الإمام أبو حامد الغزالي
الإمام أبو حامد الغزالي
هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي الطوسي النيسابوري، يُكنّى بأبي حامد لولد له مات صغيراً، ويُعرَف بـ "الغزّالي" نسبة إلى صناعة الغزل، حيث كان أبوه يعمل في تلك الصناعة، ويُنسب أيضاً إلى "الغَزَالي" نسبة إلى بلدة غزالة من قرى طوس وقد اختلف الباحثون في أصل الغزالي أعربي أم فارسي، فهناك من ذهب على أنه من سلالة العرب الذين دخلوا بلاد فارس منذ بداية الفتح الإسلامي، ومن الباحثين من ذهب إلى أنه من أصل فارسي.
ولد أبو حامد الغزّالي عام 450 هـ الموافق 1058، في "الطابران" من قصبة طوس، وهي أحد قسمي طوس، وقيل بأنّه وُلد عام 451 هـ الموافق 1059. وقد كانت أسرته فقيرة الحال، إذ كان أباه يعمل في غزل الصوف وبيعه في طوس، ولم يكن له أبناء غيرَ أبي حامد، وأخيه أحمد والذي كان يصغره سنّاً. كان أبوه مائلاً للصوفية، رجلاً صالحاً لا يأكل إلا من كسب يده، وكان يحضر مجالس الفقهاء ويجالسهم، ويقوم على خدمتهم، وينفق بما أمكنه إنفاقه، وكان كثيراً يدعو الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيهاً، فكان ابنه أبو حامد أفقه علماء زمانه، وكان ابنه أحمد واعظاً مؤثراً في الناس ولما قربت وفاة أبيهما، وصّى بهما إلى صديق له متصوّف، وقال له: «إِن لي لتأسفاً عظيماً على تعلم الخط وأشتهي استدارك ما فاتني في وَلَديّ هذَيْن فعلّمهما ولا عليك أن تنفذ في ذلك جميع ما أخلّفه لهما»، فلما مات أقبل الصوفيّ على تعليمهما حتى نفد ما خلّفهما لهما أبوهما من الأموال، ولم يستطع الصوفيّ الإنفاق عليهما، عند ذلك قال لهما: «اعلما أنّي قد أنفقت عليكما ما كان لكما وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به وأصلح ما أرى لَكمَا أن تلجآ إِلَى مدرسة كأنكما من طلبة الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما على وقتكما"، ففعلا ذلك وكان هو السبب في علو درجتهما، وكان الغزاليّ يَحكي هذا ويقُول: «طلبنا الْعلم لغير الله فأبى أن يكون إِلّا لله».
تعليمه
ابتدأ طلبه للعلم في صباه عام 465 هـ، فأخذ الفقه في طوس على يد الشيخ أحمد الراذكاني، ثم رحل إلى جرجان وطلب العلم على يد الشيخ الإسماعيلي (وهو أبو النصر الإسماعيلي بحسب تاج الدين السبكي، بينما يرى الباحث فريد جبر أنه إسماعيل بن سعدة الإسماعيلي وليس أبا النصر لأنه توفي سنة 428 هـ قبل ولادة الغزالي)، وقد علّق عليه التعليقة (أي دوّن علومه دون حفظ وتسميع)، وفي طريق عودته من جرجان إلى طوس، واجهه قطّاع طرق، حيث يروي الغزالي قائلاً: «قطعت علينا الطرِيق وأخذ العيّارون جميع ما معي ومضوا فتبعتهم فالتفت إليّ مقدّمهم وقال: ارجع ويحك وإِلا هلكت، فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط فما هي بشيء تنتفعون به، فقال لي: وما هي تعليقتك: فقلت: كتبت في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها، فضحك وقال: كيف تدّعي أنّك عرفت علمها وقد أخذناها منك فتجردت من معرفتها وبقيت بلا علم؟ ثم أمر بعض أصحابه فسلّم إِليّ المخلاة» بعد ذلك قرّر الغزالي الاشتغال بهذه التعليقة، وعكف عليه 3 سنوات من 470 هـ إلى 473 هـ حتى حفظها.
وفي عام 473 هـ رحل الغزّالي إلى نيسابور ولازم إِمام الحرمين أبو المعالي الجويني (إمام الشافعية في وقته، ورئيس المدرسة النظامية)، فدرس عليه مختلف العلوم، من فقه الشافعية، وفقه الخلاف، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة، وجدّ واجتهد حتى برع وأحكم كل تلك العلوم، ووصفه شيخه أبو المعالي الجويني بأنه: «بحر مغدِق» وكان الجويني يُظهر اعتزازه بالغزالي، حتى جعله مساعداً له في التدريس، وعندما ألف الغزالي كتابه "المنخول في علم الأصول" قال له الجويني: «دفنتني وأنا حيّ، هلّا صبرتَ حتى أموت؟».
عندما تُوفي أبو المعالي الجويني سنة 478 هـ الموافق 1085، خرج الغزالي إلى "العسكر" أي "عسكر نيسابور"، قاصداً للوزير نظام الملك (وزير الدولة السلجوقية)، وكان له مجلس يجمع العلماء، فناظر الغزالي كبار العلماء في مجلسه وغلبهم، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقوه بالتعظيم والتبجيل ان الوزير نظام الملك زميلاً للغزالي في دراسته، وكان له الأثر الكبير في نشر المذهب الشافعي الفقهي، والعقيدة الأشعرية السنّي، وذلك عن طريق تأسيس المدارس النظامية المشهورة، والتي قبل الغزالي عرض نظام الملك بالتدريس في المدرسة النظامية في بغداد، وكان ذلك في جمادى الأولى عام 484 هـ الموافق 1091، ولم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره.
الغزالي في بغداد
وصل الغزالي إلى بغداد في جمادى الأولى سنة 484 هـ، في أيام الخليفة المقتدي بأمر الله العباسي، ودرّس بالمدرسة النظامية حتى أُعجب به الناس لحسن كلامه وفصاحة لسانه وكمال أخلاقه، وأقام على التدريس وتدريس العلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مدّة أربعة سنوات، حتى اتسعت شهرته وصار يُشدّ له الرّحال، ولُقّب يومئذٍ بـ "الإمام" لمكانته العالية أثناء التدريس بالنظامية في بغداد، ولقّبه نظام الملك بـ "زين الدين" و"شرف الأئمة" وكان يدرّس أكثر من 300 من الطلاب في الفقه وعلم الكلام وأصول الفقه، وحضر مجالسه الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب وأبي بكر بن العربي، حيث قال أبو بكر بن العربي: «رأيت الغزالي ببغداد يحضر درسه أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم يأخذون عنه العلم».
انهمك الغزالي في البحث والاستقصاء والردّ على الفرق المخالفة بجانب تدريسه في المدرسة النظامية، فألّف كتابه "مقاصد الفلاسفة" يبيّن فيه منهج الفلاسفة، ثمّ نقده بكتابه "تهافت الفلاسفة" مهاجماً الفلسفة ومبيّناً تهافت منهجهم. ثمّ تصدّى الغزالي للفكر الباطني (وهم الإسماعيلية) الذي كان منتشراً في وقته والذي أصبح الباطنيون ذوو قوّة سياسية، حتى أنّهم قد اغتالوا الوزير نظام الملك عام 485 هـ الموافق 1091، وتُوفي بعده الخليفة المقتدي بأمر الله، فلما جاء الخليفة المستظهر بالله، طلب من الغزالي أن يحارب الباطنية في أفكارهم، فألّف الغزالي في الردّ عليهم كتب "فضائح الباطنية" و"حجّة الحق" و"قواصم الباطنية".
وبعد خوض الغزالي في علوم الفلسفة والباطنية، عَكَف على قراءة ودراسة علوم الصوفية، وصحب الشيخ الفضل بن محمد الفارمذي (الذي كان مقصداً للصوفية في عصره في نيسابور، وهو تلميذ أبو القاسم القشيري)
فتأثر الغزالي بذلك، ولاحظ على نفسه بعده عن حقيقة الإخلاص لله وعن العلوم الحقيقية النافعة في طريق الآخرة، وشعر أن تدريسه في النظامية مليء بحب الشهرة والعُجُب والمفاسد، عند ذلك عقد العزم على الخروج من بغداد وكان خروجه من بغداد في ذي القعدة سنة 488 هـ، وقد ترك أخاه أحمد الغزّالي مكانه في التدريس في النظامية في بغداد، وقد خرج إلى الشام قاصداً الإقامة فيها، مُظهِرَاً أنه متّجه إلى مكة للحجّ حذراً أن يعرف الخليفة فيمنعه من السفر إلى الشام.
وصل دمشق في نفس العام، ومكث فيها قرابة السنتين لا شغل له إلا العزلة والخلوة، والمجاهدة، اشتغالاً بتزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، فكان يعتكف في مسجد دمشق، يصعد منارة المسجد طول النهار، ويغلق على نفسه الباب، وكان يكثر الجلوس في زاوية الشيخ نصر المقدسي في الجامع الأموي والمعروفة اليوم بـ "الزاوية الغزالية" نسبةً إليه.
بعد ذلك رحل الغزالي إلى القدس واعتكف في المسجد الأقصى وقبة الصخرة. ثم ارتحل وزار مدينة الخليل في فلسطين، وما لبث أن سافر إلى مكة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، ثم عاد إلى بغداد، بعد أن قضى 11 سنة في رحلته، ألّف خلالها أعظم كتبه "إحياء علوم الدين"، وقد استقر أمره على الصوفية.
وبحسب تاج الدين السبكي وابن الجوزي وغيرهما، فإن الغزالي خرج أولاً من بغداد إلى الحج سنة 488 هـ، ثم عاد منها إلى دمشق فدخلها سنة 489 هـ، فلبث فيها أياماً، ثم توجّه إلى القدس، فجاور فيها مدّة، ثم عاد وبقي في دمشق معتكفاً في جامعها، ثم رحل وزار الإسكندرية في مصر، واستمرّ يجول في البلدان ويزور المشَاهد وَيَطوف على المساجد حتى عاد إلى بغداد للتدريس فيها.
عودته إلى طوس
بعد قرابة 11 سنة من العزلة والتنقّل، عزم الغزّالي على العودة إلى بغداد، فكان ذلك في ذي القعدة سنة 499 هـ، ولم يدم طويلاً حتى أكمل رحلته إلى نيسابور ومن ثمّ إلى بلده طوس، وهناك لم يلبث أن استجاب إلى رأي الوزير فخر الملك للتدريس في نظامية نيسابور مكرهاً، فدرّس فيها مدة قليلة، وما لبث أن قُتل فخر الدين الملك على يد الباطنية، من ثم رحل الغزالي مرة أخرى إلى بلده طابران في طوس، وسكن فيها، متخذاً بجوار بيته مدرسة للفقهاء وخانقاه (مكان للتعبّد والعزلة) للصوفية، ووزّع أوقاته على وظائف من ختم القرآن ومجالسة الصوفية والتدريس لطلبة العلم وإدامة الصلاة والصيام وسائر العِبَادات، كما صحّح قراءة أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم على يد الشيخ عمر بن عبد الكريم بن سعدوية الرواسي.
مؤلفاته
له العديد من المؤلفات منها:
الاقتصاد في الاعتقاد.
بغية المريد في مسائل التوحيد.
إلجام العوام عن علم الكلام.
المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى.
المعارف العقلية ولباب الحكمة الإلهية.
القانون الكلي في التأويل.
فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة.
فضائح الباطنية.
حجّة الحق، في الرد على الباطنية.
قواصم الباطنية.
مقاصد الفلاسفة.
تهافت الفلاسفة.
معيار العلم في فن المنطق.
محك النظر في المنطق.
ميزان العمل.
التعليقة في فروع المذهب.
البسيط في الفروع.
الوسيط، في فقه الإمام الشافعي.
الوجيز، في فقه الإمام الشافعي.
فتاوى الغزالي.
غاية الغور في دراية الدور، في المسألة السريجية.
المستصفى في علم أصول الفقه.
المنخول في علم الأصول.
تهذيب الأصول.
المباديء والغايات.
شفاء الغليل في القياس والتعليل.
القسطاس المستقيم.
أساس القياس.
المنتحل في علم الجدل.
مآخذ الخلاف.
لباب النظر.
تحصين المآخذ في علم الخلاف.
جواب مفصل الخلاف.
إحياء علوم الدين.
الإملاء على مشكل الإحياء.
بداية الهداية.
أيها الولد.
أسرار معاملات الدين.
روضة الطالبين وعمدة السالكين.
الأربعين في أصول الدين.
مدخل السلوك الي منازل الملوك.
ميزان العمل.
كيمياء السعادة، (وقد كتبه بالفارسية وتُرجم إلى العربية).
زاد الآخرة، (وقد كتبه بالفارسية وتُرجم إلى العربية).
مكاشفة القلوب المقرب إلى حضرة علاّم الغيوب.
سر العالمين وكشف ما في الدارين.
منهاج العابدين.
منهاج العارفين.
معارج القدس في مدارج معرفة النفس.
مشكاة الأنوار.
الرسالة اللدنية.
الكشف والتبيين في غرور الخلق أجمعين.
تلبيس إبليس.
المنقذ من الضلال.
المضنون به على غير أهله.
المضنون به على أهله.
جواهر القرآن ودرره.
حقيقة القرآن.
الحكمة في مخلوقات الله.
التبر المسبوك في نصحية الملوك.
القصيدة المنفرجة.
شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل.
وفاته
بعد أن عاد الغزّالي إلى طوس، لبث فيها بضع سنين، وما لبث أن تُوفي يوم الاثنين 14 جمادى الآخرة 505 هـ، الموافق 19 ديسمبر 1111م، في "الطابران" في مدينة طوس وهناك خلاف على مكان دُفنه فالبعض يقول دفن في مقبرة "طابران"، وقبره هناك ظاهر وبه مزار أمّا حالياً فلا يُعرف قبر ظاهر للغزّالي، إلا أنه حديثاً تم اكتشاف مكان في طوس قرب مدينة مشهد في إيران حيث يُعتقد بأنه قبر الغزّالي، والذي أمر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بإعادة إعماره خلال زيارته إلى إيران في ديسمبر 2009.
وقد ادّعى الشيخ فاضل البرزنجي بأن قبر الغزالي موجود في بغداد وليس في طوس، بينما يؤكد أستاذ التاريخ بجامعة بغداد الدكتور حميد مجيد هدو، بالإضافة للوقف السني في العراق بأن قبره في طوس.
هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي الطوسي النيسابوري، يُكنّى بأبي حامد لولد له مات صغيراً، ويُعرَف بـ "الغزّالي" نسبة إلى صناعة الغزل، حيث كان أبوه يعمل في تلك الصناعة، ويُنسب أيضاً إلى "الغَزَالي" نسبة إلى بلدة غزالة من قرى طوس وقد اختلف الباحثون في أصل الغزالي أعربي أم فارسي، فهناك من ذهب على أنه من سلالة العرب الذين دخلوا بلاد فارس منذ بداية الفتح الإسلامي، ومن الباحثين من ذهب إلى أنه من أصل فارسي.
ولد أبو حامد الغزّالي عام 450 هـ الموافق 1058، في "الطابران" من قصبة طوس، وهي أحد قسمي طوس، وقيل بأنّه وُلد عام 451 هـ الموافق 1059. وقد كانت أسرته فقيرة الحال، إذ كان أباه يعمل في غزل الصوف وبيعه في طوس، ولم يكن له أبناء غيرَ أبي حامد، وأخيه أحمد والذي كان يصغره سنّاً. كان أبوه مائلاً للصوفية، رجلاً صالحاً لا يأكل إلا من كسب يده، وكان يحضر مجالس الفقهاء ويجالسهم، ويقوم على خدمتهم، وينفق بما أمكنه إنفاقه، وكان كثيراً يدعو الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيهاً، فكان ابنه أبو حامد أفقه علماء زمانه، وكان ابنه أحمد واعظاً مؤثراً في الناس ولما قربت وفاة أبيهما، وصّى بهما إلى صديق له متصوّف، وقال له: «إِن لي لتأسفاً عظيماً على تعلم الخط وأشتهي استدارك ما فاتني في وَلَديّ هذَيْن فعلّمهما ولا عليك أن تنفذ في ذلك جميع ما أخلّفه لهما»، فلما مات أقبل الصوفيّ على تعليمهما حتى نفد ما خلّفهما لهما أبوهما من الأموال، ولم يستطع الصوفيّ الإنفاق عليهما، عند ذلك قال لهما: «اعلما أنّي قد أنفقت عليكما ما كان لكما وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به وأصلح ما أرى لَكمَا أن تلجآ إِلَى مدرسة كأنكما من طلبة الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما على وقتكما"، ففعلا ذلك وكان هو السبب في علو درجتهما، وكان الغزاليّ يَحكي هذا ويقُول: «طلبنا الْعلم لغير الله فأبى أن يكون إِلّا لله».
تعليمه
ابتدأ طلبه للعلم في صباه عام 465 هـ، فأخذ الفقه في طوس على يد الشيخ أحمد الراذكاني، ثم رحل إلى جرجان وطلب العلم على يد الشيخ الإسماعيلي (وهو أبو النصر الإسماعيلي بحسب تاج الدين السبكي، بينما يرى الباحث فريد جبر أنه إسماعيل بن سعدة الإسماعيلي وليس أبا النصر لأنه توفي سنة 428 هـ قبل ولادة الغزالي)، وقد علّق عليه التعليقة (أي دوّن علومه دون حفظ وتسميع)، وفي طريق عودته من جرجان إلى طوس، واجهه قطّاع طرق، حيث يروي الغزالي قائلاً: «قطعت علينا الطرِيق وأخذ العيّارون جميع ما معي ومضوا فتبعتهم فالتفت إليّ مقدّمهم وقال: ارجع ويحك وإِلا هلكت، فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط فما هي بشيء تنتفعون به، فقال لي: وما هي تعليقتك: فقلت: كتبت في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها، فضحك وقال: كيف تدّعي أنّك عرفت علمها وقد أخذناها منك فتجردت من معرفتها وبقيت بلا علم؟ ثم أمر بعض أصحابه فسلّم إِليّ المخلاة» بعد ذلك قرّر الغزالي الاشتغال بهذه التعليقة، وعكف عليه 3 سنوات من 470 هـ إلى 473 هـ حتى حفظها.
وفي عام 473 هـ رحل الغزّالي إلى نيسابور ولازم إِمام الحرمين أبو المعالي الجويني (إمام الشافعية في وقته، ورئيس المدرسة النظامية)، فدرس عليه مختلف العلوم، من فقه الشافعية، وفقه الخلاف، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة، وجدّ واجتهد حتى برع وأحكم كل تلك العلوم، ووصفه شيخه أبو المعالي الجويني بأنه: «بحر مغدِق» وكان الجويني يُظهر اعتزازه بالغزالي، حتى جعله مساعداً له في التدريس، وعندما ألف الغزالي كتابه "المنخول في علم الأصول" قال له الجويني: «دفنتني وأنا حيّ، هلّا صبرتَ حتى أموت؟».
عندما تُوفي أبو المعالي الجويني سنة 478 هـ الموافق 1085، خرج الغزالي إلى "العسكر" أي "عسكر نيسابور"، قاصداً للوزير نظام الملك (وزير الدولة السلجوقية)، وكان له مجلس يجمع العلماء، فناظر الغزالي كبار العلماء في مجلسه وغلبهم، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقوه بالتعظيم والتبجيل ان الوزير نظام الملك زميلاً للغزالي في دراسته، وكان له الأثر الكبير في نشر المذهب الشافعي الفقهي، والعقيدة الأشعرية السنّي، وذلك عن طريق تأسيس المدارس النظامية المشهورة، والتي قبل الغزالي عرض نظام الملك بالتدريس في المدرسة النظامية في بغداد، وكان ذلك في جمادى الأولى عام 484 هـ الموافق 1091، ولم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره.
الغزالي في بغداد
وصل الغزالي إلى بغداد في جمادى الأولى سنة 484 هـ، في أيام الخليفة المقتدي بأمر الله العباسي، ودرّس بالمدرسة النظامية حتى أُعجب به الناس لحسن كلامه وفصاحة لسانه وكمال أخلاقه، وأقام على التدريس وتدريس العلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مدّة أربعة سنوات، حتى اتسعت شهرته وصار يُشدّ له الرّحال، ولُقّب يومئذٍ بـ "الإمام" لمكانته العالية أثناء التدريس بالنظامية في بغداد، ولقّبه نظام الملك بـ "زين الدين" و"شرف الأئمة" وكان يدرّس أكثر من 300 من الطلاب في الفقه وعلم الكلام وأصول الفقه، وحضر مجالسه الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب وأبي بكر بن العربي، حيث قال أبو بكر بن العربي: «رأيت الغزالي ببغداد يحضر درسه أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم يأخذون عنه العلم».
انهمك الغزالي في البحث والاستقصاء والردّ على الفرق المخالفة بجانب تدريسه في المدرسة النظامية، فألّف كتابه "مقاصد الفلاسفة" يبيّن فيه منهج الفلاسفة، ثمّ نقده بكتابه "تهافت الفلاسفة" مهاجماً الفلسفة ومبيّناً تهافت منهجهم. ثمّ تصدّى الغزالي للفكر الباطني (وهم الإسماعيلية) الذي كان منتشراً في وقته والذي أصبح الباطنيون ذوو قوّة سياسية، حتى أنّهم قد اغتالوا الوزير نظام الملك عام 485 هـ الموافق 1091، وتُوفي بعده الخليفة المقتدي بأمر الله، فلما جاء الخليفة المستظهر بالله، طلب من الغزالي أن يحارب الباطنية في أفكارهم، فألّف الغزالي في الردّ عليهم كتب "فضائح الباطنية" و"حجّة الحق" و"قواصم الباطنية".
وبعد خوض الغزالي في علوم الفلسفة والباطنية، عَكَف على قراءة ودراسة علوم الصوفية، وصحب الشيخ الفضل بن محمد الفارمذي (الذي كان مقصداً للصوفية في عصره في نيسابور، وهو تلميذ أبو القاسم القشيري)
فتأثر الغزالي بذلك، ولاحظ على نفسه بعده عن حقيقة الإخلاص لله وعن العلوم الحقيقية النافعة في طريق الآخرة، وشعر أن تدريسه في النظامية مليء بحب الشهرة والعُجُب والمفاسد، عند ذلك عقد العزم على الخروج من بغداد وكان خروجه من بغداد في ذي القعدة سنة 488 هـ، وقد ترك أخاه أحمد الغزّالي مكانه في التدريس في النظامية في بغداد، وقد خرج إلى الشام قاصداً الإقامة فيها، مُظهِرَاً أنه متّجه إلى مكة للحجّ حذراً أن يعرف الخليفة فيمنعه من السفر إلى الشام.
وصل دمشق في نفس العام، ومكث فيها قرابة السنتين لا شغل له إلا العزلة والخلوة، والمجاهدة، اشتغالاً بتزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، فكان يعتكف في مسجد دمشق، يصعد منارة المسجد طول النهار، ويغلق على نفسه الباب، وكان يكثر الجلوس في زاوية الشيخ نصر المقدسي في الجامع الأموي والمعروفة اليوم بـ "الزاوية الغزالية" نسبةً إليه.
بعد ذلك رحل الغزالي إلى القدس واعتكف في المسجد الأقصى وقبة الصخرة. ثم ارتحل وزار مدينة الخليل في فلسطين، وما لبث أن سافر إلى مكة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، ثم عاد إلى بغداد، بعد أن قضى 11 سنة في رحلته، ألّف خلالها أعظم كتبه "إحياء علوم الدين"، وقد استقر أمره على الصوفية.
وبحسب تاج الدين السبكي وابن الجوزي وغيرهما، فإن الغزالي خرج أولاً من بغداد إلى الحج سنة 488 هـ، ثم عاد منها إلى دمشق فدخلها سنة 489 هـ، فلبث فيها أياماً، ثم توجّه إلى القدس، فجاور فيها مدّة، ثم عاد وبقي في دمشق معتكفاً في جامعها، ثم رحل وزار الإسكندرية في مصر، واستمرّ يجول في البلدان ويزور المشَاهد وَيَطوف على المساجد حتى عاد إلى بغداد للتدريس فيها.
عودته إلى طوس
بعد قرابة 11 سنة من العزلة والتنقّل، عزم الغزّالي على العودة إلى بغداد، فكان ذلك في ذي القعدة سنة 499 هـ، ولم يدم طويلاً حتى أكمل رحلته إلى نيسابور ومن ثمّ إلى بلده طوس، وهناك لم يلبث أن استجاب إلى رأي الوزير فخر الملك للتدريس في نظامية نيسابور مكرهاً، فدرّس فيها مدة قليلة، وما لبث أن قُتل فخر الدين الملك على يد الباطنية، من ثم رحل الغزالي مرة أخرى إلى بلده طابران في طوس، وسكن فيها، متخذاً بجوار بيته مدرسة للفقهاء وخانقاه (مكان للتعبّد والعزلة) للصوفية، ووزّع أوقاته على وظائف من ختم القرآن ومجالسة الصوفية والتدريس لطلبة العلم وإدامة الصلاة والصيام وسائر العِبَادات، كما صحّح قراءة أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم على يد الشيخ عمر بن عبد الكريم بن سعدوية الرواسي.
مؤلفاته
له العديد من المؤلفات منها:
الاقتصاد في الاعتقاد.
بغية المريد في مسائل التوحيد.
إلجام العوام عن علم الكلام.
المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى.
المعارف العقلية ولباب الحكمة الإلهية.
القانون الكلي في التأويل.
فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة.
فضائح الباطنية.
حجّة الحق، في الرد على الباطنية.
قواصم الباطنية.
مقاصد الفلاسفة.
تهافت الفلاسفة.
معيار العلم في فن المنطق.
محك النظر في المنطق.
ميزان العمل.
التعليقة في فروع المذهب.
البسيط في الفروع.
الوسيط، في فقه الإمام الشافعي.
الوجيز، في فقه الإمام الشافعي.
فتاوى الغزالي.
غاية الغور في دراية الدور، في المسألة السريجية.
المستصفى في علم أصول الفقه.
المنخول في علم الأصول.
تهذيب الأصول.
المباديء والغايات.
شفاء الغليل في القياس والتعليل.
القسطاس المستقيم.
أساس القياس.
المنتحل في علم الجدل.
مآخذ الخلاف.
لباب النظر.
تحصين المآخذ في علم الخلاف.
جواب مفصل الخلاف.
إحياء علوم الدين.
الإملاء على مشكل الإحياء.
بداية الهداية.
أيها الولد.
أسرار معاملات الدين.
روضة الطالبين وعمدة السالكين.
الأربعين في أصول الدين.
مدخل السلوك الي منازل الملوك.
ميزان العمل.
كيمياء السعادة، (وقد كتبه بالفارسية وتُرجم إلى العربية).
زاد الآخرة، (وقد كتبه بالفارسية وتُرجم إلى العربية).
مكاشفة القلوب المقرب إلى حضرة علاّم الغيوب.
سر العالمين وكشف ما في الدارين.
منهاج العابدين.
منهاج العارفين.
معارج القدس في مدارج معرفة النفس.
مشكاة الأنوار.
الرسالة اللدنية.
الكشف والتبيين في غرور الخلق أجمعين.
تلبيس إبليس.
المنقذ من الضلال.
المضنون به على غير أهله.
المضنون به على أهله.
جواهر القرآن ودرره.
حقيقة القرآن.
الحكمة في مخلوقات الله.
التبر المسبوك في نصحية الملوك.
القصيدة المنفرجة.
شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل.
وفاته
بعد أن عاد الغزّالي إلى طوس، لبث فيها بضع سنين، وما لبث أن تُوفي يوم الاثنين 14 جمادى الآخرة 505 هـ، الموافق 19 ديسمبر 1111م، في "الطابران" في مدينة طوس وهناك خلاف على مكان دُفنه فالبعض يقول دفن في مقبرة "طابران"، وقبره هناك ظاهر وبه مزار أمّا حالياً فلا يُعرف قبر ظاهر للغزّالي، إلا أنه حديثاً تم اكتشاف مكان في طوس قرب مدينة مشهد في إيران حيث يُعتقد بأنه قبر الغزّالي، والذي أمر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بإعادة إعماره خلال زيارته إلى إيران في ديسمبر 2009.
وقد ادّعى الشيخ فاضل البرزنجي بأن قبر الغزالي موجود في بغداد وليس في طوس، بينما يؤكد أستاذ التاريخ بجامعة بغداد الدكتور حميد مجيد هدو، بالإضافة للوقف السني في العراق بأن قبره في طوس.
الكلمات المفتاحية :
اعلام الاشاعرة
اعلام الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: