الفقه الحنبلي - الاجارة
بسم الله الرحمن الرحيم (باب الاجارة) والاصل في جوازها الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (فان أرضعن لكم فاتوهن أجورهن) وقال تعالى قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين * قال اني أريد أن
أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) وروى ابن ماجه في سننه عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا بلغ قصة موصى قال " ان موسى عليه السلام أجر نفسه ثماني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه " وقال الله تعالى (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) وهذا يدل على جواز أخذ الاجرة على إقامة الجدار وأما السنة فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا رجلا من بنى الديل هاديا خريتا.
وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عزوجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل
أعطى بى ثمن غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره " وأجمع أهل العلم في كل عصر على جواز الاجارة إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الاصم انه قال: لا يجوز
ذلك لانه غرر يعني انه يعقد على منافع لم تخلق.
وهذا غلط لا يمنع انعقاد الاجماع الذي سبق في الاعصار وسائر الامصار.
والعبرة أيضا دالة عليها فان الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الاعيان فلما جاز العقد على الاعيان وجب أن تجوز الاجارة على المنافع، ولا تخقى حاجة النا س إلى ذلك فانه ليس لكل أحد دار يملكها ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها ولا يلزم أصحاب الاملاك إسكانهم وحملهم تطوعا، وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر ولا يمكن كل احد عمل ذلك ولا يجد متطوعا به، فلابد من الاجارة لذلك بل ذلك مما جعله الله تعالى طريقا إلى الرزق حتى ان أكثر المكاسب بالصنائع، وما ذكره من الغرر لا يلتفت إليه مع ما ذكرنا من الحاجة فان العقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها لانها تتلف بمضي الاوقات فاحتيج إلى العقد عليها قبل وجودها كالسلم في الاعيان.
واشتقاق الاجارة من الاجر وهو العوض، قال الله تعالى (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) ومنه سمي الثواب أجرا لان الله تعالى يعوض العبد به على طاعته، أو صبره على مصيبته * (مسألة) * (وهي عقد على المنافع تنعقد بلفظ الاجارة والكراء وما في معناهما، وفي لفظ البيع وجهان) الاجارة عقد على المنافع في قول أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ومالك وأكثر الشافعية، وذكر
بعضهم ان المعقود عليه العين لانها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول أجرتك داري ولنا أن المعقود على المستوفى بالعقد وذلك هو المنافع دون الاعيان ولان الاجر في مقابلة المنفعة وبهذا يضمن دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى العين لانها محل المنفعة، وكما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة، ولو قال أجرتك منفعة داري جاز (فصل) وهي نوع من البيع لانها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع المنافع والمنافع كالاعيان لانها يصح تمليكها في الحياة وبعد الموت وتضمن باليد والاتلاف وتكون عوضا عينا ودينا وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم مع كونه بيعا، فعلى هذا تنعقد بلفظ الاجارة والكراء لانهما موضوعان لها، وكذلك كل ما يؤدي معناهما لحصول المقصود به، وهل تنعقد بلفظ البيع؟ فيه
وجهان [ أحدهما ] تنعقد به لانها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف [ والثاني ] لا تنعقد به لان فيها معنى خاصا فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى، ولان الاجارة تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع إضافة واحدة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بينهما كالعقود المتباينة.
ولانها عقد يخالف البيع في الحكم والاسم أشبه النكاح (فصل) ولا تصح إلا من جائز التصرف لانه عقد تمليك في الحياة أشبه البيع
* (مسألة) * (ولا تصح إلا بشروط ثلاثة (أحدها) معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهرا وخدمة العبد سنة وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين أو بناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته) وجملة ذلك انه لابد من معرفة المنفعة في الاجارة لانها المقعود عليها فاشترط العلم بها كالمبيع فان معرفته شرط في صحة البيع فكذلك معرفة المنفعة في الاجارة فان بيع المجهول لا يصح اجماعا، فان كان لها عرف كسكنى الدار شهرا لم يحتج إلى ذكرها لانه لا يكترى الا لذلك فاستغني عن ذكرها كالبيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد معروف، وخدمة العبد سنة كسكنى الدار لانها معلومة بالعرف، وأما إن اكترى لحمل زبرة حديد إلى موضع معين فلابد من ذكر الوزن ههنا والمكان الذي تحمل إليه لان المنفعة انما تعرف بذلك * (مسألة) * (أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته واجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس أو بناء معلوم) وجملة ذلك انه يجوز الاستئجار للبناء ويقدر بالزمان والعمل، فان قدر بالعمل فلابد من معرفة موضعه لانه يختلف بقرب الماء وسهولة التراب ولابد من ذكر طوله وعرضه وسمكه وآلة البناء من طين أو لبن أو آجر أو حجارة أو شيد أو غير ذلك.
قال ابن أبي موسى: وإذا استأجره لبناء الف لبنة
في جدار أو استأجره يبني له فيه يوما فعمل ما استؤجر عليه ثم سقط الحائط فله أجره لانه وفى العمل
فان قال ارفع لي هذا الحائط عشرة أذرع فرفع بعضه فسقط فعليه اعادة ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الاجارة من الذرع، هذا إذا لم يكن سقوطه في الاول لامر من جهة العامل فأما ان فرط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط فعليه اعادتة وغرامة ما تلف به (فصل) ويجوز الاستئجار لتطيبن السطوح والحيطان وتجصيصها ولا يجوز على عمل معين لان الطين يختلف في الرقة والغلط، والارض تختلف منها العالي والنازل، وكذلك الحيطان فلذلك لم يجز الا على مدة (فصل) وإذا استأجر دارا جاز اطلاق العقد ولم يحتج إلى ذكر السكنى ولا صفتها لما ذكرنا، وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور لا يجوز حتى يقول أبيت تحتها أنا وعيالي لان السكنى تختلف، ولو اكتراها ليسكنها فتزوج امرأة لم يكن له أن يسكنها معه ولنا أن الدار لا تكترى الا للسكنى فاستغني عن ذكره كاطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف والتفاوت في السكنى يسير فلم يحتج إلى ضبطه لما ذكرنا.
وما ذكروه لا يصح فان الضرر لا يكاد يختلف بكثرة من يسكن وقلتهم ولا يمكن ضبط ذلك فاجتزئ فيه بالعرف كما في دخول الحمام وشبهه، ولو اشترط ما ذكره لوجب أن يذكر عدد السكان وأن لا يبيت عنده ضيف ولا غير من ذكره ولكان ينبغي أن يعلم صفة الساكن كما يعلم ذلك فيها إذا اكترى للركوب
(فصل) قد ذكرنا انه يجوز الاستئجار للخدمة كل شهر بشئ معلوم وسواء كان الاجير رجلا أو امرأة حرا أو عبدا وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور لانه يجوز النيابة فيه ولا يختص فاعله بكونه من أهل القربة.
قال أحمد أجير المشاهرة يشهد الاعياد والجمعة وان لم يشترط ذلك، قيل له فيتطوع بالركعتين قال ما لم يضر صاحبه، وانما أباح ذلك لان أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة ولهذا وقعت مستثناة في حق المعتكف لترك معتكفه لها، وقال ابن المبارك لا بأس أو يصلي الاجير ركعات من السنة وقال أبو ثور وابن المنذر ليس له منعه منها، قال أحمد يجوز أن يستأجر الامة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر ليست الامة مثل الحرة ولا يخلو معها في بيت ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها انما قال ذلك لان حكم
النظر بعد الاجارة كحكمه قبلها وفرق بين الحرة والامة لانهما يختلفان قبل الاجارة فكذلك بعدها (فصل) إذا استأجر أرضا احتاج إلى ذكر ما تكترى له من غراس أو بناء أو زرع لانها تكترى لذلك كله وضرره يختلف فوجب بيانه، وفي إجارة الارض للزرع اختلاف ذكرناه في باب المساقاة (فصل) ويجوز الاستئجار لضرب اللبن لما ذكرنا ويكون على مدة أو عمل فان قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب لان الارض تختلف باختلافه لكون التراب في بعض الاماكن أسهل والماء أقرب فان كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز كما إذا كان المكيال معروفا، وان قدره بالطول
والعرض والسمك جاز ولا يكتفى بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا لان فيه غرار وقد يتلف القالب فلا يصح كما لو أسلم في مكيال بعينه * (مسألة) * (وان استأجر للركوب ذكر المركوب فرسا أو بعيرا أو نحوه) لان منافعها تختلف وتشترط معرفته برؤية أو صفة لانه يصح بيعه بهما وذكر المهمليج والقطوف لان سيرهما يختلف ومعرفة ما يركب به من سرج أو غيره لانه يختلف بالركوب والراكب ولا يحتاج إلى ذكر الذكورة والانوثة لان التفاوت بينهما يسير وقال القاضي يفتقر لتفاوتهما ولابد من معرفة الراكب برؤية أو صفة ذكره الخرقي وقال الشريف لا يجزئ فيه الا بالرؤية لان الصفة لا تأتي عليه ولابد من معرفة المحامل والاوطئة والاغطية والمعاليق كالقدر والسطحة ونحوهما أما برؤية أو صفة أو وزن * (مسألة) * (فان كان للحمل لم يحتج إلى ذكره) لعدم الغرض في معرفته فان اتفق وجود غرض في الحمولة مثل أن يكون المحمول شيأ تضره كثرة الحركة كالفاكهة والزجاج أو كون الطريق مما يعسر على بعضها دون بعض فينبغي أن يذكره في الاجارة ذكره شيخنا، وتشترط معرفة المتاع برؤية أو صفة ويذكر جنسه من حديد أو قطن أو نحوه لان ضرره يختلف وقدره بالوزن ان كان موزونا أو بالكيل ان كان مكيلا لان البيع يصح بكلا الامرين، ويحصل بالمشاهدة لانها من أعلى طرق العلم وبالصفة إذا ذكر القدر والجنس، وذكر ابن عقيل انه إذا قال أجرتكها لتحمل عليها
ثلثمائة رطل مما شئت جاز وملك ذلك لكن لا يحمله حملا يضر بالحيوان فلو أراد حمل حديد أو زئبق ينبغي أن يفرقه على ظهر الحيوان فلا يجتمع في موضع واحد من ظهره ولا يجعله في وعاء يموج فيه فيكد البهيمة ويتعبها وان اكترى ظهرا للحمل موصوفا بجنس فاراد حمله على غير ذلك الجنس وكان الطالب لذلك المستأجر لم يقبل منه لانه لا يملك المطالبة بما لم ينعقد عليه، ان طلبه المؤجر وكان يقوت به غرض المستأجر مثل أن يكون غرضه الاستعجال في السير أو أن لا ينقطع عن القافلة فيتعين الخيل أو البغال أو يكون غرضه السكون لكون المحمول مما يضره الهز أو قوتها وصبرها لطول الطريف وثقل الحمولة فيعين الابل لم يجز العدول عنه لانه يفوت غرض المستأجر فلم يجز ذلك كما في المركوب، وان لم يفوت غرضا جاز كما يجوز لمن اكترى على حمل شئ حمل مثله، فان اكترى بهيمة لحمل ما شاء لم يصح لانه يدخل فيه ما يقتل البهيمة وكذلك ان شرط طاقتها لانه لا ضابط له * (فصل) * قال رضى الله عنه (الثاني معرفة الاجرة بما يحصل به معرفة الثمن قياسا عليه ولا نعلم في ذلك خلافا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من استأجر اجيرا فليعلمه أجره " ويعتبر العلم بالرؤية أو بالصفة كالبيع، فان كان العوض معلوما بالمشاهدة دون القدر كالصبرة جاز في أحد الوجهين كالثمن في البيع والثاني لا يجوز لانه قد ينفسخ العقد بعد تلف الصبرة فلا يدرى بكم يرجع فاشترط معرفة قدره كعوض السلم والاول أولى لما ذكرنا، وما قاسوا عليه ممنوع ثم الفرق بينهما ان المنفعة ههنا أجريت مجرى الاعيان
لانها متعلقة بعين حاضرة والسلم يتعلق بمعدوم فافترقا وللشافعي نحو ما ذكرنا في هذا الفصل (فصل) وكل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الاجارة لانه عقد معاوضة أشبه البيع (1) * (مسألة) * (يجوز أن يستأجر الاجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فمن استأجر أجيرا بطعامه وكسوته أو جعل له أجرا وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك وإسحاق، وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي الله عنهم انهم استأجروا الاجراء بطعامهم وكسوتهم.
وروي عنه ان ذلك جائز في الظئر دون غيرها.
اختاره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة لان ذلك مجهول وانما جاز في الظئر لقول
الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) أوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لان الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وان لم ترضع، ولان الله تعالى قال (وعلى الوارث مثل ذلك) والوارث ليس بزوج.
ولان المنفعة في الرضاع والحضانة غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك.
وروي عنه رواية ثالثة ان ذلك لا يجوز بحال في الظئر ولا في غيرها وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر لان ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا فيكون مجهولا والاجر من شرطه أن يكون معلوما ولنا ما روى ابن ماجه عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا
__________
(1) هذا الفصل بنصه مكرر مع ما ينافي له في صحيفة 17 ولا معنى لذكره ههنا
بلغ قسة موسى عليه السلام قال " ان موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه " وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه.
وعن أبي هريرة انه قال كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي أحطب لهم إذا نزلوا وأحدوا بهم إذا ركبوا.
رواه الاثرم وابن ماجه، ولانه فعل من ذكرنا من الصحابة فلم ينكر فكان اجماعا، ولانه قد ثبت في الظئر في الآية فيثبت في غيرها بالقياس عليها، ولانه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة، ولان للكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات وللاطعام عرف وهو الاطعام في الكفارات فجاز اطلاقه كنقد البلد.
ونخص أبا حنيفه بأن ما جاز عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالاثمان إذا ثبت هذا وتشاحا في قدر الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الاطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله لان الاطلاق فيه يجزئ فيه أقل ما يتناوله اللفظ كالوصية.
ويحتمل أن يحمل على الملبوس في الكفارة كالمطعوم.
قال أحمد إذا تشاحا في الطعام حكم به بمد كل يوم ذهب به إلى ظاهر ما أمر الله من إطعام المساكين ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين، ولان الاطعام مطلق في الموضعين فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر، وليس له اطعام الاجير الا ما يوافقه من الاغذية لان عليه ضررا ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه
(فصل) فان شرط الاجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة كصفتها في السلم جاز عند الجميع وان لم يشرط
طعاما ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه وكذلك الظئر، قال ابن المنذر لا أعلم عن أحد خلافا فيما ذكرت وان شرط للاجير طعام غيره وكسوته موصوفا جاز لانه معلوم فهو كما لو شرط دراهم معلومة ويكون ذلك للاجير ان شاء أطعمه وان شاء تركه، وان لم يكن موصوفا لم يجز لان ذلك مجهول احتمل فيما إذا شرطه للاجير للحاجة إليه وجري العادة به فلا يلزم احتمالها مع عدم ذلك ولو استأجر دابة بعلفها أو باجر مسمى وعلفها لم يجز لانه مجهول ولا عرف له يرجع إليه ولا نعلم أحدا قال بجوازه الا أن يشترطه موصوفا فيجوز (فصل) فان استغني الاجير عن طعام المستأجر بطعام نفسه أو غيره أو عجز عن الاكل بمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها لانه عوض فلا يسقط بالغنى عنه كالدراهم، وان احتاج إلى دواء لمرضه لم يلزم المستأجر لانه لم يشترط له الا طعام الاصحاء لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح لان ما زاد على ذلك لم يقع العقد عليه فلم يلزم كالزائد في القدر (فصل) فان قبض الاجير طعامه فأحب أن يستفضل بعضه لنفسه وكان المستأجر دفع إليه أكثر من الواجب له ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لاكله كله ضرر على المستأجر بان يضعف عن العمل أو يقل لان الظئر منع منه لانه في الصورة الاولى لم يملكه وانما أباحه قدر حاجته وفي الثانية على المستأجر ضرر بتفويت بعض منفعته عليه فمنع منه كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وان دفع إليه قدر الواجب فقط أو أكثر منه فملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمستأجر جاز لانه ضرر لاحق فيه
على المستأجر أشبه الدراهم (فصل) فان قدم إليه طعاما ما فنهب أو تلف قبل أكله وكان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر لكونه لم يسلم إليه وان خصه بذلك وسلمه إليه فهو من مال الاجير لانه يسلم عوضه على وجه التمليك أشبه البيع (فصل) قال أحمد في رواية مهنا لا بأس أن يحصد الزرع ويصرم النخل بسدس ما يخرج منه
وهو أحب إلي من المقاطعة إنما جاز ههنا لانه معلوم بالمشاهدة وهي أعلى طرق العلم ومن علم شيئا علم جزأه المشاع فيكون أجرا معلوما.
واختاره على المقاطعة مع وجودها لانه ربما يخرج من الزرع مثل الذي قاطع عليه وههنا هو أقل منه يقينا (فصل) يجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها وفيه خلاف ذكرناه.
وقد أجمع أهل العلم على استئجار الظئر وهي المرضعة لقول الله تعالى [ فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ] واسترضع النبي صلى الله عليه وسلم لولده ابراهيم.
ولان الحاجة تدعو إليه أكثر من الحاجة إلى غيره فان الطفل في العادة انما يعيش بالرضاع وقد يتعذر رضاعه من أمه فجاز ذلك كالاجارة في سائر المنافع، فان استأجرها للرضاع دون الحضانة أو للحضانة دون الرضاع أو لهما جاز، وان أطلق العقد على الرضاع دخلت فيه الحضانة في أحد الوجهين وهو قول أصحاب الرأي لان العرف جار بأن المرضعة تحضن الصبي فحمل الاطلاق عليه
[ الثاني ] لا تدخل وهو قول أبي ثور وابن المنذر لان العقد ما تناولها ولاصحاب الشافعي كهذين الوجهين، والحضانة تربية الصبي وحفظه وجعله في سريره وربطه ودهنه وكحله وتنظيفه وغسل خرقه أشباه ذلك واشتقاقه من الحضن وهو ما تحت الابط وما يليه وسميت التربية حضانة تجوزا من حضانة الطير لبيضه وفراخه لانه يجعلها تحت جناحه فسميت تربية الصبي بذلك أخذا من فعل الطائر (فصل) ولهذا العقد أربعة شروط أحدها العلم بمدة الرضاعة لانه لا يمكن تقديره الا بها لان السقي والعمل فيها يختلف (الثاني) معرفة الصبي بالمشاهدة لان الرضاع يختلف بكبر الصبي وصغره وتهمته وقناعته وقال القاضي يعرف بالصفة كالراكب (الثالث) موضع الرضاع لانه يختلف فيشق عليها في بيته ويسهل في بيتها (الرابع) معرفة العوض لما ذكرنا (فصل) والمعقود عليه في الرضاع خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في فيه واللبن تبع كالصبغ في اجارة الصباغ وماء البئر في الدار لان اللبن عين فلا يعقد عليه في الاجارة كلبن غير الآدمي، وقيل هو اللبن قال القاضي وهو أشبه لانه المقصود دون الخدمة ولهذا لو أرضعته ولم تخدمه استحقت الاجرة ولو خدمته ولم ترضعه لم تستحق شيئا ولان الله تعالى قال (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فجعل الاجر
مرتبا على الرضاع فيدل على أنه المعقود عليه ولان العقد لو كان على الخدمة لما لزمها سقيه لبنها وانما جاز العقد عليه مع كونه عينا رخصة لان غيره لا يقول مقامه ولا ضرورة تدعوا إلى استيفائه وانما جاز في الآدميين
دون سائر الحيوان للضرورة إلى حفظ الآدمى والحاجة إلى بقائه (فصل) وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك لانه من تمام التمكين من الرضاع وفي تركه اضرار بالصبي فان لم ترضعه لكن سقته لبن الغنم أو أطعمته فلا أجر لها لانها لم توف المعقود عليه أشبه ما لو استاجرها لخياطة ثوب فلم تخطه فان دفعته إلى خادمها فارضعته فكذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب لها أجرها لان رضاعه حصل بفعلها ولنا أنها لم ترضعه أشبه ما لو سقته لبن الغنم فان قالت أرضعته فانكر المسترضع فالقول قولها لانها مؤتمنة * (مسألة) * (ويستحب أن تعطى عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا) لما روى أبو داود باسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج الاسلمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما يهب عني مذمة الرضاع قال " الغرة أو الامة " قال الترمذي حسن صحيح المذمة بكسر الذال من الذمام وبفتحها من الذم قال ابن عقيل انما خص الرقبة بالمجازاة دون غيرها لان فعلها من الرضاعة والحضانة سبب حياة الولد وبقائه وحفظ رقبته فاستحب جعل الجزاء هبتها رقبة للتناسب بين النعمة والشكر ولهذا جعل الله تعالى المرضعة أما فقال سبحانه (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيعتقه " وان كانت المرضعة مملوكة استحب اعتاقها لانه يحصل أخص الرقاب بها لها وتحصل به المجازاة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مجازاة للوالد من النسب
(فصل) ويجوز للرجل ان يؤجر أمته ومدبرته وأم ولده والمعلق عتقها بصفة والمأذون لها في التجارة للارضاع لانه عقد على منفعتها أشبه اجارتها للخدمة وليس لواحدة منهن اجارة نفسها لان منفعتها لسيدها فان كان لها ولد لم يجز إجارتها للارضاع الا أن يكون فيها فضل عن ريه لان الحق لولدها ليس لسيدها الا الفاضل عنه فان كانت مزوجة لم تجز اجارتها لذلك الا باذن الزوج لانه يفوت حقه
لاشتغالها عنه بالرضاع والحضانة فان أجرها للرضاع ثم زوجها صح النكاح ولا تنفسخ الاجارة وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع والحضانة وقال مالك ليس لزوجها وطؤها الا برضى المستاجر لانه ينقص اللبن وقد يقطعه ولنا أن وطئ الزوج مستحق فلا يسقط لامر مشكوك فيه، وليس للسيد اجارة مكاتبته لان منافعها لها ولذلك لا يمكن تزويجها ولا وطؤها ولا اجارتها لغير الرضاع ولها أن تؤجر نفسها لانه من الاكتساب * (مسألة) * (وان دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما عادة باجرة صح ولهما ذلك وان لم يعقدا عقد اجارة وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح) إذا دفع ثوبه إلى خياط ليخيطه أو قصار ليقصره من غير عقد ولا شرط ولا تعريض باجر مثل أن يقول خذ هذا فاعمله وأنا أعلم انك انما تعمله باجر وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك ففعلا ذلك فلهما الاجر وقال أصحاب الشافعي لا أجر لهما لانهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما أشبه ما لو تبرعا بعمله
ولنا ان العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وكما لو دخل حماما أو جلس في سفينة ملاح ولان شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض فأما ان لم يكونا منتصبين لذلك لم يستحقا أجرا الا بعقد أو شرط العو ض أو تعريض به لانه لم يجر عرف يقوم مقام العقد فهو كما لو تبرع به أو عمله بغير اذن مالكه وكذلك لو دفع ثوبه إلى رجل ليبيعه وكان منتصبا يبيع للناس بأجر مثله فهو كالقصار والخياط فيما ذكرنا له الاجر نص عليه أحمد، وان لم يكن كذلك فلا شئ له لما تقدم، ومتى دفع ثوبه إلى أحد هؤلاء ولم يقاطعه على أجر فله أجر المثل لان الثياب يختلف أجرها ولم يعين شيأ فجرى مجرى الاجارة الفاسدة، فان تلف الثوب من حرزه أو بغير فعله فلا ضمان عليه لان ما لا يضمن في العقد الصحيح لا يضمن في الفاسد (فصل) إذا استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى مكة أو غيرها إلى انسان فحمله فوجد المحمول إليه غائبا فرده استحق الاجر لحمله في الذهاب والرد لانه حمله في الذهاب باذن صاحبه صريحا وفي الرد تضمنا لان تقدير كلامه وان لم تجد صاحبه فرده إذ ليس سوى رده الا تضييعه وقد علم أنه لا يرضى تضييعه فتعين رده * (مسألة) * (ويجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة)
وجملة ذلك ان كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الاجارة لانه عقد معاوضة أشبه البيع فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا أو منفعة أخرى سواء كان الجنس واحدا كمنفعة دار بمنفعة أخرى ومختلفة كمنفعة دار بمنفعة عبد قال أحمد لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم وبه قال الشافعي قال
الله تعالى إخبارا عن شعيب انه قال (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) فجعل النكاح عوض الاجارة، وقال أبو حنيفة فيما حكي عنه لا تجوز إجارة دار بسكني أخرى ولا يجوز الا أن يختلف جنس المنفعة كسكنى دار بمنفعة بهيمة لان الجنس الواحد عنده يحرم النساء فيه، وكره الثوري الاجارة بطعام موصوف والصحيح جوازه وهو قول اسحاق وأصحاب الرأي وقياس قول الشافعي لانه عوض يجوز في البيع فجاز في الاجارة كالذهب والفضة وما قاله أبو حنيفة لا يصح لان المنافع في الاجارة ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لانه يكون بيع دين بدين * (مسألة) * (وتجوز إجارة الحلي باجرة من جنسه وقيل لا يصح) تجوز اجارة الحلي نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وروي عن أحمد انه قال في اجارة الحلي ما أدري ما هو؟ قال القاضي هذا محمول على اجارته باجرة من جنسه فاما بغير جنسه فلا بأس لتصريح أحمد بجوازه وقال مالك في إجارة الحلي والثياب هو من المشتبهات ولعله يذهب إلى أن المقصود بذلك الزينة وليس ذلك من المقاصد الاصلية ومن منع ذلك بأجر من جنسه احتج بانها تحتك بالاستعمال فيذهب منه اجزاء وان كانت بسيرة فيحصل الاجر في مقابلتها ومقابلة الانتفاع بها فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشئ آخر ولنا انها عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقاء عينها فاشبهت سائر ما يجوز اجارته والزينة من
المقاصد الاصلية فان الله تعالى امتن بها علينا بقوله (لتركبوها وزينة) وقوله (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) وأباح الله تعالى من التحلي واللباس ما حرم على الرجال لحاجتهن إلى التزين للازواج وأسقط الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه، وما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح لان ذلك يسير لا يقابل
بعوض ولا يكاد يظهر في وزن ولو ظهر فالاجر في مقابلة الانتفاع لا في مقابلة الاجزاء لان الاجر في الاجارة انما هو عوض المنفعة كما في سائر المواضع ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز اجارة أحد النقدين بالآخر لافضائه إلى التفرق في معاوضة أحدهما بالآخر قبل القبض (فصل) ولو استأجر من يسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز لانه لا يعلم هل يخرج الجلد سليما أو لا وهل هو ثخين أو رقيق؟ ولانه لا يجوز أن يكون عوضا في البيع فلا يجوز أن يكون عوضا في الاجارة كسائر المجهولات فان سلخه بذلك فله أجر مثله وان استأجره لطرح ميتة بجلدها فهو أبلغ في الفساد لان جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه وقد خرج بموته عن كونه ملكا وله أجر مثل ان فعل (فصل) ولو استأجر راعيا لغنم بثلث درها وصوفها وشعرها ونسلها أو نصفه أو جميعه لم يجز نص عليه أحمد في رواية سعيد بن محمد النسائي لان الاجر غير معلوم ولا يصلح عوضا في البيع، قال اسمعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى الرجل على أن يعلفها ويحفظها وولدها بينهما فقال اكره ذلك وبه قال ابو ايوب وأبو خيثمة ولا أعلم فيه مخالفا لان العوض معدوم مجهول لا يدرى ايو جدام لا، والاصل عدمه
ولا يصلح أن يكون ثمنا، فان قيل فقد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف مغلها قلنا انما جاز ثم تشبيها بالمضاربة ولانها عين تنمي بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء كالمضاربة والمساقاة وفي مسئلتنا لا يمكن ذلك لان النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يمكن الحاقه بذلك، وذكر صاحب المحرر رواية أخرى انه يجوز بناء على ما إذا دفع دابته أو عبده يجزء من كسبه والاول ظاهر المذهب لما ذكرنا من الفرق، وعلى قياس ذلك إذا دفع نحله إلى من يقوم عليه بجزء من عسله وشمعه يخرج على الروايتين فان اكتراه على رعيها مدة معلومة بجزء معلوم منها صح لان العمل والمدة والاجر معلوم فصح كما لو جعل الاجر دراهم ويكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك لانه ملك الجزء المجعول له منها في الحال فكان له نماؤه كما لو اشتراه * (مسألة) * وان قال ان خطت الثوب اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على روايتين)
(إحداهما) لا يصح وله أجر المثل نقلها أبو الحارث عن أحمد وهو مذهب ملك والثوري والشافعي واسحاق وابو ثور لانه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح كما لو قال بعتك بدرهم نقدا وبدرهمين نسيئة (والثانية) يصح وهو قول الحارث العكلي وابي يوسف ومحمد لانه سمى لكل عمل عوضا معلوما فصح كما لو قال كل دلو بتمرة، وقال أبو حنيفة ان خاطه اليوم فله درهم وان خاطه غدا لم يزد على درهمين وقد ينقص عن نصف درهم لان المؤجر قد جعل له نصف درهم فلا ينقص منه وقد رضي في أكثر العمل
بدرهم فلا يزاد عليه وهذا لا يصح لانه ان صح العقد فله المسمى وان فسد فوجوده كعدمه فيجب أجر المثل كسائر العقود الفاسدة * (مسألة) * (وإن قال ان خطته روميا فلك درهم، وان خطته فارسيا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على وجهين) بناء على التي قبلها والخلاف فيها كالتي قبلها الا أن أبا حنيفة وافق صاحبيه في الصحة ههنا ولنا أنه عقد معاوضة لم يتعين فيه العوض ولا المعوض فلم يصح كما لو قال بعتك هذا بدرهم أو هذا بدرهمين، وفارق هذا كل دلو بتمرة من وجهين (أحدهما) أن العمل الثاني ينضم إلى العمل الاول ولكل واحد منهما عوض مقدر فأشبه ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وههنا الخياطة واحدة يشرط فيها عوضا إن وجدت على صفة وعوضا ان وجدت على أخرى أشبه ما لو باعه بعشرة صحاح أو احدى عشرة مكسرة (والثاني) أنه وقف الاجارة على شرط بقوله ان خطته كذا فلك كذا وان خطته كذا فلك كذا بخلاف قوله كل دلو بتمرة (فصل) نقل مهنا عن أحمد فيمن استأجر من جمال إلى مصر بأربعين دينارا فان نزل دمشق فكراؤه ثلاثون فان نزل الرقة فكراؤه عشرون، فقال إن اكترى إلى الرقة بعشرة واكترى إلى دمشق بعشرة والى مصر بعشرة جاز ولم يكن للجمال أن يرجع فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة العقد الاول
لانه في معنى بيعتين في بيعة لكونه خيره بين ثلاثة عقود، ويتخرج فيه أن يصح بناء على المسئلتين قبل
هذا، ونقل عن احمد في رجل استأجر رجلا يحمل له كتابا إلى الكوفة وقال ان أوصلت الكتاب يوم كذا فلك عشرون وان تأخرت بعد ذلك بيوم فلك عشرة فالاجارة فاسدة وله أجر مثله مثل الذي قبله * (مسألة) * (وان أكراه دابة وقال ان رددتها اليوم فكراؤها خمسة وان رددتها غذا فكراؤها عشرة فقال أحمد لا بأس به نقل عبد الله فيمن اكترى دابة وقال ان رددتها غدا فكراؤها عشرة، وان رددتها اليوم فكراؤها خمسة لا بأس به، وهذه الرواية تدل على صحة الاجارة والظاهر عن أحمد برواية الجماعة فيما ذكرنا فساد العقد على قياس بيعتين في بيعه، وقال القاضي يصح في اليوم الاول دون الثاني وقياس حديث علي والانصاري صحته فان عليا أجر نفسه ليهودي يستقي له كل دلو بتمرة وكذلك الانصاري وسنذكره * (مسألة) * (وان أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال احمد في رواية أبي الحارث هو جائز) ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا فان ذهب إلى عرفات بكذا فلا بأس، ونقل عبد الله عنه لو قال اكتريتها بعشرة فما حبسها فعليه في كل يوم عشرة أنه يجوز وهذه الروايات تدل على أن مذهبه أنه متى قدر لكل عمل معلوم أجرا معلوما صح، وتأول القاضي هذا كله على أنه يصح في الاول ويفسد في الثاني لان مدته
غير معلومة فلم يصح العقد فيه كما لو قال استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم وما زاد فبحساب ذلك.
قال شيخنا: والظاهر عن احمد خلاف هذا فان قوله فهو جائز عاد إلى جميع ما قبله وذلك قوله لا بأس، ولان لكل عمل عوضا معلوما فيصح كما لو استقى له كل دلو بتمرة وقد ثبت الاصل بالخبر الوارد فيه ومسائل الصبرة لا نص فيها عن الامام وقياس نصوصه صحة الاجارة وإن سلم فسادها فلان القفزان التي شرط عملها غير معلومة بتعيين ولا صفة وهي مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الايام فانها معلومة * (مسألة) * (ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته) وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك قد عرف وجه ذلك وأرجو أن يكون خفيفا
ولنا أن المدة مجهولة والعمل مجهول فلم يجز كما لو اكتراها لمدة سفره في تجارته ولان مدة الغزاة تطول وتقصر ولا حد لها تعرف به والعمل فيها يقل ويكثر ونهاية سفرهم تقرب وتبعد فلم يجز التقدير بها كغيرها من الاسفار المجهولة فان فعل ذلك فله أجر المثل كالاجارات الفاسدة * (مسألة) * (وان سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز)
وقال الشافعي لا يصح لان مدة الاجارة مجهولة.
ولنا أن عليا رضي الله عنه أجر نفسه كل دلو بتمرة وكذلك الانصاري فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولان كل يوم معلوم مدت وأجره فصح كما لو أجره شهرا كل يوم بدرهم أو استأجره لنقل صبرة معلومة كل قفيز بدرهم.
إذا ثبت هذا فلا بد من تعيين ما يستأجر له من ركوب أو حمل معلوم، ويستحق الاجر المسمى لكل يوم سواء أقامت أو سارت لان المنافع ذهبت في مدتة أشبه ما لو اكترى دارا وغلقها ولم يسكنها * (مسألة) * (وان أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص عن أحمد أنه يصح وكلما دخل شهر لزمهما حكم الاجارة ولكل واحد منهما الفسخ عند انقضاء كل شهر، وقال أبو بكر وابن حامد لا يصح) اختلف أصحابنا في ذلك فقال القاضي يصح ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو اختيار الخرقي لان الشهر الاول تلزم الاجارة فيه باطلاق العقد لانه معلوم يلي العقد وأجره معلوم وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبس به وهو السكنى في الدار ان أجره دارا لانه مجهول حال العقد فإذا تلبس به تعين الدخول فيه فصح بالعقد الاول، وان لم تتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء الاول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي وهذا مذهب أبي ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك نحو هذا الا أن الاجارة لا تكون لازمة عنده لان المنافع مقدرة بتقدير الاجر فلا يحتاج إلى ذكر المدة الا في اللزوم واختار أبو بكر عبد العزيز وابن حامد وابن عقيل أن العقد لا يصح وهو قال الثوري والصحيح
من قولي الشافعي لان كل اسم للعدد فإذا لم يقدره كان مجهولا فيكون فاسدا كقوله أجرتك أشهرا وحمل أبو بكر وابن حامد كلام أحمد على أنه وقع على أشهر معينة، ووجه الاول أن عليا استقى لرجل
من اليهود كل دلو بتمرة وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه قال كنت أدلو الدلو بتمرة واشترطها جلدة وعن رجل من الانصار انه قال ليهودي أسقي نخلك؟ قال نعم كل دلو بتمرة فاشترط الانصاري أن لا يأخذه خدرة ولا تارزة ولا حشفة ولا يأخذ الا جلدة فاستقى بنحو من صاعين فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
رواهما ابن ماجه وهو نظير مسألة اجارة الدار، ونص في المسألة الاخرى، ولان شروعه في كل شهر مع ما تقدم العقد من الاتفاق على تقدير أجره والرضى ببذله به جرى مجرى ابتداء العقد عليه وصار كالبيع بالمعاطاة إذا وجد من المساومة مادل على التراضي بها.
فعلى هذا متى ترك التلبس به في شهر لم تلزم الاجارة فيه لعدم العقد وكذلك ان فسخ وليس بفسح في الحقيقة لان العقد الثاني ما ثبت والقياس يقتضي عدم الصحة لان العقد تناول جميع الاشهر وذلك مجهول ثم لا وجه لاعتبار الشروع في الشهر الذي يلي الاول مع كون الشهور كلها داخلة في اللفظ، فأما أبو حنيفة فذهب إلى أنهما إذا تلبسا بالشهر الثاني فقد اتصل القبض بالعقد الفاسد، قال شيخنا ولا يصح هذا العذر لان العقد الفاسد في الاعيان لا يلزم بالقبض ولا يضمن بالمسمى تم ثم لم يحصل القبض ههنا الا فيما استوفاه وقول مالك لا يصح لان الاجارة من العقود اللازمة فلا يجوز أن تكون جائزة
(فصل) إذا قال أجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم جاز بغير خلاف لان المدة معلومة والاجر معلوم وليس لواحد منهما فسخ بحال لانها مدة واحدة فأشبه ما لو قال أجرتك عشرين شهرا بعشرين درهما، فان قال أجرتكها شهرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح في الشهر الاول لانه أفرده بالعقد وبطل في الزائد لانه مجهول، ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به كما لو قال اجرتكها كل شهر بدرهم لان معناهما واحد، ولو قال أجرتكها هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم أو بدرهمين صح في الاول وفيما بعده وجهان لما ذكرنا (فصل) في مسائل الصبرة وهي عشر مسائل (احداها) أن يقول استأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر بعشرة فهي صحيحة بغير خلاف نعلمه لان الصبرة معلومة بالمشاهدة فجاز الاستئجار عليها كما لو علم كيلها (الثانية) قال استأجرتك لتحملها كل قفيز بدرهم فيصح وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصح في قفيز ويبطل
فيما زاد، ومبنى الخلاف على الخلاف في بيعها وقد ذكرناه (الثالثة) قال لتحملها لي نفيرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك فيجوز كما لو قال كل قفيز بدرهم وكذلك كل لفظ يدل على ارادة حمل جميعها كقوله لتحمل قفيزا منها بدرهم وسائرها أو باقيها بحساب ذلك أو قال وما زاد بحساب ذلك يريد باقيها كله إذا فهما ذلك من اللفظ لدلالته عندهما عليه أو لقرينة صرفت إليه (الرابعة) قال لتحمل قفيزا منها بدرهم وما زاد فبحساب ذلك يريد مهما حملته من باقيها فلا يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لان المعقود عليه بعضها وهو مجهول.
ويحتمل أن يصح لانه في معنى كل دلو بتمرة (الخامسة) قال لتنقل لي منها كل
قفيز بدرهم فهي كالرابعة سواء (السادسة) قال لتحمل لي منها قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك فلا يصح لانه في معنى بيعتين في بيعة.
ويحتمل أن يصح لان معناه لتحمل لي كل قفيز منها بدرهم (السابعة) قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك، فان كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صح فيهما لانهما كالصبرة الواحدة وإن جهل أحدهما صح في الاولى وبطل في الثانية لانهما عقدان أحدهما على معلوم والثاني على مجهول فصح في المعلوم وبطل في المجهول كما لو قال بعتك عبدي هذا بعشرة وعبدي الذي في البيت بعشرة [ الثامنة ] قال لتحمل لي هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة فان كانا يعلمان التي في البيت صح فيهما وإن جهلاها بطل فيهما لانه عقد واحد بعوض واحد على معلوم ومجهول بخلاف التي قبلها، فان كانا يعلمان التي في البيت لكنها مغصوبة أو امتنع تصحيح العقد فيها لمانع اختص بها بطل العقد فيها، وفي صحته في الاخرى وجهان بناء على تفريق الصفقة الا أنها إن كانت قفزانها معلومة أو قدر إحداهما معلوم من الاخرى فالاولى صحته لان قسط لاجر فيها معلوم، وان لم يكن كذلك فالاولى بطلانه لجهالة العوض فيها (التاسعة) قال لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم فان زادت على ذلك فالزائد بحساب ذلك صح في العشرة لانها معلومة ولم يصح في الزيادة لانها مشكوك فيها ولا يجوز العقد على ما يشك فيه (العاشرة) قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فان قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك صح أيضا في الصبرة وفسد في الزيادة لما ذكرنا
* (فصل) * قال المصنف رحمه الله [ الثالث أن تكون المنفعة مباحة مقصودة فلا يجوز على الزنا والزمر والغناء ولا اجارة دار ليجعلها كنيسة أو بيت نار، أو لبيع الخمر أو القمار ] وجملة ذلك ان من شرط صحة الاجارة أن تكون المنفعة مباحة فان كانت محرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء لم يجز الاستئجار لفعله وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأبو ثور، وكره ذلك الشعبي والنخعي لانه محرم فلم يجز الاستئجار عليه كاجارة الامة للزنا.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ابطال إجارة النائحة والمغنية (فصل) ولا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء أو نوحا، وقال أبو حنيفة يجوز.
ولنا انه انتفاع بمحرم أشبه ما ذكرنا، ولا يجوز الاستئجار على كتب شعر محرم ولا بدعة ولا شئ محرم لذلك (فصل) ولا تجوز اجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بعية أو لبيع الخمر أو القمار وبه قال الجماعة، وقال أبو حنيفة ان كان بيتك في السواد فلا بأس وخالفه صاحباه، واختلف أصحابه في تأويل قوله ولنا انه فعل محرم فلم تجز الاجارة عليه كاجارة عبده للفجور، ولو اكترى ذمي من مسلم دارا فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه، وبذلك قال الثوري.
وقال أبو حنيفة إن كان بيتك في السواد والجبل فله أن يفعل ما يشاء.
ولنا انه محرم جاز المنع منه في المصر فجاز في السواد كقتل النفس المحرمة
* (مسألة) * (ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر وعنه يصح للحر أكل أجرته) لا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشتريها أو يأكل الميتة ولا على حمل خنزير لذلك، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة يجوز لان العمل لا يتعين عليه بدليل انه لو حمله مثله جاز لانه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز.
وقد روي عن أحمد فيمن حمل خنزيرا لذمية أو خمرا لنصراني أكره أكل كرائه ولكن يقضى للحمال بالكراء فإذا كان لمسلم فهو أشد.
قال القاضي: هذا محمول على انه استأجره ليريقها فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الاجر عليه قال شيخنا: وهذا تأويل بعيد لقوله: أكره أكل كراة وإذا كان لمسلم فهو أشد والمذهب خلاف
هذه الرواية لانه استئجار لفعل محرم فلم يصح كالزنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ صلى الله عليه وسلم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والمحمولة إليه.
وقول أبي حنيفة لا يتعين يبطل بما لو استأجر أرضا ليتخذها مسجدا، فأما حمل الخمر لاراقتها والميتة لطرحها والاستئجار لكسح الكنيف فجائر لان ذلك مباح، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة فحجمه.
وقال أحمد في رواية ابن منصور فيمن يؤاجر نفسه لنظارة كرم نصراني: يكره ذلك لان الاصل في ذلك راجع إلى الخمر (فصل) قد ذكرنا ان الاستئجار لكسح الكنيف جائز الا انه يكره له أكل أجرته كأجرة الحجام بل هذا أولى.
وقد روى سعيد بن منصور ان رجلا حج وأتى ابن عباس فقال له اني رجل أكنس فما ترى في مكسبي؟ قال أي شئ تكنس؟ قال العذرة، قال: ومنه حججت ومنه تزوجت؟ قال نعم.
قال أنت خبيث وحجك خبيث وما تزوجت خبيث.
ونحو هذا.
ولان فيه دناءة فكره
كالحجامة.
وانما قلنا بجواز الاجارة عليه لدعو الحاجة إليه ولا يندفع ذلك الا بالاباحة فجاز كالحجامة (فصل) ويشترط أن تكون المنفعة مقصودة فلا يجوز استئجار شمع ليتجمل به وبرده ولا طعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده ولا النقود ليتجمل بها الدكان لانها لم تخلق لذلك ولا تراد له فبذل العوض فيه سفه وأخذه من أكل المال بالباطل، وكذلك استئجار ثوب ليوضع على سرير الميت لما ذكرنا * (فصل) * (قال الشيخ رحمه الله) والاجارة على ضربين (أحدهما) إجارة عين.
فتجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها) كالارض والدار والعبد والبهيمة والثياب والفساطيط والحبال والخيام والمحامل والسرج واللجام والسيف والرمح وأشباه ذلك.
وقد ذكرنا بعض ذلك في مواضعه * (مسألة) * (ويجوز له استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه) إذا كان الخشب معلوما والمدة معلومة وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة لا يجوز.
ولنا أن هذه منفعة مقصودة مقدور على تسليمها واستيفائها فجازت الاجارة عليها كاستئجار السطح للنوم عليه * (مسألة) * (ويجوز استئجار حيوان ليصيد به إلا الكلب) يجوز استئجار الفهد والبازى والصقر ونحوه للصيد في مدة معلومة لان فيه نفعا مباحا تجوز إعارته فجازت إجارته له كالدابة، فأما إجارة سباع البهائم والطير التي لا تصلح للصيد فلا تجوز اجارتها لانه
لا نفع فيها وكذلك اجارة الكلب والخنزير لانه لا يجوز بيعه.
ويتخرج جواز اجارة الكلب الذي يباح اقتناؤه لان فيه نفعا مباحا تجوز اعارته له فجاز اجارته له كغيره.
ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين
* (مسألة) * (ويجوز استئجار كتاب ليقرأ فيه الا المصحف في أحد الوجهين) تجوز اجارة كتب العلم التي يجوز بيعها للانتفاع بها من القراءة فيها والنسخ منها والرواية وغير ذلك من الانتفاع المقصود المحتاج إليه.
وهذا مذهب الشافعي، ومقتضى قول أبي حنيفة أنه لا تجوز اجارتها لانه علل منع اجارة المصحف بأنه ليس في ذلك أكثر من النظر إليه ولا تجوز الاجارة لمثل ذلك كما يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى عمله ولنا أن فيه نفعا مباحا يحتاج إليه تجوز الاعارة له فجازت الاجارة له كسائر المنافع.
وفارق النظر إلى السقف فانه لا حاجة إليه ولا جرت العادة بالاعارة من أجله، وتجوز اجارة كتاب فيه خط حسن ينقل منه ويكتب عليه على قياس ذلك (فصل) وفي اجارة المصحف وجهل [ أحدهما ] لا يصح اجارته لانه لا يصح بيعه إجلالا لكتاب الله تعالى وكلامه عن المعاوضة به وابتذاله بالثمن في البيع والاجرة في الاجارة [ والثاني ] يصح وهو مذهب الشافعي لانه انتفاع مباح تجوز الاعارة من أجله فجازت اجارته كسائر الكتب، ولا يلزم من عدم جواز البيع عدم جواز الاجارة كالحر (فصل) والذي يحرم بيعه تحرم اجارته الا الحر والوقف وأم الولد فانه يجوز اجارتها وان حرم بيعها، وما عدا ذلك لا تجوز اجارته، وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى
* (مسألة) * (ويجوز استئجار النقد للتحلي والوزن لا غير) إذا كان في مدة معلومة وبه قال أبو حنيفة وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي والوجه الآخر انه لا تجوز اجارتها لان هذه المنفعة ليست المقصود منها ولذلك لا نضمن منفعتها بعصبها فاشبهت الشمع ولنا انها عين أمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة فاشبهت الحلي، وفارق الشمع فانه لا ينتفع به
إلا بما يتلف عينه * (مسألة) * (فان أطلق الاجارة لم يصح في أحد الوجهين ويصح في الآخر وينتفع بها في ذلك) وهذا اختيار أبي الخطاب لان منفعتها في الاجارة متعينة في التحلي والوزن وهما متقاربان فوجب أن نحمل الاجارة عند الاطلاق عليهما كاستئجار الدار مطلقا فانه يتناول السكني ووضع المتاع فيها، فعلى هذا ينتفع بها فيما شاء منهما، وقال القاضي لا تصح الاجارة وتكون قرضا وهذا مذهب أبي حنيفة لان الاجارة تقتضي الانتفاع والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير انما هو باعيانها فإذا أطلق الانتفاع حمل على الانتفاع المعتاد، وقال أصحاب الشافعي لا تصح الاجارة ولا تكون قرضا لان التحلي ينقصها والوزن لا ينقصها فقد اختلفت جهة الانتفاع فلم يجز اطلاقها، ولا يجوز أن يعبر بها عن القرض لان القرض تمليك للعين والاجارة تمليك المنفعة تقتضي الانتفاع مع بقاء العين فلم يجز التعبير باحدهما عن الآخر، ولان التسمية والالفاظ تؤخذ نقلا ولم يعهد في اللسان التعبير بالاجارة عن القرض، قال شيخنا وقول أبي الخطاب أصح
ان شاء الله تعالى لان العقد متى أمكن حمله على الصحة كان أولى من إفساده وقد أمكن حملها على إجارتها للجهة التي تجوز اجارتها فيها، وقول القاضي لا يصح لما ذكرنا، وما ذكر أصحاب الشافعي من نقص العين بالاستعمال في التحلي فبعيد فان ذلك يسير لا أثر له فوجوده كعدمه (فصل) ويجوز أن يستأجر نخلا ليجفف عليه الثياب ويبسطها عليه ليستظل بظلها ولاصحاب الشافعي في ذلك وجهان لما ذكروه في الاثمان ولنا انها لو كانت مقطوعة لجاز استئجارها لذلك فكذلك النابتة وذلك لان الانتفاع يحصل بهما على السواء في الحالتين فما جاز في إحداهما يجوز في الاخرى ولانها شجرة فجاز استئجارها لذلك كالمقطوعة ولانها منفعة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين فجاز العقد عليها كما لو كانت مقطوعة (فصل) ويجوز استئجار ما يبقى من الطيب والصندل وقطع الكافور والند لشمه للمرضى وغيرهم مدة ثم يرده لانها منفعة أشبهت الوزن والتحلي مع انه لا ينفك من اخلاق وبلى (فصل) يجوز استئجار دار يتخذها مسجدا يصلي فيه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز
لان فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الاجارة بحال فلا تجوز الاجارة لذلك ولنا ان هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها فجاز استئجار العين لها كالسكنى ويفارق الصلاة فانها لا تدخل النيابة فيها بخلاف المسجد * (مسألة) * (ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته)
يجوز استئجار ولده لخدمته كالاجنبي واستئجار أمه وأخته وابنته لرضاع ولده وكذلك سائر أقاربه بغير خلاف كالاجانب، فأما استئجار امرأته لرضاع ولده منها فيجوز في الصحيح من المذهب قال الخرقي ان أرادت الام أن ترضع ولدها باجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في جبال الزوج أو مطلقة وقال القاضي لا يجوز وتأول كلام الخرقي على انها في حبال زوج آخر وهو قول أصحاب الرأي وحكي عن الشافعي لانه قد استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض فلا يجوز أن يلزمه آخر لذلك ولنا ان كل عقد يصح أن تعقده مع غير الزوج يصح أن تعقده معه كالبيع ولان منافعها في الرضاع والحضانة غير مستحقة للزوج بدليل انه لا يملك إجبارها على ذلك ويجوز أن تأخذ عليها العوض من غيره فجاز لها أخذه منه كثمن مالها، قولهم انها استحقت عوض الحبس والاستمتاع قلنا هذا غير الحضانة واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر كما لو استأجرها ثم تزوجها، وتأويل القاضي كلام الخرقي يخالف الظاهر من وجهين (أحدهما) أن الالف واللام في الزوج للمعهود وهو أبو الطفل (الثاني) انها إذا كانت في حبال زوج آخر لا تكون أحق به بل يسقط حقها من الحضانة ثم ليس لها أن ترضع الا باذن زوجها ففسد التأويل * (مسألة) * (ولا تصح الاجارة الا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون أجزائها)
لان الاجارة بيع المنافع فأما الاجزاء فلا تدخل في الاجارة فلا يصح اجارة الطعام للاكل ولا الشمع ليشعله لان هذا لا ينتفع به الا باتلاف عينه فلم يجز كما لو استأجر دينارا لينفقه، فان استأجر شمعة ليسرجها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي فهو فاسد لانه يشمل بيعا واجارة وما وقع عليه البيع
مجهول وإذا جهل البيع جهل المستأجر أيضا فيفسد العقدان * (مسألة) * (ولا يجوز استئجار حيوان ليأخذ لبنه) كاستئجار الابل والبقر والغنم ليأخذ لبنها أو ليسترضعها لسخالها ونحوها ولا ليأخذ صوفها وشعرها ووبرها ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرتها أو شيئا من عينها لما ذكرناه * (مسألة) * (الا في الظئر ونفع البئر يدخل تبعا) أما الظئر فقد سبق ذكرها، وأما نفع البئر فقال ابن عقيل يجوز استئجار البئر ليستقي منه أياما معلومة ودلاء معلومة لان هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فهى، فأما الماء فيؤخذ على أصل الاباحة (فصل) ولا يجوز استئجار الفحل الضرب وهو ظاهر مذهب الشافعي وأصحاب الرأي
وخرج أبو الخطاب وجها في جوازه بناء على إجارة الظئر للرضاع لان الحاجة تدعو إليه وهو قول الحسن وابن سيرين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل متفق عليه ولان المقصود الماء الذي يخلق منه الولد فيكون عقد الاجارة لاستيفاء عين فهو كاجارة الغنم لاخذ لبنها، ولان الماء محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عنه كالميتة، فأما من أجازه فينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدره بمرة أو مرتين، وقيل يقدره بالمدة وهو بعيد فان من أراد إطراق فرسه مرة فقدره بمدة تزيد على قدر الفعل لم يكن استيعابها به وربما لا يحصل الفعل في المدة ويتعذر ضبط مقدار الفعل فيتعين التقدير بالفعل الا أن يكتري فحلا لاطراق ماشية كثيرة كتيس يتركه في غنمه فانه انما يكتريه مدة معلومة.
والمذهب أنه لا يجوز اجارته لما ذكرنا فان احتاج إلى ذلك ولم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء، وليس للمطرق أخذه لان ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها فجاز كشراء الاسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه، وان أطرق انسان فحله بغير اجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة لذلك فلا بأس لانه فعل معروفا فجازت مجازاته عليه كما لو أهدى هدية فجوزي عليها
* (مسألة) * (الثاني معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين ويصح في الآخر بدونه وللمستأجر خيار الرؤية)
يشترط معرفة العين المستأجرة بالمشاهدة إن كانت لا تنضبط بالصفات، أو بالصفة ان كانت تنضبط قياسا على البيع، وفيه وجه آخر أنه لا يشترط ويثبت للمستأجر خيار الرؤية وهو قول أصحاب الرأي، والخلاف ههنا مبني على الخلاف في البيع، وقد ذكرناه والمشهور الاول.
فعلى هذا إذا كانت مما لا ينضبط بالصفة كالدور والحمام فلابد من رؤيتها كالبيع لان الغرض يختلف بصغرها وكبرها ومرافقها ومشاهدة قدر الحمام ليعلم كبرها من صغرها ومعرفة مائه ومشاهدة الايوان ومطرح الرماد وموضع الزبل ومصرف ماء الحمام، فمتى أخل بهذا أو بعضه لم يصح للجهالة بما يختلف به الغرض، وقد كره أحمد كراء الحمام لانه يدخله من يكشف عورته فيه قال ابن حامد هو على طريق كراهة التنزيه دون التحريم فاما العقد فصحيح في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن كراء الحمام جائز إذا حدده وذكر جميع آلته شهورا مسماة وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لان المكتري انما يأخذ الاجر عوضا عن دخول الحمام والاغتسال بمائه وأحوال المسلمين محمولة على السلامة وان وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الاجر المأخوذ منه كما لو اكترى دارا ليسكنها فشرب فيها خمرا * (مسألة) * (الثالث القدرة على التسليم فلا تصح اجارة الآبق والشارد والمغصوب من غير غاصبه إذا لم يقدر على أخذه منه) لانه لا يمكن تسليم المعقود عليه فلم تصح إجارته كبيعه * (مسألة) * (ولا تجوز اجارة المشاع مفردا لغير شريكه وعنه ما يدل على الجواز
قال أصحابنا لا تجوز اجارة المشاع لغير الشريك إلا أن يؤجر الشريكان معا وهذا قول أبي حنيفة وزفر لانه لا يقدر على تسليمه فلم تصح اجارته كالمغصوب، يحقق ذلك أنه لا يقدر على تسليمه إلا بتسليم نصيب الشريك ولا ولاية له على مال شريكه، واختار أبو حفص العكبري جوازه، وقد أومأء إليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد لانه معلوم يجوز بيعه فجازت إجارته
كالمفرد ولانه عقد في ملكه يجوز مع شريكه فجاز مع غيره كالبيع، ومن نصر الاول فرق بين محل النزاع وبين ما إذا أجره الشريكان أو أجره لشريكه فانه يمكن التسليم إلى المستأجر فأشبه اجارة المغصوب من غاصبه دون غيره، وان كانت لواحد فاجر نصفها صح لانه يمكنه تسليمه ثم ان أجر نصفها الآخر للمستأجر الاول صح لامكان تسليمه إليه، وان أجره لغيره ففيه وجهان كالمسألة التي قبلها لانه لا يمكنه تسليم ما اجره إليه، وان أجر الدار لاثنين لكل واحد منهما نصفها فكذلك لانه لا يمكنه تسليم نصيب كل واحد إليه (فصل) ولا تجوز اجارة المسلم للذمي لخدمته نص عليه أحمد في رواية الاثرم فقال ان أجر نفسه من الذي في خدمته لم يجز، وان كان في عمل شئ جاز وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر تجوز لانه يجوز له اجارة نفسه في غير الخدمة فجاز فيها كاجارته من المسلم ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر واذلاله له واستخدامه أشبه البيع، يحققه أن عقد
الاجارة للخدمة يتعين فيها حبسه مدة الاجارة واستخدامه، والبيع لا يتعين فيه ذلك فإذا منع فالمنع من الاجارة أولى، فاما ان أجر نفسه منه في عمل معين في الذمة كخياطة ثوب جاز بغير خلاف نعلمه لان عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره، وكذلك الانصاري ولانه عقد معاوضة لا يتضمن اذلال المسلم ولا استخدامه فأشبه مبايعته فان أجر نفسه منه لغير الخدمة مدة معلومة جاز أيضا في ظاهر كلام أحمد لقوله: وان كان في عمل شئ جاز ونقل عنه أحمد بن سعيد لا بأس أن يؤجر نفسه من الذمي وهذا مطلق في نوعي الاجارة، وذكر بعض أصحابنا أن ظاهر كلام أحمد منع ذلك وأشار إلى ما رواه الاثرم واحتج بانه عقد يتضمن حبس المسلم أشبه البيع، والصحيح ما ذكرنا فان كلام أحمد يدل على خلاف ما قاله، وانه خص المنع بالاجارة للخدمة وأجاز اجارته للعمل وهذا اجارة للعمل، ويفارق البيع فان فيه إثبات الملك على المسلم ويفارق إجارته للخدمة لتضمنها الاذلال (فصل) نقل ابراهيم الحربي أنه سئل عن الرجل يكتري الديك ليوقظه لوقت الصلاة
لا يجوز لان ذلك يقف علي فعل الديك، ولا يمكن استخراج ذلك منه بضرب ولا غيره وقد يصيح وقد لا يصيح وربما صاح بعد الوقت
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: