الفقه الحنبلي - الشفعة - المساقاة
عرضناه على المقومين وان
تعذر احضاره فالقول قول المشتري كما لو اختلفا في قدره فان ادعى جهل قيمته فهو على ما ذكرنا فيما إذا ادعى جهل ثمنه وان اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال
المشترى أنا أحدثته فانكر فالقول قول المشتري لانه ملكه والشفيع يريد تملكه عليه فكان القول قول المالك (مسألة) (وان قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف فان قال المشترى غلطت فهل يقبل قوله مع يمينه؟ على وجهين) وجملة ذلك أن للشفيع أن يأخذه بما قال المشترى لان المشترى مقر له باستحقاقه بألف ويدعي أن البائع ظلمه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان حكم الحاكم بالفين أخذه الشفيع بهما لان الحاكم إذا حكم عليه بالبينة بطل قوله وثبت ما حكم به ولنا أن المشتري يقر بأن هذه البينة كاذبة وأنه ظلم بالف فلم يحكم له به وانما حكم بها للبائع لانه لا يكذبها فان قال المشتري صدقت البينة وكنت أنا كاذبا أو ناسيا ففيه وجهان (احدهما) لا يقبل رجوعه لانه رجوع عن اقرار تعلق به حق آدمي غيره فاشبه مالو أقر له بدين (والثاني) يقبل
قوله وقال القاضي هو قياس المذهب عندي كما لو أخبر في المرابحة بثمن ثم قال غلطت والثمن أكثر قبل قوله مع يمينه بل ههنا أولى لانه قد قامت البينة بكذبه وحكم الحاكم بخلاف قوله فقبل رجوعه عن الكذب، وان لم تكن للبائع بينة فتحالفا فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع، فان أراد أخذه بما حلف عليه المشتري لم يكن له ذلك لان للبائع فسخ البيع وأخذه بما قال المشتري يمنع ذلك، ولانه يفضي إلى الزام العقد بما حلف عليه المشتري ولا يملك ذلك، فان رضي المشترى بأخذه بما قال البائع جاز وملك الشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه المشتري لان حق البائع من الفسخ قد زال فان عاد المشتري فصدق البائع وقال الثمن الفان وكنت غالطا فهل للشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه؟ فيه وجهان كما لو قامت به بينة (فصل) ولو اشترى شقصا له شفيعان فادعى على أحد الشفيعين أنه عفا عن الشفعة وشهد له بذلك الشفيع الآخر قبل عفوه عن شفعته لم تقبل شهادته لانه يجر إلى نفسه نفعا وهو توفر الشفعة عليه
فإذا ردت شهادته ثم عفا عن الشفعة ثم أعاد تلك الشهادة لم تقبل لانها ردت للتهمه فلم تقبل بعد زوالها كشهادة الفاسق إذا ردت ثم تاب وأعادها لم تقبل، ولو لم يشهد حتى عفا قبلت شهادته لعدم التهمة ويحلف المشتري مع شهادته ولو لم تكن بينة فالقول قول المنكر مع يمينه وان كانت الدعوى على
الشفيعين معا فحلفا ثبتت الشفعة وان حلف أحدهما ونكل الآخر نظرنا في الحالف فان صدق شريكه في الشفعة في أنه لم يعف لم يحتج إلى يمين وكانت الشفعة بينهما لان الحق له فان الشفعة تتوفر عليه إذا سقطت شفعة شريكه وان ادعى أنه عفا فنكل قضي له بالشفعة كلها وسواء ورثا الشفعة أو كانا شريكين، فان شهد أجنبي بعفو أحد الشفيعين واحتيج إلى يمين معه قبل عفو الآخر حلف وأخذ الكل بالشفعة وان كان بعده حلف المشتري وسقطت الشفعة ء وان كانوا ثلاثة شفعاء فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو بعد عفوهما قبلت وان شهدا قبله ردت، وان شهدا بعد عفو أحدهماو قبل عفو الآخر ردت شهادة غير العافي وقبلت شهادة العافي وان شهد البائع بعفو الشفيع عن شفعته بعد قبض الثمن قبلت شهادته، وان كان قبله قبلت شهادة قبلت في أحد الوجهين لانهما سواء عنده (والثاني) لا تقبل لانه يحتمل أن يكون قصد ذلك ليسهل استيفاء الثمن لان المشتري يأخذ الشقص من الشفيع فيسهل عليه وفاؤه أو يتعذر على المشتري الوفاء لفلسه فيستحق استرجاع المبيع، وان شهد لمكاتبه بعفو شفعته أو شهد بشراء شئ لمكاتبه فيه شفعة لم تقبل لان المكاتب عبده فلا تقبل شهادته له كمدبره ولان ما يحصل للمكاتب ينتفع به السيد لانه ان عجز صار له وان لم يعجز سهل عليه وفاؤه وان شهد على مكانبه بشئ من ذلك قبلت شهادته لانه غير متهم فأشبه الشهادة على ولده (مسألة) (وان ادعى أنك اشتريته بألف قال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه فان نكل
أو قامت للشفيع بينة فله اخذه ويقال للمشترى اما أن تقبل الثمن أو تبرئ منه) وجملة ذلك أنه إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء انك اشتريت نصيبك فلي أخذه بالشفعة فانه يحتاج إلى تحرير دعواه فيحدد المكان الذى فيه الشقص ويذكر ققدر الشقص والثمن ويدعي
الشفعة فيه فإذا ادعى سئل المدعى عليه فان أقر لزمه وان أنكر وقال إنما اتهبته أو ورثته فلا شفعة لك فيه فالقول قول من ينفيه كما لو ادعى عليه نصيبه من غير شفعة فان حلف برئ وان نكل قضي عليه وان قال لا يستحق علي شفعة فالقول قوله مع يمينه ويكون يمينه على حسب قوله في الانكار وإذا نكل وقضي عليه بالشفعة عرض عليه الثمن فإذا أخذه دفع إليه، وان قال لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري فيدفع إليه كما لو أقر له بدار فانكرها (والثاني) يأخذه الحاكم فيحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه، ومتى ادعاه المشتري دفع إليه (والثالث) يقال له اما أن تقبضه واما ان تبرئ منه كسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال الكتابة فادعى أنه حرام احتاره القاضي، وهذا يفارق المكاتب لان سيده يطالبه بالوفاء من غير هذا الذي أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد دعوى سيده تحريم ما أتاه به وهذا لا يطالب الشفيع بشئ فلا ينبغي ان يكلف الابراء مما يدعيه والوجه الاول أولى ان شاء الله تعالى
(فصل) فان قال اشتريته لفلان وكان حاضرا استدعاه الحاكم وسأله فان صدقه كان الشراء له والشفعة عليه، وان قال هذا ملكي ولم اشتره انتقلت الخصومة إليه وان كذبه حكم بالشراء لمن اشتراه وأخذه منه بالشفعة وإن كان المقر له غائبا أخذه الحاكم ودفعه إلى الشفيع وكان الغائب على حجته إذا قدم لاننا لو وقفنا الامر في الشفعة إلى حضور المقر له كان في ذلك اسقاط الشفعة لان كل مشتر يدعي أنه لغائب، وان قال اشتريته لابني الطفل أو لهذا الطفل وله عليه ولاية لم تثبت الشفعة في أحد الوجهين لان الملك ثبت للطفل ولا تجب الشفعة باقرار الولي عليه لانه إيجاب حق في مال صغير باقرار وليه (والثانى) تثبت لانه يملك الشراء له فصح اقراره فيه كما يصح اقراره بعيب في مبيعه، فاما ان ادعى عليه شفعة في شقص فقال هذا لفلان الغائب أولفلان الطفل ثم أقر بشرائه له لم تثبت فيه الشفعة الا ان تثبت ببينة أو يقدم الغائب ويبلغ الطفل فيطالبهما بها لان الملك ثبت لهما باقراره به واقراره بالشراء بعد ذك اقرار في ملك غيره فلا يقبل بخلاف ما إذا أقر بالشراء ابتداء لان الملك ثبت لهما بذلك الاقرار المثبت للشفعة فثبتا جميعا وان لم يذكر سبب الملك لم يسأله الحاكم عنه ولم يطالب ببيانه لانه لو صرح
بالشراء لم تثبت به شفعة فلا فائدة في الكشف عنه ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا.
(فصل) وإذا كانت دار بين حاضر وغائب فادعى الحاضر على من في يده نصيب الغائب أنه اشتراه
منه وأنه يستحقه بالشفعة فصدقه فللشفيع أخذه بالشفعة لان من في يده العين يصدق في تصرفه فيما في يده، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه ولاصحاب الشافعي في ذلك وجهان (أحدهما) ليس له أخذه لان هذا اقرار على غيره ولنا أنه أقر بما في يده فقبل اقراره كما لو أقر بأصل ملكه، وهكذا لو ادعى عليه انك بعت نصيب الغائب باذنه وأقر له الوكيل كان كاقرار البائع بالبيع فإذا قدم الغائب فانكر البيع أو الاذن في البيع فالقول قوله مع يمينه وينتزع الشقص ويطالب بأجرته من شاء منهما ويستقر الضمان على الشفيع لان المنافع تلفت تحت يده، فان طالب الوكيل رجع عل الشفيع وان طالب الشفيع لم يرجع على أحد وان ادعى على الوكيل أنك اشتريت الشقص الذي في يدك فانكر وقال إنما أنا وكيل فيه أو مستودع له فالقول قوله مع يمينه وإن كان للمدعي بينة حكم بها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي مع أن أبا حنيفة لا يرى القضاء على الغائب لان القضاء ههنا على الحاضر لوجوب الشفعة عليه واستحقاقه انتزاع الشقص من يده فحصل القضاء على الغائب ضمنا، فان لم تكن بينة وطلب الشفيع بينة ونكل الوكيل عنها احتمل أن يقضى عليه لانه لو أقر لقضي عليه فكذلك إذا نكل واحتمل ان لا يقضى عليه لانه قضاء على الغائب
بغير بينة ولا اقرار من الشقص في يده (فصل) وإذا ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه فقال ليس له ملك في شركتي فعلى الشفيع اقامة البينة بالشركة وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي، وقال أبو يوسف إذا كان في يده استحق الشفعة به لان الظاهر من اليد الملك ولنا ان الملك لا يثبت بمجرد اليد وإذا لم يثبت الملك الذي يستحق به الشفعة لم تثبت ومجرد الظاهر لا يكفي كما لو ادعى ولد أمة في يده فان ادعى أن المدعى عليه يعلم أنه شريك فعلى المشتري اليمين أنه
لا يعلم ذلك لا نها يمين على نفي فعل الغير فمكانت على العلم كاليمين على نفي دين الميت فإذا حلف سقطت دعواه وان نكل قضي عله (فصل) إذا ادعى على شريكه انك اشتريت نصيبك من عمرو فلي شفعته فصدقه عمرو وأنكر الشريك وقال بل ورثته من أبي فأقام المدعي بينة أنه كان ملك عمر ولم تثبت الشفعة بذلك وقال محمد تثبت ويقال له اما أن تدفعه وتأخذ الثمن واما أن ترده إلى البائع فيأخذه الشفيع لانهما شهدا بالملك لعمرو فكأنهما شهدا بالبيع ولنا أنهما لم يشهدا بالبيع واقرار عمرو على المنكر بالبيع لا يقبل لانه اقرار على غيره فلا يقبل في حقه ولا تقبل شهادته عليه وليست الشفعة من حقوق العقد فيقبل فيها قول البائع فصار بمنزلة مالو
حلف اني ما اشتريت الدار فقال من كانت الدارملكه أنا بعته إياها لم يقبل عليه في الحنث ولا يلزم إذا أقر البائع بالبيع والشقص في يده وأنكر المشتري الشراء لان الذي في يده الدار مقربها للشفيع ولا منازع له فيها سواه وههنا من الدار في يده يدعيها لنفسه والمقر بالبيع لا شئ في يده ولا يقدر على تقسيم الشقص فافترقا (مسألة) (وإن كان عوضا في الخلع والصداق والصلح عن دم العمد وقلنا بوجوب الشفعة فيه فقال القاضي يأخذه بقيمته) قال وهو قياس قول ابن حامد وهو قول مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى لانه ملك الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له مثل فوجب الرجوع إلى قيمته في الاخذ بالشفعة كما لو باعه بسلعة لامثل لها ولا ننا لو أوجبنا مهر المثل لا فضى إلى تقويم البضع على الاجانب واضر بالشفيع لان المهر يتفاوت مع المسمى لتسامح الناس فيه في العادة بخلاف البيع وقال غير القاضي يأخذه بالدية ومهر المثل وحكاه الشريف أبو جعفر عن ابن حامد وهو قول العكلي والشافعي لانه ملك الشقص ببدل ليس له مثل فيجب الرجوع إلى قيمة البدل إذا لم يكن نقدا ولا مثليا وعوض الشقص هو البضع وقيمة البضع مهر المثل.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه نص عليه ويحتمل ان تجب) لا تثبت الشفعة في بيع الخيار قبل انقضائه سواء كان الخيار لهما أو لاحدهما وحده أيهما كان، وقال أبو الخطاب يتخرج أن تثبت الشفعة لان الملك انتقل فثبتت الشفعة في مدة الخيار كما بعد انقضائه، وقال أبو حنيفة ان كان الخيار للبائع أو لهما لم تثبت الشفعة حتى يتقضي لان في الاخذ بها اسقاط حق البائع من الفسخ وإلزام البيع في حقه بغير رضاه ولان الشفيع انما يأخذ من المشترى ولم ينتقل الملك إليه وان كان الخيار للمشتري فقد انتقل الملك إليه ولا حق لغيره فيه والشفيع يملك أخذه بعد لزوم البيع واستقرار الملك فلان يملك ذلك قبل لزومه أولى وغاية ما يقدر ثبوت الخيار له وذلك الا يمنع الاخذ بالشفعة كما لو وجد به عيبا وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه مبيع فيه الخيار فلم تثبت الشفعة كما لو كان للبائع وذلك لان الاخذ بالشفعة يلزم المشترى بالعقد بغير رضاه ويوجب العهدة عليه ويفوت حقه من الرجوع في عين الثمن فلم يجز كما لو كان الخيار للبائع فاننا إنما منعنا من الشفعة لما فيه من إبطال خيار البائع وتفويت حق الرجوع في عين ماله وهما في نظر الشرع على السواء، وفارق الرد بالعيب فانه إنما تثبت لا ستدارك الظلامة وذلك يزول بأخذ الشفيع فان باع الشفيع حصته في مدة الخيار عالما ببيع الاول سقطت شفعته وقد ذكرنا ذلك فيما مضى
(فصل) وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة وثبوت الشفعة وسائر الاحكام إذا باع بثمن المثل سواء كان لوارث أو غير وارث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يصح بيع المريض مرض الموت لوارثه لانه محجور عليه في حقه فلم يصح بيعه كالصبى ولنا أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه فلم يمنع الصحة فيما سواه كالاجنبي إذا لم يزد على التبرع بالثلث وذلك لان الحجر في شئ لا يمنع صحة غيره كما أن الحجر على المرتهن في الرهن لا يمنع التصرف في غيره والحجر على المفلس في ماله لا يمنع التصرف في ذمته، فاما بيعه بالمحاباة فلا
يخلو اما أن يكون لوارث أو لغيره فان كان لوارث بطلت المحاباة لانها في المرض بمنزلة محاباة الوصية في الوصية لوارث لا تجوز ويبطل البيع في قدر المحاباة من المبيع وهل يصح فيما عداه؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يصح لان المشتري أبرأ الضامن في كل المبيع فلم يصح في بعضه كما لو قال بعتك هذا الثوب بعشرة فقال قبلت البيع في نصفه أو قال قبلته بخمسة أو قبلت نصفه بخمسة ولانه لا يمكن تصحيح البيع على الوجه الذي تواجبا عليه فلم يصح لتفريق الصفقة (الثاني) أن يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما يقابل الثمن المسمى وللمشتري الخيار بين الاخذ والفسخ لان الصفقة تفرقت عليه وللشفيع أخذ ما صح فيه البيع وإنما قلنا بالصحة لان البطلان إنما جاء من المحاباة فاختص بما قابلها (الثالث) أنه يصح في الجميع ويفف على إجازة الورثة لان الوصية للوارث صحيحة في أصح الروايتين وتقف على إجازة الورثة فكذلك
المحاباة له فان أجازوا المحاباة صح البيع في الجميع ولا خيار للمشتري ويملك الشفيع الاخذ به لانه يأخذ بالثمن، وان ردوا بطل البيع في قدر المحاباة وصح فيما بقي ولا يملك الشفيع الاخذ قبل إجازة الورثة وردهم لان حقهم متعلق بالبيع فلم يملك إبطاله وله أخذ ما صح البيع فيه فان اختار المشتري الرد في هذه الصورة وفي التي قبلها واختار الشفيع الاخذ بالشفعة قدم الشفيع لانه لا ضرر على المشتري وجرى مجرى المعيب إذا رضيه الشفيع بعيبه (فصل) إذا كان المشتري أجنبيا والشفيع أجنبي فن لم تزد المحاباة على الثلث صح البيع وللشفيع الاخذ بذلك الثمن لان البيع حصل به فلا يمنع منها كون المبيع مسترخصا فان زادت على الثلث فالحكم فيه حكم أصل المحاباة في حق الوارث وان كان الشفيع وارثا ففيه وجهان (أحدهما) له الاخذ بالشفعة لان المحاباة وقعت لغيره فلم يمنع منها تمكن الوارث من أخذها كما لو وهب غريم وارثه مالا فأخذه الوارث (والثاني) يصح البيع ولا تجب الشفعة وهو قول أصحاب أبي حنيفة لاننا لو أثبتناها جعلنا للموروث سبيلا إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة، ويفارق الهبة لغريم الوارث لان استحقاق الوارث الاخذ بدينه لامن جهة الهبة وهذا استحاقه بالبيع الحاصل من موروثه فافترقا.
ولاصحاب الشافعي في هذا خمسة أوجه وجهان كهذين (والثالث) أن البيع باطل من أصله لا فضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث
وهذا فاسد لان الشفعة فرع للبيع ولا يبطل الاصل فرعه وعلى الوجه الاول ما حصلت للوارث المحاباة إنما حصلت لغيره ووصلت إليه بجبهة الاخذ من المشتري فأشبه هبة غريم الوارث (الوجه الرابع) أن للشفيع أن يأخذ بقدر ما عدا المحاباة بجميع الثمن بمنزلة هبة المقابل للمحاباة لان المحاباة بالنصف مثلا هبة للنصف وهذا لا يصح لانه لو كان بمنزلة هبة النصف ما كان للشفيع الاجنبي أخذ الكل لان الموهوب لا شفعة فيه (الخامس) ان البيع يبطل في قدر المحاباة وهو فاسد لانها محاباة لاجنبي بما دون الثلث فلا يبطل كما لو لم يكن الشقص مشفوعا (فصل) ويملك الشفيع الشقص بأخذه وبكل لفظ يدل على أخذه بأن يقول قد أخذته بالثمن أو تملكته بالثمن ونحو ذلك إذ كان الشقص والثمن معلومين ولا يفتقر إلى حكم حاكم وبهذا قال الشافعي، وقال القاضي وأبو الخطاب يملكه بالمطالبة لان البيع السابق سبب فإذا انضمت إليه المطالبة كان كالايجاب في البيع إذا نضم إليه القبول، وقال أبو حنيفة لا يحصل الا بحكم حاكم لانه نقل للملك عن مالكه إلى غيره قهرا فاقتقر إلى حكم حاكم كأخذ دينه ولنا أنه حق ثبت بالنص والاجماع فلم يفتقر إلى حكم حاكم كالرد بالعيب وبهذا ينتقض ما ذكروه ويأخذ الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ولانه مال يتملكه قهرا فملكه بالاخذ كالغنائم والمباحات، ومكله باللفظ الدال على الاخذ لانه بيع في الحقيقة لكن الشفيع يستقل به فاستقل باللفظ الدال عليه، وقولهم يملك المطالبة بمجردها لا يصح لانه لو ملك بها لما سقطت الشفعة بالعفو بعد
المطالبة ولوجب إذا كان له شفيعان فطلبا الشفعة ثم ترك أحدهما أن يكون للآخر أخذ قدر نصيبه ولا يملك أخذ نصيب صاحبه.
إذ ثبت هذا فانه إذا قال قد أخذت الشقص بالثمن الذي ثم عليه العقد وهو عالم بقدره وبالمبيع صح الاخذ وملك الشقص ولا خيار له ولا للمشتري لان الشقص يؤخذ قهرا والمقهور لا خيارن له والآخذ قهرا لا خيار له أيضا كمسترجع المبيع لعيب في ثمنه أو الثمن لعيب في الميبع وان كان الثمن مجهولا أو الشقص لم يملكه بذلك لانه بيع في الحقيقة فيعتبر العلم بالعوض كسائر البيوع
وله المطالبة بالشفعة ثم يتعرف مقدار الثمن من المشتري أو من غيره والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أن له الاخذ مع جهالة الشقص بناء على بيع الغائب (مسألة) (وان أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة؟ على وجهين (أحدهما) تجب الشفعة وهو قول أبي حنيفة والمزني (والثاني) لا تجب ونصره الشريف أبو جعفر في مسائله وهو قول مالك وابن شريح لان الشفعة فرع للبيع ولم يثبت فلا يثبت فرعه ولان الشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري وإذا أنكر البيع لم يمكن الاخذ منه، ووجه الاول أن البائع أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإذا سقط حق المشتري بانكاره ثبت حق الشفيع كما لو أقر بدار لرجلين فأنكر أحدهما ولانه أقر للشفيع أنه مستحق لاخذ هذه الدار والشفيع يدعي ذلك فوجب قبوله كما لو أقر أنها ملكه، فعلى هذا يقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع لان القبض منه ولم يثبت
الشراء في حق المشتري وليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه وتكون العهدة عليه لان مقصود البائع الثمن وقد حصل من الشفيع ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة وقد حصل من البائع فلا فائدة في المحاكمة، فان قيل أليس لو ادعى على رجل دينا فقال آخر أنا أدفع اليك الدين الذي تدعيه ولا تخاصمه لا يلزمه قبوله فهلا قلتم ههنا كذلك؟ قلنا في الدين عليه منة في قبوله من غير غريمه وههنا بخلافه، ولان البائع يدعي أن الثمن الذى يدفعه الشفيع حق للمشتري عوضا عن هذا البيع فصار كالنائب عن المشتري في دفع الثمن، والبائع كالنائب عنه في دفع الشقص بخلاف الدين فلن كان البائع مقرار بقبض الثمن من المشتري بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد لان البائع يقول هو للمشترى والمشتري يقول لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يقال للمشترى اما أن تقبضه وإما أن تبرئ منه (والثاني) يأخذه الحاكم عنده (والثالث) يبقى في ذمة الشفيع وفي جميع ذلك متى ادعاه البائع أو المشترى دفع إليه لانه لاحدهما، وإن تداعياء جميعا فأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع أنه ما قبض منه شيئا فهو للمشتري لان البائع قد أقر له به ولان البائع إذ أنكر القبض لم يكن مدعيا لهذا الثمن لان البائع لا يستحق على الشفيع ثمنا انما يستحقه على المشتري وقد أقر بالقبض منه وأما المشتري
فانه يدعيه وقد أقر له باستحقاقه فوجب دفع إليه (مسألة) (وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشترى على البائع)
إذا أخذ الشفيع الشقص فظهر مستحقا فرجوعه بالثمن على المشتري ويرجع المشتري على البائع وان وجده معيبا فله رده على المشترى أو أخذ ارشه منه والمشترى يرد على البائع أو بأخذ الارش منه سواء قبض الشقص من المشتري أو من البائع وبه قال الشافعي، وقال ابن أبي ليلى وتبقى عهدة الشفيع على البائع لان الحق ثبت له بايجاب البائع فكان رجوعه عليه كالمشتري، وقال أبو حنيفة ان أخذ، من المشتري فالعهدة عليه وان أخذه من البائع فالعهدة عليه لان الشفيع إذا أخذه من البائع تعذر قبض المشتري فينفسخ البيع بين البائع والمشتري فكأن الشفيع أخذه من البائع مالكا من جهته فكانت عهدته عليه ولنا أن الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول الملك للمشتري ثم يزول الملك من المشتري إلى الشقص بالثمن فكانت العدة عليه كما لو أخذه منه ببيع ولانه ملكه من جهة المشتري بالثمن فملك رده عليه بالعيب كالمشتري في البيع الاول، وقياسه على المشتري في جعل عهدته على البائع لا يصح لان المشترى ملكه من البائع بخلاف الشفيع، وأما إذا أخذه من البائع فالبائع نائب عن المشتري في التسليم المستحق عليه ولو انفسخ العقد بين المشتري والبائع بطلت الشفعة لانها استحقت به (فصل) وحكم الشفيع في الرد بالعيب حكم المشتري من المشتري فان علم المشتري بالعيب ولم يعلم الشفى فللشفيع رده على المشتري أو أخذ ارشه منه وليس للمشترى شئ ويحتمل أن لا يملك الشفيع
أخذ الارش لان الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد فإذا أخذ الارش فما أخذه بالثمن الذى استقر على المشترى وان علم الشفيع وحده فليس لواحد منهما رد ولا أرش لان الشفيع أخذه عالما بعيبه فلم يثبت له رد ولا ارش كالمشترى إذا علم العيب والمشتري قد استغنى عن الرد لزوال ملكه عن المبيع وحصول الثمن له من الشفيع ولم يملك الارش لانه استدرك ظلامته ورجع إليه جميع الثمن فأشبه ما لورده على
البائع ويحتمل أن يملك أخذ الارش لانه بدل عن الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط بزوال ملكه عن المبيع كما لو اشترى قفيزين فتلف أحدهما وأخذ الآخر فعلى هذا ما يأخذه من الارش يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره لان الشقص يجب عليه بالثمن الذي استقر عليه العقد فأشبه مالو اخذ الارش قبل اخذ الشفيع منه وان علما جميعا فليس لواحد منهما رد ولارش لان كل واحد منهما دخل على بصيرة ورضي ببذل الثمن فيه بهذه الصفة، وان لم يعلما فللشفيع رده على المشتري وللمشتري رده على البائع فان لم يرلد الشفيع فلا رد للمشتري لما ذكرنا اولا، وان اخذ الشفيع أرشه من المشتري فللمشترى أخذه من البائع وان لم يأخذ منه فلا شئ للمشتري ويحتمل أن يملك أخذه على الوجه الذي ذكرناه فاذا أخذه فان كان الشفيع لم يسقطه عن المشترى سقط عنه من الثمن بقدره لانه الثمن الذي استقر عليه البيع وسكوته لا يسقط حقه، وان أسقطه عن المشتري نوفر عليه كما لو زاده على الثمن باختياره، فأما ان اشتراه بالبراءة من كل عيب فالصحيح في المذهب أنه لا يبرأ وحكمه حكم مالو لم يشترط وفيه رواية
أخرى أنه يبرأ الا أن يكون البائع علم بالعيب فدلسه واشترط البراءة، فعلى هذه الرواية ان علم الشفيع باشتراط البراءة فحكمه حكم المشتري لانه دخل على شرائه فصار كمشتريين اشترطا البراءه وان لم يعلم ذلك فحكمه حكم مالو علمه المشتري دون الشفيع (مسألة) (وان أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم عليه ثم يأخذه الشفيع منه قاله القاضي قال وليس له أخذه من البائع وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي لان الشفيع يشترى الشقص من المشتري فلا يأخذه من غيره، وبنوا ذلك علي أن البيع لا يتم الا بالقبض فإذا فات القبض بطل العقد وسقطت الشفعة وقال أبو الخطاب قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع ويكون كاخذه من المشتري وهو قول أبي حنيفة لان العقد يلزم في بيع العقار قبل قبضه ويدخل المبيع في ملك المشتري وضمانه ويجوز له التصرف فيه بنفس العقد فصار كما لو قبضه المشتري والله أعلم (مسألة) (ولو ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع أحدهما نعيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه) وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد وقال في القديم الاخ أحق بالشفعة وبه قال مالك لان أخاه
أخص بشركته من شريك أبيه لاشتراكهما في سبب المالك ولنا أنهما شريكان حال ثبوت الشفعة فكانت بينهما كما لو ملكوا كلهم بسبب واحد ولان الشفعة ثبتت لدفع ضرر الشريك الداخل على شركائه بسنبب شركته وهو موجود في حق الكل وما ذكروه لاأصل
له ولم يثبت اعتبار الشرع له في موضع والاعتبار بالشركة لا بسببها وهكذا لو اشترى رجل نصف دار ثم اشترى اثنان نصفها الآخر أو ورثاه أو اتهباه أو وصل اليهما بسبب من أسباب الملك فباع أحدهما نصيبه، أو ورث ثلاثة دارا فباع أحدهم نصيبه من اثنين ثم باع أحد الشريكين نصيبه فالشفعة بين جميع الشركاء وكذلك لو مات رجل وخلف ابنين وأختين فباعت أحدى البنتين نصيبها أو احدى الاختين فالشفعة بين جميع الشركاء، ولو مات رجل وترك ثلاث بنين وأرضا فمات أحدهم عن ابنين فباع أحد العمين نصيبه فالشفعة بنى أخيه وابي أخيه، ولو خلف ابنين أو وصى بثلثه لا ثنين فباع أحد الشريكين الوصيين أو أحد الابنين فالشفعة بين شركائه كلهم ولمخالفينا في هذه المسائل اختلاف يطول ذكره (مسألة) (ولا شفعة لكافر على مسلم) روي ذلك عن الحسن والشعبي ويقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وجماعة من أهل العلم تجب له الشفعة لعموم قوله عليه السلام (لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه وان باع ولم يؤذنه فهو أحق به) ولانه خيار ثابت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب ولنا ما ورى الدار قطني في كتاب العلل باسناده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا شفعة لنصراني) وهذا يخص عموم ما احتجوا به ولانه معنى يختص العقار فأشبه الاستعلاء في البنيان يحققه أن الشفعة انما تثبت للمسلم دفعا للضرر عن ملكه وقدم دفع ضرره على دفع ضرر المشتري ولا يلزم من تقديم دفع ضرر
المسلم على المسلم تقديم دفع اضرر الذمي فان حق المسلم أرجح ورعايته أولى ولان ثبوت الشفعة في محل الاجماع على خلاف الاصل رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في معني المسلم فيبقى فيه على مقتضى الاصل وتثبت الشفعة للمسلم على الذمي لعموم الادلة ولانها إذا تثبت للمسلم على المسلم مع عظم حرمته فلان
تثبت على الذمي مع دناءته أولى (فصل) وتثبت للذمي على الذمي لعموم الاخبار ولانهما تساويا في الدين فتثبت لاحدهما على الاخر كالمسلمين ولا نعلم في هذا خلافا نبايعوا بخمر أو خنزير وأخذ الشفيع بذلك لم ينقض ما فعلوه، وان جرى التقابض بين المتبايعين دون الشفيع وترافعوا الينا لم نحكم له بالشفعة وبه قال الشافعي وقال أبو الخطاب ان تبايعوا بخمر وقلنا هي مال لهم حكمنا لهلهم بالشفعة وقال أبو حنيفة تثبت الشفعة إذا كان الثمن خمرا لانها مال لهم فاشبه مالو تبايعوا بدراهم لكن ان كان الشفيع ذميا أخذه بمثله وان كان مسلما أخذه بقيمة الخمر ولنا أنه عقد بخمر فلم تثبت فيه الشفعة كما لو كان بين مسلمين ولانه عقد بثمن محرم أشبه البيع بالخنزير والميتة، ولا نسلم أن الخمر مال لهم فان الله تعالى حرمه كما حرم الخنزير واعتقادهم حله لا يجعله مالا كالخنزير، وانما لم ينتقض عقد هم إذا تقابضوا لاننا لا نتعرض لما فعواه مما يعتقدونه في دينهم ما لم يتحاكموا الينا قبل تمامه ولو تحاكموا الينا قبل التقابض لفسخناه.
فاما أهل البدع فتثبت الشفعة لمن حكمنا باسلامه منهم كالفاسق بالافعال لعموم الادلة التى ذكرناها، وروى حرب عن أحمد انه سئل عن أصحاب البدع هل لهم شفعة؟ وذكر
له عن ابن ادريس انه قال ليس للرافضة شفعة فضحك، وقال أراد أن يخرجهم من الاسلام فظاهر هذا انه أثبت لهم الشفعة، وهذا محمول على غير الغلاة منهم فأما الغلاة كالعتقد ان جبريل غلط في الرسالة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أرسل إلى على ونحوه ومن حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن فلا شفعة له لان الشفعة إذا لم تثبت للذمي الذي يقر على كفره فغيره أولى (فصل) وتثبت الشفعة للبدوي على القروي وللقروي على البدوي في قول أكثر أهل العلم، وقال الشعبي والبتي لا شفعة لمن لم يسكن المصر وعموم الادلة واشتراكها في المعنى المقتضي لوجوب الشفعة يدل على ثبوتها لهم (فصل) قال احمد في رواية حنبل لا نرى في أرض السواد شفعة لان عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين فلا يجوز بيعها والشفعة إنما تكون في البيع وكذلك الحكم في سائر الارض التي وقفها عمر وهي التي فتحت عنوة في زمنه ولم يقسمها كأرض الشام ومصر وكذلك كل أرض فتحت عنوة ولم تقسم بين
الغانمين الا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الامام أو نائبه فان فعل ذلك ثبتت فيه الشفعة لانه فصل مختلف فيه ومتى حكم الحاكم في المختلف فيه بشئ نفذ حكمه (مسألة) (وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال ولرب المال على المضارب فيما يشتريه من مال المضاربة؟ على وجهين)
إذا بيع شقص في شركة مال المضاربة فللعامل الاخذ بها إذا كان الحظ فيها، فان تركها فلرب المال الاخذ لان مال المضاربة ملكه ولا ينفذ عفو العامل لان الملك لغيره فلم ينفذ عفوه كالمأذون له، فان اشترى المضارب بمال المضاربة شقصا في شركة رب المال فهل لرب المال فيه شفعة؟ على وجهين مبنيين على شراء رب المال من مال المضاربة وقد ذكرناهما، وإن كان المضارب شفيعه ولا ربح في المال فله الاخذ بها لان الملك لغيره، وان كان فيه ربح وقلنا لا يملك بالظهور فكذلك، وان قلنا يملك بالظهور ففيه وجهان كرب المال ومذهب الشافعي في هذا كله على ما ذكرنا، فان باع المضارب شقصا في شركته لم يكن له أخذه بالشفعة لانه متهم فاشبه شراءه من نفسه (فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة فقارض واحد منهم أحد شريكيه بالف فاشترى به نصف نصيب الثالث لم تثبت فيه شفعة في أحد الوجهين لان أحد الشريكين رب المال والآخر العامل فهما كالشريكين في المتاع فلا يستحق أحدهما على الآخر شفعة، وان باع الثالث باقي نصيبه لا جنبي كانت الشفعة مستحقة يبنهم أخماسا لرب المال خمساها وللعامل مثله ولرب المضاربة خمسها بالسدس الذي له فيجعل مال المضاربة كشريك آخر لان حكمه متميز عن مال كل واحد منهما (فصل) فان كانت الدار بين ثلاثة أثلاثا فاشترى أجنبي نصيب أحدهم فطالبه أحد الشريكين بالشفعة فقال انما اشتريته لشريكك لم تؤثر هذه الدعوى في قدر ما يستحق من الشفعة فان الشفعة بين
الشريكين نصفين سواء اشتراها الاجنبي لنفسه أو للشريك الآخر، وان ترك المطالب بالشفعة حقه منها بناء على هذا القول ثم تبين كذبه فلم تسقط شفعته، وان أخذ نصف المبيع كذلك ثم تبين كذب
المشتري وعفا الشريك عن شفعته فله أخذ نصيبه من الشفعة لان اقتصاره على أخذ النصف انبنى على خبر المشتري فلم يؤثر في إسقاط الشفعة واستحق أخذ الباقي لعفو شريكه عنه، وان امتنع من أخذ الباقي سقطت شفعته كلهما لانه لا يملك تبعيض صفقة المشتري ويحتمل أن لا يسقط حقه من النصف الذي أخذه ولا يبطل أخذه له لان المشتري أقر بما تضمن استحقاقه لذلك فلا يبطل برجوعه عن اقراره، وان أنكر الشريك كون الشراء له وعفا عن شفعته وأصر المشتري على الاقرار للشريك به فللشفيع أخذ اكل لانه لا منازع له في استحقاقه وله الاقتصار علين النصف لاقرار المشتري له باستحقاق ذلك (فصل) فان قال أحد الشريكين للمشتري شراؤك باطل وقال الآخر هو صحيح فالشفعة كلها للمعترف بالصحة، وكذلك ان قال ما اشتريته إنما اتهبته وصدقه الآخران اشتراه فالشفعة لمصدق بالشراء لان شريكه مسقط لحقه باعترافه أنه لا بيع أو لا بيع صحيح، ولو احتال المشتري على اسقاط الشفعة بحيلة لا نسقطها فقال أحد الشفيعين قد سقطت الشفعة توفرت على الآخر لاعتراف صاحبه بسقوطها، ولو توكل أحد التفيعين في البيع أو الشراء أو ضمن عهدة المبيع أو عفا عن الشفعة قبل
البيع وقال لاشفعة لي لذلك توفرت على الآخر، وان اعتقد ان له شفعة وطالب بها فارتفعا إلى حاكم فحكم بأنه لاشفعة له توفرت على الآخر لانها سقطت بحكم الحاكم فأشبه مالو سقطت باسقاط المستحق (فصل) إذا ادعى رجل على آخر ثلث دار فانكره ثم صالحه عن دعواه بثلث دار أخرى صح ووجبت الشفعة في الثلث المصالح به لان المدعي يزعم أنه محق في دعواه وان ما أخذه عوض عن الثلث الذى ادعاه فلزمه حكم دعواه ووجبت الشفعة، ولا شفعة على المنكر في الثلث المصالح عنه لانه يزعم انه على ملكه لم يزل وانما دفع ثلث داره إلى المدعي اكتفاء لشرء ودفعا لضرر الخصومة واليمين عن نفسه فلم تلزمه فيه شفعة، وإن قال المنكر للمدعي خذ الثلث الذى تدعيه بثلث دارك ففعل فلا شفعة على المدعي فيما أخذه وعلى المنكر الشفعة في الثلث الذى يأخذه لانه يزعم انه أخذه عوضا عن ملكه الثابت له وقال أصحاب الشافعي تجب الشفعة في الثلث الذى أخذه المدعي أيضا لانها معاوضة من الجانبين
بشقصين فوجبت الشفعة فيهما كما لو كانت بين مقرين ولنا ان المدعي يزعم ان ما أخذه كان ملكا له قبل الصلح ولم يتجدد له عليه ملك وانما استنقذه بصلحه فلم تجب فيه شفعة كما لو أقر له به (فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة اثلاثا فاشترى أحدهم نصيب أحد شريكيه ثم باعه لاجنبي ثم علم شريكه فله أن يأخذ بالعقدين وله الاخذ بأحدهما لانه شريك فيهما فان أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع ما في يد مشتريه لانه لا شريك له في شفعته وان أخذ العقد الاول ولم يأخذ بالثاني أخذ نصف المبيع
وهو السدس لان المشتري شريكه في شفعته، ويأخذ نصفه من المشتري الاول ونصفه من المشتري الثاني لان شريكه لما اشترى الثلث كان بينهما نصفين لكل واحد منهما السدس فإذا باع الثلث من جميع ما في يده وفي يده ثلثان فقد باع نصف ما في يده والشفيع يستحق ربع ما في يده وهو السدس فصار منقسما في يديهما نصفين فيأخذ من كل واحد منهما نصفه وهو نصف السدس ويدفع ثمنه إلى الاول ويرجع المشتري الثاني على الاول بربع الثمن الذي اشترى به وتكون المسألة من اثنى عشرثم ترجع إلى أربعة للشفيع نصف الدار ولكل واحد من الاخرين الربع، وان أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني وربع ما في يد الاول فصار له ثلاثة أرباع الدار ولشريكه الربع ويدفع إلى الاول نصف الثمن الاول ويدفع إلى الثاني ثلاثة أربع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الاول بربع الثمن الثاني لانه يأخذ الثمن الاول ويدفع إلى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الاول بربع الثمن الثاني لانه يأخذ نصف ما اشتراه الاول وهو اسدس فيدفع إليه نصف الثمن لذلك، وقد صار نصف هذا النصف في يد الثاني وهو ربع ما في يده فيأخذه منه ويرجع الثاني على الاول بثمنه وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن، وان كان المشتري الثاني هو البائع الاول فالحكم على ما ذكرنالا يختلف، وان كانت الدار بين الثلاثة أرباعا لاحدهم نصفها وللآخرين نصفها بينهما فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه ثم باع ربعا مما في يده لا جنبي ثم علم شريكه فأخذ بالبيع الثاني أخذ جميعه ودفع إلى المشتري ثمنه وان أخذ بالبيع الاول وحده أخذ ثلث المبيع وهو
نصف سدس لان المبيع كله ربغ فثلثه نصف سدس ويأخذ ثلثيه من المشتري الاول وثلثه من الثاني ومخرج ذلك من ستة ثلاثين النصف ثمانية عشر ولكل واحد منهما تسعة فلما اشترى صاحب النصف تسعة كانت شفعتها بينة وبين شريكه الذي لم يبع أثلاثا لشريكه ثلثها ثلاثة، فلما باع صاحب النصف ثلث ما في يده حصل في المبيع من الثلاثة ثلثها وهو سهم بقي في يد البائع منها سهمان فيرد الثلاثة إلى الشريك يصير في يده اثنا عشروهي الثلث ويبقى في يد المشترى الثاني ثمانية وهي تسعان وفي يد صاحب النصف ستة عشر وهي أربعة أتساع ويدفع الشريك الثمن إلى المشترى الاول ويرجع المشترى الثاني عليه بتسع الثمن الذى اشترى به لانه قد أخذ منه تسع مبيعه، وان أخذ بالعقدين أخذ من من الثاني جميع ما في يده وأخذ من الاول نصف التسع وهي سهمان من ستة وثلاثين فيصير في يده عشرون سهماو هي خمسة أتساع ويبقى في يد الاول ستة عشر سهما وهي أربعة أتساع ويدفع إليه ثلث الثمن الاول ويدفع إلى الثاني ثمانية أتساع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الاول بتسع الثمن الثاني (فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة لزيد نصفها ولعمر وثلثها ولكبر سدسها فاشترى بكر من زيد ثلث الدار ثم باع عمرا سدسها ولم يعلم عمرو بشرائه للثلث ثم علم فله المطالبة بحقه من شفعة الثلث وهو ثلثاه وهو تسعا الدار فيأخذ من بكر ثلثي ذلك وقد حصل ثلثه الباقي في يده بشرائه للسدس فيفسخ بيعه في ويأخذه بشفعة البيع الاول ويبققى من بيعه خمسة أتساعه لزيد ثلث شفعته فتقسم بينهما أثلاثا وتصح المسألة من مائة واثنبين وستين سهما الثلث المبيع أربعة وخسمون لعمرو ثلثاها بشفعته ستة وثلاثون سهما يأخذ ثلثها من بكر وهي أربعة وعشرون سهما وثلثها في يده اثنا عشر سهما والسدس الذى
اشتراه سبعة وعشرون سهما قد أخذ منها اثنا عشر بالشفعة بقي منها خمسة عشر له ثلثاها عشرة ويأخذ منها زيد خمسة فحصل لزيد اثنان وثلاثون سهما ولكبر ثلاثون سهما ولعمرو مائة سهم وذلك نصف الدار وتسعها ونصف تسع تسعها، ويدفع بكر إلى عمر وثلثي الثمن في البيع الاول وعلى زيد خمسة أتساع الثمن الثاني بينهما أثلاثا، فان عفا عمرو عن شفعة الثلث فشفعة السدس الذي اشتراه بينه وبين زيد
أثلاثا، ويحصل لعمرو اربعة أتساع الدار ولزيد تسعاها ولبكر ثلثها وتصح من تسعة، وان باع بكر السدس لاجنبي فهو كبيعه إياه لعمرو الا أن لعمرو العفو عن شفعته في السدس بخلاف ما إذا كان هو المشتري فانه لا يصح عفو عن نصيبه منها، وان باع بكر الثلث لاجنبي فلعمرو ثلثا شفعة المبيع الاول وهو التسعان يأخذ ثلثهما من بكر وثلثيهما من المشتري الثاني وذلك تسع وثلث تسع يبقى في يد الثاني سدس وسدس تسع وهو عشرة من أربعة وخمسين بين عمرو وزيد اثلاثا، وتصح أيضا من مائة واثنين وستين ويدفع عمرو إلى بكر ثلثي ثمن مبيعه ويدفع هو وز يد إلى المشتري الثاني ثمن خمسة أتساع مبيعه بينهما أثلاثا، ويرجع المشتري الثاني على بكر بثمن أربعة أتساع مبيعه، وان لم يعلم عمرو حتى باع مما في يديه سدسا لم تبطل شفعته في أحد الوجوه وله أن يأخذ بها كما لو لم يبع شيئا (والثاني) تبطل شفعته كلها (والثالث) تبطل في قدر ما باع وتبقى فيما لم يبع وقد ذكرنا توجيه هذه، والوجوه فاما
شفعة ما باعه ففيها ثلاثة أوجه (أحدها) أنها بين المشترى الثاني وزيد وبكر ارباعا للمشترى نصفها ولكل واحد منهم ربعها على قدر املاكهم حين بيعه (والثاني) أنها بين زيد وبكر على أربعة عشر سهما زيد تسعة ولبكر خمسة لان لزيد السدس ولبكر سدس يستحق منه أربعة أتساعه بالشفعة فيبقى معه خمسة أتساع السدس ملكه مستقر عليها فأضفناها إلى سدس زيد وقسمنا الشفعة على ذلك ولم نعط المشتري الثاني ولا بكرا بالسهام المستحقة بالشفعة شيئا لان الملك عليها غير مستقر (والثالث) ان عفا لهم عن التفعة استحقوا بها وان أخذت بالشفعة لم يستحقوا بها شيئا وان عفا عن بعضهم دون بعض استحق المعفو عنه، بسهامه دون غير المعفو عنه وما بطلت الشفعة فيه ببيع عمرو فهو بمنزلة المعفو عنه فيخرج في قدره وجهان، ولو استقصينا فروع هذه المسألة على سبيل البسط لطال وخرج إلى الاملال (فصل) إذا كانت دار بين أربعة أرباعا فاشترى اثنان منهم نصيب أحدهم استحق الرابع الشفعة عليهما واستحق كل واحد من المشتريين الشفعة على صاحبه فان طالب كل واحد منهم بشفعته قسم المبيع بينهم أثلاثا وصارت الدار ببنهم كذلك، وان عفا الرابع وحده قسم المبيع بين المشتريين نصفين وكذلك ان عفا الجميع عن شفعتهم فيصير لهما ثلاثة أرباع الدار وللرابع الربع بحاله وان طالب الرابع
وحده أخذ منهما نصف المبيع لان كل واحد منهما له من الملك مثل ما للمطالب فشفعة مبيعه بينه وبين شفعيه نصفين فيحصل للرابع ثلاثة أثمان الدار وباقيها بينهما نصفين، وتصح من ستة عشر، وان طالب الرابع وحده أحدهما دون الاخر قاسمه الثمن نصفين فيحصل للمعفو عنه ثلاثة أثمان والباقي بين الرابع والاخر نصفين وتصح من ستة عشر، وان عفا أحد المشترين ولم يعف الاخر ولا الرابع قسم مبيع المعفو عنه بينه وبين الرابع نصفين ومبيع الاخر بينهم أثلاثا فيحصل للذي لم يعف عنه ربع
وثلث ثمن وذلك سدس وثمن والباقي بين الآخرين نصفين وتصح من ثمانية وأربعين، وان عفا الرابع عن أحدهما ولم يعف أحدهما عن صاحبه أخذ ممن لم يعف عنه ثلث الثمن والباقي بينهما نصفين ويكون الرابع كالعافي في التى قبلها وتصح أيضا من ثمانية وأربعين، وان عفا الرابع وأحدهما عن الآخر ولم يعف الآخر فلغير العافي ربع وسدس والباقي بين العافيين نصفين لكل واحد منهما سدس وثمن وتصح من أربعة وعشرين وما يفرع من المسائل فهو على مساق ما ذكرناه باب المساقاة وهي أن يدفع إنسان شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه يجزء معلوم له من الثمرة، وسميت مساقاة لانها مفاعلة من السقي لان أهل الحجاز أكثر حاجتهم إلى السقي لكونهما يسقون من الآبار، فسميت بذلك والاصل في جوازها السنة والاجماع أما السنة فما روى عبد الله بن عمر قال عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه، وأما الاجماع فقال أبو جعفر علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن آبائه عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر وعثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع وهذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم واشتهر ذلك ولم ينكره منكر فكان إجماعا
(مسألة) (تجوز المساقاة في ثمر النخل وفي كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته) هذا قول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وسالم ومالك والثوري والاوزاعي
وأبو يوسف ومحمد واسحاق وأبو ثور، وقال داود لا تجوز إلا في تمر النخل لان الخبر إنما ورد بها فيه، وقال الشافعي لا تجوز إلا في النخل والكرم لان الزكاة تجب في ثمرتهما، وفي سائر الشجر قولان (أحدهما) لا تجوز فيه لان الزكاة لا تجب في نمائها فأشبه مالا ثمرة له، وقال أبو حنيفة، وزفر لا تجوز بحال لانها إجارة بثمرة لم تخلق أو إجارة بثمرة مجهولة أشبه إجارته بثمرة غير الشجر الذي يسقيه ولنا ما ذكرنا من الحديث والاجماع ولا يجوز التعويل على ما خالفهما فان قيل راوي حديث خيبر ابن عمر وقد رجع عنه فقال.
كنا نخابر اربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن المخابرة ولا ينعقد الاجماع مع مخالفته، ويدل على نسخ حديث ابن عمر أيضا رجوعه عن العمل به إلى حديث رافع، قلنا لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الاجماع ولا حديث ابن عمر لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء بعده ثم من بعدهم فكيف يتصور نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ ثم يخالفه؟ أم كيف يعمل ذلك في عصر الخلفاء ولم يخبرهم من سمع النهي وهو حاضر معهم وعالم يفعلهم؟ فلو صح خبر رافع لوجب حمله على ما يوافق السنة والاجماع، على أنه قد روى في تفسير خبر
رافع عنه ما يدل على صحة قولنا فروى البخاري باسناده عنه قال كنا نكري الارض بالناحية منها تسمى لسيد الارض فربما يصاب ذلك وتسلم الارض وربما تصاب الارض ويسلم ذلك فنهينا فاما الذهب والورق فلم يكن يومئذ، وروي تفسيره أيضا بشئ غير هذا من أنواع الفساد وهو مضطرب جدا، قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن حديث رافع نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة فقال رافع يروى عنه في هذا ضروب وكأنه يريد أن اختلاف الرويات عنه يوهن حديثه، وقال طاوس ان أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ولكن قال (لان يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما) رواه البخاري ومسلم وأنكر زيد بن ثابت حديث رافع، عليه فكيف يجوز نسخ أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وهو يفعله ثم أجمع عليه خلفاؤه وأصحابه بعده؟ ولا يجوز العمل به ولو لم يخالفه غيره ورجوع ابن عمر إليه يحتمل أنه رجع عن شئ من المعاملات الفاسدة التي فسرها رافع في حديثه، وأما غير ابن عمر فقد أنكر
على رافع ولم يقبل حديثه وحمله على أنه غلط في روايته، والمعنى يدل على ذلك فان كثيرا من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارته وسقيه ولا يمكنهم الاستئجار عليه وكثير من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر ففي تجويز المساقاة دفع الحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئين
فجاز كالمصاربة بالاثمان، فاما قياسهم فيبطل بالمضاربة فانه يعمل في المال بنمائه وهو معدوم مجهول وقد جاز بالاجماع وهذا في معناه، ثم إن الشارع قد جوز العقد في الاجارة على المنافع المعدومة للحاجة فلم لا يجوز على الثمرة المعدومة للحاجة؟ مع أن القياس إنما يكون في إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه أو الجمع عليه، فاما في إبطال نص وخرق إجماع بقياس نص آخر فلا سبيل إليه، وأما تخصيص ذلك بالنخل أو به وبالكرم فيخالف عموم قوله عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر وهذا عام في كل ثمر ولا تكاد بلد ذات اشجار تخلو من شجر غير النخل وقد جاء في لفظ بعض الاخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل والشجر رواه الدار قطني ولانه شجر يثمر كل حول فأشبه النخل والكرم ولان الحاجة تدعو إلى المساقاة عليه كالنخل وأكثر لكثرته فأشبه النخل ووجوب الزكاة ليس من العلة المجوزة للمساقاه ولا أثر فيها وإنما العلة ما ذكرناه (فصل) فأما مالا ثمر له كالصفصاف والجوز أو له ثمر غير مقصود كالصنوبر والارز فلاتجوز المساقاة عليه وبه قال مالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافا لانه غير منصوص عليه ولا في معنى المنصوص ولان المساقاة إنما تجوز بجزء من الثمرة وهذا لا ثمرة له إلا ان يكون مما يقصد ورقه أو زهره كالتوت
والورد فالقياس يقتضي جواز المساقاة عليه لانه في معنى الثمر لكونه مما يتكرر كل عام ويمكن أخذه والمساقاة عليه بجزء منه فيثبت له حكمه (مسألة) (وتصح بلفظ المساقاة) لانه موضوعها حقيقة وبلفظ المعاملة لقوله في الحديث عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها، وتصح بكل ما يؤدي معناها من الالفاظ نحو فالحتك واعمل في
بستاني هذا حتى تكمل ثمرته وما أشبهه لان القصد المعني فإذا أتى بأي لفظ دل عليه صح كالبيع (مسألة) (وتصح بلفظ الاجارة في أحد الوجهين) لانه مؤد للمعنى فصح به العقد كسائر الالفاظ المتفق عليها والثاني لا تصح وهو اختيار أبي الخطاب لان الاجارة يشترط لها كون العوض معلوما وتكون لازمة والمساقاة بخلافه والاول أقيس لما ذكرنا (مسألة) (وقد نص أحمد في رواية جماعة فيمن قال أجرتك هذه الارض بثلث مايخرج منها أنه يصح وهذه مزارعة بلفظ الاجارة ذكره أبو الخطاب) فمعنى قوله أجرتك هذه الارض بثلث أي زارعتك عليها بثلث عبر عن المزاعة بالاجارة على سبيل المجاز كما يعبر عن الشجاع بالاسد، فعلى هذا يكون نهيه عليه السلام عنها بثلث أو ربع إنما ينصرف إلى الاجارة الحقيقة لاعن المزارعة وقال أكثر أصحابنا هي إجارة لانها مذكورة بلفظها فتكون إجارة حقيقة وتصح بعض الخارج من الارض كما تصح بالدراهم قال شيخنا والاول أقيس وأصح لما سبق
(مسألة) (وهل تصح على ثمرة موجودة، على روايتين (احداهما تجوز اختارها أبو بكر وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وأحد قولي الشافعي لانها إذا جازت مع كثرة الغرر فيها فمع وجودها وقلة الغرر فيها أولى وإنما تصح إذا بقي من العمل ما تزيد به الثمرة كالتأبير والسقي واصلاح الثمرة فان ببقي مالا تزيد به الثمرة كالجذاذ ونحوه لم يجز بغير خلاف (والثانية) لا يجوز وهو القول الثاني للشافعي لانه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص فان النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على الشطر مما يخرج من زرع أو ثمر، ولان هذا يفضي إلى أن يستحق بالعقد عوضا موجودا ينتقل الملك فيه عن رب المال إلى المساقي فلم يصح كما لو بدا صلاح الثمرة ولانه عقد على العمل في المال ببعض نمائه فلم يجز بعد ظهور النماء كالمضاربة ولان هذا يجعل اجارة بمعلوم ومجهول فلم يصح كما لو استأجره على العمل بذلك، وقولهم إنهما أقل غررا قلنا قلة الغرر ليس من المقتضي للجواز ولا كثرته الموجودة في محل النص مانعة منه فلا تؤثر قلته شيئا، والشرع ورد به على وجه لا يستحق العامل فيه عوضا موجودا ولا ينتقل إليه من ملك رب المال شئ وانما
يحدث النماء الموجود على ملكهما على ما شرطاه فلم تجز مخالفة هذا الموضوع ولا اثبات عقد ليس في معناه الحاقا به كما لو بدا صلاح الثمرة وكالمضاربة بعدن ظهور الربح، ومن نصر الوجه الاول قال نص النبي صلى الله عليه وسلم على المساقاة على الثمرة المعدومة بجزء منها نبيه على جوازها على الموجودة لما
ذكرنا، ولا يصح القياس على المضاربة إذا ظهر الربح لانها لا تحتاج إلى عمل وههنا يحتاج إليه فلا يصح القياس، ونظير ذلك المساقاه على الثمرة بعد بدو صلاحها فانه لا يصح بغير خلاف علمناه لكون العمل لا يزيد في الثمرة بخلاف الرواية الاولى فان العمل يزيد فيها فافترقا (فصل) وإذا ساقاه على ودي النخل أو صغار الشجر إلى مدة يحمل فيها غالبا بجزء من الثمرة صح لانه ليس فيه أكثر من أن عمل العامل يكثر وذلك لا يمنع الصحة كما لو جعل له سهم من الف، وفيه الاقسام التي نذكرها في كبار النخل والشجر فان قلنا المساقاة عقد جائز لم يحتج إلى ذكر مدة وان قلناهو لازم اشترط ذكر المدة وسنذكره (مسألة) (وان ساقاه على شجر بغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح) والحكم فيه كالحكم فيما إذا ساقاه على صغار الشجر على ما بينته قال أحمد في رواية المروذي فيمن قال لرجل اغرس في أرضي هذه شجرا أو نخلا فما كان من غلة فلك بعملك كذا وكذا سهما من كذا وكذا فاجازه، واحتج بحديث خيبر في الزرع والنخل لكن يشترط أن يكون الغرس من رب الارض كما يشترط في المزارعة كون البذر من رب الارض، فان كان من العامل خرج على الروايتين في المزارعة إذا شرط البذر من العامل، وقال القاضي المعاملة باطلة وصاحب الارض بالخيار بين تكليفه قلعها ويضمن له نقصها وبين تركها في أرضه ويدفع إليه قيمتها كالمشتري إذا غرس في الارض ثم جاء الشفيع
فاخذها وان اختار العامل قلع شجره فله ذلك سواء بذلك بذل له القيمة أو لم يبذلها لانه ملكه فلم يمنع من تحويله وان اتفقا على ابقاء الغرس ودفع أجر الارض جاز (فصل) ولو دفع أرضه إلى رجل يغرسها على أن الشجر بينهما لم يجر ويحتمل الجواز بناء على
المزارعة فان المزارع يبذر الارض فتكون بينه وبين صاحب الارض وهذا نظيره، فأما ان دفعها على أن الارض والشجر بينهما فذلك فاسد وجها واحدا وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد ولا نعلم فيه مخالفا لانه يشترط اشتراكهما في الاصل ففسد كما لو دفع إليه الشجر أو النخيل ليكون الاصل والثمرة بينهما أو شرط في المزارعة كون الارض والزرع بينهما (فصل) ومن شرط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل بجزء معلوم من الثمرة كالثلث والربح لحديث ابن عمر في خيبر وسواء قل الجزء أو كثر فلو جعل للعامل جزءا من مائة جزء أو جعل الجزء لنفسة والباقي للعامل جاز إذا لم يفعل ذلك حيلة، فان عقد على جزء مبهم كالسهم والجزء والنصيب لم يجز لانه إذا لم يكن معلوما لم يمكن القسمة بينهما ولو جعل له آصعا معلومة أو جعل مع الجزء المعلوم آصعا لم يجز لانه ربما لم يحصل ذلك أو لم يحصل غيره فيستضر رب الشجر أو يكثر الحاصل فيتضرر العامل وكذلك ان شرط له ثمر شجر بعينه لانه قد لا يحمل وقد لا يحمل غيرها ولهذه العلة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزارعة التى يجعل فيها لرب الارض مكانا معينا وللعامل مكانا معينا قال رافع كنا نكتري الارض على أن لنا
هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك، فأما الذهب والورق فلم ينهنا متفق عليه، فمتى شرط شيئا من هذه الشروط الفاسدة فسدت المسافاة، والثمرة كلها لرب المال لانها نماء ملكه وللعامل أجر مثله كالمضاربة الفاسدة (فصل) ولا يحتاج أن يشرط لرب المال لانه يأخذ بماله لا بالشرط فإذا قال ساقيتك على أن لك ثلث الثمرة صح والباقي لرب المال، وان قال على ان لي ثلث الثمرة فقال ابن حامد يصح وقيل لا يصح وقد ذكرنا تعليل ذلك في المضاربة، وان اختلفا في الجزء المشروط فهو للعامل لانه انما يستحق بالشرط كما ذكرنا، وفان اختلفا في قدر المشروط للعامل فقال ابن حامد القول قول رب المال وقال مالك القول قول العامل إذا ادعى ما يشبه لانه أقوى سببا لتسلمه الحائط والعمل، وقد ذكرنا في المضارب رواية ان القول قول إذا ادعى أجر المثل فيخرج ههنا مثله وقال الشافعي يتحالفان وكذلك ان اختلفا فيما تتاولته المساقاة من الشجر
ولنا أن رب المال منكر للزيادة التي ادعاها العامل فكان القول قوله فان كان مع أحدهما بينة حكم بها وان كان مع كل واحد منهما بينة انبنى على بينة الداخل والخارج فان كان الشجر لا ثنين فصدق أحدهما العامل وكذبه الآخر أخذ نصيبه مما يدعيه من مال المصدق وان شهد على المنكر قبلت شهادته إذا كان عدلا لانه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا ويحلف مع شاهده وان لم يكن عدلا
كانت شهادته كعدمه ولو كانا عاملين ورب المال واحدا فشهد أحدهما على صاحبه قبلت شهادته لما ذكرنا (فصل) وإذا كان في البستان شجر من أجناس كالتين والزيتون والكرم فشرط للعامل من كل جنس قدرا كنصف ثمر التين وثلث الزيتون وربع الكرم، أو كان فيه أنواع من جنس فشرط من كل نوع قدرا وهما يعرفان قدر كل نوع صح لان ذلك كثلاثة بساتين ساقاه على كل بستان بقدر مخالف للقدر المشروط من الآخر، وان لم يعلما قدره أو أحدهما لم يجز للجهالة، ولو قال ساقيتك على هذين البساتين بالنصف من هذا والثلث من هذا صح لانها صفقة واحدة جمعت عوضين فصار كقوله بعتك داري هاتين هذه بألف وهذه بمائة، وان قال بالنصف من أحدهما والثلث من الآخر ولم يعينه لم يصح الجهالة لانه لا يعلم الذي يستحق نصفه، لو ساقاه على بستان واحد نصفه هذا بالنصف ونصفه هذا بالثلث وهما متميزان صح لانهما كبستانين
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: