الفقه الحنبلي - مناسك الحج5
(مسألة) (وان حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيدا عامدا أو مخطئا فعليه الكفارة وعنه في الصيد لا كفارة عليه الا في العمد ويتخرج في الحلق مثله) أما الوطئ فقد ذكرناه وجملته أنه لا فرق بين العمد والخطأ في الحلق والتقليم ومن له عذر
ومن لا عذر له في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي ونحوه عن الثوري وفيه وجه آخر لافدية على الناسي وهو قول أبي اسحاق وابن المنذر لقوله عليه السلام " عفي لا متي عن الخطأ والنسيان " ولنا أنه اتلاف فاستوى عمده وسهوه كاتلاف مال الآدمي ولان الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لاذي به وهو معذور فكان تنبيها على وجوبها على غير المعذور ودليلا على وجوبها على المعذور بنوع آخر كالمحتجم يحلق موضع محاجمه أو شعر شجته وفي معنى الناسي النائم الذي يقلع شعره أو يصوب رأسه إلى تنور فيحرق اللهب شعره ونحو ذلك (فصل) وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه أيضا هذا ظاهر المذهب، وبه قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال الزهري على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة وعنه لا كفارة على المخطئ وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر وداود لان الله تعالى قال (ومن قتله منكم متعمدا) فيدل بمفهومه على أنه لاجزاء على الخاطئ ولان الاصل
براءة ذمته فلا تشغلها إلا بدليل ولانه محظور بالاحرام لا يفسد به ففرق بين عمده وخطأه كاللبس ووجه الاول قول جابر رضي الله عنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيد المحرم كبشا وقال عليه السلام في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه ولم يفرق بين العمد والخطأ رواهما ابن ماجه ولانه ضمان اتلاف فاستوى عمده وخطاؤه كمال الآدمي (مسألة) (وان لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا فلا كفارة فيه وعنه عليه الكفارة) أما إذا لبس أو تطيب أو غطى رأسه عامدا فان عليه الفدية بغير خلاف علمناه لانه ترفه محظور في احرامه عامدا فاشبه حلق الشعر ويستوي في ذلك قليل الطيب وكثيره وقليل اللبس وكثيره، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب الدم الا بتطبيب عضو كامل وفي اللباس بلباس يوم وليلة ولا
شئ فيما دون ذلك لانه لم يلبس لبسا معتادا أشبه مالو ائتزر بالقميص ولنا أنه معنى حصل به الاستمتاع بالمحظور فاعتبر بمجرد الفعل كالوطئ أو محظورا فلا يتقدر فديته بالزمن كسائر المحظورات وما ذكروه ممنوع فان الناس يختلفون في اللبس في العادة وما ذكروه تقدير والتقديرات بابها التوقيف وتقديرهم بعضو ويوم وليلة تحكم محض وأما إذا ائتزر بقميص فليس ذلك بلبس مخيط ولذلك لا يحرم عليه وان طال والمختلف فيه محرم لبسه (فصل) ويلزمه غسل الطيب وخلع اللباس لانه فعل محظور فلزمته ازالته وقطع استدامته كسائر المحظورات والمستحب أن يستعين في غسل الطيب بحلال لئلا يباشر المحرم الطيب بنفسه وان وليه بنفسه فلا بأس لان النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي عليه طيب " اغسل عنك الطيب " ولانه تارك له فان لم يجد ما يغسله به مسحه بخرقة أو حكه بتراب أو غيره لان الذي عليه أن يزيله حسب الامكان وقد فعله (فصل) فان كان معه ماء وهو محتاج إلى الوضوء والماء لا يكفيهما غسل به الطيب وتيمم للحدث لانه لا رخصة في ابقاء الطيب وترك الوضوء إلى التيمم رخصة فان قدر على قطع رائحة الطيب بغير الماء فعل وتوضا لان المقصود من ازالة الطيب قطع رائحة فلا يتعين الماء والوضوء بخلافه فان لبس قميصا وسراويل وعمامة وخفين كفاه فدية واحدة لان الجميع لبس فاشبه الطيب في رأسه وبدنه وفيه خلاف ذكرناه فيما مضى (فصل) فاما ان فعل ذلك ناسيا فلا فدية عليه هذا ظاهر المذهب والجاهل في معنى الناسي وهذا قول عطاء والثوري واسحاق وابن المنذر قال احمد قال سفيان ثلاثة في الحج العمد والنسيان سواء إذا أتى أهله وإذا أصاب صيدا وإذا حلق رأسه قال احمد: إذا جامع أهله بطل حجه لانه شئ
لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده والشعر إذا حلقه فقد ذهب فهذه الثلاثة العمد والخطأ والنسيان فيه سواء وكل شئ من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده مثل إذا غطى المحرم رأسه ثم ذكر ألقاه عن رأسه وليس عليه شئ أو لبس خفا نزعه وليس عليه شئ وعنه رواية أخرى أن عليه الفدية في كل حال وهو مذهب مالك والليث وأبي حنيفة لانه هتك حرمة الاحرام
فاستوى عمده وسهوه كالحلق والتقليم ولنا عموم وقوله عليه السلام " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وروى يعلى ابن أميه ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق أو أثر صفرة فقال يارسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال " اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك أثر الخلوق - أو قال - أثر الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك " متفق عليه وفي لفظ قال يارسول الله أحرمت بالعمرة وعلي هذه الجبة فلم يأمره بالفدية مع مسألته عما يصنع وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز دل على انه عذره لجهله (1) والناسي في معناه.
ولان الحج عبادة يجب بافسادها الكفارة فكان في محظوراته ما يفرق فيه بين عمده وسهوه كالصوم.
وأما الحلق وقتل الصيد فه اتلاف ولا يمكن تلافيه، إذا ثبت ذلك فانه متى ذكر فعليه خلع اللباس وغسل الطيب في الحال فان أخر ذلك عن زمن الامكان فعليه الفدية لانه تطيب وليس من غير عذر فأشبه المبتدئ.
وان مس طيبا يظنه يابسا فبان رطبا ففيه وجهان (أحدهما) عليه الفدية لانه قصد مس الطيب (والثاني) لا فدية عليه لانه جهل تحريمه فأشبه من جهل تحريم الطيب.
وان طيب باذنه فعليه الفدية لانه منسوب إليه، فان قيل: فلم لا يجوز له استدامة الطيب ههنا كالذي تطيب قبل إحرامه؟ قلنا ذلك فعل مندوب إليه فكان له استدامته وههنا هو محرم وانما سقط حكمه بالنسيان والجهل فإذا زالا ظهر حكمه وان تعذر عليه ازالته لا كراه أو علة ولم يجد من يزيله فلا فدية عليه وجرى مجرى المكره على ابتداء الطيب وحكم الجاهل إذا علم حكم الناسي إذا ذكر وحكم المكره حكم الناسي لانه مقرون به في الحديث الدال على العفو.
ويستحب له أن يلبي إذا فعل ذلك استذكارا للحج واستشعارا باقامته عليه ورجوعه إليه، ويروى هذا القول عن ابراهيم النخعي وقد ذكره الخرقي (مسألة) (ومن رفض احرامه ثم فعل محظورا فعليه فداؤه) وجملة ذلك ان التحلل من الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء كمال أفعاله أو التحلل عند الحصر أو بالعذر إذا شرط وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به ولو نوى التحلل لم يحل ولا يفسد الاحرام برفضه لانها عبادة لا يخرج منها بالفساد فلم يخرج برفضها بخلاف سائر العبادات، ويكون الاحرام
باقيا في حقه يلزمه أحكامه ويلزمه جزاء كل جناية جناها، وإن وطئ أفسد حجه وعليه لذلك بدنة مع ما وجب عليه من الدماء سواء كان الوطئ قبل الجنايات أو بعدها فان الجناية على الاحرام الفاسد كالجناية على الاحرام الصحيح وليس عليه لرفض الاحرام شئ لانه مجرد نية لم تؤئر شيئا (مسألة) (ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامة ذلك في إحرامه وليس له لبس ثوب مطيب) يستحب لمن أراد الاحرام أن يتطيب في بدنه خاصة وقد ذكرناه في باب الاحرام وله استدامة الطيب في إحرامه قالت عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم وقالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
متفق عليه وفي لفظ للنسائي: كأني أنظر إلى وبيص طيب المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الاحرام فإذا عرقت احدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها.
رواه أبو داود (فصل) وليس له لبس مطيب بعد إحرامه بغير خلاف لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس " متفق عليه فان لبس ثوبا مطيبا ثم أحرم فله استدامة لبسه ما لم ينزعه فان نزعه لم يكن له أن يلبسه فان فعل فعليه الفدية لان الاحرام يمنع ابتداء الطيب ولبس المطيب دون استدامته وقد ذكرناه والله تعالى أعلم (مسألة) (وان أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه فان استدام لبسه فعليه الفدية) إذا أحرم وعليه قميص أو سراويل أو جبة خلعه ولم يشقه ولا فدية عليه، وبه قال أكثر أهل العلم وقال بعضهم انه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه ولنا ما ذكرناه من حديث يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فقال يارسول الله أحرمت بالعمرة وعلي هذه الجبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها ولو وجب شقها أو وجبت عليه فدية لامره بها لانه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فان استدام لبسه فعليه الفدية لان خلعه واجب لامر النبي صلى الله عليه وسلم به ولانه محظور من محظورات الاحرام فوجب عليه دم لفعله كما لو حلق رأسه (مسألة) (وان لبس ثوبا مطيبا فانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إذا رش فيه الماء فاح
ريحه فعليه الفدية) لانه مطيب بدليل أن رائحته تظهر عند رش الماء والماء لا رائحة له وانما هو من الطيب الذي فيه فلزمته الفدية كما لو ظهرت بنفسها (فصل) قال رحمه الله (وكل هدي أو اطعام فهو لمساكين الحرم إذا قدر على إيصاله إليهم الا
فدية الاذى واللبس ونحوها إذا وجد سببها في الحل فيفرقها حيث وجد سببها ودم الاحصار يخرجه حيث أحصر) الهدايا والضحايا مختصة بمساكين الحرم لقوله تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) وكذلك جزاء المحظورات إذا فعلها في الحرم نص عليه أحمد رحمه الله فقال أما إذا كان بمكة أو كان من الصيد فكله بمكة لان الله تعالى قال (هدايا بالغ الكعبة) وذكر القاضي في قتل الصيد رواية أخرى أنه يفدي حيث قتله كحلق الرأس وهذا يخالف نص الكتاب ومنصوص أحمد فلا يعول عليه وما وجب لترك نسك أو فوات فهو لمساكين الحرم دون غيرهم لانه هدي وجب لترك نسك أشبه دم القران وقال ابن عقيل فيمن فعل المحظور لغير سبب يبيحه أنه يختص ذبحه وتفرقة لحمه بفقراء الحرم كسائر الهدي (فصل) وما وجب نحره بالحرم جب تفرقة لحمه به، وبهذا قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة إذا ذبحها في الحرم جاز تفرقة لحمها في الحل ولنا أنه أحد مقصودي النسك فاختص بالحرم كالذبح ولان المقصود من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه ولا يحصل باعطائه غيرهم والطعام كالهدي في اختصاصه بفقراء الحرم فيما يختص الهدي به، وقال عطاء والنخعي الهدي بمكة وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء ويقتضيه مذهب مالك وأبي حنيفة ولنا قول ابن عباس رضي الله عنهما الهدي والاطعام بمكة والصوم حيث شاء ولانه نسك يتعدى نفعه إلى المساكين فاختص بالحرم كالهدي (فصل) ومساكين الحرم من كان فيه من أهله ومن رود إليه من الحاج وغيرهم وهم الذين تدفع إليهم الزكاة لخاصتهم فان دفع إلى فقير في ظنه فبان غنيا خرج فيه وجهان كالزكاة وللشافعي فيه قولان وما جاز تفرقته بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة، وبه قال الشافعي وأبو ثور وجوزه أصحاب الرأي ولنا أنه كافر فلم يجز الدفع إليه كالحربي
(فصل) فان عجز عن ايصاله إلى فقراء الحرم جاز ذبحه وتفريقه في غيره لقوله سبحانه (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فان منع الناذر الوصول بنفسه وأمكنه تنفيذه لزمه وقال ابن عقيل يخرج في الهدي المنذور إذا عجز عن إيصاله روايتان كدماء الحج والصحيح الجواز (فصل) فأما فدية الاذى إذا وجد سببها في الحل فيجوز في الموضع الذي حلق فيه نص عليه احمد، وقال الشافعي: لا يجوز الا في الحرم لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية وهي من الحل ولم يأمره ببعثه إلى الحرم، وروي الاثرم والجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر رضي الله
عنهما قال: كنت مع عثمان وعلي وحسين بن علي رضي الله عنهم حجابا فاشتكى حسين بن علي بالسقيا فأومأ بيده إلى رأسه فحلقه علي ونحر عنه جزورا بالسقيا وهذا لفظ رواية الاثرم ولم يعرف لهم مخالف والآية وردت في الهدي وحكم اللبس والطيب حكم الحلق إذا وجد في الحل ذكره القاضي قياسا عليه وقال فيه وفي الحلق روايتان (احداهما) يفدي حيث وجد سببه والثانية محل الجميع الحرم حكاهما ابن أبي موسى في الارشاد (فصل) فأما دم الاحصار فيخرجه حيث أحصر من حل أو حرم نص عيه احمد وهو قول مالك والشافعي فان كان قادرا على اطراف الحرم ففيه وجهان (احدهما) يلزمه نحره فيه لان الحرم كله منحر وقد قدر عليه (والثاني) ينحره في موضعه لان النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه وعن احمد رحمه الله ليس للمحصر نحر هديه الا في الحرم فيبعثه إلى الحرم ويواطئ رجلا على نحره في وقت يتحلل وهذا يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه فيمن لدغ في الطريق وروى ذلك كعن الحسن والشعبي وعطاء لانه أمكنه النحر في الحرم أشبه مالو حصر فيه قال شيخنا وهذا والله أعلم فيمن كان حصره خاصا أما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد لان ذلك يفضى إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدزي إلى محله ولان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحروا هداياهم بالحديبية وهي من الحل قال البخاري ومال إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا وحلوا من كل شئ قبل الطواف وقبل أن يصل
الهدي إلى البيت ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا أن يقضي شيئا ولا أن يعود له ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هدية عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان وهي من الحل باتفاق أهل السير والنقل وقد دل عليه قوله سبحانه (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) ولانه موضع حله فكان موضع نحره كالحرم فان قيل فقد قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) وقال (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولانه ذبح يتعلق بالاحرام فلم يجز في غير الحرم كجزاء الصيد قلنا الآية في حق غير المحصر ولا يمكن قياس المحصر عليه لان تحلل المحصر في الحل وتحلل غيره في الحرم وكل منهما ينحر في موضع تحلله وقد قيل في قوله تعالى (حتى يبلغ الهدي محله) أي حتى يذبح وذبحه في حق المحصر في موضع حله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (وأما الصيام فيجزئه بكل مكان) لا نعلم فيه خلافا كذلك قال ابن عباس وعطاء والنخعي وغيرهم وذلك لان الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد فلا معنى لتخصيصه بمكان بخلاف الهدي والاطعام فان نفعه يتعدى إلى المعطي والله تعالى أعلم (مسألة) (وكل دم ذكرنا يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة ومن وجبت عليه بدنة اجزأته بقرة)
كل من وجب عليه دم أجزأه ذبح شاة أو سبع بدنة أو بقرة لقوله سبحانه في المتمتع (فما استيسر من الهدي) قال ابن عباس رضي الله عنهما شاة أو شرك في دم (1) وقال تعالى في فدية الاذى (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) وفسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة بذبح شاة وما سوى هذين مقيس عليهما فان اختار ذبح بدنة فهو أفضل لانها أوفر لحما وأنفع للفقراء وهل تكون كلها واجبة؟ فيه وجهان (أحدهما) تكون واجبة اختاره ابن عقيل لانه اختار الا على لاداء فرضه فكان كله واجبا كما لو اختار الا على من خصال الكفارة (والثاني) يكون سبعها واجبا والباقي تطوع له أكله وهديته لان الزائد على السبع يجوز تركه من غير شرط ولا بدل أشبه مالو ذبح سبع شياه (فصل) ولا يجزئه إلا الجذع من الضأن والثني من غيره والجذع ماله ستة أشهر والثني من المعز ماله سنة ومن البقر ماله سنتان ومن الابل ماله خمس سنين وبه قال مالك والليث والشافعي وإسحاق
وأبو ثور وأصحاب الرأي.
وقال ابن عمر والزهري لا يجزئ الا الثني من كل شئ.
وقال عطاء والاوزاعي يجزي، الجذع من الكل الا المعز ولنا على الزهري ماروي عن أم هلال بنت هلال عن أبيها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يجوز الجذع من الضأن أضحية " وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال كنا مع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له مجاشع بن سليم فعزب الغنم فأمر مناديا فنادى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " ان الجذع يوفى مما توفي منه الثنية " رواهما ابن ماجه وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا الا مسنة الا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعا من الضأن " رواه مسلم وهذا حجة على عطاء والاوزاعي، وحديث أبي بردة بن نيار قال يارسول الله ان عندي عناقا جذعا هي خبر من شاتي لحم قال " تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك " رواه أبو داود والنسائي.
ولا يجزئ فيها المعيب الذي يمنع من الاجزاء في الهدي والاضاحي قياسها عليها (فصل) ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة) إذا كان في غير النذر وجزاء الصيد لما روى أبو الزبير عن جابر قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة؟ قال وهل هي الا من البدن؟ رواه مسلم فأما في النذر فقال ابن عقيل يلزمه ما نواه فان أطلق ففيه روايتان (احداهما) هو مخير لما ذكرنا من الخبر (والاخرى) لا تجزئه إلا مع عدم البدنة وهو قول الشافعي لانها بدل فاشترط عدم المبدل لها قال شيخنا والاولى أولى للخبر ولان ما أجزأ عن سبعة في الهدايا ودم المتعة أجزأ في النذر بلفظ البدنة كالجزور، وان كان في جزاء الصيد أجزأت أيضا لحديث جابر اختاره شيخنا.
ويحتمل أن لا تجزئ لان البقرة لا تشبه النعامة.
ومن وجبت عليه بدنة أجزأه سبع من الغنم ذكره الخرقي سواء
كانت من جزاء الصيد أو منذورة أو فدية الوطئ.
وقال ابن عقيل إنها تجزئ عنها عند عدمها في ظاهر كلام أحمد رحمه الله لانه بدل فلا يصار إليه مع وجودها كسائر الابدال، فأما عند عدمها فيجوز لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال ان علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه.
وعنه لا يجزئه أقل
من عشر شياه لانهم كانا يعدلونها في الغنيمة بعشر كذلك.
هذا والاول أولى للخبر ولنا أن الشاة معدولة بسبع بدنة وهي أطيب لحما فإذا عدل إلى الاعلى أجزأه كما لو ذبح عن الشاة بدنة (فصل) ومن وجبت عليه سبع من الغنم أجزأته بدنة أو بقرة إن كان في كفارة محظور لان الواجب فيه ما استيسر من الهدي وهو شاة أو سبع بدنة وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمتعون فيذبحون البقرة عن سبعة.
قال جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الابل والبقر كل سبع منا في بدنة.
رواه مسلم.
فأما ان وجب عليه سبع من الغنم في جزاء الصيد فقال شيخنا لاتجزئه البدنة في الظاهر لان الغنم أطيب لحما فلا يعدل عن الاعلى إلى الادنى (فصل) ومن وجبت عليه بقرة أجزأته بدنة لانها أكثر لحما وأوفر.
ويجزئه سبع من الغنم إذا قلنا يجزئ عن البدنة بطريق الاولى وان كانت البقرة منذورة احتمل على ما حكاه ابن عقيل ان لا تجزئه سبع من الغنم مع وجودها كما لو كان المنذور بدنة والله تعالى أعلم * باب جزاء الصيد * (وهو ضربان (أحدهما) له مثل من النعم فيجب مثله وهو نوعان (أحدهما) قضت فيه الصحابة ففيه ما قضت).
يجب على المحرم الجزاء يقتل صيد البر بمثله من النعم ان كان له مثل هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي.
وقال أبو حنيفة الواجب القيمة ويجوز صرفها إلى المثل لان الصيد ليس بمثلي ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وجعل النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبشا وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على إيجاب المثل فقال عمر وعلي وعثمان وزيد وابن عباس ومعاوية في النعامة بدنة، وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة وحكم عمر في حمار الوحش ببقرة حكموا بذلك في الازمنة المختلفة والبلدان المتفرقة فدل على ان ذلك ليس على وجه القيمة لانه لو كان على وجه القيمة لاعتبروا صفة المتلف التي تختلف القيمة فيه إما برؤية أو اخبار ولم ينقل عنهم السؤال عن ذلك حال الحكم ولانهم حكموا في الحمام بشاة والحمامة لا تبلغ قيمة الشاة غالبا.
إذا ثبت هذا فليس المراد حقيقة المماثلة فانها لا تتحقق بين الانعام والصيد لكن أريد المماثلة من حيث الصورة، والمثلي من الصيد قسمان (أحدهما) قضت فيه
الصحابة فيجب فيه ما قضت وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق.
وقال مالك يستأنف الحكم فيه لان الله تعالى قال (يحكم به ذواعدل منكم) ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم " (1) وقال " اقتداو بالذين من بعدي أبي بكر وعمر (2) ولانهم أقرب إلى الصواب وأبصر بالعلم فكان حكمهم حجة على غيرهم كالعالم مع العامي فالذي؟؟ فيه النعامة حكم فيها عمر وعلي وعثمان وزيد وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم ببدنة.
وبه قال عطاء ومالك والشافعي وأكثر العلماء، وحكي عن النخعي ان فيها قيمتها وبه قال أبو حنيفة وخالفه في ذلك صاحباه واتباع النص والآثار أولى، ولان النعامة تشبه البعير في خلقه فكان مثلا لها فيدخل في عموم النص وفي حمار الوحش بقرة روي ذلك عن عمر وبه قال عروة ومجاهد والشافعي وعن أحمد فيه بدنة روي ذلك عن أبي عبيدة وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي وفي بقرة الوحش بقرة روي ذلك عن أبن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي، والايل فيه بقرة قاله ابن عباس، قال أصحابنا في الثيتل والوعل بقرة كالايل، والاروي فيه بقرة قاله ابن عمر وقال القاضي فيها عضب وهو من أولاد البقر ما بلغ أن يعتص على قرن ولم يبلغ أن يكون ثورا، وفي الضبع كبش لما روى أبو داود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الضبع يصيدها المحرم كبشا، قال أحمد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش وقضى به عمر وابن عباس وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال الاوزاعي كان العلماء بالشام يعدونها من السباع ويكرهون أكلها وهو القياس إلا أن اتباع السنة والآثار أولى، وفي الغزال شاة ثبت ذلك عن عمر وروي عن علي وبه قال عطاء وعروة والشافعي وابن المنذر ولا يحفظ عن غيرهم خلافهم وقد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " في الظبي شاة وفي الارنب عناق وفي اليربوع جفرة " قال ابن الزبير والجفرة التي قد فطست ورعت، رواه الدارقطني، وفي الثعلب شاة أيضا لانه يشبه الغزال وممن قال فيه الجزاء قتادة وطاوس ومالك والشافعي وعن أحمد لا شئ فيه لانه سبع، وأما الوبر فقال القاضي فيه جفرة لانه ليس بأكبر منها وهو قول الشافعي وقيل فيه شاة روي ذلك عن مجاهد وعطاء، وفي الضب جدي قضى به عمر وزيد وبه قال الشافعي وعن أحمد فيه شاة لان جابر بن عبد الله وعطاء قالا فيه ذلك، وقال مجاهد حفنة من طعام
والاولى أولى لان قضاء عمر أولى من قضاء غيره والجدي أقرب إليه من الشاة، وفي اليربوع جفرة لما ذكرنا من حديث جابر وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وقال النخعي ثمنه وقال مالك قيمته من الطعام وقال عمرو بن دينار ما سمعنا ان الضب واليربوع يوديان
واتباع الآثار أولى والجفرة يكون لها أربعة أشهر من المعز وقال أبو الزبير هي التي فطمت ورعت وقيل هي الطفلة التي يروح بها الراعي على يديه، وفي الارنب عناق لما ذكرنا من حديث جابر وقضى به عمر أيضا وبه قال الشافعي وقال ابن عباس فيه حمل وقال عطاء فيه شاة وقضاء عمر أولى والعناق الانثى من أولاد المعز أصغر من الجفرة، والذكر جدي وفي الحمام وهو كل ماعب وهدر شاة حكم به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن الحارث في حمام الحرم وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة ومالك فيه قيمته الا أن مالكا وافق في حمام الحرم دون الاحرام لان القياس يقتضي القيمة في كل الطير تركناه في حمام الحرم بحكم الصحابة ففيما عداه يبقى على الاصل قلنا قد روي عن ابن عباس في الحمام في حال الاحرام كقولنا ولانها حمامة مضمونة لحق الله تعالى فضمنت بشاة كحمامة الحرم ولانها متى كانت الشاة مثلا لها في الحرم فكذلك في الحل فيجب ضمانها لقول الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقياس الحمام على جنسه أولى من قياسه على غيره، والحمام كل ماعب الماء أي وضع منقاره فيه فيكرع كما تكرع الشاة ولا يأخذ قطرة قطرة كالدجاج والعصافير وإنما أوجبوا فيه شاة لشبهه بها في كرع الماء ولا يشرب كشرب بقية الطيور قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي كل طير يعب الماء يشرب مثل الحمام ففيه شاة فيدخل فيه الفواخت والدواشين والسفاهين والقمري والدسبي والقطا.
ولان كل واحد منها تسمية العرب حماما، وقال الكسائي كل مطوق حمام وعلى هذا القول الحجل حمام لانه مطوق (مسألة) (النوع الثاني) ما لم تقض فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة ويجوز أن يكون القاتل أحدهما) وذلك لقول الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) فيحكمان فيه بأشبه الاشياء به من النعم من
حيث الخلقة لا من حيث القيمة بدليل ان قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في القيمة وليس من شرط الحكم أن يكون فقيها لان ذلك زيادة على أمر الله تعالى به وقد أمر عمر أربد أن يحكم في الضب ولم يسأله أفقيه أم لا لكن تعتبر العدالة لانها منصوص عليها، وتعتبر الخبرة لانه لا يتمكن من الحكم بالمثل الا من له خبرة ولان الخبرة بما يحكم به شرط في سائر الحكام، ويجوز أن يكون القاتل أحد العدلين وبه قال الشافعي واسحاق وابن المنذر، وقال مالك والنخعي ليس له ذلك لان الانسان لا يحكم لنفسه وكذلك يجوز أن يكون الحاكمان القاتلين وبه قال الشافعي وقال مالك لا يجوز حكاه أبو الحسين ولنا عموم قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) والقاتل مع غيره ذوا عدل منا وقد روى الشافعي في مسنده عن طارق بن شهاب قال: خرجنا حجاجا فأوطأ رجل منا قال له أربد ضبا ففقر ظهره فقدمنا
على عمر رضي الله عنه فسأله أربد فقال احكم يا أربد فيه قال أنت خير منى يا أمير المؤمنين قال انما أمرتك أن تحكم ولم آمرك ان تزكيني فقال أربد أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر فذلك فيه، فأمره عمر أن يحكم وهو القاتل وأمر أيضا كعب الاحبار أن يحكم على نفسه في الجرادتين اللتين صادهما وهو محرم ولانه مال يخرج في حق الله تعالى فجاز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه كالزكاة، قال ابن عقيل انما يحكم القاتل إذا قتل خطأ لان القتل عمدا ينافي العدالة فيخرج عن أن يكون قد قتله جاهلا بالتحريم فلا يمتنع أن يحكم لانه لا يفسق بذلك والله أعلم.
وعلى قياس ذلك إذا قتله عند الحاجة إلى أكله لان قتله مباح لكن يجب فيه الجزاء (مسألة) (ويجب في كل واحد من الصغير والكبير والصحيح والمعيب مثله الا الماخض تفدى بقيمة مثلها وقال أبو الخطاب يجب فيها مثلها) يجب في كبير الصيد كبير مثله وفي الصغير صغير وفي الصحيح صحيح وفي المعيب معيب وفي الذكر ذكر وفي الانثى أنثى، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك لا يجزئ الا كبير صحيح لان الله تعالى قال (هديا بالغ الكعبة) ولا يجزئ في الهدي صغير ولا معيب ولانها كفارة متعلقة بقتل حيوان فلم تختلف بصغره وكبره كقتل لآدمي
ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ومثل الصغير صغير ومثل المعيب معيب ولان ما ضمن باليد والجناية اختلف ضمانه بالصغر والكبر كالبهيمة، والهدي في الآية مقيد بالمثل، وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على ايجاب مالا يصلح هديا كالجفرة والعناق والجدي.
وكفارة الآدمي ليست بدلا عنه ولا تجري مجرى الضمان بدليل أنها لا تتبعض في أبعاضه فان فدى المعيب بصحيح فهو افضل فاما الماخض وهي الحامل فقال القاضي يضمنها بقيمة مثلها، وهو مذهب الشافعي لان قيمتها أكثر من قيمة لحمها وقال أبو الخطاب يضمنها بما خض مثلها للآية ولان إيجاب القيمة عدول عن المثل مع إمكانه فان فداها بغير ماخض احتمل الجواز لان هذه الصفة لا تزيد في لحمها بل ربما نقصتها فلا يشترط وجودها في المثل كاللون وان جنى على ماخض فأتلف جنينها وخرج ميتا ففيه ما نقصت أمه كما لو جرحها وان خرج حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات ضمنه بمثله وان كان لوقت لا يعيش لمثله فهو كالميت كجنين الآدمية (مسألة) (ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى وفداء الذكر بالانثى وفي فدائها به وجهان) إذا فدى المعيب بمثله جاز لما ذكرنا وان اختلف العيب مثل فداء الاعور بأعرج والاعرج بأعور لم يجز لعدم المماثلة وان فدى أعور من أحدى العينين بأعور من أخرى أو اعرج بقائمة بأعرج من أخرى
جاز لان هذا اختلاف يسير ونوع العيب واحد وانما اختلف محله وان فدى الذكر بالانثى جاز لان لحمها أطيب وأرطب وان فداها به ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لان لحمه أوفر فتساويا والآخر لا يجوز لان زيادته عليها ليست من جنس زيادتها فاشبه فداء المعيب من نوع بالمعيب من نوع آخر ولانه لا يجزئ عنها في الزكاة كذلك ههنا (مسألة) (الضرب الثاني) مالا مثل له وهو سائر الطير فيجب فيه قيمته الا ما كان اكبر من الحمام فهل يجب فيه قيمته أو شاة؟ على وجهين) يجب فداء مالا مثل له بقيمته في موضعه الذي أتلفه فيه كاتلاف فصال الآدمي ولا خلاف بين أهل العلم في وجوب ضمان الصيد من الطير إلا ما حكي عن داود ماكان أصغر من الحمام لا يضمن لان
الله تعالى قال (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وهذا لا مثل له ولنا عموم قوله تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقد قيل في قوله تعالى (ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم) يعني الفرخ والبيض ومالا يقدر أن يفر من صغار الصيد (ورماحكم) يعني الكبار، وقد روي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما حكما في الجراد الجزاء ودلالة الآية على وجوب جزاء غيره لا يمنع من وجوب الجزاء في هذا بدليل آخر ويفدى بقيمته لان الاصل أن يضمن بقيمته كما لو أتلفه الآدمي لكن تركنا هذا الاصل لدليل ففيما عداه تجب القيمة بقضية الاصل.
(فصل) فأما ماكان أكبر من الحمام كالاوز والحباري والكركي والحجل والكبير من طير الماء ففيه وجهان (أحدهما) يجب فيه شاة لانه يروي عن ابن عباس وعطاء وجابر أنهم قالوا في الحجلة والقطاة والحباري شاة وزاد عطاء في الكركي والكروان وابن الماء ودجاجة الحبش والماء والخرب شاة شاة والخرب هو فرخ الحباري ولان إيجاب الشاة في الحمام تنبيه على إيجابها فيما هو أكبر منه (والوجه الثاني) فيه قيمته وهو مذهب الشافعي لان القياس يقتضي وجوبها في جميع الطير تركناه في الحمام لاجماع الصحابة ففي غيره يبقي على أصل القياس (مسألة) (ومن أتلف جزءا من صيد فعليه ما نقص من قيمته أو قيمة مثله ان كان مثليا) أما مالا مثل له فإذا أتلف جزءا منه ضمنه بقيمته لان جملته تضمن بقيمته فكذلك اجزاؤه كما لو كان لآدمي وان كان له مثل ففيه وجهان (احدهما) يضمن بمثله من مثله لان ما وجب ضمان جملته بالمثل وجب في بعضه مثله كالمكيلات والآخر تجب قيمة مقداره من مثله لان الجزء يشق اخراجه فيمنع أيجابه ولهذا عدل الشارع عن
إيجاب جزء من بعير في خمس من الابل إلى إيجاب شاة والاول أولى لان المشقة ههنا غير ثابتة لوجود الخبرة له في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام فينتفي المانع فيثبت مقتضى الاصل هذا إذا اندمل الصيد ممتنعا.
(مسألة) (وإذا نفر صيدا فتلف بشئ ضمنه) إذا نفر صيدا فتلف في حال نفوره ضمنه وكذلك إن جرح صيدا فتحامل ان وقع في شئ تلف به لانه تلف بسببه فان نفره فسكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف لم يضمنه وفيه وجه آخر أنه يضمنه إذا تلف في المكان الذي انتقل إليه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه دخل دار الندوة فالقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام فاطاره فوقع على واقف آخر فانتهزته حية فقتلته فقال لعثمان ونافع بن الحارث إني وجدت في نفسي اني أطرته من منزل كان فيه آمنا إلى موقع كان فيه حية فقال نافع لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء يحكم بها على أمير المؤمنين؟ فقال عثمان أرى ذلك فامر بها عمر رضي الله عنه رواه الشافعي في مسنده (مسألة) (وان جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه وكذلك ان وجد ميتا ولم يعلم موته بجنايته وان اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه) وإذا جرح صيدا فغاب غير مندمل والجراحة موجبة لا تبقى الحياة معها غالبا فعليه جزاء جميعه كما لو قتله وان كانت غير موجبة فعليه ضمان ما نقص لانا لا نعلم حصول التلف بفعله الا أنه يقومه صحيحا وجريحا جراحة غير مندملة فيعتبر ما بينهما لانا لا نعلم هل يندمل أم لاوكذلك إن وجده ميتا ولم يعلم أمات من الجناية أم من غيرها لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه ضمان جميعه ههنا لانه وجد سبب إتلافه منه ولم نعلم سببا آخر فوجب إحالته على السبب المعلوم كما لو وقع في الماء نجاسة فوجده متغيرا تغيرا يصلح أن يكون منها فانا نحكم بنجاسته وكذلك لو رمى صيدا فغاب عن عينه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل أكله وهذا أقيس.
(فصل) وان اندمل الصيد غير ممتنع ضمنه جميعه لانه عطله فصار كالتالف ولانه يفضي إلى تلفه فصار كما لو جرحه جرحا يتيقن موته به، وهذا مذهب أبي حنيفة ويتخرج أن يضمنه بما نقص لانه لا يضمن إلا ما أتلف ولم يتلف جميعه بدليل مالو قتله محرم لزمه الجزاء والصحيح ان على المشتركين جزاء واحدا وضمانه بجزاء كامل يفضي إلى ايجاب جزاءين وان صيرته الجناية غير ممتنع فلم يعلم أصار ممتنعا أم لا فعليه ضمانه لان الاصل عدم الامتناع
(فصل) وكل ما يضمن به الآدمي يضمن به الصيد من مباشرة أو سبب وكذلك ما جنت دابته بيدها أو فمها فأتلفت صيدا فالضمان على راكبها أو قائدها أو سائقها وما جنت برجلها فلا ضمان فيه
وقال القاضي يضمن السائق جميع جنايتها لان يده عليها ويشاهد رجلها، وقال ابن عقيل لا ضمان في الرجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الرجل جبار " وان انفلتت فاتلفت صيدا لم يضمنه لانه لا يدله عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " العجماء جبار " ولذلك لو اتلفت آدميا لم يضمنه ولو نصب شبكة أو حفر بئرا فوقع فيها صيد ضمنه لانه بسببه كما يضمن الآدمي الا أن يكون حفر البئر بحق كحفره في داره أو في طريق واسع ينتفع بها المسلمون فينبغي أن لا يضمن كالآدمي وان نصب شبكة قبل احرامه فوقع فيها صيد بعد احرامه لم يضمنه لانه لم يوجد منه بعد احرامه تسبب إلى اتلافه أشبه مالو صاده قبل احرامه وتركه في منزله فتلف بعد احرامه (مسألة) (وان نتف ريشه فعاد فلا شئ عليه وقيل عليه قيمة الريش) إذا نتف ريش طائر ثم حفظه فاطعمه وسقاه حتى عاد ريشه فلا ضمان عليه لان النقص زال وقيل عليه قيمة الريش لان الثاني غير الاول فان صار غير ممتنع بنتف ريشه فهو كالجرح وقد ذكرناه وان غاب ففيه ما نقص، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الجزاء جميعه ولنا أنه نقص يمكن زواله فلا يضمنه بكماله كما لو جرحه ولم يعلم حاله (مسألة) (وكلما قتل صيدا حكم عليه) يعني يجب الجزاء بقتل الصيد الثاني كما يجب إذا قتله ابتداء هذا ظاهر المذهب قال أبو بكر وهذا أولى القولين بأبي عبد الله، وبه قال عطاء والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وفيه رواية ثانية أنه لا يجب الا في المرة الاولى وروي ذلك عن ابن عباس.
وبه قال شريح والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة لان الله تعالى قال (ومن عاد فينتقم الله منه) ولم يوجب جزاء وفيه رواية ثالثة ان كفر عن الاول فعليه للثاني كفارة والا فلا وقد ذكرناها ولنا أنها كفارة عن قتل فاستوى فيها المبتدي والعائد كقتل الآدمي، ولانها بدل متلف يجب
به المثل أو القيمة فأشبه بدل مال الآدمي.
قال أحمد روي عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ وفيمن قتل ولم يسألوه هل كان قبل هذا قتل أو لا والآية اقتضت الجزاء على العائد بعمومها، وذكر العقوبة في الثاني لايمنع الوجوب كما قال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وقد ثبت أن العائد لو انتهى كان له ما سلف وأمره إلى الله (فصل) ويجوز اخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته.
نص عليه أحمد رحمه الله لانها كفارة قتل فجاز تقديمها على الموت ككفارة قتل الآدمي، ولانها كفارة أشبهت كفارة الظهار واليمين
(مسألة) (وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد، وعنه على كل واحد جزاء، وعنه إن كفروا بالمال فكفارة واحدة، وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة) روي عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة ثلاث روايات (احداهن) أن الواجب جزاء واحد وهو الصحيح.
يروي هذا عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء والزهري والنخعي والشعبي والشافعي واسحاق (والثانية) على كل واحد جزاء ذكرها ابن أبي موسى اختارها أبو بكر، وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة، ويروى عن الحسن لانها كفارة قتل يدخلها الصوم أشبهت كفارة قتل الآدمي (والثالثة) إن كان صوما فعلى كل واحد منهم صوم تام، وإن كان غيره فجزاء واحد، وإن أهدى أحدهما أو أطعم وصام الآخر فعلى المهدي بحصته، وعلى الآخر صيام تام لان الجزاء ليس بكفارة، وانما هو بدل بدليل أن الله تعالى عطف عليه الكفارة فقال (فجزاء مثل ما قتل من النعم..أو كفارة) والصيام كفارة فيكمل ككفارة قتل الآدمي ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) والجماعة انما قتلوا صيدا فلزمهم مثله، والزائد خارج عن المثل، فلا يجب، ومتى ثبت اتحاد الجزاء في الهدي وجب اتحاده في الصيام لان الله تعالى قال (أو عدل ذلك صياما) والاتفاق حاصل على أنه معدول بالقيمة إما قيمة المتلف أو قيمة مثله
فايجاب الزائد على عدل القيمة خلاف النص، ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا ولانه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه فكان واحدا كالدية، وكفارة الآدمي لنا فيها منع فلا تتبعض في ابعاضه ولا تختلف باختلافه، فلم يتبعض على الجماعة بخلاف مسئلتنا (فصل) فان كان شريك المحرم حلالا أو سبعا فالجزاء كله على المحرم في أحد الوجهين وفيه وجه آخر أن على المحرم بحصته كالمحرمين وقد ذكرناه (فصل) وإن اشترك حلال ومحرم في قتل صيد حرمي فالجزاء بينهما نصفين لان الاتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه ولا يزداد الواجب على المحرم باجتماع حرمة الاحرام والحرم، وهذا الاشتراك الذي هذا حكمه هو الذي يقع الفعل منهما معا أو يجرحه أحدهما قبل الآخر ويموت منهما فان جرحه أحدهما وقتله الآخر فعلى الجارح ما نقصه على ما مضى، وعلى القاتل جزاؤه مجروحا (فصل) وان قتل صيدا مملوكا ضمنه بالقيمة لمالكه والجزاء لله تعالى لانه حيوان مضمون بالكفارة فجاز أن يجتمع التقويم في التكفير فلا ضمانه كالعبد
(فصل) وإذا قتل القارن صيدا فعليه جزاء واحد نص عليه أحمد فقال: إذا قتل القارن صيدا فعليه جزاء واحد وهؤلاء يقولون جزاآن فليزمهم أن يقولوا في صيد الحرم ثلاثة لانهم يقولون في الحل اثنين ففي الحرم ينبغي أن يكون ثلاثة وهذا قول مالك والشافعي، وقال أصحاب الرأي جزاآن، وكذلك إذا تطيب أو لبس، قال القاضي وإذا قلنا على القارن طوافان لزمه جزاآن ولنا قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) ومن أوجب جزائين فقد أوجب مثلين، ولانه صيد واحد فلم يجب فيه جزآان كما لو قتل المحرم في الحرم صيدا (باب صيد الحرم ونباته) (مسألة) (وهو حرام على الحلال والمحرم فمن أتلف من صيده شيئا فعليه ما على المحرم في مثله) الاصل في تحريمه النص والاجماع، أما النص فما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والارض فهو حرام بحرمة الله
إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لاحد قبلي ولم يحل لي الا ساعة من النهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها الا من عرفها " فقال العباس يارسول الله: الا الاذخر فانه لقينهم وبيوتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الا الاذخر " متفق عليه.
وأجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم (فصل) وفيه الجزاء على من يقتله بمثل ما يجزى به الصيد في الاحرام، وحكي عن داود أنه لا جزاء فيه لان الاصل براءة الذمة ولم يرد فيه نص فيبقى بحاله
ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم قضوا في الحمام الحرم بشاة شاة، روي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ولم ينقل عن غيرهم خلافهم فيكون اجماعا، ولانه صيد ممنوع منه لحق الله تعالى أشبه الصيد في حق المحرم (فصل) للصوم مدخل في ضمان صيد الحرم عند الاكثرين خلافا لابي حنيفة ولنا أنه يضمن بالاطعام فيضمن بالصيام كالصيد في الاحرام (فصل) ويجب في حمام الحرم شاة، وقال أبو حنيفة فيه في الحرم شاة، وفي حمام الحل في الحرم حكومة، وفي حمام الحرم في الحل روايتان (احداهما) حكومة (والثانية) شاة ولنا ما ذكرنا من قضاء الصحابة ولم يفرقوا.
ذكر هذين الفصلين القاضي أبو الحسن (فصل) وكل ما يضمن في الاحرام يضمن في الحرم الا القمل فانه يباح في الحرم بغير خلاف لانه حرم في حق المحرم لاجل الترفه وهو مباح في الحرم كاباحة الطيب واللبس (فصل) ويضمن صيد الحرم في حق المسلم والكافر، والكبير والصغير، والحر والعبد، وقال أبو حنيفة لا يضمنه الصغير ولا الكافر ولنا أن الحرمة تعلقت بمحله بالنسبة إلى الجميع فوجب ضمانه كالآدمي
(فصل) ويضمن صيد الحرم بالدلالة والاشارة كصيد الاحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص
عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لافرق بين كون الدلالة في الحل والحرم، وقال القاضي لا جزاء على الدال إذا كان في الحل، والجزاء على المدلول وحده كالحلال إذا دل محرما ولنا أن قتل الصيد الحرمي حرام على الدال فيضمن بالدلالة كما لو كان في الحرم يحققه أن صيد الحرم محرم على كل أحد لقوله عليه السلام " لا ينفر صيدها " وفي لفظ " لا يصاد صيدها " وهذا عام في كل أحد، ولان صيد الحرم معصوم بمحله فحرم قتله عليهما كالملتجئ إلى الحرم، وإذا ثبت تحريمه عليهما فيضمن بالدلالة ممن يحرم عليه قتله كما يضمن بدلالة المحرم عليه، وكل ما يضمن به في الاحرام يضمن به في الحرم ومالا فلا لانه صيد ممنوع منه لحق الله تعالى فيضمن بكل ما به في الاحرام وكان حكمه حكمه في وجوب الضمان وعدمه قياسا عليه (مسألة) (وإن رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم، أو أرسل كلبه عليه، أو قتل صيدا على غصن في الحرم أصله في الحل، أو أمسك طائرا في الحل فهلك فراخه في الحرم ضمن في أصح الروايتين) إذا رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم، أو أرسل جارحا عليه فقتله، أو قتل صيدا على غصن في الحرم أصله في الحل ضمنه، وبه قال الشافعي والثوري وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن
أحمد رواية أخرى لاجزاء عليه لان القاتل حلال في الحل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينفر صيدها " ولم يفرق بين من هو في الحل والحرم، وقد أجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم وهذا من صيده، ولان صيد الحرم معصوم بمحله لحرمة الحرم فلا يختص تحريمه بمن في الحرم كالملتجئ، وكذلك الحكم لو أمسك طائرا في الحل فهلك فراخه في الحرم فانه يضمن الفراخ لما ذكرنا دون الام لانها من صيد الحل وهي حلال (مسألة) (وإن قتل من الحرم صيدا في الحل بسهمه أو كلبه، أو صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم، أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل لم يضمن في أصح الروايتين) هذه المسائل عكس التي قبلها والصحيح أنه لا ضمان في ذلك لانه ليس من صيد الحرم، قال أحمد فيمن أرسل كلبه في الحرم فصاد في الحل فلا شئ عليه، وعنه رواية أخرى عليه الضمان في جميع الصور
وعن الشافعي ما يدل عليه، وذهب الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر فيمن قتل طائرا على غصن في الحل اصله في الحرم لا جزاء عليه، وهو ظاهر قول أصحاب الرأي، وقال اسحاق وابن الماجشون عليه الجزاء لان الغصن تابع للاصل وهو في الحرم ولنا أن الاصل حل الصيد حرم صيد الحرم بالنص والاجماع فبقي ما عداه على الاصل ولانه صيد حل اصابه حلال فلم يحرم كما لو كانا في الحل، ولان الجزاء انما يجب في صيد الحرم، أو صيد المحرم وليس هذا واحدا منهما
(فصل) وإن كان الصيد والصائد في الحل فرماه بسهمه، أو أرسل كلبه عليه فدخل الحرم ثم خرج فقتل الصيد في الحل فلا جزاء فيه، وبه قال أصحاب الرأي وأبو ثور وابن المنذر، وحكي عن الشافعي أن عليه الجزاء ولنا ما ذكرنا قال القاضي لا يزيد سهمه على نفسه، ولو عدا بنفسه فسلك الحرم في طريقه ثم قتل صيدا في الحل لم يكن عليه شئ فسهمه أولى (مسألة) (وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيدا في الحرم فعلى وجهين، وان فعل ذلك بسهمه ضمنه) أما إذا رمى من الحل صيدا فيه فقتل صيدا في الحرم فعليه الجزاء، وبهذا قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور لا جزاء عليه ولنا أنه قتل صيدا حرميا فلزمه جزاؤه كما لو رمى حجرا في الحرم فقتل صيدا.
يحققه أن الخطأ كالعمد في وجوب الجزاء وهذا لا يخرج عن أحدهما، فأما أن أرسل كلبه على صيد في الحل فقتله في الحرم فنص أحمد على أنه لا يضمنه وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لانه لم يرسل الكلب على الصيد في الحرم، وانما دخل باختيار نفسه أشبه مالو استرسل بنفسه، وقال عطاء وأبو حنيفة وصاحباه عليه الجزاء لانه قتل صيدا حرميا بارسال كلبه عليه فضمنه كما لو قتله بسهمه وهذا اختيار أبي بكر عبد العزيز
وحكى صالح عن أحمد أنه ان كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه لانه فرط بارساله والا لم يضمنه وهذا قول
مالك فان قتل صيدا غيره لم يضمنه، وهذا قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر لانه لم يرسل الكلب على ذلك الصيد فأشبه مالو استرسل بنفسه، وفيه رواية أخرى أنه يضمن ان كان الصيد قريبا من الحرم لانه مفرط فأشبه المسألة التي قبلها.
إذا ثبت هذا فانه لا يأكل الصيد في هذه المواضع كلها ضمنه أولا لانه صيد حرمي قتل في الحرم كما لو ضمنه، ولاننا إذا ألغينا فعل الادمي صار الكلب كأنه استرسل بنفسه فقتله (فصل) فان رمى الحلال من الحل صيدا فجرحه فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه حل أكله ولا جزاء فيه لان الذكاة حصلت في الحل فأشبه مالو جرح صيدا ثم أحرم فمات الصيد بعد إحرامه ويكره أكله لموته في الحرم (فصل) وان وقف صيد بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم فقتله قاتل ضمنه تغليبا للحرم وبه قال أصحاب الرأي وأبو ثور وإن نفر صيدا من الحرم فأصابه شئ في حال نفوره ضمنه لانه تسبب إلى اتلافه فأشبه ما لو تلف بشركه أو شبكته وان سكن من نفوره ثم أصابه شئ لم يضمنه نص عليه وهو قول الثوري لانه لم يكن سببا لاتلافه وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه وقع على ردائه حمامه فاطارها فوقعت على واقف فانتهزتها حية فاستشار عثمان ونافع بن الحارث فحكما عليه
بشاة وهذا يدل على أنهم رأوا عليه الضمان بعد سكونه فان انتقل عن المكان الثاني فأصابه شئ فلا ضمان عليه لانه خرج عن المكان الذي طرد إليه وقول الثوري وأحمد يدل على هذا قال سفيان إذا طردت في الحرم شيئا فاصاب شيئا قبل أن يقع أو حين وقع ضمنت وان وقع من ذلك المكان إلى مكان آخر فليس عليك شئ فقال أحمد رحمه الله جيد (فصل) قال المصنف رحمه الله (ويحرم قلع شجر الحرم وحشيشه إلا اليابس والاذخر وما زرعه الآدمي وفي جواز الرعي وجهان) أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم البري الذي لم ينبته الآدمي وعلى اباحة أخذ الاذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين حكى ذلك ابن المنذر والاصل ما روينا من حديث أبن عباس وروى أبو شريح وأبو هريرة بنحوه والكل متفق
عليها وفي حديث أبي هريرة " الا وانها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها " وروى الاثرم حديث أبي هريرة وفيه " لا يعضد شجرها ولا يحتش حشيشها ولا يصاد صيدها " فاما ما أنبته الآدمي من الشجر فقال أبو الخطاب وابن عقيل له قلعه من غير ضمان كالزرع، وقال القاضي: ما نبت في الحل ثم غرس في الحرم فلا جزاء فيه وما نبت أصله في الحرم ففيه الجزاء بكل حال، وقال الشافعي في شجر الحرم الجزاء بكل حال أنبته الآدميون أو نبت بنفسه، وحكى أبن البنا في الخصال
مثل ذلك لعموم قوله عليه السلام " ولا يعضد شجرها " وقال أبو حنيفة: لا جزاء فيما أنبت الآدميون جنسه كالجوز واللوز والنخل ونحوه ولا فيما أنبته الآدمي من غيره كالدوح والسلم ونحوه لان الحرم يختص تحريمه ما كان وحشيا من الصيد كذلك الشجر، وقول شيخنا وما زرعه الآدمي يحتمل اختصاصه بالزرع دون الشجر فيكون كما حكاه ابن البنا وهو قول الشافعي ويحتمل أن يعم جميع ما يزرع كقول أبي الخطاب ويحتمل أن يريد ما أنبت الآدميون حشيشه، قال شيخنا والاولى الاخذ بعموم الحديث في تحريم الشجر كله الا ما أنبته الآدميون من جنس شجرهم بالقياس على ما أنبتوه من الزرع والاهلي من الحيوان فاننا أنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله أنسيا دون من تأنس من الوحشي كذا ههنا (فصل) ويحرم قطع الشوك والعوسج وقال القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل لا يحرم وروي عن عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي لانه يؤذي بطبعه أشبه السباع من الحيوان ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يعضد شوكها " وفي حديث أبي هريرة " لا يختلى شوكها " وهذا صريح وهو راجح على القياس (فصل) ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش لانه بمنزلة الميت ولا يقطع ما انكسر ولم يبن لانه قد تلف فهو بمنزلة الظفر المنكسر ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الاغصان وانقلع من
الشجر بغير فعل آدمي ولا فيما سقط من الورق نص عليه ولا نعلم فيه خلافا لان الخبر إنما ورد في القطع وهذا لم يقطع فاما إذا قطعه آدمي فقال احمد لم أسمع إذا قطع ينتفع به وقال في الدوحة تقطع
من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها لانه ممنوع من اتلافه لحرمة الحرم فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به كالصيد يذبحه المحرم ويحتمل أن يباح لغير القطع للانتفاع به لانه انقطع بغير فعله فابيح له الانتفاع به كما لو اقلعته الريح ويفارق الصيد الذي ذبحه لان الذكاة يعتبر لها الاهلية ولهذا لا يحصل بفعل البهيمة بخلاف هذا (فصل) وليس له أخذ ورق الشجر وقال الشافعي له اخذه لانه لا يضر به وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السنا يستمشي به ولا ينزع من أصله ورخص فيه عمرو بن دينار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها " رواه مسلم ولان ما حرم أخذه حرم كل شي ء منه كريش الطير وقولهم لا يضر به ممنوع فانه يضعفه وربما آل إلى تلفه (فصل) ويحرم قطع حشيش الحرم الا ما استثناه الشرع من الاذخر وما أنبته الآدميون واليابس لقوله عليه السلام " لا يحتش حشيشها " وفي استثنائه الاذخر دليل على تحريم ما عداه وفي جواز رعيه وجهان (احدهما) لا يجوز وهو مذهب أبي حنيفة لان ما حرم أتلافه لم يجز أن يرسل
عليه ما يتلفه كالصيد (والثاني) يجوز وهو مذهب عطاء والشافعي لان الهديا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه فلم ينقل أنها كانت تسد أفواهها ولان الحاجة تدعو إليها أشبه قطع الاذخر ويباح أخذ الكمأة من الحرم وكذلك الفقع لانه لاأصل له فأشبه الثمرة وروى حنبل قال يؤكل من شجر الحرم الضغابيس والعشرق وما سقط من الشجر وما أنبت الناس (مسألة) (ومن قطعه ضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش بقيمته والغصن بما نقصه فان استخلف سقط الضمان في أحد الوجهين) يجب الضمان في اتلاف شجر الحرم وحشيشه، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك وأبو داود وابن المنذر لا يضمن لان المحرم لا يضمنه في الحل فلا يضمن في الحرم كالزرع قال ابن المنذر لااجد دلالة أوجب بها في شجر الحرم فرضا في كتاب ولا سنة ولا اجماع وأقول كما قال مالك نستغفر الله تعالى
ولنا ما روى أبوهشيمة قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه امر بشجر كان في المسجد بضر باهل الطواف فقطع وفدا قال وذكر البقرة رواه حنبل في المناسك وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة قال والدوحة الشجرة العظيمة والجزلة الصغيرة ونحوه عن عطاء ولانه ممنوع منه لحرمة الحرم فضمن كالصيد ويخالف المحرم فانه لايمنع من قطع شجر الحل ولا زرع الحرم إذا ثبت هذا فانه يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش بقيمته والغصن بما
نقص كاعضاء الحيوان، وبه قال الشافعي وقال أصحاب الرأي يضمن الكل بقيمته، وعن احمد مثل ذلك وعنه في الغصن الكبير شاة ولنا قول ابن عباس وعطاء لانه أحد نوعي ما يحرم اتلافه فكان فيه ما يضمن بمقدر كالصيد فان قطع غصنا أو حشيشا فاستخلف سقط ضمانه كما لو قطع شعر آدمي فنبت وفيه وجه آخر أنه لا يسقط لان الثاني غير الاول فهو كما لو حلق المحرم شعرا فعاد (فصل) ومن قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر فيبست ضمنها، لانه أتلفها وان غرسها في الحرم فنبتت لم يضمنها لانه لم يتلفها ولم تزل حرمتها وان نقصت ضمن نقصها وان غرسها في الحل فنبتت فعليه ردها إليه لانه أزال حرمتها فان تعذر ردها أو ردها فيبست ضمنها وإن قلعها غيره من الحل فقال القاضي الضمان على الثاني لانه أتلفها فان قيل فلم لا يجب على المخرج كالصيد إذا نفره انسان من الحرم فقتله انسان في الحل فان الضمان على المنفر قلنا الشجر لا ينتقل بنفسه ولا تزول حرمته باخراجه ولهذا وجب على مخرجه رده والصيد يكون تارة في الحرم وتارة في الحل فمن نفره فقد فوت حرمته فلزمه جزاؤه وهذا لم يفوت حرمتها بالاخراج فكان الجزاء على المتلف لانه أتلف شجرا حرميا محرما اتلافه (مسألة) (وان قطع غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه وان قطع غصنا في الحرم أصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين) إذا كانت الشجرة في الحرم غصها في الحل فعلى قاطعه الضمان لانه تابع لاصله وان كانت في
الحل وغصنها في الحرم لم يضمنه في أحد الوجهين اختاره القاضي لانه نابع لاصله فهي كالتي قبلها وفي الآخر يضمنه اختاره ابن أبي موسى لانه في الحرم فان كان بعض الاصل في الحرم وبعضه في الحل ضمن الغصن سواء كان في الحل أو في الحرم تغليبا لحرمة الحرم كالصيد الواقف بعضه في الحل وبعضه في الحرم (فصل) يكره اخراج تراب الحرم وحصاه لان ابن عباس وابن عمر كرهاه ولا يكره اخراج ماء زمزم لانه يستخلف فهو كالثمرة (فصل) قال رحمه الله ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها الا ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل والعارضة القائمة ونحوها ومن حشيشها للعلف ومن أدخل إليها صيدا فله امساكه وذبحه صيد المدينة وشجرها وحشيشها حرام، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يحرم لانه لو كان محرما لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ولوجب فيه الجزاء كصيد الحرم ولنا ما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة حرم مابين ثور إلى عير " متفق عليه وروى تحريم المدينة أبو هريرة ورافع وعبد الله بن زيد في المتفق عليه ورواه مسلم عن سعد وجابر وأنس رضي الله عنهم وهذا يدل على تعميم البيان وليس هو في الدرجة دون أخبار تحريم الحرم وقد قبلوه وأثبتوا أحكامه على أنه ليس بممتنع أن يبينه بيانا خاصا أو بينه بيانا عام فينقل خاصا كصفة الاذان والاقامة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: