الفقه الحنبلي - الديّة - الشجاج - العاقلة
(فصل) قال رضي الله عنه (وفي كل واحد من الشعور الاربعة الدية وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين) وبهذا قال أبو حنيفة والثوري وممن أوجب في الحاجبين الدية سعيد بن المسيب وشريح
والحسن وقتادة وروي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما انهما قالا في الشعر الدية وقال مالك والشافعي فيه حكومة واختاره ابن المنذر لانه اتلاف جمال من غير منفعة فلم تجب الدية كاليد الشلاء والعين القائمة ولنا أنه أذهب الجمال على الكمال فوجب فيه دية كاملة كأذن الاصم وأنف الاخشم وقولهم لا منفعة فيه ممنوع فان الحاجب يرد العرق عين العين ويفرقه وهدب العين يرد عنها ويصونها فجرى مجرى اجفانها وما ذكروه ينتقض بالاصل الذي قسنا عليه واليد الشلاء ليس جمالها كاملا (مسألة) (وفي كل حاجب نصفها وفي كل هدب ربعها) وجملة ذلك ان في إحدى الحاجبين نصف الدية لان كل شيئين فيهما الدية في أحدهما نصفها كاليدين وفي كل هدب ربعها لان الدية إذا وجبت في أربعة اشياء وجب في كل واحد ربعها كالاجفان (مسألة) (وفي بعض ذلك بقسطه من الدية يقدر بالمساحة كالاذنين ومارن الانف ولا فرق في هذه الشعور بين كونها كثيفة أو خفيفة جملية أو قبيحة أو كونها من صغير أو كبير) لان سائر ما فيه الدية من الاعضاء لا تفترق الحال فيه بذلك
(مسألة) (وانما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود)
مثل ان يقلب على رأسه ماء حارا فيتلف منبت الشعر فينقطع بالكلية بحيث لا يعود وان رجي عوده إلى مدة انتظر إليها (مسألة) (فان عاد سقطت الدية) إذا عاد قبل أخذ الدية لم تجب فان عاد بعد أخذها ردها والحكم فيه كالحكم في ذهاب السمع والبصر فيها يرجى عوده ما لا يرجى (مسألة) (وان بقي من لحيته ما لا جمال فيه أو من غيره من الشعور ففيه وجهان) (أحدهما) يؤخذ بالقسط لانه محل يجب في بعضه بحصته فاشبه الاذن ومارن الانف (والثاني) تجب الدية كاملة لانه أذهب المقصود كله فاشبه ما لو أذهب ضوء العينين ولان جنايته ربما احوجت إلى اذهاب الباقي لزيادته في القبح على ذهاب الكل فتكون جنايته سببا لذهاب الكل فاوجبت ديته كما لو ذهب بسراية الفعل أو كما لو احتاج في دواء شجة الرأس إلى ما اذهب ضوء عينه (مسألة) (ولا قصاص في شئ من هذه الشعور) لان اتلافها انما يكون بالجناية على محلها وهو غير معلوم المقدار ولا تمكن المساواة فيه فلا يجب القصاص فيه (مسألة) (وان قلع الجفن بهدبه لم يجب إلا دية الجفن) لان الشعور تزول تبعا لزوال الاجفان فلم يجب فيه شئ كالاصابع إذا قطع الكف وهي عليه
(مسألة) (وان قلع اللحنين بما عليهما من الاسنان وجبت ديتهما ودية الاسنان) ولم تدخل دية الاسنان في الجنين كما تدخل دية الاصابع في اليد لوجوه (احدها) ان الاسنان ليست متصلة باللحيين وأنما هي مغرزة فيها بخلاف الاصابع (الثاني) ان أحدهما ينفرد باسمه عن الآخر بخلاف الاصابع مع الكف فان اسم اليد بشملهما (الثالث ان اللحيين يوجدان منفردين عن الاسنان فانهما يوجدان قبل وجود الاسنان ويبقيان بعد قلعهما بخلاف الكف مع الاصابع (مسألة) (وان قطع كفا باصابعه لم يجب إلا دية الاصابع) لدخول الجميع في مسمى اليد وكما لو قطع ذكرا بحشفته لم يجب إلا دية الحشفة لدخولها في مسمى الذكر (مسألة) (وان قطع كفا عليه بعض الاصابع دخل ما حاذى الاصابع في ديتها وعليه ارش باقي الكف)
لان الاصابع لو كانت سالمة كلها لدخل ارش الكف كله في دية الاصابع فكذلك ما حاذي الاصابع السالمة يدخل في ديتها وما حاذى المقطوعات ليس ما يدخل في ديته فوجب ارشه كما لو كانت الاصابع كلها مقطوعة (مسألة) (وان قطع انملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها) كما لو قطع كفا باصابعها أو جفنا بهدبه (فصل) وفي عين الاعور دية كاملة نص عليه وبذلك قال الزهري ومالك والليث وقتادة وإسحاق وقال مسروق وعبد الله بن مغفل والنخعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي فيها نصف الدية لقوله عليه
الصلاة السلام " وفي العين خمسون من الابل " وقوله عليه السلام " وفي العينين الدية " يقتضي ان لا يجب فيها أكثر من ذلك سواء قلعهما واحد أو ثان في وقت واحد أو في وقتين وقالع الثانية قالع عين أعور فلو وجب عليه دية لوجب فيهما دية ونصف، ولان ما يضمن بنصف الدية مع نظيره يضمن به مع ذهابه كالاذن ويحتمل هذا كلام الخرقي لقوله وفي العين الواحدة نصف الدية ولم يفرق ولنا أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا في عين الاعور بالدية ولا نعلم لهم في الصحابة مخالفا فتكون اجماعا ولان قلع عين الاعور يتضمن اذهاب البصر كله فوجبت الديه كما لو اذهبه من العينين، ودليل ذلك أنه يحصل بها ما يحصل بالعينين فأنه يرى الاشياء البعيدة ويدرك الاشياء اللطفية ويعمل أعمال البصراء ويجوز ان يكون قاضيا ويجزي في الكفارة وفي الاضحية إذا لم تكن العين مخسوفة فوجب في بصره دية كاملة كذى العينين: فان قيل فعلى هذا ينبغي ان لا يجب في ذهاب إحدى العينين نصف الدية لانه لم ينقص، قلنا لانه لا يلزم من وجوب شئ من دية العينين نقص دية الباقي بدليل ما لو جنى عليهما فاحول * نا أو عمشا أو نقص ضوؤهما فانه يجب أرش النقص ولا تنقص ديتهما بذلك ولان النقص الحاصل لم يؤثر في تنقيص أحكامه ولا هو مضبوط في تفويت النفع فلم يؤثر في تنقيص الدية، قلت ولولا ما روي عن الصحابة لكان القول الآخر اولى لظاهر النص والقياس على ذهاب سمع احدى الاذنين وما ذكر من المعاني فهو موجود فيما إذا ذهب سمع أحد الاذنين ولم يوجبوا في الباقي دية كاملة
(مسألة) (وان قلع الاعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا فلا قصاص وعليه دية كاملة) إذا قلع الاعور عين صحيح نظرنا فان قلع العين التي لا تماثل عينه الصحيحة أو قلع المماثلة خطأ فليس عليه إلا نصف الدية لا نعلم فيه خلافا لان ذلك هو الاصل، وان قلع المماثلة لعينه الصحيحة عمدا فلا قصاص وعليه دية كاملة وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء ومالك في احدى روايتيه وقال في الاخرى عليه نصف الدية ولا قصاص، وقال المخالفون في المسألة الاولى له القصاص لقوله تعالى (والعين بالعين) وان اخبار الدية فله نصفها للخبر ولانه لو قلعها غيره لم يجب فيها إلا نصف الدية فلم يجب فيه إلا نصفها كالعين الاخرى ولنا عن عمر وعثمان رضي الله عنهما قضيا بمثل مذهبنا ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان اجماعا ولاننا منعناه من اتلاف ضوء يضمن بدية كاملة فوجبت عليه دية كاملة كما لو قلع عيني سليم ثم عمي الجاني ويتحمل ان يقلع عينه ويعطى نصف الدية لان ذلك يروي فيه أثر وقد روي عن علي رضي الله عنه في الرجل إذا قتل امرأة يقتل بها ويعطى نصف الدية (مسألة) (وان قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شئ له غيرها وبين الدية) إذا قلع الاعور عيني صحيح عمدا فان شاء قلع عينه ولا شئ له لان عينه له فيها دية كاملة لما ذكرنا من قضاء الصحابة رضي الله عنهم فيها بالدية ولانه أذهب بصره كله فلم يكن له أكثر من اذهاب بصره
وهو مبني على قضاء الصحابة وان عين الاعور تقوم مقام العينين وأكثر أهل العلم على ان له القصاص ونصف الدية للعين الاخرى وهو مقتضي الدليل والله أعلم فاما ان قلعهما خطأ فليس له إلا الدية كاملة كما لو قلعها صحيح العينين وذكر القاضي فيما إذا قلعهما عمدا ان قياس المذهب وجوب ديتين إحداهما في العين التي استحق بها قلع عين الاعور والاخرى في الاخرى لانها عين الاعور ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " وفي العينين الدية " ولانه قلع عينين فلم يلزمه اكثر من الدية كما لو كان القالع صحيحا ولانه لم يزد على تفويت منفعة الجنس فلم يزد على الدية كما لو قطع أذنيه وما ذكره القاضي لا يصح لان وجوب الدية في احدى عينيه لا يجعل الاخرى عين أعور على ان وجوب الدية بقلع إحدى العينين
قضية مخالفة للخبر والقياس صرنا إليها لاجماع الصحابة عليها فيما عدا موضع الاجماع يجب العمل بهما والبقاء عليهما (مسألة) (وفي يد الا * قطع نصف الدية وكذلك في رجله وعنه فيها دية كاملة وان اختار القصاص فله ذلك) لانه عضو أمكن القصاص في مثله فكان الواجب فيه القصاص أو دية مثله كما لو قطع اذن من له اذن واحدة وعن أحمد رواية اخرى ان الاولى ان كانت قطعت ظلما وأخذ ديتها أو قطعت قصاصا ففيها نصف ديتها وان قطعت في سبيل الله ففي الباقية دية كاملة لانه عطل منافعه من العضوين جملة فاشبه
قلع عين الاعور والصحيح الاول لان هذا أحد العضوين الذين تحصل بهما منفعة الجنس لا يقوم مقام العضوين فلم يجب فيه دية كاملة كسائر الاعضاء وكما لو كانت الاولى أخذت قصاصا أو في غير سبيل الله ولا يصح القياس على عين الاعور لثلاثة وجوه (احدها) ان عين الاعور حصل فيها ما يحصل بالعينين ولم يختلفا في الحقيقة والاحكام إلا اختلافا يسيرا بخلاف اقطع اليد الرجل (والثاني) ان عين الاعور لم يختلف الحكم فيها باختلاف صفة ذهاب الاولى وههنا اختلف (الثالث) ان هذا التقدير والتعيين على هذا الوجه أمر لا يصار إليه بمجرد الرأي ولا توقيف فيه فيصار إليه ولا نظير له فيقاس عليه فالمصير إليه تحكم بغير دليل فيجب اطراحه فاما ان قطعت اذن من قطعت اذنه أو منخر من قطع منخره لم يجب فيه أكثر من نصف الدية رواية واحدة لان منفعة كل اذن لا تتعلق بالاخرى بخلاف العينين
(باب الشجاج وكسر العظام) الشجة اسم لجرح الرأس الوجه خاصة وهي عشر، خمس لا مقدر فيها (اولها) الحارصة وهي التي تحرص الجلد أي تشقة قليلا ولا تدميه (ثم البازلة) وهي الدامية التي يخرج منها دم يسير (ثم الباضعة) وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم (المتلاحمة) وهي التي تترك في اللحم ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب
وجملة ذلك ان الشجاع عشر خمس لا توقيت فهيا، أولها الحارصة قاله الاصمعي وهي التي تشق الجلد قليلا يعني تقشر شيئا يسيرا من الجلد لا يظهر منه دم ومنه حرص الفصار الثوب إذا شقه قليلا وقال بعضهم هي الحرصة ثم البازلة وهي التي ينزل منها الدم أي يسيل وتسمى الدامية أيضا والدامعة لقلة سيلان دمها تشبيها له بخروج الدمع من العين ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم يعني دخلت فيه دخولا كثيرا تزيد على الباضعة ولم تبلغ السمحاق ثم السمحاق وهي التي تصل إلى قشرة رقيقة فوق العظم تسمى تلك القشرة سمحاقا وسميت الجراح الواصلة إليها بها ويسميها أهل المدينة الملطا والملطاه وهي تأخذ اللحم كله حتى تخلص منه وهذه الشجاج الخمس لا توقيت فيها في ظاهر المذهب وهو قول أكثر الفقهاء يروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن أحمد رواية أخرى ان في الدامية بعيرا وفي الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة وفي المسحاق أربعة ابعرة لان ذلك يروى عن زيد بن ثابت وروي عن علي رضي الله عنه في السمحاق مثل ذلك رواه سعيد عنهما وعن عمر وعثمان فيها نصف ارش الموضحة والصحيح الاول فانها جراحات لم يرد فيها توقيت في الشرع فكان الواجب فيها حكومة كجراحات البدن
روى عن مكحول قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الابل ولم يقض فيها دونها ولانه لم يثبت فيها مقدر له بتوقيف ولا قياس يصح فوجب الرجوع إلى الحكومة كالحارصة وذكر القاضي انه متى أمكن اعتبار هذه الجراحات من الموضحة مثل أن يكون في رأس المجني عليه موضحة إلى جانبها قدرت هذه الجراحة منها فان كانت بقدر النصف وجب نصف ارش الموضحة وإن كانت بقدر الثلث وجب ثلث الارش وعلى هذا الا أن تزيد الحكومة على قدر ذلك فيوجب ما تخرجه الحكومة فإذا كانت الجراحة قدر نصف الموضحة وشينها ينقص قدر ثلثيها فيوجب ثلثي ارش الموضحة وإن نقصت الحكومة أقل من النصف أوجب النصف فيوجب الاكثر مما تخرجه الحكومة أو قدرها من الموضحة لانه اجتمع سببان موجبان الشين وقدرها من الموضحة فوجب فيها والدليل على ايجاب هذا المقدار ان هذا اللحم فيه مقدر فكان في بعضه بقدره من ديته كالمارن والحشفة والشفة والجفن وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا: وهذا لا نعلمه
مذهبا لاحمد ولا يقتضيه مذهبه ولا يصح لان هذه جراحة تجب فيها الحكومة فلا يجب فيها مقدر كجراحات البدن ولا يصح قياس هذا على ما ذكروه فانه لا تجب فيه الحكومة ولا نعلم لما ذكروه نظيرا وما لم يكن فيه من الجراح توقيف ولم يكن نظيرا لما وقتت ديته ففيه حكومة أما الذي فيه توقيت فهو الذي نص النبي صلى الله عليه وسلم عليه بين قدر ديته كقوله " في الانف وفي اللسان الدية " وأما نظيره فهو ما كان في معناه ومقيسا عليه كالاليتين والثديين والحاجين وقد ذكرناه فما لم يكن من الموقت ولا مما يمكن قياسه
كالشجاج التي دون الموضحة وجراح البدن سوى الجائفة وقطع الاعضاء وكسر العظام فليس فيه الا الحكومة (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وخمس فيها مقدر أولها الموضحة وهي التي توضح العظم أي تبرزه والوضح البياض) يعني أنها أبدت وضح العظم أي بياضه وأجمع أهل العلم على أن ارشها مقدر قاله ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الموضحة خمس من الابل " وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في المواضح خمس خمس " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن وانما يجب ذلك في موضحة الحر فأما موضحة العبد فقد ذكرنا الخلاف فيها وموضحة المرأة كموضحة الرجل فيما يجب فيها عند أحمد رحمه الله لان المرأة تساوي جراحها جراح الرجل إلى ثلث الدية وعند الشافعي أن موضحة المرأة انما يجب فيها نصف ما وجب في موضحة الرجل بناء على مذهبه في أن جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في القليل والكثير والحديث الذي ذكرناه حجة عليه وفيه كفاية وأكثر أهل العلم على أن الموضحة في الرأس والوجه سواء وهو ظاهر المذهب روي ذلك عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وبه قال شريح ومكحول والشعبي والنخعي والزهري وربيعة وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق، وعن أحمد أن في موضحة الوجه عشرة أبعرة روي ذلك عن سعيد بن المسيب لان شينها أكثر وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة وقال مالك: إذا كانت في أنف أو في اللحي الاسفل ففيها حكومة لانها تبعد عن الدماغ فأشبهت موضحة سائر البدن
ولنا عموم الاحاديث وقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: الموضحة في الرأس والوجه سواء
ولانها موضحة فكان ارشها خمسا من الابل كغيرها مما سلموه ولا عبرة بكثرة الشين بدليل التسوية بين الكبيرة والصغيرة وما ذكرناه مالك لا يصح فان الموضحة في الصدر أكثر ضررا وأقرب إلى القلب ولا مقدر فيها ولان ما قاله مخالف لظاهر النص، وقد روي عن أحمد أنه قال موضحة الوجه أحرى أن يزاد في ديتها وليس معنى هذا أنه يجب فيها أكثر انما معناه والله أعلم أولى بايجاب الدية فانها إذا وجبت في موضحة الرأس مع قلة شينها واستتارها بالشعر وغطاء الرأس خمس من الابل فلان يجب ذلك في الوجه الظاهر الذي هو مجمع المحاسن وعنوان الجمال أولى وحمل كلام أحمد على هذا أولى من من حمله على ما يخالف الخبر والاثر وقول أكثر أهل العلم بغير توقيف ولا قياس صحيح (فصل) ويجب ارش الموضحة في الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستورة بالشعر لان اسم الموضحة يشمل الجميع وحد الموضحة ما أفضى إلى العظم ولو بقدر ابرة ذكره ابن القاسم والقاضي (فصل) وليس في الموضحة غير الرأس والوجه مقدر في قول أكثر أهل العلم منهم امامنا ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر قال ابن عبد البر ولا يكون في البدن موضحة يعني ليس فيها مقدر، على ذلك جماعة العلماء الا الليث بن سعد قال الموضحة تكون في الجسد أيضا وقال الاوزاعي
في جراحة الجسد: على النصف من جراحة الرأس، وحكي نحو ذلك عن عطاء الخراساني قال في الموضحة في سائر الجسد خمسة وعشرون دينارا ولنا أن اسم الموضحة انما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس وقول الخليفتين الراشدين الموضحة في الرأس والوجه سواء يدل على أن باقي الجسد بخلافه ولان الشين فيما في الرأس والوجه أكثر وأخطر مما في سائر البدن فلا يلحق به ثم ايجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر من ديته مثل أن يوضح أنملة ديتها ثلاثة وثلث وية الموضحة خمس وأما قول الاوزاعي وعطاء الخراساني فتحكم لا نص فيه ولا يقتضيه القياس فيجب اطراحه (مسألة) (قال عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان؟ على وجهين) إذا أوضحة في رأسه ومدها إلى وجهه فعلى وجهين (أحدهما) هي موضحة واحدة لان الوجه
والرأس سواء في الموضحة فصارا كالعضو الواحد (والثاني) هما موضحتان لانه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا ذكر شيخنا في الكتاب المشروح قال: إذا عمت الرأس ولم يذكره في كتابيه المغني والكافي أطلق القول فيما إذا كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه وإن لم تعم الرأس فيها الوجهان وهو الذي يقتضيه الدليل المذكور والله أعلم (مسألة) (وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة من الابل ارش موضحتين) لانهما موضحتان فان خرق ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة فيجب ارش موضحة
فصار كما لو أوضح الكل من غير حاجز فان اندملتا ثم ازال الحاجز بينهما فعليه ارش ثلاث مواضح لانه استقر عليه ارش الاولتين بالاندمال ثم لزمته دية الثالثة وإن اندملت احداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الاخرى فعليه ارش موضحتين (مسألة) (فان خرقه أجنبي فعلى الاول ارش موضحتين وعلى الثاني ارش موضحة) لان فعل احداهما لا يبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته وإن أزاله المجني عليه وجب على الاول ارش موضحتين لان ما وجب بجنايته لا يسقط بفعل غيره (مسألة) (فان اختلفنا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه) إذا قال الجاني أنا شققت ما بينهما وقال المجني عليه بل أنا أو أزالها آخر سواك كان القول قول المجني عليه لان سبب ارش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره فالقول قول المنكر لان الاصل معه.
ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الابل فان قطع الرابعة عاد إلى عشرين فان اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه لما ذكرنا وهذا على مذهبنا لان عندنا أن جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث فإذا زادت صارت إلى النصف (مسألة) (وإن خرق ما بينهما في الباطن بأن قطع اللحم الذي بينهما وترك الجلد الذي فوقهما ففيها وجهان) (أحدهما) يلزمه ارش موضحتين لانفصالهما في الظاهر
(والثاني) ارش موضحة لاتصالهما في الباطن، وان جرحه جراحا واحدة أوضحه في طرفها وباقيها دون الموضحة ففيه ارش موضحتين لان ما بينهما ليس بموضحة (مسألة) (وان شج جميع رأسه سمحاقا الا موضعا منه أوضحه فعليه ارش موضحة) إذا شجه في رأسه شجة بعضها موضحة وبعضها دون الموضحة لم يلزمه أكثر من ارش موضحة لانه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من ذلك فلان لا يلزمه في الايضاح في البعض أكثر من ذلك أولى وهكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من ارش هاشمة، وإن كانت منقلة وما دونها أو مأمومة وما دونها فعليه ارش منقلة أو مأمومة لما ذكرنا (مسألة) (ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشر من الابل) سميت هاشمة لهشمها العظم ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقدير وأكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على ان إرشها مقدرة بعشر من الابل روى ذلك قبيصة بن ذويب عن زيد بن ثابت وبه قال قتادة والشافعي والعنبري ونحوه قول الثوري وأصحاب الرأي الا انهم قدروها بعشر الدية من الدراهم وذلك على قولهم الف درهم وكان الحسن لا يوقت فيها شيئا، وحكي عن مالك انه قال لا اعرف الهاشمة لكن في الايضاح خمس وفي الهشم حكومة قال ابن المنذر والنظر يدل على قول الحسن إذ لا سنة فيها ولا إجماع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقدير فوجبت فيها الحكومة كما دون الموضحة
ولنا قول زيد ومثل ذلك الظاهر انه توقيف ولانه لا يعرف له مخالف في عصره ولانها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة (فصل) والهاشمة في الوجه والرأس خاصة كما ذكرنا في الموضحة فان هشمه هاشمتين بينهما حاجز ففيهما عشرون من الابل على ما ذكرنا من التفصيل في الموضحة وتنوى الهاشمة الصغيرة والكبيرة كالموضحة وان شجه شجة بعضها موضحة وبعضها هاشمة وبعضها سمحاق وبعضها متلاحمة وجب ارش الهاشمة لانه لو كان جميعها هاشمة أجزأ ارشها ولو انفرد القدر المهشوم وجب ارشها فلا ينتقص ذلك بما زاد من الارش في غيرها
(مسألة) (فان ضربه بمنقل فهشمه من غير ان يوضحه ففيه حكومة ولا تجب دية الهاشمة بغير خلاف) لان الارش المقدر وجب في هاشمة معها موضحة وفي الواجب فيها وجهان (أحدهما) حكومة لانه كسر عظم لا جرح معه فأشبه كسر قصبة الانف (والثاني) فيها خمس من الابل لانه لو أوضح وهشم لوجب عشر خمس في الايضاح وخمس في الهشم فإذا وجد احدهما وجب خمس كالايضاح وحده (فصل) فان أوضحه موضحتين هشم العظم في كل واحدة منهما واتصل الهشم في الباطن فهما
هاشمتان لان الهشم انما يكون تبعا للايضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فانها ليست تبعا لغيرها فافترقا (مسألة) (ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الابل) المنقلة زائدة على الهاشمة وهي التي تكسر العظام وتزيلها عن مواضعها فيحتاج إلى نقل العظم ليلتئم وفيها خمس عشرة من الابل باجماع من اهل العلم حكاه ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي المنقلة خمس عشرة من الابل " وفي تفصيلها ما في تفصيل الموضحة والهاشمة على ما مضى (مسألة) (ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسم ام الدماغ وتسمى المأمومة آمة) قال ابن عبد البر أهل العراق يقولون الآمة وأهل الحجاز المأمومة وهي الجراحة الواصلة إلى ام الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ تسمى ام الدماغ لانها تحوطه وتجمعه فإذا وصلت الجراحة إليها سميت آمة ومأمومة وارشها ثلث الدية في قول عامة اهل العلم الا مكحولا فانه قال ان كانت عمدا ففيها ثلثا الدية وان كانت خطأ ففيها ثلثها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم " وفي المأمومة ثلث الدية " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وروي نحوه عن علي ولانها شجة فلم يختلف ارشها بالعمد والخطأ في المقدار كسائر
الشجاج، ثم الدامغة وهي التي تجرح الجلد ففيها ما في المأمومة، قال القاضي لم يذكر أصحابنا الدامغة لمساواتها المأمومة في ارشها وقيل فيها مع ذلك حكومة لخرق جلدة الدماغ ويحتمل انهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب (فصل) فان أوضحه رجل ثم هشمه الثاني ثم جعلها الثالث منقلة ثم جعلها الرابع مأمومة فعلى الاول ارش موضحة وعلى الثاني خمس تمام ارش الهاشمة وعلى الثالث خمس تمام ارش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث تمام ارش المأمومة (فصل) وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر وهذا قول عامة أهل العلم منهم أهل المدينة والكوفة وأهل الحديث وأصحاب الرأي الا مكحولا قال فيها في العمد ثلثا الدية ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم " وفي الجائفة ثلث الدية " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ولانهما جراحة فيها مقدر فلم يختلف قدر ارشها بالعمد والخطا كالموضحة ولا نعلم في جراح البدن الحالية عن قطع الاعضاء وكسر العظام مقدرا غير الجائفة، وذكر ابن عبد البر ان مالكا وأبا حنيفة والشافعي والتى وأصحابهم اتفقوا على ان الجائفة لا تكون إلى في الجوف وقال ابن القاسم الجائفة ما أفضى إلى الجوف ولو بمغرز ابرة
(فصل) وان أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثلثا الدية وان خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثلث الدية لا غير، وان خرق ما بينهما أجنبي أو المجني عليه فعلى الاول ثلثا الدية وعلى الاجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعل المجني عليه، وان احتاج إلى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو خرقها ولي المجني عليه لذلك أو الطبيب بأمره فلا شئ عليه في خرق الحاجز وعلى الاول ثلثا الدية (مسألة) (وان خرقه من جانب فخرج من الجانب الآخر فهي جائفتان) هذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء وقتادة ومجاهد ومالك والشافعي وأصحاب الرأي قال
ابن عبد البر لا أعلمهم يختلفون في ذلك وحكي عن بعض أصحاب الشافعي انه قال هي جائفة واحدة وحكي أيضا عن أبي حنيفة لان الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن إلى الجوف وهذه الثانية انما نفذت من الباطن إلى الظاهر ولنا ما روى سعيد بن المسيب ان رجلا رمى رجلا بسهم فانفذه فقضى أبو بكر رضي الله عنه بثلثي الدية ولا مخالف له فيكون اجماعا أخرجه سعيد بن منصور في سننه وروي عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان عمر رضي الله عنه قضى في الجائفة إذا نفذت إلى الجوف بارش جائفتين ولانه انفذه من موضعين فكان جائفتين كما لو انفذه بضربتين، وما ذكروه لا يصح فان الاعتبار بوصول الجرح إلى
الجوف لا بكيفية ايصاله إذ لا أثر لصورة لفعل مع التساوي في المعنى ولان ما ذكروه من الكيفية ليس بمذكور في خبر وانما الغالب والعادة وقوع الجائفة هكذا فلا يعتبر كما ان العادة والغالب حصولها بالحديد ولو حصلت بغيره لكانت جائفة ثم ينتقض ما ذكروه بما لو ادخل يده في جائفة انسان فخرق بطنه من موضع آخر فانه يلزمه ارش جائفة بغير خلاف نعلمه ولذلك يخرج فيمن أوضح انسانا في رأسه ثم أخرج رأس السكين من موضع آخر فهي موضحتان وان هشمه هاشمة لها مخرجان فهي هاشمتان وكذلك ما اشبهه (فصل) فان ادخل أصبعه في فرج بكر فأذهب بكارتها فليس بجائفة لان ذلك ليس بجوف (مسألة) (وان طعنه في خده فوصل إلى فيه ففيه حكومة) لان باطن الفم حكمه حكم الظاهر لا حكم الباطن ويحتمل ان تكون جائفة لان جرح وصل إلى جوف مجوف فاشبه ما لو وصل إلى البطن (فصل) فان طعنه في وجنته فكسر العظم ووصل إلى فيه فليس بجائفة لما ذكرنا وقال الشافعي في احد قوليه هو جائفة لانه قد وصل إلى جوف وقد ذكرنا ان باطن الفم في حكم الظاهر بخلاف الجوف، فعلى هذا يكون عليه دية هاشمة لكسر العظم وفيما زاد حكومة، وان جرحه في أنفه فأنفذه فهو كما لو جرح في وجنته فانفذه إلى فيه في الحكم والخلاف، وان جرحه في ذكره فوصل إلى مجرى البول من الذكر فليس بجائفة لانه ليس بجوف يخاف التلف من الوصول إليه بخلاف غيره
(مسألة) (وان جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك)
إذا جرحه في فخذه ومد السكين حتى بلغ الورك فاجافه فيه أو جرح الكتف ومد السكين حتى بلغ الصدر فاجافه فيه فعليه أرش الجائفة وحكومة في الجرح لان الجرح في غير موضع الجائفة فانفردت بالضمان كما لو لم يكن معها جائفة، وان أوضحه فوصل إلى قفاه فعليه دية موضحة لانه أوضحه وعليه حكومة لجرح القفا كما لو انفرد (مسألة) (وان اجافه ووسع آخر الجرح فهما جائفتان وعلى كل واحد منهما ارش جائفة) لان فعل كل واحد منهما لو انفرد كان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى فعل غيره لان فعل الانسان لا ينبني على فعل غيره، وان وسعها الطبيب باذنه أو اذن وليه فلا شئ عليه (مسألة) (وان وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة) لان جنايته لم تبلغ الجائفة (فصل) وان ادخل السكين في الجائفة ثم اخرجها عزر ولا شئ عليه وان خاطها فجاء آخر فقطع الخيط وأدخل السكين فيها قبل ان تلتحم عزر أشد من التعزير الذي قبله وغرم ثمن الخيوط واجر الخياط ولم يلزمه ارش جائفة لانه لم يجفه (مسألة) (وان التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة اخرى عليه ارشها) لانه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وان التحم بعضها دون بعض ففتق ما التحم فعليه أرش جائفة لما ذكرنا، وان فتق غير ما التحم فليس عليه ارش الجائفة وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل
ان يلتحم منها شئ، وان فتق بعض ما التحم في الظاهر دون الباطن أو الباطن دون الظاهر فعليه حكومة كما لو وسع جرحه كذلك (فصل) ومن وطئ زوجته وهي صغيرة ففتقها لزمه ثلث الدية، ومعنى الفتق خرق ما بين مسلك البول والمني وقيل بل معناه خرق ما بين القبل والدبر إلا ان هذا بعيد لانه يبعد ان يذهب بالوطئ
ما بينهما من الحاجز فانه حاجز غليظ قوي.
والكلام في ذلك في أمرين (أحدهما) في أصل وجوب الضمان (والثاني) في قدره اما الاول فان الضمان انما يجب بوطئ الصغيرة أو النحيفة التي لا تحمل الوطئ دون الكبيرة التحملة له وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يجب الضمان في الجميع لانه جنايه فيجب الضمان به كما لو كان في أجنبية ولنا أنه وطئ مستحق فلم يجب ضمان ما تلف به كالبكارة ولانه فعل مأذون فيه ممن يصح اذنه فلم يضمن ما تلف بسرايته كما لو اذنت في مداواتها بما يفضي إلى ذلك، وكقطع السارق واستيفاء القصاص وعكسه الصغيرة والمكرهة على الزنا.
إذا ثبت هذا فانه يلزمه المهر المسمى في النكاح مع ارش الجناية ويكون ارش الجناية في ماله ان كان عمدا محضا وهو ان يعلم أنها لا تطيقه وان وطأه يفضيها، فاما ان علم ذلك وكان مما يحتمل ان لا يفضي إليه فهو عمد الخطأ فيكون عاقلته إلا على قول من قال ان العاقلة لا تحمل عمد الخطأ فيكون في ماله (الثاني) في قدر الواجب وهو ثلث الدية وبه قال قتادة
وأبو حنيفة وقال الشافعي تجب الدية كاملة وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز لانه اتلف منفعة الوطئ فلزمته الدية كما لو قطع اسكتيها ولنا ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في الافضاء بثلث الدية ولم نعرف له في الصحابة مخالفا ولان هذه جناية تخرق الحاجز بين مسلك البول والذكر فكان موجبها ثلث الدية كالجائفة ولا نسلم انها تمنع الوطئ وأما قطع الاسكتين فانما اوجب الدية لانه قطع عضوين فيهما نفع وجمال فاشبه الشفتين (فصل) فان استطلق بولها مع ذلك لزمته دية من غير زيادة وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي تجب دية وحكومة لانه فوت منفعتين فلزمه ارشهما كما لو فوت كلامه وذوقه ولنا أنه اتلاف عضو واحد لم يفت غير منافعه فلم يضمنه باكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب ذوقه وكلامه وما قاله لا يصح لانه لو أوجب دية المنفعتين لاوجب ديتين لان استطلاق البول موجب لدية والافضاء عنده موجب للدية منفردا ولم يقل به وإنما أوجب الحكومة ولم يوجد مقتضيها فانا لا نعلم احدا اوجب في الافضاء حكومة فان اندمل الحاجز وانسد وزال الافضاء لم يحدث ثلث
الدية ووجبت حكومة لجبر ما حصل من النقص
(فصل) وان اكره امرأة على الزنا فافضاها لزمه ثلث ديتها ومهر مثلها لانه حصل بوطئ غير مستحق ولا مأذون فيه فلزمه ضمان ما تلف به كسائر الجنايات وهل يلزمه ارش البكارة مع ذلك؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يلزمه لان ارش البكارة داخل في مهر المثل فان مهر البكر أكثر من مهر الثيب فالتفاوت بينهما هو ارش عوض البكارة فلم يضمنه مرتين كما في حق الزوجة (والثانية) يضمنه لانه محل اتلفه بعدوانه فلزمه ارشه كما لو اتلفه باصبعه فاما المطاوعة على الزنا إذا كانت كبيرة ففتقها فلا ضمان عليه في فتقها وقال الشافعي يضمن لان المأذون فيه الوطئ دون الفتق فاشبه كما لو قطع يدها ولنا أنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه فلم يضمنه كارش بكارتها ومهر مثلها وكما لو اذنت في قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها وفارق ما إذا اذنت في وطئها فقطع يدها لان ذلك ليس من المأذون فيه ولا من ضرورته.
(فصل) وان وطئ امرأة بشبهة فافضاها فعليه ارش إفضائها مع مهر مثلها لان الفعل انما اذن فيه اعتقادا ان المستوفي له هو المستحق فإذا كان غيره ثبت في حقه وجوب الضمان لما اتلف كما لو اذن في اخذ الدين لمن يعتقد أنه مستحقه فبان أنه غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجب لها أكثر الامرين من مهر مثلها أو ارش افضائها لان الارش لاتلاف العضو فلا يجمع بين ضمانه وضمان منفعته كما لو قلع عينا
ولنا ان هذه جناية تنفك عن الوطئ فلم يدخل بدله فيها كما لو كسر صدرها وما ذكره غير صحيح فان المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع والارش يجب لاتلاف الحاجز فلا تدخل المنفعة فيه (فصل) وان استطلق بول المكرهة على الزنا والموطوءة بشبهة مع افضائها فعليه ديتهما والمهر وقال أبو حنيفة في الموطوءة بشبهة لا يجمع بينهما ويجب أكثرهما وقد سبق الكلام معه في ذلك (فصل) وفي الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران روى سعيد عن مطر عن قتادة عن سليمان بن عمر
وسفيان عن زيد بن اسلم عن اسلم عن عمر في الضلع جمل والترقوة جمل وقال الخرقي في الترقوة بعيران فظاهر قوله ان في كل ترقوة بعيرين فيكون في الترقوتين أربعة ابعرة وهذا قول زيد بن ثابت والترقوة العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف ولكل واحد ترقوتان وقال القاضي المراد بقول الخرقي الترقوتان معا وانما اكتفى بلفظ الواحد لادخال الالف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير وهذا قول عمر رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الملك بن مروان وسعيد بن جبير وقتادة وإسحاق وهو قول للشافعي والمشهور من قوله عند أصحابه ان في كل واحد مما ذكرنا حكومة وهو قول مسروق وأبي حنيفة ومالك وابن المنذر لانه عظم باطن لا يختص بجمال ومنفعة فلم يجب فيه ارش مقدر كسائر اعضاء البدن ولان التقدير انما يكون بتوقيف أو قياس صحيح وليس في هذا توقيف ولا قياس وروي عن الشعبي ان في الترقوة اربعين دينارا وقال عمرو بن
شعيب في الترقوتين الدية وفي إحداهما نصفها لانهما عضوان ومنفعة وليس في البدن غيرهما من جنسهما فكملت فيها الدية كاليدين ولنا قول عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وما ذكروه ينتقض بالهاشمة فانها كسر عظام باطنة وفيها مقدر ولا يصح قولهم إنها لا تختص بجمال ومنفعة فان جمال هذه العظام ونفعها لا يوجد في غيرها ولا مشارك لها فيه وأما قول عمرو بن شعيب فمخالف للاجماع فانا لا نعلم احدا قبله ولا بعده وافقه فيه (مسألة) (وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والساق بعيران) قال القاضي في الزند أربعة أبعرة لان فيها أربعة عظام ففي كل عظم بعير وهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي فيه حكومة لما تقدم ولنا ما روى سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في احد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر إن فيه بعيرين، وإذا كسر الزندين ففيهما أربعة من الابل ورواه أيضا من طريق آخر مثل ذلك وهذا لم يظهر له مخالف في الصحابة فكان اجماعا (فصل) ولا مقدر في غير هذه العظام في ظاهر قول الخرقي وهو قول أكثر أهل العلم وقال
القاضي في عظم الساق بعيران وفي الساقين أربعة أبعرة وفي الفخذ بعيران وفي الفخذين أربعة أبعرة فهذه تسعة عظام فيها مقدر الضلع والترقوتان والزندان والساقان والفخذان وما عداهما لا مقدر فيه
وقال ابن عقيل وأبو الخطاب وجماعة من أصحاب القاضي في كل واحد من الذراع والعضد بعيران وزاد أبو الخطاب عظم القدم لما روى سليمان بن يسار أن عمر قضى في الذراع والفخذ والساق والزند إذا كسر واحد منهما فجبر ولم يكن به دحور يعني عوجا بعير وإن كان فيها دحور فبحساب ذلك وهذا الخبر ان صح فهو مخالف لما ذهبوا إليه فلا يصلح دليلا عليه قال شيخنا: والصحيح ان شاء الله أنه لا تقدير في غير الخمس الضلع والترقوتين والزندين لان التقدير انما يثبت بالتوقيف ومقتضى الدليل وجوب الحكومة في هذه العظام الباطنة كلها وانما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر رضي الله عنه ففي ما عداه يبقى على مقتضى الدليل (مسألة) (وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه الحكومة) ولا نعلم فيها مخالفا، وإن خالف فيها أحد فهو قول شاذ لا يستند إلى دليل يعتمد عليه ولا يصار إليه وخرزة الصلب ان أريد بها كسر الصلب ففيه الدية وقال القاضي فيه حكومة وهو مذهب الشافعي وقد ذكرناه (مسألة) (والحكومة أن يقوم المجني عليه كانه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص فله مثله من الدية فان كان قيمته وهو صحيح عشرون وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته)
وهذا الذي ذكره في تفسير الحكومة قول أهل العلم لا نعلم بينهم فيه خلافا، وبه قال الشافعي والعنبري وأصحاب الرأي وغيرهم، قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن معنى قولهم حكومة أن يقال إذا أصيب الانسان بجرح لا عقل له معلوم كم قيمة هذا الجرح لو كان عبدا لم يجرح هذا الجرح؟ فإذا قيل مائة دينار قيل وكم قيمته وقد أصابه هذا الجرح وانتهى برؤه؟ قيل خمسة وتسعون فالذي يجب على الجاني نصف عشر الدية وان قالوا تسعون فعشر الدية وان زاد أو نقص فعلى هذا المثال وانما كان كذلك لان جملته مضمونة بالدية فاجزاؤه مضمونة منها كما أن البيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان
ارش عيبه مقدرا من الثمن فيقال كم قيمته لا عيب فيه؟ فإذا قالوا عشرة فيقال كم قيمته وفيه العيب؟ فإذا قيل تسعة علم أنه نقص عشر قيمته فيجب أن يرد من الثمن عشرة أي قدر كان ونقدره عبدا ليمكن تقويمه ويجعل العبد أصلا للحر فيما لا موقت فيه والحر أصلا للعبد فيما فيه توقيت في المشهور من المذهب.
(مسألة) الا أن يكون في شئ فيه مقدر فلا يبلغ به ارش المقدر فان كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها ارش الموضحة فلو جرحه في وجهه سمحاقا فنقصته عشر قيمته فمقتضى الحكومة وجوب عشر من الابل ودية الموضحة خمس)
فههنا يعلم غلظ المقوم لان الجراحة لو كانت موضحة لم يزد على خمس مع أنها سمحاق وزيادة عليها فلان لا يجب في بعضها زيادة على خمس أولى وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك أنه يجب ما تخرجه الحكومة كائنا ما كان لانها جراحة لا مقدر فيها فوجب فيها ما نقص كما لو كانت في سائر البدن ولنا أنها بعض الموضحة لانه لو أوضحه لقطع ما قطعته هذه الجراحة ولا يجوز أن يجب في بعض الشئ أكثر مما يجب فيه ولان الضرر في الموضحة أكبر والشين أعظم والمحل واحد فإذا لم يزد ارش الموضحة على خمس كان ذلك تنبيها على أن لا يزاد ما دونها عليها وأما سائر البدن فما كان فيه موقت كالاعضاء والعظام المعلومة والجائفة فلا يزاد جرح عظم على ديته مثاله جرح أنملة فبلغ ارشها بالحكومة خمسا من الابل فانه يرد إلى دية الانملة وان كان في أصبع فبلغ ما زاد على العشر بالحكومة رد إلى العشر وان جنى عليه في جوفه دون الجائفة لم يزد على ارش الجائفة وما لم يكن كذلك وجب ما أخرجته الحكومة لان المحل مختلف فان قيل فقد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع اللسان أكثر من الواجب فيه قلنا انما وجبت دية النفس دية عن الروح وليست الاطراف بعضها بخلاف مسئلتنا هذا ذكره القاضي ويحتمل كلام الخرقي أن يختص امتناع الزيادة بالرأس والوجه لقوله الا أن تكون الجناية في وجه أو رأس فلا يجاوز به ارش الموقت
(فصل) إذا خرجت الحكومة في شجاج الرأس التي دون الموضحة قدر ارش الموضحة أو زيادة عليه فظاهر كلام الخرقي أنه يجب ارش الموضحة وقال القاضي يجب أن ينقص عنها شيئا على حسب ما يؤدي إليه الاجتهاد وهذا مذهب الشافعي وهو الذي ذكره شيخنا في كتاب الكافي المقنع لئلا يجب في بعضها ما يجب في جميعها ووجه قول الخرقي أن مقتضى الدليل وجوب ما أخرجته الحكومة وانما سقط الزائد على ارش الموضحة لمخالفته النص أو تنبيه النص ففيما لم يزد يجب البقاء على الاصل ولان ما ثبت بالتنبيه يجوز ان يساوي المنصوص عليه في الحكم ولا يلزم أن يزيد عليه كما أنه لما نص على وجوب فدية الادنى في حق العذور لم يلزم زيادتها في حق من لا عذر له ولا يمنع أن يجب في البعض ما يجب في الكل بدليل وجوب دية الاصابع مثل دية اليد كلها وفي حشفة الذكر مثل ما في جميعه فان قيل هذا وجب بالتقدير الشرعي لا بالتقويم قلنا إذا ثبت الحكم بنص الشارع لم يمتنع ثبوت مثله بالقياس عليه والاجتهاد ما يؤدي إليه وفي الجملة فالحكومة دليل على ترك العمل بها في الزائد لمعنى مقصود في المساوي فيجب العمل بها لعدم المعارض ثم وان صح ما ذكروه فينبغي أن ينقص أدنى ما تزول به المساواة المحدودة ويجب الباقي عمد بالدليل الموجب له (فصل) ولا يكون التقويم الا بعد برء الجرح لان ارش الجرح المقدر انما يستقر بعد برئه (مسألة) فان كانت الجراحة مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال مثل أن قطع أصبعا زائدة أو يدا أو
قطع لحية امرأة فلم ينقصه ذلك بل زاده حسنا فالجاني محسن بجنايته فلم يضمن كما لو قطع سلعة أو تؤلولا أو بط خراجا ويحتمل أن يضمن قال القاضي نص أحمد على هذا لان هذا جزء من مضمون فلم يعر عن ضمان كما لو أتلف مقدر الارش فزاد به جمالا أو لم ينقصه شيئا، فعلى هذا يقوم في أقرب الاحوال إلى البرء لانه لما سقط اعتبار قيمته بعد برئه قوم في أقرب الاحوال إليه كولد المغرور لما تعذر تقويمه في البطن قوم عند الوضع لانه أقرب الاحوال التي أمكن تقويمه إلى كونه في البطن (مسألة) (فان لم ينقص في تلك الحال قوم حال جريان الدم) لانه لابد من نقص للخوف عليه ذكره القاضي ولاصحاب الشافعي وجهان كما ذكرنا وتقوم
لحية المرأة كأنها لحية رجل في حال تنقصه ذهاب لحية وإن أتلف سنا زائدة قوم وليست له سن زائدة ولا خلفها أصلية ثم يقوم وقد ذهبت الزائدة فان كانت المرأة إذا قدرناها ابن عشرين نقصها ذهاب
لحيتها يسيرا وان قدرناها ابن أربعين نقصها كثيرا قدرناها ابن عشرين لانه أقرب الاحوال إلى حال المجني عليه فأشبه تقويم الجرح الذي لا ينقص بعد الاندمال فاننا نقرمه في أقرب أحوال النقص إلى حال الاندمال والاول أصح ان شاء الله تعالى فان هذا لا مقدر فيه ولم ينقص شيئا فأشبه الضرب وتضمين النقص الحاصل حال جريان الدم إنما هو تضمين الخوف عليه وقد زال فأشبه ما لو لطمه فاصفر وجه حالة اللطمة أو احمر ثم زال وتقدير المرأة رجلا لا يصح لان اللحية زين للرجل وعيب في المرأة وتقدير ما يعيب بما يزين لا يصح وكذلك تقدير السن في حالة يراد زوالها بحالة يكره لا يجوز فان الشئ يقدر بنظيره ويقاس على مثله لا على ضده ومن قال بهذا الوجه فانما يوجب ادنى ما يمكن ايجابه وهو أقل نقص يمكن تقديره (فصل) فان لطمه على وجهه فلم يؤثر في وجهه فلا ضمان لانه لم ينقص به جمال ولا منفعة ولم يكن له حال ينقص فيها فلم يضمنه كما لو شتمه
(باب العاقلة وما تحلمه) (عاقلة الانسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه وعنه أنهم من العاقلة أيضا) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في العاقلة فروي عنه أنهم جميع العصبات من النسب والولاء يدخل فيهم الآباء والابناء والاخوة وسائر العصبات من العمومة وأبنائهم اختاره أبو بكر والشريف أبو جعفر، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا الا ما فضل عن ورثتها وان قتلت فعقلها بين ورثتها، رواه أبو داود ولانهم عصبة فاشبهوا سائر العصبات، يحققه ان العقل
موضوع على التناصر وهم من أهله ولان العصبة في تحمل العقل كهم في الميراث في تقديم الاقرب فالاقرب وأبناؤه وآباؤه احق العصبات بميراثه فكانوا اولى بتحمل عقله، وفيه رواية ثانية ان الآباء والابناء ليسوا من العاقلة وهو قول الشافعي لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم متفق عليه وفي رواية ثم ماتت القاتلة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها لبنيها والعقل
على العصبة وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلتها وبرأ زوجها وولدها قال فقالت عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ميراثها لزوجها وولدها " رواه أبو داود.
إذا ثبت هذا في الاولاد قسنا عليه الوالد لانه معناه ولان مال ولده ووالده كما له ولهذا لم تقبل شهادتهم له ولا شهادته لهم ووجب على كل واحد منهم الانفاق على الآخر إذا كان محتاجا والآخر موسرا فلا يجب في ماله دية كما لو تجب في مال القاتل وفيه رواية ثالثة ان الاخوة ليسوا من العاقلة كالوالد والولد وهي ظاهر كلام الخرقي، وغيره من أصحابنا يجعلونهم من العاقلة بكل حال ولا نعلم عن غيرهم خلافهم (فصل) فان كان الولد ابن ابن عم أو كان الوالد والولد، مولى أو عصبة مولى فانه يعقل في ظاهر كلام أحمد قاله القاضي وقال أصحاب الشافعي لا يعقل لانه والد وولد فلم يعقل كما لو لم يكن كذلك ولنا أنه ابن ابن عم أو مولى فيعقل كما لو لم يكن ولدا وذلك لان هذه القرابة أو الولاء سبب يستقل بالحكم منفردا فإذا وجد مع ما لا يثبت الحكم اثبته كما لو وجد مع الرحم المجرد ولانه يثبت حكمه في القرابة الاخرى بدليل انه يلي نكاحها مع ان الابن لا يلى النكاح عندهم.
(فصل) وسائر العصبات من العاقلة بعدوا أو قربوا من النسب والمولى وعصبته وبهذا قال عمر ابن عبد العزيز والنخعي وحماد ومالك والشافعي ولا أعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لانهم عصبة يرثون المال إذا لم يكن وارث أقرب منهم فيدخلون في العقل كالقريب، ولا يعتبر ان يكونوا وارثين في الحال بل
متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا لان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية بين عصبة المرأة من كانوا لا يرثون
منها إلا ما فضل عن ورثتها ولان الموالي من العصبات فأشبهوا المناسبين.
(فصل) العاقلة من يحمل العقل والعقل الدية سميت عاقلة لانها تعقل لسان ولي المقتول وقيل انما سميت العاقلة لانهم يمنعون عن القاتل والمنع العقل ولهذا سمي بعض العلوم عقلا لانه يمنع من الاقدام من المضار، ولا خلاف بين أهل العلم في ان العاقلة العصبات وان غيرهم من الاخوة من الام وسائر ذوي الارحام والزوج وكل من عد العصبات ليسوا من العاقلة ولا يعقل المولي من أسفل وبه قال أبو حنيفة وأصحاب مالك وقال الشافعي في أحد قوليه يعقل لانهما شخصان يعقل أحدهما صاحبه فيعقل الآخر عنه كالآخرين ولنا انه ليس بعصبة له ولا وارث فلم يعقل عنه كالاجنبي وما ذكروه يبطل بالذكر مع الانثى والصغير مع الكبير والعاقل مع المجنون (فصل) ولا يعقل مولى الموالاة وهو الذي يوالي رجلا يجعل له ولاءه ونصرته، ولا الحليف وهو الرجل يحالف آخر على ان يتناصرا على دفع الظلم ويتضافرا على من قصدهما أو قصد أحدهما ولا العديد وهو الذي لا عشيرة له ينضم إلى العشيرة فيعد نفسه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يعقل مولى الموالاة ويرث وقال مالك إذا كان الرجل في غير عشيرته فعقله على القوم الذين هو معهم
ولنا أنه معني يتعلق بالتعصيب فلا يستحق بذلك كولاية النكاح (فصل) ولا مدخل لاهل الديوان في العاقلة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يتحملون جميع الدية فان عدموا فالاقارب حنيئذ يعقلون لان عمر رضي الله عنه جعل الدية على أهل الديوان في الاعطية إلى ثلاث سنين.
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على عصبة القاتلة ولانه معني لا يستحق به الميراث فلم يحمل به العقل كالجوار واتفاق المذاهب وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم اولى من قضاء عمر على أنه صح ما ذكر عنه فيحتمل انهم كانوا عشيرة القاتل.
(مسألة) (وليس على فقير ولا صبي ولا زائل العقل ولا امرأة ولا خنثي مشكل ولا رقيق ولا مخالف لدين الجاني حمل شئ من الدية وعنه ان الفقير يحمل من العقل)
أكثر أهل العلم على أنه لا مدخل لاحد من هؤلاء في تحمل العقل قال ابن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على ان المرأة والصبي الذي لم يبلغ لا يعقلان مع العاقلة واجمعوا على الفقير لا يلزمه شئ وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكي بعض أصحابنا عن مالك وأبي حنيفة ان للفقير مدخلا في التحمل وعن أحمد مثل ذلك وحكاها أبو الخطاب لانه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالنثي، والصحيح الاول لان تحمل العقل مواساة فلا تلزم الفقير
كالزكاة ولانها وجبت على العاقلة تخفيفا على العاقل فلا يجوز التثقيل بها على من لا جناية منه وفي ايجابها على الفقير تثقيل عليه وتكليف له ما لا يقدر عليه ولاننا أجمعنا على أنه لا يكلف أحد من العاقلة ما يثقل عليه ويجحف به وتحميل الفقير شيئا منها يثقل عليه ويجحف بماله وربما كان الواجب عليه جميع ماله أو أكثر منه أو لا يكون له شئ اصلا، واما الصبي والمجنون والمراة فلا يحملون منها لان فيها معنى التناصر وليس هم من أهل النصرة وكذلك المخالف في الدين ليس هو من أهل النصرة أيضا (مسألة) (ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر) وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك يختص به الحاضر لان التحمل بالنصرة وانما هي من الحاضرين ولان في قسمه على الجميع مشقة وعن الشافعي كالمذهبين ولنا الخبر وانهم استووا في التعصيب والارث فاستووا في تحمل العقل كالحاضرين ولانه معنى يتعلق بالتعصيب فاستوي فيه الحاضر والغائب كالميراث والولاية (فصل) ويعقل المريض إذا لم يبلغ حد الزمانة، والشيخ إذا لم يبلغ حد الهرم لانهما من أهل النصرة والمواساة، وفي الزمن والشيخ والفاني وجهان (أحدهما) لا يعقلان لانهما ليسا من أهل النصرة ولهذا لا يجب عليهما الجهاد ولا يقنلان إذا كانا من اهل الحرب، وكذلك يخرج في الاعمى لانه مثلهما في هذا المعنى (والثاني) يعقلون لانهم من أهل المواساة ولهذا تجب عليهم الزكاة وهذا منتقض بالصبي والمجنون ومذهب الشافعي كمذهبنا
(مسألة) (وخطأ الامام والحاكم في احكامه في بيت المال وعنه على عاقلته) لان خطأه يكثر في احكامه فايجاب ما يجب به على عاقلته يجحف بهم، وبه قال الاوزاعي والثوري وأبو حنيفة واسحاق ولان الامام والحاكم نائب عن الله تعالى في أحكامه وأفعاله فكان ارش جنايته في مال الله سبحانه وللشافعي قولان كالروايتين وفيه رواية أخرى انه يجب على عاقلته لما روى ان عمر رضي الله عنه بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت يا ويلها ما لها ولعمر فاسقطت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشار بعضهم ان ليس عليك شئ انما أنت وال ومؤدب فقال على ان كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا رأيهم وان كانوا في هواك فلم ينصحوا لك ان ديته عليك لانك أفزعتها فألقته فقال عمر أفسمت عليك ان لا تبرح حتى تقسمها على قومك (مسألة) (وهل يتعاقل أهل الذمة؟ على روايتين) (احداهما) يتعاقلون قياسا على المسلمين لان قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل كالمسلمين ولان دياتهم ديات احرار معصومين فاشبهت ديات المسلمين (والثانية) لا يتعاقلون لان حمل العاقلة ثبت على خلاف الاصل لحرمة قرابة المسلمين فلا يقاس عليهم غيرهم لانهم لا يساوونهم في الحرمة (مسألة) (ولا يعقل حربي عن ذمي ولا ذمي عن حربي)
لانه لا يرث بعضهم من بعض فلا يعقل بعضهم عن بعض كغير العصبات وفي الميراث احتمال انهما يتوارثان فيخرج في التعاقل مثل ذلك ولا يعقل يهودي عن نصراني ولا نصراني عن يهودي لانه لا موالاة بينهم وهم أهل ملتين مختلفتين ويحتمل ان يتعاقلا بناء على الروايتين في توارثهما فان تهود نصراني أو تنصر يهودي وقلنا انه يقر عقل عنه عصبته من أهل الدين الذي انتقل إليه وهل يعقل عنه الذين انتقل عن دينهم؟ على وجهين وان قلنا لا يقر لم يعقل عنه أحد لانه كالمرتد والمرتد لا يعقل عنه احد لانه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة فتكون جنايته في ماله وكذلك كل من لا تحمل عاقلته جنايته يكون موجبها في ماله كسائر الجنايات التي لا تحملها العاقلة
(مسألة) (ومن لا عاقلة له أو لم يكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه ان كان ذميا) لان بيت المال لا يعقل عنه وان كان مسلما ففيه روايتان (احداهما) يؤدي عنه من بيت المال وهو مذهب الزهري والشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم ودى الانصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال وروي ان رجلا قتل في زحام في زمن عمر فلم يعرف قاتله فقال علي لعمر يا أمير المؤمنين لا يطل دم امرى مسلم فأدى ديته من بيت المال ولان المسلمين يرثون من لا وارث
له فيعقلون عنه عدم عاقلته كعصباته ومواليه (والثانية) لا يجب ذلك لان بيت المال فيه حق النساء والصبيان والمجانين والفقراء ومن لا عقل عليه فلا يجب صرفه فيما لا يجب عليهم ولان العقل على العصبات وليس بيت المال عصبة ولا هو لعصبة هذا فأما قتيل الانصار فغير لازم لان ذلك قتيل اليهود وبيت المال لا يعقل عن الكفار بحال وانما النبي صلى الله عليه وسلم تفضل بذلك عليهم وقولهم انهم يرثونه قلنا ليس صرفه إلى بيت المال ميراثا بل هو فبئ ولهذا يؤخذ مال من لا وارث له من أهل الذمة إلى بيت المال ولا يرثه المسلمون ثم ان العقل لا يجب على الوارث إذا لم يكن عصبة ويجب على العصبة وان لم يكن وارثا فعلى الرواية الاولى إذا لم يكن له عاقلته اديت الدية كلها عنه من بيت المال وان كان له عاقلة لا تحمل الجميع أخذ الباقي من بيت المال وهل يؤدى من بيت المال دفعه واحدة أو في ثلاث سنين؟ على وجهين (احدهما) في ثلاث سنين كما يؤخذ من العاقلة (والثاني) يؤدي دفعة واحدة وهو الصحيح لان النبي صلى الله عليه وسلم أدى دية الانصاري دفعة واحدة وكذلك عمر ولان الدية بدل متلف لا تؤديه العاقلة فيجب كله في الحال كسائر ابدال المتلفات وانما أجل على العاقلة تخفيفا عنهم ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال ولهذا يؤدي الجميع.
(فصل) فان لم يكن الاخذ من بيت المال فليس على القاتل شئ وهذا احد قولي الشافعي ولان الدية لزمت العاقلة ابتداء بدليل انها لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم ولا تجب على غير
من وجبت عليه كما لو عدم القاتل فان الدية لا تجب على أحد كذا ههنا فعلى هذا ان وجد بعض العاقلة
حملوا بقسطهم وسقط الباقي فلا يجب على أحد قال شيخنا ويحتمل ان تجب في مال القاتل إذا تعذر حملها عنه وهذا القول الثاني للشافعي لعموم قوله تعالى (ودية مسلمة) إلى أهله ولان قضية الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته وانما سقط عن القاتل لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبا عليه بمقتضي الدليل ولان الامر دائر بين ان يطل دم المقتول وبين ايجاب ديته على المتلف لا يجوز الاول لان فيه مخالفة الكتاب والسنة وقياس أصول الشريعة فتعين الثاني ولان اهدار الدم المضمون لا نظير له وايجاب الدية على قاتل الخطأ له نظائر وقد قالوا في المرتد تجب الدية في ماله لما لم يكن عاقلة والذمي الذي لا عاقلة له تلزمه الدية ومن رمى سهما ثم أسلم أو كان مسلما فارتد أو كان عليه الولاء لموالي أمه فانجر إلى موالي أبيه ثم أصاب سهمه انسانا فنقول قتيل في دار الاسلام معصوم تعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله كهذه الصور وهذا أولى من اهدار دماء الاحرار في غالب الاحوال فانه لا يكاد يوجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الاخذ من بيت المال فتضيع الدماء وتفوت حكمة ايجاب الدية قولهم ان الدية تجب على العاقلة عنه ابتداء ممنوع وانما تجب على القاتل ثم تحملها العاقلة وان سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم أما مع عدمهم فلا يمكن القول بوجوبها عليهم ثم ما ذكروه منقوض بما أبديناه من الصور فعلى هذا تجب الدية على القاتل ان تعذر حمل جميعها أو باقيها ان حملت العاقلة بعضها
(فصل) ولو رمى ذمي صيدا ثم أسلم ثم أصاب السهم آدميا فقتله لم يعقله المسلمون لانه لم يكن مسلما حال رميه ولا المعاهدون لانه قتل مسلما فتكون الدية في مال الجاني وهكذا لو رمى وهو مسلم ثم ارتد ثم قتل السهم انسانا لم يعقله احد ولو جرح ذمي ذميا ثم أسلم الجارح ومات المجروح وكان ارش جراحه يزيد على الثلث فعقله على عصبته من أهل الذمة وما زاد على ارش الجرح لا يحمله أحد ويكون في مال الجاني لما ذكرنا فان لم يكن ارش الجرح مما تحمله العاقلة فجيمع الدية على الجاني وكذلك الحكم إذا جرح مسلم ثم ارتد ويحتمل ان تحمل العاقلة الدية كلها في المسئلتين لان الجناية وجدت وهو ممن تحمل العاقلة جنايته ولهذا وجب القصاص في المسألة الاولى إذا قتله عمدا ويحتمل ان لا تحمل العاقلة شيئا لان الارش انما يستقر باندمال الجرح وسرايته.
(فصل) إذا تزوج عبد معتقة فأولدها أولادا فولاؤهم لمولى امهم فان جنى أحدهم فالعقل على مولى امه لانه عصبته ووارثه فان عتق أبوه ثم سرت الجناية أو رمى بسهم فلم يقع السهم حتى عتق أبوه لم يحمل عقله أحد لان موالي الام قد زال ولاؤهم عنه قبل قتله وموالي الاب لم يكن لهم عليه ولاء حال جنايته فتكون الدية عليه في ماله إلا ان يكون ارش الجرح مما تحمله العاقلة منفردا فيخرج فيه مثل ما قلناه في المسألة التي قبلها.
(مسألة) (ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون ثلث الدية ويكون
ذلك في مال الجاني حالا إلا غرة الجنين إذا مات مع امه فان العاقلة تحملها مع دية امه وان ماتا منفردين لم تحملهما العاقلة لنقصهما عن الثلث) وجملة ذلك ان العاقلة لا تحمل العمد سواء كان مما يجب القصاص فيه أو لا يجب ولا خلاف في انها لا تحمل دية ما تجب فيه القصاص وأكثر أهل العلم على أنها لا تحمل العمد بحال وحكي عن مالك أنها تحمل الجنايات التي لا قصاص فيها كالمأمومة والجائفة وهذا قول قتادة لانها جناية لا قصاص فيها فاشبهت جناية الخطأ ولنا ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا " وروي عن ابن عباس موقوفا ولم نعرف له في الصحابة مخالفا فيكون اجماعا ولانها جناية عمد فلا تحملها العاقلة كالموجبة للقصاص وجناية الاب على ابنه ولان حمل العاقلة انما يثبت في الخطأ لكون الجاني معذورا تخفيفا عنه ومواساة له والعامد غير معذور فلا يستحق المواساة ولا التخفيف فلم يوجد فيه المقتضي وبهذا فارق العمد الخطأ ثم يبطل ما ذكروه بقتل الاب ابنه فانه لا قصاص فيه ولا تحمله العاقلة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: