هل تساءلت اين رست سفينة نوح عليه السلام
من منا لا يعرف قصة سيدنا نوح عليه السلام الذى حاول إنقاذ قومه الصالحين ببناء سفينة، خوفا عليهم من الطوفان الذى وعد الله به قومه الظالمين. هل فكر أحد أو قاده فضوله أن يعرف هل يوجد لها أثر
حتى يومنا هذا؟ وما إذا كان علم الآثار والتاريخ والجيولوجيا توصل لما تبقى منها عبر آلاف وملايين السنين مثلما اكتشف العلم
أثر حفريات الديناصورات؟ بالتأكيد يتوجه البعض إلى محرك البحث جوجل ويكتب بعض الكلمات التلقائية كـ"قصة سفينة سيدنا نوح"، وبذلك ستجد نفسك أمام كتب تفسير كثيرة لكبار العلماء، فضلا عن جولات كشفية قام بها بعض المغامرين الأجانب من الباحثين عن كل ما هو مثير ولكن يظل الأمر يحيطه بعض الغموض. تميز القرآن الكريم بدقة وصف الحدث بداية من صناعة السفينة ومن سيستقلها وأين سترسو عندما قال تعالى فى الأية التاسعة إلى الخامسة عشر من سورة القمر "كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ. فَدَعَا رَبّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ. فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السّمَآءِ بِمَاءٍ مّنْهَمِرٍ. وَفَجّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَآءُ عَلَىَ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْنَاهُ عَلَىَ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لّمَن كَانَ كُفِرَ. وَلَقَدْ تّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ" وقال ابن عاشور رحمه الله فى كتاب "التحرير والتنوير لتفسير القرآن الكريم" إن ضمير المؤنث فى كلمة "تركناها" عائد إلى "ذات ألواح ودسر" أى السفينة، أى أبقينا سفينة نوح محفوظة، لتكون آية تشهدها الأمم، والدسر فى القاموس هى "المسامير". كانت صناعة السفينة آية على عناية الله استنفذ فيها نوح وفريقه كل مهارات عصره ولكنه بالوحى فاق عصره فى التقنية, وقال تعالى: "فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التّنّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الّذِينَ ظَلَمُوَاْ إِنّهُمْ مّغْرَقُونَ" سورة المؤمنون الآية 27، وتنور الحطب هو موقد الخبز عند الشعوب القديمة, وما أشبه ثورة البركان بالتنور فى الثوران وفوران الأبخرة, أيكون فوران التنور تمثيل خاصة أن الحدث يخص الأرض، وقال سيد قطب رحمه الله "تلك هى العلامة ليسارع نوح فيحمل فى السفينة بذور الحياة، وأقصى ما نملك أن نقوله: التنور الموقد، (وفورانه بتفجر عيون ماء حار) قد يكون، بفوارة بركانية (من باب التشبيه والتمثيل. وقال ابن عباس إنه يرجح التمثيل التصريح فى التنزيل العزيز بتفجر الأرض عيونا لا تنور الحطب, قال تعالى: ﴿وَفَجّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَآءُ عَلَىَ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ القمر 12. والمعلوم حاليا أن الأبخرة الحارة وتكثفها فى الجو هى مصدر أساسى للأعاصير والمطر الغزير. وقال تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنّ رَبّى لَغَفُورٌ رّحِيمٌ﴾ هود 41, كانت السفينة إذن آية عظيمة، ليس فحسب فى صنعها وإنما أيضا فى جريها فى الموج بلا حاجة لأشرعة خاصة فى ذلك الجو العاصف, وأما لفظ (مُرسَاها) فقد جاء عاما ليعنى رسوها آمنة رغم جريها بمراسى تحفظ توازنها ورسوها سالمة عند وصولها بطرح مراسيها, وقد اعتاد القدماء استخدام مراسى حجرية تربط من أسفل السفينة بحبل لتستقر ويعرفوا العمق, وسفينة نوح من الضخامة بحيث تماثل حوالى نصف سفينة التيتانك الغارقة وليست بقليلة إلى جوار حاملة طائرات فلا بد أن مراسيها كبيرة. وقال تعالى: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـَذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ" سورة هود الآية 49، وهكذا لم تخبرنا روايات كتبة الأسفار قط عن نبأ حفظ السفينة آية للعالمين بينما أكده القرآن الكريم قال تعالى: ﴿فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لّلْعَالَمِينَ﴾ العنكبوت 15, وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ تّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ﴾ القمر 15. وجاء فى كتاب "النقد الكتابى: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها" للباحث حلمى القمص يعقوب المدرس بالكليات الإكليريكية ومعاهد الكتاب المقدس أن الطوفان حقيقة مُسلَّم بها، أكدتها الأبحاث التى تناولت فحص آثار هذا الطوفان فى الجبال والوديان، فقد اكتشف سير "لينور وولى" طبقة سميكة من الطمى فى أسفل وادى الفرات، وهذه الطبقة تخفى أسفلها آثار حضارة إنسانية كاملة، فعلَّل وجود هذه الطبقة بحدوث كارثة الطوفان، ويقول "ول ديورانت"، "وتناقل البابليون والعبرانيون قصة هذا الطوفان، وأصبحت بعدئذ جزءًا من العقيدة المسيحية، وبينما كان "وولى" يُنقّب فى خرائب أور عام 1929م إذ كشف فى عمق عظيم من سطح الأرض، عن طبقة من الغرين سمكها ثمانية أقدام، رُسّبت - إذا أخذنا بقوله - على أثر فيضان مروع لنهر الفرات ظل عالقًا بأذهان الأجيال التالية ومعروفًا لديهم باسم الطوفان، وقد وُجدت تحت هذه الطبقة بقايا حضارة قامت من قبل هذا الطوفان، وصفها الشعراء فيما بعد بأنها العصر الذهبى لتلك البلاد". وأكد فى كتابه أيضا حدث تغيُّر فى تركيب قشرة الأرض فى بعض المناطق، فمن المعروف أن الصخور الأقدم توجد تحت الصخور الأحدث، ولكن فى بعض الأماكن وجدت صخور عمرها مليون سنة، تعلوها صخور عمرها مائة مليون سنة، أى حدث إنكسار للقشرة الأرضية، وتزحلق جزء من القشرة المكسورة الأقدم واعتلى الجزء الآخر الأحدث، وهذا يُسمى علميًا Upheaval فظهرت طبقات الأرض وكأنها مقلوبة، وقد رصد علم الجيولوجيا كسران مثل هذا. وذكر يعقوب فى كتابه ما جاء فى جريدة الأخبار القاهرية فى 9/6/1945 م "كلنا نعرف قصة نوح وقصة السفينة، كان ذلك منذ نحو 5000 عام عندما خرجت حمامة السلام لتعود بغصن الزيتون إشارة إلى زوال الماء وعودة السلام وعفو الله، ومنذ أشهر كان الطيار الروسى "فلاديمير رسكوفتسكى" يحلق بطائرته حول قمة آرارات فى أرمينيا عندما صاح به مساعده: أنظر إلى أسفل، هل ترى هذا الشىء العجيب؟ ودار فيلاديمير بطائرته ليتبين هذا البناء الضخم الجاثم على الثلج بجوار بحيرة متجمدة، ولم يكن هذا البناء سوى سفينة نوح التاريخية. وعندما عاد إلى قاعدته وروى هذه القصة سخر منه جميع زملائه إلاَّ القائد، فقد ألَّف هيئة من الإخصائيين للكشف عن هذا السر. ونعود الآن إلى الماضى القريب عندما كانت روسيا تحت حكم القياصرة كان أحد الرحالين قد عثر على هذه السفينة فأرسل فى طلب بعض الأخصائيين لفحصها، وذهبت إليه بعثة إخصائية لتصوير السفينة وإليك ما جاء فى تقريرها: تحتوى السفينة على مئات من الحجرات علوية وسفلية بعضها كبير الحجم بدرجة تستدعى الانتباه، وبعضها مرتفع السقف، ويُرجح أن هذه الحجرات المرتفعة السقوف قد خصصت للجمال أو بعض الحيوانات الطويلة العنق، وتوجد حجرات أحيطت بقضبان من الحديد تختلف طولًا وعرضًا، وأقفاص لحفظ الحيوانات الضارية. وللسفينة باب واحد من الجانب، وطاقة فى أعلى السطح، وقد طُليت جدرانها بالقار. هذه هى المعلومات التى وصلت إلى موسكو، غير أن الثورة إضطرمت بعد ذلك، وحرق الشيوعيون جميع الكتب الدينية التى وقعت فى أيديهم، ومن بينها وثائق سفينة نوح، ثم نسى الناس كل شىء عن هذا الحادث الفذ. وبعد سنوات أرسل بعض الأتراك بعثة علمية فى هذه المنطقة لمعاينة السفينة، وقد قرر أحد رجال البعثة أن السفينة مصنوعة من خشب الجوز، وهو من فصيلة الخشب القبرصى العتيق وقد قيست أبعاد السفينة، فبلغ طول السفينة 300 ذراع وعرضها 50 ذراعًا وارتفاعها 300 ذراعًا، وهذه الأرقام قد وردت فى بعض الكتب الدينية، ولكن هناك بعض الأسئلة المحيرة وهى: أن خشب الجوز أو القبرص لم يظهر على سطح الأرض إلاَّ منذ ألف سنة فقط، ثم أن هذه المدة الطويلة كافية لأن تغمر السفينة بأكوام وأطنان من الثلج لا يمكن إزالتها إلاَّ بمجهود شاق طويل، فكيف ظهرت السفينة على وجه الأرض هكذا من غير مجهود؟ وقد أجاب بعض المؤرخين على هذه الأسئلة فقالوا إن نوع خشب بعض الأشجار الذى صُنعت منه السفينة قد انقرض ثم عاد للظهور منذ ألف عام، وقرَّروا أن الزلزال الذى حدث عام 1883م ودكت بعض قمم الجبال وخفضت بعض الأجزاء، هى التى أظهرت السفينة بحالتها الراهنة، فالسفينة إذًا لم تتعرض للجو الخارجى إلاَّ منذ نحو 60 عامًا، وظلت أكثر من 4500 عام وهى فى باطن الأرض يحيط بها الثلج غير متأثرة بالهواء، وهذا هو السبب فى حفظ كيانها، وقد أكد هذه الآراء أحد رجال الكهنوت فى فلسطين، وهكذا بعد خمسة آلاف عام تظهر السفينة". سفينة على جبل على ارتفاع حوالى 2000 متر من سطح البحر إلا أن يرفعها شىء وليس فى الأخبار والأسفار والقرآن سوى الطوفان, وقد أثار الخبر دهشة كبيرة، لأن قصة السفينة عند الملاحدة أسطورة, والأسفار القانونية المعتمدة فى كل الكنائس قالت "جبال أرارات" وقال القرآن بل "الجودى" تحديدًا وصدق, فى سفر التكوين: "وتعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض فتغطت جميع الجبال الشامخة التى تحت كل السماء", "واستقر الفلك فى الشهر السابع فى اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط" تكوبن 8: 4. فيما نشرت صحيفة الجمهورية اليمينية السبت 28 مارس 2009 أن المهندس عارف صالح التوى - الباحث فى علوم الإعجاز القرآنى كشف عن موقع سفينة نوح عليه السلام. وقال فى الحلقة النقاشية التى نظمها المركز اليمنى للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات": إن السفينة جاثمة تحت الرمال وسط اليمن قرب مدينة شبوة القديمة فى منطقة "عساكر" على حافة رملة السبعتين، مضيفاً: أنه توصل إلى تلك النتائج من خلال دراسة وبحث متواصل فى آيات القرآن الكريم واستخدام الإحداثيات بواسطة تقنية "جوجل إيرث". وقال: إنه استخدم الأرقام فى الآيات ثم إسقاطها على الإحداثيات للكرة الأرضية، حيث بينت تلك الإحداثيات مواقع الأمم السابقة مثل قوم فرعون وقوم ثمود وأيضاً قوم عاد، مؤكداً أن هذا الخط الذى يربط كل هذه الأمم قد كشفته آيات سورة العنكبوت وكذلك سورة القمر وهى التى تم بواسطتها الكشف عن موقع السفينة بالقرب من مدينة شبوة القديمة. واعتمد الباحث على سورة العنكبوت بشكل أساسى للكشف عن الموقع وذلك لأنه وجد أن خيوط بيوت العنكبوت تشبه إلى حد بعيد خطوط الطول والعرض للكرة الأرضية، واعتبر أن تفسير بيت العنكبوت فى القرآن يقصد به خطوط الطول والعرض، واستند الباحث فى معرفة الإحداثيات على رقم الآية ورقم السورة وعدد الكلمات فى الآية الواحدة وكذلك عدد الأحرف، إلى ذلك اعتبر الدكتور منيف أمين عون - أستاذ علوم الأرض فى جامعة صنعاء بأن فكرة البحث مقبولة مبدئياً خاصة عندما استخدم الباحث نفس آلية تحديد مواقع الأقوام القديمة والمذكورة فى القرآن الكريم غير أنه يجب التأكد بشكل علمى من موقع السفينة عن طريق علم الجيولوجيا وعلم الآثار وكذلك علم الأنثروبولوجيا، الجدير ذكره أن مركز "منارات" شكل فريق عمل للتواصل مع الجهات المختصة للتأكد من هذا البحث، خاصة أن هناك الكثير من الدلائل والقرائن التى تؤكد أن سفينة نوح عليه السلام تقع على رواسب وادى حضرموت بالقرب من مدينة شبوة القديمة. وقال الدكتور محمود مرسى أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة إن القرآن الكريم حدد الأمر فى أن السفينة رست على جبل الجودى، ولكن فيما يتعلق بالأزمان التى مرت على وقوع حادثة الطوفان تحديدها الذى جاء فى الإسرائيليات، فنحن علماء الآثار، نعتبره تحديدا غير دقيق، مشيرا إلى أن كل ما جاء فيما يتعلق بالسفينة وأثارها كله من واقع اجتهادات شخصية، مؤكدا أنه لا يوجد أى باحث أثرى مصرى حاول البحث فى هذا الأمر، قائلا "أن جدواها ليست بالقوية لأن الأمر لو ثبت وجودها سيحسب لعلم الحفريات وليست للآثار، فضلا عن البحث فى هذا الموضوع يتطلب تقنيات عالية لمحاولة اكتشاف أى أثر للسفينة وإن وجد الأثر صعب إثبات أن كان لسفينة نوح أم لغيرها لمرور ملايين السنوات وتعاقب الأزمان، فضلا عن التغير الذى يحدث فى الطبيعة والقشرة الأرضية.
حتى يومنا هذا؟ وما إذا كان علم الآثار والتاريخ والجيولوجيا توصل لما تبقى منها عبر آلاف وملايين السنين مثلما اكتشف العلم
أثر حفريات الديناصورات؟ بالتأكيد يتوجه البعض إلى محرك البحث جوجل ويكتب بعض الكلمات التلقائية كـ"قصة سفينة سيدنا نوح"، وبذلك ستجد نفسك أمام كتب تفسير كثيرة لكبار العلماء، فضلا عن جولات كشفية قام بها بعض المغامرين الأجانب من الباحثين عن كل ما هو مثير ولكن يظل الأمر يحيطه بعض الغموض. تميز القرآن الكريم بدقة وصف الحدث بداية من صناعة السفينة ومن سيستقلها وأين سترسو عندما قال تعالى فى الأية التاسعة إلى الخامسة عشر من سورة القمر "كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ. فَدَعَا رَبّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ. فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السّمَآءِ بِمَاءٍ مّنْهَمِرٍ. وَفَجّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَآءُ عَلَىَ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْنَاهُ عَلَىَ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لّمَن كَانَ كُفِرَ. وَلَقَدْ تّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ" وقال ابن عاشور رحمه الله فى كتاب "التحرير والتنوير لتفسير القرآن الكريم" إن ضمير المؤنث فى كلمة "تركناها" عائد إلى "ذات ألواح ودسر" أى السفينة، أى أبقينا سفينة نوح محفوظة، لتكون آية تشهدها الأمم، والدسر فى القاموس هى "المسامير". كانت صناعة السفينة آية على عناية الله استنفذ فيها نوح وفريقه كل مهارات عصره ولكنه بالوحى فاق عصره فى التقنية, وقال تعالى: "فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التّنّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الّذِينَ ظَلَمُوَاْ إِنّهُمْ مّغْرَقُونَ" سورة المؤمنون الآية 27، وتنور الحطب هو موقد الخبز عند الشعوب القديمة, وما أشبه ثورة البركان بالتنور فى الثوران وفوران الأبخرة, أيكون فوران التنور تمثيل خاصة أن الحدث يخص الأرض، وقال سيد قطب رحمه الله "تلك هى العلامة ليسارع نوح فيحمل فى السفينة بذور الحياة، وأقصى ما نملك أن نقوله: التنور الموقد، (وفورانه بتفجر عيون ماء حار) قد يكون، بفوارة بركانية (من باب التشبيه والتمثيل. وقال ابن عباس إنه يرجح التمثيل التصريح فى التنزيل العزيز بتفجر الأرض عيونا لا تنور الحطب, قال تعالى: ﴿وَفَجّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَآءُ عَلَىَ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ القمر 12. والمعلوم حاليا أن الأبخرة الحارة وتكثفها فى الجو هى مصدر أساسى للأعاصير والمطر الغزير. وقال تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنّ رَبّى لَغَفُورٌ رّحِيمٌ﴾ هود 41, كانت السفينة إذن آية عظيمة، ليس فحسب فى صنعها وإنما أيضا فى جريها فى الموج بلا حاجة لأشرعة خاصة فى ذلك الجو العاصف, وأما لفظ (مُرسَاها) فقد جاء عاما ليعنى رسوها آمنة رغم جريها بمراسى تحفظ توازنها ورسوها سالمة عند وصولها بطرح مراسيها, وقد اعتاد القدماء استخدام مراسى حجرية تربط من أسفل السفينة بحبل لتستقر ويعرفوا العمق, وسفينة نوح من الضخامة بحيث تماثل حوالى نصف سفينة التيتانك الغارقة وليست بقليلة إلى جوار حاملة طائرات فلا بد أن مراسيها كبيرة. وقال تعالى: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـَذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ" سورة هود الآية 49، وهكذا لم تخبرنا روايات كتبة الأسفار قط عن نبأ حفظ السفينة آية للعالمين بينما أكده القرآن الكريم قال تعالى: ﴿فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لّلْعَالَمِينَ﴾ العنكبوت 15, وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ تّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ﴾ القمر 15. وجاء فى كتاب "النقد الكتابى: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها" للباحث حلمى القمص يعقوب المدرس بالكليات الإكليريكية ومعاهد الكتاب المقدس أن الطوفان حقيقة مُسلَّم بها، أكدتها الأبحاث التى تناولت فحص آثار هذا الطوفان فى الجبال والوديان، فقد اكتشف سير "لينور وولى" طبقة سميكة من الطمى فى أسفل وادى الفرات، وهذه الطبقة تخفى أسفلها آثار حضارة إنسانية كاملة، فعلَّل وجود هذه الطبقة بحدوث كارثة الطوفان، ويقول "ول ديورانت"، "وتناقل البابليون والعبرانيون قصة هذا الطوفان، وأصبحت بعدئذ جزءًا من العقيدة المسيحية، وبينما كان "وولى" يُنقّب فى خرائب أور عام 1929م إذ كشف فى عمق عظيم من سطح الأرض، عن طبقة من الغرين سمكها ثمانية أقدام، رُسّبت - إذا أخذنا بقوله - على أثر فيضان مروع لنهر الفرات ظل عالقًا بأذهان الأجيال التالية ومعروفًا لديهم باسم الطوفان، وقد وُجدت تحت هذه الطبقة بقايا حضارة قامت من قبل هذا الطوفان، وصفها الشعراء فيما بعد بأنها العصر الذهبى لتلك البلاد". وأكد فى كتابه أيضا حدث تغيُّر فى تركيب قشرة الأرض فى بعض المناطق، فمن المعروف أن الصخور الأقدم توجد تحت الصخور الأحدث، ولكن فى بعض الأماكن وجدت صخور عمرها مليون سنة، تعلوها صخور عمرها مائة مليون سنة، أى حدث إنكسار للقشرة الأرضية، وتزحلق جزء من القشرة المكسورة الأقدم واعتلى الجزء الآخر الأحدث، وهذا يُسمى علميًا Upheaval فظهرت طبقات الأرض وكأنها مقلوبة، وقد رصد علم الجيولوجيا كسران مثل هذا. وذكر يعقوب فى كتابه ما جاء فى جريدة الأخبار القاهرية فى 9/6/1945 م "كلنا نعرف قصة نوح وقصة السفينة، كان ذلك منذ نحو 5000 عام عندما خرجت حمامة السلام لتعود بغصن الزيتون إشارة إلى زوال الماء وعودة السلام وعفو الله، ومنذ أشهر كان الطيار الروسى "فلاديمير رسكوفتسكى" يحلق بطائرته حول قمة آرارات فى أرمينيا عندما صاح به مساعده: أنظر إلى أسفل، هل ترى هذا الشىء العجيب؟ ودار فيلاديمير بطائرته ليتبين هذا البناء الضخم الجاثم على الثلج بجوار بحيرة متجمدة، ولم يكن هذا البناء سوى سفينة نوح التاريخية. وعندما عاد إلى قاعدته وروى هذه القصة سخر منه جميع زملائه إلاَّ القائد، فقد ألَّف هيئة من الإخصائيين للكشف عن هذا السر. ونعود الآن إلى الماضى القريب عندما كانت روسيا تحت حكم القياصرة كان أحد الرحالين قد عثر على هذه السفينة فأرسل فى طلب بعض الأخصائيين لفحصها، وذهبت إليه بعثة إخصائية لتصوير السفينة وإليك ما جاء فى تقريرها: تحتوى السفينة على مئات من الحجرات علوية وسفلية بعضها كبير الحجم بدرجة تستدعى الانتباه، وبعضها مرتفع السقف، ويُرجح أن هذه الحجرات المرتفعة السقوف قد خصصت للجمال أو بعض الحيوانات الطويلة العنق، وتوجد حجرات أحيطت بقضبان من الحديد تختلف طولًا وعرضًا، وأقفاص لحفظ الحيوانات الضارية. وللسفينة باب واحد من الجانب، وطاقة فى أعلى السطح، وقد طُليت جدرانها بالقار. هذه هى المعلومات التى وصلت إلى موسكو، غير أن الثورة إضطرمت بعد ذلك، وحرق الشيوعيون جميع الكتب الدينية التى وقعت فى أيديهم، ومن بينها وثائق سفينة نوح، ثم نسى الناس كل شىء عن هذا الحادث الفذ. وبعد سنوات أرسل بعض الأتراك بعثة علمية فى هذه المنطقة لمعاينة السفينة، وقد قرر أحد رجال البعثة أن السفينة مصنوعة من خشب الجوز، وهو من فصيلة الخشب القبرصى العتيق وقد قيست أبعاد السفينة، فبلغ طول السفينة 300 ذراع وعرضها 50 ذراعًا وارتفاعها 300 ذراعًا، وهذه الأرقام قد وردت فى بعض الكتب الدينية، ولكن هناك بعض الأسئلة المحيرة وهى: أن خشب الجوز أو القبرص لم يظهر على سطح الأرض إلاَّ منذ ألف سنة فقط، ثم أن هذه المدة الطويلة كافية لأن تغمر السفينة بأكوام وأطنان من الثلج لا يمكن إزالتها إلاَّ بمجهود شاق طويل، فكيف ظهرت السفينة على وجه الأرض هكذا من غير مجهود؟ وقد أجاب بعض المؤرخين على هذه الأسئلة فقالوا إن نوع خشب بعض الأشجار الذى صُنعت منه السفينة قد انقرض ثم عاد للظهور منذ ألف عام، وقرَّروا أن الزلزال الذى حدث عام 1883م ودكت بعض قمم الجبال وخفضت بعض الأجزاء، هى التى أظهرت السفينة بحالتها الراهنة، فالسفينة إذًا لم تتعرض للجو الخارجى إلاَّ منذ نحو 60 عامًا، وظلت أكثر من 4500 عام وهى فى باطن الأرض يحيط بها الثلج غير متأثرة بالهواء، وهذا هو السبب فى حفظ كيانها، وقد أكد هذه الآراء أحد رجال الكهنوت فى فلسطين، وهكذا بعد خمسة آلاف عام تظهر السفينة". سفينة على جبل على ارتفاع حوالى 2000 متر من سطح البحر إلا أن يرفعها شىء وليس فى الأخبار والأسفار والقرآن سوى الطوفان, وقد أثار الخبر دهشة كبيرة، لأن قصة السفينة عند الملاحدة أسطورة, والأسفار القانونية المعتمدة فى كل الكنائس قالت "جبال أرارات" وقال القرآن بل "الجودى" تحديدًا وصدق, فى سفر التكوين: "وتعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض فتغطت جميع الجبال الشامخة التى تحت كل السماء", "واستقر الفلك فى الشهر السابع فى اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط" تكوبن 8: 4. فيما نشرت صحيفة الجمهورية اليمينية السبت 28 مارس 2009 أن المهندس عارف صالح التوى - الباحث فى علوم الإعجاز القرآنى كشف عن موقع سفينة نوح عليه السلام. وقال فى الحلقة النقاشية التى نظمها المركز اليمنى للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات": إن السفينة جاثمة تحت الرمال وسط اليمن قرب مدينة شبوة القديمة فى منطقة "عساكر" على حافة رملة السبعتين، مضيفاً: أنه توصل إلى تلك النتائج من خلال دراسة وبحث متواصل فى آيات القرآن الكريم واستخدام الإحداثيات بواسطة تقنية "جوجل إيرث". وقال: إنه استخدم الأرقام فى الآيات ثم إسقاطها على الإحداثيات للكرة الأرضية، حيث بينت تلك الإحداثيات مواقع الأمم السابقة مثل قوم فرعون وقوم ثمود وأيضاً قوم عاد، مؤكداً أن هذا الخط الذى يربط كل هذه الأمم قد كشفته آيات سورة العنكبوت وكذلك سورة القمر وهى التى تم بواسطتها الكشف عن موقع السفينة بالقرب من مدينة شبوة القديمة. واعتمد الباحث على سورة العنكبوت بشكل أساسى للكشف عن الموقع وذلك لأنه وجد أن خيوط بيوت العنكبوت تشبه إلى حد بعيد خطوط الطول والعرض للكرة الأرضية، واعتبر أن تفسير بيت العنكبوت فى القرآن يقصد به خطوط الطول والعرض، واستند الباحث فى معرفة الإحداثيات على رقم الآية ورقم السورة وعدد الكلمات فى الآية الواحدة وكذلك عدد الأحرف، إلى ذلك اعتبر الدكتور منيف أمين عون - أستاذ علوم الأرض فى جامعة صنعاء بأن فكرة البحث مقبولة مبدئياً خاصة عندما استخدم الباحث نفس آلية تحديد مواقع الأقوام القديمة والمذكورة فى القرآن الكريم غير أنه يجب التأكد بشكل علمى من موقع السفينة عن طريق علم الجيولوجيا وعلم الآثار وكذلك علم الأنثروبولوجيا، الجدير ذكره أن مركز "منارات" شكل فريق عمل للتواصل مع الجهات المختصة للتأكد من هذا البحث، خاصة أن هناك الكثير من الدلائل والقرائن التى تؤكد أن سفينة نوح عليه السلام تقع على رواسب وادى حضرموت بالقرب من مدينة شبوة القديمة. وقال الدكتور محمود مرسى أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة إن القرآن الكريم حدد الأمر فى أن السفينة رست على جبل الجودى، ولكن فيما يتعلق بالأزمان التى مرت على وقوع حادثة الطوفان تحديدها الذى جاء فى الإسرائيليات، فنحن علماء الآثار، نعتبره تحديدا غير دقيق، مشيرا إلى أن كل ما جاء فيما يتعلق بالسفينة وأثارها كله من واقع اجتهادات شخصية، مؤكدا أنه لا يوجد أى باحث أثرى مصرى حاول البحث فى هذا الأمر، قائلا "أن جدواها ليست بالقوية لأن الأمر لو ثبت وجودها سيحسب لعلم الحفريات وليست للآثار، فضلا عن البحث فى هذا الموضوع يتطلب تقنيات عالية لمحاولة اكتشاف أى أثر للسفينة وإن وجد الأثر صعب إثبات أن كان لسفينة نوح أم لغيرها لمرور ملايين السنوات وتعاقب الأزمان، فضلا عن التغير الذى يحدث فى الطبيعة والقشرة الأرضية.
الكلمات المفتاحية :
عجائب الله في الارض
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: