الفقه الحنبلي - الشراكة -

عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول فلم يكن له أن يتصرف الا في قدر نصيبه، وللعازل التصرف في الجميع لان المعزول لم يرجع عن اذنه
هذا إذا نض المال وان كان عرضا فذكر القاضي ان ظاهر كلام أحمد أنه لا ينعزل بالعزل وله التصردف حتى ينض المال كالمضارب إذا عزله رب المال، وينبغي ان يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة أخرى أو التصرف بغير ما ينض به المال، وذكر أبو الخطاب انه ينعزل مطلقا وهو مذهب الشافعي قياسا على الوكالة، فعلى هذا ان اتفقا على البيع أو القسمة فعلا وإن طلب أحدهما القسمة والآخر البيع قسم ولم يبع، فان قيل أليس إذا فسخ رب المال المضاربة فطلب العامل البيع أجيب إليه؟ فالجواب أن حق العامل في الربح ولا يظهر الا بالبيع فاستحقه العامل لو قوف حصول حقه عليه، وفي مسئلتنا ما يحصل من الربح يستدركه كل واحد منهما في نصيبه من المتاع فلم يجبر عى البيع، قال شيخنا وهذا انما يصح إذا كان الربح على قدر المالين أما إذا زاد ربح أحدهما عن ماله فانه لا يستدرك ربحه بالقسمة فيتعين البيع كالمضاربة.
(فصل) إذا مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله ان يقيم على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف لان هذا إتمام للشركة وليس بابتدائها فلا يتعتبر شروطها، وله المطالبة بالقسمة فان كان موليا عليه قام وليه مقامه في ذلك الا انه لا يفعل الا ما فيه المصلحة للمولي عليه، فان كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصى له كالوارث فيما ذكرنا وان وصى به لغير معين كالفقراء لم يجز للوصي الاذن في التصرف لانه قد وجب دفعه إليهم فيعزل نصيبه ويفرقه عليهم فان كان على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث امضاء الشركة حتى يقضي دينه فان قضاه من غير مال الشركة فله الاتمام وان قضاه منه بطلت الشركة في قدر ما قضى.
(فصل) قال رضي الله عنه (الثاني المضاربة وهي أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما) فاهل العراق يسمونه مضاربة مأخوذة من الضرب في الارض وهو السفر فيها للتجارة قال الله تعالى (وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله) ويحتمل ان يكون من ضرب كل واحد منهما بسهم في الربح ويسميه اهل الحجاز القراض، قيل هو مشتق من الفطع يفال قرض الفأر الثوب إذا قطعه فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من الربح، وقيل اشتقاقه من الساواة والموازنة يقال تقارض الشاعران إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره وههنا من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا، وينعقد بلفظ المضاربة والقراض وبكل ما يؤدي معناهما لان القصد المعنى فجاز بكل ما دل عليه كالوكالة وهي مجمع على جوازها في الجملة.
وذكره ابن المنذر روي وعن حميد بن عبد الله عن ابيه عن جده ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق، وروي مالك عن زيد بن أسلم عن أببه ان عبد الله وعبيد الله ابي عمر بن الخطاب خرجا في حيش إلى العراق فتسلفا من أبي موسى مالا وابتاعا به متاعا وقد ما به إلى المدينة فباعاه وربحا فيه فأراد عمر اخذ رأس المال والربح كله فقالا لو تلف كان ضامنه علينا فلم يكون ربحه لنا؟ فقال رجل يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا؟ قال قد جعلته وأخذ منهما نصف الربح، وهذا يدل على جواز القراض وعن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عثمان قارضه وعن قتادة
عن الحسن أن عليا قال إذا خالف المضارب فلا ضمان هما على ما شرطا وعن ابن مسعود وحكيم بن حزام انهما قارضا ولم يعرف لهم في الصحابة مخالف فكان اجماعا ولان بالناس حاجة إلى المضاربة فان الدراهم الدنانير لا تنمي الا بالتقليب والتجارة وليس كل من يملكها يحسن التجارة ولا كل من يحسن التجاره له مال فاحتيج إليها من الجانبين فشرعت لدفع الحاجتين (فصل) ومن شرط صحتها تقدير نصيب العامل لانه يستحقه بالشرط فلم يقدر الا به، فلو قال خذ هذا المال مضاربه ولم يذكر سهم العامل فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله نص عليه احمد وهو قول الثوري والشافعي واسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال الحسن وابن سيرين والاوزاعي الربح بينهما نصفين كما لو قال والربح بيننا فانه يكون بينهما نصفين كذا هذا، ولنا أن المضارب انما يستحق بالشرط ولم يوجد وقوله مضاربة اقتضى ان له جزءا من الرب مجهولا فلم تصح المضاربة كما لو قال ولك جزء من الربح، فاما إذا قال الربح بيننا فان المضاربة تصح وتكون بينهما نصفين لانه أضافه اليهما اضافة واحدة فلم يترجح أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية كما لو قال هذه الدار بيني وبينك (مسألة) (فان قال خذه فاتجر به والربح كله لي فهو ابضاع) لانه قرن به حكم الابضاع فانصرف إليه (مسألة) (وان قال والربح كله لك فهو قرض) لاقراض لان قوله خذه فاتجر به يصلح لهما
وقد قرن به حكم القرض فانصرف إليه وان قال مع ذلك فلا ضمان عليك فهو قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي شرطه كما لو صرح به فقال خذ هذا قرضا ولا ضمان عليك (مسألة) (وان قال خذه مضاربة والربح كله لك أولي لم يصح) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال والربح كله لي كان إبضاعا صحيحا لانه أثبت له حكم الابضاع فانصرف إليه كما لو قال اتجر به الربح كله لي، وقال مالك يكون مضاربة صحيحة في الصورتين لانهما دخلا في القراض فإذا شرطه لا حدهما فكأنه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحة العقد ولنا ان المضاربة تقتضي كون الربح بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما الربح فقد شرط ما ينافي
مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لاحدهما، ويفارق ما إذا لم يقل مضاربة لان اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الابضاع والقرض بخلاف ما إذا صرح بالمضاربة وما ذكره مالك لا يصح لان الهبة لا تصح قبل وجود الموهوب (مسألة) (ولو قال لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال) إذا قدر نصيب العامل فقال لك ثلث الربح أو ربعه أو جزء معلوم صح والباقي لرب المال لانه يستحق الربح بماله لكونه نماؤه وفرعه والعامل يأخذ بالشرط فما له استحقه وما بقي فلرب المال بحكم الاصل (مسألة) (وان قال ولي ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل ففيه وجهان)
أحدهما لا يصح لان العامل انما يستحق بالشرط ولم يشرط له شئ فتكون المضاربة (فاسدة) والثاني يصح ويكون الباقي للعامل وهو قول أبي ثور وأصحاب الراي لان الربح لا يستحقه غيرهما فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ كما علم ذلك من قوله تعالى (وورثه أبواه فلامه الثلث) ولم يذكر نصيب الاب فعلم ان الباقي له لانه لو قال أوصيت بهذه المائة لزيد وعمرو ونصيب زيد منها ثلاثون كان الباقي لعمر وكذا ههنا وهي أصح (فصل) فان قال لي النصف ولك الثلث وسكت عن الباقي صح وكان لرب المال لانه لو سكت عن جميع الباقي بعد جزء العامل كان لرب المال فكذا إذا ذكر البعض وترك البعض، وان قال خذه مضاربة عليالثلث أو قال بالثلث صح وكان تقدير النصيب للعامل لان الشرط يراد لاجله لان رب المال يستحق بماله لا بالشرط والعامل يستحق بالعمل وهو يقل ويكثر وإنما تتقدر حصته بالشرط فكان الشرط له وهو مذهب الشافعي (مسألة) (وان اختلفا في الجزء المشروط فهو للعامل قليلا كان أو كثيرا) لما ذكرنا واليمين على مدعيه لانه يحتمل خلاف ما قاله فيجب اليمين لنفي الاحتمال كما يجب على النمكر لنفي ما يدعيه المدعي (فصل) وان قال خذه مضاربة ولك ثلث الربح وثلث ما بقي صح وله خمسة اسباع الربح لان
هذا معناه وان قال لك ثلث الربح وربع وما بقي فله النصف وان قال لك ربع الربح وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن، وسواء عرفا الحساب أو جهلاه لان ذلك أجزاء معلومة مقدرة أشبه مالو شرط الخمسين ومذهب الشافعي في هذا الفعل كمذهبنا (فصل) ويجوز أن يدفع مالا إلى اثنين مضاربة في عقد واحد فان شرط لهما جزءا من الربح بينهما نصفين صح وان قال لك كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو بينهما فهو بينهما نصفان لان اطلاق قوله لكما يقتضي التسوية كما لو قال لعامله الربح بيننا، وان شرط لاحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه والباقي له جاز وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا يجوز لانهما في العمل بابدانهما فلم يجز تفاضلهما في الربح كشريكي الابدان ولنا ان عقد الواحد مع الاثنين عقدان فجاز ان يشترط في أحدهما أكثر من الآخر كما لو انفردا ولانهما يستحقان بالعمل وهما يتفاضلان فجاز تفاضلهما في العوض كالاجيرين، وشركة الا بدان كمسئلتنا لا يجب التساوى فيها ثم الفرق بينهما ان ذاك عقد واحد وهذا عقدان (فصل) وان قارض اثنان واحدا بالف لهما جاز فان شرطا له ربحا متساويا منها جازوكذلك ان بشرط أحدهما له النصف والآخر الثلث ويكون باقي ربح مال كل واحد منهما له، وان شرطا كون الباقي من الربح بينهما نصفين لم يجز وهذا مذهب الشافعي وكلام القاضي يقتضي جوازه وحكي عن أبي حنيفة وأبى ثور
ولنا أن احدهما يحصل له من ربح ماله النصف والآخر الثلثان فإذا شرط التساوي فقد شرط أحدهما للآخر جزءا من ربح ماله بغير عمل فلم يجز كما لو شرط ربح ماله المنفرد (فصل) إذا شرطا جزءا من الربح لغير العامل نظرت فان شرطاه لعبد أحدهما أو لعبد يهما صح وكان مشروطا لسيده فإذا جعالا الربح بينهما وبين عبد أحدهما اثلاثا كان لصاحب العبد الثالثان وللآخر الثلث وان شرطاه لاجبني أو لولد أحدهما أو امرأنه أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين وان لم يشرطا عليه عملا لم تصح المضاربة وبه قال الشافعي، وحكي عن
أصحاب الرأي انه يصح، والجزء المشروط له لرب المال سواء شرط لقريب العامل أو قريب رب المال أو لاجنبي لان العامل لا يستحق الا ما يشترط له ورب المال يستحق الربح بحكم الاصل والاجنبي لا يستحق شيئا لان الربح انما يستحق بمال أو عمل وليس له واحد منهما وما شرط لا يستحقه فرجع إلى رب المال كما لو ترك ذكره ولنا أنه شرط فاسد يعود إلى الربح فسد به العقد كما لو شرط دارهم معلومة وان قال لك الثلثان على أن تعطي امرأتك نصفه فكذلك لانه شرط في الربح شرطا لا يلزم فكان فاسدا والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة فيما ذكرنا
(فصل) وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يعله وفيما يلزمه فعله وفي الشروط كلما جاز للشريك عمله جاز للمضارب وما منع منه المضارب وما اختلف فيه ثم فههنا مثله، وما جاز أن يكون رأس مال الشركة جاز أن يكون رأس مال المضاربة مالا يجوز ثم لا يجوز ههنا على ما فصلناه لانها في معناها (مسألة) (وإذا فسدت فالربح لرب المال وللعامل الاجرة وعنه له الاقل من الاجرة أو ما شرط له من الربح) الكلام في المضاربة الفاسدة في فصول ثلاثة (أحدها) أنه إذا تصرف العامل نفذ تصرفه لانه إذ فيه رب المال فإذا بطل عقد المضاربة بقي الاذن فملك به التصرف كالوكيل، فان قيل فلو اشترى الرجل شراء فاسدا ثم تصرف فيه لم ينفذ مع ان البائع قد اذن له في التصرف؟ قلنا لان المشتري يتصرف من جهة الملك لا بالاذن فان اذن البائع كان على انه ملك المأذون له فإذا لم يملك لم يصح وههنا اذن له رب المال في التصرف في ملك نفسه وما شرط من الشرط الفاسد فليس بمشروط في مقابلة الاذن لانه اذن له في تصرف ما يقع له (الفصل الثاني) ان الربح جميعه لرب المال لانه نماء ماله وانما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط فلم يستحق به شيئا ولكن له أجر مثله نص عليه وهو مذهب الشافعي واختار الشريف أبو جعفر ان الربح بينهما على ما شرط له واحتج بما روي عن احمد انه قال إذا اشتركا قي العروض قسم الربح على ما شرطا قال وهذه شركة فاسدة واحتج بانه عقد يصح مع الجهالة
فيثبت المسمى في فاسده كالنكاح قال والاجرله وجعل احكامها كاحكام الصحيحة وقد ذكرنا ذلك قال القاضي أبو يعلى والمذهب ما حكينا وكلام احمد محمول على انه صحح الشركة بالعروض، وحكي عن مالك انه يرجع إلى قراض المثل وحكي عنه إن لم يربح فلا اجر له، ومقتضى هذا أنه ان ربح فله الاقل مما شرط له أو اجر مثله وعن احمد مثل ذلك لان الاجرة ان كانت اكثر فقد رضي باسقاط الزائد منها عن المسمى لرضائه به وان كانت اقل لم يستحق اكثر منها لفساد التسمية بفساد العقد لانه لو استحق اجر المثل لتوسل إلى فساد العقد وادى إلى الخسران والمشهور الاول لان تسمية الربح من توابع المضاربة أو ركن من اركانها فإذا فسدت فسدت اركانها وتوابعها كالصلاه، ونمنع وجوب المسمى في النكاح الفاسد وإذا لم يجب له المسمى وجب اجر المثل لانه إنما عمل ليأخذ المسمى فإذا لم يحصل له وجب رد عمله إليه وهو متعذر فتجب قبمته وهي اجر مثله كمما لو تبايعا فاسدا و تقابضا وتلف احد العوضين في يد قابضه وجب رد بدله، فعلى هذا له أجر المثل سواء ظهر في المال ربح أو لم يظر فان رضي المضارب بالعمل بغير عوض مثل ان يقول قارضتك والربح كله لي فالصحيح أنه لا شئ للمضارب ههنا لانه تبعر بعمله أشبه مالو أعانه في شئ أو توكل له بغير جعل أو اخذ له بضاعة (الفصل الثالث) ان لا يضمن ما تلف بغير تعديه وتفريطه لان ما كان المقبوض في صحيحه
مضمونا كان مضمونا في فاسده وما لم يضمن في صحيحه لم يضمن في فاسده، وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يضمن ولنا أنه عقد لا يضمن ما قبضه في صحيحه فلا يضمن في فاسده كالو كالة ولانها إذا فسدت صارت اجارة ولا يضمن الاجير ما تلف بغير فعله ولا تعديه كذلك ههنا (مسألة) (وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد ء على روايتين) وتأقيتها ان يقول ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا مضت السنة فلا تبع ولا تشتر (احداهما) يصح قال منها سألت أحمد عن رجل أعطى رجلا الفا مضاربة شهرا فإذا مضى شهر تكون قرضا قال لا بأس به قلت فإذا جاء الشهر وهي متاع قال إذا باع المتاع يكون قرضا وهذا قول أبي حنيفة (والثانية)
لا يصح وهو قول الشافعي ومالك واختيار أبي حفص العكبري لامور ثلاثة (أحدها) أنه عقد يقع مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح (الثاني) أنه ليس من مقتضى العقد ولا فيه له مصلحه أشبه إذا شرط ان لا يبيع، وبيان أنه ليس من مقتضى العقد أنه يقتضي ان يكون رأس المال ناضا فإذا منعه البيع لم ينض (الثالث) أن هذا يؤدي إلى ضرر بالعامل لانه قد يكون الربح والخط في تبقية المتاع وبيعه بعد السنة فيمنتع ذلك بمضيها ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع والمتاع فجاز توقيته في الزمان كالوكالة والمعني الاول الذي ذكره
يبطل بالوكالة والوديعة والناني والثالث يبطل.
بتخصيصه بنوع من المتاع ولان لرب المال منعه من التصرف في كل وقت إذا رضي ان يأخذ بماله عرضا فإذا شرط ذلك فقد شرط ما هو من مقتضى العقد فصح كما لو قال إذا انقضت النسة فلا تشتر شيئا وقد سلموا صحة ذلك (مسألة) (وان قال بع هذا العرض وضارب بثمنه أو اقبض وديعتي وضارب بها أو إذا قدم الحاج فضارب بهذا صح في قولهم جميعا ويكون وكيلا في بيع العرض وقبض الوديعة مأذونا له في التصرف مؤتمنا عليه فجاز جعله مضاربة كمما لو قال اقبض المال من غلامي فضارب به، وأما إذا قال إذا قدم الحاج فضارب بهذا صح) لانه اذن في التصرف فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة (فصل) فان كان في يد انسان وديعة فقاله له رب الوديعة ضارب بها صح وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال الحسن لا يجوز حتى يقبضها منه ققياسا على الدين ولنا أن الوديعة ملك رب المال فجاز أن يضاربه عليها كما لو كانت حاضرة فقال قارضتك على هذه الالف فارق الدين فانه لا يصير ملكا للغريم الا بقبضه، فأما ان كانت الوديعة قد تلفت بتفر بطله وصارت في الذمة لم يجز ان يضارب عليها لما نذكره
(فصل) ولو كان له في يد غيره مال مغصوب فضارب الغاصب به صح لانه مال لرب المال يصح بيعه لغاصبه ولمن يقدر على أخذه منه فأشبه الوديعة فإذا ضارب به سقط ضمان الغصب لعقد المضاربة
وهو قول ابي حنيفة وقال القاضي لا يزول ضمان الغصب الا بدفعه ثمنا وهو مذهب الشافعي لان القراض لاينا في الضمان بدليل مالو تعدى فيه ولنا انه ممسك للمال باذن مالك لا يختص بنفعه ولم يتعد فيه فاشبه مالو قبضه وقبضه اياه (مسألة) (وان قال ضارب بالدين الذي عليك لم يصح) نص عليه احمد وهو قول اكثر اهل العلم قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم انه لا يجوز ان يجعل الرجل دينا له على رجل مضاربة وممن حفظنا ذلك عنه عطاء والحكم وحماد ومالك والثوري واسحاق وابو ثور واصحاب الراي پوبه قال الشافعي، وقال بعض اصحابنا يحتمل ان يصح لانه إذا اشترى شيئا للمضاربة فقد اشتراه باذن رب المال ودفع الثمن إلى من اذن له في دفع ثمنه إليه فتبرأ ذمته منه ويصير كما لو دفع إليه عرضا وقال به وضارب بثمنه وجعل اصحاب الشافعي مكان هذا الاحتمال ان الشراء لرب المال وللمضارب اجر مثله
لانه علقه على شرط، ولا يصح عندهم تعليق القراض بشرط والمذهب الاول لان المال الذي في يدي من عليه الذين له وانما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد القبض ههنا، فان قال له اعزل المال الذي لي عليك وقد قارضتك عليه ففعل واشترى بعين ذلك المال شيئا للمضاربة وقع الشراء له لانه اشترى لغيره بمال نفسه فحصل الشراء له وان اشترى في ذمته فكذلك لانه عقد القراض على مالا يملكه وعلقه على شرط لا يملك به المال (فصل) ومن شرط صحة المضاربة كون راس المال معلوم المقدار فان كان مجهولا أو جزافا لم تصح وان شاهدا وبهدا قال الشافعي وقال أبو ثور واصحاب الراي تصح إذا شاهداه والقول قول العامل مع يمينه في قدره لانه امين رب المال والقول قوله فيما في يده فقام ذلك مقام المعرفة به ولنا أنه مجهول فلم تصح المضاربة به كما لو لم يشاهداه ولانه لا يدري بكم يرجع عند المفاضلة ويقضي إلى المنازعة والاختلاف في مقداره فلم تصح كما لو كان في الكيس وما ذكروه بيطل بالسلم وبما إذا لم يشاهده (فصل) ولو احضر كيسين في كل واحد منهما مال معلوم المقدار وقال قارضتك على احدهما
لم يصح سواء تساوى ما فيهما أو اختلف لانه عقد تمنع صحته الجهالة فلم يجز على غير معين كالبيع (مسألة) (وان أخرج مالا ليعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح) ذكره الخرقي ونص عليه احمد في رواية ابي الحارث وتكون مضاربة لان غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح
بعمله في مال غيره وهذا حقيقة المضاربة، وقال أبو عبد الله بن حامد والقاضي وأبو الخطاب إذا شرط أن يعمل معه رب المال لم يصح وهذا مذهب مالك والشافعي والاوزاعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر قال: ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل ويخلي بينه وبينه لان المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل فيه فلم يسلمه فيخالف موضوعها وتاول القاضي كلام احمد والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير اشتراط والاول أظهر لان العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الامرين من الآخر كالمال وقولهم ان المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع انما تقتضي اطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يصحل تسليمه إلى أحدهما (فصل) وان شرط أن يعمل معه غلام رب المال صح وهذا ظاهر كلام الشافعي وقول أكثر أصحابه ومنعه وبعضهم وهو قول القاضي لان يد الغلام كيد سيده وقال أبو الخطاب فيه وجهان احدهما الجواز لان عمل الغلام مال ليسده فصح ضمه إليه كما يصح ان يضم إليه بهيمته يحمل عليها والثاني لا يجوز لان يد العبد كيد سيده (فصل) وان اشترك مالان ببدن صاحب احدهما فهذا يجمع شركة ومضاربة وهو صحيح، فلو كان بين رجلين ثلاثة ألاف درهم لاحدهما الف وللآخر الفان فاذن صاحب الالفين لصاحب الالف
أن يتصرف فيه على أن يكون الربح يبنهما نصفين صح ويكون لصاحب الالف ثلث الربح بحق ماله والقاي وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب الالفين ثلاثة أربعاعها وللعامل ربعه وذلك لانه جعل له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل حصة ماله سهمان وسهم يستحقه بعمله في مال
شريكه، وحصة مال شريكه أربعة أسهم للعامل سهم وهو الربع، فان قيل فكيف تجوز المضاربة وراس المال مشاع قلنا إنما تنمنع الاشاعة الجواز إذا كانت مع غير العامل لانها تنمعه من التصرف بخلاف ما إذا كانت مع العامل فانها لا تمنعه من التصرف فلا تمنع صحة المضاربة وان شرط للعامل ثلث الربح فقط فمال صاحبه بضاعة في يده وليست مضاربة لان المضاربة انما تحصل إذا كان الربح بينهما فاما إذا قال ربح مالك لك وربح مالي لي فقبل الآخر كان إبضاعا لا غير وبهذا كله قال الشافعي وقال مالك لا يجوز ان يضم إلى القراض شركة كما لا يجوز ان يضم إليه عقد إجاوة.
ولنا انهما لم يجعلا أحد العقد ين شرطا للآخر فلم يمنع من جمعهما كما لو كان المال متميزا (فصل) إذا دفع إليه الفا مضاربة وقال أضف إليه الفامن عندك واتجر بهما والربح بيننا لك ثلثاه ولي ثلثه جاز وكان شركة وقراضا وقال أصحاب الشافعي لا يجوز لان الشركة إذا وقعت على المال كان الربح تابعا له دون العمل ولنا أنهما تساويا في المال وانفرد احدهما بالعمل فجاز أن ينفرد بزيادة الربح كما لو لم يكن له
مال قولهم ان الربح تابع للمال وحده ممنوع بل تابع لهما كما أنه حاصل بهما فان شرط غير العامل لنفسه ثلثي الربح لم يجز، وقال القاضي يجوز بناء على جواز تفاضلهما في شركة العنان ولنا أنه شرط لنفسه جزء من الربح لا مقابل له فلم يصح كما لو شرط ربح مال العامل المنفرد، وفارق شركة العنان لان فيها عملا منهما فجاز أن يتفاضلا في الربح لتفاضلهما في العمل بخلاف مسئلتنا وان جعلا الربح بينهما نصفين ولم يقولا مضاربة جاز وكان ابضاعا كما تقدم وان قالا مضاربة فسد العقد لما ذكرنا (فصل) وقد ذكرنا ان حكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل ان يفعله أو لا يفعله والذي اختلف فيه في حق الشريك فكذلك في حق عامل المضاربة وهل له أن يبيع نساء إذا لم ينه عنه؟ فيه روايتان احداهما) ليس له ذلك وبه قال مالك وابن ابي ليلى والشافعي لانه نائب في البيع فلم يجز له ذلك بغير إذن كالوكيل، يحقق ذلك ان النائب لا يجوز له التصرف الا على وجه الحظ والاحتياط وفي النسيئة تغرير
بالمال والثانية يجوز له ذلك وهو قول أبي حنيفة واختيار ابن عقيل لان اذنه في التجارة والمضاربة ينصرف إلى التجاره والمتعادة وهذا عادة التجار ولانه يقصد به الربح والربح في النساء أكثر والحكم في الوكالة ممنوع، ثم الفرق بين الوكالة المطلقة والمضاربة ان الوكالة المقصود منها تصحيل الثمن فحسب ولا تختص بقصد الربح فإذا أمكن تحصيله من غير خطر كان أولى ولان الوكالة المطلقة في البيع
تدل على ان حاجة الموكل إلى الثمن ناجزة فلم يجز تأخيره بخلاف المضاربة، فان قال له اعمل برأيك أو تصرف كيف شئت فله البيع نساء وقال الشافعي ليس له ذلك لان فيه تغريرا أشبه مالو لم يقل له ذلك ولنا أنه داخل في عموم لفظه وقرينة حاله تدل على رضاه برأيه في صفات البيع وفي أنواع التجارة وهذا منها فإذا قلنا له البيع نساء فالبيع صحيح ومنهما فات من الثمن لا يضمنه الا أن يفرط ببيع من لا يوثق به أو من لا يعرفه فيضمن الثمن المنكسر على المشتري وان قلنا ليس له البيع نساء فالبيع باطل لانه فعل ما لم يؤذن له فيه فهو كالبيع من الاجنبي إلا على الرواية التى تقول يقف بيع الاجنبي على الاجارة فههنا مثله، ويحتمل كلام الخرقي صحة البيع فانه قال إذا باع المضارب نساء بغير إذن ضمن ولم يذكر فساد البيع وعلى كل حال يلزم العامل الضمان لان ذهاب الثمن حصل بتفريطه وان قلنا بفساد البيع ضمن المبيع بقيمته إذا تعذر عليه استرجاعه بتلف المبيع أو امتناع المشتري من رده إليه وان قلنا بصحته احتمل أن يضمنه بقيمته أيضا لانه لم يفت بالبيع أكثر منها ولا ينحفظ بتركه سواها وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها واحتمل ان يضمن الثمن لانه وجب البيع وفات بتفريط البائع، فعلى هذا ان نقص عن القيمة فقد انتقل الوجوب إليه بدليل أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئا
(فصل) وهل له السفر بالمال؟ فيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك وهو مذهب الشافعي لان في السفر تغريرا بالمال وخطرا ولهذا يروى: ان المسافر وما معه على قلت الا ما وقى الله.
أي هلاك ولا يجوز له التعزير بالمال بغير إذن مالكه (والثاني) له السفر إذا لم يكن مخوفا قال القاضي قياس المذهب
جوازه بناء على السفر بالوديعة وهو قول مالك وحكي عن أبي حنيفة لان الاذن المطلق ينصرف إلى ما جرت به العادة والعادة جارية بالتجارة سفرا أو حضرا ولان المضاربة مشتقة من الضرب في الارض فملك ذلك بمطلقها وهذان الوجهان في المطلق، فاما ان أذن فيه أو نهى عنه أو وجدت قرينة دالة على أحد الامرين تعين ذلك وجاز مع الاذن وحرم مع النبي، وليس له السفر في موضع مخوف على كلا الوجهين وكذلك لو أذن له في السفر مطلقا لم يكن له السفر في طريق مخوف ولا إلى بلد مخوف فان فعل فهو ضامن لما يتلف لانه تعدى بفعل ما ليس له فعله (فصل) وليس للمضارب البيع بدون ثمن المثل ولا ان يشتري بأكثر منه مما لا يتغابن الناس بمثله فان فعل فقد روي عن أحمد أن البيع يصح ويضمن النقص كالو كيل ولان الضرر ينجبر بضمان النقص، قال شيخنا والقياس بطلان البيع وهو مذهب الشافعي لانه بيع لم يؤذن فيه اشبه بيع الاجنبي، فعلى هذا ان تعذر رد المبيع ضمن النقص أيضا وان أمكن رده وجب ان كان باقيا أو
قيمته ان تلف ولرب المال مطالبة من شاء من العامل والمشتري فان أخذ من المشتري قيمته رجع المشتري على العامل بالثمن وان رجع على العامل بقيمته رجع العامل على المشتري بها ورد عليه الثمن لان التف حصل في يده اما ما يتغابن الناس بمثله فلا يمنع منه لانه لا يمكن التحر ز منه واما إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع وان اشترى في الذمة لزم العامل دون رب المال الا أن يجبزه فيكون له هذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي ان أطلق اشراء ولم يذكر رب المال فكذلك وإن صرح للبائع اني اشتريه لفلان فالبيع باطل أيضا (فصل) وهل له ان يبيع ويشتري بغير نفد البلد؟ على روايتين اصحهما جوازه اذار أي المصلحة فيه والربح حاصل به كما يجوز ان يبيع عرضا بعرض ويشتريه به فان قلنا لا يملك ذلك ففعل فحكمه حكم ما لو اشترى أو باع بغير ثمن المثل، وان قال اعمل برأيك فله ذلك وهل له المزارعة يحتمل ان لا يملكها لان المضاربة لا يفهم من الاقها المزارعة وقد روي عن احمد رحمه الله فيمن دفع إلى رجل الفاو قال اتجر فيها بما شئت فزرع زرعا فربح فيه فالمضاربة جائزة والربح بينهما قال
القاضي ظاهر هذا ان قوله اتجر بما شئت دخلت فيه المزارعة لانها من الوجوه التي بيتغى بها النماء فعلى هذا لو توى المال في المزارعة لم يلزمه ضمانه
(فصل) وله ان يشتري المعيب إذا رأى المصلحة فيه لان المقصود الربح وقد يكون الربح في المعيب فان اشتراه يظنه سليمان فبان معيبا فله فعل ما يرى فيه المصلحة من رده أو إمساكه وأخذ الارش فان اختف العامل ورب المال في الرد فطلبه أحدهما وأباه الآخر فعل ما فيه النظر والخط لان المقصود تحصيله فيحمل الامر على ما فيه الحظ، وأما الشريكان إذا اختلفا في رد المعيب فلطالب الرد رد نصيبه وللآخر إمساك نصيبه الا أن لا يعلم البائع ان التسراء لهما فلا يلزمه قبول رد بعضه لان ظاهر الحال ان العقد لمن وليه فلم يجز إدخال الضرر على البائع بتبعيض الصفقة عليه، ولو أراد الذي ولي العقد رد بعض المبيع وإمساك البعض فان حمه حكم مالو أراد شريكه ذلك على ما فصلناه (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال) لان فيه ضررا ولانه لا حظ للتجارة فيه فان اشتراه باذن رب المال صح لانه صح شراؤه بنفسه فإذا أذن لغيره فيه جازو يعتق عليه وتنفسخ المضاربة في قدر ثمنه، وان كان في المال ربح رجع العامل بحصته منه فان كان بغير إذن رب المال احتمل أن لا يصح الشراء إذا كان الثمن عينا لان العامل اشترى ما ليس له ان يشتريه فهو كما لو اشترى شيئا بأكثر من ثمنه ولان الاذن في المضاربة إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه والربح فيه وليس هذا كذلك، وان كان اشتراه في الذمة وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن مال المضاربة فان فعل ضمن وهذا قول الشافعي وأكثر الفقهاء، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد صحة الشراء
لانه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كما لو شاترى من نذرب المال عتقه ويعتق على رب المال ونتفسخ المضاربة فيه ويلزم العامل الضمان على ظاهر كلام أحمد علم بذلك أو جهل لان مال المضاربة تلف بسببه، ولا فرق في الاتلاف الموجب للضمان بين العلم والجهل ويضمن قيمته في أحد الوجهين لان الملك ثبت فيه ثم تلف اشبه مالو أتلفه بفعله والثاني يضمن الثمن الذي اشتراه به لان التفر يط منه حصل
بالشراء وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء فكان عليه ضمان ما فرط فيه ومتى ظهر في المال ربح فللعامل حصته منه وقال أبو بكر ان لم يعلم العامل أنه يعتق على رب المال لم يضمن لان التلف حصل لمعنى في المبيع لم يعلم به فلم يضمن كما لو اشترى معيبا لم يعلم عبيه فتلف به قال ويتوجه أن لا يضمن وإن علم (مسألة) (وإن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحهما) لانه ملكها فان كان قبل الدخول فهل يلزم الزوج نصف الصداق؟ فيه وجهان يذكران فيما بعد إن شاء الله تعالى، فان قلنا يلزمه رجع به على العامل لانه سبب تقريره عليه فرجع عليه كما لو أفسدت امرأه نكاحه بالرضاع، وإن اشترى زوج ربة المال صح وانفسخ النكاح لانها ملكت زوجها.
وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا يصح الشراء إلا أن يكون باذنها لان الاذن إنما يتناول شراء مالها فيه حظ وهذا الشراء يضربها لانه يفسخ نكاحها وتسقط حصتها من النفقة والكسوة فلم يصح كشراء أبيها ولنا انه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه فجاز كما لو اشترى أجنبيا ولا ضمان على العامل فيما
يفوت من المهر ويسقط من النفقة لان ذلك لا يعود إلى المضاربة وانما هو بسبب آخر ولا فرق بين شرائه في الذمة أو بعين المال.
(فصل) وان اشترى المأذون له من يعتق على رب المال باذنه صح وعتق فان كان على المأذون له دين يستغرق قيمته وما في يديه وقلنا يتعلق الدين برقبته فعليه دفع قيمة العبد الذي عتق إلى الغرماء لانه الذي أتلف عليهم بالعتق وان نهاه عن الشراء فالشراء باطل لانه يملكه بالاذن وقد زال بالنهي وان أطلق الاذن فقال أبو الخطاب يصح شراؤه لان من يصح أن يشتريه السيد صح شراء المأذون له كالأجنبي وهذا قول أبي حنيفة إذا أذن له في التجارة ولم يدفع إليه مالا وقال القاضي لا يصح لان فيه اتلافا على السيد فان إذنه يتناول ما فيه حظ فلا يدخل فيه الاتلاف، وفارق عامل المضاربة لانه يضمن القيمة فيزول الضرر وللشافعي قولان كالوجهين، وان اشترى امرأة رب المال أو زوج ربة المال فهل يصح؟ على وجهين أيضا كشراء من يعتق بالشراء (مسألة) (وان اشترى المضارب من يعتق عليه صح الشراء)
فان لم يظهر في المال ربح لم يعتق منه شئ وان ظهر فيه ربح ففيه وجهان مبنيان على العامل متى يملك الربح؟ فان قلنا يملكه بالقسيمة لم يعتق منه شئ لانه مالكه وان قلنا يملكه بالظهور ففيه وجهان: (أحدهما) لا يعتق وهو قول أبى بكر لانه لم يتم ملكه عليه لكون الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق
لذلك (والثاني) يعتق بقدر حصته من الربح ان كان معسرا ويقوم عليه باقيه ان كان موسرا لانه ملكه بفعله فعتق عليه كما لو اشتراه بماله وهذا قول الفاضي ومذهب أصحاب أبي حنيفة لكن عندهم يستسعى في بقيته ان كان معسرا ولنا رواية كقولهم وان اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك والعبد باق في التجارة فهو كما لو كان الربح ظاهرا وقت الشراء وقال الشافعي إن اشتراه بعد ظهور الربح لم يصح في أحد الوجهين لانه يودي إلى أن ينجر العامل حقه قبل رب المال ولنا انهما شريكان فصح شراء كل واحد منهما من يعتق عليه كشريكي العنان (فصل) وليس للمضارب أن يشتري بأكثر من رأس المال لان الاذن ما تناول أكثر منه فإذا كان رأس المال ألفا فاشتري عبدا بألف ثم اشترى عبدا آخر بعين الالف فالشراء فاسد لانه اشترى بمال يستحق تسليمه في البيع الاول، وإن اشتراه في ذمته صح الشراء والعبد له لانه اشترى في ذمته لغيره بغير إذنه في شرائه فوقع له وهل يقف على إجازة رب المال؟ على روايتين ومذهب الشافعي كنحو ما ذكرنا (فصل) وليس للمضارب وطئ أمة المضاربة سواء ظهر ربح أو لا فان فعل فعليه المهر والتعزير وان علقت منه ولم يظهر في المال ربح فولده رقيق لانها علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك ولا تصير أم ولد له لذلك وان ظهر في المال ربح فالولد حر وتصير أم ولد له وعليه قيمتها ونحو ذلك قال سفيان واسحاق وقال القاضي إن لم يظهر ريح فعليه الحد لانه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك والمنصوص
عن احمد أن عليه التعزير فقط لان ظهور الربح ينبني على التقويم وهو غير متحقق لاحتمال أن السلع تساوي أكثر مما قزمت به فيكون ذلك شبهة في درء الحد فانه يدرأ بالشبهات (فصل) وليس لرب المال وطئ الامة أيضا لانه ينقصها إن كانت بكرا ويعرضها للخروج من
المضاربة والتلف فان فعل فلا حد عليه لانها ملكه فان أحبلها صارت أم ولد له وولده حر لذلك وتخرج من المضاربة وتحسب قيمتها ويضاف إليها بقية المال فان كان فيه ربح فللعامل حصته منه وليس لواحد منهما تزويج الامة لانه ينقصها ولا مكاتبة العبد لذلك وان اتفقا عليه جاز لان الحق لهما (فصل) وليس للمضارب دفع المال مضاربة بغير اذن نص عليه احمد في رواية الاثرم وحرب وعبد الله، وخرج القاضي وجهين في جواز ذلك بناء على توكيل الوكيل ولا يصح هذا التخريج والقياس لانه انما دفع إليه المال ههنا ليضارب به ودفعه إلى غيره مضاربة يخرجه عن كونه مضاربا له بخلاف الوكيل ولان هذا يوجب في المال حقا لغيره ولا يجوز ايجاب حق في مال انسان بغير اذنه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا يعلم عن غير هم خلافهم فان فعل فلم يتلف المال ولا ظهر فيه ربح رده إلى مالكه ولا شئ له ولا عليه وإن تلف أو ربح فيه فقال الشريف أبو جعفر هو في الضمان والتصرف كالغاصب ولرب المال مطالبة ومن شاء منهما برد المال إن كان باقيا وبزد بدله إن تلف أو تعذر رده فان طالب الاول وضمنه قيمة التلف ولم يكن الثاني علم الحال لم يرجع عليه بشئ لانه دفعه إليه على
وجه الامانة وإن علم رجع عليه لانه قبض مال غيره على سبيل العدوان وقد تلف تحت يده فاستقر عليه ضمانه وإن ضمن الثاني مع علمه بالحال لم يرجع على الاول وإن لم يعلم فكذلك في أحد الوجهين لان التلف حصل بيده فاستقر الضمان عليه، والثاني يرجع عليه لانه غره أشبه المغرور بحرية أمة وان ربح فالربح للمالك ولا شئ للمضارب الاول لانه لم يوجد منه مال ولا عمل وهل للثاني اجرة مثله؟ على روايتين (احداهما) له ذلك لانه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة (والثانية) لا شئ له لانه عمل في مال غيره بغير إذن أشبه الغاصب، وفارق المضاربة لانه عمل في ماله باذنه وسواء اشترى بعين المال أو في الذمة ويحتمل أنه إن اشترى في الذمة يكون الربح له لانه ربح فيما اشتراه في ذمته مما لم يقع الشراء فيه لغيره فأشبه مالو ينقد الثمن من مال المضاربة، قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم يعني قول مالك وأبي حنيفة والشافعي ويحثمل أنه إن كان عالما بالحال فلا شئ للعامل كالغاصب وإن جهل الحال فله أجر مثله يرجع به على العاصب الاول لانه غره واستعمله بعوض لم يسلم له فكان
أجره عليه كما لو استعمله في مال نفسه وقال القاضي إن اشترى بعين المال فالشراء باطل وإن اشترى في الذمة ثم نقد المال وكان قد شرط رب المال للمضارب النصف فدفعه المضارب إلى آخر على أن لرب المال النصف والنصف الاخر بينهما فهو على ما اتفقوا عليه لان رب المال رضي بنصف الربح فلا يدفع
إليه أكثر منه والعاملان على ما اتفقا عليه وهذا قول الشافعي القديم وليس هذا موافقا لا صول المذاهب ولا لنص احمد فان احمد قال لا يطيب الربح لمضارب ولان المضارب الاول ليس له عمل ولا مال ولا يستحق الربح في المضاربة إلا بواحد منهما والثاني عمل في مال غيره بغير اذنه ولا شرطه فلم يستحق ما شرطه له غيره كما لو دفع إليه الغاصب مضاربة ولانه لم يستحق ما شرطه له رب المال في المضاربة الفاسدة فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى.
(فصل) فان أذن رب المال في ذلك جاز نص عليه احمد ولا نعلم فيه خلافا ويكون المضارب الاول وكيل رب المال في ذلك فان دفعه إلى آخر ولم يشرط لنفسه شيئا من الربح كان صحيحا وإن شرط لنفسه شيئا منه لم يصح لانه ليس من جهته مال ولا عمل والربح انما يستحق لواحد منهما فان قال اعمل برأيك أو بما أراك الله جاز له دفعه مضاربة نص عليه لانه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه ويحتمل أن لا يجوز له ذلك لان قوله اعمل برأيك يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة ولهذا يخرج به عن المضاربة فلا يتناوله إذنه (فصل) وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله فان فعل ولم يتميز ضمنه لانه أمانة فهو كالوديعة فان قال له اعمل برأيك جاز ذلك وهو قول مالك والثوري واصحاب الرأي وقال الشافعي ليس له ذلك وعليه الضمان ان فعله لان ذلك ليس من التجارة ولنا انه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله أعمل برأيك وهكذا القول في المشاركة به ليس له فعلها إلا ان يقول له اعمل برأيك فيملكها
(فصل) وليس له شراء خمر ولا خنزير سواء كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلما فان فعل فعليه الضمان وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان العامل ذميا صح شراؤه للخمر وبيعه إياها لان الملك عنده
ينتقل إلى الوكيل وحقوق العقد تتعلق به وقال أبو يوسف ومحمد يصح شراؤه إياها ولا يصح بيعه لانه يبيع ما ليس بملك له ولا لموكله ولنا أنه ان كان العامل مسلما فقد اشترى خمرا ولا يصح ان يشتري خمرا ولا يبيعه وان كان ذميا فقد اشترى للمسلم مالا يصح أن يملكه ابتداء فلا يصح كما لو اشترى الخنزير ولان الخمر محرمة فلم بصح شراؤها له كالخنزير والميتة ولان مالا يجوز بيعه لا يجوز شراؤه كالميتة والدم وكلما جاز في الشركة جاز في المضاربة وما جاز في المضاربة جاز في الشركة وما منع في إحداهما منع منه في الاخرى لان المضاربة شركة ومبنى كل واحد منهما على الوكالة والامانة (مسألة) (وليس للمضارب أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الاول فان فعل رد نصيبه من الربح في شركة الاول) وجملة ذلك أنه إذا أخذ من إنسان مضاربة ثم أراد أخذ مضاربة من آخر باذن الاول جاز وكذلك ان لم يأذن ولم يكن عليه ضرر بغير خلاف علمناه فان كان فيه ضرر على الاول ولم بأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيرا يستوعب زمانه فيشغله عن التجارة في الاول أو يكون المال الاول كثيرا
متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز ذلك وقال أكثر الفقهاء يجوز لانه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالاجير المشترك ولنا أن المضاربة على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يجز له كما لو أراد التصرف بالغبن وفارق مالا ضرر فيه فعلى هذا ان فعل وربح رد الربح في شركة الاول وليقسمانه فينظر ما ربح في المضاربة الثانية فيدفع إلى رب المال منه نصيبه ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة الاولى ويقاسمه لرب المضاربة الاولى لانه استجق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد الاول فكان بينهما كربح المال الاول فأما حصة رب المال الثاني من الربح فيدفع إليه لان العدوان عن المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني ولانا لو رددنا ربح الثاني كله في الشركة الاولى لاختص الضرر برب المال الثاني ولم يلحق المضارب شئ من الضرر والعدوان منه بل ربما انتفع إذا كان قد
شرط الاول النصف أو الثاني الثلث ولانه لا يخلو إما أن يحكم بفساد المضاربة الثانية أو بصحتها فان كانت فاسدة فالربح كله لرب المال وللمضارب أجر مثله وان حكمنا بصحتها وجب صرف حصة رب المال إليه بمتقضى العقد وموجب الشرط قال شيخنا: والنظر يقتضي أن لا يستحق رب المضاربة الاولى من ريح الثانية شيئا لانه انما يستحق بمال أو عمل ولم يوجد واحد منهما وتعدي المضارب انما هو بترك العمل واشتغاله عن المال الاول وذلك لا يوجب عوضا كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو أجر نفسه أو ترك
التجارة للعب أو اشتغال بعلم أو غير ذلك ولانه لو أوجب عوضا لاوجب شيئا مقدرا لا يختلف ولا يتقدر بربحه في الثاني والله أعلم (فصل) فان دفع إليه مضاربة واشترط النفقة لم يجز أن يأخذ لغيره بضاعة ولا مضاربة وان لم يكن على الاول ضرر لقول أحمد إذا اشترط النفقة صار أجبراله فلا يأخذ من أحد بضاعة فانها تشغله عن المال الذي يضارب به، قيل له وان كانت لا تشغله قال ما يعجبني أن يكون إلا باذن صاحب المضاربة فانه لا بد من شغل قال شيخنا هذا والله العم على سبيل الا ستحباب وان فعل فلا شئ عليه لانه لا ضرر على رب المضاربة فيه، وان أخذ من رجل مضاربة ثم أخذ من آخر بضاعة أو عمل في مال نفسه واتجر فيه فربحه في مال البضاعة لصاحبها وفي مال نفسه له (فصل) إذا أخذ من رجل مائة قراضا ثم أخذ من آخر مثلها فاشترى بكل مائه عبدا فاختلط العبدان ولم يتميزا اصطلحا عليهما كما لو كانت لرجل حنطة فالثالت عليها أخرى، وذكر القاضي في ذلك وجهين أحدهما يكونا شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع فيا عان ويقسم بينهما فان كان فيهما ربح دفع إلى العامل حصته والباقي بينهما نصفين والثاني يكونان للعامل وعليه آداء رأس المال والربح له والخسران عليه وللشافعي قولان كالوجهين والاول أولى لان ملك كل واحد منهما ثابت في أحد العبدين فلا يزول بالاشتباه عن جميعه ولا عن بعضه بغير رضاه كما لو لم يكونا في يد المضارب
ولا تنالوا جعلناهما للمضارب أدى إلى أن يكون تفريطه سببا لا نفراده بالربح وحرمان المعدى
عليه وعكس ذلك أولى وان جعلنا هما شريكين أدى إلى ان يأخذ أحدهما ربح مال الآخر بغير رضاه وليس له مال ولا عمل (فصل) إذا تعدى المضارب بفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكم بن حزام وأبي قلابة ونافع واياس والشعبي والنخعي وحماد ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعن علي رضي الله عنه لا ضمان على من شورك في الربح وروي معنى ذلك عن الحسن والزهري ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب ولا نقول بمشاركته في الربح فلا يتناوله قول علي رضي الله عنه، ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالربح لرب المال نص عليه أحمد وبه قال أبو قلابة ونافع، وعن أحمد أنهما يتصدقان بالربح وبه قال الشعبي والنخعي والحكم وحماد قال القاضي قول أحمد يتصدقان بالربح على سبيل الورع وهو لرب المال في القضاء وهذا قول الاوزاعي، وقال إياس بن معاوية ومالك الربح على ما شرطاه كما لو ليس الثوب وركب دابة ليس له ركوبها وقال القاضي ان اشترى في الذمة ثم نقد المال فالربح لرب المال وان اشترى بعين المال فالشراء باطل في احدى الروايتين والاخرى هو موقوف على اجازة المالك فان أجازه صح والا بطل والمذهب الاول نص عليه أحمد في رواية الاثرم وقال أبو بكر لم بروانه يتصدق بالربح الا حنبل
واحتج أحمد بحديث عروة البارقي وهو ما روى أبو الوليد عن عروة بن الجعد قال عرض النبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا فقال (عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة) فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسو قهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومتي فبعت منه شاة بدينار فجئت بالدينار وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال (وكيف صنعت؟) فحدثته الحديث فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) رواه الاثرم ولانه نماء مال غيره بغير إذن مالكه فكان لمالكه كما لو غصب حنطة فزرعها، فاما المضارب ففيه روايتان (احداهما) لا شئ له لانه عقد عقدا لم يؤذن له فيه فلم يكن له شئ كالغاصب وهذا اختيار أبي بكر (والثانية) له أجر لان رب المال رضي بالبيع وأخذ الربح فاستحق العامل عوضا كما لو عقده باذنه، وفي قدر الاجر روايتان (احداهما) أجر مثله ما لم يحط
بالربح لانه عمل ما يستحق به العوض ولم يسلم له المسمى فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة (والثانية) له الاقل من المسمى أو أجر المثل لانه ان كان المسمى أقل فقد رضي به فلم يستحق أكثر منه وان كان أجر المثل أقل فلم يستحق أكثر مه لانه لم يعمل ما أمر به، فان قصد الشراء لنفسه فلا أجر له رواية واحدة وقال القاضي وأبو الخطاب ان اشترى في ذمته ونقد المال فلا أجر له رواية واحدة وان اشترى بعين المال فعلى روايتين (فصل) وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب من نشر الثوب وطيه
وعرضه على المشتري ومساومته وعقد البيع وأخذ الثمن وانتقاه وشد الكيس وخمه واحرازه ونحو ذلك ولا أجر له عليه لانه استحق الربح في مقابلته وان استأجر من يفعل ذلك فالاجر عليه خاصة لان العمل عليه فاما مالا يليه في العادة كالنداء على المتاع ونقله إلى الخان فليس على العامل علمه وله ان يكتري من يعمله نص عليه أحمد لان العمل في المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه فرجع فيه إلى العرف فان فعل العامل مالا يلزمه متبرعا فلا أجر له وان فعله ليأخذ عليه اجرا فنص احمد على أنه لا شئ له، وخرج أصحابنا وجها أن له الاجر بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه هل له أجر لذلك؟ على روايتين وهذا مثله، قال شيخنا والصحيح أنه لا أجر له في الموضعين لانه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شئ فلم يستحق شيئا كالاجنبي (فصل) وإذا غصب مال المضاربة أو سرق فهل للمضارب المطالبة به؟ على وجهين (احدهما) ليس له ذلك لان الضماربه عقد على التجارة فلا يدخل فيه الحصومة (والثاني) له ذلك لانه يقتضي حفظ المال ولا يتم ذلك الا بالخصومة والمطالبة سيما إذا كان غائبا عن رب المال فانه حينئذ لا يكون مطالبا به الا المضارب فان تركه ضاع، عفلى هذا ان ترك الخصومة وانطلب به في هذه الحال ضمن لانه ضيعه وفرط فيه فأما ان كان رب المال حاضرا وعلم الحال فانه لا يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه لان رب المال أولى بذلك من وكيله
(فصل) وإذا اشترى المضارب عبدا فقتله عبد لغيره ولم يكن ظهر في المال ربح فالامر لرب المال ان شاء اقتص وان شاء عفا على غير مال وتبطل المضاربة فيه لذ هاب رأس المال وان شاء عفا على مال فان عفا على مثل رأس المال أو أقل أو اكثر فالمضاربة بحالها والربح بينهما على ما شرطاه لانه وجد بدل عن رأس المال فهو كما لو وجد بدله بالبيع وان كان في العبد ربح فالقصاص اليهما والمصالحة كذلك لكونهما شريكين فيه والحكم في انفساخ المضاربة وبقائها على ما تقدم (مسألة) (وليس لرب المال ان يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه وعنه يجوز) إذا اشترى رب المال من مال المضاربة شيئا لنفسه لم يصح في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي ويصح في الاخرى وبه قال مالك والاوزاعي وأبو حنيفة لانه قد تعلق به حق المضارب فجاز شراؤء كما لو اشترى من مكاتبه.
ولنا أنه ملكه فلم يصح شراؤه له كشرائه من وكيله، وفارق المكاتب فان السيد لا يملك ما في يده ولا تجب زكاته عليه وله أخذ ما فيه شفعة منه (مسألة) وكذلك شراء السيد من عبده المأذون) لما ذكر ناويحتمل ان يصح اذن استغر قته الديون لان الغرماء يأخذون ما في يده ولان الدين إذا تعلق برقبته
صار مستحقا للغرماء فصح شراء السيد منه كبقية الغرماء والاول اولى لان ملك السيد لم يزل عنه وان تعلق حق الغرماء به كالعبد الجاني (فصل) فان اشترى المضارب من مال المضاربة لنفسه ولم يظهر ربح صح نص عليه احمد وبه قال مالك والثوري والاوزاعي واسحاق وحكي ذلك عن أبي حنيقة وقال أبو ثور البيع باطل لانه شريك ولنا أنه ملك لغيره فصح شراؤء له كشراء الوكيل من موكله وانما يكون شريكا إذا ظهر الربح لانه انما شارك في الربح دون أصل المال فان ظهر ربح فشراؤه كشراء أحد الشريكين من شريكه (مسألة) (وان اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح) لانه يشتري ملك غيره وقال أحمد في الشريكين في الطعام يريد أحدهما بيع حصته من صاحبه ان لم
يكونا يعلمان كيله فلا بأس وان علما كيله فلا بد من كيله يعني ان من علم مبلغ شئ لم يبعه صبرة وان باعه إياه بالكيل والوزن جاز (مسألة) (وان اشترى الجميع بطل في نصيبه لانه ملكه)
وهل يصح في حصة شريكه؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة ويتخرج أن يصح في الجميع بناء على صحة شراء رب المال من مال المضاربة (فصل) ولو استأجر أحد الشريكين من صاحبه دارا ليحرز فيها مال الشركة أو غرائر جاز نص عليه أحمد في رواية صالح وان استأجره لنقل الطعام أو غلامه أو دابته جاز لان ما جاز أن يستأجر له غير الحيوان جاز ان يستأجر له الحيوان كمال الاجنبي، وفيه رواية أخرى لا يجوز لان هذا لا تجب الاجرة فيه الا بالعمل ولا يمكن ايفاء العمل في المشترك لان نصيب المستأجر غير متميز من نصيب المؤجر فإذا لا تجب الاجرة، والدار والغرائر لا يعتبر فيها ايقاع العمل إنما يجب بوضع العين في الدار فيمكن تسليم المعقود عليه (مسألة) (وليس للمضارب نفقة إلا بشرط سواء كانت تجارته في الحضر أو السفر)
وبهذا قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال الحسن والنخعي والاوزاعي ومالك واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ينفق من المال المعروف إذا شخص به عن البلد لان سفره لا جل المال فكانت نفقته فيه كأجر الحمال ولنا أن نفقته تخصه فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب لانه دخل على أنه لا يستحق من الربح الا الجزء المسمى فلا يكون له غيره ولانه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى النفقة، فأما ان شرط له النفقة صح وله ذلك لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) فان قدر له ذلك فحسن لان فيه قطع المنازعة وزوال الاختلاف قال أحمد في رواية الاثرم أحب إلي ان يشترط نفقة محدودة وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره وان أطلق صح
نص عليه، وله نفقته من المأكول خاصة ولا كسوة له قال احمد إذا قال له نفقته فانه ينفق قيل له فيكتسي؟ قال لا انما له النفقة، فان كان سفره طويلا يحتاج إلى تجديد كسوة فظاهر كلام أحمد جوازها لا نه قيل
له فلم يشترط الكسوة الا أنه في بلد بعيد وله مقام طويل يحتاج فيه إلى الكسوة؟ فقال إذا أذن له في النفقة فعل ما لم يحمل على مال الرجل ولم يكن ذلك قصده هذا معناه.
وقال القاضي وأبو الخطاب إذا شرط له النفقة فله جميع نفقته من مأكول وملبوس بالمعروف وقال أحمد ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال ولم يذهب أحمد إلى تقدير النفقة لان الاسعار تختلف وقد تقل وقد تكثر (مسألة) (فان اختلفا في قدر النفقة فقال أبو الخطاب يرجع في القوت إلى الاطعام في الكفارة وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله لانه العادة فينصرف الاطلاق إليه كما انصرف إليه في الاطعام في الكفارة، فان كان معه مال لنفسه أو مضاربة أخرى أو بضاعة لآخر فالنفقة على قدر المالين لانها لاجل السفر والسفر للمالين فيجب أن تكون النفقة مقسومة على قدرهما الا أن يكون رب المال قد شرط له النفقة من ماله مع علمه بذلك، ولو أذن له في السفر إلى موضع معين أو غير معين ثم لقيه رب المال في السفر في ذلك الموضع أو في غيره وقد نص المال فاخذ ماله فطالبه العامل بنفقة الرجوع إلى بلده لم يكن له ذلك لانه إنما استحق النفقة ماداما في القراض وقد زال فزالت النفقة ولذلك لو مات لم يجب تكفينه وقيل له ذلك لانه كان شرط له نفقة ذهابه ورجوعه وغره بتسفيره إلى الموضع الذي أذن له فيه معتقدا أنه مستحق للنفقة ذاهبا وراجعا فإذا قطع عنه النفقة تضرر بذلك (مسألة) (فأذن له في التسري فاشترى جارية ملكها وصار ثمنها قرضا نص عليه أحمد لان البضع لا يباح الا بملك أو نكاح لقوله سبحانه (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين)
ولم يوجد النكاح فتعين الملك ويخرج ثمنها من المضاربة ويكون قرضا في ذمته لما ذكرنا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: