك لتكون اجرتها بيننا وأؤجر جوالقاتي لتكون اجرتها بيننا وتكون كلها لصاحب البهيمة لانه مالك الاصل وللآخر اجر مثله على صاحب البهيمة لانه استوفى منافع ملكه بعقد فاسد، هذا إذا اجر الدابة بما عليها من الاكاف والجوالقات في عقد واحد فأما ان اجر كل واحد منهما ملكه مفردا فلكل واحد اجر ملكه وهكذا لو قال رجل لصاحبه اجر عبدي والاجر بيننا كان الاجر لصاحبه وللآخر اجر مثله وكذلك في جميع الاعيان (فصل) فان اشترك ثلاثة من احدهم دابة ومن آخر رواية ومن آخر العمل على ان ما رزق الله تعالى فهو بينهم صح في قياس قول احمد فانه نص في الدابة يدفعها إلى آخر يعمل عليها على ان لهما
الاجرة على الصحة وهذا لانه دفع دابته إلى آخر يعمل عليها والرواية عين تنمي بالعمل عليها فهي كالبهيمة فعلى هذا يكون ما رزق الله بينهم على ما اتفقوا عليه وهذا قول الشافعي ولانهما وكلا العامل في كسب مباح بآلة دفعا ها إليه فاشبه مالو دفع إليه أرضه ليزرعها، وهكذا لو اشترك أربعة من أحدهم دكان ومن
اخر رحى ومن اخر بغل ومن اخر العمل على أن يطحنوا بذلك فما رزق الله تعالى فهو بينهم صح وكان بينهم على ما شرطوه وقال القاضي العقد فاسد في السمئلتين جميعا وهو ظاهر قول الشافعي، لان هذا لا يجوز أن يكون مشاركة ولا مضاربة لكونه لا يجوز أن يكون راس مالهما العروض ولان من شرطهما عود رأس المال سليما بمعني أنه لا يستحق شئ من الربح حتى يستوفى رأس المال بكماله والرواية هنا تخلق وتنقص، ولا اجارة لانها تفتقر إلى مدة معلومة وأجر معلوم فتكون فاسدة، فعلى هذا يكون الاجر كله في المسألة الاولى للسقاء لانه لما غرف الماء في الاناء ملكه فإذا باعه فثمنه له لانه عوض ملكه وعليه لصاحبه أجر المثل لانه استعمل ملكهما بعوض يسلم لهما فكان لهما أجر المثل كسائر الاجارات الفاسدة وأما في المسألة الثانية فانهم إذا طحنوا الرجل طعاما باجرة نظرت في عقد الاجارة فان كان من واحد منهم ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فالاجر كله له وعليه لاصحابه أجر المثل، وان نوى أصحابه أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا أو استأجر من جميعهم فقال استأجر تكم لتطحنو الي هذا الطعام
بكذا فالاجر بينهم أرباعا لان كل واحد منهم قد لزمه طحن ربعه ويرجع كل واحد منهم على أصحابه بريع أجر مثله وان قال استأجرت هذا الدكان والبغل والرجا وهذا الرجل بكذا وكذا من الطعام صح والاجر بينهم على قدر أجر مثلهم لكل واحد من المسمى بقدر حصته في أحد الوجهين وفي الاخر يكون بينهم ارباعا بناء على ما إذا تزوج اربعا بمهر واحد أو كاتب أربعة أعبد بعوض واحد هل يكون العوض أرباعا أو على قدر قيمتهم؟ على وجهين
(مسألة) (وان جمعا بين شركة العنان والابدان والوجوه والمضاربة صح) لان كل واحد منهما
يصح منفردا فصح مع غيره كحالة الانفراد (فصل) الخامس شركة المفاوضة وهو أن يدخلا في الشركة الاكساب النادرة كوجدان لقطة أو ركاز أو ما يحصل لهما من ميراث وما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو ارش جناية أو نحو ذلك
فهذه شركة فاسدة، وبهذا قال الشافعي واجازه الثوري والاوزاعي وأبو حنيفة وحكي عن مالك وشرط أبو حنيفة لها شروطا وهي ان يكونا حرين مسلمين وان يكون مالهما في الشركة سواء وان يخرجا جميعا ما يملكانه من جنس الشركة وهو الدراهم والدنانير، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تفاوضتم فاحسنوا المفاوضة ولانها نوع شركة تختص باسم فكان منها صحيح كشركة العنان ولنا أنه عقد لا يصح بين كافرين ولابين كافر ومسلم فلم يصح بين المسلمين كسائر العقود الفاسدة ولانه
عقد لم يرد الشرع بمثله فلا يصح كما ذكرنا ولان فيه غررا فلم يصح كبيع الغرر، بيان غرر انه يلزم كل واحد ما لزم الآخر وقد يلزمه شئ لا يقدر على القيام به وقد أدخلا فيه الاكساب النادرة فاما الخبز فلا نعرفه ولا رواه أصحاب المنن وليس فيه ما يدل على انه أراد هذا العقد فيحتمل انه أراد المفاوضة في الحديث ولهذا روي فيه (ولا تجادلوا فان المجادلة من الشيطان) وأما القياس فلا يصح فان اختصاصها باسم لا يقتضي الصحة كبيع المنابذة والملامسة وسائر البيوع الفاسدة وشركة العنان تصح بين الكفارين والكافر والمسلم بخلاف هذا
باب الوكالة وهي جائزة بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) فجوز العمل عليها وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وأيضا قوله تعالى (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) وهذه وكالة، وأما السنة فروى أبو داود والاثرم وابن ماجه بانسادهم عن عروة بن الجعد قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا
فقال (يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة) قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما وأقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا دينار كم وهذه شاتكم قال (وصنعت كيف؟) قال فحدثته الحديث فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) هذا لفظ رواية الاثرم وروى أبو داود باسناده عن جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فاتيت النبي صلى الله عليه وقلت أني أردت الخروج إلى خيير فقال (ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فان ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه وكل عمر وبن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة
وأجمعت الامة على جواز الوكالة في الجملة، ولان الحاجة داعية إلى ذلك فانه لا يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه بنفسه.
(مسألة) (تصح الوكالة بكل قول بدل الاذن وكل قول أو فعل بدل القبول) لا تصح الوكالة الا بالايجاب والقبول لانه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الايجاب والقبول كالبيع، والايجاب هو كل لفظ دل على الاذن نحو قوله افعل كذا أو اذنت لك في فعله فان النبي صلى الله عليه وسلم وكل عروة بن الجعد في شراء شاة بلفظ الشراء وكذلك قوله تعالى حكاية عن أهل الكهف (فابعثوا احدكم بورقكم هذه إلى المدينة إلى قوله فليأتكم برزق منه) ولانه لفظ دل على الاذن فهو كقوله وكلتك ويكفي في القبول قوله قبلت وكل لفظ دل عليه ويجوز بكل فعل دل عليه أيضا نحو ان يفعل لان ما أمره بفعله لان الذين وكلهم النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال امره ولانه اذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفصل كأكل الطعام (مسألة) (يجوز القبول على الفور والتراخي نحوان يوكله في بيع شئ فيبيعه بعد سنة أوبيلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت) لان قبول وكلاء النبي صلى الله عليه كان بفعلهم وكان متراخيا عن توكيله إياهم ولانه اذن في التصرف والاذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه الاباحة وهذا كله مذهب الشافعي
(فصل) ويجوز تعليقها على شرط نحو قوله إذا قدم الحاج فافعل كذا أو إذا جاء الشتاء فاشتر لنا
كذا أو إذا جاء الاضحى فاشتر لنا أضحية أو إذا طلب منك أهلي شيئا فادفعه إليهم أو إذا دخل رمضان فقد وكلتك في كذا أو فأنت وكيلي وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي لا تصح لكن إن تصرف صح تصرفه لوجود الاذن وان كان وكيلا بجعل فسد المسمى وله اجر المثل لانه عقد يملك التصرف به في الحياة أشبه البيع ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمير كم زيد فان قتل فجعفر فان قتل فعبد الله بن رواحة) وهذا في معناه ولا نه عقد اعتبر في حق الوكيل حكمة وهو إباحة التصرف وصحته فكان صحيحا كما لو قال انت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج ولانه لو قال وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح بلا خلاف ومحل النزاع في معناه ولانه اذن في التصرف أشبه الوصية والتأمير ولانه عقد يصح بغير جعل ولا يختص فاعله أن يكون من اهل القربة فصح بالجعل كالتوكيل الناجز
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: