الفقه الحنبلي - الديات - القسامة
(فصل) فان اقتص بحديدة مسمومة فسرى إلى النفس ففيه وجهان (أحدهما) تحمله العاقلة لانه فسرى إلى النفس ففيه وجهان (أحدهما) تحمله العاقلة لانه ليس بعمد محض أشبه عمد الخطأ (والثانية) لا تحمله
لانه قتل بالة يقتل مثلها غالبا فاشبه من له القصاص ولو وكل في استيفاء القصاص ثم عفى عنه فقتله الوكيل من غير علم بعفوه فقال القاضي لا تحمله العاقلة لانه عمد قتله وقال أبو الخطاب تحمله لانه لم يقصد الجناية ومثل هذا يعد خطأ بدليل ما لو قتل في
دار الحرب مسلما يظنه حربيا فانه عمد قتله وهو أحد نوعي الخطأ وهذا أصح ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) ولا تحمل العاقلة العبد يعني إذا قتل العبد قاتل وجبت قيمته في مال القاتل ولا شئ على عاقلته خطأ كان أو عمدا وهذا قول ابن عباس والشعبي والثوري ومكحول والنخعي والبتي ومالك والليث وابن أبي ليلي وإسحاق وأبي ثور وقال عطاء والزهري والحكم وحماد وأبو حنيفة تحمله العاقلة لانه ادمي يجب بقتله القصاص والكفارة فحملت العاقلة بدله كالحر وعن الشافعي كالمذهبين ووافقنا أبو حنيفة في دية أطرافه ولنا حديث ابن عباس ولان الواجب فيه قيمة تختلف باختلاف صفاته فلم تحمله العاقلة كسائر القيم ولانه حيوان لا تحمل العاقلة دية أطرافه فلم تحمل الواجب في نفسه كالفرس (فصل) ولا تحمل الصلح ومعناه ان يدعى عليه القتل فينكره ويصالح المدعي على مال فلا تحمله العاقلة لانه مال ثبت بمصالحته واختياره فلم تحمله العاقلة كالذي ثبت باعترافه وقال القاضي معناه ان يصالح الاولياء عن دم العمد إلى الدية والتفسير الاول اولى لان هذا عمد يستغني عنه بذكر العمد وممن قال لا تحمل العاقلة الصلح ابن عباس والزهري والشعبي والثوري والليث والشافعي وقد ذكرنا حديث ابن عباس فيه ولانه لو حملته العاقلة ادى إلى ان يصالح بمال غيره ويوجب عليه حقا بقوله
(فصل) ولا تحمل الاعتراف وهو ان يقر الانسان على نفسه بقتل خطأ أو شبه عمد فتجب الدية عليه فلا تحمله العاقلة لا نعلم فيه خلافا وبه قال ابن عباس والشعبي والحسن وعمر بن عبد العزيز والزهري والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وقد ذكرنا حديث ابن عباس فيه ولانه لو وجب عليهم لوجب باقرار غيرهم ولا يقبل إقرار شخص على غيره ولانه متهم في ان يواطئ من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمه إياها إذا ثبت هذا فانه يلزمه ما اعترف به وتجب الدية عليه حالة في ماله في قول الاكثرين وقال أبو ثور وابن عبد الحكم لا يلزمه شئ ولا يصح إقراره
لانه مقر على غيره لا على نفسه لانه لم يثبت موجب اقراره فكان باطلا كما لو أقر على غيره بالقتل ولنا قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) ولانه مقر على نفسه بالجناية الموجبة للمال فصح إقراره كما لو أقر باتلاف مال أو بما لا تحمل ديته العاقلة ولانه محل مضمون فيضمن إذا اعترف به كسائر المحال وانما سقطت عنه الدية في محل الوفاق لتحمل العاقلة لها فإذا لم تحملها وجبت عليه كجناية المرتد (فصل) ولا تحمل العاقلة ما دون الثلث وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء ومالك وإسحاق وعبد العزيز بن أبي سلمة وقال الزهري لا تحمل الثلث أيضا وقال الثوري وأبو حنيفة تحمل السن والموضحة وما فوقهما لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل الغرة التي في الجنين على العاقلة وقيمتها نصف عشر الدية ولا تحمل
ما دون ذلك ولانه ليس فيه ارش مقدر والصحيح عن الشافعي أنها تحمل القليل والكثير لان من حمل الكثير حمل القليل كالجاني في العمد ولنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الدية ان لا يحمل منها شئ حتى تبلغ عقل المأمومة ولان مقتضى الاصل وجوب الضمان على الجاني لانه موجب جنايته وبدل متلفه فكان عليه كسائر الجنايات والمتلفات وانما خولف في الثلث تخفيفا عن الجاني لكونه كثيرا يجحف به قال النبي صلى الله عليه وسلم " الثلث كثير " ففيما دونه يبقى على قضية الاصل ومقتضى الدليل وهذا حجة على الزهري لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلث كثيرا فاما دية الجنين فلا تحملها العاقلة إلا إذا مات مع امه من الضربة لكون ديتهما جميعا موجب جناية تزيد على الثلث وان سلمنا وجوبها على العاقلة فلانها دية ادمي كاملة (فصل) وتحمل العاقلة دية الطرف إذا بلغ الثلث وهو قول من سمينا في الفصل الذي قبل هذا وحكي عن الشافعي انه قال في القديم لا تحمل ما دون الدية لان ذلك يجرى مجرى ضمان الاموال بدليل أنه لا يجب فيه كفارة ولنا قول عمر رضي الله عنه ولان الواجب دية جناية على حر تزيد على الثلث فحملتها العاقلة كدية النفس ولانه كثير يجب ضمانا لحر اشبه ما ذكرنا وما ذكروه يبطل بما إذا جنى على الاطراف بما يوجب
الدية أو زيادة عليها
(فصل) وتحمل العاقلة دية المرأة بغير خلاف بينهم فيها وتحمل من جراحها ما يبلغ ارشه ثلث دية الرجل كدية أنفها، فاما ما دون ذلك كدية يدها فلا تحمله العاقلة وكذلك الحكم في دية الكتابي ولا تحمل دية المجوسي لانها دون الثلث (مسألة) (وتحمل غرة الجنين) إذا مات مع أمه فان العاقلة تحملها مع دية أمه نص عليه لان ديتهما وجبت في حال واحدة بجناية واحدة مع زيادتهما على الثلث فحملتهما العاقلة كالدية الواحدة ولا تحملها ان مات منفردا أو مات قبل موت امه نص عليه أحمد لانه دون الثلث (مسألة) (وتحمل جناية الخطأ عن الحر إذا بلغت الثلث) وحكي عن الشافعي لا تحمل ما دون الدية وقد ذكرناه وذكرنا دليله (مسألة) (قال أبو بكر ولا تحمل العاقلة شبه العمد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين) وهي رواية عن أحمد وبه قال ابن سيرين والزهري والحارث العكلي وابن شبرمة وقتادة وأبو ثور وهي على القاتل في ماله لانها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض، ولانها دية مغلظة فاشبهت دية العمد وهكذا يجب ان يكون مذهب مالك لان شبه العمد عنده من باب العمد (والثانية) تحملها العاقلة ذكرها الخرقي وهي ظاهر المذهب وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي والثوري وإسحاق وأصحاب
الرأي وابن المنذر لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت احداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه، ولانه نوع قتل لا يوجب القصاص فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد المحض فانه يغلظ من كل وجه لقصده الفعل وارادته القتل، وعمد الخطأ يغلظ من وجه وهو الاسنان وهو قصده الفعل ويخف من وجه وهو كونه لم يرد القتل فاقتضى تغليظها من وجه وهو الاسنان وتخفيفها من وجه
وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنها تجب مؤجلة روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وعبيد الله بن عمر ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقد حكي عن قوم من الخوارج انهم قالوا الدية حالة لانها بدل متلف ولم ينقل الينا ذلك عمن يعد خلافه خلافا والدية تخالف سائر المتلفات لانها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة له فاقتضت الحكمة تخفيفها عليهم وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما انهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ولا مخالف لهما في عصرهما فكان اجماعا (مسألة) (وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر لكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل انسان ما يسهل ولا يشق وجملة ذلك انه لا خلاف بين أهل العلم في ان العاقلة لا تكلف من العقل ما يجحف بها ويشق عليها
لانه لازم لها من غير جنايتها على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف عنه فلا يخفف عن الجاني بما يثقل على غيره ويحجف به كالزكاة، ولانه لو كان الاحجاف مشروعا كان الجاني أحق به لانه موجب جنايته وجزاء فعله فإذا لم يشرع في حقه ففي حق غيره أولى، واختلف أهل العلم فيما يحمله كل واحد منهم فقال احمد يحملون على قد ما يطيقون فعلى هذا لا يتقدر شرعا وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيفرض على كل واحد قدرا يسهل ولا يؤذي وهذا مذهب مالك لان التقدير لا يثبت الا بتوقيف ولا يثبت بالرأي والتحكم ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها إلى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات، وعن أحمد رواية أخرى انه يفرض على الموسر نصف مثقال لانه أقل ما يتقدر في الزكاة فكان معتبرا بها ويجب على المتوسط ربع مثقال لان ما دون ذلك تافه لكون اليد لا تقطع فيه بدليل قول عائشة رضي الله عنها لا يقطع في الشئ التافه وما دون ربع دينار لا قطع فيه، وهذا اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال أبو حنيفة أكثر ما يجعل على الواحد أربعة دراهم وليس لا فله حد لان ذلك يجب على سبيل المواساة للقرابة فلم يتقدر أقله كالنفقة قال ويسوى بين الغني والمتوسط لذلك، والصحيح الاول لما ذكرنا من أن التقدير انما يصار إليه بتوقيف فيه وانما يختلف بالغنى والتوسط كالزكاة والنفقة ولا يختلف بالبعد والقرب لذلك
(مسألة) (واختلف القائلون بالتقدير بنصف دينار وربعه فقال بعضهم يتكرر الواجب في الاحوال الثلاثة فيكون الواجب على الغني فيها دينارا ونصفا وعلى المتوسط ثلاثة ارباع دينار)
لانه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فيتكرر بتكرر الحول كالزكاة وقال بعضهم لا يتكرر لان في الايجاب زيادة على النصف ايجاب الزيادة على أقل الزكاة فيكون مضرا، ويعتبر الغنى والتوسط عند رأس الحول لانه حال الوجوب فاعتبر الحول عنده كالزكاة، وان اجتمع من العاقلة في درجة واحدة عدد كثير قسم الواجب على جميعهم فيلزم الحاكم كل انسان على حسب ما يراه وان قل، وعلى الوجه الآخر يجعل على المتوسط نصف ما على الغنى ويعم بذلك جميعهم وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر يختص الحاكم من شاء منهم فيفرض عليهم هذا القدر الواجب لئلا ينقص عن القدر الواجب ويصير إلى الشئ التافه ولانه يشق فربما أصاب كل واحد قيراط فيشق جمعه ولنا انهم استووا في القرابة فكانوا سواء كما لو قلوا كالميراث واما التعلق بمشقة الجمع فلا يصح لان مشقة زيادة الواجب أعظم من الجمع ثم هذا تعلق بالحكمة من غير أصل يشهد لها فلا يترك لها الدليل ثم هي معارضة بحقه الواجب على كل واحد منهم وسهولة الواجب عليهم، ثم لا يخلو من أن يخص الحاكم بعضهم بالاجتهاد أو بغير اجتهاد فان خصه بالاجتهاد ففيه مشقة عليه وربما لا يحصل له معرفة الاولى منهم بذلك فيتعذر الايجاب وان خصه بالتحكم أفضى إلى أنه يتخير بين ان يوجب على انسان شيئا بشهوته من غير دليل وبين ان لا يوجب عليه ولا نظير له وربما ارتشى من بعضهم واتهم وربما امتنع من فرض عليه شئ من أدائه لكونه يرى مثله لا يؤدي شيئا مع التساوي من كل الوجوه (مسألة) (ويبدأ بالاقرب فالاقرب فمتى اتسعت اموال الاقربين لها لم يتجاوزهم والا ننقل إلى من يليهم)
وجملة ذلك انه يبدأ في قسمة الدية بين العاقلة الاقرب فالاقرب فيقسم على الاخوة وبنيهم والاعمام وبنيهم ثم أعمام الاب ثم بنيهم ثم أعمام الجد ثم بنيهم كذلك ابدا حتى إذا انقرض الناسبون فعلى المولى المعتق ثم على
عصباته ثم على مولى المولى ثم على عصباته الاقرب فالاقرب كالميراث سواء وان قلنا الآباء والابناء من العاقلة بدئ بهم لانهم أقرب ومتى اتسعت أموال قوم للعقل لم يعدهم إلى من بعدهم لانه حق يستحق بالتعصيب فقدم الاقرب فالاقرب كالميراث وولاية النكاح، وهل يقدم من يدلي بالابوين على من يدلي بالاب؟ على وجهين (أحدهما) يقدم كالميراث وكتقديم الاخ على ابنه (والثاني) يستويان لان ذلك يستفاد بالتعصيب ولا أثر لقرابة الام في التعصيب والاول أولى ان شاء الله تعالى لان قرابة الام تؤثر في الترجيح والتقديم وقوة التعصيب لاجتماع القرابتين على وجه لا تنفرد كل واحدة بحكم وذلك لان القرابتين تنقسم إلى ما ينفرد كل واحدة منهما بحكم كابن العم إذا كان أخا لام فانه يرث بكل واحدة من القرابتين ميراثا منفردا يرث السدس بالاخوة ويرث بالتعصب ببنوة العم، وحجب احدى القرابتين لا يؤثر في حجب الاخرى فهذا لا يؤثر في قوة ولا ترجيح ولذلك لا يقدم ابن العم الذي هو أخ لام على غيره، والى ما لا تنفرد كل واحدة منهما بحكم كابن العم من أبوين من ابن عم من أب لا تنفرد احدى القرابتين بميراث عن الآخرى فتؤثر في الترجيح وقوة التعصيب ولذلك أثرث في التقديم في الميراث فكذلك في غيره، وبما ذكرنا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسوى بين القريب والبعيد ويقسم على جميهم لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية المقتولة على عصبة القاتلة ولنا انه حكم تعلق بالتعصيب فوجب ان يقدم فيه الاقرب فالاقرب كالميراث والخبر لا حجة فيه لاننا نقسمه على الجماعة إذا لم يف به الاقرب فنحمله على ذلك
(مسألة) (وان تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم) لانهم استووا في القرابة المقتضية للعقل عنه فتساووا في حكمه كسائر الاحكام وقد ذكرنا ذلك في مسألة وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر (فصل) ولا يحمل العقل من لا يعرف نسبه من القاتل الا ان يعلم انهم من قوم يدخلون كلهم في العقل ومن لا يعرف ذلك منه لا يحمل وان كان من قبيلته فلو كان القاتل قرشيا لم يلزم قريشا كلهم التحمل فان قريشا وان كانوا كلهم يرجعون إلى أب واحد الا ان قبائلهم تفرقت وصار كل قوم ينتسبون إلى أب يتميزون به فيقل عنهم من يشاركهم في نسبتهم إلى الاب الادنى، الا ترى ان الناس
كلهم بنو آدم فهم راجعون إلى أب واحد لكن ان كان من فخذ يعلم ان جميعهم يتحملون وجب ان يتحمل جميعهم سواء عرف أحدهم أو لم يعرف للعلم بانه متحمل على أي وجه كان وان لم يثبت نسب القاتل من أحد فالدية في بيت المال لان المسلمين يرثونه إذا لم يكن وارث بمعنى أنه يؤخذ ميراثه لبيت المال فلذلك يعقلونه على هذا الوجه فان وجد له من يحمل بعض العقل فالباقي في بيت المال لذلك، فان قيل فهذا ينتقض بالذمي الذي لا وارث له فان ميراثه لبيت المال ولا يعقلون عنه، قلنا انما لم يعقلون عنه لوجود المانع وهو اختلاف الدين ولذلك لا يعقله عصباته المسلمون
(مسألة) (وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين في كل سنة ثلثه ان كان دية كاملة) لا خلاف بين أهل العلم في أن دية الخطأ على العاقلة حكاه ابن المنذر وانها مؤجلة في ثلاث سنين فان عمر وعليا رضي الله عنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفا واتبعهم أهل العلم على ذلك لانه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالا كالزكاة ويجب في آخر كل حرل ثلثها ويعتبر ابتداء السنة من حين وجوب الدية وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ابتداؤها من حين حكم الحاكم لانها مدة مختلف فيها فكان ابتداؤها من حين حكم الحاكم كمدة العنة ولنا انه مال مؤجل فكان ابتداء اجله من حين وجوبه كالدين المؤجل والسلم ولا نسلم الخلاف فيها فان الخوارج لا يعتد بخلافهم (مسألة) (وان كان الواجب ثلث الدية وجب في رأس الحول الاول وان كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الاول الثلث وباقيه في رأس الحول الثاني وان كان دية امرأة أو كتابي فكذلك ويحتمل أن يقسم في ثلاث سنين، وان كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث).
وجملة ذلك أن الواجب إذا كان دية كاملة فانها تقسم في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها سواء كانت دية النفس أو دية الطرف كدية جدع الانف والاذنين، وان كان دون الدية فان نظرنا فان كان الثلث كدية المأمومة وجب في آخر السنة الاولى ولم يجب منه شئ حال لان العاقلة لا تحمل
حالا وإن كان نصف الدية أو ثلثيها كدية المرأة دية المنخرين وجب الثلث في آخر السنة الاولى
والباقي في آخر السنة الثانية، وان كان أكثر من دية مثل ان ذهب سمع انسان وبصره ففي كل سنة ثلث لان الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في السنة عن الثلث فكذلك لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث، وان كان الواجب بالجناية على اثنين وجب لكل واحد ثلث في كل سنة لان كل واحد له دية فيستحق ثلثها كما لو انفرد حقه، وان كان الواجب دون ثلث الدية كدية الاصبع لم تحمله العاقلة لانها لا تحمل ما دون الثلث ويجب حالا لانه متلف لا تحمله فكان حالا كالجناية على المال (مسألة) (فان كانت الدية ناقصة كدية المرأة والكتابي ففيها وجهان) (أحدهما) تنقسم في ثلاث سنين بدل النفس فأشبهت الدية كاملة (والثاني) يجب منها في العام الاول قدر ثلث الدية الكاملة وباقيها في العام الثاني لان هذه تنقص عن الدية فلم تنقسم في ثلاث سنين كأرش الطرف وهذا مذهب ابي حنيفة وللشافعي كالوجهين، فان كانت الدية لا تبلغ ثلث الدية الكاملة كدية المجوسي وهي ثمانمائة درهم ودية الجنين وهي خمس من الابل لم تحمله العاقلة لانه ينقص عن الثلث فأشبه دية السن والموضحة الا أن يقتل الجنين مع أمه فتحمله العاقلة لانها جناية واحدة وتكون دية الام على الوجهين، فان قلنا هي في عاملين كانت دية الجنين واجبة مع ثلث دية الام في العام الاول لانها دية أخرى ويحتمل أن يجب مع باقي دية الام في العام الثاني وان قلنا دية الام في ثلاث سنين فهل تجب دية الجنين في ثلاثة أعوام أو لا؟ على وجهين فإذا قلنا بوجوبها في ثلاث سنين وجبت في السنين التي وجبت فيها دية الام لانهما ديتان لمستحقين فيجب في كل سنة ثلث ديتها وثلث ديته، ويحتمل أن تجب في ثلاث سنين أخرى لان تلفهما موجب جناية واحدة
(مسألة) (وابتداء الحول في الجرح من حين الاندمال وفي القتل من حين الموت وقال القاضي ان لم يسر الجرح إلى شئ فحوله من حين القطع) وجملة ذلك أنه إذا كان الواجب دية نفس فابتداء حولها من حين الموت سواء كان قتلا موجبا أو عن سراية جرح وإن كان الواجب دية جرح نظرت فان كان عن جرح اندمل من غير
سراية مثل أن قطع يده فبرأت بعد مدة فابتداء المدة من حين القطع لان تلك حالة الوجوب ولهذا لو قطع يده وهو ذمي فأسلم ثم اندملت وجب نصف دية يهودي وأما ان كان الجرح ساريا مثل أن قطع أصبعه فسرى ذلك إلى كفه ثم اندمل فابتداء المدة من حين الاندمال لانها إذا سرت فما استقر الارش الا من حين الاندمال هكذا ذكره القاضي وأصحاب الشافعي وقال أبو الخطاب تعتبر المدة من حين الاندمال فيهما لان الارش لا يستقر الا بالاندمال فيها (مسألة) (ومن مات من العاقلة قبل الحول أو افتقر سقط ما عليه وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه) من مات من العاقلة أو افتقر أو جن قبل الحول لم يلزمه شئ لا نعلم في هذا خلافا لانه مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة فأشبه الزكاة وان كان ذلك بعد الحول لم يسقط الواجب وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسقط بالموت لانه خرج عن أهلية الوجوب فأشبه ما لو مات قبل الحول ولنا أنه حق تدخله النيابة لا يملك اسقاطه في حياته فأشبه الديون وفارق ما قبل الحول لانه لم يجب ولم يستمر الشرط إلى حين الوجوب فأما ان كان فقيرا عند القتل فاستغنى عند الحول فقال القاضي يجب عليه لانه وجد وقت الوجوب وهو من أهله وبخرج على هذا من كان صبيا
فبلغ أو مجنونا فأفاق عند الحول وجب عليه لذلك ويحتمل أن لا يجب لانه لم يكن من أهل الوجوب حالة السبب فلم يثبت الحكم فيه حالة الشرط كالكافر إذا ملك مالا ثم أسلم عند الحول لم تلزمه الزكاة فيه (مسألة) (وعمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة) لانه لم يتحقق منه كمال القصد فتحلمه العاقلة كشبه العمد ولانه قتل لا يوجب القصاص لاجل العذر فأشبه الخطأ وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله وهو أحد قولي الشافعي لانه عمد يجوز تأديبه عليه فأشبه القتل من البالغ والاول أولى وما ذكروه ينتقض بشبه العمد والله سبحانه وتعالى أعلم (باب كفارة القتل) من قتل نفسا محرمة خطأ أو ما أجري مجرى الخطأ أو شارك فيها أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة
الاصل في كفارة القتل قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) الآية وأجمع اهل العلم على أن على القاتل خطأ كفارة سواء كان المقتول ذكرا أو انثى ويجب في قتل الصغير والكبير سواء باشره بالقتل أو تسبب إلى قتله بسبب تضمن به النفس كحفر البئر ونصب السكين وشهادة الزور وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا تجب بالتسبب لانه ليس بقتل ولانه ضمن بدله بغير مباشرة القتل فلم تلزمه الكفارة كالعاقلة ولنا انه كالمباشرة في الضمان فكان كالمباشرة في الكفارة ولانه سبب لاتلاف الآدمي يتعلق به ضمان فتعلقت به الكفارة كما لو كان راكبا فأوطأ دابته انسانا وقياسهم ينتقض بالاب إذا اكره انسانا على قتل ابنه فان الكفارة تجب عليه من غير مباشرة وفارق العاقلة فانها تحمل من غيرها ولم يصدر منها قتل ولا تسبب إليه وقولهم ليس بقتل ممنوع قال القاضي ويلزم الشهود الكفارة سواء قالوا اخطأنا أو تعمدنا وهذا يدل على ان القتل بالسبب تجب به الكفارة بكل حال ولا يعتبر فيه الخطأ والعمد لانه وان قصد القتل فهو جار مجرى الخطأ في انه لا يجب به القصاص
(مسألة) (ومن شارك في قتل يوجب الكفارة لزمته كفارة ويلزم كل واحد من شركائه كفارة) هذا قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعكرمة والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد ان على المشتركين كفارة واحدة حكاها أبو الخطاب وهو قول أبي ثور وحكي عن الاوزاعي وحكاه أبو علي الطبري عن الشافعي وأنكره سائر أصحابه واحتج لمن أوجب كفارة واحدة بقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ومن تتناول الواحد والجماعة ولم يوجب إلا كفارة واحدة ودية، والدية لا تتعدد فكذلك الكفارة وإنها كفارة قتل فلم تتعدد بتعدد القاتلين إذا كان المقتول واحد ككفارة الصيد الحرمي ولنا أنها لا تتبعض وهي من موجب قتل الادمي فكملت في حق كل واحد من المشتركين كالقصاص وتخالف كفارة الصيد فانها تجب بدلا ولهذا تجب في ابعاضه فكذلك الدية (مسألة) (ولو ضرب بطن امرأة فالقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة) تجب الكفارة بالقاء الجنين الميت إذا كان من ضرب بطنها وبه قال الحسن وعطاء والزهري والنخعي
والحكم ومالك والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة لا تجب وقد مضت هذه المسألة في دية الجنين (مسألة) (مسلما كان المقتول أو كافرا حرا أو عبدا) تجب الكفارة بقتل الكافر المضمون سواء كان ذميا أو مستأمنا وبهذا قال أكثر أهل العلم وقال الحسن ومالك لا كفارة فيه لقول الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) فمفهومه أنه لا كفارة في غير
ولنا قوله تعالى (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) والذمي له ميثاق وهذا منطوق يقدم على دليل الخطاب ولانه آدمي مقتول ظلما فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم (مسألة) (وتجب الكفارة بقتل العبد) وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا تجب لانه مضمون بالقيمة اشبه البهيمة ولنا عموم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ولانه يجب القصاص بقتله فتجب الكفارة به كالحر ولانه مؤمن فاشبه الحر ويفارق البهائم بذلك (مسألة) (وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا) إذا كان القاتل صبيا أو مجنونا وجبت الكفارة في أموالهما وكذلك الكافر تجب عليه الكفارة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا كفارة على واحد منهم لانها عبادة محضة تجب بالشرع فلا تجب على الصبي والمجنون والكافر كالصوم والصلاة وقياسا على كفارة اليمين ولنا انه حق مالي يتعلق بالقتل فتعلقت بهم كالدية ويفارق الصوم والصلاة فانهما عبادتان بدنيتان وهذه مالية اشبهت نفقة الاقارب وأما كفارة اليمين فلا تجب على الصبي والمجنون لانها تتعلق بالقول ولا قول لهما وهذه تتعلق بالفعل وفعلهما متحقق قد أوجب الضمان عليهما ويتعلق بالفعل مالا يتعلق بالقول بدليل ان العتق يتعلق باحبالهما دون اعتاقهما بقولهما وأما الكافر فتجب عليه وتكون عقوبة له كالحدود والحر والعبد سواء لدخولهما في عموم الآية (مسألة) (ويكفر العبد بالصيام لانه) لا مال له وقد ذكرنا كفارة العبد فيما مضى (فصل) ومن قتل في دار الحرب مسلما يعتقده كافرا أو رمى إلى صف الكفار فاصاب فيهم مسلما
فقتله فعليه كفارة لقوله تعالى (وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة)
(مسألة) (فاما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه) وجملة ذلك ان كل قتل مباح لا كفارة فيه كقتل الحربي والباغي والزاني المحض والقتل قصاصا وحدا لانه قتل مأمور به والكفارة لا تجب لمحو المأمور به واما الخطأ فلا يوصف بتحريم ولا إباحة لانه كقتل المجنون والبهيمة لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة فلذلك وجبت الكفارة فيها وقال قوم الخطأ محرم لا اثم فيه وقيل ليس بمحرم لان المحرم ما اثم فاعله.
وقوله تعالى (وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا إلا خطأ) هذا استثاء منقطع وإلا في موضع لكن والتقدير لكن قد يقتله خطأ وقيل الا بمعنى ولا أي ولا خطأ وهذا يبعد لان الخطأ لا يتوجه إليه النهي لعدم امكان التحرز منه وكونه لا يدخل تحت الوسع ولانها لو كانت بمعنى ولا لكانت عاطفة للخطأ على ما قبله وليس قبله ما يصلح عطفه عليه فاما قتل نساء أهل الحرب وصبيانهم فلا كفارة فيه لانهم ليس لهم ايمان ولا امان وانما منع من قتلهم لانتفاع المسلمين بهم لكونهم يصيرون بالسبي رقيقا ينتفع بهم وكذلك قتل من لم تبلغه الدعوة لا كفارة فيه لذلك ولذلك لم يضمنوا بشئ فاشبهوا من قتله مباح (فصل) ومن قتل نفسه خطأ وجبت الكفارة في ماله وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تجب لان ضمان نفسه لا يجب فلم تجب الكفارة به كقتل نساء أهل الحرب وصبيانهم ووجه الاول عموم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ولانه آدمي مؤمن مقتول خطأ فوجبت الكفارة على قاتله كما لو قتله غيره قال شيخنا وقول أبي حنيفة أقرب إلى الصواب ان شاء الله تعالى فان عامر بن الاكوع قتل نفسه خطأ فلم بأمرالنبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة فاما قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) فانما
أريد بها إذا قتل غيره بدليل قوله (ودية مسلمة إلى أهله) وقاتل نفسه لا تجب فيه دية بدليل قتل عامر بن الاكوع (مسألة) (وفي العمد وشبهه روايتان (إحداهما) لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والاخرى فيه الكفارة)
المشهور في المذهب أنه لا كفارة في قتل العمد وبه قال مالك والثوري ومالك وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن احمد رواية أخرى تجب فيه الكفاة وحكي ذلك عن الزهري وهو قول الشافعي لما روى واثله بن الاسقع قال اتينا النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد اوجب بالقتل فقال " اعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " ولانها إذا وجبت في قتل الخطأ ففي العمد اولى لانه أعظم جرما وحاجته إلى تكفير ذنبه أعظم ولنا مفهوم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ثم ذكر قتل العمد فلم يوجب فيه كفارة وجعل جزاءه جهنم فمفهومه أنه لا كفارة فيه وروي ان سويد بن الصامت قتل رجلا فاوجب النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وعمرو بن امية الضمري قتل رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بكفارة ولانه فعل يوجب القتل فلا يوجب كفارة كزنا المحصن وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجبا أي فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم بالاعتاق تبرعا ولذلك أمر غير القاتل بالاعتاق وما ذكروه من المعنى لا يصح لانها وجبت في الخطأ لتمحو إئمه لكونه لا يخلو من تفريط فلا يلزم من ذلك ايجابها في موضع عظم الاثم فيه بحيث لا يرتفع بها.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين العمد الموجب للقصاص وما لا قصاص فيه كقتل الوالد ولده والسيد عبده والحر العبد والمسلم الكافر لان هذا من أنواع العمد
(فصل) فاما شبه العمد فقال شيخنا تجب فيه الكفارة ولم أعلم لاصحابنا فيه قولا لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه لانه اجري مجرى الخطأ في نفي القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة ولان القاتل انما لم يحمل شيئا من الدية لتحمله الكفارة فلو لم تجب عليه الكفارة لحمل من الدية لئلا يخلو القاتل عن وجوب شئ اصلا ولم يرد الشرع بهذا وقد ذكر في الكتاب المشروح رواية أنه كالعمد لان ديته مغلظة وهي اختيار أبي بكر لان عنده ان الدية فيه يحملها القاتل فقد أشبه العمد في ذلك فكان حكمه حكمه (فصل) وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة بنص القرآن سواء كان القاتل أو المقتول مسلما أو كافرا
النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وعمرو بن امية الضمري قتل رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بكفارة ولانه فعل يوجب القتل فلا يوجب كفارة كزنا المحصن وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجبا أي فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم بالاعتاق تبرعا ولذلك أمر غير القاتل بالاعتاق وما ذكروه من المعنى لا يصح لانها وجبت في الخطأ لتمحو إئمه لكونه لا يخلو من تفريط فلا يلزم من ذلك ايجابها في موضع عظم الاثم فيه بحيث لا يرتفع بها.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين العمد الموجب للقصاص وما لا قصاص فيه كقتل الوالد ولده والسيد عبده والحر العبد والمسلم الكافر لان هذا من أنواع العمد
(فصل) فاما شبه العمد فقال شيخنا تجب فيه الكفارة ولم أعلم لاصحابنا فيه قولا لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه لانه اجري مجرى الخطأ في نفي القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة ولان القاتل انما لم يحمل شيئا من الدية لتحمله الكفارة فلو لم تجب عليه الكفارة لحمل من الدية لئلا يخلو القاتل عن وجوب شئ اصلا ولم يرد الشرع بهذا وقد ذكر في الكتاب المشروح رواية أنه كالعمد لان ديته مغلظة وهي اختيار أبي بكر لان عنده ان الدية فيه يحملها القاتل فقد أشبه العمد في ذلك فكان حكمه حكمه (فصل) وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة بنص القرآن سواء كان القاتل أو المقتول مسلما أو كافرا فان لم يجدها في ملكه فاضلة عن حاجته أو يجد ثمنها فاضلا عن كفايته فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وهذا ثابت بالنص أيضا فان لم يستطع ففيه روايتان (إحداهما) يثبت الصيام في ذمته ولا يجب شئ آخر لان الله تعالى لم يذكره ولو وجب لذكره (والثانية) يجب إطعام ستين مسكينا عند العجز عن الصوم ككفارة الظهار والفطر في رمضان وان لم يكن مذكورا في نص القرآن فقد ذكر في نظيره فيقاس عليه فعلى هذه الرواية ان عجز عن الاطعام ثبت في ذمته حتى يقدر عليه وللشافعي في هذا قولان كالروايتين والله اعلم (تم بحمد الله وعونه الجزء التاسع..)
الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه ج 10
الشرح الكبير
عبدالرحمن بن قدامه ج 10
الشرح الكبير على متن المقنع، تأليف الشيخ الامام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي المتوفي سنة 682 ه كلاهما على مذهب امام الائمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني) مع بيان خلاف سائر الائمة وأدلتهم رضي الله عنهم الجزء العاشر دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم باب القسامة وهي الايمان المكررة في دعوى القتل والقسامة مصدر أقسم قسامة ومعناه حلف حلفا، والمراد بالقسامة ههنا الايمان المكررة في دعوى القتل، وقال القاضي هي الايمان إذا كثرت على وجه المبالغة، قال وأهل اللغة يذهبون إلى انها القوم الذين يحلفون سموا باسم المصدر كما يقال رجل عدل ورضى، وأي الامرين كان فهو من القسم الذي هو الحلف، والاصل في القسامة ماروي عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج ان محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا إلى خيبر فتفرقا في النخيل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن وأبناء عمه حويصة ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كبر الكبر) أو قال
(ليبدأ الاكبر) فتكلما في أمر صاحبهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع اليكم برمته) فقالوا أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال (فتبرئكم يهود بايمان خمسين منهم) قالوا يا رسول الله قوم كفار ضلال قال فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله قال سهل فدخلت مربدا لهم
فركضتني ناقة من تلك الابل) متفق عليه (مسألة) (ولا يثبت إلا بشروط أربعة: أحدها دعوى القتل ذكرا كان المقتول أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو ذميا وأما الجراح فلا قسامة فيها) دعوى القتل شرط في القسامة ولا تسمع الدعوى إلا محررة بأن يقول ادعي ان هذا قتل وليي فلان ابن فلان عمدا أو خطأ أو شبه عمد، ويصف القتل فان كان عمدا قال قصد إليه بسيف أو بما يقتل مثله غالبا.
فان كانت الدعوى على واحد فأقر ثبت القتل فان أنكر وثم بينة حكم بها وإلا صار الامر إلى الايمان، وان كانت الدعوى على أكثر من واحد لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) أن يقول قتله هذا وهذا تعمد قتله، ويصف العمد بصفته فيقال له عين واحدا فان القسامة الموجبة للقود لا تكون على أكثر من واحد (الحال الثاني) أن يقول تعمد هذا وهذا كان خاطئا فهو يدعي قتلا غير.
موجب للقود فيقسم عليهما ويأخذ نصف الدية من مال العامد ونصفها من مال الخاطئ (الحال الثالث) أن يقول عمد هذا ولا أدري أكان قتل الثاني عمدا أو خطأ فقيل لا تسوغ القسامة
ههنا لانه يحتمل أن يكون الآخر مخطئا فيكون موجبها الدية عليهما ويحتمل أن يكون عامدا فلا يسوغ ههنا ويجب تعيين واحد والقسامة عليه فيكون موجبها القود فلم تجز القسامة مع هذا، فان عاد فقال علمت ان الآخر كان عامدا فله أن يعين واجدا ويقسم عليه، وإن قال كان مخطئا ثبتت القسامة حينئذ ويسئل الآخر فان أنكر ثبتت القسامة وإن أقر ثبت عليه القتل ويكون عليه نصف الدية في ماله لانه ثبت باقراره لا بالقسامه، وقال القاضي يكون على عاقلته والاول أصح لان العاقلة لا تحمل اعترافا (الحال الرابع) أن يقول قتلاه خطأ أو شبه عمدا أو أحدهما خاطئا والآخر شبهه العمد فله أن يقسم عليهما، فان ادعى انه قتل وليه عمدا فسئل عن تفسيره العمد ففسره بعمد الخطأ قبل تفسيره وأقسم على ما فسره به لانه أخطأ في وصف القتل بالعمدية، ونقل المزني عن الشافعي لا يحلف عليه لانه بدعوى العمد برأ العاقلة فلم تسمع دعواه بعد ذلك ما يوجب عليهم المال ولنا ان دعواه قد تحررت وانما غلط في تسمية شبه العمد عمدا وهذا مما يشتبه فلا يؤاخذ به
ولو أحلفه الحاكم قبل تحرير الدعوى وتبيين نوع القتل لم يعتد باليمين لان الدعوى لا تسمع غير محررة فكأنه أحلفه قبل الدعوى ولانه انما يحلفه ليوجب له ما يستحقه فإذا لم يعلم ما يستحقه بدعواه لم يحصل المقصود باليمين فلم يصح (فصل) قال القاضي يجوز للاولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم انه قتله وإن كانوا
غائبين عن مكان القتل لان النبي صلى الله عليه وسلم قال للانصار (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم) وكانوا بالمدينة والقتل بخيبر، ولان للانسان أن يحلف على غالب ظنه كما ان من اشترى من انسان شيئا فجاء آخر يدعيه جاز أن يحلف انه لا يستحقه لان الظاهر انه ملك الذي باعه وكذلك إذا وجد شيئا بخطه أو خط أبيه ودفتره جاز أن يحلف، وكذلك إذا باع شيئا لم يعلم فيه عيبا فادعى عليه المشتري انه معيب وأراد رده كان له ان يحلف انه باعه بريئا من العيب، ولا ينبغي أن يحلف المدعي إلا بعد الاستثبات وغلبه ظن يقارب اليقين، وينبغي للحاكم أن يقول لهم اتقوا الله واستثبتوا ويعظهم ويحذرهم ويقرأ عليهم (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) ويعرفهم ما في اليمين الكاذبة وظلم البرئ وقتل النفس بغير الحق ويعرفهم ان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وهذا كله مذهب الشافعي (مسألة) (وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو ذميا) أما إذا كان المقتول مسلما حرا فليس فيه اختلاف سواء كان المدعى عليه مسلما أو كافرا فان الاصل في القسامة قصة عبد الله بن سهل حين قتل بخيبر فاتهم اليهود بقتله فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة وأما ان كان المقتول كافرا أو عبدا وكان قاتله ممن يجب عليه القصاص بقتله وهو المماثل له في حاله أو دونه ففيه القسامة، وهذا قول الشافعي واصحاب الرأي، وقال الزهري والثوري ومالك والاوزاعي لا قسامة في العبد لانه مال فلم تجب القسامة فيه كالبهيمة
ولنا انه قتل موجب للقصاص فأوجب القسامة كقتل الحر بخلاف البهيمة فانه لا قصاص فيها
ويقسم على العبد سيده لانه المستحق لدمه، وأم الود والمدبر والمكاتب والمعلق عتقه بصفة كالقن لان الرق ثابت فيهم، فان كان القاتل ممن لا قصاص عليه كالمسلم يقتل كافرا والحر يقتل عبدا فلا قسامة فيه في ظاهر قول الخرقي وهو قول مالك لان القسامه انما تكون فيما يوجب القود وقال القاضي فيها القسامة وهو قول الشافعي واصحاب الرأي لانه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كقتل الحر المسلم، ولان ما كان حجة في قتل الحر المسلم كان حجة في قتل العبد والكافر كالبينة، ووجه قول الخرقي انه قتل لا يوجب القصاص فأشبه قتل البهيمة ولا يلزم من شرعها فيما يوجب القصاص شرعها مع عدمه بدليل ان العبد لو اتهم بقتل سيده وجبت القسامة إذا كان القتل موجبأ للقصاص ذكره القاضي لانه لا يجوز قتله قبل ذلك ولو لم يكن موجبا للقصاص لم تشرع القسامة (فصل) وإن قتل عبد المكاتب فللمكاتب أن يقسم على الجاني لانه مالك العبد يملك التصرف فيه وفي بدله وليس لسيده انتزاعه منه وله شراؤه منه، ولو اشترى المأذون له في التجارة عبدا فقتل فالقسامة لسيده دونه لان ما اشتراه المأذون يملكه سيده دونه ولهذا يملك انتزاعه منه، وإن عجز المكاتب قبل أن يقسم فلسيده أن يقسم لانه صاو المستحق لبدل المقتول بمنزلة ورثة الحر إذا مات قبل أن يقسم، ولو ملك السيد عبده أو أم ولده عبدا فقتل فالقسامة للسيد سواء قلنا يملك العبد
بالتمليك أولا يملك لانه ان لم يملك فالملك لسيده وان ملك فهو ملك غير ثابت ولهذا يملك سيده انتزاعه منه ولا يجوز له التصرف بغير اذن سيده بخلاف المكاتب، وان أوصى لام ولده ببدل العبد صحت الوصية وان كان لم يجب بعد كما تصح الوصية بثمرة لم تخلق والقسامة للورثة لانهم القائمون مقام الموصي في اثبات حقوقه فإذا حلفوا ثبت لها البدل بالوصية فان لم يحلفوا لم يكن لها أن تحلف كما إذا امتنع الورثة باليمين مع الشاهد لم يكن للغرماء أن يحلفوا معه (فصل) والمحجور عليه لسفه أو فلس كغير المحجور عليه في دعوى القتل والدعوى عليه لانه إذا أقر بمال أو لزمته الدية بالنكول عن اليمين لم تلزمه في حال حجره لان اقراره بالمال في الحال غير مقبول بالنسبة إلى أخذ شئ من ماله في الحال على ما عرف في موضعه
(فصل) ولو جرح مسلم فارتد فمات على الردة فلا قسامة فيه لان نفسه غير مضمونة ولا قسامة فيما دون النفس ولان ماله يصير فيأ والفئ ليس له مستحق معين فتثبت القسامة له، وان مات مسلما فارتد وارثه قبل القسامة فقال أبو بكر ليس له أن يقسم وان أقسم لم يصح لان ملكه يزول عن ماله وحقوقه فلا يبقى مستحقا للقسامة وهذا قول المزني ولان المرتد قد أقدم على الكفر الذي لا ذنب أعظم منه فلا يستحق بيمينه دم مسلم ولا يثبت بها قتل، وقال القاضي الاولى أن تعرض عليه القسامة فان أقسم وجبت الدية وهذا قول الشافعي لان استحقاق المال بالقسامة حق له فلا يبطل
بردته كاكتساب المال بوجوه الاكتساب وكفره لا يمنع يمينه لان الكافر تصح يمينه ويعرض عليه في الدعاوى فان حلف ثبت القصاص أو الدية، فان عاد إلى الاسلام كان له وان مات كان فيئا والصحيح ان شاء الله ما قاله أبو بكر لان مال المرتد اما أن يكون ملكه قد زال عنه واما موقوف وحقوق المال حكمها حكمه، فان قلنا يزول ملكه فلا حق له وان قلنا هو موقوف فهو قبل انكشاف حاله مشكوك فيه فلا يثبت الحكم بشئ مشكوك فيه كيف وقتل المسلم أمر كبير لا يثبت مع الشبهات ولا يستوفى مع الشك؟ فأما ان ارتد قبل موت مورثه لم يكن وارثا ولا حق له وتكون القسامه لغيره من الوارث فان لم يكن للميت وارث سواه فلا قسامة فيه لما ذكرنا، فان عاد إلى الاسلام قبل قسامة غيره فقياس المذهب أنه يدخل في القسامة لانه متى رجع قبل قسم الميراث قسم له.
وقال القاضي لا تعود القاسمة إليه لانها استحقت على غيره وان ارتد رجل فقتل عبده أو قتل عبده ثم ارتد فهل له أن يقسم؟ عل وجهين بناء على الاختلاف المتقدم فان عاد إلى الاسلام عادت القسامة لانه يستحق بدل العبد (مسألة) (فأما الجراح فلا قسامة فيها) لا قسامة فيما دون النفس من الاطراف والجراح لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي لان القسامة تثبت في النفس لحرمتها فاختصت بها دون الاطراف كالكفارة
ولانها تثبت حيث كان المجني عليه لا يمكنه التعبير عن نفسه وتعيين قاتله ومن قطع طرفه يمكنه ذلك وحكم الدعوى فيه حكم الدعوى في سائر الحقوق، والبينه على المدعي واليمين على المنكر يمينا واحدة لانها دعوى لا قسامة فيها فلا تغلظ بالعدد كالدعوى في المال (الثاني) اللوث وهو العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الانصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظار المذهب، اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في اللوث فروي عنه أن العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه كنحو ما كان بين الانصار ويهود خيبر وما بين القبائل والاحياء وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب وما بين البغاة وأهل العدل وما بين الشرطة واللصوص وكل من بينه وبين المقتول ضغن يغلب على الظن أنه قتله نقل مهنا عن أحمد فيمن وجد قتيلا في المسجد الحرام ينظر من بينه وبينه في حياته شئ يعني ضغنا يؤخذون به ولم يذكر القاضي في اللوث غير العداوة الا أنه قد قال في الفريقين يقتتلان فينكشفون عن قتيل فاللوث على الطائفة التي القتيل من غيرها سواء كان القتال بالتحام أو مراماة بالسهام وان لم تبلغ السهام فاللوث على طائفة القتيل إذا ثبت هذا فانه لا يشترط مع العداوة ان لا يكون في الموضع الذي به القتيل غير العدو نص عليه أحمد في رواية مهنا التي ذكرناها وكلام الخرقي يدل عليه أيضا واشترط القاضي أن يوجد القتيل في موضع عدو
لا يختلط بهم غيرهم وهذا مذهب الشافعي لان الانصاري قتل في خيبر ولم يكن بها الا اليهود وجميعهم اعداء ولانه متى اختلط بهم غيرهم احتمل أن يكون القاتل ذلك الغير ثم ناقض قوله فقال في قوم ازدحموا في مضيق فافترقوا عن قتيل فقال ان كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله لكونه بقربه فهو لوث فجعل العداوة لوثا مع وجود غير العدو ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الانصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا؟ مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لانها كانت املاكا للمسلمين يقصدونها لاخذ غلات أملاكهم منها وعمارتها والاطلاع عليها والامتيار منها ويبعد ان تكون مدينة على جادة تخلو من غير أهلها وقول الانصار ليس لنا بخيبر عدو الا اليهود يدل على أنها قد كان بها غيرهم ممن ليس بعدو ولان اشتراكهم في العداوة لا يمنع من
وجود اللوث في حق واحد وتخصيصه بالدعوى مع مشاركة غيره في احتمال قتله فلان لا يمنع ذلك وجود من يبعد منه القتل أولى وما ذكروه من الاحتمال لا ينفي اللوث فان اللوث لا يشترط فيه يقين القتل من المدعى عليه فلا ينافيه الاحتمال ولو تيقن القتل من المدعى عليه لما احتيح إلى الايمان ولو اشترط نفي الاحتمال لما صحت الدعوى على واحد من جماعة لاحتمال أن القاتل غيره ولا على الجماعة كلهم لانه يحتمل أن لا يشترك الجميع في قتله والرواية الثانية عن أحمد أن اللوث ما يغلب على الظن صدق المدعي ذلك من وجوه
(أحدها) العداوة المذكورة (الثاني) أن يتفرق جماعة عن قتيل فيكون ذلك لوثا في حق كل واحد منهم فان ادعى الولي على واحد فأنكر كونه مع المجاعة فالقول قوله مع يمينه ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لان الاصل عدم ذلك إلا أن يثبت ببينة (الثالث) أن يزدحم الناس في مضيق فيوجد بينهم قتيل فظاهر كلام أحمد أن هذا ليس بلوث فانه قال فيمن مات من الزحام يوم الجمعة: فديته في بيت المال وهذا قول اسحاق وروي ذلك عن عمر وعلي فان سعيدا روى في سننه عن ابراهيم قال قتل رجل في زحام الناس بعرفة فجاء أهله إلى عمر فقال: بينتكم على من قتله فقال علي يا أمير المؤمنين لا تطل دم امرئ مسلم ان علمت قاتله والا فاعط ديته من بيت المال وقال أحمد فيمن وجد مقتولا في المسجد الحرام ينظر من كان بينه وبينه شئ في حياته يعني عداوة فلم يجعل الحضور لوثا وانما جعل اللوث العداوة وقال الحسن والزهري فيمن مات في الزحام ديته على من حضر لان قتله حصل منهم، وقال مالك دمه هدر لانه لا يعلم له قاتل ولا وجد لوث فيحكم بالقسامة فيه وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إليه في رجل وجد قتيلا ولم يعرف قاتله فكتب إليهم إن من القضايا قضايا لا يحكم فيها الافي الدار الآخر ة وهذا منها (الرابع) أن يوجد قتيل لا يوجد بقربه إلا رجل معه سيف أو سكين ملطخ بدم ولا يوجد غيره ممن يغلب على الظن قتله مثل أن يرى رجلا هاربا يحتمل انه قاتل أو سبعا يحتمل ذلك فيه
(الخامس) أن تقتتل فئتان فيفترقون عن قتيل من إحداهما فاللوث على الاخرى.
ذكره القاضي فان كانوا بحيث لا يصل سهام بعضهم بعضا فاللوث على طائفة القتيل وهذا قول الشافعي، وروي عن احمد ان عقل القتيل على الذين نازعوهم فيما إذا اقتتلت الفئتان الا أن يدعوا على واحد بعينه وهذا قول مالك.
وقال ابن أبي ليلى: عقله على الفريقين جميعا لانه يجتمل انه مات من فعل اصحابه فاستوى الجميع فيه وعن أحمد في قوم اقتتلوا فقتل بعضهم وجرح بعضهم: فدية المقتولين على المجروحين يسقط منه دية الجراح وان كان فيهم من لا جرح فيه فهل عليه من الديات شئ على وجهين ذكرهما ابن حامد (السادس) ان يشهد بالقتل عبيد ونساء ففيه عن احمد روايتان (إحداهما) انه لوث لانه يغلب على الظن صدق المدعي فأشبه العداوة (والثانية) ليس بلوث لانها شهادة مردودة فلم تكن لوثا كما لو شهد به كفار وان شهد به فساق أو صبيان ففيه وجهان (أحدهما) ليس بلوث لانه لا يتعلق بشهادتهم حكم فلا يثبت اللوث بها كشهادة الاطفال والمجانين (والثاني) يثبت بها اللوث لانها شهادة فغلب على الظن صدق المدعي فأشبه شهادة النساء والعبيد وقول الصبيان معتبر في الادب في دخول الدار وقبول الهدية ونحوها وهذا مذهب الشافعي.
ويعتبر أن يجئ الصبيان متفرقين لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب.
فهذه الوجوه قد ذكر عن احمد انها لوث لانها تغلب على الظن صدق المدعي اشبهت العداوة.
وروي ان هذا ليس بلوث وهو ظاهر كلامه في الذي قتل في الزحام
لان اللوث انما يثبت بالعداوة بقضية الانصاري القتيل بخيبر ولا يجوز القياس عليها لان الحكم ثبت بالمظنة ولا يجوز القياس على المظان لان الحكم انما يتعدى بتعدي سببه والقياس بالمظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون والحكم والظنون تختلف ولا تأتلف وتنخبط ولا تنضبط وتختلف باختلاف القرائن والاحوال والاشخاص فلا يمكن ربط الحكم بها ولا تعديته بتعديها ولانه يعتبر في التعدية والقياس التساوي بين الاصل والفرع والمقتضي ولا سبيل إلى تغير التساوي بين الظنين مع كثرة الاحتمالات وترددها.
فعلى هذه الرواية حكم هذه الصور حكم غيرها مما لا لوث فيه
(فصل) وان شهد رجلان على رجل انه قتل احد هذين القتيلين لم تثبت هذه الشهادة ولم يكن لوثا عند أحد علمنا قوله وان شهدا ان هذا القتيل قتله أحد هذين الرجلين أو شهد احدهما ان هذا قتله وشهد الآخر انه اقر بقتله أو شهد أحدهما انه قتله بسيف وشهد الآخر انه قتله بسكين لم تكمل الشهادة ولم يكن لوثا.
هذا قول القاضي واختياره.
والمنصوص عن أحمد فيما إذا شهد احدهما بقتله والآخر بالاقرار بقتله انه يثبت القتل واختار أبو بكر ثبوت القتل ههنا وفيما إذا شهد أحدهما انه قتله بسيف وشهد الآخر انه قتله بسكين لانهما اتفقا على القتل واختلفا في صفته وقال الشافعي هو لوث في هذه الصورة في أحد القولين وفي الصورتين اللتين قبلها هو لوث لانها شهادة يغلب على الظن صدق المدعي أشبهت شهادة النساء والعبيد.
ولنا انها شهادة مردودة للاختلاف فيها فلم تكن لوثا كالصورة الاولى
(فصل) وليس من شرط اللوث أن يكون بالقتيل أثر وبهذا قال مالك والشافعي.
وعن احمد انه شرط وهذا قول حماد وأبي حنيفة والثوري لانه إذا لم يكن به أثر احتمل انه مات حتف أنفه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الانصار هل كان بقتيلهم أثر أو لا؟ ولان القتل يحصل بما لا أثر له كغم الوجه والخنق وعصر الخصيتين وضربة الفؤاد فأشبه من به أثر، وم به اثر قد يموت حتف انفه لسقطته أو صرعته أو يقتل نفسه.
فعلى قول من اعتبر الاثر ان خرج الدم من اذنه فهو لوث لانه لا يكون الا لخنق أو أمر اصيب به، وان خرج من انفه فهل يكون لوثا على وجهين (مسألة) (فاما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث) هذا قول اكثر اهل العلم منهم الثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي.
وقال مالك والليث هو لوث لان قتيل بني اسرائيل قال قتلني فلان فكان حجة.
ويروى هذا القول عن عبد الملك بن مروان ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى، قوم دماء رجال وأموالهم) ولانه يدعي حقا لنفسه فلم يقبل قوله كما لو لم يمت، ولانه خصم فلم تكن دعواه لوثا كالولي فأما قتيل بني إسرائيل فلا حجة فيه فانه لا قسامة فيه فان ذلك كان من آيات الله ومعجزات نبيه موسى عليه السلام حيث
احياه الله تعالى بعد موته وأنطقه بقدرته بما اختلفوا فيه ولم يكن الله تعالى لينطقه بالكذب بخلاف الحي ولا سبيل إلى مثل هذا اليوم، ثم ذاك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديته إلى تهمة البريئين
(مسألة) (ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولاغيرها وعن احمد انه يحلف يمينا واحدة وهي الاولى.
وان كان خطأ حلف يمينا واحدة) إذا ادعى القتل مع عدم اللوث لم يخل من حالين (احدهما) إذا وجد قتيل في موضع فادعى اولياؤه قتله على رجل أو جماعة ولم يكن بينهم عداوة ولا لوث فهي كسائر الدعاوى ان كانت لهم بينه حكم لهم بها وإلا فالقول قول المنكر وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر.
وقال ابو حنيفة وأصحابه: إذا ادعى اولياؤه قتله على أهل المحلة أو على معين فللولي ان يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يمينا والله ما قتلناه ولا علمنا قاتله فإذا نقصوا عن الخمسين كررت الايمان عليهم حتى تتم فإذا حلفوا وجبت الدية على باقي الخطة فان لم يكن وجبت على سكان الموضع فان لم يحلفوا حبسوا حتى يحلفوا أو يقروا لما روي ان رجلا وجد قتيلا بين حيين فحلفهم عمر رضي الله عنه خمسين يمينا وقضى بالدية على أقربهما يعني اقرب الحيين فقالوا: والله ما وقت أيماننا أموالنا ولا أموالنا ايماننا.
فقال عمر حقنتم بأموالكم دماءكم ولنا حديث عبد الله بن سهل وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم وقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينه على المدعي واليمين على من أنكر) ولان المدعى عليه الاصل براءة ذمته ولم يظهر كذبه فكان القول قوله كسائر الدعاوى
ولانه مدعى عليه فلم تلزمه اليمين والغرم كسائر الدعاوى وقول النبي صلى الله عليه وسلم اولى من قول عمر وأحق بالاتباع.
ثم قضية عمر يحتمل انهم اعترفوا بالقتل خطأ وأنكروا العمد فأحلفوا على العمد ثم انهم لا يعلمون بخبر النبي صلى الله عليه وسلم المخالف للاصول وقد صاروا ههنا إلى ظاهر قول عمر المخالف للاصول وهو ايجاب الايمان على غير المدعى عليه وإلزامهم الغرم مع عدم الدعوى عليهم والجمع بين تحليفهم
وتغريمهم وحبسهم على الايمان قال ابن المنذر: سن النبي صلى الله عليه وسلم البينه على المدعي واليمين على المدعى عليه وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر، وقول اصحاب الرأي خارج عن هذه السنن (فصل) ولا تسمع الدعوى على غير معين فلو كانت الدعوى على أهل مدينة أو محلة أو واحد غير معين أو جماعة منهم بغير أعيانهم لم تسمع وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي تسمع ويستحلف خمسون منهم لان الانصار ادعوا القتل على يهود خيبر ولم يعينوا القاتل فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم دعواهم ولنا انها دعوى في حق فلم تسمع على غير معين كسائر الدعاوى فأما الخبر فان دعوى الانصار التي سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن الدعوى التي بين الخصمين المختلف فيها فان تلك من شرطها حضور المدعى عليه عليه عندهم أو تعذر حضوره عندنا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ان الدعوى لا تصح الا على واحد بقوله (تقسمون على رجل منهم فيدفع اليكم برمته) وفي هذا بيان ان الدعوى لا تصح على غير معين
[ فصل ] فأما ادعى القتل من غير وجود قتل ولا عداوة فهي كسائر الدعاوى في اشتراط تعيين المدعى عليه وان القول قوله لا نعلم فيه خلافا (الحال الثاني) انه إذا ادعى القتل ولم يكن عداوة ولا لوث فانه لا يحكم على المدعى عليه بيمين ولا بشئ في احدى الروايتين ويخلى سبيله هذا الذي ذكره الخرقي، سواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا لانها دعوى فيما لا يجوز بذله فلم يستحلف فيها كالحدود، ولانه لا يقضى في هذه الدعوى بالنكول فلم يحلف فيها كالحدود (والثانية) يستحلف وبه قال الشافعي وهو الصحيح لعموم قوله عليه السلام (اليمين على المدعى عليه) وقوله عليه السلام (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم ظاهر في ايجاب اليمين ههنا لوجهين (أحدهما) عموم اللفظ فيه (والثاني) ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في صدر الخبر بقوله (لا دعى قوم دماء رجال وأموالهم - ثم عقبه بقوله - ولكن اليمين على المدعى عليه) فيعود إلى المدعى عليه المذكور في الحديث، ولايجوز اخراجه منه الا بدليل أقوى منه، ولانها دعوى في حق آدمى فيستحلف كدعوى
المال ولانها دعوى لو أقر بها لم يقبل رجوعه عنها فيجب اليمين فيها كالاصل المذكور.
إذا ثبت هذا فالمشروع يمين واحدة وعن أحمد انه يشرع خمسون يمينا لانها دعوى في القتل فيشرع فيها خمسون يمينا كما لو كان بينهم لوث وللشافعي فيها كالروايتين
ولنا ان قوله عليه الصلاه والسلام (ولكن اليمين على المدعى عليه) ظاهر في أنها يمين واحدة لوجهين (أحدهما) أنه وحد اليمين فينصرف إلى واحدة (الثاني) انه لم يفرق في اليمين المشروعة في الدم والمال ولانها يمين يعضدها الظاهر والاصل فلم تغلظ كسائر الايمان، ولانها يمين مشروعة في جنبة المنكر ابتداء فلم تغلظ بالتكرير كسائر الايمان وبهذا فارق ما ذكروه (فصل) فان نكل المدعى عليه عن اليمين لم يجب القصاص بغير خلاف في المذهب، وقال أصحاب الشافعي ان نكل المدعى عليه ردت اليمين على المدعي فحلف خمسين يمينا واستحق القصاص أو الديه ان كانت الدعوى عمدا موجبا للقتل لان يمين المدعي مع نكول المدعى عليه كالبينة أو الاقرار والقصاص يجب بكل واحد منهما ولنا أن القتل يثبت ببينة ولا اقرار ولم يعضده لوث فلم يجب القصاص كما لو لم ينكل ولا يصح الحاق الايمان مع النكول ببينة ولا اقرار لانها أضعف منها بدليل انها لاتشرع الاعند عدمهما فتكون بدلا عنهما والبدل أضعف من المبدل ولا يلزم من ثبوت الحكم بالاقوى ثبوته بالاضعف ولا يلزم من وجوب الدية وجوب القصاص لانه لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال ولا بالشاهد واليمين ويحتاط له ويدرأ بالشبهات والدية بخلافه، فاما الدية فتثبت بالنكول عند من يثبت المال به أو يرد اليمين على المدعي
فيحلف يمينا واحدة ويستحقها كما لو كانت الدعوى في مال وسواء كانت الدعوى عمدا أو خطأ فان العمد متى تعذر ايجاب القصاص فيه وجب به المال وتكون الدعوى ههنا كسائر الدعاوى والله علم (الثالث) اتفاق الاولياء في الدعوى فان ادعى بعضهم وأنكر بعض لم تثبت القسامة) من شرط ثبوت القسامة اتفاق الاولياء على الدعوى فان كذب بعضهم بعضا فقال أحدهم قتله
هذا وقال الآخر لم يقتله هذا أو قال بل قتله هذا الآخر لم تثبت القسامة نص عليه أحمد، وسواء كان المكذب عدلا أو فاسقا، وعن الشافعي ان القسامة لا تبطل بتكذيب الفاسق لان قوله غير مقبول ولنا انه مقر على نفسه بتبرئة من ادعى عليه أخوه فقبل كما لو ادعيا دينا لهما وانما لا يقبل قوله على غيره وأما على نفسه فهو كالعدل لانه لا يتهم في حقها، فاما ان لم يكذبه ولم يوافقه في الدعوى مثل ان قال أحدهما قتله هذا وقال الآخر لا نعلم قاتله فظاهر قوله ههنا ان القسامة لا تثبت وهو ظاهر كلام الخرقي لاشتراط دعاء الاولياء على واحد وهذا قول مالك، وكذلك ان كان أحد الوليين غائبا فادعى الحاضر دون الغائب أو ادعيا جميعا على واحد ونكل احدهما عن الايمان لم يثبت القتل في قياس قول الخرقي، ومقتضى قول أبي بكر والقاضي ثبوت القسامة وكذلك مذهب الشافعي لان أحدهما لم يكذب الآخر فلم تبطل القسامه كما لو كان احد الوارثين امرأة أو صغيرا، فعلى قولهم يحلف المدعي خمسين يمينا ويستحق نصف الدية لان الايمان ههنا بمنزلة البينة لا يثبت
شئ من الحق الا بعد كمال البينة فأشبه ما لو ادعى أحدهما دينا لابيهما فانه لا يستحق نصيبه من الدين الا ان يقيم بينة كامله ولنا انهما لم يتفقا في الدعوى فلم تثبت القسامة كما لو كذبه ولان الحق في محل الوفاق انما ثبت بايمانهما التي اقيمت مقام البينة ولا يجوز ان يقوم أحدهما مقام الآخر في الايمان كما في سائر الدعاوى فعلى هذا ان قدم الغائب فوافق أخاه أو عاد من لم يعلم فقال قد عرفنه هو الذي عينه أخي اقسما حينئذ وان قال أحدهما قتله هذا وقال الآخر قتله هذا وفلان فعلى قول الخرقي لا تثبت القسامة لانها لا تكون الاعلى واحد وعلى قول غيره يحلفان على من اتفقا عليه ويستحقان نصف الدية ولا يجب القود لانه انما يجب في الدعوى على واحد ويحلفان جميعا على هذا الذي اتفقا عليه على حسب دعواهما ويستحقان نصف الدية ولا يجب اكثر من نصف الدية لان أحدهما يكذب الآخر في النصف الآخر فبقي اللوث في حقه في نصف الدم الذي اتفقا عليه ولم يثبت في النصف الذي كذبه أخوه فيه، ولا يحلف الآخر على الآخر لان أخاه كذبه في دعواه عليه، وان قال أحدهما قتل أبي زيد وآخر لاأعرفه وقال الآخر قتله
عمرو وآخر لا أعرفه لم تثبت القسامة في ظاهر قول الخرقي لانها لا تكون الا على واحد ولانهما ما اتفقا في الدعوى على أحد ولا يمكن ان يحلفا على من لم يتفقا على الدعوى عليه والحق انما يثبت في محل الوفاق بايمان الجميع فكيف يثبت في الفرع بيامان البعض؟ وقال أبو بكر والقاضي تثبت القسامة وهذا مذهب الشافعي لانه ليس ههنا تكذيب فانه يجوز ان يكون الذي جهله كل واحد منهما
هو الذي عرفه أخوه فيحلف كل واحد منهما على الذي عينه خمسين يمينا ويستحق ربع الدية وان عاد كل واحد منهما فقال قد عرفت الذي جهلته وهو الذي عينه أخي حلف أيضا على الذي حلف عليه أخوه وأخذ منه ربع الدية، ويحلف خمسا وعشرين يمينا لانه يبني على ايمان أخيه فلم يلزمه أكثر من خمس وعشرين كما لو عرفه ابتداء، وفيه وجه آخر يحلف خمسين لان أخاه حلف خمسين يمينا، وللشافعي في هذا قولان كالوجهين، ويجئ في المسألة وجه آخر ان الاول لا يحلف أكثر من خمس وعشرين يمينا لانه انما يحلف على ما يستحقه والذي يستحقه النصف فيكون عليه نصف الايمان كما لو حلف أخوه معه، وان قال كل واحد منهما الذي كنت جهلته غير الذي عينه أخي بطلت القسامة التى أقسماها لان التكذيب يقدح في اللوث فيرد كل واحد منهما ما أخذ من الدية، وان كذب احدهما اخاه ولم يكذبه الآخر بطلت قسامة المكذب دون الذي لم يكذب
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: