الفقه الحنبلي - الجنايات - القتل
(فصل) ويجري القصاص بينهم فيما دون النفس به قال عمر بن عبد العزيز وسالم والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وعن احمد رواية أخرى لا يجري القصاص بينهم فيما دون النفس وهو قول الشعبي والنخعي والثوري وأبي حنيفة
لان الاطرف مال فلا يجري القصاص فيها كالبهائم ولان التساوي في الاطراف معتبر في جريان القصاص بدليل انه لا يأخذ الصحيحة بالشلاء
ولا كاملة الاصابع بالناقصة وأطراف العبيد لا تتساوى
ولنا قول الله تعالى (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين) الآية ولانه أحد أنواع القصاص فجرى بين العبيد كالقصاص في النفس (فصل) وإذا وجب القصاص في طرف العبيد فللعبد استيفاؤه والعفو عنه دون السيد (فصل) ويقتل البعد القن بالمكاتب والمكاتب به ويقتل كل واحد منهما بالمدبر وام الولد ويقتل المدبر وام الولد بكل واحد منهم لان الكل عبيد فيدخلون في قوله تعالى (والعبد بالعبد) وقد دل على كون المكاتب عبدا قول النبي صلى الله عليه وسلم " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " وسواء كان قد أدى من كتابته شيئا أو لم يؤد وسواء ملك ما يؤدي أو لم يملك إلا إذا قلنا أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا فلا يقتل بالعبد لان الحر لا يقتل بالعبد وان أدى ثلاثة أرباع الكتابة لم يقتل أيضا إذا قلنا إنه يصيرا حرا ومن لم يحكم بحريته إلا باداء جميع الكتابة قال يقتل به، وقال أبو حنيفة إذا قتل العبد مكاتب له وفا ووارث سوى مولاه لم يقتل به لانه حين الجرح كان المستحق المولى وحين الموت الوارث ولا يجب القصاص إلا لمن يثبت حقه في الطرفين ولنا قوله تعالى (النفس بالنفس) وقوله (العبد بالعبد) ولانه لو كان قتل لوجب بقاء القصاص فإذا كان مكاتبا كان أولى كما لو لم يخلف وارثا وما ذكروه فشئ بنوه على أصولهم ولا نسلمه (فصل) إذا قتل الكافر الحر عبدا مسلما لم يقتل لان الحر لا يقتل بالعبد لعدم التكافؤ ولانه
لا يحد بقذفه فلا يقتل به كالاب مع الابن وعليه قيمته ويقتل لنقض العهد ان قلنا ينتقض عهده وفيه روايتان ذكرناهما في موضع ذلك وعلى الرواية الاخرى لا يقتل وعليه قيمته ويؤدب بما يراه الامام أو نائبه (فصل) وان قتل عبد مسلم حرا كافرا لم يقتل به لان المسلم لا يقتل بالكافر وان قتل من نصفه حر عبدا لم يقتل به لانا لا يقتل نصف الحر بعبد وان قتله حر لم يقتل به لان النصف الرقيق لا يقتل به الحر وان قتل من نصفه حر مثله قتل به لان القصاص يقع بين الجمعتين من غير تفصيل وهما متساويان (مسألة) ويقتل الذكر بالانثى والانثى بالذكر)
هذا قول عامة أهل العلم انهم النخعي والشعبي والزهري وعمر بن عبد العزيز ومالك وأهل المدينة والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وغيرهم وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال يقتل الرجل بالمرأة ويعطي أولياؤه نصف الدية رواه سعيد وروي نحوه عن أحمد وحكي ذلك عن الحسن وعطاء وحكي عنهما مثل قوله الجماعة ولعل من ذهب إلى القول الثاني يحتج بقول علي ولنا قول الله تعالى (النفس بالنفس) وقوله (الحر بالحر) مع عموم سائر النصوص وقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قتل يهوديا رض رأس جارية من الانصار وروي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن وان الرجل يقتل بالمرأة وهو كتاب مشهور عند أهل العلم متلقى بالقبول عندهم، ولانهما شخصان يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه فقتل كل واحد منهما بالآخر كالرجلين ولا يجب مع القصاص شئ لانه قصاص
واجب فلم يجب معه شئ على المقنص كسائر القصاص واختلاف الابدال لا عبرة به في القصاص بدليل ان الجماعة يقتلون بالواحد والنصراني مؤخذ بالمجوسي مع اختلاف دينهما ويؤخذ العبد بالعبد مع اخلاف قيمتهما وقتل كل واحد من الرجل والمرأة بالخنثى ويقتل بهما لانه لا يخلو اما ان يكون رجلا أو امرأة (مسألة) (وعن أحمد لا يقتل العبد بالعبد لا ان تستوي قيمتهما، ولا عمل عليه وقد ذكرناه) (مسألة) (ويقتل الكافر بالمسلم) لان النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي الذي رض رأس جارية من الانصار على ارضاح لها ولانه إذا قتل بمثل فيمن هو فوفه أولى وكذلك يقتل العبد بالحره المرتد بالذمي وان عاد إلى لاسلام نص عليه لذلك (فصل) ويقتل المرتد بالذمي ويقدم القصاص على القتل بالردة لانه حق آدمي وان عفا عنه لي القصاص فله دية المقتول فان أسلم المرتد فهو في ذمته وان قتل بالردة أو مات تعلقت بماله وان قطع طرفا من مسلم أو ذمي فعليه القصاص فيه أيضا وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقتل المرتد بالذمي ولا يقطع طرفه بطرفه لان أحكام الاسلام في حقه باقية بدليل وجوب العبادات عليه ومطالبته بالاسلام
ولنا انه كافر فيقتل بالذمي الاصلي وقولهم ان احكام باقية غير صحيح فانه قد زالت عصمته وحرمته وحل نكاح المسلمات وشراء العبيد المسلمين وصحة العبادات وغيرهما، واما مطالبته بالاسلام فهو حجة عليهم لانه يدل على تغليظ كفره وانه لا يقر على ردته لسوء حالة فإذا قال بالذمي مثله فمن هو دونه أولى ولا يمنع اسلامه وجوب القصاص عليه لانه بعد استقرار وجوب القصاص عليه والاصل في كل واجب بقاؤه فاشبه ما لو قتله وهو عاقل ثم جن (مسألة) (ولا يقتل مسلم بكافر أي كافر كان) هذا قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية رضي الله عنهم وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن وعكرمة والزهري وابن شبرمة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وابو عبيد وابو ثور وابن المنذر، وقال النخعي والشعبي واصحاب الرأي يقتل المسلم بالذمي خاصة قال احمد الشعبي والنخعي قالا: دية المجوسي والنصراني مثل دية المسلم وان قتله يقتل به سبحان الله هذا عجب يصير المجوسي مثل المسلم ما هذا القول؟ واستبشعه وقال: النبي صلى الله عليه وسلم يقول " لا يقتل مسلم بكافر " وهو يقول يقتل بكافر فاي شئ أشد من هذا؟ واحتجوا بالعمومات التي ذكرناها لقول تعالى (النفس بالنفس) وقوله (الحر بالحر) وبما روى ابن البيلماني ان النبي صلى الله عليه وسلم اقاد مسلما بذمي وقال " انا احق من وفي بذمته " ولانه معصوم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كالمسلم
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون متكافأ دماؤهم ويسعي بذمتهم ادناهم لا يقتل مؤمن بكافر " رواه أحمد وابو داود وفي لفظ " لا يقتل مسلم بكافر " رواه البخاري وأبو داود وعن علي انه قال من السنة ان لا يقتل مؤمن بكافر رواه الامام احمد ولانه منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن والعمومات مخصوصات بحديثنا وحديثهم ليس له اسناد قاله احمد وقال الدار قطني: يرويه ابن البيلماني وهو ضعيف إذا اسند فكيف إذا ارسل؟ والمعنى في المسلم انه مكافئ للمسلم بخلاف الذمي ووافق أبو حنيفة الجماعة في المستأمن ان المسلم لا يقاد به وهو المشهور عن أبي يوسف وعنه يقتل به لما سبق في الذمي
ولنا انه ليس بمحقون الدم على التأبيد فأشبه الحربي مع ما ذكرنا من الادلة في الادلة التي قبلها (فصل) ويقتل الذمي بالذمي سواء اتفقت اديانهم أو اختلفت فيقتل النصراني باليهودي والمجوسي نص عليه احمد في النصراني يقتل بالمجوسي إذا قتله قتل فكيف يقتل به واديانهما مختلفة؟ قال اذهب إلى ان النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل بأمرأة يعني انه قتله بها مع اختلاف دينهما ولانهما تكآفا في العصمة بالذمة ونقيصة الكفر فجرى مجرى القصاص بينهما كما لو تساوى دينهما وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (ولا يقتل حر بعبد) روي هذا عن أبي بكر وعمر وعلي وزيد وابن الزبير رضي الله عنهم وبه قال الحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز وعكرمة وعمر وبن دينار ومالك والشافعي اسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن الشعبي وروي عن سعيد بن
المسيب والنخعي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي انه يقتل به لعموم الآيات والاخبار لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " ولانه آدمي معصوم اشبه الحر ولنا ما روى الامام احمد باسناده عن علي رضي الله عنه انه قال من السنة ان لا يقتل حر بعبد وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقتل حر بعبد " رواه الدار قطني ولانه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة فلا يقتل به كالاب مع ابنه ولان العبد منقوص بالرق فلم يقتل به كالمكاتب إذا ملك ما يؤدي والعمومات مخصوصة بهذا فنقيس عليه (مسألة) (إلا أن يجرجه وهو مثله أو يقتله ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق فيموت المجروح فانه يقتل به) وجملة ذلك ان الاعتبار في التكافؤ بحالة الوجوب كالحد فعلى هذا إذا قتل ذمي ذميا أو جرحه ثم أسلم الجارح ومات المجروح أو قتل عبد عبدا أو جرحه ثم عتق القاتل أو الجارح ومات المجروح وجب القصاص لانهما متكافئان حال الجناية ولان القصاص قد وجب فلا يسقط بما طرأ كما لو جن (فصل) ولا يقتل السيد بعبده في قول أكثر أهل العلم وحكي عن النخعي وداود انه يقتل به لما روى قتادة عن الحسن عن سمرة قال ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل عبده قتلناه ومن جدعه
جدعناه " رواه سعيد والامام أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب مع العمومات والمعني في التي قبلها
ولنا ما ذكرناه في التي قبلها وعن عمر رضي الله عنه انه قال لو لم اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يقاد الملوك من مولاه والوالد من ولده لاقدته منك " رواه النسائي وعن علي رضي الله عنه ان رجلا قتل عبده فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه عاما ومحي اسمه من المسلمين رواه سعيد والخلال قال احمد ليس بشئ من قبل اسحاق بن أبي فروة وراه عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قالا " من قتل عبده جلد مائه وحرم سهمه مع المسلمين " فاما حديث سمرة فلم يثبت قال أحمد: الحسن لم يسمع من سمرة انما هي صحيفة وقال غيره: انما سمع الحسن من سمرة ثلاثة احاديث ليس هذا منها ولان الحسن افتى بخلافه فانه يقول لا يقتل الحر بالعبد وقال إذا قتل السيد عبده يضرب ومخالفته له تدل على ضعفه (فصل) ولا يقطع طرف الحر بطرف العبد بغير خلاف علمناه بينهم ويقتل العبد بالحر وسيده لانه إذا قتل بمثله هو أكمل منه أولى مع عموم النصوص الواردة في ذلك ومتى وجب القصاص على العبد فعفا ولي الجناية إلى المال فله ذلك ويتعلق ارشها برقبته لانه موجب جنايتة فتعلق برقبته كالقصاص فان شاء سيده ان يسلمه إلى ولي الجناية لم يلزمه أكثر من ذلك لانه سلم إليه ما تعلق حقه به وان قال ولي الجناية معه وادفع الي ثمنه لم يلزمه ذلك لانه لم يتعلق بذمته شئ وانما يتعلق بالرقبة التي سلمها فبرئ منها وفيه وجه آخر انه يلزمه ذلك كما لو يلزمه بيع الرهن، وان امتنع من تسليمه
واختار فداءه فهل تلزمه قيمته أو ارش الجناية؟ على روايتين تذكران في غير هذا الموضع (مسألة) (وان جرح مسلم كافرا فأسلم المجروح ثم مات مسلما بسراية الجرح لم يقتل به قاتله لعدم التكافؤ حال الجناية وعليه دية مسلم لان اعتبار الارش بحال استقرار الجناية وهذا قول ابن حامد بدليل ما لو قطع يدي رجل ورجليه فسرى إلى نفسه ففيه دية واحدة ولو اعتبر حال الجناية وجب ديتان ولو قطع حر يد عبد ثم عتق مات لم يجب القود لعدم التكافؤ حال الجناية وعلى الجاني دية حر
اعتبارا بحال الاستقرار وهو قول ابن حامد كالمسألة قبلها ومذهب الشافعي وللسيد اقل الامرين من نصف قيمته أو نصف دية حر والباقي لورثته لان نصف قيمته ان كانت أقل فهي التي وجدت في ملكه فلا يكون له أكثر منها لان الزائد حصل بحريته ولا حق له فيما حصل بها وان كان الاقل الدية لم يستحق أكثر منها لان نقص القيمة حصل بسبب من جهة السيد وهو العتق وذكر القاضي ان احمد نص في رواية حنبل فيمن فقأ عيني عبد ثم عتق ومات ان على الجاني قيمته للسيد وهذا يدل على ان الاعتبار بحال الجناية وهو اختيار أبي بكر والقاضي وأبي الخطاب قال أبو الخطاب من قطع يد ذمي ثم اسلم ومات ضمنه بدية ذمي ولو قطع يد عبد فأعتقه سيده ومات فعلى الجاني قيمته للسيد لان حكم القصاص معتبر بحال الجناية دن حال السراية
وكذلك الدية والاول أصح ان شاء الله تعالى قاله شيخنا لان سراية الجرح مضمونة فإذا اتلفت حرا مسلما وجب ضمانه بدية كاملة كما لو قتله بجرح ثان وقول أحمد فيمن فقأ عيني عبد عليه قيمته للسيد لا خلاف فيه وانما الخلاف في وجوب الزائد على القيمة من دية الحر للورثة ولم يذكره احمد ولان الواجب مقدر بما تقضي إليه السراية دون ما تتلفه الجناية بدليل ان من قطعت يداه ورجلاه فسرى القطع إلى نفسه لم يلزم الجاني اكثر من دية ولو قطع اصبعا فسرى إلى نفسه لوجبت الدية كاملة فكذلك إذا سرت إلى نفس حر مسلم تجب دية كاملة فاما ان قطع يد مرتد أو حربي فسرى ذلك إلى نفسه لم يجب قصاص ولا دية ولا كفارة سوا أسلم قبل السراية أو لم يسلم لان الجراح غير مضمون فلم تضمن سرايته بخلاف التي قبلها (مسألة) (وان رمي مسلم ذميا عبدا فلم يقع السهم به حتى عتق واسلم فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من الرمية) هذا قول ابن حامد ومذهب الشافعي وقال أبو بكر يجب القصاص لانه قتل مكافئا له عمدا عدوانا فوجب القصاص كما لو كان حرا مسلما كذلك حال الرمي يحقفه أن الاعتبار بحال الاصابة بدليل ما لو رمى فلم يصبه حتى ارتد أو مات لم يلزمه شئ، ولو رمى عبدا كافرا فعتق أو أسلم
غرمه بدية حر مسلم.
ولنا على درء القصاص أنه لم يقصد إلى نفس مكافئة فلم يجب عليه قصاص كما لو رمى حربيا أو مرتدا فأسلم وقال أبو حنيفة يلزمه في العبد دية عبد لمولاه لان الاصابة ناشئة عن ارسال السهم فكان الاعتبار بها كحالة الجرح ولنا أن الاصابة حصلت في حر فكان ضمانه ضمان الاحرار كما لو قصد هدفا أو طائرا فأصاب حرا ثم يبطل، بما إذا رمى حيا فأصابه ميتا أو عبدا صحيحا فأصابه بعد قطع يديه لم تجب ديته لورثته وعنده تجب لمولاه ولو رمى كافرا فأصابه السهم بعد أن أسلم كانت ديته لورثته المسلمين وعند أبي حنيفة لورثته الكفار ولنا أنه مات مسلما حرا فكانت ديته للمسلمين كما لو كان حال الرمي فوجوب المال معتبر بحال الاصابة لانه يدل على المحل فيعتبر عن المحل الذي فات بها فيجب بقدره وقد فات بها نفس مسلم حر والقصاص جزء الفعل فيعتبر الفعل فيه والاصابة معا لانهما طرفاه فلذلك لم يجب القصاص بقتله (فصل) ولو قطع يد عبد ثم عتق ومات أو يد ذمي ثم أسلم ومات ففيه وجهان (أحدهما) الواجب دية حر مسلم لورثته ولسيده منها اقل الامرين من ديته أو ارش جنايته اعتبارا بحال استقرار الجناية وقال القاضي وأبو بكر تجب قيمة العبد بالغة ما بلغت مصروفة إلى السيد اعتبارا بحال الجناية لانها الموجب للضمان فاعتبرت حال وجودها ومقتضى قولهما ضمان الذمي الذي اسلم بدية ذمي ويلزمها على هذا أن يصرفاها إلى ورثته من أهل الذمة وهو غير صحيح لان الدية
لا تخلو من ان تكون مستحقة للمجني عليه أو لورثته فان كانت له وجب ان تكون لورثته المسلمين كسائر امواله واملاكه كالذي كسبه بعد جرحه، وان كانت تحدث على ملك ورثته فورثته هم المسلمون دون الكفار (فصل) وإن قطع ألف عبد قيمته الف دينار فاندمل ثم أعتقه السيد وجبت قيمته بكمالها للسيد، وإن أعتقه ثم اندمل فكذلك لانه انما استقر بالاندمال ما وجب بالجناية والجناية كانت في ملك سيده
وإن مات من سراية الجرح فكذلك في قول أبي بكر والقاضي وهو قول المزني لان الجناية يراعى فيها حال وجودها وذكر القاضي أن أحمد نص عليه في رواية حنبل فيمن فقأ عيني عبد ثم أعتق ومات ففيه قيمته لا الدية ومقتضى قول الخرقي أن الواجب فيه دية حر وهو مذهب الشافعي لان اعتبار الجناية بحالة الاستقرار وقد ذكرناه (فصل) فان قطع يد عبد فاعتق عاد فقطع رجله واندمل القطعان فلا قصاص في اليد لانها قطعت في حال رقه ويجب فيها نصف قيمته أو ما نقصه العبد لسيده إذ فلما ان العبد يضمن بما نقصه ويجب القصاص في الرجل التي قطعها حال حريته أو نصف الدية ان عفا عن القصاص لورثته وان اندمل قطع اليد وسرى قطع الرجل إلى نفسه ففي الولد نصف القيمة لسيده وعلى القاطع القصاص في النفس أو الدية كاملة لورثته وان اندمل لرجل وسرى قطع اليد ففي الرجل القصاص بقطعها أو نصف الدية لورثته ولا قصاص في اليد ولا في سرايتها وعلى الجاني دية حر لسيده منها قل لامرين من أرش القطع أو دية الحر على قول ابن حامد وعلى قول ابي بكر والقاضي تجب قيمة العبد لسيده
اعتبارا بحال جنايته وان سرى الجرحان لم يجب القصاص في النفس ولا اليد لانه مات من جرحين موجب وغير موجب فلم يجب القصاص كما لو جرحه جرحين خطأ وعمدا ولكن يجب القصاص في الرجل لانه قطعها من حر فان قتص منه وجب نصف الدية لانه مات من جنايته وقد استوفى منه ما يقابل نصف الدية وللسيد اقل الامرين من نصف القيمة أو نصف الدية فان زاد نصف الدية على نصف القيمة كان الزائد للورثة وان عفا ورثته عن القصاص فلهم ايضا نصف الدية فان كان قاطع الرجل غير قاطع اليد واندمل الجرحان فعلى قاطع اليد نصف القيمة لسيده وعلى قاطع الرجل القصاص فيها أو نصف الدية وان سرى الجرحان إلى نفسه فلا قصاص على الاول لانه قطع يد عبد وعليه نصف دية حر لان المجني عليه حر في حال استقرار الجناية وعلى الثاني القصاص في النفس إذا كانا عمدا القطع لانه شارك في القتل عمدا عدوانا فهو كشريك الاب ويتخرج ان لا قصاص عليه في النفس لان الروح خرجت من سراية قطعين موجب وغير موجب بناء على شريك الاب وان عفا
عنه إلى الدية فعليه نصف دية حر وان قلنا بوجوب القصاص في النفس خرج في وجوبه في الطرف روايتان وان قلنا لا يجب في النفس وجب في الرجل (فصل) وإن قطع عين عبد ثم عتق قطع آخر يده ثم قطع آخر رجله فلا قوه على الاول سواه اندمل جرحه أو سرى وأما الآخران فعليهما القصاص في الطرفين ان وقف قطعهما أو ديتهما
ان عفا عنهما، وان سرت الجراحات كلها فعليهما القصاص في النفس لان جنايتهما صارت انفسا وفي ذلك وفي القصاص في الطرف اختلاف ذكرناه وان عفا عنهما فعليمهما الدية أثلاثا وفيما يستحقه السيد وجهان (أحدهما) أقل الامرين من نصف القيمة أو ثلث الدية على قياس قول أبي بكر لانه بالقطع استحق نصف القيمة فإذا صارت نفسا وجب فيها ثلث الدية فكان له أقل الامرين (والثاني) له أقل الامرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية لان الجناية إذا صارت نفسا كان الاعتبار بما آلت إليه الا ترى أنه لو جنى الجانيان الآخران قبل العتق أيضا لم يكن على الاول الا ثلث القيمة ولا يزيد حقه بالعتق كما لو قلع رجل عينه ثم باعه سيده ثم قطع آخر يده وآخر رجله ثم مات فانه يكون للاول ثلث القيمة وإن كان ارش الجناية نصف القيمة فإذا قلنا بالوجه الاول قطع أصبعه أو هشمه، أو الجانيان في الحرية قطعا يديه فالدية عليهم أثلاثا للسيد منها أقل الامرين من ارش الاصبع وهو عشر القيمة أو ثلث الدية، ولو كان الجاني في حال الرق قطع يديه والجانيان في الحرية قطعا رجليه وجبت الدية أثلاثا وكان للسيد منها أقل الامرين من جميع قيمته أو ثلث الدية وعلى الوجه الآخر يكون له في الفرعين أقل الامرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية (فصل) فان كان الجانيان في حال الرق والواحد في حال الحرية فمات فعليهم الدية وللسيد من ذلك من أحد الوجهين أقل الامرين من ارش الجنايتين أو ثلثي الدية وعلى الآخر أقل الامرين من ثلثي القيمة أو ثلثي الدية.
(فصل) فان كان الجناة أربعة واحد في الرق وثلاثة في الحرية ومات كان للسيد في أحد الوجهين
الاقل من ارش الجناية أو ربع الدية، وان كان الثلاثة في الرق والواحد في الحرية كان للسيد أقل الامرين من ارش الجنايات أو ثلاثة أرباع الدية في أحد الوجهين وفي الآخر الاقل من ثلاثة أرباع القيمة أو ثلاثة أرباع الدية، ولو كانوا عشرة واحد في الرق وتسعة في الحرية فالدية عليهم فللسيد فيها بحساب ما ذكرنا على اختلاف الوجهين (فصل) وإن قطع يده ثم عتق فقطع آخر رجله ثم عاد الاول فقتله بعد الاندمال فعليه القصاص للورثة ونصف القيمة للسيد وعلى الآخر القصاص للورثة في الرجل أو نصف الدية فان كان قبل الاندمال فعلى الجاني الاول القصاص في النفس دون اليد لانه قطعها في رقه، فان اختار الورثة القصاص في النفس سقط حق السيد لانه لا يجوز أن يستحق عليه النفس وأرش الطرف قبل الاندمال فان الطرف داخل في النفس في الارش، فان اختاروا العفو فعليه الدية دون ارش الطرف لان ارش الطرف يدخل في النفس، وللسيد أقل الامرين من نصف القيمة أو ارش الطرف والباقي للورثة، وأما الثاني فعليه القصاص في الرجل لان القتل قطع سرايتها فصار كما لو اندملت، فان عفا عنه فعليه نصف الدية وان كان الثاني هو الذي قتله قبل الاندمال فعليه القصاص في النفس وهل يقطع طرفه؟ على روايتين فان عفا الورثة فعليه دية واحدة وأما الاول فعليه نصف القيمة للسيد ولا قصاص عليه، وإن كان القاتل ثالثا فقد استقر القطعان ويكون على الاول نصف القيمة لسيده وعلى الثاني القصاص في الرجل أو نصف الدية لورثته وعلى الثالث القصاص في النفس أو الدية (فصل) وإذا قطع رجل يد عبد ثم أعتقه ثم اندمل جرحه فلا قصاص عليه ولا ضمان لانه انما
قطع يد عبده وانما استقر بالاندمال ما وجب بالجراح، وان مات بعد العتق بسراية الجرح فلا قصاص فيه لان الجناية كانت على مملوكة، وفي وجوب الضمان وجهان (أحدهما) لا يجب شئ لانه مات بسراية جرح غير مضمون أشبه ما لو مات بسراية القطع في الحد وسراية القود، ولاننا تبينا أن القطع كان قتلا فيكون قاتلا لعبده فلا يلزمه ضمانه كما لو يعتقه، وهذا مقتضى قول أبي بكر (والثاني) يضمنه بما زاد على ارش القطع من الدية لانه مات وهو حر بسراية قطع عدوان فيضمن كما لو كان القاطع
أجنبيا لكن يسقط ارش القطع لانه في ملكه ويجب الزائد لورثته فان لم يكن وارث سواه وجب لبيت المال ولا يرث السيد شيئا لان القاتل لا يرث (مسألة) (ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد عتق وأسلم فعليه القصاص) لانه قتل من يكافئه بغير حق أشبه ما لو علم حاله (مسألة) (وإن كان يعرفه مرتدا فكذلك عند أبي بكر) لما ذكرنا قال ويحتمل أن لا يلزمه الا الدية لانه لم يقصد قتل معصوم فلم يلزمه قصاص كما لو قتل في دار الحرب من يظنه حربيا فبان أنه بعد أن أسلم (فصل) (الرابع أن لا يكون أبا للمقتول فلا يقتل الوالد بولده وان سفل والاب والام في ذلك سواء) وجملة ذلك أن الاب لا يقتل بولده ولا بولد ولده وإن نزلت درجته وسواء في ذلك ولد البنين
وولد البنات، وممن نقل عنه أن الوالد لا يقتل بولده ولده عمر بن الخطاب وبه قال ربيعة والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وقال ابن نافع وابن عبد الحكم وابن المنذر يقتل به لظاهر آي الكتاب والاخبار الموجبة للقصاص، ولانهما حران مسلمان من أهل القصاص فوجب أن يقتل كما واحد منهما بصاحبه كالاجنببين، وقال ابن المنذر قد رووا في هذا الباب أخبارا وقال مالك إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به، وان ذبحه أو قتله قتلا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه أقيد به.
ولنا ما روى عمر بن الخطاب وان عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقتل والد بولده " أخرج النسائي حديث عمر ورواهما ابن ماجه وذكرهما ابن عبد البر وقال هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الاسناد فيه حتى يكون الاسناد في مثله مع شهرته تكلفا ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أنت ومالك لابيك " وقضية هذه الاضافة تمليكه إياه فإذا لم تثبت حقيقة الملكية ثبتت الاضافة شبهة في درء القصاص لانه يدرأ بالشبهات ولانه سبب ايجاده فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه وما ذكرناه يخص العمومات، ويفارق الاب سائر
الناس فانهم لو قتلوا بالخذف بالسيف وجب عليهم القصاص والاب بخلافه.
(فصل) والجد إن علا كالاب في هذا وسواء كان من قبل الاب أو من قبل الام في قول أكثر مسقطي القصاص عن الاب، وقال الحسن بن حي يقتل به ولنا أنه والد فيدخل في عموم النص ولان ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد كالمحرمية والعتق إذا تملكه، والجد من قبل الام كالذي من قبل الاب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان ابني هذا سيد " (فصل) ويستوي في ذلك الاب والام في الصحيح من المذهب وعليه العمل عند مسقطي القصاص عن الاب، وعن أحمد ما يدل على أنه لا يسقط عن الام فان مهنأ نقل عنه في أم ولد قتلت سيدها عمدا تقتل قال من يقتلها؟ قال ولدها وخرجها أبو بكر على روايتين (احداهما) أن الام تقتل بولدها لانها لا ولاية لها عليه أشبه الاخ، والصحيح الاول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقتل والد بولده ولانها أحد الابوين فأشبهت الاب ولانها أولى بالبر فكانت أولى بنفي القصاص عنها والولاية غير معتبرة بدليل انتفاء القصاص عن الاب بقتل ولده الكبير الذي لا ولاية له عليه وعن الاب المخالف في الدين أو الرقيق، والجدة وإن علت في ذلك كالام وسواء في ذلك من قبل الاب أو من قبل الام لما ذكرنا في الجد (فصل) وسواء في ذلك اتفاقهما في الدين والحرية واختلافهما فيه لان انتفاء القصاص لشرف
الابوة وهو موجود في كل حال فلو قتل الكافر ولده المسلم أو قتل المسلم أباه الكافر أو قتل العبد ولده الحر أو قتل الحر ولده العبد لم يجب القصاص لشرف الابوة فيما إذا قتل ولده وانتفاء المكافأة فيما إذا قتل والده (فصل) إذا تداعى نفسان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل الحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما لانه يجوز أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما وإن ألحقه القافة باحدهما ثم قتلاه لم يقتل
أبوه وقتل الآخر لانه شريك الاب في قتل الابن، وإن رجعا جميعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما لان النسب حق للولد فلم يقبل رجوعهما عن اقرارهما به كما لو أقرا له بحق سواه أو كما لو ادعاه واحد فألحق به ثم جحده، وان رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر لان رجوعه لا يبطل نسبه ويسقط القصاص عن الذي لم يرجع ويجب على الراجع لانه شارك الاب، وان عفا عنه فعليه نصف الدية، ولو اشترك رجلان في وطئ امرأة في طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل الحاقه باحدهما لم يجب القصاص، وإن نفيا نسبه لم ينتف بقوله لانه لحق بالفراش فلا ينتفي الا باللعان وفارق التي قبلها من وجهين (أحدهما) أن أحدهما إذا رجع عن دعواه لحق الآخر وههنا لا يلحق بذلك
(والثاني) ان ثبوت نسبه ثم بالاعتراف فيسقط بالجحد وههنا ثبت بالاشتراك فلا ينتفي بالجحد ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا سواء (مسألة) (ويقتل الولد بكل واحد منهما في اظهر الروايتين) هذا قول جماعة أهل العلم منهم مالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وحكي بعض أصحابنا عن أحمد ان الابن لا يقتل بأبيه لانه لا تقبل شهادته له بحق النسب فلا يقتل به كالاب مع ابنه، والصحيح أنه يقتل به للايات والاخبار وموافقة القياس ولان الاب اعظم حرمة وحقا من الاجنبي فإذا قتل بالاجنبي فبالاب أولى ولانه يجد بقذفه فيقتل به كالاجنبي، ولا يصح قياس الابن على الاب لان حرمة الوالد على الولد آكد والابن مضاف إلى أبيه بلام التمليك بخلاف الولد مع الوالد، وقد ذكر أصحابنا حديثين متعارضين عن سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " لا يقاد الاب من ابنه ولا الابن من أبيه " والثاني: أنه كان يقيد الاب من ابنه ولا يقيد لابن من أبيه، وهذا الحديث لا نعرفه ولم تجده في كتاب السنن المشهورة ولا ظن له اصلا فهما متعارضان ومتدافعان يجب اطراحهما والعمل بالنصوص الواضحة الثابتة والاجماع الذي لا تجوز مخالفته (مسألة) (ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص
فلو قتل أحد الزوجين صاحبه ولهما ولد لم يجب القصاص)
لانه لو وجب لوجب لولده ولا يجب للولد قصاص على أبيه لانه إذا لم بالجناية عليه فلان لا يجب له بالجناية على غيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو انثى أو كان لعقول ولد سواه أو من يشاركه في الميراث أو لم يكن لانه لو ثبت القصاص لوجب له جزء منه ولا يمكن وجوبه وإذا لم يثبت بعضه سقط كله لانه لا يتبعض وصار كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن نصيبه منه، فان لم يكن للمقتول ولد منهما وجب القصاص في قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري والشافعي واصحاب الرأي، وقال الزهري لا يقتل الزوج بامرأته لانه ملكها بعقد النكاح أشيه الامة ولنا عموم النصوص ولانهما شخصان متكافئان يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه فقتل به كالاجنبين، قوله إنها ملكه غير صحيح فانها حرة وانما ملك منفعة الاستمتاع فاشبه المستأجرة ولهذا تجب عليه ديتها ويرثها ورثتها ولا يرث منها إلا قدر ميراثه ولو قتلها غيره كانت ديتها أو القصاص لورثتها بخلاف الامة (مسألة) (ولو قتل رجل اخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها ولده سقط عنه القصاص وسواء كان لها ولد من غيره أو لا) لان القصاص فيما ورثه ولده فيسقط جميعه لان القصاص لا يتبعض فاشبه ما لو عفا أحد الشريكين وكذلك لو قتلت المرأة اخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها سقط القصاص سواء صار إليه ابتداء أو انتقل إليه من أبيه أو من غيره لما ذكرنا
(فصل) ولو قتل رجل اخاه فورثه ابن القاتل أو أحد يرث ابنه منه شيئا لم يجب القصاص لما ذكرنا (فصل) وإذا قتل أحد ابوي المكاتب المكاتب أو عبدا له لم يجب القصاص لان الوالد لا يقتل بولده ولا يثبت للولد على والد قصاص، وان اشترى المكاتب أحد ابويه ثم قتله لم يجب القصاص لان السيد لا يقتل بعبده
(مسألة) (ولو قتل اباه أو اخاه فورثه أخواه ثم قتل احدهما صاحبه سقط القصاص عن الاول لانه ورث بعض دم نفسه) (مسألة) (وان قتل أحد الابنين اباه والآخر امه وهي زوجة الاب سقط القصاص عن الاول لذلك وله ان يقتص من أخيه ويرثه لان القتل بحق لا يمنع الميراث) إذا قتل أحد الابنين اباه والآخر امه ولزوجية بينهما موجودة حال قتل الاول فالقصاص على القاتل الثاني دون الاول لان القتيل الثاني ورث جزء من دم الاول فلما قتل ورثه قاتل الاول فصار له جزء من دم نفسه فسقط القصاص ووجب له القصاص على أخيه فان قتله ورثه ان لم يكن له وارث سواه لانه قتل بحق وان عفا عنه إلى الدية وجبت وتقاصا بما بينهما وما فضل لاحدهما فهو على أخيه
(فصل) وان لم تكن زوجة الاب فعلى كل واحد منهما القصاص لاخيه لانه ورث الذي قتله أخوه وحده دون قاله، فان بادر احدهما فقتل أخاه فقد استوفى حقه وسقط عنه القصاص لانه يرث اخاه لكونه فلا يحق فلا يمنع الميراث إلا ان يكون للمقتول ابن أو ابن ابن يحجب القاتل فيكون له قتل عمه ويرثه ان لم يكن له وارث سواه فان تشاحاني المبتدئ منهما بالقتل احتمل ان يبدأ بقتل القاتل الاول لانه اسبق واحتمل ان يقرع بينهما وهو قول القاضي ومذهب الشافعي لانهما تساويا في الاستحقاق فصرنا إلى القرعة وايهما قتل صاحبه اولا اما بمبادرة أو قرعة ورثه في قياس المذهب ان لم يكن له وارث سواه وسقط عنه القصاص وان كان محجوبا عن ميراثه كله فلو ارث القتيل قتل الآخر وان عفى أحدهما عن الآخر ثم قتل المعفو عنه العافي ورثه أيضا وسقط عنه ما وجب عليه من الدية وان تعافيا جميعا على الدية تقاصا بما استويا فيه ووجب لقاتل الام الفضل على قاتل الاب لان عقلها نصف عقل الاب ويتخرج ان يسقط القصاص عنهما في استحقاقه كسقوط الديتين إذا تساوتا ولانه لا سبيل إلى استيفائهما معا واستيفاء أحدهما دون الآخر حيف لا يجوز فتعين السقوط وان كان لكل واحد منهما ابن يحجب عمه عن ميراث أبيه فإذا قتل أحدهما صاحبه ورثه ابنه وللان ان يقتل عمه ويرثه ابنه ويرث كل واحد من الابنين مال ابيه ومال جده الذي قتله عمه دون الذي قتله أبوه وان كان لكل واحد منهما بنت
فقتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عنه لانه ورث نصف مال أخيه ونصف قصاص نفسه فسقط عنه
القصاص وورث مال أبيه الذي قتله أخره ونصف مال أخته ونصف مال أبيه الذي قتله هو وورثت البنت التي قتل ابوها نصف مال أبيها ونصف مال جدها الذي قتله عمها ولها على عمها نصف دية قتيله (فصل) أربعة أخوة قتل الاول والثاني والثالث والرابع فالقصاص على الثالث لانه لما قتل الرابع لم يرثه وورثه الاول وحده وقد كان للرابع نصف قصاص الاول فرجع نصف قصاصه إليه فسقط ووجب الثالث نصف الدية وكان للاول قتل الثالث لانه لم يرث من دم نفسه شيئا فان قتله ورثه في ظاهر المذهب ويرث ما يرثه عن أخيه الثاني فان عفا عنه إلى الدية وجبت عليه بكمالها يقاصه بنصفها وان كان لهما ورثة كل فيها من التفصيل مثل الذي في التي قبلها (مسألة) (وان قتل من لا يعرفه وادعى كفره لم يقبل) لانه محكوم باسلامه بالدار ولهذا يحكم باسلام اللقيط ويكون القول قول الولي وكذلك ان ادعى رقه لان الاصل الحرية والرق طارئ وكذلك لو ضرب ملفوفا فقده وادعى أنه كان ميتا لم يقبل لان الاصل الحياة وان قطع طرف انسان وادعى شلله لم يقبل لان الاصل السلامة (مسألة) (وان قتل رجلا في داره وادعى أنه دخل يكابره على أهله أو ماله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه فالقول قول الولي)
وجملة ذلك انه إذا قتل رجلا وادعى أنه وجده مع امرأته أو أنه قتله دفعا عن نفسه أو أنه دخل منزله يكابره على ماله فلم يقدر على دفعه الا بقتله لم يقبل قولا الا ببينة ولزمه القصاص إذا انكر وليه روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر ولا أعلم فيه مخالفا وسواء وجد في دار القاتل أو في غيرها وجد معه سلاح أو لم يوجد لما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا فقتله فقال ان يأت باربعة شهداء فليعط برمته ولان الاصل عدم ما يدعيه فلا يثبت بمجرد الدعوى فاما ان اعترف الولي بذلك فلا قصاص عليه ولا دية لما روي عن عمر رضي
الله عنه أنه كان يوما يتغدى إذ جاء رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم ووراءه قوم يعدون خلفه فجاء حتى جلس مع عمر فجاء الآخرون فقالو يا أمير المؤمنين ان هذا قتل صاحبنا فقال له عمر ما يقولون؟ فقال يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امراتي فان كان بينهما أحد فقد قتلته فقال عمر ما يقول؟ قالوا يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة فأخذ عمر سيفه فهذه ثم دفعه إليه وقال ان عادوا فعد رواه سعيد في سننه وروي عن الزبير انه كان يوما قد تخلف عن الجيش ومعه جارية له فأتاه رجلا ن فقالا اعطنا شيئا فاعطاهما طعاما كان معه فقالا خل عن الجارية فضربهما بسيفه فقطعهما بضربة واحدة ولان الخصم اعترف بما يبيح قتله فسقط حقه كما لو اقر بقتله قصاصا أو في حد يوجب قتله وان ثبت فكذلك
(مسألة) (وان تخارج اثنان وادعى كل واحد منهما انه جرح صاحبه دفعا عن نفسه وأنكر الآخر وجب القصاص والقول قول المنكر) لان سبب القصاص قد وجد وهو الجرح والاصل عدم ما يدعيه الاخر وقال شيخنا يجب الضمان لذلك والقول قول كل واحد منهما مع يمينه في نفي القصاص لان ما يدعيه محتمل فيندرئ به القصاص لانه يندرئ بالشبهات هذا الذي ذكره في كتاب الكافي والاول اقيس لانه لو كان دعوى ما يمنع القصاص إذا احتمل مانع منه لما وجب القصاص في المسائل المتقدمة والحكم بخلافه والله أعلم (فصل) أجمع أهل العلم على ان القود لا يجب الا بالعمد ولا نعلم في وجوبه بقتل العمد إذا اجتمعت شروطه وانتفت الموانع خلافا وقد دل عليه الآيات والاخبار بعمومها فقال تعالى ومن (قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه طعاما فلا يسرف في القتل) وقال تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) وقال تعالى (ولكم في القصاص حياة) يريد والله أعلم أن وجوب القصاص يمنع الاقدام على القتل خوفا على نفسه من القتل فتبقى الحياة فيمن أريد قتله، وقال تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل واما أن يفدى " متفق عليه وروى أبو شريح الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصيب بدم فهو بالخيار بين إحدى ثلاث فان أراد الرابعة فخذوا على يديه
ان يقتل أو يعفو أو يأخذ الدية " رواه أبو داود (فصل) وأجمع أهل العلم على أن الحر المسلم يقاد به قاتله وان كان مجدع الاطراف معدوم الحواس
والقاتل صحيح سوى الخلق أو كان بالعكس وكذلك ان تفاوتا في العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والكبر والصغر ونحو ذلك لا يمنع القصاص بالاتفاق وقد دلت عليه العمومات التي تلوناها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " ولان اعتبار التساوي في الصفات والفضائل يفضي إلى اسقاط القصاص بالكلية وفوات حكمة الردع والزجر فوجب أن يسقط اعتباره كالطول والقصر والسواد والبياض.
(فصل) ويجري القصاص بين الولاة والعمال وبين رعيتهم لعموم الآيات والاخبار التي ذكرناها لا نعلم في هذا خلافا وثبت عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه عاملا أنه قطع يده ظلما لئن كنت صادقا لاقدتك منه وثبت أن عمر كان يقيد من نفسه وروي أبو داود قال خطب عمر فقال اني لم أبعث عما لي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه فقال عمرو بن العاص لو أن رجلا أدب بعض رعيته أتقصه منه؟ قال إي والذي نفسي بيده أقصه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه ولان المؤمنين تتكافأ دماؤهم وهذان حران مسلمان ليس بينهما إيلاد فيجري القصاص بينهما كسائر الرعية (فصل) ولا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الاسلام بل متى قتل في دار الحرب مسلما عالما باسلامه عامدا فعليه القود سواء كان قد هاجر أو لم يهاجر، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
لا يجب القصاص بالقتل في غير دار الاسلام فان لم يكن المقتول هاجر لم يضمنه بقصاص ولا دية عمدا قتله أو خطأ، وان كان قد هاجر ثم عاد إلى دار الحرب كرجلين مسلمين دخلا دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه ضمنه بالدية ولم يجب القود وحكي عن أحمد رواية كقوله ولو قتل رجل أسيرا مسلما في دار الحرب لم يضمنه إلا بالدية ولم يجب القود عمدا قتله أو خطأ
ولنا ما ذكرنا من الآيات والاخبار ولانه قتل من يكافئه عمدا ظلما فوجب عليه القود كما لو قتله في دار الاسلام ولان كل دار يجب فيها القصاص إذا كان فيها إمام يجب وان لم يكن إمام كدار الاسلام (فصل) وقتل الغيلة وغيره سواء في القصاص والعفو وذلك للولي دون السلطان، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وقال مالك الامر عندنا ان يقتل به وليس لولي الدم أن يعفو عنه وذلك إلى السلطان والغلية عنده أن يخدع الانسان فيدخل بيتا أو نحوه فيقتل أو يؤخذ ماله ولعله يحتج بحديث عمر رضي الله عنه في الذي قتل غيلة لو تمالا عليه أهل صنعاء لاقدتهم به وبقياسه على المحارب ولنا عموم قوله تعالى (فقد جعلنا لوليه سلطانا)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فأهله بين خيرتين " ولانه قتيل في غير المحاربة فكان أمره إلى وليه كسائر القتلى، وقول عمر لاقدتهم به أي أمكنت الولي من استيفاء القود منهم.
باب استيفاء القصاص ويشترط له ثلاثة شروط (أحدهما) أن يكون من يستحقه مكلفا فان كان صبيا أو مجنونا لم يجز استيفاؤه ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون إذا كان من يستحق القصاص واحدا غير مكلف صغيرا أو مجنونا كصبي قتلت أمه وليست زوجة لابيه فالقصاص له وليس لابيه ولا لغيره استيفاؤه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك له استيفاؤه وكذلك الحكم في الوصي والحاكم في الطرف دون النفس، وذكر أبو الخطاب في موضع في الاب روايتين وفي موضع وجهين (أحدهما) كقولهما ولان القصاص أحد بدلي النفس فكان للاب استيفاؤه كالدية
ولنا أنه لا يملك ايقاع الطلاق بزوجته فلا يملك استيفاء القصاص له كالوصي ولان القصد التشفي ودرك الغيظ ولا يحصل ذلك باستيفاء الولي ويخالف الدية فان الغرض يحصل باستيفاء الاب فافترقا ولان الدية إنما يملك استيفاءها إذا تعينت والقصاص لا يتعين فانه يجوز العفو إلى الدية والصلح إلى مال أكثر منها أو أقل والدية بخلاف ذلك (فصل) وكل موضع يجب تأخير الاستيفاء فان القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون ويقدم
الغائب، وقد حبس معاوية هدية بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل في عصر الصحابة فلم ينكر ذلك وبذل الحسن والحسين وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها فان قيل فلم لا يخلى سبيله كالعسر بالدين قلنا لان في تخليته تضييعا للحق لانه لا يؤمن هربه والفرق بينه وبين المعسر من وجوه (أحدهما) أن قضاء الدين لا يجب مع الاعسار فلا يحبس بما لا يجب والقصاص ههنا واجب وإنما تعذر المستوفي (الثاني) أن المعسر إذا حبسناه تعذر الكسب لقضاء الدين فلا يفيد بل يضر من الجانبين وههنا الحق نفسه يفوت بالتخلية لا بالحبس (الثالث) أنه قد استحق قتله وفيه تفويت نفسه ونفعه فإذا تعذر تفويت نفسه جاز تفويت نفعه لامكانه فان قبل فلم يحبس من أجل الغائب وليس للحاكم عليه ولاية إذا كان مكلفا رشيدا ولذلك لو وجد بعض ماله مغصوبا لم يملك انتزاعه؟ قلنا لان في القصاص حقا للميت وللحاكم عليه ولاية ولهذا ينفذ وصاياه من الدية ويقضي ديونه منها فنظيره أن يجد الحاكم من تركة
الميت في يد إنسان شيئا غصبا والوارث غائب فانه يأخذه، ولو كان القصاص لحي في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه فان أقام القاتل كفيلا بنفسه ليخلي سبيله له لم يجز لان الكفالة لا تصح في القصاص فان فائدتها استيفاء الحق من الكفيل، فان تعذر إحضار المكفول به فلا يمكن استيفاؤه من غير القاتل فلم تصح الكفالة به كالحد ولان فيه تغريرا بحق المولى عليه فانه ربما خلى سبيله فهرب فضاع الحق (مسألة) (وان كانا محتاجين إلى النفقة فهل لوليهما الفعو إلى الدية؟ يحتمل وجهين) إذا وجب القصاص لصغير أو مجنون فليس لوليه العفو عن القصاص إلى غير مال لانه لا يملك اسقاط حقه وكذلك ان عفا إلى مال وكان الصبي في كفاية وقد ذكرناه، فان كان فقيرا محتاجا إلى النفقة جاز ذلك في أحد الوجهين، قال القاضي وهو الصحيح (والثاني) لا يجوز لانه لا يملك اسقاط قصاصه ونفقته في بيت المال، والصحيح الاول فان وجوب النفقة في بيت المال لا يغنيه إذا لم يحصل، واما إذا كان مستحق القصاص مجنونا فقيرا فلوليه العفو إلى المال لانه ليست له حالة معتادة ينتظر فيها اباقته ورجوع عقله بخلاف الصبي (مسألة) (فان قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا احتمل أن يسقط حقهما واحتمل أن تجب
دية أبيهما لهما في مال الجاني ويرجع ورثة الجاني على عاقلتهما) إذا وثب الصبي أو المجنون على القاتل فقتله أو على القاطع فقطعه ففيه وجهان:
(أحدهما) يصير مستوفيا لحقه لانه عين حقه أتلفه فأشبه ما لو كانت وديعة عند رجل (والثاني) لا يصير مستوفيا لحقه لانه ليس من أهل الاستيفاء فتجب له دية أبيه في مال الجاني لان عمد الصبي خطأ وعلى عاقلته دية القاتل كما لو أتلف أجنبيا بخلاف الوديعة فانها لو تلفت من غير تعد برئ منها المودع ولو هلك من غير فعل لم يبرأ من الجناية (مسألة) (وان اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة كالعبد سقط حقهما وجها واحدا لانه لا يمكن ايجاب ديته على العاقلة فلم يكن الا سقوطه (فصل) الثاني اتفاق جميع الاولياء على استيفائه وليس لبعضهم الاستيفاء دون بعض) لانه يكون مستوفيا لحق غيره بغير اذنه ولا ولاية عليه فأشبه الدين (مسألة) (فان فعل فلا قصاص عليه) وبه قال أبو حنيفة وهو احد قولي الشافعي والقول الآخر عليه القصاص لانه ممنوع من قتله وبعضه غير مستحق له وقد يجب القصاص باتلاف بعض النفس بدليل ما لو اشترك الجماعة في قتل واحد ولنا انه مشارك في استحقاق القتل فلم يجب عليه القصاص كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها ولانه محل يملك بعضه فلم تجب العقوبة المقدرة باستيفائه كالاصل، ويفارق إذا قتل الجماعة واحد فانا لم نوجب القصاص بقتل بعض النفس وانما نجعل كل واحد منهم قاتلا لجميعها وان سلمنا وجوبه
عليه لقتل بعض النفس فمن شرطه المشاركة لمن فعله كفعله في العمد والعدوان ولا يتحقق ذلك ههنا (مسألة) (وعليه لشركائه حقهم من الدية ويسقط عن الجاني في احد الوجهين وفي الآخر لهم ذلك في تركة الجاني ويرجع ورثة الجاني على قاتله) وجملة ذلك انه يجب للولي الذي لم يقتل قسطه من الدية لان حقه من القصاص سقط بغير اختياره
فأشبه ما لو مات القاتل أو عفا بعض الاولياء، وهل يجب ذلك على قاتل الجاني أو في تركة الجاني؟ فيه وجهان وللشافعي قولان (أحدهما) يرجع على قاتل الجاني لانه اتلف محل حقه فكان الرجوع عليه بعض نصيبه كما لو كانت له وديعة فأتلفها (والثاني) يرجع في تركة الجاني كما لو اتلفه اجنبي أو عفا شريكه عن القصاص، وقولنا اتلف محل حقه يبطل بما إذا اتلف مستأجره أو غريمه أو امرأته أو كان المتلف اجنبيا، ويفارق الوديعة فانها مملوكة لهما فوجب عوض ملكه أما الجاني فليس بمملوك للمجني عليه وانما عليه حق فأشبه ما لو اتلف غريمه، فعلى هذا يرجع ورثة الجاني على قاتله بدية مورثهم الا قدر حقه منها، فعلى هذا لو كان الجاني اقل دية من قاتله مثل امرأة قتلت رجلا له ابنان قتلها احدهما بغير اذن الآخر فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة التي قتلته ويرجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها وهو ربع دية الرجل وعلى الوجه الاول يرجع الابن الذي لم يقتل على أخيه بنصف دية المرأة لانه لم يفوت على أخيه الا نصف
المرأة ولا يمكن ان يرجع على ورثة المرأة بشئ لان أخاه الذي قتلها أتلف جميع الحق، وهذا يدل على ضعف هذا الوجه، ومن فوائده أيضا صحة ابراء من حكمنا بالرجوع عليه وملك مطالبته وان قلنا يرجع على ورثة الجاني صح ابراؤهم وملكوا الرجوع على قاتل موروثهم بقسط اخيه العافي وان قلنا يرجع على شريكه ملك مطالبته وصح ابراؤهم ولم يكن لورثة الجاني مطالبته بشئ (ومنها) اننا إذا قلنا يرجع على تركة الجاني وله تركة فله الاخذ منها سواء امكن ورثته أن يستوفوا من الشريك أو لم يمكنهم وان قلنا يرجع على شريكه لم يكن له مطالبته ورثة الجاني سواء كان شريكه موسرا أو معسرا (فصل) وان عفا سقط القصاص وان كان العافي زوجا أو زوجة، أجمع اهل العلم على إجازة العفو عن القصاص وأنه أفضل لما نذكره.
والقصاص حق لجميع الورثة من ذوي الانساب والاسباب الرجال والنساء والصغار والكبار فمن عفا منهم صح عفوه وسقط القصاص ولم يكن لاحد عليه سبيل وهذا قول أكثر اهل العلم منهم عطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وروى معنى ذلك عن عمر وطاوس والشعبي وقال الحسن وقتادة والزهري وابن شبرمة والليث
والاوزاعي ليس للنساء عفو والمشهور عن مالك انه موروث للعصبات خاصة وهو وجه لاصحاب الشافعي لانه ثبت لدفع النار فاختص به العصبات كولاية النكاح ولهم وجه ثالث انه لذوي الانساب دون الزوجين لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين بين ان يقتلوا أو يأخذوا العقل "
واهله ذوو رحمه وذهب بعض أهل المدينة إلى ان القصاص لا يسقط بعفو بعض الشركاء وقيل هو رواية عن مالك لان حق غير العافي لم يرض باسقاطه وقد تؤخذ النفس ببعض النفس بدليل قتل الجماعة بالواحد ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام " فأهله بين خيرتين " وهذا عام في جميع أهله والمرأة من أهله بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " من يعذرني من رجل بلغ اذاه في أهلي وما علمت على أهلي الا خيرا وما كان يدخل علي أهلي الا معي " يريد عائشة وقال له اسامة يا رسول الله أهلك ولا نعلم الا خيرا وروى زيد بن وهب ان عمر أتي برجل قتل قتيلا فجاء ورثة المقتول ليقتلوه فقالت امرأة المقتول وهي اخت القاتل قد عفوت عن حقي فقال عمر الله أكبر عتق القتيل رواه أبو داود، وفي رواية عن زيد قال دخل رجل على امرأته فوجد عندها رجلا فقتلها فقال بعض إخوتها قد تصدقت فقضى لسائرهم بالدية وروى قتادة ان عمر رفع إليه رجل قتل رجلا فجاء اولاد المقتول وقد عفا بعضهم فقال عمر لابن مسعود ما تقول؟ فقال انه قد احرز من القتل فضرب على كتفه فقال كتيف ملئ علما، والدليل على ان القصاص لجميع الورثة ما ذكرناه في مسألة القصاص بين الصغير والكبير ولان من ورث الدية ورث القصاص كالعصبة وإذا عفا بعضهم صح عفوه كعفوه عن سائر حقوقه، وزوال الزوجية لا يمنع استحقاق القصاص كما لو يمنع استحقاق الدية وسائر حقوقه الموروثة، ومتى ثبت انه حق مشترك بين جميعهم سقط باسقاط من كان من أهل الاسقاط
منهم لان حقه منه له فينفذ تصرفه فيه فإذا سقط سقط جميعه لانه مما لا يتبعض كالطلاق والعتقاق ولان القصاص حق مشترك بينهم لا يتبعض مبناه على الدور والاسقاط فإذا اسقط بعضهم سرى إلى الباقي كالعتق، والمرأة أحد المستحقين فسقط باسقاطها كالرجل، ومتى عفا احدهم فللباقين حقهم من الدية سواء عفا مطلقا أو إلى الدية وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم لهم مخالفا ممن قال بسقوط القصاص وذلك
لان حقه من القصاص سقط بغير رضاه فيثبت له البدل كما لو ورث القاتل بعض دمه أو مات ولما ذكرنا من خبر عمر رضي الله عنه (مسألة) (وان قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود والا فلا قود وعليهم ديته) وجملة ذلك انه إذا قتله الشريك الذي لم يعف عالما بعفو شريكه وسقوط القصاص به فعليه القصاص سواء حكم به الحاكم أو لم يحكم وبهذا قال أبو حنيفة وأبو ثور وهو الظاهر من مذهب الشافعي وقيل له قول آخر لا يجب القصاص لان فيه شبهة لوقوع الخلاف فيه.
ولنا انه قتل معصوما مكافئا له عمدا يعلم ان لا حق له فيه فوجب عليه القصاص كما لو حكم بالعفو حاكم والاختلاف لا يسقط القصاص فانه لو قتل مسلما بكافر قتلناه به مع الاختلاف في قتله، فأما ان قتله قبل العلم بالعفو فلا قصاص عليه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي في احد قوليه عليه القصاص
لانه قتل عمد عدوان لمن لا حق له في قتله ولنا انه معتقد ثبوت حق فيه مع ان الاصل بقاؤه فلم يلزمه قصاص كالوكيل إذا قتل بعد عفو الموكل قبل علمه بعفوه، ولا فرق بين ان يكون الحاكم قد حكم بالعفو أو لم يحكم به لان الشبهة موجودة مع انتفاء العلم معدومة عند وجوده، وقال الشافعي متى قتله بعد حكم الحاكم لزمه القصاص علم بالعفو أو لم يعلم وقد بينا الفرق بينهما، ومتى حكمنا عليه بوجوب الدية اما لكونه معذورا واما للعفو عن القصاص فانه يسقط عنه منها ما قابل حقه على القاتل قصاصا ويجب عليه الباقي، فان كان الولي عفا إلى غير مال فالواجب لورثة القاتل ولا شئ عليه وان كان عفا إلى الدية فالواجب لورثة القاتل وعليهم نصيب العافي من الدية وقيل فيه ان حق العافي من الدية على القاتل ولا يصح لان الحق لم يبق متعلقا بعينه وانما الدية واجبة في ذمته فلم تنقل إلى القاتل كما لو قتل غريمه (مسألة) (وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائب لما ذكرناه) (فصل) فان كان القاتل هو العافي فعليه القصاص سواء عفا مطلقا أو إلى مال وبهذا قال عكرمة
والثوري ومالك والشافعي وابن المنذر وروي عن الحسن تؤخذ منه الدية ولا يقتل وقال عمر بن عبد العزيز الحكم فيه إلى السلطان ولنا قوله تعالى (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم) قال ابن عباس وعطاء والحسن وقتادته في
تفسيرها أي بعد أخذه الدية وعن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا اعفي من قتل بعد أخذه الدية " ولانه قتل معصوما مكافئا فوجب عليه القصاص كما لو لم يكن قتل (فصل) وإذا عفا عن القاتل مطلقا صح ولم يلزمه عقوبة وبهذا قال الشافعي واسحاق وابن المنذر وأبو ثور وقال مالك والليث والاوزاعي يضرب ويحبس سنة ولنا أنه انما كان عليه حق واحد وقد أسقطه مستحقه فلم يجب عليه شئ آخر كما لو أسقط الدية عن القاتل خطأ (مسألة) (وإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا فليس للبالغ العاقل استيفاء حتى يصيرا مكلفين في المشهور وعنه له ذلك) وجملة ذلك ان ورثة القتيل إذا كانوا أكثر من واحد لم يجز لبعضهم استيفاء القود الا باذن الباقين فان كان بعضهم غائبا انتظر قدومه ولم يجز للحاضر الاستقلال بالاستيفاء بغير خلاف علمناه وان كان بعضهم صغيرا أو مجنونا فظاهر مذهب احمد انه ليس لغيرهما الاستيفاء حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والشافعي وابو يوسف واسحاق ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعن أحمد رواية أخرى للكبار والعقلاء استيفاؤه وبه قال حماد ومالك والاوزاعي والليث وابو حنيفة لان الحسن بن علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم قصاصا
وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك ولان ولاية القصاص هي استحقاق استيفائه وليس للصغير هذه الولاية ولنا انه قصاص غير متحتم ثبت لجماعة معينين فلم يجز لاحدهم استيفاؤه استقلالا كما لو كان لحاضر وغائب ولانه احد بدلي النفس فلم ينفرد به بعضهم كالدية والدليل على ان للصغير والمجنون فيه حقا اربعة أمور
(احدهما) أنه لو كان منفردا لاستحقه ولو نافاه الصغر مع غيره لنافاه منفردا كولاية النكاح (الثاني) أنه لو بلغ لاستحق ولو لم يكن مستحقا عند الموت لم يكن مستحقا بعده كالرقيق إذا أعتق بعد موت أبيه (الثالث) انه لو صار الامر إلى المال لاستحق ولو لم يكن مستحقا للقصاص لما استحق بدله كالاجنبي (الرابع) انه لو مات الصغير لاستحق ورثته ولو لم يكن حقا له لم يرثه كسائر ما لا يستحقه وأما ابن ملجم فقد قيل انه قتله لكفره لانه قتل عليا مستحلا لدمه معتقدا كفره متقربا إلى الله تعالى بذلك وقيل قتله لسعيه في الارض بالفساد واظهار السلاح فيكون كقاطع الطريق إذا قتله وقتله متحتم وهو إلى الامام والحسن هو الامام ولذلك لم ينتظر الغائبين من الورثة ولا خلاف بيننا في وجوب انتظارهم وان قدرنا انه قتله قصاصا فقد اتفقنا على خلافه فكيف يحتج به بعضنا على بعض؟ (مسألة) (وكل من ورث المال ورث القصاص على حسب ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الارحام) لانه حق يستحقه الوارث من جهة مورثه فاشبه المال
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: