الفقه الحنبلي - السرقة
ولنا ما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه قيمته ثلاثة دراهم متفق عليه قال ابن عبد البر هذا اصح حديث يروى في هذا
الباب لا يختلف اهل العلم في ذلك وحديث أبي حنيفة الاول يرويه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، والذي روي عن الحجاج ضعيف أيضا والحديث الثاني لا دلالة فيه على أنه لا يقطع بما دونه فان من اوجب القطع بثلاثة دراهم أوجبه بعشرة ويدل هذا الحديث على ان العرض يقوم بالدارهم لان المجن قوم بها ولان ما كان الذهب فيه أصلا كان الورق فيه اصلا كنصب الزكوات والديات وقيم المتلفات، وقد روى أنس أن سارقا سرق مجنا ما يسرني انه لي بثلاثة دراهم أو ما يساوي ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر وأتي عثمان برجل قد سرق أترجة فأمر بها عثمان فقومت فبلغت قيمتها ربع دينار فقطع (فصل) وإذا سرق ربع دينار من المضروب الخالص ففيه القطع وان كان فيه غش أو تبر يحتاج إلى تصفية لم يجب القطع حتى يبلغ ما فيه من الذهب ربع دينار لان السبك ينقصه وان سرق ربع دينار قراضة أو تبرا خالصا أو حليا ففيه القطع نص عليه احمد في رواية الجوزجاني قال قلت
له كيف يسرق ربع دينار فقال قطعة ذهب أو خاتما أو حليا وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وذكر القاضي في وجوب القطع احتمالين (احدهما) لا قطع عليه وهو قول بعض أصحاب الشافعي لان الدينار اسم للمضروب
ولنا ان ذلك ربع دينار لانه يقال له دينار قراضه ومكسور أو دينار خلاص ولانه لا يمكنه سرقة ربع دينار مفرد في الغالب إلا مكسورا، وقد أوجب عليه القطع بذلك ولانه حق لله تعالى تعلق بالمضروب فتعلق بما ليس بمضروب كالزكاة والخلاف فيما إذا سرق من المكسور والتبر ما لا يساوي ربع دينار صحيح فان بلغ ذلك ففيه القطع، والدينار هو المثقال من مثاقيل الناس اليوم وهو الذي كل سبعة منها عشرة دراهم وهو الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله ولم يتغير وانما كانت الدراهم مختلفة فجمعت وجعلت كل عشرة منها سبعة مثاقيل فهي التي يتعلق القطع بثلاثة منها إذا كانت خالصة مضروبة كانت أو غير مضروبة على ما ذكرناه في الذهب وعند أبي حنيفة ان النصاب انما يتعلق بالمضروب منها، وقد ذكر مادل عليه ويحتمل ماقاله في الدراهم لان اطلاقها يتناول الصحاح المضروبة بخلاف ربع الدينار على اننا قد ذكرنا فيها احتمالا متقدما فههنا اولى وما قوم من غيرهما بهما فلا قطع فيه حتى يبلغ ثلاثة دراهم صحاحا لان اطلاقها ينصرف إلى المضروب دون المكسر (مسألة) (وان سرق نصابا ثم نقصت قيمته أو ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما لم يسقط القطع) إذا نقصت قيمة العين عن النصاب بعد إخراجها من الحرز لم يسقط القطع وبهذا قال مالك والشافعي وقال ابو حنيفة يسقط لان النصاب شرط فتعتبر استدامته ولنا قول الله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ولانه نقص حدث في العين فلم يمنع
القطع كما لو حدث باستعماله، والنصاب شرط لوجوب القطع فلا تعتبر استدامته كالحرز وما ذكره يبطل بالحرز فانه لو زال الحرز لم يسقط عنه القطع وسواء نقصت قيمتها بعد الحكم أو قبله لان سبب الوجوب السرقة فيعتبر النصاب حينئذ.
فأما ان نقص النصاب قبل الاخراج لم يجب القطع لعدم
الشرط قبل تمام السبب وسواء نقصت بفعله أو بغير فعله.
فان وجدت ناقصة ولم يدر هل كانت ناقصة حين السرقة أو حدث النقص بعدها لم يجب القطع لان الوجوب لا يثبت مع الشك في شرطه ولان الاصل عدمه (مسألة) (وان ملك العين المسروقة بهبة أو بيع أو غير ذلك من أسباب الملك وكان ملكها قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده لم يجب القطع) وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا، وان ملكها بعده لم يسقط القطع عند مالك والشافعي وإسحاق، وقال أصحاب الرأي يسقط لانها صارت ملكه فلا يقطع في عين هي ملكه كما لو ملكها قبل المطالبة بها ولان المطالبة شرط والشروط يعتبر دوامها ولم يبق لهذه العين مطالب ولنا ما روى الزهري عن ابن صفوان عن صفوان بن امية انه نام في المسجد وتوسد رداءه فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ان يقطع فقال صفوان
يارسول الله لم ارد هذا، ردائي عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهلا كان قبل ان تأتيني به؟) رواه ابن ماجه والجوزجاني وفي لفظ قال فأتيته فقلت اتقطعه من أجل ثلاثين درهم؟ انا ابيعه وانسئه ثمنها قال (فهلا كان قبل ان تأتيني به؟) رواه الاثرم وأبو داود فهذا يدل على انه لو وجد قبل رفعه إليه لدرأ القطع وبعده لا يسقطه، وقولهم ان المطالبة شرط قلنا هي شرط الحكم لا شرط القطع بدليل أنه لو استرد العين لم يسقط القطع وقد زالت المطالبة (مسألة) (وإن دخل الحرز فذبح شاه قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم اخرجها لم يقطع) لان من شرط وجوب القطع أن يخرج من الحرز العين وهي نصاب ولم يوجد الشرط (مسألة) (وان سرق فرد خف قيمته منفردا درهمان وقيمته مع الآخر اربعة لم يقطع) لانه لم يسرق نصابا فلم يوجد الشرط (مسألة) (وان اشتركوا في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو اخرج كل واحد جزءا)
إذا اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا ذكره الخرقي وهو قول أصحابنا وبه قال مالك وابو ثور وقال الثوري وابو حنيفة والشافعي واسحاق لا قطع عليهم الا ان تبلغ حصة كل واحد منهم نصابا لان كل واحد لم يسرق نصابا فلم يجب عليه قطع كما لو انفرد بدون النصاب.
قال شيخنا: وهذا القول احب الي لان القطع ههنا لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص والمجمع عليه فلا يجب والاحتياط باسقاطه
أولى من الاحتياط بايجابه ولانه مما يدرأ بالشبهات، واحتج من اوجبه بأن النصاب احد شرطي القطع فإذا اشترك الجماعة كانوا كالواحد قياسا على هتك الحرز ولان سرقة النصاب فعل يوجب القطع فاستوى فيه الواحد والجماعة كالقصاص ولم يفرق أصحابنا بين كون المسروق ثقيلا يشترك الجماعة في حمله وبين ان يخرج كل واحد منهم جزءا ونص أحمد على هذا وقال مالك: ان انفرد كل واحد منهم بجزء لم يقطع واحد منهم كما لو انفرد كل واحد من قاطعي اليد بقطع جزء منها لم يجب القصاص.
ولنا انهم اشتركوا في هتك الحرز واخراج النصاب فلزمهم القطع كما لو كان ثقيلا فحملوه وفارق القصاص فانه يعتمد المماثلة ولا توجد المماثلة الا ان توجد افعالهم في جميع اجزاء اليد وفي مسئلتنا القصد الزجر من غير اعتبار مماثلة والحاجة إلى الزجر عن اخراج المال موجودة وسواء دخلا الحرز معا أو دخل أحدهما فاخرج بعض النصاب ثم دخل الآخر فأخرج باقيه لانهما اشتركا في هتك الحرز واخراج النصاب فوجب عليهما القطع كما لو حملاه معا (فصل) فان كان أحد الشريكين مما لاقطع عليه كأبي المسروق منه قطع شريكه في أحد الوجهين كما لو شاركه في قطع يد ابنه والثاني لا يقطع وهو أصح لان سرقتهما جميعا صارت علة لقطعهما سرقة الاب لا تصلح موجبة للقطع لانه أخذ ماله اخذه بخلاف قطع يد ابنه فان الفعل تمحض
عدوانا وانما سقط القصاص لفضيلة الاب لا لمعنى في فعله وههنا فعله قد تمكنت الشبهه منه فوجب ان لا يجب القطع به كاشتراك العامد والخاطئ فأما ان أخرج كل واحد منهما نصابا وجب القطع
على شريك الاب لانه انفرد بما يوجب القطع فان أخرج الاب نصابا وشريكه دون النصاب ففيه الوجهان، وان اعترف اثنان بسرقة نصاب ثم رجع احدهما فالقطع على الآخر لانه اختص بالاسقاط فيختص بالسقوط ويحتمل أن يسقط عن شريكه، لان السبب السرقة منهما وقد اختل أحد جزأيها وكذلك لو أقر بمشاركة آخر في سرقة نصاب ولم يقر الآخر ففي القطع وجهان.
(مسألة) (وان هتك اثنان حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا) أما إذا هتك اثنان حرزا ودخلاه فاخرج أحدهما نصابا وحده فقال أصحابنا القطع عليهما.
وبه قال أبو حنيفة وصاحباه إذا أخرج نصابين وقال مالك والشافعي وابو ثور وابن المنذر يختص القطع بالمخرج لانه هو السارق، وان أخرج أحدهما دون النصاب والآخر أكثر من نصاب فما نصابين فعند أصحابنا وأبي حنيفة وصاحبيه يجب القطع عليهما وعند الشافعي وموافقيه لاقطع على من لم يخرج نصابا وان أخرج أحدهما نصابا والآخر دون النصاب فعند أصحابنا عليهما القطع وعند
الشافعي القطع على مخرج النصاب وحده وعند أبي حنيفة لا قطع على واحد منهما لان المخرج لم يبلغ نصبا بعدد السارقين وقد ذكرنا وجه ما قلنا فيما تقدم.
(مسألة) (فان نقبا حرزا فدخل أحدهما فقرب المتاع من النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه فقال أصحابنا قياس قول أحمد أن القطع عليهما).
وقال الشافعي القطع على الخارج لانه مخرج للمتاع وقال ابو حنيفة لا قطع على واحد منهما ولنا انهما اشتركا في هتك الحرز واخراج المتاع فلزمهما القطع كما لو حملاه معا فأخرجاه، وان وضعه في النقب فمد الآخر يده فأخرجه فأخذه فالقطع عليهما ونقل عن الشافعي في هذه المسألة قولان كالمذهبين في الصورة التي قبلها.
(فصل) قال أحمد في رجلين دخلا دارا احدهما في سفلها جمع المتاع وشده بحبل والآخر في علوها مد الحبل فرمى به وراء الدار فالقطع عليهما لانهما اشتركا في اخراجه.
(مسألة) (وان رماه الداخل إلى خارج فأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده) وان اشتركا في النقب، لان الداخل اخرج المتاع وحده فاختص القطع به.
(مسألة) (وان نقب احدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ويحتمل ان يقطعا)
وإنما لم يقطعا لان الاول لم يسرق والثاني لم يهتك الحرز وانما سرق من حرز هتكه غيره فأشبه مالو نقب رجل وانصرف وجاء آخر فصادف الحرز مهتوكا فسرق منه، ويحتمل ان يقطعا لانهما اشتركا في سرقة نصاب أشبه مالو دخلا معا فاخرج احدهما المتاع (مسألة) (إلا ان ينقب احدهما ويذهب فيأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا قطع) لانه لم يهتك الحرز ومن شرط وجوب القطع هتكه فقد فات الشرط فيفوت المشروط.
(فصل) فان اشترك رجلان في النقب ودخل احدهما فاخرج المتاع وحده أو اخذه وناوله لآخر خارجا من الحرز فالقطع على الداخل وحده لانه اخرج المتاع وحده مع مشاركته في النقب وبهذا قال الشافعي وابو ثور وابن المنذر وقال ابو حنيفة لاقطع عليهما، لان الداخل لم ينفصل عن الحزر ويده على السرقة فلم يلزمه القطع كما لو اتلفه داخل الحرز ولنا أن المسروق خرج من الحرز ويده عليه فوجب عليه القطع كما لو خرج به بخلاف مالو أتلفه لانه لم يخرجه من الحرز.
(فصل) الرابع أن يخرجه من الحرز، يشترط أن يسرق من حرز ويخرجه منه وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والشعبي وأبو الاسود الديلي وعمر بن عبد العزيز والزهري وعمرو بن دينار
والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن احد من أهل العلم خلافهم إلا قولا حكي عن عائشة والحسن والنخعي فيمن جمع المتاع فلم يخرج به من الحرز: عليه القطع وعن الحسن مثل قول الجماعة وحكي عن داود أنه لا يعتبر الحرز لان الآية لا تفصيل فيها وهذه أقوال شاذة غير ثابتة عمن نقلت عنه قال ابن المنذر ليس في خبر ثابت ولا مقال لاهل العلم إلا ما ذكرناه فهو كالاجماع
والاجماع حجة على من خالفه وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر فقال (ما أخذ من غير اكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه، وما كان في الجران ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن) رواه أبو داود وابن ماجه وهذا الخبر يخص الآية كما خصصناها في اعتبار النصاب.
(مسألة) (فان سرق من غير حرز فلا قطع عليه) لفوات شرطه مثل أن يجد حرزا مهتوكا أو بابا مفتوحا فيأخذ منه فلا قطع عليه لذلك.
(مسألة) (فان دخل الحرز فاتلف فيه نصابا ولم يخرجه فلا قطع عليه) لانه لم يسرق لكن يلزمه ضمانه لانه أتلفه ولا يقطع حتى يخرجه من الحرز فمتى أخرجه من الحرز فعليه القطع سواء حمله إلى منزله أو تركه خارجا من الحرز.
(مسألة) (وان ابتلع جوهرا أو ذهبا فخرج به أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به
أو في ماء جار فأخرجه أو قال لصغير أو معتوه ادخل فأخرجه ففعل فعليه القطع) أما إذا دخل الحرز فابتلع جوهرة أو ذهبا وخرج فان لم يخرج ما ابتلعه فلا قطع عليه لانه أتلفه في الحرز، وان خرج ففيه وجهان (أحدهما) يجب لانه أخرجها في وعائها فأشبه اخراجها في كمه (والثاني) لا يجب القطع لانه ضمنها بالبلع فكان اتلافا لها ولانه ملجأ إلى اخراجها لانه لا يمكنه الخروج بدونها، وان ترك المتاع على دابة فخرجت بنفسها من غير سوقها أو ترك المتاع في ماء راكد فانفتح فخرج المتاع أو على حائط في الدار فأطارته الريح ففي ذلك وجهان (أحدهما) عليه القطع لان فعله سبب خروجه فأشبه مالو ساق البهيمة أو فتح الماء وحلق الثوب في الهواء (والثاني) لا قطع عليه لان الماء لم يكن آلة للاخراج وإنما خرج المتاع بسبب حادث من غير فعله والبهيمة لها اختيار لنفسها، فأما ان ساق الدابة فخرجت بالمسروق أو تركه في ماء جار فخرج به فعليه القطع لانه هو المخرج اما بنفسه واما بآلته فوجب عليه القطع كما لو حمله فاخرجه وكذلك لو أمر صبيا لا يميز أو معتوها فأخرجه فعليه القطع لانه آلة له.
(فصل) وسواء دخل الحرز فاخرجه أو نقبه ثم أدخل إليه يده أو عصا لها شجنة فاجتذبه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا حد عليه إلا أن يكون البيت صغيرا لا يمكنه دخوله لانه لم يهتك الحرز بما أمكنه فأشبه المختلس.
ولنا انه سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه وهو من أهل القطع فوجب عليه كما لو كان
البيت ضيقا ويخالف المختلس لانه يهتك الحرز، وان رمى المتاع فاطارته الريح فأخرجته فعليه القطع لانه متى كان ابتداء الفعل منه لم يؤثر فعل الريح كما لو رمى صيدا فأعانت الريح السهم حتى قتل الصيد حل، ولو رمى الجمار فأعانتها الريح حتى وقعت في المرمى احتسب به وصار هذا كما لو ترك المتاع في الماء فجرى به فأخرجه.
(فصل) إذا أخرج المتاع من بيت في الدار أو الخان إلى الصحن فان كان باب البيت مغلقا ففتحه أو نقبه فقد أخرج المتاع من الحرز وإن لم يكن مغلقا فما أخرجه من الحرز، وقد قال احمد إذا أخرج المتاع من البيت إلى الدار يقطع وهو محمول على الصورة الاولى (فصل) إذا دخل السارق الحرز فاحتلب لبنا من ماشية وأخرجه فعليه القطع وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا قطع عليه لانه من الاشياء الرطبة وقد مضى الكلام معه في هذا وإن شربه في الحرز أو شرب منه فانتقص النصاب فلا قطع عليه لانه لم يخرج من الحرز نصابا، وان ذبح الشاة في الحرز أو شق الثوب ثم أخرجهما وقيمتهما بعد الشق والذبح نصاب فعليه القطع وبه قال الشافعي وقال الثوري لا قطع عليه في الشاة لان اللحم لا يقطع بسرقته عنده والثوب ان شق أكثره فلا قطع فيه لان صاحبه مخير بين (1) أن يضمنه قيمة جميعه فيكون قد أخرجه وهو ملكه وقد تقدم الكلام معه في هذه الاصول، وان تطيب وخرج ولم يبق عليه من الطيب ما إذا جمع كان نصابا فلا قطع عليه
__________
(1) كذا بالاصل ونسخ المغنى
لان ما لا يجتمع قد أتلفه باستعماله فأشبه ما لو أكل الطعام، وإن كان يبلغ نصابا فعليه القطع لانه
أخرج نصابا وذكر فيه وجه آخر فيما إذا كان ما تطيب به يبلغ نصبا فعليه القطع وإن نقص ما يجتمع عن النصاب لانه أخرج نصابا والاول أولى لانه حين الاخراج ناقص عن النصاب، وإن جر خشبة فألقاها بعد أن خرج بعضها من الحرز فلا قطع عليه سواء خرج منها ما يساوي نصابا أو لا لان بعضها لا ينفرد عن البعض وكذلك لو أمسك الغاصب طرف عمامته والطرف الآخر في يد مالكها لم يضمنها وكذلك لو سرق ثوبا أو عمامة فأخرج بعضهما (فصل) فان نقب الحرز ثم دخل فأخرج ما دون النصاب ثم دخل فأخرج ما بقي من النصاب وكان في وقتين متباعدين أو ليلتين لم يجب القطع لان كل واحدة منهما سرقة منفردة لا تبلغ نصابا وكذلك إن كانا في ليلة واحدة وبينهما مدة طويلة وإن تقاربا وجب القطع لانها سرقة واحدة ولانه إذا بني فعل أحد الشريكين على فعل شريكه إذا سرقا نصابا فبناء فعل الواحد بعضه على بعض أولى (مسألة) (والحرز ما جرت العادة بحفظ المال فيه ويختلف باختلاف الاموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه) الحرز ما عدا حرزا في العرف فانه لم ثبت اعتباره في الشرع من غير تنصيص على بيانه علم انه
رد ذلك إلى أهل العرف لانه لا طريق إلى معرفته إلا من جهته فرجع إليه كما رجعنا إليه في معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك.
إذا ثبت ذلك فحرز الاثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الابواب والاغلاق الوثيقة، وحرز الثياب وما خف من المتاع كالصفر والنحاس والرصاص في الدكاكين والبيوت المقفلة في العمران أو يكون فيها حافظ فيكون حرزا وإن كانت مفتوحة إن لم تكن مغلقة ولا فيها حافظ فليست بحرز وإن كانت فيها خزائن مغلقة فالخزائن حرز لما فيها وما خرج عنها فليس بحرز وقد روي عن احمد في البيت الذي ليس عليه غلق فسرق منه: أراه سارقا وهذا محمول على أن أهله فيه فاما البيوت التي في البساتين أو الطرق أو الصحراء فان لم يكن فيها أحد فليست حرزا سواء كانت مغلقة أو مفتوحة لان من ترك متاعه في مكان خال من الناس والعمران وانصرف عنه
لا يعد حافظا له وإن أغلق عليه، وإن كان فيها أهلها أو حافظ فهو حرز سواء كانت مغلقة أو مفتوحة وإذا كان لابسا للثوب أو متوسدا له نائما أو مستيقظا أو مفترشا له أو متكئا عليه في أي موضع كان من البلد أو برية فهو محرز بدليل رداء صفوان سرق وهو متوسده فقطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقه وان تدحرج عن الثوب زال الحرز ان كان نائما، وان كان الثوب بين يديه أو غيره من المتاع كبز
البزازين وقماش الباعة وخبز الخبازين بحيث يشاهده وينظر إليه فهو محرز وان نام أو كان غائبا عن موضع مشاهدته فليس بمرحز وان جعل المتاع في الغرائر وعكم عليها ومعها حافظ يشاهدها فهي محرزة والا فلا.
(فصل) والخيمة والخركاة ان نصبت وكان فيها أحد نائما أو منتبها فهي محرزة وما فيها لانها هكذا تحرز في العادة وإن لم يكن فيها أحد ولا عندها حافظ فلا قطع على سارقها، وممن أوجب القطع في السرقة من الفسطاط الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي إلا أن أصحاب الرأي قالوا: يقطع السارق من الفسطاط دون سارق الفسطاط.
ولنا أنه محرز بما جرت به العادة أشبه ما فيه (مسألة) (وحرز البقل والباقلا ونحوه وقدوره وراء الشرائج إذا كان في السوق حارس) والشرائج تكون من القصب والخشب (مسألة) (وحرز الخشب الحطب الحظائر) وكذلك القصب وتعبئة بعضه على بعض وتقييده بقيد بحيث يعسر أخذ شئ منه على ما جرت العادة إلا أن يكون في فندق مغلق عليه فيكون محرزا وإن لم يقيد (مسألة) (وحرز المواشي الصير وحرزها في المراعى بالراعي ونظره إليها)
فما غاب منها عن مشاهدته فقد خرج عن الحرز لان الراعية هكذا تحرز (مسألة) (وحرز حمولة الابل بتقطيرها وقائدها وسائقها إذا كان يراها) الابل على ثلاثة أضرب: باركة وراعية وسائرة فأما الباركة فان كان معها حافظ لها وهي معقولة
فهي محرزة وإن لم تكن معقولة وكان الحافظ ناظرا إليها أو مستيقظا بحيث يراها فهي محرزة وإن كان نائما أو مشغولا عنها فليست محرزة لان العادة أن الرعاة إذا أرادوا النوم عقلوا إبلهم ولان المعقولة تنبه النائم والمشتغل، وإن لم يكن معها أحد فهي غير محرزة سواء كانت معقولة أو لم تكن.
وأما الراعية فحرزها بنظر الراعي إليها فما غاب عن نظره أو نام عنه فليس بمحرز لان الراعية انما تحرز بالراعي ونظره.
وأما السائرة فان كان معها من يسوقها فحرزها بنظره إليها سواء كانت مقطرة أو غير مقطرة فما كان منها بحيث لا يراه فليس بمحرز وإن كان معها قائد فحرزها أن يكثر الالتفات إليها والمراعاة لها وتكون بحيث يراها إذا التفت وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يحرز القائد إلا التي زمامها بيده لانه يوليها ظهره ولا يراها إلا نادرا فيمكن أخذها من حيث لا يشعر ولنا أن العادة في حفظ الابل المقطرة بمراعاتها بالالتفات وإمساك زمام الاول فكان ذلك حرزا
لها كالتي زمامها في يده فان سرق من احمال الجمال السائرة المحرزة متاعا قيمته نصاب قطع وكذلك إن سرق الحمل وإن سرق الجمل بما عليه وصاحبه نائم عليه لم يقطع لانه في يد صاحبه وإن لم يكن صاحبه عليه قطع وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه لان ما في الحمل محرز به فإذا اخذ جميعه لم يهتك حرز المتاع فصار كما لو سرق أجزاء الحرز ولنا أن الجمل محرز بصاحبه ولهذا لو لم يكن معه لم يكن محرزا فقد سرقه من حرز مثله فأشبه ما لو سرق المتاع ولا نسلم ان سرقة الحرز من حرزه لا توجب القطع فانه لو سرق الصندوق بما فيه من بيت هو محرز فيه وجب قطعه وهذا التفصيل في الابل التي في الصحراء فأما التي في البيوت والمكان المحصن على الوجه الذي ذكرناه في الثياب فهي محرزة والحكم في سائر المواشي كالحكم في الابل على ما ذكرنا من التفصيل فيها (مسألة) (وحرز الثياب في الحمام بالحافظ) فان سرق من الحمام ولا حافظ فيه فلا قطع عليه في قول عامتهم وان كان ثم حافظ فقال احمد ليس على سارق الحمام قطع.
وقال في رواية ابن
منصور لا يقطع سارق الحمام إلا أن يكون على المتاع قاعد مثل ما صنع بصفوان وهذا قول أبي حنيفة لانه مأذون للناس في دخوله فجرى مجرى سرقة الضيف من البيت المأذون له في دخوله ولان دخول الناس إليه يكثر فلا يتمكن الحافظ من حفظ ما فيه، وفيه رواية اخرى انه يجب القطع إذا كان فيه
حافظ حكاها القاضي وهو قول مالك والشافعي واسحاق وابي ثور وابن المنذر لانه متاع له حافظ فيجب قطع سارقه كما لو كان في البيت.
قال شيخنا: والصحيح الاول وهذا يفارق ما في البيت من الوجهين اللذين ذكرناهما، فأما ان كان صاحب الثياب قاعدا عليها أو متوسدا لها أو جالسا وهي بين يديه يحفظها قطع سارقها بكل حال كما قطع سارق رداء صفوان من المسجد وهو متوسد له، وكذلك ان كان صاحب الثياب اما الحمامي واما غيره حافظا لها على هذا الوجه قطع سارقها لانها محرزة وان لم تكن كذلك فقال القاضي ان نزع الداخل ثيابه على ما جرت به العادة ولم يستحفظها لاحد فلا قطع على سارقها ولا غرم على الحمامي لانه غير مودع فيضمن ولا هي محرزة فيقطع سارقها، وان استحفظها الحمامي فهو مودع تلزمه مراعاتها بالنظر والحفظ فان تشاغل عنها وترك النظر إليها فسرقت فعليه الغرم لتفريطه ولا قطع على السارق لانه لم يسرق من حرز وإن تعاهدها الحمامي بالحفظ والنظر فسرقت فلا غرم عليه لعدم تفريطه وعلى السارق القطع لانها محرزة وهذا مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد أنه لا قطع عليه أيضا في هذه الصورة لما تقدم.
قال ابن المنذر قال احمد ارجو ان لا قطع عليه لانه مأذون للناس في دخوله.
ولو استحفظ رجل آخر متاعه في المسجد فسرق فان كان قد فرط في مراعاته ونظره إليه فعليه الغرم إذا كان التزم حفظه واجابه إلى ما سأله وان لم يجبه لكن سكت لم يلزمه غرم لانه ما قبل الاستيداع ولا قبض المتاع، ولا قطع على السارق في الموضعين لانه غير محرز، وإن حفظ المتاع بنظره إليه وقربه منه فسرق فلا غرم عليه وعلى السارق القطع لانه سرق من حرز
ويفارق المتاع في الحمام فان الحفظ فيه غير ممكن لان الناس يضع بعضهم ثيابه عند ثياب بعض ويشتبه على الحمامي صاحب الثياب فلا يمكنه منع اخذها لعدم علمه بمالكها
(مسألة) (وحرز الكفن في القبر على الميت فلو نبش قبرا واخذ الكفن قطع) روي عن ابن الزبير أنه قطع نباشا، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة والشعبي والنخعي وحماد ومالك والشافعي واسحاق وابو ثور وابن المنذر وقال ابو حنيفة والثوري لا قطع عليه لان القبر ليس بحرز لان الحرز ما يوضع فيه المتاع للحفظ والكفن لا يوضع في القبر لذلك ولانه ليس بحرز لغيره فلا يكون حرزا لغيره، ولان الكفن لامالك له ولانه لا يخلو اما ان يكون ملكا للميت أو لوارثه وليس ملكا لواحد منهما لان الميت لا يملك شيئا ولم يبق اهلا للملك والوارث انما يملك ما فضل عن حاجة الميت ولانه لا يجب القطع الا بمطالبة المالك أو نائبه ولم يوجد ذلك ولنا قول الله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما) وهذا سارق ولان عائشة رضي الله عنها قالت: سارق امواتنا كسارق احيائنا وما ذكروه لا يصح فان الكفن يحتاج إلى تركه في القبر دون غيره ويكتفى به في حرزه الا ترى انه لا يترك الميت في غير القبر من غير ان يحفظ كفنه ويترك في القبر وينصرف عنه؟ وقولهم انه لا مالك له ممنوع بل هو مملوك للميت لانه كان مالكا
له في حياته ولا يزول ملكه الا عما لا حاجة به إليه ووليه يقوم مقامه في المطالبة كقيام ولي الصبي في الطلب بماله.
إذا ثبت هذا فلابد من اخراج الكفن من القبر لانه الحرز فان اخرجه من اللحد ووضعه في القبر فلا قطع عليه فيه لانه لم يخرجه من الحرز فأشبه مالو نقل المتاع في البيت من جانب إلى جانب فان النبي صلى الله عليه وسلم سمى القبر بيتا (فصل) والكفن الذي يقطع بسرقته ما كان مشروعا فان كفن الرجل في اكثر من ثلاث لفائف أو المرأة في اكثر من خمس فسرق الزائد عن ذلك أو ترك في تابوت فسرق التابوت أو ترك معه طيبا مجموعا أو ذهبا أو فضة أو جوهرا لم يقطع بأخذ شئ من ذلك لانه ليس بكفن مشروع فتركه فيه سفه وتضييع فلا يكون محرزا ولا يقطع سارقه (فصل) وهل يفتقر في قطع النباش إلى المطالبة؟ يحتمل وجهين (أحدهما) يفتقر إلى المطالبة كسائر المسروقات فعلى هذا المطالب الوارث لانه يقوم مقام
الميت في حقوقه وهذا من حقوقه (والثاني) لا يفتقر إلى طلب لان الطلب في السرقة من الاحياء شرط لئلا يكون المسروق مملوكا للسارق وقد يئس من ذلك ههنا
(فصل) وحرز جدار الدار كونه مبنيا فيها إذا كانت في العمران أو كانت في الصحراء وفيها حافظ فان أخذ من اجزاء الجدار أو خشبة تبلغ نصابا في هذه الحال وجب قطعه لان الحائط حرز لغيره فيكون حرزا لنفسه، وان هدم الحائط ولم يأخذه فلا قطع فيه كما لو تلف المتاع في الحرز ولم يسرقه وإن كانت الدار بحيث لا تكون حرزا لما فيها كدار في الصحراء لا حافظ لها فلا قطع على من اخذ من جدارها شيئا لانها إذا لم تكن حرزا لما فيها فلنفسها اولى (مسألة) (وحرز الباب تركيبه في موضعه) سواء كان مغلقا أو مفتوحا لانه هكذا يحفظ وعلى سارقه القطع إذا كانت الدار محرزة بما ذكرناه، واما ابواب الخزائن في الدار فان كان باب الدار مغلقا فهي محرزة سواء كانت مغلقة أو مفتوحة وان كان مفتوحا لم تكن محرزة الا ان تكون مغلقة أو يكون في الدار حافظ والفرق بين الدار وباب الخزانة أن ابواب الخزائن تحرز بباب الدار وباب الدار لا يحرز الا بنصبه ولا يحرز بغيره، وأما حلقة الباب فان كانت مسمورة فهي كحرزه والا فلا لانها تحرز بتسميرها (مسألة) (فلو سرق رتاج الكعبة أو باب مسجد أو تأزيره قطع) إذا سرق باب مسجد منصوبا أو باب الكعبة المنصوب أو سرق من سقفه شيئا أو تأزيره ففيه وجهان (احدهما) عليه القطع وهو مذهب الشافعي وابن القاسم صاحب مالك وأبي ثور وابن المنذر
لانه سرق نصابا محرزا بحرز مثله لا شبهة له فيه فلزمه القطع كباب بيت الآدمي (والثاني) لا قطع عليه وهو قول أصحاب الرأي لانه لا مالك له من المخلوقين فلا يقطع كحصر المسجد وقناديله فانه لا يقطع بسرقة ذلك وجها واحدا ولانه مما ينتفع به الناس فيكون له فيه شبهة فلم يقطع به كالسرقة من
بيت المال وقال احمد لا يقطع بسرقة ستارة الكعبة الخارجة منها قال القاضي: هذا محمول على ما ليست بمخيطة لانها انما تحرز بخياطتها وقال ابو حنيفة لا قطع فيها بحال لما ذكرنا في الباب (مسألة) (وإن سرق قناديل المسجد أو حصره فعلى وجهين) (احدهما) يقطع لان المسجد حرز لها فقطع بسرقتها كالباب (والثاني) لا يقطع وهو قول ابي حنيفة لان له فيه حقا وشبهة فأشبه السرقة من بيت المال.
ولانه لا مالك له من المخلوقين، وهذا اصح ان شاء الله تعالى.
وذكر شيخنا في كتاب المغني انه لا يقطع بسرقة ذلك وجها واحدا (مسألة) (وإن نام انسان على ردائه في المسجد فسرقه سارق قطع) لان النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارق رداء صفوان، وإن مال رأسه عنه فسرقه لم يقطع لانه لم يبق محرزا (مسألة) (وإن سرق من السوق غزلا وثم حافظ قطع) لان حرزه بحافظه فإذا سرقه قطع كما يقطع بسرقة الثياب من الحمام إذا كان ثم حافظ (مسألة) (ومن سرق من النخل أو الشجر من غير حرز فلا قطع عليه ويضمن عوضهما مرتين
يعني بذلك الثمر في البستان قبل ادخاله الحرز.
وهذا قول أكثر الفقهاء وكذلك جمار النخل ويسمى الكثر، وروي معنى هذا القول عن ابن عمر وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابو ثور ان كان من بستان محرز ففيه القطع وبه قال ابن المنذر إذا لم يصح خبر رافع ولا احسبه ثابتا واحتجا بظاهر الآية وبقياسه على سائر المحرزات ولنا ما روى رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا قطع في ثمرولا كثر) اخرجه ابو داود وابن ماجه، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الثمر المعلق فقال (من اصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شئ عليه ومن خرج بشئ منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد ان يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع) وهذا يخص عموم الآية ولان البستان ليس بحرز لغير الثمر فلم يكن حرزا له كما لو لم يكن
محفوظا، فأما إن كانت شجرة في دار محرزة فسرق منها نصابا فعليه القطع والله أعلم (فصل) وإذا سرق من الثمر المعلق فعليه غرامة مثليه وبه قال اسحاق للخبر المذكور، قال أحمد لا أعلم شيئا يدفعه، وقال أكثر الفقهاء لا يجب أكثر من مثله قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من
من الفقهاء قال بوجوب غرامة مثليه واعتذر بعض أصحاب الشافعي عن هذا الخبر بانه كان حين كانت العقوبة في الاموال ثم نسخ ذلك.
ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا تجوز مخالفته إلا بمعارضة مثله أو أقوى منه وهذا الذي اعتذر به هذا القائل دعوى للنسخ بالاحتمال من غير دليل عليه وهو فاسد بالاجماع ثم هو فاسد من وجه آخر لقوله ومن سرق منه شيئا بعد ان يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع فقد بين وجوب القطع مع إيجاب غرامة مثليه وهذا يبطل ما قاله وقد احتج أحمد بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بلتعة حين نحر غلمانه ناقة رجل من مزينة مثلي قيمتها روى الاثرم الحديثين في سننه قال أصحابنا وفي الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة: مثلا قيمتها لان في سياق حديث عمرو بن شعيب أن السائل قال الشاة الحريسة منهن يا نبي الله، قال (ثمنها ومثله معه والفكاك وما كان من المراح ففيه القطع إذا كان ما يأخذ من ذلك ثمن المجن) هذا لفظ رواية ابن ماجه وما عدا هذين لا يضمن بأكثر من قيمته أو مثله ان كان مثليا، وهذا قول أصحابنا وغيرهم إلا أبا بكر فانه ذهب إلى غرامة المسروق من غير حرز بمثيله قياسا على الثمر المعلق وحريسة الحبل واستدلا بحديث حاطب.
ولنا أن الاصل وجوب غرامة المثلي بمثله والمتقوم بقيمته بدليل المتلف والمغصوب والمنتهب
والمختلس وسائر ما تجب غرامته خولف في هذين الموضعين للاثر ففيما عداهما يبقى على الاصل.
(مسألة) (قال أبو بكر ما كان حرزا لمال فهو حرز لمال آخر قياسا لاحدهما على الآخر والصحيح خلاف ذلك) لانا إنما رجعنا في الحرز إلى العرف والعادة أن الجواهر والدراهم والدنانير لا تحرز في الصبر والحظائر ومن أحرزها أو نحوها في ذلك عد مفرطا فكان العمل بالمعروف أولى
(فصل) وإذا سرق الضيف من مال مضيفه شيئا نظرت، فان كان من الموضع الذي أنزل فيه أو موضع لم يحرزه عنه لم يقطع لانه لم يسرق من حرز وان سرق من موضع محرز دونه فان كان منعه فرآه سرق بقدره فلا قطع عليه أيضا وان لم يمنع فرآه فعليه القطع، وقد روي عن أحمد أنه لا قطع على الضيف وهو محمول على إحدى الحالتين الاوليين وقال أبو حنيفة لا قطع عليه بحال لان المضيف بسطه في بيته وماله فأشبه ابنه.
ولنا أنه سرق مالا محرزا عنه لا شبهة له فيه فلزمه القطع كالاجنبي وقوله انه بسطه فيه لا يصح فانه أحرز عنه هذا المال ولم يبسطه فيه وبسطه في غيره لا يوجب بسطه فيه كما لو تصدق على مسكين بصدقة أو أهدى إلى صديقه هدية فانه لا يسقط عنه القطع بالسرقة من غير ما تصدق به عليه أو اهدى إليه (فصل) وإذا أحرز المضارب مال المضاربة أو الوديعة أو العارية أو المال الذي وكل فيه فسرقه أجنبي فعليه القطع لا نعلم فيه مخالفا لانه ينوب مناب المالك في حفظ المال واحرازه ويده كيده وان
غصب عينا وأحرزها أو سرقها وأحرزها فسرقها سارق فلا قطع عليه وقال مالك عليه القطع لانه سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه وللشافعي قولان كالمذهبين وقال أبو حنيفة كقولنا في السارق وكقول مالك في الغاصب.
ولنا أنه لم يسرق المال من مالكه ولا ممن يقوم مقامه فأشبه مالو وجده ضائعا فأخذه وفارق السارق من المالك أو نائبه فانه أزال يده الشرعية وسرق من حرزه.
(فصل) فان غصب شيئا فأحرز فيه ماله فسرقه منه أجنبي فلا قطع عليه لانه لا حكم لحرزه إذا كان متعديا به ظالما فيه.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (الخامس انتفاء الشبه فلا يقطع بالسرقة من مال ابنه وان سفل ولا الولد من مال أبيه وان علا والاب والام في ذلك سواء).
وجملة ذلك أن الوالد لا يقطع بالسرقة من مال ولده وان سفل وسواء في ذلك الاب والام والابن والبنت والجد والجدة من قبل الاب والام هذا قول عامة أهل العلم منهم مالك والثوري
والشافعي وأصحاب الراي وقال أبو ثور وابن المنذر القطع على كل سارق بظاهر الكتاب إلا أن يجمعوا على شئ فيستثنى.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لابيك) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أطيب ما أكل الرجل من
كسبه وان ولده من كسبه) وفي لفظ (فكلوا من كسب أولادكم) ولا يجوز قطع الانسان بقطع ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه ولا أخذ ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مالا له مضافا إليه ولان الحدود تدرأ بالشبهات وأعظم الشبهات أخذ الانسان من مال جعله الشرع له وأمره بأخذه وأكله.
(فصل) ولا يقطع الابن وان سفل بسرقة مال والده وان علا وبه قال الحسن والشافعي واسحاق والثوري وأصحاب الرأي وظاهر قول الخرقي أنه يقطع لانه لم يذكره فيمن لا قطع عليه وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر لظاهر الكتاب ولانه يقاد بقتله ويحد بالزنا بجاريته فيقطع بسرقته ماله كالاجنبي ووجه الاول أن بينهما قرابة تمنع قبول شهادة أحدهما لصاحبه فلم يقطع بسرقة ماله كالاب ولان الفقة تجب في مال الاب لابنه حفظا له فلا يجوز اتلافه حفظا للمال وأما الزنا بجاريته ففيه منع وان سلم فانما وجب عليه الحد لانه لا شبهه له فيها.
(مسألة) (ولا يقطع العبد بالسرقة من مال سيده في قول الجميع ووافقهم أبو ثور فيه وحكي عن داود انه يقطع لعموم الآية.
ولنا ما روى السائب بن يزيد قال شهدت عمر بن الخطاب قد جاءه عبد الله بن عمر والحضرمي بغلام له فقال إن غلامي هذا سرق فاقطع يده فقال عمر ما سرق؟ قال سرق مرآة امرأتي ثمنها ستون درهما فقال ارسله لا قطع عليه خادمكم أخذ متاعكم، ولكنه لو سرق من غيره قطع وفي لفظ
قال مالكم سرق بعضه بعضا لا قطع عليه رواه سعيد، وعن ابن مسعود ان رجلا جاءه فقال عبد لي سرق قباء لعبد لي آخر فقال لا قطع مالك وسرق مالك وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفها أحد فتكون اجماعا وهذا يخص عموم الآية ولان هذا اجماع من أهل العلم لانه قول من سمينا من الائمة ولم يخالفهم
في عصرهم أحد فلا يجوز خلافه بقول من بعدهم كما لا يجوز ترك اجماع الصحابة بقول واحد من التابعين (فصل) وأم الولد والمدبر والمكاتب كالقن في هذا وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي ولا يقطع سيد المكاتب بسرقة ماله لانه عبد ما بقي عليه درهم، وكل من لا يقطع الانسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة ماله كآبائه وأولاده وغيرهم وقال أبو ثور يقطع بسرقة من عدا سيده ونحوه قول مالك وابن المنذر.
ولنا حديث عمر رضي الله عنه، ولان مالهم ينزل منزلة ماله في قطعه فكذلك في قطع عبده.
(مسألة) (ولا يقطع مسلم بالسرقة من بيت المال) يروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي وأصحاب الرأي، وقال حماد ومالك وابن المنذر يقطع لظاهر الكتاب.
ولنا ماروى ابن ماجه باسناده عن ابن عباس أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال (مال الله سرق بعضه بعضا) ويروى ذلك عن عمر رضي الله
عنه وسأل ابن مسعود عمر عمن سرق من بيت المال فقال أرسله فما من أحد إلا وله في هذا المال حق، وقال سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن الشعبي عن علي عليه السلام أنه كان يقول ليس على من سرق من بيت المال قطع ولان له في المال حقا فيكون شبهة تمنع وجوب القطع كما لو سرق من مال له فيه شركة (مسألة) (ولا يقطع بالسرقة من مال له فيه شرك أو لاحد ممن لا يقطع بالسرقة منه) كالاب لا يقطع بسرقة مال ابنه والعبد لا يقطع بسرقة مال سيده فكذلك إذا سرق من مال لابنه فيه شرك أو لسيده فلا قطع عليه لذلك.
(فصل) ومن سرق من الوقف أو من غلته وكان من الموقوف عليهم كالمسكين يسرق من مال وقف المساكين أو من قوم معينين عليهم وقف لم يقطع لانه شريك، وان كان من غيرهم قطع لانه لا حق له فيه فان قيل فقد قلتم لا يقطع بالسرقة من بيت المال من غير تفريق بين غني وفقير فلم فرقتم ههنا؟ قلنا لان للغني في بيت المال حقا بدليل قول عمر رضي الله عنه ما من أحد إلا وله في هذا
المال حق بخلاف وقف المساكين فانه لا حق للغني فيه.
(مسألة) (ومن سرق من الغنيمة ممن له حق أو لولده أو لسيده لم يقطع) لما ذكرنا من المسألة قبلها.
وحكى عن ابن أبي موسى أنه يحرق رحله كالغال، وان لم يكن من الغانمين ولا أحد ممن ذكرنا فسرق منها قبل اخراج الخمس لم يقطع لان له في الخمس حقا، وان اخرج الخمس فسرق من أربعة الاخماس قطع وان سرق من الخمس لم يقطع لان له فيه شركة فان قسم الخمس خمسة أقسام فسرق من خمس الله ورسوله لم يقطع، وان سرق من غيره قطع الا ان يكون من أهل ذلك الخمس (مسألة) (وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه؟ على روايتين) (إحداهما) لا قطع عليه وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة لقول عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عمرو الحضرمي حين قال له ان غلامي سرق مرآة امرأتي أرسله لا قطع عليه خادمكم أخذ متاعكم، وإذا لم يقطع عبده بسرقة مالها فهو اولى ولان كل واحد منهما يرث صاحبه بغير حجب ويسقط في مال الاخر عادة فاشبه الوالد والولد (والثانية) يقطع وهو مذهب مالك وابي ثور وابن المنذر وهو ظاهر كلام الخرقي لعموم الآية ولانه سرق مالا محرزا عنه لا شبهة له فيه فاشبه الاجنبي وللشافعي كالروايتين وقول ثالث ان الزوج يقطع بسرقة مال الزوجة لانه لا حق له فيه ولا تقطع بسرقة ماله لان لها النفقة فيه، فاما ان لم يكن مال أحدهما محرزا عن الاخر لم يقطع رواية واحدة لانه لم يسرق من حرز (مسألة) (ويقطع سائر الاقارب بالسرقة من مال اقاربهم كالاخوة والاخوات ومن عداهم)
وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يقطع بالسرقة من ذي رحم وحكاه ابن أبي موسى في الارشاد مذهبا لاحمد لانها قرابة تمنع النكاح وتبيح النظر وتوجب النفقة اشبه قرابة الولادة ولنا أنها قرابة لا تمنع الشهادة فلا تمنع القطع لغير ذي الرحم وبهذا فارق قرابة الولادة (مسألة) (ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن ويقطعان بسرقة ماله)
اما قطع المسلم بالسرقة من مال الذمي وقطع الذمي بالسرقة من مال مسلم فلا نعلم فيه خلافا وبه قال الشافعي واصحاب الرأي واما الحربي إذا دخل الينا مستأمنا فسرق فانه يقطع أيضا وقال ابن حامد لا يقطع وهو قول أبي حنيفة ومحمد لانه حد لله تعالى فلا يقام الحد عليه كالزنا ونص احمد على أنه لايقام عليه حد الزنا وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه حد يطالب به فوجب كحد القذف يحققه ان القطع يجب صيانة للاموال وحد القذف يجب صيانة للاعراض فإذا وجب في حقه أحدهما وجب الآخر، فاما الزنا فانما لم يجب لانه يجب به قتله لنقض العهد ولا يجب مع القتل حد سواه إذا ثبت هذا فان المسلم يقطع بسرقة ماله وعند أبي حنيفة لا يجب
ولنا أنه سرق مالا معصوما لا شبهة له فيه من حرز مثله فوجب قطعه كسرقة مال الذمي ويقطع المرتد إذا سرق فان أحكام الاسلام جارية عليه (مسألة) (ومن سرق عينا وادعى أنها ملكه لم يقطع وعنه يقطع وعنه لا يقطع الا ان يكون معروفا بالسرقة) من ثبتت عليه السرقة ببينة فانكر لم يسمع انكاره، وان قال أحلفوه لي أني سرقت منه لم يحلف لان السرقة قد ثبتت بالبينة وفي احلافه عليها قدح في الشهادة فان قال الذي أخذته ملكي كان لي عنده وديعة أو رهنا أو ابتعته منه أو وهبه لي أو اذن لي في أخذه أو غصبه مني أو من أبي أو بعضه لي فالقول قول المسروق منه مع يمينه لان اليد ثبتت له فان حلف سقطت دعوى السارق ولا قطع عليه لان صدقه محتمل ولهذا أحلفنا المسروق منه وان نكل قضينا عليه بنكوله وهذا إحدى الروايات عن احمد وهو منصوص الشافعي وعن احمد رواية أخرى أنه يقطع لان سقوط القطع بدعواه يؤدي إلى ان لا يجب قطع سارق فتفوت مصلحة الزجر وعنه رواية ثالثة أنه إن كان معروفا بالسرقة قطع لانه يعلم كذبه والا سقط عنه القطع والاولى اولى لان الحدود تدرأ بالشبهات وافضاؤه إلى سقوط القطع لا يمنع اعتباره كما ان الشرع اعتبر في شهادة الزنا شروطا لا يكاد يقع معها اقامة حد ببينة ابدا على أنه لا يفضي إليه لازما فان السراق لا يعلمون هذا ولا يهتدون إليه في الغالب وانما يختص بعلم هذا
الفقهاء الذين لا يسرقون غالبا فان لم يحلف المسروق منه سقط القطع وجها واحدا لانه يقضى عليه بالنكول
(مسألة) (وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لم يقطع وان سرق من غير ذلك أو سرق من مال من له عليه دين قطع الا ان يعجز عن اخذه منه فيسرق قدر حقه فلا يقطع وقال القاضي يقطع) إذا سرق من مال انسان أو غصبه فاحرزه فجاء المالك فهتك الحرز وأخذ ماله فلا قطع فيه عند أحده سواء أخذه سرقة أو غيرها لانه أخذ ماله وان سرق غيره ففيه وجهان (أحدهما) لا قطع عليه لان له شبهة في هتك الحرز واخذ ماله فصار كالسارق من غير حرز ولان له شبهة في أخذ قدر ماله لذهاب بعض أهل العلم إلى جواز أخذ الانسان قدر دينه من مال من هو عليه (والثاني) عليه القطع لانه سرق نصابا من حرزه لاشبهة له فيه وانما يجوز له أخذ قدر ماله إذا عجز عن أخذ ماله وهذا امكنه أخذ ماله فلم يجز له أخذ غيره وكذلك الحكم إذا أخذ ماله وأخذ نصابا من غيره متميزا عن ماله فان كان مختلطا بماله غير متميز منه فلا قطع عليه لانه أخذ ماله الذي له اخذه وحصل غيره ماخوذا ضرورة اخذه فيجب ان لا يضع فيه، ولان له في اخذه شبهة والحد يدرأ بالشبهات فاما ان سرق منه مالا من غير الحرز الذي فيه ماله أو كان له دين على انسان فسرق من ماله قدر دينه من حرزه نظرت فان كان الغاصب أو الغريم باذلا لما عليه غير ممتنع من ادائه أو قدر المالك على اخذ ماله فتركه وسرق مال الغاصب أو الغريم فعليه القطع لانه لا شبهة له فيه، وان عجز عن استيفاء
دينه أو ارش جنايته فسرق قدر دينه أو حقه فلا قطع عليه وقال القاضي عليه القطع بناء على اصلنا في انه ليس له اخذ قدر دينه ولنا ان هذا مختلف في حله فلم يجب الحد به كالوطئ في نكاح مختلف فيه وتحريم الاخذ لا يمنع الشبهة الناشئة عن الاختلاف والحدود تدرأ بالشبهات فان سرق اكثر من دينه فهو كالمغصوب منه إذا سرق اكثر من دينه على ما مضى
(فصل) ومن قطع بسرقة عين فعاد فسرقها قطع، إذا سرق سارق فقطع ثم سرق ثانيا قطع ثانيا سواء سرق من الذي سرق منه أو من غيره وسواء سرق تلك العين التي قطع بسرقتها أو غيرها وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا قطع بسرقة عين مرة لم يقطع بسرقتها مرة ثانية الا ان يكون قد قطع بسرقه غزل ثم سرقه منسوجا أو قطع بسرقة رطب ثم سرقه تمرا واحتج بان هذا يتعلق استيفاؤه بمطالبة آدمي فإذا تكرر سببه في العين الواحدة لم يتكرر كحد القذف ولنا أنه حد يجب بفعل في عين فتكرره في عين واحدة كتكرره في الاعيان كالزنا وما ذكروه يبطل بالغزل إذا نسج وبالرطب إذا أتمر ولا نسلم حد القذف فانه متى قذفه بغير ذلك الزنا حد، وان قذفه بذلك الزنا حد، وان قذفه بذلك الزنا عقيب حده لم يحد لان الغرض اظهار كذبه وقد ظهر وههنا الغرض ردعه عن السرقة ولم يرتدع فيردع بالثاني كما لو سرق عينا أخرى
(فصل) فان سرق مرات قبل القطع اجزأ حد واحد عن جميعها وتداخلت حدودها لانه حد من حدود الله فإذا اجتمعت اسبابه تداخل كحد الزنا، وذكر القاضي فيما إذا سرق من جماعة وجاءوا متفرقين رواية أخرى أنها لا تتداخل ولعله يقيس ذلك على حد القذف والصحيح أنها تتداخل لان القطع خالص حق لله تعالى فيتداخل كحد الزنا والشرب، وفارق حد القذف فانه لآدمي ولهذا يتوقف على المطالبة باستيفائه ويسقط بالعفو عنه (مسألة) (ومن أجر داره أو اعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع) إذا سرق مال المستأجر من العين المستأجرة فعليه القطع وبهذا قال الشافعي، وأبو حنيفة وقال صاحباه لا قطع عليه لان المنفعة تحدث في ملك المؤجر ثم تنقل إلى المستأجر ولنا انه هتك حرزا وسرق منه نصابا لا شبهة له فيه فوجب القطع كما لو سرق من ملك المستأجر وما قالاه غير مسلم (مسألة) (وان استعار دارا فنقبها المعير وسرق مال المستعير منها قطع ايضا) وبهذا قال الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة لا قطع عليه لان المنفعة ملك له فما هتك
حرز غيره ولان له الرجوع متى شاء وهذا يكون رجوعا
ولنا ما تقدم في التي قبلها ولا يصح ما ذكروه لان هذا قد صار حرز المال غيره فلا يجوز له الدخول إليه وانما يجوز له الرجوع في العارية والمطالبة برده إليه (فصل) قال احمد رحمه الله لا قطع في المجاعة، يعني ان المحتاج إذا سرق ما يأكله لا قطع عليه لانه كالمضطر وروى الجوزجاني عن عمر انه قال لا قطع في عام سنة وقال سألت أحمد عنه فقلت تقول به؟ فقال أي لعمري إذا حملته الحاجة والناس في شده ومجاعة، وعن الاوزاعي مثل ذلك وهذا محمول على من لا يجد ما يشتري به ما يأكله وقد روي عن عمر رضى الله عنه ان غلمان حاطب بن أبي بلتعة انتحروا ناقة للمزني فامر عمر بقطعهم ثم قال لحاطب اني اراك تجيعهم فدرأ عنهم الحد لما ظنه يجيعهم فأما الواجد لما يأكله والواجد لما يشتري به فعليه القطع وان كان بالثمن الغالي ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي فصل ولا قطع على المرأة إذا منعها الزوج قدر كفايتها أو كفاية ولدها إذا أخذت من ماله سواء أخذت قدر ذلك أو أكثر منه لانها تستحتق قدر ذلك فالزائد يكون مشتركا بما يستحق أخذه (فصل) السادس ثبوت السرقة بشهادة عدلين أو اقرار مرتين ولا ينزع عن اقراره حتى يقطع وجملة ذلك ان القطع انما يجب باحد شيئين بينة أو اقرار لا غير، فاما البينة فيشترط فيها ان يكونا رجلين مسلمين حرين عدلين سواء كان السارق مسلما أو ذيما وقد ذكرنا ذلك في شهود الزنا بما
يغني عن اعادته ههنا ويشترط ان يصفا السرقة والحرز وجنس النصاب وقدره ليزول الاختلاف فيه فيقولان نشهد أن هذا سرق كدا قيمته كذا من حرز ويصفا الحرز فان كان المسروق منه غائبا فحضر وكيله وطالب بالسرقة احتاج الشاهدان ان يرفعا في نسبه فيقولان من حرز فلان بن فلان ابن فلان بحيث يتميز عن غيره فإذا اجتمعت هذه الشروط وجب القطع في قول عامتهم، وقال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان قطع السارق يجب إذا شهد بالسرقة شاهدان
حران مسلمان ووصفا ما يوجب القطع وإذا وجب القطع بشهادتهما لم يسقط بغيبتهما ولا موتهما على ما مضى في الشهادة بالزنا وإذا شهد بسرقة مال غائب فان كان له وكيل حاضر فطالب به قطع السارق والا فلا وقال القاضي يحبس ولا يقطع حتى يحضر الغائب (فصل) وإذا اختلف الشاهدان في الوقت أو الزمان أو المسروق فشهد أحدهما انه سرق يوم الخميس والآخر انه سرق يوم الجمعة أو شهد احدهما أنه سرق من هذا البيت والآخر انه سرق من هذا البيت الآخر أو قال احدهما سرق ثورا وقال الاخر سرق بقرة أو قال الآخر سرق حمارا لم يقطع في قولهم جميعا وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وان قال احدهما سرق ثوبا أبيض وقال الآخر اسود أو قال احدهما سرق هرويا وقال الآخر سرق مرويا لم يقطع ايضا وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر لانهما لم يتفقا على الشهادة بشئ واحد فأشبه مالو اختلفا في الذكورية
والانوثية وقال أبو الخطاب يقطع وهو قول أصحاب الرأي لان الاختلاف لم يرجع إلى نفس الشهادة فيحتمل ان احدهما غلب على ظنه انه هروي والآخر انه مروي أو كان الثوب فيه سواد وبياض قال ابن المنذر اللون أقرب إلى الظهور من الذكورية والانوثية فإذا كان اختلافهم فيما يخفى يبطل شهادتهما ففيما يظهر أولى ويحتمل ان احدهما ظن المسروق ذكرا وظنه الآخر انثى وقد أوجب هذا رد شهادتهما فكذلك ههنا (الامر الثاني) الاعتراف ويشترط فيه ان يعترف مرتين روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال ابن أبي ليلي وأبو يوسف وزفر وابن شبرمة، وقال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ومحمد بن الحسن يقطع باعتراف مرة لانه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه التكرار كحق الآدمي ولنا ماروى أبو داود باسناده عن أبي أمية المخزومي ان النبي صلى الله عليه وسلم اتي بلص قد اعترف فقال له (ما إخالك سرقت) قال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع ولو وجب القطع باول مرة لما اخره وروى سعيد عن هشيم وسفيان وأبي الاحوص وأبي معاوية عن الاعمش عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال شهدت عليا واتاه رجل فاقر بالسرقة فرده وفي لفظ فانتهره وفي لفظ فسكت عنه وقال غير هؤلاء فطرده ثم
عاد بعد ذلك فأقر فقال له علي شهدت على نفسك مرتين وأمر به فقطع وفي لفظ قد اقررت على نفسك مرتين ومثل هذا يشتهر فلم ينكر ولانه يتضمن اتلافا في حد فكان من شرطه التكرار كحد الزنا ولانه أحد حجتي القطع فيعتبر فيه التكرار كالشهادة وقياسهم ينتقض بالزنا عند من اعتبر التكرار ويفارق حق الآدمي لان حقه مبني على الشح والضيق ولا يقبل رجوعه عنه بخلاف مسئلتنا (فصل) ويعتبر ان يذكر في اقراره شروط السرقة من النصاب والحرز واخراجه منه، والحر والعبد في هذا سواء نص عليه أحمد لعموم النص فيهما ولما روى الاعمش عن القاسم عن أبيه أن عليا قطع عبدا اقر عنده بالسرقة وفي رواية قال كان عبدا يعني الذي قطعه علي ويعتبر ان يقر مرتين.
وروى منها عن احمد: إذا اقر العبد انه سرق أربع مرات قطع فظاهر هذا أنه اعتبر إقراره أربع مرات ليكون على النصف من الحر، والاول أصح لخبر علي ولانه اقرار بحد فاستوى فيه الحر والعبد كسائر الحدود (مسألة) (ولا ينزع عن اقراره حتى يقطع) هذا قول أكثر الفقهاء وقال ابن أبي ليلي وداود لا يقبل رجوعه لانه لو أقر لآدمي بحد قصاص لم يقبل رجوعه عنه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للسارق (ما إخالك سرقت) يعرض له ليرجع ولان حديثه ثبت بالاعتراف فقبل رجوعه عنه كحد الزنا ولان الحدود تدرأ بالشبهات ورجوعه شبهة لاحتمال ان يكون كذب
على نفسه في اعترافه ولانه أحد حجتي القطع فيبطل بالرجوع عنه كالشهادة ولان حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط كما لو رجع الشهود وفارق حق الآدمي لانه مبني على الشح والضيق، ولو رجع الشهود عن الشهادة بعد الحكم في حق الادمي لم يبطل برجوعهم ولم يمنع استيفاءها، إذا ثبت هذا فانه إذا رجع قبل القطع سقط القطع ولم يسقط غرم المسروق لانه حق آدمي، ولو أقر مرة واحدة لزمه غرامة المسروق دون القطع، وان كان رجوعه وقد قطع بعض المفصل لم يتممه ان كان يرجى برؤه لكونه قطع الاقل وان قطع الاكثر فالمقطوع بالخيار ان شاء قطعه ويستريح من تعليق كفه
ولا يلزم القاطع قطعه لان قطعه تداو وليس بحد (فصل) قال احمد لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن اقراره وهذا قول عامة الفقهاء روي عن عمر انه اتي بسارق فسأله أسرقت؟ قل لا فقال لا فتركه وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال اسحاق وأبو ثور، وقد روينا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للسارق (ما إخالك سرقت) وقال لماعز (لعلك قبلت أو لمست) وعن علي ان رجلا أقر عنده بالسرقة فانتهره.
ولا بأس بالشفاعة في السارق إذا لم يبلغ الامام فانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد وجب) وقال الزبير بن العوام في الشفاعة في الحد يفعل ذلك دون السطان فإذا بلغ الامام فلا اعفاه الله ان أعفاه، وممن رأى ذلك عمار وابن عباس وسعيد بن جبير والزهري والاوزاعي وقال مالك ان لم يعرف بشر فلا باس ان يشفع له ما لم يبلغ الامام وأما من عرف بشر وفساد فلا أحب ان يشفع له ولكن يترك حتى يقام عليه الحد وأجمعوا على انه إذا بلغ
الامام لم تجز الشفاعة فيه لان ذلك اسقاط حق وجب لله تعالى وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين شفع اسامة في المخزومية التي سرقت وقال (أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟) وقال ابن عمر من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في حكمه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: