الفقه الحنبلي - مناسك الحج4
(مسألة) (وان جامع بعد التحلل الاول لم يفسد نسكه ويمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم وهل يلزمه بدنة أو شاة على روايتين) وفي هذه المسألة ثلاثة فصول (أحدها) أن الوطئ بعد التحلل الاول لا يفسد الحج وهو قول ابن عباس وعكرمة وعطاء والشعبي وربيعة ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال النخعي والزهري وحماد عليه حج من قابل لان الوطئ صادف احراما تاما بالحج فافسده كالوطئ قبل الرمي ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " ولان ابن عباس قال في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر: ينحران جزورا بينهما وليس عليه الحج من قابل ولا نعرف له في الصحابة مخالفا، ولانها عبادة لها تحللان
فوجود المفسد بعد تحللها الاول لا يفسدها كما بعد التسليمة الاولى في الصلاة وبهذا فارق ما قبل التحلل الاول (الفصل الثاني) أن يفسد الاحرام بالوطئ بعد جمرة العقبة فليزمه أن يحرم من الحل وبذلك قال
عكرمه وربيعة واسحاق.
وقال ابن عباس والشعبي والشافعي حجه صحيح ولا يلزمه إحرام لانه إحرام لم يفسد جميعه فلم يفسد بعضه كما بعد التحلل الثاني ولنا انه وطئ صادف إحراما فأفسده كالاحرام التام، وإذا فسد احرامه فعليه أن يحرم ليأتي بالطواف في إحرام صحيح لان الطواف ركن فيجب أن يأتي به في إحرام صحيح كالوقوف.
ويلزمه الاحرام من الحل لان الاحرام ينبغي أن يجمع فيه بين الحل والحرم فلو أبحنا له الاحرام من الحرم لم يجمع بينهما لان أفعاله كلها تقع في الحرم أشبه المعتمر.
وإذا أحرم طاف للزيارة وسعى أن لم يكن سعى وتحلل لان الذي بقي عليه يقية أفعال الحج وانما وجب عليه الاحرام ليأتي بها في احرام صحيح هذا ظاهر كلام الخرقي.
والمنصوص عن أحمد رحمه الله ومن وافقه من الائمة أنه يعتمر فيحتمل أنهم أرادوا هذا أيضا وسموه عمرة لان هذه أفعال العمرة.
ويحتمل انهم أرادوا عمرة حقيقة فلزمه سعي وتقصير، والاول أصح، وقوله يحرم من التنعيم لم يذكره لوجوب الاحرام منه بل لانه حل فمن أتى الحل وأحرم جاز كالمعتمر (فصل) ومتى وطئ بعد رمي الجمرة لم يفسد حجه حلق أو لم يحلق، هذا ظاهر كلام أحمد والخرقي ومن سمينا من الائمة لترتيبهم هذا الحكم على الوطئ بعد مجرد الرمى من غير اعتبار أمر زائد (فصل) فان طاف للزيارة ولم يرم ثم وطئ لم يفسد حجه بحال لان الحج قد تمت أركانه كلها ولا يلزمه إحرام من الحل فان الرمي ليس بركن ولا يلزمه دم لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه لانه وطئ قبل وجود ما يتم به التحلل أشبه من وطئ بعد الرمي قبل الطواف (فصل) والقارن كالمفرد في أنه إذا وطئ بعد الرمي لم يفسد حجه ولا عمرته لان الحكم للحج الا ترى أنه لا يحل من عمرته قبل الطواف ويفعل ذلك إذا كان قارنا ولان الترتيب للحج دونها والحج لا يفسد قبل الطواف كذلك العمرة وقال احمد فيمن وطئ بعد الطواف يوم النحر قبل أن يركع: ما عليه شئ.
قال أبو طالب: سألت احمد عن الرجل يقبل بعد رمي جمرة العقبة قبل أن يزور البيت قال ليس عليه شئ قد قضى المناسك.
فعلى هذا ليس في غير الوطئ في الفرج شئ
(الفصل الثالث فيما يجب عليه فدية للوطئ وهو شاة) نص عليه احمد وهو ظاهر كلام الخرقي، وهو قول عكرمة وربيعة ومالك واسحاق وفيه رواية اخرى أن عليه بدنة وهو قول ابن عباس وعطاء والشعبي والشافعي وأصحاب الرأي لانه وطئ في الحج فوجبت به بدنة كما قبل رمى جمرة العقبة.
ووجه الاولى أنه وطئ لم يفسد الحج فلم يوجب بدنة كالوطئ دون الفرج إذا لم ينزل ولان حكم الاحرام
خف بالتحلل الاول فينبغي أن ينقص موجبه عن الاحرام التام (فصل) وإذا أفسد القضاء لم يجب عليه قضاؤه وانما يقضي عن الحج الاول كما لو افسد قضاء الصلاة والصيام وجب القضاء للاصل دون القضاء كذا ههنا.
وذلك لان الواجب لا يزداد بفواته وانما يبقى ما كان واجبا في الذمة على ماكان عليه فيعود به القضاء (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (التاسع) (المباشرة في ما دون الفرج لشهوة فان فعل فانزل فعليه بدنة وهل يفسد نسكه؟ على روايتين وان لم ينزل لم يفسد) إذا وطئ فميا دون الفرج أو قبل أو لمس بشهوة فأنزل فعليه بدنة، وبذلك قال الحسن وسعيد ابن جبير وأبو ثور، وقال الشافعي واصحاب الرأي وابن المنذر عليه شاة لانه مباشرة دون الفرج أشبه مالو لم ينزل.
ولنا أنها مباشرة أوجبت الغسل فاوجبت بدنة كالوطئ في الفرج (فصل) وفي فساد النسك به روايتان (احداهما) يفسد اختارها أبو بكر والخرقي فيما إذا وطئ دون الفرج فانزل وهو قول الحسن وعطاء والقاسم بن محمد ومالك واسحاق لانها عبادة يفسدها الوطئ فافسدها الانزال عن مباشرة كالصيام (والثانية) لا يفسد وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو الصحيح ان شاء الله تعالى لانه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلم يفسد الحج
كما لو لم ينزل ولانه لا نص فيه ولا اجماع ولا يصح قياسه على المنصوص عليه لان الوطئ في الفرج يجب بنوعه الحد ولا يفترق الحال فيه بين الانزال وعدمه بخلاف المباشرة، والصيام بخلاف الحج في
المفسدات ولذلك يفسد إذا انزل بتكرار النظر وسائر محظوراته والحج لا يفسد بشئ من محظوراته غير الجماع فافترقا والمرأة كالرجل في هذا إذا كانت ذات شهوة والا فلا شئ عليها كالرجل إذا لم يكن له شهوة وان لم ينزل لم يفسد حجه بذلك لا نعلم فيه خلافا لانها مباشرة دون الفرج عريت عن الانزال فلم يفسد بها الحج قياسا عليه، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لرجل قبل زوجته أفسدت حجك، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وهو محمول على ما أذا أنزل (فصل) فان كرر النظر فانزل أو لم ينزل لم يفسد حجه روي ذلك عن ابن عباس، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وروي عن الحسن وعطاء ومالك فيمن ردد النظر حتى أمنى عليه حج قابل لانه أنزل بفعل محظور أشبه الانزال بالمباشرة ولنا انه انزال من غر مباشرة أشبه الانزال بالفكر والاحتلام والاصل الذي قاموا عليه ممنوع ثم ان المباشرة أبلغ في اللذة وآكد في استدعاء الشهوة فلا يصح القياس عليها، وان لم ينزل لم يفسد حجه لا نعلم أحدا قال بخلاف ذلك لانه لا يمكن التحرز منه أشبه الفكر والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (والمرأة احرامها في وجهها ويحرم عليها ما يحرم على الرجل إلا في اللباس وتظليل المحمل) يحرم على المرأة تغطية وجهها في إحرامها لا نعلم في هذا خلافا الا ماروي عن أسماء رضي الله عنها أنها كانت تغطي وجهها فيحتمل انها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة ولا يكون اختلافا قال ابن المنذر كراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ولا نعلم أحدا خالف فيه والاصل فيه ماروى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " احرام الرجل في رأسه واحرام المرأة في وجهها " (فصل) فان احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فانها تسدل القثوب فوق رأسها على وجهها روي ذلك عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي
واسحاق ومحمد بن الحسن ولا نعلم فيه خلافا لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت احدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه.
رواه أبو داود والاثرم ولان بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره على الاطلاق كالعورة.
وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة فان أصابها ثم زال أو ازالته بسرعة فلا شئ عليها كما لو أطارت الربح الثوب عن عورة المصلي ثم عاد بسرعة لا تبطل الصلاد، وان لم ترفعه مع القدرة فدت لانها استدامت الستر قال شيخنا ولم أر هذا الشرط عن احمد ولا هو في الخبر مع أن الظاهر خلافه فان الثوب المسدول لا يكاد يسلم من اصابة البشرة فلو كان هذا شرطا لبين، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوه مما يعد لستر الوجه قال أحمد انما لها أن تسدل على وجهها من فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل كانه يقول إن النقاب من أسفل على وجهها (فصل) ويجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس وتحريم تغطية الوجه ولا يمكن تغطية جميع الرأس الا بجزء من الوجه ولا كشف جميع الوجه لا بكشف جزء من الرأس فعند ذلك ستر الرأس كله أولى لانه آكد إذ هو عورة ولا يختص بحالة الاحرام وكشف الوجه بخلافه وقد أبحنا ستر جملته للحاجة العارضة فستر جزء منه لستر العورة أولى (فصل) ولا بأس للمرأة ان تطوف منتقبة ان لم تكن محرمة فعلته عائشة رضي الله عنها وكره ذلك عطاء ثم رجع عنه وذكر أبو عبد الله حديث ابن جريج ان عطاء كان يكره لغير المحرمة أن تطوف منتقبة حتى حدثته عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أن عائشة طافت وهي منقبة فاخذ به (فصل) ويحرم عليها ما يحرم على الرجل من قطع الشعر وتقليم الاظفار والطيب وقتل الصيد وسائر المحظورات الا لبس المخيط وتظليل المحمل قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة ممنوعة مما منع منه الرجال الا بعض اللباس، وأجمع أهل العلم على أن للمحرمة لبس القمص والدروع والسراويلات والخمر والخفات وإنما كان كذلك لان أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بامر وحكمه عليه يدخل فيه الرجال والنساء إنما استثنى منه اللباس للحاجة إلى ستر المرأة لكونها عورة الا وجهها فتجردها
يفضي إلى انكشافها فابيح لها اللباس للستر كما أبيح للرجل عقد الازار كيلا يسقط فتنكشف عورته ولم يبح عقد الرداء، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في
احرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف وهذا صريح والمراد باللباس ههنا المخيط من القمص والدروع والسراويلات والخفاف وما يستر الرأس ونحوه (فصل) ويستحب للمرأة عند الاحرام ما يستحب للرجل من الغسل والطيب قالت عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالمسك والطيب عند الاحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر عليها والشابة والكبيرة سواء في هذا فان عائشة كانت شابة فان قيل اليس قد كره ذلك في الجمة قلنا لانها في الجمة تقرب من الرجال فيخاف الافتتان بها بخلاف مسألتنا ولهذا يلزم الحج النساء ولا يلزمهن الجمعة، وكذلك يستحب لها قلة الكلام الا فيما ينفع والاشتغال بالتلبية وذكر الله تعالى (مسألة) (ولا تلبس القفازين ولا الخلخال ولا تكتحل بالاثمد) القفازان شئ يعمل لليدين يدخلهما فيهما من خرق يسترهما من الحر مثل ما يعمل للبزاة يحرم على المرأة لبسه في حال إحرامها، وهذا قول ابن عمر وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والنخعي ومالك واسحاق وكان سعد بن أبي وقاص يلبس بناته القفازين وهن محرمات ورخص فيه علي وعائشة وعطاء، وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي كالمذهبين واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إحرام المرأة في وجهها " ولانه عضو يجوز ستره بغير المخيط فجاز ستره به كالرجلين ولنا ماروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري وحديثهم المراد به الكشف فأما الستر بغير المخيط فيجوز للرجل ولا يجوز بالمخيط (فصل) فأما الخلخال وما أشبهه من الحلي كالسوار فظاهر كلام شيخنا ههنا أنه لا يجوز لبسه وهو ظاهر كلام الخرقي وقد قال أحمد المحرمة والمتوفى عنها زوجها يتركان الطيب والزينة ولهما ما سوى
ذلك، وروي عن عطاء أنه كان يكره للمحرمة الحرير والحلي وكرهه الثوري وروي عن قتادة أنه كان لا يرى بأسا أن تلبس المرأة الخاتم والقرط وهي محرمة وكره السوارين والخلخالين والدملحين وظاهر المذهب الرخصة فيه وهو قول ابن عمر وعائشة وأصحاب الرأي وهو الصحيح.
قال أحمد في رواية حنبل تلبس المحرمة الحلي والمعصفر وقال عن نافع كان نساء ابن عمر وبناته يلبسن الحلي والمعصفر وهن محرمات لا ينكر عبد الله ذلك، وقد ذكرنا حديث ابن عمر وفيه ولتلبس بعد ذلك ما أحبت
من ألوان الثياب من معصفر أوخز أو حلي قال ابن المنذر لا يجوز المنع منه بغير حجة ويحمل كلام احمد في المنع على الكراهة لما فيه من الزينة وشبهه بالكحل بالاثمد ولا فدية فيه كما لا فدية في الكحل فاما ليس القفازين ففيه الفدية لانها لبست ما نهيت عن لبسه في الاحرام فلزمتها الفدية بالنقاب، وقال القاضي يحرم عليها شد يديها بخرقة لانه ستر ليديها بما يختص بها اشبه القفازين، وكما لو شد الرجل على جسده شيئا وإن لفت يديها من غير شد فلا فدية لان المحرم هو اللبس لا تغطيتهما كبدن الرجل (فصل) والكحل بالاثمد في الاحرام مكروه للمرأة والرجل، وانما خصت المرأة بالذكر لانها محل الزينة والكراهة في حقها أكثر من الرجل يروي هذا عن عطاء والحسن ومجاهد، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: يكتحل المحرم بكل كحل ليس فيه طيب ورخص فيه مالك في الحر يجده المحرم، وروي عن أحمد أنه قال: يكتحل المحرم بما لم يرد به الزينة، قيل له الرجال والنساء؟ قال نعم ووجه كراهته ماروي عن جابر أن عليا رضي الله عنه قدم من اليمن فوجد فاطمة ممن حل فلبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت: أبي أمرني بهذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدقت صدقت " رواه مسلم وغيره، وهذا يدل على أنها كانت ممنوعة من ذلك، وروي عن عائشة أنها قالت لامرأة اكتحلي بأي كحل شئت غير الاثمد أو الاسود، إذا ثبت هذا فان الكحل بالاثمد مكروه ولا فدية فيه لا نعم فيه خلافا، وروت شميسة عن عائشة قالت: اشتكيت عيني وأنا محرمة فسألت عائشة فقالت اكتحلي بأي كحل شئت غير الاثمد، اما إنه ليس بحرام ولكنه زينة فيجب تركه، قال الشافعي إن فعلا فلا أعلم عليهما فيه فدية بشئ
(فصل) فأما الكحل بغير الاثمد والاسود فلا كراهة فيه إذا لم يكن مطيبا لما ذكرنا من حديث عائشة وقول ابن عمر، وقد روى مسلم عن نبيه بن وهب قال: خرجنا مع أبان بن عثمان حتى إذا كنا بملل اشتكى عمر بن عبيد الله عينيه فأرسل إلى أبان بن عثمان ليسأله فقال اضمدهما بالصبر فان عثمان حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا اشتكلى عينيه وهو محرم يضمدهما بالصبر ففيه دليل على إباحة ما أشبهه مما ليس فيه زينة ولا طيب وكان ابراهيم لا يرى بالذرور الاحمر بأسا (فصل) وإذا أحرم الخنثى المشكل لم يلزمه اجتناب المخيط لانا لا نتيقن كونه رجلا، وقال ابن المبارك يغطي رأسه ويكفر (قال شيحنا) والصحيح أنه لا شئ عليه لان الاصل عدم الوجوب فلا يجب بالشك، فان غطى وجهه وجسده لم يلزمه فدية لذلك، وإن جمع بين تغطية وجهه بنقاب أو برقع
وغطى رأسه أو لبس المخيط لزمته الفدية لانه لا يخلو أن يكون رجلا أو امرأة والله أعلم (مسألة) (ويجوز لبس المعصفر والكحلي والخضاب بالحناء والنظر في المرآة لهما جميعا) لا بأس بما صبغ بالعصفر لانه ليس بطيب ولا بأس باستعماله وشمه هذا قول جابر وابن عمر وعبد الله بن جعفر وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم وهو مذهب الشافعي، وكرهه مالك إذا كان ينتفض في جسده ولم يوجب فيه فدية ومنع منه الثوري وأبو حنيفة ومحمد وشبهوه بالمورس والمزعفر لانه صبغ طيب الرائحة ولنا أن في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المحرمة " وللبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر، أو خز، أو حلي " رواه أبو داود، وعن عائشة وأسماء وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن كن يحرمن في المعصفرات، ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا، ولانه ليس بطيب فلم يكره المصبوغ به كالسواد، وأما الورس والزعفران فانه طيب ولا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمغرة لانه مصبوغ بطين وكذلك سائر الاصباغ سوى ما ذكرنا لان الاصل الاباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه أو ماكان في معناه، وليس هذا كذلك فأما المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها فما منع المحرم من استعماله منع لبس المصبوغ به إذا ظهرت رائحته وإلا فلا
إلا أنه يكره للرجل لبس المعصفر في غير الاحرام فكذلك فيه وقد ذكرنا ذلك في الصلاة (فصل) ويستحب للمرأة أن تختضب بالحناء عند الاحرام لما روي عن ابن عمر أنه قال: من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء، ولانه من الزينة فاستحب عند الاحرام كالطيب ولا بأس بالخضاب في حال احرامها، وقال القاضي يكره لكونه من الزينة فأشبه الكحل بالاثمد، فان فعلت ولم تشد يديها بالخرق فلا فدية عليها، وبه قال الشافعي وابن المنذر.
وكان مالك ومحمد بن الحسن يكرهان الخضاب للمحرمة وألزماها الفدية ولنا ما روى عكرمة أنه قال: كانت عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يختضبن بالحناء وهن حرم ولا بأس بذلك للرجل فيما لا تشبه فيه بالنساء لان الاصل الاباحة، وليس ههنا دليل يمنع من نص ولا اجماع ولاهو في معنى المنصوص (فصل) ولا بأس بالنظر في المرآة للحاجة كمداواة جرح أو ازالة شعره نبتت في عينه ونحو ذلك مما أباح الشرع له فعله، وقد روي عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا ينظران في
المرآة وهما محرمان ويكره أن ينظر فيها لازالة شعث أو تسوية شعر أو شئ من الزينة ذكره الخرقي قال أحمد رحمه الله: لا بأس أن ينظر في المرآة ولا يصلح شعرا، ولا ينفض عنه غبارا، وقال أيضا إذا كان يريد زينة فلا، قيل فكيف يريد زينة؟ قال يرى شعرة فيسويها، روي نحو ذلك عن عطاء لانه قد روي في حديث " إن المحرم الاشعث الاغبر " وفي الآخر " إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثا غبرا ضاحين " أو كما جاء ولا فدية بالنظر في المرآة بحال وانما ذلك أدب لا شئ على فاعله لا نعلم أحدا أوجب في ذلك شيئا (فصل) وللمحرم أن يحتجم ولا فدية عليه إذا لم يقطع شعرا في قول الجمهور لانه تداو باخراج دم أشبه الفصد وبط الجرح، وقال مالك لا يحتجم إلا من ضرورة وكان الحسن يرى في الحجامة دما ولنا أن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم: متفق عليه ولم يذكر فدية، ولانه لا يترفه بذلك أشبه شرب الادوية، وكذلك الحكم في قطع العضو عند الحاجة والختان كل ذلك
مباح من غير فدية، فان احتاج في الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه لما روى عبيد الله بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بلحي جمل في طريق مكة وهو محرم وسط رأسه.
متفق عليه، ومن ضرورة ذلك قطع الشعر، لانه يباح حلق الشعر لازالة أذى القمل فكذلك هذا وعليه الفدية، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر، وقال أبو يوسف ومحمد يتصدق بشئ ولنا قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة) الآية ولانه حلق شعرا لازالة ضرر غيره فلزمته الفدية كما لو حلقه لازالة قمله (فصل) ويجتنب المحرم مانهاه الله تعالى عنه بقوله (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وهذا صيغته صيغة النفي والمراد به النهي كقوله تعالى (لاتضار والدة بولدها) والرفث الجماع روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وروي عن ابن عباس أنه قال الرفث غشيان النساء والتقبيل والغمز وان يعرض لها بالفحش من الكلام، وقال أو عبيدة الرفت لغا الكلام وأنشد قول العجاج: * عن اللغا ورفث التكلم * وقيل الرفث هو ما يكنى عنه من ذكر الجماع، وروي عن ابن عباس أنه أنشد بيتا فيه التصريح بما يكنى عنه من الجماع وهو محرم فقيل له في ذلك فقال إنما الرفث ماروجع به النساء، وفي لفظ ما قيل من ذلك عند النساء، وفي الجملة كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه الا أنه في الجماع
أظهر لما ذكرنا من تفسير الائمة ولانه قد جاء في موضع آخر وأريد به الجماع وهو قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (1) أما الفسوق فهو السباب لقول الني صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق " متفق عليه (2) وقيل الفسوق المعاصي روي ذلك عن ابن عباس وان عمر وعطاء وابراهيم وقالوا أيضا الجدال المراء قال ابن عباس رضي الله عنه هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه والمحرم ممنوع من ذلك كله قال النبي صلى الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " متفق عليه وقال مجاهد في قوله (ولا جدال في الحج) أي لا مجادلة وقول الجمهور أولى.
(فصل) ويستحب له قلة الكلام الا فيما ينفع صيانة لنفسه عن اللغو والوقوع في الكذب ومالا يحل فان من كثر كلامه كثر سقطه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه " قال أبو داود أصول السنن أربعة أحاديث هذا أحدها وهذا في حال الاحرام أشد استحبابا لانه حال عبادة واستشعار بطاعة فهو يشبه الاعتكاف، وقد احتج أحمد رحمه الله على ذلك بأن شريحا رحمه الله كان إذا أحرم كأنه حية صماء فيستحب للمحرم أن يشتغل بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم جاهل أو يأمر بحاجته أو يسكت فان تكلم بما لا اثم فيه أو أنشد شعرا لا يقبح فهو مباح ولا يكثر فقد روي عن عمر رضي الله عنه انه كان على ناقة وهو محرم فجعل يقول: كان راكبها غصن بمروحة * إذا تدلت به أو شارب ثمل الله أكبر الله أكبر.
وهذا يدل على الاباحة، والفضيلة ما ذكرناه أولا والله أعلم (فصل) ويجوز للمحرم أن يتجر ويصنع الصنائع بغير خلاف علمناه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الاسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) يعني في مواسم الحج
باب الفدية (وهي على ثلاثة اضرب (أحدها) ما هو على التخيير وهو نوعان (أحدهما) يخير فيه بين صيام ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة وهي فدية حلق الرأس وتقليم الاظفار وتغطية الرأس واللبس والطيب، وعنه يجب الدم الا أن يفعله لعذر فيجب) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) في أن فدية هذه المحظورات على التخيير ايها شاء فعل والاصل في ذلك قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذي من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) ذكره بلفظ أو وهي
للتخيير وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة " لعلك اذاك هو امك " قال: نعم يارسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة " متفق عليه وفي لفظ " أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع تمر " فدلت الآية والخبر على وجوب الفدية على صفة التخيير بين الذبح والاطعام والصيام في حلق الشعر وقنا عليه تقليم الاظفار واللبس والطيب لانه حرم في الاحرام لاجل الترفه فاشبه حلق الشعر ولا فرق في الحلق بين المعذور وغيره في ظاهر المذهب والعامد والمخطئ، وهو مذهب مالك والشافعي، وعن احمد أنه إذا حلق من غير عذر فعليه دم من غير تخيبر اختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة لان الله تعالى خير بشرط العذر فإذا عدم العذر زال التخيير ولنا أن الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له والتبع لا يخالف أصله، ولان كل كفارة ثبت التخيير فيها مع العذر ثبت مع عدمه كجزاء الصيد، لا فرق بين قتله للضرورة إلى أكله أو لغير ذلك وإنما الشرط لجواز الحلق لا للتخير (الفصل الثاني) أنه مخير بين الثلاثة المذكورة في الحديث وهي صيام ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة وقد دل الحديث المذكور على ذلك.
وفي لفظ أو اطعم فرقا بين ستة مساكين.
وفي لفظ فصم ثلاثة أيام وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين رواه أبو داود، وبهذا قال مجاهد والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الحسن وعكرمة ونافع الصيام عشرة أيام والصدقة على عشرة مساكين
ويروى عن الثوري وأصحاب الرأي قالوا يجزئ من البر نصف صاع ومن التمر والشعير صاع صاع واتباع السنة الصحيحة أولى (فصل) والحديث إنما ذكر فيه التمر ويقاس عليه البر والشعير والزبيب لان كل موضع أجزأ فيه التمر أجزأ ذلك فيه كالفطرة وكفارة اليمين، وقد روى أبو داود في حديث كعب بن عجرة قال فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقا من
زبيب أو انسك شاة " ولا يجزئ من هذه الاصناف أقل من ثلاثة آصع الا البر ففيه روايتان (احداهما) يجزئ مد بر لكل مسكين مكان نصف صاع من غير كما في كفارة اليمين (والثانية) لا يجزئ إلا نصف صاع لان الحكم ثبت فيه بطريق التنبيه أو القياس والفرع يماثل أصله ولا يخالفه، وبهذا قال مالك والشافعي (فصل) ومن أبيح له حلق رأسه جاز له تقديم الكفارة على الحلق فعله علي رضي الله عنه ولانها كفارة فجاز تقديمها على وجوبها ككفارة اليمين (الفصل الثالث) أنه لا فرق بين فعلها لعذر أو غيره وقد ذكرناه (مسألة) (النوع الثاني جزاء الصيد يتخير فيه بين المثل وتقويمه بدراهم يشتري بها طعاما فيطعم لكل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما وان كان ممالا مثل له خبر بين الاطعام والصيام وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب فيجب المثل فان لم يجد لزمه الاطعام فان لم يجد صام) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) في وجوب الجزاء على المحرم في قتل الصيد وأجمع أهل للعلم على وجوبه في الجملة، وقد نص الله تعالى عليه بقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقتوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) نص على وجوب الجزاء على المتعمد وقد ذكرناه (الفصل الثاني) أنه على التخيير بين الاشياء المذكورة بايها شاء كفر موسرا كان أو معسرا وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وعن احمد رواية ثانية انها على الترتيب فيجب المثل أولا فان لم يجد أطعم فان لم يجد صام روي هذا عن ابن عباس والثوري ولان هذي المتعة على الترتيب وهذا آمد منه لانه بفعل محظور وعنه رواية ثالثة أنه لاإطعام في كفارة الصيد، وانما ذكره في الآية ليعدل به الصيام لان من قدر على الاطعام قدر على الذبح كهذا قال ابن عباس وهذا قول الشافعي ولنا قوله سبحانه (فجزأ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل امنكم هديا بالغ الكعبة أو
كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) و " أو " في الامر للتخيير روي عن ابن عباس رضي الله عنه
أنه قال: كل شئ أو، أو، فهو مخير وأما ما كان (فان لم يجد) فهو الاول فالاول ولانه عطف هذه الخصال بعضها على بعض بأو فكان مخيرا في جميعها كفدية الادى وقد سمى الله تعالى الطعام كفارة ولا يكون كفارة ما لم يجب اخراجه وجعله طعاما للمساكين وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاما لهم ولانها كفارة ذكر فيها الطعام فكان من خصالها كسائر الكفارات وقولهم إنها وجبت بفعل محظور يبطل بفدية الاذى على أن لفظ النص صريح في التخيير فليس ترك مدلوله قياسا على هدي المتعة باولى من العكس فكما لا يجوز ثم لا يجوز هنا (فصل) وإذا اختار المثل ذبحه وتصدق به على فقراء الحرم ولا يجزئه أن يتصدق به حيا على المساكين لان الله سبحانه سماه هديا والهدي يجب ذبحه وله ذبحه أي وقت شاء، ولا يختص ذلك بايام النحر لان الامر به مطلق (الفصل الثالث) أنه متى اختار الاطعام فانه يقوم المثل بدراهم والدراهم بطعام ويتصدق به على المساكين، وبهذا قال الشافعي وقال مالك: يقوم الصيد لا المثل وحكى ابن أبي موسى رواية مثل ذلك وحكى رواية أخرى أنه ان شاء اشترى بالدراهم طعاما فتصدق به وان شاء تصدق بالدراهم وجه قول مالك أن التقويم إذا وجب لاجل الاتلاف قوم المتلف كالذي لا مثل له ولنا على مالك ان كل متلف وجب فيه المثل إذا قوم وجبت قيمة مثله كالمثلي من مال الآدمي وعلى أنه لا تجوز الصدقة بالدراهم ان الله سبحانه انما ذكر في الآية التخيير بين ثلاثة أشياء وهذا ليس منها.
والطعام المخرج هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الاذى من التمر والزبيب والبر والشعير قياسا عليه ويحتمل أن يجزئ كل ما يسمى طعاما لدخوله في اطلاق اللفظ (الفصل الرابع) أنه يطعم كل مسكين من البر مدا كما يدفع إليه في كفارة اليمين ومن سائر الاصناف نصف صاع نص عليه احمد رحمه الله تعالى في اطعام المساكين في الفدية والجزاء وكفارة اليمين ان اطعم برا فمد لكل مسكين ان اطعم تمرا فنصف صاع لكل مسكين، ولفظ شيخنا ههنا مطلق في انه يطعم لكل مسكين مدا ولم يفرق بين الاصناف وكذلك ذكره الخرقي مطلقا، والاولى أنه لا يجتزئ من غير البرباقل من نصف صاع لانه لم يرد الشرع في موضع باقل من ذلك في طعمة
المساكين وهذا لا توقيف فيه فيرد إلى نظرائه ولا يجزئ اخراج الطعام الا على مساكين الجرم
لانه قائم مقام الهدي الواجب لهم فيكون أيضا لهم كقيمة المثلي من مال الآدمي (الفصل الخامس) أنه يصوم عن كل مد يوما وهو قول عطاء ومالك والشافعي لانها كفارة دخلها الصيام والاطعام فكان اليوم في مقابلة المد ككفارة الظهار وعن احمد رحمه الله أنه يصوم عن كل نصف صاع يوما وهو قول ابن عباس والحسن والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر قال القاضي المسألة رواية واحدة واليوم عن مد بر أو نصف صاع من غيره وكلام احمد في الروايتين محمول على اختلاف الحالين لان صوم اليوم مقابل اطعام المسكين واطعام المسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، ولان الله تعالى جعل اليوم في كفارة الظهار في مقابلة اطعام المسكين فكذا ههنا وروى أبو ثور أن كفارة الصيد من الاطعام والصيام مثل كفارة الآدمى وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ولنا أنه جزاء عن متلف فاختلف باختلافه كبدل مال الآدمي، ولان الصحابة رضي الله عنهم حين قضوا في الصيد قضوا فيه مختلفا (فصل) فان بقي من الطعام مالا يعدل يوما كدون المد صام عنه يوما كاملا كذلك قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحدا خالفهم لان الصوم لا يتبعض فيجب تكميله ولا يجب التتابع في الصيام، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي فان الله سبحانه أمر به مطلقا فلا يتقيد بالتتابع من غير دليل ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعض نص عليه احمد، وبه قال الشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وجوزه محمد بن الحسن إذا عجز عن بعض الاطعام ولا يصح لانها كفارة واحدة فلم يجز فيها ذلك كسائر الكفارات (فصل) وان كان ممالا مثل له من الصيد يخير قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاما فيطعمه للمساكين وبين أن يصوم لتعذر المثل وهل يجوز اخراج القيمة؟ فيه احتمالان (احدهما) لا يجوز وهو ظاهر كلام احمد في رواية حنبل فانه قال إذا أصاب المحرم صيدا ولم يصب له عدل حكم عليه قوم طعاما
ان قدر على طعام والاصام لكل نصف صاع يوما هكذا يروى عن ابن عباس ولانه جزاء صيد فلم يجز اخراج القيمة فيه كالذي له مثل ولان الله تعال خير بين ثلاثة أشياء ليس منها القيمة فإذا عدم أحد الثلاثة يبقى التخيير بين الشيئين الباقيين فاما إيجاب شئ غير المنصوص عليه فلا (والثاني) يجوز اخراج القيمة لان عمر رضي الله عنه قال لكعب ما جعلت على نفسك؟ قال درهمين.
قال
اجعل ما جعلت على نفسك.
وقال عطاء في العصفور نصف درهم وظاهره اخراج الدرهم الواجبة، وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب وقد ذكرناه (فصل) قال رضي الله عنه (الضرب الثاني على الترتيب وهو ثلاثة أنواع (أحدها دم المتعة والقران فيجب الهدي فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج والافضل أن يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع إلى أهله وان صامها قبل ذلك أجزأه) لا نعلم خلافا في وجوب الدم على المتمتع والقارن وقد ذكرناه فيما مضى وذكرنا شروط وجوب الدم فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله لقوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) وتعتبر القدرة على الهدي في موضعه فمتى عدمه في موضعه جاز له الانتقال إلى الصيام وان كان قادرا عليه في بلده لان وجوبه موقت فاعتبرت له القدرة عليه في موضعه كالماء في الطهارة إذا عدمه في مكانه انتقل إلى التراب (فصل) ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان وقت استحباب ووقت جواز.
فاما الثلاثة فالافضل أن يكون آخرها يوم عرفة يروى ذلك عن عطاء وطاوس والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وأصحاب الرأي وروي عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أنه يصومهن مابين اهلاله بالحج ويوم عرفة وظاهر هذا أنه يجعل آخرها يوم التروية لان صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب.
وذكر القاضي في المجرد ذلك مذهب أحمد المنصوص عن احمد ما ذكرناه أولا وانما أوجبنا له صوم يوم عرفة ههنا لموضع الحاجة وعلى هذا القول يستحب له تقديم الاحرام
بالحج قبل يوم التروية ليصومها في الحج فان صام منها شيئا قبل إحرامه بالحج جاز نص عليه فاما وقت جواز صيامها فإذا أحرم بالعمرة.
وهذا قول أبي حنيفة، وعن احمد إذا حل من العمرة وقال مالك والشافعي لا يجوز الا بعد الاحرام بالحج ويروي ذلك عن ابن عمر وهو قول اسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى (فصيام ثلاثة أيام في الحج) ولانه صيام واجب فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه كسائر الصيام الواجب ولان ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدل فلم يجز فيه البدل كقبل الاحرام بالعمرة وقال الثوري والاوزاعي يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة ولنا ان احرم العمرة أحد احرامي التمتع فجاز الصوم بعده كاحرام الحج.
وأما قوله (فصيام ثلاثة
أيام في الحج) فقيل معناه في أشهر الحج فانه لا بد فيه من اضمار إذا كان الحج افعالا لا يصام فيها انما يصام في وقتها أو في أشهرها فهو كقوله سبحانه (الحج أشهر معلومات) وأما تقديمه على وقت الوجوب فيجوز إذا وجد السبب كتقديم التكفير على الحنث وزهوق النفس وأما كونه بدلا فلا يقدم على المبدل فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على الاحرام بالحج فكذلك الصوم (فصل) فاما تقديم الصوم على احرام العمرة فلا يجوز لا نعلم قائلا بجواز الا رواية عن احمد حكاها بعض الاصحاب وليس بشئ لانه تقديم الصوم على سببه ووجوبه ومخالف لقول أهل العلم واحمد رحمه الله ينزه عن هذا.
وأما السبعة فلها وقتان وقت اختيار ووقت جواز أما وقت الاختيار فإذا رجع إلى أهله لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه وأما وقت الجواز فإذا مضت أيام التشريق قال الاثرم سئل احمد هل يصوم بالطريق أو بمكة؟.
قال: كيف شاء، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وعن عطاء ومجاهد يصومها في الطريق وهو قول اسحاق وقال ابن المنذر يصومها إذا رجع إلى أهله للخبر ويروى ذلك عن ابن عمر وهو قول الشافعي وله قول كقولنا وكقول اسحاق ولنا أن كل صوم لزمه وجاز في وطنه جاز قبل ذلك كسائر الفروض وأما الآية فان الله سبحانه جوز له تأخير الصيام الواجب تخفيفا عنه فلا يمنع ذلك الاجزاء قبله كتأخير صوم رمضان في السفر والمرض
بقوله سبحانه (فعدة من أيام أخر) لان الصوم وجد من أهله بعد وجود سببه فأجزأ كصوم المسافر والمريض (مسألة) (فان لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى وعنه لا يصومها ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم) إذا لم يصم المتمتع الثلاثة الايام في الحج فانه يصومها بعد ذلك، وبهذا قال علي وعائشة وابن عمر وعروة بن الزبير وعبيد بن عمير والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس وطاوس ومجاهد إذا فاته الصوم في العشر لم يصم بعده واستقر الهدي في ذمته لان الله تعالى قال (فصيام ثلاثة أيام في الحج) ولانه بدل موقت فيسقط بخروج وقته كالجمعة ولنا أنه صوم واجب فلم يسقط بخروج وقته كصوم رمضان والآية تدل على وجوبه في الحج لا على سقوطه والقياس منتقض بصوم الظهار إذا قدم المسيس عليه والجمعة ليست بدلا انما هي الاصل وإنما سقطت لان الوقت جعل شرطا لها كالجماعة.
إذا ثبت هذا فانه يصوم أيام مني وهذا قول ابن عمر
وعائشة وعروة وعبيد بن عمير والزهري ومالك والاوزاعي واسحاق والشافعي في القديم لما روى ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن الا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري وهذا ينصرف إلى ترخيص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان الله تعالى أمر بصيام هذه الايام الثلاثة في الحج ولم يبق من الحج الا هذه الايام فيتعين الصوم فيها فإذا صام هذه الايام فحكمه حكم من صام قبل يوم النحر، وعن احمد رواية أخرى انه لا يصوم أيام مني روي ذلك عن علي والحسن وعطاء وهو قول ابن المنذر لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم ستة أيام ذكر منها أيام التشريق ولانها لا يجوز فيها صوم النفل فلا يصومها عن الفرض كيوم النحر فعلى هذه الرواية يصوم بعد ذلك عشرة أيام وكذلك الحكم إذا قلنا بصوم أيام منى فلم يصمها واختلفت الرواية عن احمد رحمه الله في وجوب الدم عليه فعنه عليه دم لانه أخر الواجب من مناسك الحج عن وقته فلزمه دم كرمي الجمار ولا فرق بين المؤخر لعذر أو لغيره لما ذكرنا وقال القاضي انما يجب الدم إذا أخره لغير عذر فليس عليه الا قضاؤه لان الدم الذي هو المبدل لو أخره لعذر لم يكن عليه دم لتأخيره فالبدل أولى وروي ذلك عن أحمد
(مسألة) وقال أبو الخطاب (ان أخر الصوم أو الهدي لعذر لم يلزمه الا قضاؤه وان أخر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر؟ على روايتين) قال وعندي أنه لا يلزمه من الصوم دم بحال ولا يجب التتابع في الصيام إذا أخر الهدي الواجب لعذر مثل ان ضاعت نفقته فليس عليه الا قضاؤه كسائر الهدايا الواجبة، وان أخره لغير عذر ففيه روايتان (احداهما) ليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا (والثانية) عليه هدي آخر لانه نسك موقت فلزمه الدم بتأخيره عن وقته كرمي الجمار قال احمد من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين كذلك قال ابن عباس رضي الله عنه وأما إذا أخر الصوم فقد ذكرنا أنه يجب على الدم إذا كان تأخيره لغير عذر اختاره القاضي وان كان لعذر ففيه روايتان، وعن أحمد رواية ثالثة انه لا يلزمه مع الصوم دم بحال وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب الشافعي لانه صوم واجب يجب القضاء بفواته فلم يجب بفواته دم كصوم رمضان (فصل) ولا يجب التتابع في صيام التمتع لا في الثلاثة ولا في السبعة ولا في التفريق نص عليه احمد رحمه الله لان الامر ورد بها مطلقا وذلك لا يقتضي حجا ولا تفريقا وهذا قول الثوري واسحاق وغيرهما وقال بعض الشافعية إذا أخر الثلاثة وصام السبعة فعليه التفريق لانه وجب من
حيث الفعل وما وجب التفريق فيه من حيث الفعل لا يسقط بفوات وقته كافعال الصلاة من الركوع والسجود ولنا أنه صوم واجب فعله في زمن يصح الصوم فيه فلم يجب تفريقه كسائر الصوم ولا نسلم وجوب التفريق في الاداء فانه إذا صام أيام منى واتبعها السبعة فما حصل التفريق وان سلمنا وجوب التفريق في الاداء فانما كان من حيث الوقت فإذا فات الوقت سقط كالتفريق بين الصلاتين (فصل) ووقت وجوب الصوم وقت وجوب الهدي لانه بدل عنه فأشبه سائر الابدال فان قيل فكيف جوزتم الانتقال إلى الصوم قبل زوال وجوب المبدل فلم يتحقق العجز عن المبدل لانه انما يتحقق العجز المجوز للانتقال إلى المبدل زمن الوجوب فكيف جوزتم الصوم قبل وجوبه؟ قلنا انما جوزنا له الانتقال إلى المبدل بناء على العجز الظاهر فان الظاهر من المعسر استمرار اعساره وعجزه كما
جوزنا التكفير قبل وجوب المبدل وأما تجويز الصوم قبل وجوبه فقد ذكرناه (مسألة) (ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه الا أن يشاء) هذا قول الحسن وقتادة ومالك والشافعي وقال ابن أبي نجيح وحماد والثوري إن أيسر قبل أن يكمل الثلاثة فعليه الهدي فان كمل الثلاثة صام السبعة وقيل متى قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه صام أو لم يصم وان وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصيام قدر على الهدي أو لم يقدر لانه قدر على المبدل في زمن وجوبه فلم يجزه البدل كما لو لم يصم ولنا أنه يصوم دخل فيه لعدم الهدي فإذا وجد الهدي لم يلزمه الخروج إليه كصوم السبعة وعلى هذا يخرج الاصل الذي قاسوا عليه فانه ما شرع في الصيام فأما ان اختار الانتقال إلى الهدي جاز لانه أكمل.
(مسألة) وان وجب ولم يشرع فهل يلزمه الانتقال؟ على روايتين (أحداهما) لا يلزمه الانتقال إليه قال في رواية المروذي إذا لم يصم في الحج فليصم إذا رجع ولا يرجع إلى الدم قد انتقل فرضه إلى الصيام وذلك لان الصيام استقر في ذمته لوجوبه حال وجود السبب المتصل بشرطه وهو عدم الهدي.
(والثانية) يلزمه الانتقال إليه قال يعقوب سألت أحمد عن المتمتع إذا لم يصم قبل يوم النحر قال عليه هديان يبعث بهما إلى مكة أوجب عليه الهدي الاصلي وهديا لتأخير الصوم عن وقته لانه قدر على المبدل قبل شروعه في البدل فلزمه الانتقال إليه كالتيمم إذا وجد الماء
(فصل) ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر منعه الصوم فلا شئ عليه وإن كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم عن صوم رمضان لانه صوم وجب باصل الشرع أشبه صوم رمضان (مسألة) (النوع الثاني المحصر يلزمه الهدي فان لم يجد صام عشرة أيام ثم حل) لا خلاف في وجوب الهدي على المحصر وقد دل عليه قوله تعالى (فان احصرتم فما استيسر من من الهدي) فان لم يجد الهدي صام عشرة أيام ثم حل قياسا على هدي المتمتع وليس له التحلل قبل ذلك وفيه اختلاف نذكره في باب الاحصار ان شاء الله تعالى
(مسألة) (النوع الثالث فدية الوطئ) تجب به بدنة فان لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع كدم المتعة لقضاء الصحابة رضي الله عنهم به، وقد ذكرناه في الباب الذي قبله قاله عبد الله ابن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله ابن عباس رواه عنهم الاثرم ولم يظهر لهم في الصحابة مخالف فيكون اجماعا فيكون بدله مقيسا على بدل دم المتعة، هذا هو الصحيح من المذهب لانا انما أوجبنا البدنة بقول الصحابة رضي الله عنهم فكذلك في بدلها، وقال القاضي يخرج بدنة فان لم يجد أخرج بقرة فان لم يجد فسبعا من الغنم فان لم يجد أخرج بقيمتها طعام فبأيها كفر أجزأه.
وجه قول القاضي يجب بالوطئ بدنة لما ذكرنا من قول الصحابة رضي الله عنهم فان لم يجد البدنة أخرج بقرة لانها تساويها في الهدي والاضاحي، وقد روى أبو الزبير رضي الله عنه قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة؟ قال وهل هي الا من البدن فان لم يجد اخرج سبعا من الغنم لانها تقوم مقام البدنة في الهدي والاضاحي ولما روى ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال إنى علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه وان لم يجد اخرج بقيمتها طعاما فان لم يجد صام عن كل مد يوما كقولنا في جزاء الصيد على إحدى الروايتين في أنه لا ينتقل إلى الاطعام مع وجود المثل ولا إلى الصيام مع القدرة على الاطعام قال شيخنا وظاهر كلام الخرقي أنه مخير في هذه الخمسة فبايها كفرأجزأه والخرقي انما صرح باجزاء سبع من الغنم مع وجود البدنة هكذا ذكر في كتابه ولعل ذلك نقله بعض الاصحاب عنه في غير كتابه المختصر ووجه قوله إنها كفارة تجب بفعل محظور فيخير فيها بين الدم والاطعام والصيام كفدية الاذى (مسألة) (ويجب بالوطئ في الفرج بدنة ان كان في الحج وشاة ان كان في العمرة) ذكرنا ذلك في باب محظورات الاحرام مفصلا فيم إذا كان الوطئ قبل التحلل الاول وبعده وذكرناه
الخلاف فيه بما يغني عن إعادته.
(مسألة) (ويجب على المرأة مثل ذلك إن كانت مطاوعة وإن كانت مكرهة فلا فدية عليها) وقيل عليها كفارة يتحملها الزوج عنها إذا جامع امرأته في الحج وهي مطاوعة فحكمها حكمه على
كل واحد منهما بدنة ان كان قبل التحلل الاول وممن أوجب عليها بدنة ابن عباس وسعيد بن المسيب ومالك والحكم وحماد ولان ابن عباس رضي الله عنه قال: أهد ناقة، ولانها حدى المتجامعين من غير اكراه فاشبهت الرجل وعنه أنه قال أرجو ان يجزيهما هدي واحد يروى ذلك عن عطاء وهو مذهب الشافعي لانه جماع واحد فلم يوجب أكثر من بدنة كحالة الاكراه، فاما المكرهة على الجماع فلا فدية عليها ولا على الواطئ أن يفدي عنها نص عليه احمد لانه جماع يوجب الكفارة فلم يوجب حال الاكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام، وهذا قول اسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وعن أحمد رواية أخرى ان عليه أن يهدي عنها وهو قول عطاء ومالك لان افساد الحج وجد منه في حقهما فكان عليه لافساد حجها هدي كافساد حجه وعنه ما يدل على أن الهدي عليها وهو قول أصحاب الرأي لان فساد الحج ثبت بالنسبة إليه فكان الهدي عليها كما لو طاوعته ويحتمل أنه أراد ان الهدي عليه يتحمله الزوج عنها فلا يكون رواية ثالثة.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثالث الدماء الواجبة للفوات أو لترك واجب أو للمباشرة في غير الفرج فما أوجب منها بدنة فحكمهما حكم البدنة الواجبة بالوطئ بالفرج وما عداه فقال القاضي ما وجب لترك واجب ملحق بدم المتعة وما وجب لمباشرة ملحق بفدية الاذى) إذا فاته الحج وجب عليه دم في أصلح الروايتين وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى وكذلك إذا ترك شيئا من واجبات الحج كالاحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة وسائر الواجبات المتفق على وجوبها والهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين منصوص عليه ومقيس على المنصوص عليه فالمنصوص عليه فدية الاذى وجزاء الصيد ودم الاحصار ودم المتعة والبدنة الواجبة بالوطئ في الفرج لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بها وما سوى ذلك مقيس عليه فالبدنة الواجبة بالمباشرة فيما دون الفرج مقيسة على الواجبة بالوطئ بالفرج لانه دم وجب بسبب المباشرة أشبه الواجب بالوطئ في الفرج وهكذا القران يقاس على هدي التمتع لانه وجب للترفه بترك أحد السفرين أشبه دم المتعة
ويقاس عليه أيضا دم الفوات فيجب عليه مثل دم المتعة وبدله مثل بدله وهو صيام عشرة أيام إلا
أنه لا يمكن أن يكون منها ثلاثة قبل يوم النحر لان الفوات إنما يكون بفوات ليلة النحر لانه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه فصار كالتارك لاحد السفرين، فان قيل فهلا ألحقتموه بهدي الاحصار فانه أشبه به إذ هو إحلال من إحرامه قبل اتمامه؟ قلنا أما الهدي فقد استويا فيه وأما البدل فان الاحصار ليس بمنصوص على البدل فيه وإنما ثبت قياسا وقياسه على الاصل المنصوص عليه أولى من قياسه على فرعه على أن الصيام ههنا مثل الصيام عن دم الاحصار في العدد إلا أن صيام الاحصار يجب قبل الحل وهذا يجوز قبل الحل وبعده وأما الخرقي فانه جعل الصوم عن دم الفوات كالصوم عن جزاء الصيد عن كل مديوما والمروى عن عمر وابنه رضي الله عنهما مثل ما ذكرنا ويقاس عليه أيضا كل دم وجب لترك واجب كترك الاحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس والمبيت بمزدلفة وطواف الوداع فالواجب فيه ما استيسر من الهدي فان لم يجد فصيام عشرة أيام لان المتمتع ترك الاحرام من الميقات بالحج وكان يقتضي أن يكون واجبا فوجب عليه الهدي لذلك فقسنا عليه ترك الواجب ويقاس على فدية الاذى ما وجب بفعل محظور يترفه به كتقليم الاظفار واللبس والطيب وكل استمتاع من النساء يوجب شاة كالوطئ في العمرة وبعد التحلل الاول في الحج والمباشرة من غير إنزال فانه في معنى فدية الاذى من الوجه الذي ذكرناه فيقاس عليه ويلحق به، وقد قال ابن عباس فيمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، رواه الاثرم (مسألة) (ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة وان لم ينزل فعليه شاة وعند بدنة) أما إذا أنزل بالمباشرة فان عليه بدنة لانه استمتاع أوجب الغسل فأوجب بدنة كالوطئ في الفرج وان لم ينزل فعليه شاة في الصحيح كذلك ذكره الخرقي وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لانها ملامسة لا تفسد الحج عريت عن الانزال فلم توجب بدنة كاللمس لغير شهوة وعنه يجب عليه بدنة.
وقال الحسن فيمن ضرب بيده على فرج جاريته عليه بدنة، وعن سعيد بن جبير إذا قال منها ما دون الجماع ذبح بقرة لانها مباشرة محظورة بالاحرام أشبهت ما اقترن به الانزال ولنا انها ملامسة من غير إنزال فأشبهت لمس غير الفرج ويجب به شاة لما روى الاثرم ان عمر
ابن عبد الله قبل عائشة بنت طلحة محرما فسأل فأجمع له على أن يهريق دما والظاهر انه لم يكن أنزل لانه
لم يذكر.
وسواء مذى أو لم يمذ قال سعيد بن جير ان قبل فمذي أو لم يمذ فعليه دم وسائر اللمس لشهوة كالقبلة فيما ذكرنا لانه استمتاع يلتذ به كالقبلة.
وقال أحمد رحمه الله فيمن قبض على فرج أمرأته وهو محرم فانه يهريق دما وبه قال عطاء لانه استمتاع محظور في الاحرام أشبه الوطئ فيما دون الفرج (مسألة) (وان كرر النظر فأنزل أو استمنى فعليه دم هل هو شاة أو بدنة؟ على روايتين وان مذى بذلك فعليه شاة) إذا كرر النظر فأنزل ففيه روايتان (إحداهما) عليه بدنة روي ذلك عن ابن عباس (والثانية) عليه شاة وهو قول سعيد بن جبير وروي أيضا عن ابن عباس وقال أبو ثور لا شئ عليه وحكي عن أبي حنيفة والشافعي لانه ليس بمباشرة أشبه الفكر ولنا انه إنزال بفعل محظور فأوجب الفدية كاللمس وقد روى الاثرم عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال له رجل فعل الله بهذه وفعل انها تطيبت لي فكلمتني وحدثتني حتى سبقتني الشهوة فقال ابن عباس تم حجك واهرق دما.
والاستمناء في معنى تكرار النظر فيقاس عليه فان كرر النظر فمذى فعليه شاة وكذلك ذكره أبو الخطاب لانه جزء من المني لكونه خارجا بسبب الشهوة ولانه حصل به التذاذ فهو كاللمس فان لم يقترن به مني ولا مذي فلا شئ عليه كرر النظر أو لم يكرره.
وقد روي عن أحمد فيمن جرد امرأته ولم يكن منه غير التجريد ان عليه شاة وهو محمول على انه لمس فان التجريد لا يخلو عن اللمس ظاهرا أو على انه أمنى أو أمذى أما مجرد النظر فلا شئ ففيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى نسائه وهو محرم وكذلك أصحابه (فصل) فان نظر ولم يكرر النظر فامنى فعليه شاة لانه فعل يحصل به اللذة أوجب الانزال أشبه اللمس وإلا فلا شئ عليه لانه لا يمكن التحرز عنه أشبه الفكر والاحتلام (مسألة) (فان فكر فانزل فلا شئ عليه وحكى أبو حفص البرمكي وابن عقيل ان حكمه حكم تكرار النظر إذا اقترن به الانزال في افساد الصوم)
فيحتمل أن يجب به ههنا دم قياسا عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " متفق عليه ولانه لانص فيه ولا اجماع ولا يصح قياسه على تكرار النظر لانه دونه في استدعاء الشهوة وافضائه إلى الانزال ويخالفه في التحريم إذا تعلق باجنبية أو الكراهة ان كان في زوجته فيبقى على الاصل
(فصل) والعمد والنسيان في الوطئ سواء نص عليه احمد وقد ذكرناه فاما القبلة واللمس وتكرار النظر فلم يذكر شيخنا حكم النسيان فيه في الحج لكن ذكره في مفسدات الصوم وفرق بين العمد والسهو فينبغي أن يكون ههنا مثله وكذلك ذكره الخرقي والفرق بينهما ان الوطئ لا يكاد يتطرق النسيان إليه بخلاف ما دونه ولان الجماع يفسد الصوم بمجرده دون غيره والجاهل في التحريم والمكره في حكم الناسي لانه معذور (فصل) قال رضي الله عنه (ومن كرر محظورا من جنس مثل ان حلق ثم حلق أو وطئ ثم وطئ قبل التكفير عن الاول فكفارة واحدة وان كفر عن الاول فعليه للثاني كفارة) إذا حلق ثم حلق فالواجب فدية واحدة ما لم يكفر عن الاول قبل فعل الثاني فان كفر عن الاول ثم حلق ثانيا فعليه بالثاني كفارة أيضا وكذلك الحكم فيما إذا وطئ ثم وطئ أو لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب وكذلك سائر محظورات الاحرام إذا كررها ما خلا قتل الصيد وسواء فعله متتابعا أو متفرقا فان فعلها مجتمعة كفعلها متفرقة في وجوب الفدية ما لم يكفر عن الاول قبل فعل الثاني وعنه ان لكل وطئ كفارة وان لم يكفر عن الاول لانه سبب للكفارة فاوجبها كالاول وعنه أنه ان كرره لاسباب مثل أن لبس للبرد ثم لبس للحر ثم لبس للمرض فكفارات وان كان لسبب واحد فكفارة واحدة وروى عنه الاثرم فيمن لبس قميصا وجبة وعمامة وغير ذلك لعلة واحدة فكفارة فان اعتل فلبس جبة ثم برأ ثم اعتل فلبس جبة فقال لا هذا عليه كفارتان وقال ابن أبي موسى في الارشاد إذا لبس وغطى رأسه متفرقا وجب عليه دمان وان كان في وقت واحد فعلى روايتين وعن الشافعي كقولنا وعنه لا يتداخل وقال مالك
تتداخل كفارة الوطئ دون غيره وقال أبو حنيفة ان كرره في مجلس واحد فكفارة واحدة وان كان في مجالس فكفارات وقال في تكرار الوطئ عليه للثاني شاة الا أن يفعله في مجلس واحد على وجه الرفض للاحرام ولنا انما يتداخل إذا كان متتابعا يتداخل وان تفرق كالحدود وكفارات الايمان ولان الله تعالى أوجب في حلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو في دفعات والقول بانه لا يتداخل لا يصح فانه إذا حلق لا يمكن الا شيئا بعد شئ ولنا على أنه لا يتداخل إذا كفر عن الاول انه سبب للكفارة فإذا كفر عن الاول وجب عليه للثاني كفارة كالايمان أو نقول سبب يوجب عقوبة فيكرر بتكرره بعد التطهير كالحدود (مسألة) (وان قتل صيدا بعد صيد فعليه جزاؤهما وعنه عليه جزاء واحد) إذا قتل صيدين فعليه جزاؤهما سواء قتلهما دفعة واحدة أو واحدة بعد واحدة، وعن أحمد أنه
يتداخل إذا كان متفرقا فيجب عليه جزاء واحد كالمحظورات غير قتل الصيد والصحيح الاول لان الله تعالى قال (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ومثل الصيدين لا يكون مثل أحدهما ولانه لو قتل صيدين دفعة واحدة وجب جزاؤهما فإذا تفرقا كان الوجوب أولى لان حالة التفريق لا تنقص عن حالة الاجتماع كسائر المحظورات (مسألة) (وان فعل محظورا من أجناس فعليه لكل واحد فداء وعنه عليه فدية واحدة) إذا فعل محظورا من أجناس كحلق ولبس وتطيب ووطئ فعليه لكل واحد فدية سواء فعله مجتمعا أو متفرقا، وهذا مذهب الشافعي.
وعن احمد أن في الطيب واللبس والحلق فدية واحدة إذا كانا في وقت واحد وان فعل ذلك واحدا بعد واحد فعليه لكل واحد دم وهو قول اسحاق وقال عطاء وعمر بن دينار إذا حلق ثم احتاج إلى الطيب أو إلى قلنسوة أو اليهما ففعل ذلك فليس عليه الا فدية واحدة وقال الحسن ان لبس القميص وتعمم وتطيب فعل ذلك جميعا فليس عليه الا فدية واحدة ولنا أنها محظورات مختلفة الاجناس فلم يتداخل جزاؤهما كالحدود المختلفة والايمان المختلفة وعكسه إذا كانت من جنس واحد
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: