عتبة الغلام
عتبة الغلام |
وإنما سمي بالغلام لجده و اجتهاده لصغر سنه . و كان يفتل الشريط .
سوار أبو عبيدة قال : بكى عتبة الغلام في
مجلس عبد الواحد بن زيد تسع سنين لا يفتر بكاء من حين يبتدئ عبد الواحد في الموعظة إلى أن يقوم لا يكاد يسكت عتبة . فقيل لعبد الواحد إنا لا نفهم كلامك من بكاء عتبة . قال : فأصنع ماذا ؟ يبكي عتبة على نفسه و أنهاه أنا ، لبئس واعظ قوم أنا .
سليم الحنيف قال : رمقت عتبة ذات ليلة بساحل البحر فما زاد ليلته تلك حتى أصبح على هذه الكلمات و هو قائم يقول : إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب ، فلم يزل يرددها و يبكي حتى طلع الفجر .
أبو توبة قال : كان عتبة الغلام يأكل خبزاً و ملحاً و يقول : العرس في الدار الأخر ى .
عبد الله بن الفرج العابد قال : كان عتبة يعجن دقيقه و يجففه في الشمس ثم يأكله و يقول : كسرة و ملح حتى نهنأ في الدار الأخرى الشواء و الطعام الطيب .
سلمة الفراء قال : كان عتبة الغلام من نساك أهل البصرة و كان من أصحاب الفلق . و كان قد قرت لنفسه ستين فلقة يتعشى كل ليلة بفلقة و يتسحر بأخرى ، و كان يصوم الدهر و بأتي السواحل و الجبابين .
عن مخلد بن الحسين قال : كان عتبة يجالسنا فقال لنا يوماً : إنه لا يعجبني رجل لا يكون في يده حرفة . فقلنا : ما نراك تحترف . فقال : بلى = رأس = مالي طسوج أشتري به خوصاً أعمله و أبيعه بثلاثة طساسيج فطسوج رأس مالي و قيراط خبزي .
أبو عمر الضرير قال : سمعت رياحاً القيسي يقول : قال لي عتبة : يا رياح إن كنت كلما دعتني نفسي إلى الكلام تكلمت فبئس الناظر لها أنا . يا رياح إن لي موقفاً تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول .
مسلمة بن عرفجة العنبري قال : سمعت عنبسة الخواص يقول : كان عتبة الغلام يزورني فربما بات عندي . قال ذات ليلة فبكى من السحر بكاءاً شديداً فلما أصبح قلت له : قد فزعت قلبي الليلة ببكائك . فمم ذاك يا أخي ؟ قال : يا عنبسة إني و الله ذكرت يوم العرض على الله . ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما . قال : ثم أزبد و جعل يخور فناديته : عتبة عتبة ! فأجابني بصوت خفي : قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين .
قال : ثم جعل يحشرج بالبكاء و يردد حشرجة الموت و يقول : تراك مولاي تعذب محبيك و أنت الحي الكريم ؟ قال : فلم يزل يرددها حق و الله أبكاني .
داود بن المحبر قال : سمعت عبد الواحد بن زيد يقول : ربما سهرت مفكراً في طول حزن عتبة ، و قد كلمته ليرفق بنفسه فبكى و قال : إنما أبكي على تقصيري .
الخليل بن عمرو البكري قال : سمعت مهدي بن ميمون يقول : خرجت في بعض الليالي إلى الجبان فإذا عتبة الغلام ، فقال لي جئت ؟ قد دعوت الله أن يجيء بك . قلت : أطعمنا رطباً . قال : فدعا فإذا دوخلة رطب بين أيدينا فأكلنا منه .
زيدان قال : قال عتبة الغلام : كابدت الصلاة عشرين سنة و تنعمت بها عشرين سنة .
عبد الله بن مبشر قال : دعا عتبة الغلام ربه أن يهب له ثلاث خصال في دار الدنيا : دعا الله أن يمن عليه بصوت حزين ، و دمع غزير ، و غذاء من غير تكلف .
قال : فكان إذا قرأ بكى و أبكى ، و كانت دموعه جاربةً دهره ، كان يأوي إلى منزله فيصيب قوته لا يدري من أين يأتيه .
الحسن بن دعامة قال : رأيت عتبة الغلام إذا استحسن الطير دعاه فيجيء حتى يسقط على فخذه فيمسه ثم يسيبه فيطير .
عن عبد الواحد بن زيد قال : انطلقت أنا و عتبة الغلام في حاجة حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبة يعرق عرقاً شديداً حتى رشح و ذلك في يوم شات شديد البرد فقلت : عتبة ترشح عرقاً في مثل هذا اليوم الشديد البرد ؟ فسكت ولم يخبرني فقلت : بالذي بيني و بينك ، ولم أزل به ، فقال : ذكرت ذنباً أذنبته في هذا الموضع .
إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال : سألت يوسف بن عطية فقلت له : ما كان لباس عتبة ؟ قال : كان بلبس كساءين يأتزر بواحد و يرتدي بآخر ، إذا رأيته قلت بعض الأكرة .
قال إبراهيم : كان عتبة عربياً شريفاً من عوذ .
قال إبراهيم : و حدثني مضر قال : قال رجل لعبد الواحد بن زيد ، تعلم أحداً يمشي في الطريق مشتغلا بنفسه ؟ قال : ما أعرف إلا رجلاً واحداً الساعة يدخل عليكم . فدخل عتبة . قال : و طريقه على السوق فقال له : يا عتبة من تلقاك في الطريق ؟ قال : ما رأيت أحداً .
قال عبد الواحد : وكان عتبة يسجد السجدة الطويلة على الحصا يوم الجمعة فما أراه يعقل بحره .
أحمد بن زهير المروزي قال : ركب عتبة في زورق مع قوم فأراد الملاح أن يعدل ببعضهم السفينة فلم يجد أحداً منهم أحقر في عينيه من عتبة . فضرب جنبه فقال : استو فقال عتبه : الحمد لله الذي لم ير فيهم أحقر في عينه مني .
أبو عبد الله الشحام قال : كان عتبة يبيت عندي . فقلت له : ما كانت عبادته ؟ قال : كان يستقبل القبلة فلا يزال في فكر و بكاء حتى يصبح ، و ربما جاءني مساء فيقول : أخرج إلي شربةً من ماء و تمرات أفطر عليها فيكون لك مثل أجري .
عبد الخالق العبدي قال : كان لعتبة بيت يتعبد فيه فلما خرج إلى الشام أقفله و قال : لا تفتحوه إلى أن يبلغكم موتي ، فلما بلغهم قتله فتحوه فأصابوا فيه قبراً محفوراً وغلاً حديداً .
اشتغل عتبة بالعبادة عن الرواية و قتل شهيداً في بعض الغزوات .
قدامة بن أيوب ، و كان من أصحاب عتبة ، قال : رأيت عتبة الغلام في المنام فقلت : ما صنع الله بك ؟ قال : يا قدامة دخلت الجنة بتلك الدعوات المكتوبة في بيتك ، فلما أصبحت أتيت إلى بيتي فإذا خط عتبة في الحائط مكتوب : يا هادي المضلين و راحم المذنبين و مقيل عثرات العاثرين ، ارحم عبدك ذا الخطر العظيم و المسلمين كلهم أجمعين ، و اجعلنا مع الأحياء المرزوقين ، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين آمين رب العالمين .
الكلمات المفتاحية :
اعلام الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: