الشيخ أبو مدين المغربي
الشيخ أبو مدين المغربي |
رضي الله تعالى عنه ورحمه
هو من أعيان مشايخ المغرب، وصدور المربين، وشهرته تغني عن تعريفه، واسمه شعيب، وولده مدين هو المدفون بمصر بجامع الشيخ عبد القادر الدشطوطي ببركة القرع خارج السور مما يلي شرقي مصر عليه قبة عظيمة، وقبره يزار. وأما والده فهو مدفون بتلمسان بأرض المغرب في جبانة العبادلة، وقد ناهز الثمانين، وقبره ثم ظاهر يزار، وكان سبب
دخوله تلمسان أن أمير المؤمنين لما بلغه خبره أمر بإحضاره
من بجاية ليتبرك به فلما وصل إلى تلمسان قال ما لنا، وللسلطان الليلة نزور الإخوان ثم نزد، واستقبل القبلة، وتشهد، وقال: ها قد جئت ها قد جئت، وعجلت إليك رب لترضى ثم قال الله الحي وفاضت روحه رضي الله عنه قال الشيخ أبو الحجاج الأقصري: سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: لقيت الخصر عليه السلام سنة ثمانين وخمسمائة فسألته عن شيخنا أبي مدين فقال: هو إمام الصديقين في هذا الوقت، وسره من الإرادة ذلك أتاه الله تعالى مفتاحاً من السر المصون بحجاب القدس ما في هذه الساعة أجمع لأسرار المرسلين منه ثم قال: ومات أبو مدين رضي الله عنه بعد ذلك بيسير، وذكر الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في الفتوحات قال: ذهبت أنا، وبعض الأبدال إلى جبل قاف فمررنا بالحية المحدقة به فقال لي: البدل سلم عليها فإنها سترد عليك السلام فسلمنا عليها فردت ثم قالت: من أي البلاد فقلنا من بجاية فقالت: ما حال أبي مدين مع أهلها فقلنا لها يرمونه بالزندقة.
فقالت: عجباً والله لبني آدم، والله ما كنت أظن أن الله عز وجل يوالي عبداً من عبيده فيكرهه أحد فقلنا لها، ومن أعلمك به فقالت يا سبحان الله، وهل على الأرض دابة تجهله إنه، والله ممن اتخذه الله تعالى ولياً وأنزل محبته في قلوب العباد فلا يكرهه إلا كافر أو منافق انتهى قلت، وأجمعت المشايخ على تعظيمه، وإجلاله، وتأدبوا بين يديه، وكان ظريفاً جميلا متواضعاً زاهداً ورعاً محققاً مشتملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه. ومن كلامه رضي الله عنه: ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليها حجب عن غيرها، وكان يقول: الجمع ما أسقط تفرقتك، ومحا إشارتك، والوصول استغراق أوصافك، وتلاشي نعوتك، وكان رضي الله عنه يقول: الغيرة أن لا تعرف،
وكان يقول: أغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه، وأفقر الفقراء من ستر الحق حقه عنه، وكان رضي الله عنه يقول: الخالي من الأنس والشوق فاقد المحبة، وكان رضي الله عنه يقول: من خرج إلى الخلق قبل وجود حقيقة تدعوه إلى ذلك فهو مفتون، وكل من رأيته يدعي مع الله حالا لا يكون على ظاهره منه شاهد فاحذره، وكان رضي الله عنه يقول: إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره، وكان يقول: من تحقق بعين العبودية نظر أفعاله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى، وأقواله بعين الافتراء، وكان رضي الله عنه يقول: ما وصل إلى صريح الحرية من بقي عليه من نفسه بقية، وكان رضي الله عنه يقول: شاهد مشاهدته لك، ولا تشاهد مشاهدتك له، كان رضي الله عنه يقول: القريب مسرور بقربه، والمحب معذب بحبه، وكان يقول: الفقر أمارة على التوحيد، ودلالة على التفريد، وحقيقة الفقر أن لا تشاهد سواه، وكان رضي الله عنه يقول: للفقر نور ما دمت تستره فإذا أظهرته ذهب نوره، وكان يقول: من كان الأخذ أحب إليه من الإعطاء فما يشم للفقر رائحة، وكان يقول: الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق، وكان رضي الله عنه يقول: من نظر إلى المكونات نظر إرادة، وشهوة حجب عن العبرة فيها، والانتفاع بها، وكان رضي الله عنه يقول: من عرف أحداً لم يعرف الأحد، والحق ما بان عنه أحد من حيث العلم، والقدرة، ولا اتصل به أحد من حيث الذات، والصفات، وكان يقول: من لم يصلح لمعرفته شغله برؤية أعماله، ومن سمع منه بلغ عنه، وكان يقول: من لم يخلع العذار لم ترفع له الأستار، وكان يقول: الحق لا يراه أحد إلا مات فمن لم يمت لم ير الحق، وكان يقول: في نهيهم عن صحبة الأحداث الحدث هو المستقبل للأمر والمبتلي في الطريق هو الذي لم يجرب الأمور، ولم يثبت له فيها قدم، وإن كان ابن سبعين سنة، وقيل أراد بالأحداث ما سوى الله تعالى من المخلوقات.
قلت: والمراد صحبتهم من غير إرشاد وتعليم، وإلا فإرشاد مثل هؤلاء هو المطلوب من كل فقير، وكان يقول: الإخلاص ما خفي على النفس درايته، وعلى الملك كتابته، وعلى الشيطان غوايته، وعلى الهوى إمالته، وكان رضي الله عنه يقول: إياكم والمحاكمات قبل إحكام الطريق، وتمكن الأحوال فإنها تقطع بكم عن درجات الكمال، وكان يقول: كل فقير لا يعرف زيادته، ونقصه في كل نفس فليس بفقير، وكان يقول: الفقر فخر، والعد غنم، والصمت نجاة، والإياس راحة، والزهد عافية، ونسيان الحق طرفة عين خيانة، وكان يقول: الحضور مع الحق جنة، والغيبة عنه نار، والقرب منه لذة والبعد عنه حسرة، والأنس به حياة، والاستيحاش منه موت، وكان يقول: طلب الإرادة قبل تصحيح التوبة غفلة، وكان يقول: من قطع موصولا بربه قطع به، ومن أشغل مشغولا بربه أدركه المقت في الوقت. ومكث رضي الله عنه سنة في بيته لا يخرج إلا للجمعة فاجمع الناس على باب داره، وطلبوا منه أن يتكلم عليهم فلما ألزموه خرج فرأى عصافير على سدرة في الدار فلما رأته في الدار فرت فرجع، وقال لو صلحت للحديث عليكم لم تفر مني الطيور ثم رجع، وجلس في البيت سنة أخرى ثم جاءوا إليه فخرج فلم تفر منه الطيور فتكلم على الناس، ونزلت الطيور تضرب بأجنحتها، وتصفق حتى مات منها طائفة، ومات رجل من الحاضرين، وكان يقول: كل بدل في قبضة العارف لأن ملك البدل من السماء إلى الأرض، وملك العارف من العرش إلى الثرى وكان الله تعالى قد أذل له الوحوش، ومر يوماً على حمار، والسبع قد أكل نصفه، وصاحبه ينظر إليه من بعد لا يستطيع أن يقرب منه فقال لصاحب الحمار تعال فذهب به إلى الأسد، وقال له أمسك بأذن الأسد، واستعمله مكان حمارك فأخذ بأذنه، وركبه وصار يستعمله سنين موضع حماره حتى مات، وقيل له مرة في المنام حقيقة سرك في توحيدك فقال: سري مسرور بأسرار تستمد من البحار الإلهية التي لا ينبغي بثها لغير أهلها إذ الإشارة تعجز عن وصفها وأبت الغيرة الإلهية إلا أن تسترها، وهي أسرار محيطة بالوجود لا يدركها إلا من كان وطنه مفقوداً، وكان في عالم الحقيقة بسره موجوداً يتقلب في الحياة الأبدية، وهو بسره طائر في فضاء الملكوت، ويسرح في سرادقات الجبروت، وقد تخلق بالأسماء، والصفات، وفني عنها بمشاهدة الذات هناك قراري، ووطني، وقرة عيني، ومسكني، والحق تعالى في غنى عن الكل قد أظهر في وجودي بدائع قدرته، وأقبل علي بالحفظ، والتوفيق، وكشف لي عن مكنون التحقيق فحياتي قائمة بالوحدانية، وإشاراتي إلى الفردانية فروحي راسخ في علم الغيب يقول لي مالكي يا شعيب كل يوم جديد على العبيد، ولدينا مزيد رضي الله عنه.
الكلمات المفتاحية :
اعلام الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: