الفقه الحنبلي - الحجر- الافلاس
فانا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه " ولانه محجور عليه محتاج إلى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير
رضاه كالصغير والسفيه ولانه نوع مال فجاز
بيعه في قضاء دينه كالاثمان وقياسهم يبطل ببيع الدراهم بالدنانير { مسألة } (وان ادعى الاعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق حبس الا أن يقيم البينة على نفاد ماله أو إعساره، وهل يحلف معها؟ على وجهين وإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله) وجملة ذلك ان من وجب عليه دين حال فطولب به فلم يؤده فان كان في يده مال ظاهر أمره الحاكم بالقضاء، وان لم يظهر له مال فادعى الاعسار فصدقه غريمه لم يحبس ووجب انظاره ولم يجز ملازمته لقول الله تعالى (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء الذي كثر دينه " خذوا ما وجدتم ليس لكم الا ذلك " ولان الحبس اما أن يكون لاثبات عسرته أو لقضاء دينه وعسرته ثابته والقضاء متعذر فلا فائدة في الحبس فان كذبه غريمه فلا يخلو اما ان يكون عرف له مال أو لم يعرف، فان عرف له مال لكون الدين ثبت عن معاوضة كالقرض والبيع أو عرف له أصل مال سوى هذا فالقول قول غريمه مع يمينه فإذا حلف أنه ذو مال حبس حتى تشهد البينة باعساره.
قال ابن المنذر اكثر من نحفظ عنه من علماء الامصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين منهم مالك والشافعي وأبو عبيد والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن، وروي عن شريح والشعبي وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس، وبه قال عبد الله بن أبي جعفر والليث بن سعد.
ولنا ان الظاهر قول الغريم فكان القول قوله كسائر الدعاوى فان شهدت البينة بتلف ماله قبلت شهادتهم سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أولم تكن لان التلف يطلع عليه أهل الخبرة وغيرهم، وان طلب الغريم احلافه على ذلك لم يجب إليه لانه تكذيب للبينة، وان شهدت مع ذلك بالاعسار اكتفى بشهادتهما وثبتت عسرته وان لم تشهد الا بالتلف وطلب الغريم يمينه على عسرته وأنه ليس له مال آخر استحلف على ذلك لانه غير ما شهدت به البينة وان لم تشهد بالتلف وانما شهدت بالاعسار لم تقبل الشهادة الا من ذي خبرة باطنة لان هذا في الامور الباطنة لا يطلع عليه في الغالب الا أهل الخبرة
والمخالطة وهذا مذهب الشافعي.
وحكي عن مالك انه قال لا تسمع البينة على الاعسار لانها شهادة على النفي فلم تسمع كما لو شهدت أنه لادين عليه ولنا ما روى قبيصة بن المخارق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ويا قبيصة ان المسألة لا تحل الا لاحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من اهل الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال - سدادا من عيش " رواه مسلم وأبو داود، وقولهم ان الشهادة على النفي لا تقبل قلنا لا ترد مطلقا فانه لو شهدت بينة أن هذا وارث هذا الميت لا وارث له سواه قبلت، ولان هذه وان كانت تتضمن النفي فهي تثبت حالة تظهر ويوقف عليها بالمشاهدة بخلاف ما إذا شهدت أنه لا حق له فان هذا مما لا يوقف عليه ولا يشهد به حال يتوصل بها إلى معرفته بخلاف مسئلتنا وتسمع البينة في الحال، وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة لا تسمع في الحال وتحبس شهرا وقيل ثلاثة أشهر، وروي أربع حتى يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لاظهره ولنا أن كل بينة جاز سماعها بعد مدة جاز سماعها في الحال كسائر البينات وما ذكروه لو كان صحيحا لاغنى عن البينة، فان قال الغريم أحلفوه لي مع بينته أن لا مال له لم يستحلف في ظاهر كلام احمد لانه قال في رواية ابراهيم في رجل جاء بشهود على حق فقال الغريم استحلفوه لا يستحلف لان ظاهر الحديث البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
قال القاضي سواء شهدت البينة بتلف المال أو بالاعسار وهذا أحد قولي الشافعي لانها بينة مقبولة فلم يستحلف معها كما لو شهدت بأن هذا عبده وفيه وجه آخر انه يستحلف وهو القول الثاني للشافعي لانه يحتمل ان يكون له مال خفي عن البينة.
قال شيخنا: ويصح عندي الزامه اليمين على الاعسار إذا شهدت البينة بتلف المال وسقوطها عنه فيما إذا شهدت بالاعسار لانها إذا شهدت بالتلف صار كمن لم يثبت له أصل مال أو بمنزلة من أقر له غريمه بتلف ذلك المال وادعى له مالا سواه أو أنه استحدث مالا بعد تلفه، ولو لم تقم البينة وأقر له غريمه بتلف ماله وادعى ان له
مالا سواه لزمته اليمين فكذلك إذا قامت به البينة فانها لا تزيد على الاقرار، فان كان الحق ثبت عليه في غير مقابلة مال أخذه كأرش الجناية وقيمة متلف ومهر أو ضمان أو كفالة أو عوض خلع إن كانت امرأة فان لم يعرف له مال حلف أنه لامال له وخلي سبيله، وهذا قول الشافعي وابن المنذر، وإنما اكتفينا بيمينه لان الاصل عدم المال، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحبة وسواء ابني خلد بن سواء " لا تيأسا من الرزق ما اهتزت رؤسكما فان ابن آدم يخلق وليس له إلا قشرتاه ثم يرزقه الله تعالى "
قال ابن المنذر الحبس عقوبة ولا نعلم له ذنبا يعاقب به والاصل عدم ماله بخلاف من علم له مال فان الاصل بقاء ماله فيحبس حتى يعلم ذهابه ومطلق كلام الخرقي يدل على أنه يحبس في الحالتين لكنه ينبغي ان يحمل كلامه على هذا لقيام الدليل على الفرق (فصل) ومتى ثبت اعساره عند الحاكم لم يجز مطالبته ولا ملازمته، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لغرمائه ملازمته من غير أن يمنعوه من الكسب، فإذا رجع إلى بيته فأذن لهم في الدخول معه والامنعوه من الدخول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لصاحب الحق اليد واللسان " ولنا ان من ليس لصاحب الحق مطالبته لم يكن له ملازمته كصاحب الدين المؤجل، وقول الله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) ومن وجب انظاره حرمت ملازمته كمن دينه مؤجل والحديث فيه مقال قاله ابن المنذر ثم نحمله على الموسر بدليل ما ذكرنا، وقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لغرماء الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه " خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك " رواه مسلم والترمذي { مسألة } (وان كان له ماله لا يفي به فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته أجابتهم) إذا اتفق الغرماء على طلب الحجر عليه في هذه الحال لزم الحاكم إجابتهم ولايجوز الحجر عليه بغير سؤال غرمائه لانه لا ولاية له في ذلك انما يفعله لحق الغرماء فاعتبر رضاهم، وكذلك ان سأله بعضهم، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة ليس للحاكم الحجر عليه فإذا ادى اجتهاده إلى الحجر عليه ثبت لانه فصل مجتهد فيه.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله في دينه رواه الخلال باسناده
(فصل) وتصرفه قبل حجر الحاكم في ماله نافذ من البيع والهبة والاقرار وقضاء بعض الغرماء وغير ذلك وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافا لانه رشيد غير محجور عليه فنفذ تصرفه كغيره، ولان سبب المنع الحجر فلا يتقدم سببه، ولانه من أهل التصرف، ولم يحجر عليه أشبه الملئ وان أكري جملا بعينه أو دارا لم تنفسخ اجارته بالفلس وان المكتري أحق به حتى تنقضي مدته { مسألة } (ويستحب اظهار الحجر عليه والاشهاد عليه) لنتجنب معاملته لئلا يستضر الناس بضياع أموالهم، ويشهد عليه لينتشر ذلك وربما عزل الحاكم أو مات فيثبت الحجر عند الآخر فلا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام (أحدها) تعلق حق الغرماء بماله فلا يصح تصرفه فيه ولا يقبل اقراره عليه الا العتق على احدى الروايتين) متى حجر على المفلس لم ينفذ تصرفه في شئ من ماله فان تصرف فيه ببيع أو هبة أو وقف أو إصداق امرأة مالا له أو نحو ذلك لم يصح، وبه قال مالك والشافعي في قول، وقال في آخر يقف تصرفه فان كان فيما بقي من ماله وفاء الغرماء والا بطل.
ولنا ان حقوق الغرماء تعلقت باعيان ماله فلم يصح تصرفه فيها كالعين المرهونة ولانه محجور عليه بحكم حاكم فأشبه السفيه، وان اقر بدين لم يقبل في الحال ويتبع به بعد فك الحجر عنه نص عليه وهو قول مالك ومحمد بن الحسن والثوري والشافعي في قول، وقال في الآخر يشاركهم اختاره ابن المنذر لانه دين ثابت مضاف إلى ما قبل الحجر فشارك صاحبه الغرماء
كما لو ثبت ببينة، ولنا انه محجور عليه فلم يصح اقراره فيما حجر عليه فيه كالسفيه ولانه اقرار يبطل ثبوته في غير حق غير المقر فلم يقبل أو اقرار على الغرماء فلم يقبل كاقرار الراهن ولانه متهم في اقراره وفارق البينة فانه لا تهمة في حقها، فان كان المفلس صانعا كالقصار والحائك في يده متاع فأقر به لاربابه لم يقبل والقول فيها كالتي قبلها وتباع العين التي في يده وتقسم بين الغرماء وتكون قيمتها واجبة على
المفلس إذا قدر عليها لانها انصرفت في وفاء دينه بسبب من جهته فكانت قيمتها عليه كما لو أذن في ذلك، وان توجهت على المفلس يمين فنكل عنها فقضي عليه فحكمه حكم اقراره يلزم في حقه دون الغرماء فان أعتق بعض رقيقه صح في احدى الروايتين ونفذ وهو قول أبي يوسف واسحاق لانه عتق من مالك رشيد فنفذ كما قبل الحجر.
وفارق سائر التصرفات لان للعتق تغليبا وسراية ولهذا يسري إلى ملك الغير بخلاف غيره، والاخرى لا ينفذ عتقه وبه قال مالك وابن أبي ليلى والثوري والشافعي واختاره أبو الخطاب في رءوس المسائل لانه ممنوع من التبرع لحق الغرماء فلم ينفذ عتقه كالمريض الذي يستغرق دينه ماله، وأما سرايته إلى ملك الغير فمن شرطه أن يكون موسرا يؤخذ منه قيمة نصيب شريكه ولا يتضرر ولو كان معسرا لم ينفذ عتقه إلا في ملكه صيانة لحق الغير وحفظا له عن الضياع كذا ههنا وهذا أصح ان شاء الله تعالى { مسألة } (فان تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو اقرار صح) ويتبع به بعد فك الحجر عنه لانه أهل للتصرف وانما وجد في حقه الحجر والحجر متعلق بماله لا بذمته ولكن لا يشارك أصحاب هذه الديون الغرماء لانهم رضوا بذلك إذا علموا بفلسه وعاملوه ومن لا يعلم فقد فرط في ذلك فان هذا في مظنة الشهرة، فعلى هذا يتبع بها بعد فك الحجر عنه، وفي اقراره خلاف ذكرناه في المسألة التي قبلها، فاما ان ثبت عليه حق ببينة شارك صاحبه الغرماء لانه دين ثابت قبل الحجر عليه أشبه مالو شهدت به قبل الحجر { مسألة } (وان جنى شارك المجني عليه الغرماء وان جنى عبده قدم المجني عليه بثمنه) إذا جنى المفلس بعد الحجر جناية موجبة للمال شارك المجني عليه الغرماء لان حق المجني عليه ثبت بغير اختياره، ولو كانت الجناية موجبة للقصاص فعفا صاحبها عنها إلى مال أو صالحه المفلس على مال
شارك الغرماء لان سببه ثبت بغير اختيار صاحبه فأشبه ما أوجب المال، فان قيل ألا قدمتم حقه على الغرماء كما قدمتم حق من جنى عليه بعض عبيد المفلس؟ قلنا لان الحق في العبد الجاني تعلق بعينه فقدم لذلك وحق هذا تعلق بالذمة كغيره من الديون فاستويا، فان جنى عبده قدم المجني عليه بثمنه لان
الحق تعلق بالعين فقدم على من تعلق حقه بالذمة كما يقدم حق المرتهن بثمن الرهن على الغرماء ولان حق المجني عليه يقدم على حق المرتهن فأولى ان يقدم على حق الغرماء { فصل } قال رحمه الله (الثاني أن من وجد عنده عينا باعها اياه فهو أحق بها بشرط أن يكون المفلس حيا ولم ينقد من ثمنها شيئا والسلعة بحالها لم يتلف بعضها ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق) وجملته ان المفلس إذا حجر عليه فوجد بعض غرمائه سلعته التي باعه إياها بعينها فله فسخ البيع والرجوع في عين ماله بالشروط التي نذكرها روي ذلك عن عثمان وعلي وابي هريرة وبه قال عروة ومالك والشافعي والاوزاعي والعنبري واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال الحسن والنخعي وابن شبرمة وأبو حنيفة هو اسوة الغرماء لان البائع كان له حق الامساك لقبض الثمن فلما سلمه أسقط حق الامساك فلم يكن له ان يرجع في ذلك بالافلاس كالمرتهن إذا سلم الرهن إلى الراهن ولانه ساوى الغرماء في سبب الاستحقاق فيساويهم في الاستحقاق كسائرهم ولنا ما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ادرك متاعه بعينه عند انسان قد أفلس فهو أحق به " متفق عليه قال أحمد.
لو ان حاكما حكم أنه أسوة الغرماء ثم رفع إلى رجل يرى العمل بالحديث جاز له نقض حكمه ولان هذا العقد يلحقه الفسخ بالاقالة فجاز فيه الفسخ لتعذر الغرض كالمسلم فيه إذا تعذر ولانه لو شرط في البيع رهنا فعجز عن تسليمه استحق الفسخ وهو
وثيقة بالثمن فالعجز عن تسليم الثمن بنفسه أولى ويفارق البيع الرهن فان امساك الرهن امساك مجرد على سبيل الوثيقة وليس ببدل والثمن ههنا بدل عن العين فإذا تعذر استيفاؤه رجع إلى المبدل وقولهم تساووا في سبب الاستحاق قلنا لكن اختلفوا في الشرط فان بقاء العين شرط لملك الفسخ وهي موجودة في حق من وجد متاعه دون من لم يجده، إذا ثبت هذا فان البائع بالخيار ان شاء رجع في السلعة وان شاء لم يرجع، وكان أسوة الغرماء وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو اقل أو أكثر لان الاعسار سبب يثبت جواز الفسخ فلا يوجبه كالعيب والخيار، ولا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لانه فسخ ثبت
بالنص فلم يحتج إلى حكم حاكم كفسخ النكاح لعتق أمة (فصل) وهل خيار الفسخ على الفور أو التراخي فيه وجهان (أحدهما) أنه على التراخي لانه حق رجوع يسقط إلى عوض فكان على التراخي كالرجوع في الهبة (والثاني) على الفور لان جواز تأخيره يفضي إلى الضرر بالغرماء لا فضائه إلى تأخير حقوقهم فأشبه خيار الاخذ بالشفعة وهذان الوجهان مبنيان على الروايتين في خيار الرد بالعيب، ونصر القاضي الوجه الثاني ولاصحاب الشافعي الوجهان (فصل) فان بذل الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها لم يلزمه قبوله نص عليه أحمد وبه قال الشافعي، وقال مالك ليس له الرجوع انما جاز لدفع ما يلحقه من النقص في الثمن فإذا بذل له بكماله لم يكن له الرجوع كما لو زال العيب من المعيب ولنا الخبر الذي رويناه ولانه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلم يجبر صاحب الحق على قبضه كما لو أعسر الزوج النفقة فبذلها غيره أو أعسر المكاتب فبذل غيره ما عليه لسيده وبهذا
ينتقض ما ذكروه وسواء بذلوه من أموالهم أو خصوه بثمنه من مال المفلس، وفي هذا القسم ضرر آخر لانه لا يأمن أن يظهر له غريم لم يحضر فيرجع عليه، وان دفعوا إلى المفلس الثمن فبذله للبائع لم يكن له الفسخ لانه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه فملك أداء الثمن، ولو اسقط الغرماء حقوقهم عنه فتمكن من الاداء أو وهب له مال فأمكنه الاداء منه أو غلت أعيان ماله فصارت قيمتها وافيه بحقوق الغرماء بحيث يمكنه أداء الثمن كله لم يملك الفسخ لزوال سببه ولانه مكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري فلم يكن له الفسخ كما لو لم يفلس (فصل) فان اشترى المفلس من انسان سلعة بعد الحجر في ذمته وتعذر الاستيفاء لم يكن له الفسخ سواء علم أو لم يعلم لانه لا يستحق المطالبة بثمنها فلا يستحق الفسخ لتعذره كما لو كان ثمنها مؤجلا ولان العالم بالفلس دخل على بصيرة بخراب الذمة أشبه من اشترى معيبا يعلم عيبه، وفيه وجه أخر له الخيار لعموم الخبر ولانه عقد عليه وقت الفسخ فلم يسقط حقه من الفسخ كما لو تزوجت امرأة فقيرا معسرا بنفقتها، وفيه وجه ثالث ان كان عالما بفلسه فلا فسخ له، وان لم يعلم فله الفسخ كمشتري
المعيب ويفارق المعسر بالنفقة لكون النفقة يتجدد وجوبها كل يوم فالرضا بالمعسر بها رضا بعيب ما لم يجب
بخلاف مسئلتنا، وانما يشبه هذا إذا تزوجت معسرا بالصداق وسلمت نفسها إليه ثم أرادت الفسخ (فصل) وان استأجر أرضا للزرع فافلس قبل مضي شئ من المدة فللمؤجر فسخ الاجارة لانه وجد عين ماله وان كان بعد انقضاء المدة فهو غريم بالاجرة، وان كان بعد مضي بعضها لم يملك الفسخ في قياس قولنا في المبيع إذا تلف بعضه قال المدة ههنا كالمبيع ومضي بعضها كتلف بعضه لكن يعتبر مضي مدة لمثلها أجر لانه لا يمكن التحرز عن مضي جزء منها بحال، وقال القاضي في موضع آخر من اكترى ارضا فزرعها ثم أفلس ففسخ صاحب الارض فعليه تبقية زرع المفلس إلى حين الحصاد بأجر مثله لان المعقود عليه المنفعة فإذا فسخ العقد فسخه فيما ملك عليه بالعقد وقد تعذر ردها عليه فكان عليه عوضها كما لو فسخ البيع بعد تلف المبيع فله قيمته، ويضرب بذلك مع الغرماء كذاههنا، ويضرب مع الغرماء بأجر المثل دون المسمى وهذا مذهب الشافعي وهذا لا يقتضيه مذهبنا ولا يشهد بصحته الخبر ولا يصح في النظر.
أما الخبر فلان النبي صلى الله عليه وسلم انما قال " من ادرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " وهذا ما ادرك متاعه بعينه ولا هو أحق به بالاجماع فانهم وافقوا على وجوب تبقيتها وعدم الرجوع في عينها ولان معنى قوله من أدرك متاعه بعينه أي على وجه يمكنه أخذه ويتعلق حقه بعينه وليس هذا كذلك، وأما النظر فان البائع انما كان أحق بعين ماله لتعلق حقه بالعين وامكان رد ماله إليه بعينه فيرجع على من تعلق حقه بمجرد الذمة وهذا لم يتعلق حقه بالعين
ولا أمكن ردها إليه وانما صار فائدة الرجوع الضرب بالقيمة دون المسمى وليس هذا هو المقتضي في محل النص ولا هو في معناه فاثبات الحكم به تحكم بغير دليل، ولو اكترى من يحمل له متاعا إلى بلد ثم أفلس المكتري قبل حمل شئ فللمكتري الفسخ.
وان حمل البعض أو بعض المسافة لم يكن له الفسخ في قياس المذهب وقياس قول القاضي له ذلك وإذا فسخ سقط عنه حمل ما بقي وضرب مع الغرماء بقسط ما حمل من الاجر المسمى وعلى قياس قول القاضي ينفسخ العقد في الجميع ويضرب بقسط ما
حمل من أجر المثل لما ذكرنا من قوله في المسألة التي حكينا قوله فيها (فصل) وان أقرض رجلا مالا ثم أفلس المقترض وعين المال قائمة فله الرجوع فيها لقوله عليه السلام " من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " ولانه غريم وجد عين ماله فكان له أخذها كالبائع فان أصدق امرأة عينا ثم انفسخ نكاحها بسبب من جهتها يسقط صداقها أو طلقها قبل الدخول بها فاستحق الرجوع في نصفه وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق بها لما ذكرنا (فصل) وانما يستحق الرجوع في السلعة بشروط خمسة (أحدها) أن يكون المفلس حيا فان مات
فالبائع أسوة الغرماء سواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات أو مات فتبين فلسه وبهذا قال مالك، وإسحاق، وقال الشافعي له الفسخ واسترجاع العين لما روى ابن خلدة الزرقي قاضي المدينة قال: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال أبو هريرة هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل مات أو افلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه " رواه أبو داود وابن ماجه ولان هذا العقد يلحقه الفسخ بالاقالة فجاز فسخه لتعذر العوض كما لو تعذر المسلم فيه، ولان الفلس سبب لاستحقاق الفسخ فجاز الفسخ به بعد الموت كالعيب ولنا ما روى أبو بكر بن عبد الرحمن عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المفلس " فان مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء " رواه أبوداد وروى أبو اليمان عن الزبيدي عن الزهري عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرئ مات وعنده مال امرى بعينه اقتضى
من ثمنه شيئا أولم يقتض فهو أسوة الغرماء " رواه ابن ماجه ولانه تعلق به حق غير المفلس والغرماء وهم الورثة فأشبه الموهوب وحديثهم مجهول الاسناد قاله ابن المنذر، وقال ابن عبد البر يرويه أبو المعتمر عن الزرقي وأبو المعتمر غير معروف بحمل العلم، ثم هو غير معمول به اجماعا فانه جعل المتاع لصاحبه بمجرد موت المشتري من غير شرط فلسه ولا تعذر وفائه ولا عدم قبض ثمنه، والامر بخلاف ذلك عند جميع العلماء الا ما حكي عن الاصطخري من أصحاب الشافعي أنه قال لصاحب السلعة ان يرجع فيها إذا
مات المشتري، وان خلف وفاء وهذا شذوذ عن اقوال اهل العلم وخلاف للسنة لا يعرج على مثله ويفارق حال الحياة حالة الموت لا مرين (احدهما) ان الملك في الحياة للمفلس وههنا لغيره (الثاني) ان ذمة المفلس خربت ههنا خرابا لا يعود واختصاص هذا بالعين يضر بالغرماء كثيرا بخلاف حال الحياة (الشرط الثاني) ان لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا فان كان قد قبض بعض ثمنها سقط حق الرجوع
وبهذا قال اسحاق والشافعي في القديم.
وقال في الجديد له أن يرجع في قدر ما بقي من الثمن لانه سبب ترجع به العين كلها إلى العاقد فجاز أن يرجع في بعضها كالفرقة قبل الدخول في النكاح، وقال مالك هو مخير ان شاء رد ما قبضه ورجع في جميع العين وان شاء حاص الغرماء ولم يرجع ولنا ماروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله ولم يكن اقتضى من ماله شيئا فهو له " رواه الامام أحمد ورواه أبو بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئا فهي له وان كان قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء " رواه أبو داود وابن ماجه ولان في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري واضرارا به وليس ذلك للبائع، فان قيل لا ضرر عليه في ذلك لان ماله يباع ولا يبقى له فيزول عنه الضرر قلنا لا يندفع الضرر بالبيع فان قيمة الشقص تنقص ولا يرغب فيها مشقصا فيتضرر المفلس والغرماء بنقص القيمة ولانه سبب يفسد به البيع فلم يجز تشقيصه كالرد بالعيب والخيار وقياس البيع على البيع أولى من قياسه على النكاح، ولا فرق بين كون المبيع عينا واحدة أو عينين لما ذكرنا من الحديث والمعنى، فان قيل حديثكم يرويه أبو بكر بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ولا حجة في المراسيل قلنا قد رواه مالك وموسى بن عقبة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة كذلك ذكره ابن عبد البر وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدار قطني في سننهم متصلا فلا يضر إرسال من ارسله على ان حديثنا الاول يكفي في الدلالة وهو متصل رواه الامام أحمد.
(فصل) الشرط الثالث أن تكون السلعة باقية بعينها لم يتلف بعضها فان تلف جزء منها كبعض أطراف
العبد أو ذهبت عينه أو تلف بعض الثوب أو انهدم بعض الدار أو اشترى شجرا مثمرا لم تظهر ثمرته فتلفت
الثمرة أو نحو هذا لم يكن للبائع الرجوع وكان أسوة الغرماء وبهذا قال اسحاق، وقال مالك والاوزاعي والشافعي والعنبري له الرجوع في الباقي ويضرب مع الغرماء بحصة التالف لانها عين يملك الرجوع في جميعها فملك الرجوع في بعضها كالذي له الخيار وكالاب فيما وهب لولده ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك متاعه بعينه عند انسان قد أفلس فهو أحق به " بشرط أن يجده بعينه وهذا لم يجده بعينه، ولانه إذا أدركه بعينه حصل له بالرجوع فصل الخصومة وانقطاع ما بينهما من المعاملة بخلاف ما إذا وجد بعضه، ولا فرق بين أن يرضى بالموجود بجميع الثمن أو يأخذ بقسطه منه لانه فات شرط الرجوع، وان كان المبيع عينين كعبدين أو ثوبين تلف أحدهما أو نقص ففي جواز الرجوع في الباقي منهما روايتان (إحداهما) لا يرجع نقلها منه أبو طالب قال لا يرجع ببقية العين ويكون أسوة الغرماء لانه لم يجد المبيع بعينه فأشبه مالو كان عينا واحدة، ولان بعض المبيع تالف فلم يملك الرجوع فيه كما لو قطعت يد العبد، ونقل الحسن بن ثواب عن أحمد ان كان ثوبا واحدا فتلف بعضه فهو أسوة الغرماء، وان كان رزما فتلف بعضها فانه يأخذ بقيتها إذا كان بعينه لان السالم من المبيع وجده البائع بعينه فيدخل في عموم الحديث المذكور، ولانه مبيع وجده بعينه فكان للبائع الرجوع فيه كما لو كان جميع المبيع، فان باع بعض المبيع أو وهبه أو وقفه فهو بمنزلة تلفه لان البائع ما أدرك ماله بعينه (فصل) فان تغيرت صفتها بما يزيل اسمها فطحن الحنطة أو زرعها أو خبز الدقيق أو عمل الزيت صابونا أو قطع الثوب قميصا، أو نسج الغزل ثوبا أو نجر الخشبة أبوابا، أو عمل الشريط إبرا أو شيئا فصل به ما أزال سقط حق الرجوع، وقال الشافعي فيه قولان (أحدهما) به أقول يأخذ عين ماله
ويعطي قيمة عمل المفلس فيها لان عين ماله موجودة، وانما تغير اسمها فأشبه مالو كان المبيع حملا فصار كبشا أو وديا فصار نخلا.
ولنا أنه لم يجد متاعه بعينه فلم يكن له الرجوع كما لو تلف والاصل الذي
قاسوا عليه ممنوع وإن سلم فانه لم يتغير اسمه بخلاف مسئلتنا (فصل) فان كان حبا فصار زرعا أو بالعكس أو نوى فنبت شجرا أو بيضا فصار فرخا سقط الرجوع، وقال القاظي لا يسقط وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي المنصوص عليهما لان الزرع نفس الحب والفرخ نفس البيضة.
ولنا أنه لم يجد عين ماله فلم يرجع كما لو أتلفه متلف فأخذ قيمته، ولان الحب أعيان ابتدأها الله تعالى لم تكن موجودة عند البيع، وكذلك أعيان الزرع والفرخ، ولو استأجر أرضا واشترى بذرا وماء فزرع وسقى واستحصد وأفلس فالمؤجر وبائع البذر والماء غرماء لاحق لهم في الرجوع لانهم لم يجدوا أعيان امواله، وعلى قول من قال له الرجوع في الزرع تكون عليه غرامة الاجرة وثمن الماء أو قيمة ذلك { مسألة } (ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية أو رهن) وهذا هو الشرط الرابع وهو أن لا يتعلق بها حق الغير فان رهنها المفلس أو وهبها لم يملك البائع الرجوع كما لو باعها أو أعتقها لان الرجوع أضرار بالمرتهن ولان يزال الضرر بالضرر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " وهذا لم يجده عند المفلس ولا نعلم في هذا خلافا، فان كان دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضي منه دين المرتهن والباقي يرد على مال المفلس يشترك فيه الغرماء، والبيع بعضه فباقيه لهم يباع أيضا ولا يرجع به البائع، وقال القاضي له الرجوع وهو مذهب الشافعي لانه عين ماله وهذا مثل تلف بعض المبيع وقد ذكرناه وما ذكره القاضي لا يخرج على المذهب لان تلف بعض المبيع يمنع الرجوع فكذلك ذهاب
بعضه بالبيع، ولو رهن بعض العبد لم يكن للبائع الرجوع في باقيه لما ذكرنا، فان كان المبيع عينين فرهن إحداهما فهل يملك البائع الرجوع في الاخرى؟ على وجهين بناء على الروايتين فيما إذا تلفت إحدى العينين، فان فك الرهن قبل فلس المشتري أو أبرأه من دينه فللبائع الرجوع لانه أدرك عين ماله عند المشتري، وإن أفلس وهو رهن فأبرأ المرتهن المشتري من دينه أو قضى الدين عن غيره فللبائع الرجوع أيضا لذلك
(فصل) فان كان المبيع شقصا مشفوعا ففيه أوجه ثلاثة (أحدها) البائع أحق به هذا قول ابن حامد للخبر ولانه إذا رجع فيه عاد الشقص إليه فيزول الضرر عن الشفيع لانه عاد كما كان قبل البيع (والثاني) أن الشفيع أحق وهو الذي ذكره شيخنا ههنا وحكاه أبو الخطاب لان حقه أسبق فكان أولى لان حق البائع ثبت بالحجر وحق الشفيع ثبت بالبيع، ولان حقه آحد لانه يستحق انتزاع الشقص من المشتري وممن نقله إليه، وحق البائع انما يتعلق بالعين مادامت في يد المشتري ولا يزول الضرر عنه برده إلى البائع بدليل مالو باعه المشتري من بائعه أو وهبه إياه أو أقاله فانه لا يسقط حق الشفيع (والوجه الثالث) أن الشفيع إن كان طالب بالشفعة فهو أحق لتأكد حقه بالمطالبة وإن لم يكن طالب فالبائع أولى.
ولاصحاب الشافعي وجهان كالاولين، وهم وجه ثالث أن الثمن يؤخذ من الشفيع فيخص به البائع جمعا بين الحقين فان غرض الشفيع في عين الشقص المشفوع وغرض البائع في ثمنه فيحصل ذلك بما ذكرنا، وليس هذا جيدا لان حق البائع انما يثبت في العين، فإذا صار الامر إلى وجوب الثمن تعلق بذمته فساوى الغرماء فيه (فصل) فان كان المبيع عبدا فأفلس المشتري بعد تعلق أرش الجناية برقبته ففيه وجهان (أحدهما) ليس للبائع الرجوع لان تعلق الرهن به يمنع الرجوع وأرش الجناية يقدم على حق المرتهن فأولى أن
يمنع وهذا ذكره أبو الخطاب (والثاني) لايمنع الرجوع لانه حق لايمنع تصرف المشتري فيه بخلاف الرهن، فان قلنا لا يرجع فحكمه حكم الرهن، وان قلنا له الرجوع فهو مخير ان شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية، وان شاء ضرب بثمنه مع الغرماء، وان أبرأ الغرماء من الجناية فللبائع الرجوع لانه وجد متاعه بعينه خاليا من تعلق حق غيره به (فصل) فان أفلس بعد خروج المبيع من ملكه ببيع أو عتق أو وقف أو غير ذلك لم يكن للبائع الرجوع لانه لم يدرك متاعه بعينه عند المفلس سواء كان المشتري يمكنه استرجاع المبيع بخيار له أو عيب في ثمنه أو رجوعه في هبة ولده أو غير ذلك لما ذكرنا، فان أفلس بعد رجوع ذلك إلى ملكه ففيه أوجه ثلاثة (أحدها) له الرجوع للخبر، ولانه أدرك عين ماله خاليا عن حق غيره أشبه مالو
لم يبعه (الثاني) لا يرجع لان هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم يملك فسخه ذكر أصحابنا الوجهين، ولاصحاب الشافعي مثل ذلك (والثالث) انه إن عاد إليه بسبب جديد كبيع أو هبة أو ارث أو وصية لم يكن للبائع الرجوع لانه لم يصل إليه من جهته، وإن عاد إليه بفسخ كالاقالة والرد بعيب أو خيار ونحوه فللبائع الرجوع لان هذا الملك استند إلى السبب الاول فان فسخ العقد الثاني لا يقتضي ثبوت الملك وانما زال السبب المزيل لملك البائع فثبت الملك بالسبب الاول فملك استرجاع ما ثبت الملك فيه ببيعه { مسألة } (ولم تزد زيادة متصله كالسمن وتعلم صنعة) وهذا هو الشرط الخامس وهو أن لا يكون المبيع زاد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم الكتابة أو القرآن ونحو ذلك فيمنع الرجوع وهذا اختيار الخرقي، وروى الميموني عن أحمد أنها لا تمنع وهو مذهب مالك والشافعي لان مالكا يخير الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به، واحتجوا بالخبر وبأنه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلم تمنع المتصلة كالرد بالعيب وفارق الطلاق فانه ليس
بفسخ، ولان الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين فيصل إلى حقه تاما وههنا لا يمكنه الرجوع في الثمن ولنا أنه فسخ بسبب حادث فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائدة زيادة متصلة كفسخ النكاح بالاعسار أو الرضاع، ولانها زيادة في ملك المفلس فلم يستحق البائع أخذها كالمنفصلة وكالحاصل بفعله، ولان النماء لم يصل إليه من البائع فلم يستحق أخذه منه كغيره من أمواله وفارق الرد بالعيب لوجهين (أحدهما) أن الفسخ فيه من المشتري فهو راض باسقاط حقه من الزيادة وتركها للبائع بخلاف مسئلتنا (الثاني) أن الفسخ لمعنى قارن العقد وهو العيب القديم والفسخ ههنا حادث فهو أشبه بفسخ النكاح الذي لا يستحق به استرجاع العين الزائدة، وقولهم ان الزوج إنما لم يرجع في العين لكونه يندفع عنه الضرر بالقيمة لا يصح فان اندفاع الضرر عنه بطريق آخر لا يمنعه من أخذ حقه من العين ولانه لو كان مستحقا للزيادة لم يسقط حقه منها بالقدرة على أخذ القيمة كمشتري المعيب، ثم كان ينبغي أن يأخذ قيمة العين زائدة لكون الزيادة مستحقة له فلما لم يكن كذلك علم أن المانع من الرجوع كون الزيادة للمرأة، ولانه لا يمكن فصلها فكذلك ههنا بل أولى فان الزيادة ههنا يتعلق بها
حق المفلس والغرماء فمنع البائع من أخذ زيادة ليست له أولى من تفويتها على الغرماء الذين لم يصلوا إلى تمام حقوقهم والمفلس المحتاج إلى تبرئة ذمته عند اشتداد حاجته، وأما الخبر فمحمول على من وجد متاعه على صفته ليس بزائد ولم يتعلق به حق آخر وههنا قد تعلق به حقوق الغرماء لما فيه من الزيادة لما ذكرنا من الدليل.
يحققه أنه إذا كان تلف بعض المبيع مانعا له من الرجوع من غير ضرر يلحق بالمفلس ولا الغرماء فلان تمنع الزيادة فيه مع تفويتها بالرجوع عليهم أولى، ولانه إذا رجع في الناقص فما رجع الافيما باعه وخرج منه، فإذا رجع في الزائد أخذ ما لم يبعه واسترجع ما لم يخرج عنه فكان بالمنع أحق
{ مسألة } (فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع والزيادة للمفلس وعنه للبائع) وجملة ذلك أن الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة والكسب لا تمنع الرجوع بغير خلاف بين أصحابنا وهو قول مالك والشافعي وسواء نقص بها المبيع أو لم ينقص إذا كان نقص صفة والزيادة للمفلس وهذا ظاهر كلام الخرقي لانه منع الرجوع بالزيادة المتصلة لكونها للمفلس فالمنفصلة أولى وهو قول ابن حامد والقاضي وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، وقال أبو بكر الزيادة للبائع وهو مذهب مالك، ونقل حنبل عن أحمد في ولد الجارية ونتاج الدابة هو للبائع لانها زيادة فكانت للبائع كالمتصلة.
ولنا أنها زيادة في ملك المشتري فكانت له كما لو رده بعيب، ولانه فسخ استحق به استرجاع العين فلم يستحق الزيادة المنفصلة كفسخ البيع بالعيب أو الخيار والاقالة وفسخ النكاح بسبب من أسباب الفسخ، ولان قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " يدل على أن النماء والغلة للمشتري لكون الضمان عليه وقياسهم على الزيادة المتصلة الاصل فيه ممنوع، ثم لو سلم ثم فالفرق ظاهر فان المتصلة تتبع في الفسوخ والرد بالعيب بخلاف المنفصلة.
قال شيخنا: ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف لظهوره، وكلام أحمد في رواية حنبل يحمل على أنه باعهما في حال حملهما فيكونان بسببين، ولهذا خص هذين بالذكر دون بقية النماء
(فصل) فان نقصت مالية المبيع لذهاب صفة مع بقاء عينه كعبد هزل أو نسي صناعة أو كتابة أو كبر أو تغير عقله أو كان ثوبا فخلق لم يمنع الرجوع لان فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله لكنه يخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه وبين أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه لان الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو علم أو نحوه فيصير كنقصه لتغير الاسعار، ولو كان المبيع أمة
ثيبا فوطئها المشتري ولم تحمل فله الرجوع فيها لما ذكرنا فانها لم تنقص في ذات ولا صفات، وان كانت بكرا فقال القاضي له الرجوع لان فقد صفة فانه لم يذهب منها جزء وانما هو كالجراح، وقال أبو بكر ليس له الرجوع لانه اذهب منها جزأ فأشبه مالو فقأ عينها، وان وجد الوطئ من غير المفلس فهو كوطئ المفلس فيما ذكرنا (فصل) وان جرح العبد أو شج فعلى قول أبي بكر لا يرجع لانه ذهب جزء ينقص به الثمن أشبه مالو فقئت عين العبد، ولانه ذهب من العين جزء له بدل فمنع الرجوع كما لو قطعت يد العبد، ولانه لو كان نقص صفة مجردة لم يكن مع الرجوع فيها شئ سواه كما ذكرنا في هزال العبد ونسيان الصنعة وههنا بخلافه، ولان الرجوع في المحل المنصوص عليه يقطع النزاع ويزيل المعاملة بينهما فلا يثبت في محل لا يثبت به هذا المقصود، وقال القاضي قياس المذهب أن له الرجوع لانه فقد صفة فأشبه نسيان الصنعة واستخلاق الثوب، فإذا رجع نظرنا في الجرح فان كان مما لا أرش كله كالحاصل بفعل الله تعالى أو فعل بهيمة أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه فليس له مع الرجوع أرش، وان كان الجرح موجبا لارش كجناية الاجنبي فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من الثمن فينظر كم نقص من قيمته فيرجع بقسط ذلك من الثمن لانه مضمون على المشتري للبائع بالثمن، فان قيل فهلا جعلتم له الارش الذي وجب على الاجنبي لانه لو لم يجب به أرش لم يرجع بشئ فلا يجوز أن يرجع بأكثر من الارش؟ قلنا لما أتلفه الاجنبي صار مضمونا باتلافه للمفلس فكان الارش له وهو مضمون على المفلس للبائع بالثمن فلا يجوز أن يضمنه بالارش، وإذا لم يتلفه أجنبي لم يكن مضمونا فلا يجب بفواته شئ، فان قيل فهلا فكان هذا الارش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع؟ قلنا
الكسب بدل منافعه ومنافعه مملوكة للمشتري بغير عوض وهذا بدل جزء من العين والعين جميعها
مضمونة بالعوض فلهذا ضمن ذلك للمشتري (فصل فان اشترى زيتا فخلطه بزيت آخر أو قمحا فخلطه بما لا يمكن تمييزه منه سقط حق الرجوع، وقال مالك يأخذ أرشه، وقال الشافعي إن خلطه بمثله أو دونه لم يسقط الرجوع وله أن يأخذ متاعه بالكيل والوزن، وإن خلطه بأجود منه ففيه قولان (احدهما) يسقط حقه، قال الشافعي وبه أقول واحتجوا بأن عين ماله موجودة من طريق الحكم فكان له الرجوع كما لو كانت منفردة ولانه ليس له أكثر من اختلاط ماله بغيره فلم يمنع الرجوع كما لو اشترى ثوبا فصبغه أو سويقا فلته.
ولنا أنه لم يجد عين ماله فلم يكن له الرجوع كما لو تلفت، ولان ما يأخذه عوضا عن ماله فلم يختص به دون الغرماء كما لو تلف ماله، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك متاعه بعينه " اي من قدر عليه وتمكن من اخذه من المفلس بدليل ما لو وجده بعد زوال ملك المفلس عنه، أو كان مسامير قد سمر بها بابا أو حجرا قد بنى عليه.
أو خشبا في سقفه أو امة استولدها وهذا إذا اخذ مثله أو قيمته انما يأخذ عوض ماله فهو كالثمن والقيمة وفارق المصبوغ فان عينه يمكنه اخذها والسويق كذلك فاختلفا { مسألة } (وان صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس) إذا صبغ المفلس الثوب أو لت السويق بزيت فقال اصحابنا لبائع الثوب والسويق الرجوع في اعيان اموالهما وهو مذهب الشافعي لان عين مالهما قائمة مشاهدة ما تغير اسمها ويكون المفلس شريكا لصاحب الثوب والسويق بما زاد عن قيمتهما فان حصل زيادة فهي له، وان حصل نقص فعليه، وإن نقصت قيمة الثوب أو السويق، فان شاء البائع اخذهما ناقصين ولا شئ له، وان شاء تركهما وله اسوة الغرماء لان هذا نقص صفة فهو كالهزال.
قال شيخنا: ويحتمل ان لا يكون له الرجوع إذا
زادت القيمة لانه اتصل بالمبيع زيادة للمفلس فمنعت الرجوع كسمن العبد.
ولان الرجوع لا يتخلص به البائع من المفلس ولا يحصل به المقصود من قطع المنازعة وازالة المعاملة.
بل يحصل له ضرر الشركة
فلم يكن في معنى المنصوص عليه فلا يمكن إلحاقه به (فصل) فان قصر الثوب لم يخل من حالين (احدهما) ان لا تزيد قيمته بذلك فللبائع الرجوع فيه لان عين ماله قائمة لم يزل اسمها ولم يتلف بعضها ولا اتصلت بغيرها فكان له الرجوع كما لو علم العبد صناعة لم تزد بها قيمته، وسواء نقصت قيمته بذلك أو لم تنقص لان ذلك النقص نقص صفة فلا فلا يمنع الرجوع كنسيان صناعة وهزال العبد ولا شئ له مع الرجوع (الثاني) أن تزيد قيمته بذلك فليس للبائع الرجوع في قياس قول الخرقي لانه زاد زيادة لا تتميز زيادتها فلم يملك البائع الرجوع فيه كسمن العبد ولانه لم يجد عين ماله متميزة عن غيرها فلم يملك الرجوع كبائع الصبغ إذا صبغ به، وقال القاضي وأصحابه له الرجوع فيها لانه أدرك متاعه بعينه ولانه وجد عين ماله لم يتغير اسمها ولا ذهبت عينها فملك الرجوع فيها كما لو صبغها فعلى قولهم إن كانت القصارة بعمل المفلس أو بأجرة وفاها فهما شريكان في الثوب فإذا كانت قيمة الثوب خمسة فصار يساوي ستة فللمفلس سدسه وللبائع خمسة أسداسه فان اختار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس لزمه قبولها لانه يتخلص بذلك من ضرر الشركة من غير مضرة تلحقه فأشبه مالو دفع الشفيع قيمة البناء إلى المشتري، وان لم يختر بيع الثوب وأخذ كل واحد بقدر حقه، وان كان العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب على استيفاء أجره فان كانت الزيادة بقدر الاجر دفعت إليه، وإن كانت أقل فله حبس الثوب على قدر الزيادة ويضرب مع الغرماء بما يبقى، وان كانت أكثر مثل أن تكون الزيادة درهمين والاجر درهم فله قدر أجره وما فضل للغرماء
(فصل) وان اشترى صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا فلت به سويقا فبائعهما أسوة الغرماء، وقال أصحاب الشافعي له الرجوع لانه وجد عين ماله.
قالوا ولو اشتري ثوبا وصبغا فصبغ الثوب بالصبغ رجع بائع كل شئ في عين ماله وكان بائع الثوب، وان حصل نقص فهو من صاحب الصبغ لانه الذي يتفرق وينقص والثوب بحاله فإذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ خمسة فصارت قيمتهما اثنا عشر كان لصاحب الثوب خمسة أسداس الثوب وللاخر سدسه ويضرب مع
الغرماء بما نقص وذلك ثلاثة دراهم وذكر القاضي في موضع مثل هذا ولنا أنه لم يجد عين ماله فلم يكن له الرجوع كما لو تلف ولان المشتري شغله بغيره على وجه البيع فلم يملك بائعه الرجوع فيه كما لو كان حجرا فبنى عليه أو مسامير سمر بها بابا، ولو اشترى ثوبا وصبغا من واحد فصبغه به فقال أصحابنا هو كما لو كان الصبغ من غير بائع الثوب، فعلى قولهم يرجع في الثوب وحده ويكون المفلس شريكا له بزيادة الصبغ ويضرب مع الغرماء بثمن الصبغ، ويحتمل أن يرجع فيهما ههنا لانه وجد عين ماله متميزا عن غيره فكان له الرجوع فيه للخبر ولان المعنى في المحل الذي ثبت فيه الرجوع موجود ههنا فملك الرجوع به كما يملكه ثم، ولو اشترى دفوفا ومسامير من بائع واحد فسمرها به رجع بائعهما فيهما لذلك وكذلك ما أشبهه (فصل) ولو اشترى أمة حاملا ثم أفلس وهي حامل فله الرجوع فيها إلا أن يكون الحمل قد زاد بكبره وكثرت قيمتها بسببه فيكون من قبيل الزيادة المتصلة على ما مضى، وان أفلس بعد وضعها فقال القاضي له الرجوع فيهما بكل حال من غير تفصيل.
قال شيخنا والصحيح أننا إن قلنا إن الحمل لاحكم له فالولد زيادة منفصلة لا يمنع الرجوع فيها على قول أبي بكر لان الزيادة المنفصلة عنده للبائع وهذه زيادة منفصلة، وعلى قول غيره يكون الولد للمفلس فيحتمل أن يمتنع الرجوع في الام لئلا يفضي
إلى التفريق بين الام وولدها، ويحتمل أن يرجع في الام ويدفع قيمة الولد ليكونا جميعا له وإن لم يفعل بيعت الام وولدها جميعا وقسم الثمن على قدر قيمتهما فما خص الام فهو للبائع وما خص الولد للمفلس وإن قلنا ان للولد حكما وهو الصحيح لما ذكرناه فيما تقدم كانت الام والولد قد زادا بالوضع فحكمه حكم المبيع الزائد زيادة متصلة، وان لم يزيدا جاز الرجوع فيهما، وان زاد أحدهما دون الآخر خرج على الروايتين فيما إذا كان المبيع عينين فتلف بعض إحداهما هل يمنع ذلك الرجوع في الاخرى؟ كذلك يخرج ههنا وجهان (أحدهما) أن له الرجوع فيما لم يزد دون ما زاد فيكون حكمه حكم الرجوع في الام دون الولد على ما فصلناه (والثاني) ليس له الرجوع في شئ منهما لانه لم يجد المبيع إلا زائدا فأشبه العين الواحدة، فان كان المبيع حيوانا غير الامة فحكمه حكمها إلا في التفريق بينهما
فانه جائز بخلاف الامة (فصل) فان اشترى حائلا فحملت ثم أفلس وهي حامل فزادت قيمتها به فهي زيادة متصلة تمنع الرجوع على قول الخرقي ولا تمنعه على رواية الميموني، وإن أفلس بعد وضعها فهي زيادة منفصلة فتكون للمفلس على الصحيح وتمنع الرجوع في الام دون ولدها لما فيه من التفريق بينهما وهذا أحد قولي الشافعي، ويحتمل أن يرجع في الام على ما ذكرنا في التي قبلها، وعلى قول أبي بكر الزيادة للبائع فيكون له الرجوع فيهما، وقال القاضي إذا وجدها حاملا انبنى على أن الحمل هل له حكم أولا؟ فان قلنا لا حكم له جرى مجرى الزيادة المتصلة، وان قلنا له حكم فالولد في حكم المنفصل تتربص به حتى تضع ويكون الحكم فيه كما لو وجده بعد وضعه، وإن كان الحمل في غير الآدمية جاز التفريق بينهما كما تقدم (فصل) فان كان المبيع نخلا أو شجرا فأفلس المشتري لم يخل من أربعة احوال (أحدها) أن
يفلس وهي بحالها لم تزد ولم تثمر ولم يتلف بعضها فله الرجوع فيها (الثاني) أن يكون فيها ثمر ظاهر أو طلع مؤبر فيشترطه المشتري فيأكله أو يتصرف فيه أو يذهب بجائحة ثم يفلس فهذا في حكم مالو اشترى عينين فتلفت إحداهما ثم أفلس فهل للبائع الرجوع في الاصول ويضرب مع الغرماء بحصة التالف من الثمر؟ على روايتين وان تلف بعضها فهو كتلف جميعها، وان زادت أو بدا صلاحها فهذه زيادة متصلة في إحدى العينين وقد ذكرنا بيان حكمها (الحال الثالث) أن يبيعه نخلا قد أطلعت ولم تؤبر أو شجرا فيه ثمرة لم تظهر فهذه تدخل في مطلق البيع فان أفلس بعد تلف الثمرة أو بعضها أو الزيادة فيها أو بدو صلاح فحكم ذلك حكم تلف بعض المبيع وزيادته المتصلة لان المبيع كان بمنزلة العين الواحدة ولهذا دخل الثمر في مطلق البيع بخلاف التي قبلها (الحال الرابع) باعه نخلا حائلا فأطلعت أو شجرا فأثمر فذلك على أربعة أضرب (أحدها) أن يفلس قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة تمنع الرجوع وهو اختيار الخرقي كالسمن ويحتمل أن يرجع في النخل دون الطلع لانه يمكن فصله ويصح افراده بالبيع فهو كالمؤبر بخلاف السمن وهذا قول ابن حامد، وعلى رواية الميموني لا يمنع بل يرجع ويكون الطلع للبائع كما لو
فسخ العيب وهو أحد قولي الشافعي، والقول الثاني يرجع في الاصل دون الطلع وكذلك عندهم الرد بالعيب والاخذ بالشفعة (الضرب الثاني) أفلس بعد التأبير وظهور الثمرة فلا يمنع الرجوع والطلع للمشتري إلا على قول أبي بكر والصحيح الاول لان الثمرة لاتتبع في البيع الذي يثبت بتراضيهما ففي الفسخ الحاصل بغير رضا المشتري أولى، ولو باعه أرضا فارغه فزرعها المشتري ثم أفلس فانه يرجع في الارض دون الزرع وجها واحدا لان ذلك من مال المشتري (الضرب الثالث) أفلس والطلع غير مؤبر فلم يرجع حتى أبر لم يكن له الرجوع فيه كما لو أفلس بعد التأبير لان العين لا تنتقل الا باختياره وهذا لم يخترها
إلا بعد تأبيرها.
فان ادعى البائع الرجوع قبل التأبير وأنكر المفلس فالقول قول المفلس مع يمينه لان الاصل بقاء ملكه، وان قال البائع بعت بعد التأبير وقال المفلس بل قبله فالقول قول البائع لهذه العلة فان شهد الغرماء للمفلس لم تقبل شهادتهم لانهم يجرون إلى أنفسهم نفعا، وان شهدوا للبائع وهم عدول قبلت شهادتهم لعدم التهمة في حقهم (الضرب الرابع) أفلس بعد أخذ الثمن أو ذهابها بجائحة أو غيرها فله الرجوع في الاصل والثمرة للمشتري إلا على قول أبي بكر، وكل موضع لا يتبع الثمر الشجر إذا رجع البائع فيه فليس له مطالبة المفلس بقطع الثمرة قبل أوان الجزاز، وكذلك إذا رجع في الارض وفيها زرع للمفلس فليس له المطالبة بأخذه قبل أوان الحصاد لان المشتري زرع في أرضه بحق فطلعه على الشجر بحق فلم يلزمه أخذه قبل كماله كما لو باع الاصل وعليه الثمرة أو الارض وفيها زرع وليس على صاحب الزرع أجر لانه زرع في أرضه زرعا يحب تبقيته فكأنه استوفى منفعة الارض فلم يكن عليه ضمان ذلك، إذا ثبت هذا فان اتفق المفلس والغرماء على التبقية أو القطع فلهم ذلك، وان اختلفوا فطلب بعضهم القطع وبعضهم التبقية وكان مما لا قيمة له مقطوعا أو قيمته يسيرة لم يقطع لان قطعه سفه وإضاعة مال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اضاعته وإن كانت قيمته كثيرة قدم قول من طلب القطع في أحد الوجهين لان في تبقيته غررا ولان طالب القطع ان كان المفلس فهو يقصد تبرئة ذمته وإن كان الغرماء فهم يطلبون تعجيل حقوقهم وذلك حق لهم وهذا قول القاضي وأكثر الشافعية (الثاني) ينظر ما فيه الحظ فيعمل به لان ذلك أنفع للجميع والظاهر سلامته، ولهذا يجوز أن يزرع
للمولي عليه، وفيه وجه آخر ان كان الطالب القطع الغرماء وجب اجابتهم لان حقوقهم حالة فلا يلزمهم تأخيرها مع إمكان ايفائها، وان كان الطالب المفلس دونهم وكان التأخير أحظ لم يقع لانهم رضوا
بتأخير حقوقهم لحظ يحصل لهم وللمفلس، والمفلس يطلب ما فيه ضرر بنفسه ومنع الغرماء من استيفاء القدر الذي يحصل من الزيادة بالتأخير فلا يلزم الغرماء اجابته إلى ذلك (فصل) فان أقر الغرماء بالطلع أو الزرع للبائع ولم يشهدوا به أو شهدوا به وليسوا عدولا أو لم يحكم بشهادتهم حلف المفلس وثبت الطلع له ينفرد به دونهم لانهم يقرون أنه لا حق لهم فيه، فان أراد دفعه إلى أحدهم أو تخصيصه بثمنه فله ذلك لاقرار باقيهم أنه لا حق لهم فيه فان امتنع ذلك الغريم من قبوله أجبر عليه أو على الابراء من قدره من دينه وهذا مذهب الشافعي لانه محكوم به للمفلس فكان له أن يقضي دينه منه كما لو أدى المكاتب نجوم كتابته إلى سيده فقال سيده هي حرام وأنكر المكاتب، إن أراد قسمه على الغرماء لزمهم قبوله أو الا براء لما ذكرنا، فان قبضوا الثمرة بعينها لزمهم ردها إلى البائع لانهم مقرون له بها فلزمهم دفعها إليه كما لو أقروا بعتق عبد ثم اشتروه، فان باع الثمرة وقسم ثمنها فيهم أو دفعه إلى بعضهم لم يلزمه رد ما أخذ من ثمنها لانهم اعترفوا بالعين لا بثمنها وإن شهد بعضهم دون بعض، أو أقر بعضهم دون بعض لزم الشاهد أو المقر الحكم الذي ذكرناه دون غيره، وإن عرض عليهم المفلس الثمرة بعينها فأبوا أخذها لم يلزمهم ذلك لانهم انما يلزمهم الاستيفاء من جنس ديونهم إلا أن يكون فيهم من له من جنس الثمر أو الزرع كالمقرض والمسلم فيلزمه أخذ ما عرض عليه إذا كان بصفة حقه، ولو أقر الغرماء، بأن المفلس أعتق عبدا له قبل فلسه فأنكر ذلك لم يقبل قولهم إلا أن يشهد منهم عدلان باعتاقه ويكون حكمهم في قبض العبد وأخذ ثمنه إن عرضه عليهم حكم مالو أقروا بالثمرة للبائع، وكذلك إن أقروا بعين ما في يديه أنها غصب أو عارية أو نحو ذلك فالحكم كما ذكرنا سواء، وان أقروا بأنه أعتق عبده بعد فلسه انبنى ذلك على صحة عتق المفلس، فان
قلنا لا يصح عتقه فلا أثر لاقرارهم، وإن قلنا بصحته فهو كاقرارهم بعتقه قبل فلسه فان حكم الحاكم
بصحته أو بفساده نفذ حكمه لانه فصل مجتهد فيه فلزم ما حكم به الحاكم ولا يجوز نقضه ولا تغييره (فصل) فان صدق المفلس البائع في الرجوع قبل التأبير وكذبه الغرماء لم يقبل اقراره لان حقوقهم تعلقت بالثمرة ظاهرا فلم يقبل اقراره كما لو أقر بالنخيل وعلى الغرماء اليمين أنهم لا يعلمون أن البائع رجع قبل التأبير لان هذه اليمين لا ينوبون فيها عن المفلس بل هي ثابتة في حقهم ابتداء بخلاف مالو ادعى حقا وأقام شاهدا فلم يحلف لم يكن للغرماء أن يحلفوا مع الشاهد لان اليمين على المفلس فلو حلفوا حلفوا ليثبتوا حقا لغيرهم ولا يحلف الانسان ليثبت لغيره حقا ولا يجوز أن يكون نائبا فيها لان الايمان لا تدخلها النيابة وفي مسئلتنا الاصل أن هذا الطلع قد تعلقت حقوقهم به لكونه في يد غريمهم ومتصل بنخله، والبائع يدعي ما يزيل حقوقهم عنه فأشبه سائر اعيان ماله ويحلفون على نفي العلم لانه يمين على فعل غيرهم فكانت على نفي العلم كيمين الوارث على نفي الدين على الميت، ولو أقر المفلس بعين من أعيان ماله لاجنبي أو لبعض الغرماء فأنكر الباقون فالقول قولهم وعليهم اليمين أنهم لا يعلمون ذلك ومثله لو أقر بغريم آخر يستحق مشاركتهم فأنكروه حلفوا أيضا على نفي العلم لذلك وان أقر بعتق عبده انبنى على صحة عتق المفلس فان قلنا بصحة عتقه صح اقراره وعتق لان من ملك شيئا ملك الاقرار به وان قلنا لا يصح عتقه لم يقبل إقراره وعلى الغرماء اليمين أنهم لا يعلمون ذلك، وكل موضع قلنا على الغرماء اليمين فهي على جميعهم فان حلفوا والا قضي للمدعي الا أن نقول برد اليمين على المدعي فيحلف ويستحق، وان حلف بعضهم دون بعض أخذ الحالف نصيبه وحكم الناكل على ما ذكرنا (فصل) وان أقر المفلس أنه أعتق عبده منذ سنة وكان العبد قد اكتسب بعد ذلك مالا وأنكر
الغرماء فان قلنا لا يقبل اقراره حلفوا واستحقوا العبد وكسبه، فان قلنا يقبل اقراره لم يقبل في كسبه كان للغرماء أن يحلفوا أنهم لا يعلمون أنه أعتقه قبل الكسب ويأخذون كسبه لان اقراره انما قبل في العتق دون غيره لصحته منه لكونه ينبني على التغليب والسراية فلا يقبل في المال لعدم ذلك فيه ولا ننا نزلنا اقراره منزلة اعتاقه في الحال فلم نثبت به الحرية فيما مضى فيكون كسبه محكوما به لسيده كما لو أقر بعتقه ثم أقر له بعين في يده
{ مسألة } (وإن غرس الارض أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكه الا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص) إذا كان المبيع أرضا فبناها المشتري أو غرسها ثم أفلس فأراد البائع الرجوع في الارض نظرت فان اتفق المفلس والغرماء على قلع الغراس والبناء فلهم ذلك لان الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا قلعوه فللبائع الرجوع في أرضه لانه وجد عين ماله، فان أراد الرجوع قبل القلع فله ذلك وهو مذهب الشافعي لانه أدرك متاعه بعينه وفيه مال المشتري على وجه البيع فلم يمنعه الرجوع كما لو صبغ الثوب ويحتمل أن لا يستحقه الا بعد القلع لانه قبل القلع لم يدرك متاعه الا مشغولا بملك المشتري فأشبه مالو كان مسامير في باب المشتري، فان قلنا له الرجوع قبل القلع فقلعوه لزمهم تسوية الارض وأرش نقص الارض الحاصل به لان ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان عليه كما لو دخل فصيل دار انسان فكبر فأراد صاحبه اخراجه فلم يمكن الا بهدم بابها فان الباب يهدم ليخرج ويضمن صاحبه ما نقص بخلاف ما إذا وجد البائع عين ماله ناقصة فرجع فيها فانه لا يرجع في النقص فان النقص كان
في ملك المفلس وههنا حدث بعد رجوعه في العين فلهذا ضمنوه، ويضرب بالنقص مع الغرماء، وان قلنا ليس له الرجوع قبل القلع لم يلزمهم تسوية الحفر ولا أرش القص لانهم فعلوا ذلك في أرض المفلس قبل رجوع البائع فيها فلم يضمنوا النقص كما لو قلعه المفلس قبل فلسه فان امتنع المفلس والغرماء من القلع لم يجبروا عليه لانه غرس بحق، ومفهوم قوله عليه السلام " ليس لعرق ظالم حق " أنه ان لم يكن ظالما فله حق فان بذل البائع قيمة الغراس والبناء ليملكه أو قال أنا أقلع وأضمن النقص فله ذلك أن قلنا له الرجوع قبل القلع لان البناء والغراس حصل في ملكه لغيره بحق فكان له أخذه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه كالشفيع إذا أخذ الارض وفيها غراس أو بناء للمشتري والمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير، وان قلنا ليس له الرجوع قبل القلع لم يكن له ذلك لانه بناء المفلس وغرسه فلم يجبر على بيعه لهذا البائع ولا على قلعه كما لو لم يرجع في الارض { مسألة } (فان أبوا القلع وأبى دفع القيمة سقط الرجوع)
وهذا قول ابن حامد وأحد الوجهين لاصحاب الشافعي، وقال القاضي يحتمل أن له الرجوع وهو قول للشافعي لانه أدرك متاعه بعينه متصلا بملك المشتري على وجه التبع فلم يمنع الرجوع كالثوب إذا صبغه المشتري
ولنا أنه لم يدرك متاعه على وجه يمكنه أخذه منفردا عن غيره فلم يكن له أخذه كالحجر في البناء والمسامير في الباب ولان في ذلك ضررا على المشتري والغرماء، و لا يزال الضرر بالضرر ولانه لا يحصل بالرجوع ههنا انقطاع النزاع والخصومة بخلاف ما إذا وجدها غير مشغولة بشئ، وأما الثوب إذا صبغه فلا نسلم أن له الرجوع، وان سلمنا فالفرق بينهما من وجهين (احدهما) أن الصبغ تفرق في الثوب فصار كالصفة بخلاف البناء والغراس فانهما اعيان متميزة وأصل في نفسه (الثاني) أن الثوب لايراد للبقاء بخلاف الارض والبناء فإذا قلنا لا يرجع فلا كلام، وان قلنا يرجع فرجع واتفق الجميع على بيعهما بيعا لهما كذا ههنا، ويحتمل أن لا يجبر لانه يمكن طالب البيع أن يبيع ملكه منفردا بخلاف الثوب المصوغ فان بيعا لهما قسم الثمن على قدر القيمتين فتقوم الارض لاشجر فيها ولا بناء ثم تقوم وهما فيها فما كان قيمة الارض بغير غراس ولا بناء فللبائع قسطه من الثمن والزائد للمفلس والغرماء، وان قلنا لا يجبر على البيع أو لم يطلب احدهما البيع فان اتفقا على كيفية كونهما بينهما جاز ما اتفقا عليه، وان اختلفا كانت الارض للبائع والغراس والبناء للمفلس والغرماء ولهم دخول الارض لسقي الشجر وأخذ الثمرة وليس لهم دخولها للتفرج أو لغير حاجة، وللبائع دخولها للزرع ولما شاء لان الارض ملكه، فان باعوا الشجر والبناء لانسان فحكمه في ذلك حكمهم، فان بذل المفلس والغرماء أو المشتري
للبائع قيمة الارض ليدعها لهم لم يلزمه ذلك لان الارض أصل فلا يجبر على بيعها بخلاف الغراس والبناء (فصل) فان اشترى غراسا فغرسه في أرضه ثم أفلس ولم يزد الغراس فله الرجوع فيه لانه ادرك متاعه بعينه، فإذا اخذه فعليه تسوية الارض وارش نقصها الحاصل بقلعه لانه نقص حصل لتخليص ملكه من ملك غيره، وان بذل المفلس والغرماء قيمته له ليملكوه لم يجبر على قبولها لانه إذا اختار
اخذ ماله وتفريغ ملكهم وإزالة ضرره عنهم لم يكن لهم منعه كالمشتري إذا غرس في الارض المشفوعة وإن امتنع من القلع فبذلوا له القيمة ليملكه المفلس أو أرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك، وكذلك لو أرادوا قلعه من غير ضمان النقص لان المفلس انما ابتاعه مقلوعا فلم يجب عليه ابقاؤه في أرضه، وقيل ليس لهم قلعه من غير ضمان النقص لانه غرس بحق فأشبه غرس المفلس في الارض التي ابتاعها إذا رجع بائعها فيها، والفرق بينهما ظاهر فان ابقاء الغراس في هذه الصورة حق عليه فلم يجب عليه بفعله، وفي التي قبلها ابقاؤه حق له فوجب له بغراسه في ملكه، فان اختار بعضهم القلع وبعضهم التبقية قدم قول من طلب القلع سواء كان المفلس أو الغرماء أو بعض الغرماء لان الابقاء ضرر غير واجب فلم يلزم الممتنع من الاجابة إليه، وإن زاد الغراس في الارض فهي زيادة متصلة تمنع الرجوع إلا على رواية الميموني
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: