• 20‏/4‏/2016

    الشافعية فقه - الاقرار - الحجر - الامامة - ج 39

    الإقرار
    تعريف الإقرار :
    الإقرار لغة : الإثبات ، مأخوذ من : قر الشيء ، إذا ثبت .
    والإقرار شرعاً : إخبار عن حق ثابت على المخبر . ويسمى الإقرار اعترافاً .
    دليل مشروعية الإقرار :


    الإقرار مشروع ، وقد ثبتت مشروعيته ، بنص الكتاب ، والسنة وإجماع الأُمة
    أما الكتاب فقول الله عز وجل : ? َأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ? ( سورة آل عمران : 81) .
    [ إصري : عهدي ]
    وقوله تبارك وتعالي : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ? ( سورة النساء : 135)
    [ قوامين بالقسط : دائمي القيام بالعدل ] .
    قال العلماء : شهادة الإنسان على نفسه ، معناها الإقرار .
    وأما في السنة فما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اغد يا أنيس إلي امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت ، فأمر بها رسول اله - صلى الله عليه وسلم - فرُجمت ( رواه البخاري [2575] في الشروط ، باب : الشروط التي لا تحل في الحدود ، ومسلم [1697] في الحدود ، باب : من اعترف على نفسه بالزنى ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما ) .
    أما الإجماع ، فقد نقل عن العلماء أنه منعقد على مشروعيته ، وأن المقر مؤاخذ بإقراره .
    حكمة تشريع الإقرار :
    والحكمة من تشريع الإقرار ، وجود الحاجة إليه ، وما أكثر ما تشرع الأحكام تلبية لمقتضي حاجة الناس إليها . فقد يكون على المرء حق لا بينه لصاحبه عليه ، فلو لم يكن الإقرار مشروعاً ، ولا حجة على المقر لضاع كثير من هذه الحقوق ، والإسلام ـ كما هو معلوم ـ حريص على إثبات الحقوق إلي أصحابها ، وإيصالها إليهم ـ كما هو معلوم ـ حريص على إثبات الحقوق إلي أصحابها ، وإيصالها إليهم . وهو دائماً يسعى إلي حفظ الأموال وصيانتها من الضياع ، فكان طبيعياً إذا أن يشرع الإقرار ويعتد به .
    وكذلك إن كانت الحقوق غير أموال ، سواء كانت الله ، أو لآدمي ، فإنها تظهر بالإقرار ، وتتضح ، فيؤخذ حق الآدمي ، وتؤدى حقوق الله عز وجل .
    فقد اعترف ماعز بن مالك رضي الله عنه أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزنى ، واقر به وطلب من الرسول أن يطهره منه ويقيم الحد عليه أداء الحق الله تعالى ، فأمر - صلى الله عليه وسلم - برجمه حتى مات .
    وكذلك أقرت امرأة من غامد بالزني ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت . جاء هذا في البخاري [2575] ومسلم [1695] .
    وهذا يدل على مشروعية الإقرار ، وبيان الحكمة من تشريع وانه حجة يؤخذ به المقر ولو كان الحق لله تعالى .
    المقر به من الحقوق وحكم الرجوع فيه :
    المقر به من الحقوق نوعان :
    حق الله عز وجل ، وحق العباد .
    النوع الأول : حق الله تعالى :
    حق الله تعالى ، مثل حد الزني ، وحد السرقة ، وحد الردة ، وشرب الخمر، والزكاة والكفارة ونحوها ، فهذه الحقوق إنما شرعت إقامة للدين ، وتحقيق مصالح المجتمع .
    وحكم حق الله عز وجل أنه تنفع فيه التوبة فيما بين العبد وربه ، ويصح الرجوع عنه بعد الإقرار فيه ، لأن مبنى حق الله عز وجل على الدرء والستر .
    ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض لماعز بن مالك بالرجوع عندما أقر على نفسه بالزني فقال له " لعلك قبلت ، أو غمزت " . ومعنى هذا الكلام الإشارة على تلقينه الرجوع عن الإقرار بالزني ، واعتذاره بشبهة يتعلق بها .
    وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة " . (أخرجه الترمذي [1424] في الحدود ، باب : ما جاء في درء الحدود) .
    ولا شك أن الرجوع عن الإقرار شبهة تسقط الحدود.
    ويندب للقاضي أن يعرض للمقر بالرجوع ، ولا يقول له : ارجع ، فيكون أمراً له بالكذب .
    فلو رجع المقر بعد إقراره بحقوق بالله وجل ، صح رجوعه ، وزال عنه حكم ما كان أقر به .
    يدل على ذلك ، ما جاء في قصة رجم ماعز بن مالك رضي الله عنه ،أنه لما وجد مس الحجارة فر ، فأدركوه ورجموه ، وأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " هلا تركتموه " . (رواه البخاري [4670] ، ومسلم [1691] في نفس الأبواب السابقة ، كما رواه الترمذي [1428] في الحدود ، باب : ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع )
    النوع الثاني : حق العباد :
    وهذا الحق لا يصح الرجوع فيه عن الإقرار ، لتعلق حق المقر له بالحق المقر به إلا إذا كذبه المقر له به ، فحينئذ يصح له الرجوع به .
    فلو أنه بدين لزيد ، أو إتلاف ، أو قذف ، فإنه لا يصح الرجوع عنه ، ويلزمه ما أقر به ، إلا كذبه المقر له ، كما قلنا .
    شروط المقر :
    للمقر شروط حتى يصح إقراره أمام القضاء ، ويعتد به . وهذه الشروط هي :
    البلوغ ، فلا يصح إقرار صبي دون البلوغ ، ولو كان مميزاً ، لامتناع تصرفه ، ولرفع القلم عنه .
    العقل ، فلا يحص إقرار مجنون أو مغمي عليه ، أو من زال عقله بعذر ، لامتناع تصرفهم ، وعدم تمييزهم ، ولرفع القلم عنهم . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل " . ( رواه أبو داود [4403] ، وغيره ، عن على رضي الله عنه ) .
    الاختيار ، فلا يعتد بإقرار المكره بما أكره عليه . روي ابن ماجه [2044] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " " إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ، ما لم تعمل به أو تتكلم به ، وما استكرهوا عليه " أي أنه سبحانه وتعالى أسقط التكليف عن المكره فيما استكره عليه ، فلا يصح إقراره فيما أكره على الإقرار به ، بل إن الله تعالى الغي اعتبار الإقرار بالكفر حال الإكراه مع طمأنينة القلب ، فقال تعالى : ? إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ? (سورة النحل : 106) فلا اعتبار للإقرار بغيره من باب أولي .
    أن لا يكون محجوراً عليه ، فإن كان محجوراً عليه فإنه لا يصح إقراره بدين في معاملة أسند وجوب الدين إليها قبل الحجر أو بعده ، وكذلك لا يصح إقراره بإتلاف مال قبل الحجر ، أو بعده ، لأن المحجور عليه ممنوع من التصرف بماله .
    ويصح إقرار المحجور عليه بالحد والقصاص ، لعدم تعلقها بالمال ، ولبعد التهمة ، فإذا كان الحد قطع سرقة قطع ، ولا يلزمه المال المسروق الذي اقر به .
    شروط المقر له :
    يشترط في المقر له الشروط التالية :
    أن يكون المقر له معيناً نوع تعيين بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب .
    فلو قال : لإنسان أو لواحد من بني آدم على ألف ، لم يصح إقراره لأنه إقرار لمبهم ، والإبهام مبطل للإقرار .
    ولو قال : لأحد هؤلاء الثلاثة على ألف صح إقراره لوجود التعيين ولو بالجملة ، فإذا قل واحد منهم أنا المراد بالإقرار صدق بيمينه إن لم يكذبه المقر ، لاحتمال أن يكون هو المراد ، ويمينه يؤكد ذلك ، أضف إلي ذلك عدم تكذيب المقر له ز
    أن يكون المقر له فيه أهلية استحقاق المقر به ، لأن الإقرار حينئذ يصادف محله ، وصدقه محتمل . فلو قال : لهذه الدابة على ألف لم يصح إقراره ، لأن الدابة ليست أهلاً للاستحقاق ، فإنها غير قابلة للملك في الحال ولا في المآل .
    الا يكذب المقر له المقر ، فلو كذبه في إقراره بطل إقراراه ، وبقي المال المقر به في يده ، أن يده تشعر بأنه مالك للمال ولو ظاهراً ، والإقرار الطارئ عارضه التكذيب فسقط .
    شروط الصيغة :
    يشترط في صيغة الإقرار لفظ صريح أو كناية تشعر بالتزام ، وتدل عليه ، وفي معنى اللفظ الصريح الكتابة مع النية ، وإشارة الأخرس المفهمة .
    ـ فلو قال : لزيد على ألف ، أو له في ذمتي ألف ، كان ذلك إقراراً ، وحمل على الدين الملتزم بالذمة ، لأنه المتبادر من الصيغة عرفاً .
    ـ ولو قال : لزيد معي أو عندي ألف كان ذلك أيضاً إقراراً ، وحمل على العين ، لأنهما ظرفان ، فيحمل كل منهما عند الإطلاق على عين له بيده .
    ـ ولو قال له إنسان : لي عليك ألف ليرة فقال : بلى ، أو نعم ، أو صدقت ، فإقرار لأن هذه الألفاظ موضوعة للتصديق .
    ـ ولو قال له : أبرأتني منه أو قضيته له ، فهو إقرار أيضاً ، لأنه قد اعترف بشغل ذمته بالحق ، ثم ادعى الإسقاط والأصل عدمه .
    شروط المقر به :
    يشترط في الحق المقر به أن لا يكون ملكاً للمقر حين يقر به ، لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك ، وإنما هو إخبار عن كونه مملوكاً للمقر له.
    فلو قال : ثوبي لزيد ، أو ديني الذي لي على زيد لعمر لم يصح هذا الإقرار، لأن إضافة هذه الحقوق لنفسه تقتضي أنه مالكها ، فينا في ذلك إقراره بها لغيره.
    أن يكون الحق المقر به في يد المقر ، ليسلمه بالإقرار إلي المقر له ، لأنه إذا لم يكن في يده كان إقراره إما دعوى عن الغير بغير إذنه ، أو شهادة بغير لفظها فلا تقبل .
    فلو أقر بحق ولم يكن في يده ، ثم صار في يده عمل بمقتضي الإقرار لوجود شرط العمل فيسلم للمقر له .
    الإقرار بمجهول :
    يصح الإقرار بالمجهول ، لأن الإقرار إخبار عن حق سابق ، والشيء يخبر عنه مفصلاً تارة ، ومجملاً تارة أخري .
    فإذا قال : لزيد على مال صح إقراره ، ورجع إليه في تفسيره ، ويقبل تفسيره بكل ما يتمول وإن قل كدرهم مثلاً ، لأن اسم المال صادق عليه .
    وإذا أقر بمجهول وامتنع من تفسيره حبس حتى يبين قدر الحق الذي أقر به ن لأن البيان واجب عليه ، فإذا امتنع منه حبس كالممتنع من أداء الدين .
    الاستثناء في الإقرار وحكمه :
    يصح الاستثناء في الإقرار ، لكثرة وروده في القرآن الكريم وغيره من السنة النبوية ، وكلام العرب في نثرهم وأشعارهم .
    فلو قال : على ألف إلا مائة صح إقراراه ولزمه تسعمائة .
    شروط صحة الاستثناء في الإقرار :
    ويشترط في الاستثناء شروط حتى يكون صحيحاً منها :
    أن يتصل المستثني المستثنى منه في الكلام ، بحيث يعد معه كلاماً واحداً عرفاً ، فلا يضر الفصل اليسير بسكتة تنفس أو تذكر .
    أما لو طال الفصل ن وانقطع الكلام الأول عن الثاني ، بحيث لم يعد عرفا متصلاً به فإن الاستثناء لا يصح ، ويثبت كامل الحق المقر به قبل الاستثناء .
    ب ـ أن لا يستغرق المستثني منه ، كأن يقول : له على خمسة إلا أربعة فإن الاستثناء يصح ويلزمه واحد فقط .
    أما إذا قال : له على خمسة إلا خمسة ، فاستثناؤه باطل ، وتلزمه الخمسة كاملة ، لأنه قد أقر بها .
    الاستثناء المنقطع :
    ويصح الاستثناء من غير جنس المستثني منه ، ويسمى استثناءً منقطعاً ، لوروده في القرآن الكريم وغيره ، ومنه قوله تعالي : ? أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ? (سورة الشعراء : 75-77) .
    فلو قال : له على ألف ليرة إلا ثوباًَ صح إقراره ، ويجب أن يبين بثوب قيمته أقل من ألف ليرة ، حتى لا يستغرق المستثني المستثنى منه ، فإن فسره بثوب قيمته ألف بطل تفسيره والاستثناء ، ولزمه ألف ليرة .
    الاستثناء من معين :
    يصح أيضاً الاستثناء من معين ، كأن يقول : لزيد هذه الدار إلا هذا البيت ، لأنه إقرار وإخراج بلفظ متصل ، فهو كالتخصيص .
    الإقرار في حال المرض :
    يصح الإقرار في حال المرض ، ولو مرض موت ، ويكون حكمه حكم الإقرار في حالة الصحة ، فلو اقر في صحته بدين لإنسان ، وفي مرضه بدين لآخر صح إقراره بدين المرض ، ولم يقدم عليه دين الصحة . وكذلك يقبل إقراره في مرض موته لوارثه كالأجنبي ، لأن الظاهر أنه محق ، لأنه انتهي إلي حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب فيها الفاجر .
    الباب التاسع
    الحجر
    الحجر
    تعريف الحجر :
    الحجر في اللغة : المنع . والحجر في اصطلاح الشريعة الإسلامية : هو المنع من التصرفات المالية لسبب يخل بها شرعاً .
    والأسباب التي تخل بالتصرفات فتستوجب الحجر كثيرة ومتنوعة ، ويتنوع الحجر تبعاً لها . فمن أنواعه الحجر على المفلس لحق الغرماء ، والحجر على المريض مرض الموت لحق الورثة ، والحجر على الصغير والمجنون محافظة على مالهما ، والحجر على الراهن في التصرف في المرهون لحق المرتهن . وأكثر هذه الأنواع موزعة في أبواب فقهية مختلفة ، كباب الرهن ، والوصية ، والردة ، وسنتحدث في هذا الباب عن أهم هذه الأنواع ، ونحيل علم الأنواع الأخرى إلي الأبواب التي تذكر فيها ، وسوف تجد أحكامها في هذه السلسلة الفقهية.
    دليل مشروع الحجر :
    الحجر بالمعني الذي ذكرناه مشروع ، ومقرر في الفقه ، ودليل تشريعه القرآن والسنة والإجماع .
    أما القرآن فقول الله عز وجل : ? وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ? (سورة النساء : 5) .
    [ السفهاء : جمع سفيه ، وهو الذي لا يحسن التصرف بالمال ن ويضعه في غير مواضعه ، أموالكم : نسب المال إلي الجميع ، لأنه مال الله تعالى ، وللأمة حق فيه وإن كان ملكاً خالصاً للفرد . قياماً : فيه قيام معايشكم وقضاء مصالحكم].
    ووجه الاستدلال بالآية أن الله عز وجل نهى الأولياء أن يضعوا الأموال بين أيدي السفهاء ، وهذا هو الحجر عليهم .
    وقال تبارك وتعالى : ? فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ? ( سورة البقرة : 281) .
    [ الذي عليه الحق : المستدين . ضعيفاً : لصغر ، أو اختلال عقل . لا يستطيع أن يمل : لا يحسن الإملاء لعقدة في لسانه ونحوه ، والإملاء هنا : أن يقرأ على الكاتب عقد الدين ليكتبه]
    ووجه الاستدلال بالآية : أن الله تعالى أخبر أن هؤلاء ينوب عنهم أولياؤهم في التصرف وهو معنى الحجر عليهم .
    وقال عز وجل أيضاً : ? وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ? ( سورة النساء : 6 ) .
    [ ابتلوا: اختبروا . اليتامى : جمع يتيم ، وهو الصغير الذي مات والده . بلغوا النكاح : أصبحوا أهلاً للزواج ، والمراد به البلوغ . آنستم : لمستم وعرفتم . رشداً : سلامة عقل وحسن تصرف وصلاح دين ]
    دلت الآية على أن الذي لم يلمس منه الرشد ، لا يجوز أن يدفع له ماله ، بل يحجر عليه حتى يرشد .
    وأما دليل السنة ، فما رواه عبدالرحمن بن كعب عن أبيه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجر على معاذ ماله ، وباعه على دين كان عليه . رواه البيهقي [6/48] والحاكم [4/101] في الأحكام وصححه .
    وروي ابن عمر رضي الله عنه ، قال : عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني . ( أخرجه البخاري [3871] في المغازي ، باب : غزوة الخندق ، ومسلم [1868] في الإمارة ، باب : بيان سن البلوغ ) .
    وروي مالك [1456] في الوصية عن عمر رضي الله عنه قال : ألا إن الأسيفع ـ أسيفع جُهينة ـ رضي من دينه وأمانته : أن يقال : سبق الحاج ، فأدان معرضاً عن الوفاء ، فأصبح وقد رين به ن فمن كان له عنده شيء فليحضر غداً ، فإنا : بائعوا ماله وقاسموه بين غرمائه ، ثم إياكم والدين ، فإن أوله هم ، وآخره حزن .
    [ فادان : استدان . رين به : تراكمت عليه الديون . غرماؤه : جمع غريم وهو صاحب الدين] .
    وأما الإجماع فمنعقد على مشروعية الحجر وجوازه ، من غير نكير من أحد من العلماء ، وكيف ينكره أحد ، وقد دلت عليه النصوص الثابتة في القرآن والسنة .
    الحكمة من تشريع الحجر :
    الحجر عمل سلبي احتياطي ، يستهدف تحقيق مصلحة المحجور عليه إن كان طفلاً أو سفيهاً أو نحوهما ، ويستهدف مصلحة غيره من ذوي الحقوق إذا كان مفلساً ، ذلك لأن الطفل والسفيه ومن في حكمهما كالمجنون ، لا تسقط أهلية التملك والاحتياز في حقهم ، وإنما ثمرة الملكة ما يتبعها من سياسة التصرف كالبيع والشراء والإيجار ، ونحو ذلك ، وهي لا تستقيم إلا على رشد كامل ونباهه تامة في شؤون المال والدنيا ، فكان لا بد من كف يد هؤلاء الذين لم يتكامل فيهم الرشد والوعي الدنيوي عن التصرف بأموالهم ، على أن ينوب عنهم في ذلك من توفرت لديهم هذه البصيرة الدنيوية ريثما يبلغون أشدهم ، ويصبحون قادرين على إصلاح أمرهم .
    أما المفلس الذي تراكمت عليه الديون ، فيغلب عليه أن يتناسى ـ في غمرة الضيق الذي ينتابه ـ حقوق الآخرين ، فيتصرف بماله الباقي عنده على نحو يضر أصحاب الحقوق ويفوت عليهم حقوقهم ، أو ما يمكن أن يحصلوا منها ، فكان في الحجر عليه عن طريق الرقابة العادلة ما يضمن توفير حق الغرماء مع عدم الإضرار به ، مهما أمكن ذلك .
    أنواع الحجر :
    قلنا : إن الحجر أنواع مختلفة ، ولكن الكثير من هذه الأنواع منتثر في أماكنه من أبواب متفرقة في الفقه ، ولذا فلن نتعرض لها ههنا .
    أما الأنواع الرئيسية التي سوف نتناولها في هذا الباب ، فهي الأنواع التالية :
    الحجر على الصبي ومن في حكمه ، كالسفيه والمجنون .
    الحجر على المفلس .
    الحجر على المريض المخوف عليه الموت .
    وسندرس فيما يلي كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة على حدة مع إيضاح الأحكام المتعلقة به .
    أحكام الحجر على الصبي ومن هو في حكمه :
    ونقصد بمن كان في حكم الصبي كلاً من السفيه والمجنون .
    فأما الصبي :
    فهو من لم يحتلم ، أو يبلغ سن الحلم ، وهو خمس عشرة سنة .
    وأما السفيه :
    فهو من لم يكن رشيداً ، بحيث لا يقيم مصالح دينه ودنياه : بأن يكون مبذراً لا يبالي أن يغبن غبناً فاحشاً في معاملاته ، أو أن يرمي ماله في غير طائل ، أو أن ينفقه في المحرمات التي لا وجه لها .
    وأما المجنون :
    فهو فاقد التمييز سواء كان بشكل جزئي أو كلي ، إذا كان ذلك يسرى بالاضطراب إلي تصرفاته المالية .
    أهم الأحكام المتعلقة بالحجر على هؤلاء :
    هناك أحكام تعلق بالحجر على هؤلاء الأصناف الثلاثة من الناس نجملها فيما يلي :
    أولاً : لا يصح تصرف الصبي ولا السفيه ولا المجنون في بيع أو شراء أو رهن ، أو هبه أو نكاح ونحوها ، أي لا يصح أن يكون أحدهم طرفاً مستقلاً في أي عقد من العقود ، إذ هو ثمرة الحجر الذي دل عليه نص الكتاب الكريم والسنة المشرفة . وترتب علي هذا الحكم :
    أنه لو اشتري أو اقترض مثلاً ، وقبض المال ، ثم تلف تحت يديه بآفة ، أو أتلفه بتقصير منه ، لم يضمنه المحجور عليه ، ولم يكن للبائع ، او لمقرض حق في تضمينه ومطالبته ، سواء علم حاله أم لم يعلم ، لأن عليه ان يتحرى لمصلحته ، ولأنه هو المفرط في حق نفسه ، إذ هو الذي سلط المحجور عليه على إتلافه بإقباضه إياه .
    نعم يضمن المحجور عليه في ثلاث حالات :
    الحالة الأولي : أن يقبضه ممن هو مثله في عدم الرشد .
    الحالة الثانية : أن يقبضه من رشيد ، ولكن بدون إذنه .
    الحالة الثالثة : أن يطالبه البائع ، أو المقرض بالتسليم ، فلا يستجيب المحجور عليه ثم يتلف المال المقبوض بعد ذلك .
    ففي هذه الحالات الثلاث يضمن المحجور عليه ، أي يثبت في ذمته قيمة المتلف ، لعدم وقوع أي تقصير من جانب المقبض .
    ب ـ وترتب على ذلك أيضاً أنه لا يعتد بشيء من إقراراته المتعلقة بالمال ، سواء كانت عائدة إلي ما قبل الحجر ، أو بعده ، كإقراره بدين ، أو إتلاف مال، إذ إن المحجور عليه بما ذكرنا لا يتمتع بأهلية تمكنه من أن يتعلق به أي التزامات ماليه ، بخلاف ما إذا اقر بموجب حد أو قصاص ، فهو إقرار صحيح تترتب عليه أحكامه ، لأنه غير مستوجب لأي التزام مالي من حيث الأصل .
    نعم إذا أقر بعد رشده بأي التزام مالي كان قد لزمه أثناء الحجر صح إقراره قطعاً ، وكلف بدفعه .
    ثانياً : يعتد بجميع التصرفات التي لا تتعلق بالمال ، ولا تترتب عليها ذمم مالية ، من الصبي ومن في حكمه ، وهو السفيه والمجنون . فتصح عباداتهم على اختلافها ، إلا المجنون المطبق فيما يشترط فيه التمييز . ولكن ليس لهؤلاء أن يتولوا تفريق زكاة أموالهم بأنفسهم ، إذ هو تصرف مالي لا ينفذ إلا ممن كان ذا أهلية ورشد ، وإنما يتولي ذلك عنه وليه ، أو يأذن له وليه ، ويعين له الأشخاص الذين ينبغي أن يدفع زكاته إليهم ، على أن يدفع المحجور عليه إليهم بحضرة الولي وإشرافه ، خشية أن يتلف المال إذا خلا به .
    ثالثاً : إذا كان مصدر السفه هو الصغر ، أي بحيث لم يكن مسبوقاً برشد ، ترتبت الأحكام المذكورة عليه بدون الحاجة إلي أدعاء ، ولا إلي حكم قاض بذلك ،فإذا ارتفع السفه ، وتحقق الرشد ، وانتهي الحجر بموجب ذلك ، ثم عاد السفه لسبب عارض ، لم تعد هذه الأحكام المذكورة إلا بموجب حكم يصدره القاضي ، ومثل السفه في ذلك الجنون .
    رابعاً : ولي الصبي ومن في حكمه ، ممن لم يطرأ موجب الحجر عليه عرضاً ، بل نشأ معه منذ صغره ، وهو الأب ، ثم الجد للأب وإن علا ، ثم وصيهما ، بشرط العدالة في كل منهما ، فإن فسق الولي بعد أن كان عدلاً نزع القاضي الولاية منه ، واختار لها من يراه ، أو باشرها بذاته ، وذلك لما رواه الترمذي [1102] في النكاح ، باب : ما جاء لا نكاح إلا بولي ، بسند حسن ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " السلطان ولي من لا ولي له " .
    أما من طرأ عليه السفه أو الجنون بعد رشد ، فإن وليه القاضي ، أو من ينيبه عنه ، إذ هو الذي يملك ضرب الحجر عليه ، فكان حق الولاية له .
    خامساً : يجب على الولي أيا كان أن يتصرف بمال المحجور عليه حسب ما تقتضيه المصلحة ، بأن يحفظه عن التلف ، وينميه بالوسائل الممكنة ، التي لا مقامرة فيها ، فيتاجر به ، أو يبتاع به عقاراً ، أو يسخره في غير ذلك من وجوه التنمية التي يغلب فيها احتمال الغبطة والربح ، وذلك لقوله تعالى : ?وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ? (سورة النساء: 5) .
    ومكان الاستدلال في الآية : قوله تعالى : ? وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ? فقد عدى الفعل (بفي ) ولم يعده (بمن) تنبيهاً إلي أن على الولي أن ينفق على موليه من ريع ماله ، لا من عينه بحيث يبقي ماله بذلك أشبه ببيت يستقر فيه ، لا يأتي عليه نقصان ولا تلف .
    فإن راعي الولي وجه الغبطة والحيطة في تنمية مال موليه ، فخسر المال لسبب لا بد له فيه ، لم يضمن ، ويصدق الولي بيمينه ، إن وقع خلاف بينه وبين المحجور عليه بعد الرشد .
    وهل يجوز للولي أن يأخذ أجراً على رعايته لمال المحجور ؟ الصحيح أنه إن كان غنياً لم يجز له ذلك ، ,إن كان فقيراً ، وشغلته هذه الرعاية عن كسبه والتفرغ لشأن نفسه ، جاز له أن يأخذ أجراً على ذلك بالمعروف . وإنما يعين القدر الذي يقضي به العرف الحاكم أو من يقوم مقامه . ودليل هذا الحكم قول الله عز وجل : ? وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً ? (سورة النساء :6).
    أحكام الحجر على المفلس :
    المفلس في اللغة ، مأخوذ من الفلس ، وهو أقل النقود قيمة ، ويقصد به من تحولت أمواله إلي فلوس ،كناية عن افتقاره .
    أما المفلس في اصطلاح الشريعة الإسلامية ، فهو من تراكمت عليه ديون حالة زائدة على ماله .
    وللحجر على المفلس أحكام مختلفة نجمل أهمها فيما يلي :
    أولاً : لا يجوز الحجر علي المفلس إلا إذا زادت الديون التي عليه عن الأموال التي يملكها ، فإذا تساويا ، أو زادت ممتلكاته عليها لم يجز الحجر عليه ، سواء كانت نفقاته من هذه الأموال ذاتها ، أم من كسب يومي يكتسبه ، لأن الأدلة التي دلت على مشروعية الحجر على المفلس خاصة بما إذا زادت الديون التي عليه على ممتلكاته ، ومنها حديث حجره عليه الصلاة والسلام على معاذ بن جبل السابق ذكره ، عند عرض الأدلة .
    ثانياً : لا يحجر على المفلس إلا بسؤال الغرماء ذلك ، فإن اختلفوا فيما بينهم استجيب لرغبة طالبي الحجر يشرط أن تزيد ديونهم بمفردها على مجموع ماله .
    ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حجر على معاذ طلب غرماؤه ذلك ، ولأن الحجر إنما هو لمصلحة الغرماء ، فإذا لم يصرحوا بطلب الحجر ، فإن ذلك يعني أنه لم يتبين لهم مصلحة في الحجر ، فلا يضار المفلس بذلك .
    ثالثاً : إذا أوقع الحاكم الحجر على المفلس ، تحولت حقوق الغرماء من التعلق بذمته إلي التعلق بأمواله : أي إن شأنها يصبح كشأن العين المرهونة التي يتعلق بها حق المرتهن .
    ولذلك يعطيهم الشارع حق التسلط على هذه الأموال ، باستيفاء حقوقهم وديونهم منها .
    رابعاً : يسن للحاكم أن يشهر قرار الحجر على المفلس حتى يتقلي الناس من التعامل المطلق معه .
    خامساً : يجيب على الحاكم أو من ينيبه عنه أن يبيع ماله ، ثم يقسم القيمة بين الغرماء حسب دين كل منهم ، ويسن أن يبادر بذلك قدر الإمكان ، وعليه أن يتبع مصلحة المحجور عليه في طريقة البيع وكيفيته ، كأن يقدم أولاً بيع ما يسرع فساده ، كالطعام ونحوه ، ثم المنقول ، ثم العقار ، وكأن يبيع كل شيء في سوقه وثمنه الذي يستحقه ويسن أن يكون ذلك بمشهد من المحجور عليه ، وأصحاب الحقوق .
    ويجب أن يبقي له الحاكم حاجاته ، وحاجات أهله الضرورية بالمستوي اللائق به ، من ثياب وقوت ومسكن ، فإن كان يمتع نفسه من ذلك ما يزيد على اللائق به نزل به إلي الحد الذي يرى أنه اللائق به
    سادساً : إذا قسم المال أو ثمنه على الغارمين ، كل منهم بنسبة وجب عليهم أن يمهلوه فيما بقي لهم عليه ، إلي أن تحل عقدة عسرته ، وذلك عملاً بقول الله عز وجل : ? وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ? (سورة البقرة : 280) ، ولما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها ، فكثرت ديونه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تصدقوا عليه " ، فتصدق الناس عليه ، ولم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلا ذلك " .
    ويترتب على ذلك أن المحجور عليه لا يطالب بعد تقسيم ماله بين الغرماء، أن يكتسب لحسابهم ، أو أن يؤجر نفسه لهم ، كي يوفي بقية حقوقهم عليه .
    تصرف المفلس بعد الحجر عليه :
    يترتب على الحجر على المفلس ، وما يتعلق به من الأحكام التي ذكرناها ، كف يد المحجور عليه عن التصرفات المالية المختلفة ، إذ تنحسر علاقته عن أمواله عد الحجر ، لتحل محلها حقوق الغارمين ، وإن كانت ملكيته باقية .
    ويمكن أن نجمل لك خلاصة الأحكام المتعلقة بتصرفات المفلس بعد الحجر عليه فيما يلي :
    لا يصح من المفلس المحجور عليه أن تصرف مالي : كالبيع والرهن والهبة والإيجار ، أذا كان متعلقاً بعين ماله وهو القول الصحيح في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، والرأي المقابل له ـ وهو ضعيف ـ يرى أنه تصرف موقوف ، فإن تبين أنه قد زاد عن ديون الغارمين نفذ ، وإلا فلا .
    ب ـ يصح من المفلس المحجور عليه جميع التصرفات المالية إذا كانت متعلقة بذمته ، كما لو باع على وجه السلم ، أو باع موصوفاً بالذمة ، إذ لا ضرر على الغرماء في ذلك .
    ج ـ يصح منه جميع التصرفات التي لا تتعلق بشيء من أمواله العينية ن سواء تعلق بالذمة ، كما ذكرنا في الفقرة (ب) السابقة ، أو لم يتعلق بمال قط ، فيصح نكاحه وطلاقه ، وخلعه ، واقتصاصه ممن ثبت له عليه حق القصاص ، أو إسقاطه ذلك ، سواء تحول عنه إلى الدية ، أو عفا عن الدية أيضاً .
    نعم إذا كانت الزوجة هي المحجور عليها ، لم يصح لها أن تخالع نفسها ، لأنه تصرف يتعلق ببعض مالها الذي تعلقه به حق الغرماء .
    د- يصح منه كل إقرار بحق أو مال ، يعود وجوبه إلى ما قبل الحجر عليه ، ويترتب عليه خضوع أمواله العينية التي وقع الحجر عليها لما يقتضيه ذلك الإقرار من تعلق حقوق أخري بها ، واشتراك آخرين مع الغرماء في قسمتها بينهم.
    ... أما إن أقر بحقوق ترتبت على ماله بعد الحجر ، فهو إقرار مرفوض ليس على الغرماء أن يخضعوا له . ومن ثم فليس للأشخاص الذين اقر المفلس لمصلحتهم أن يشركوهم في تقاسم أمواله ،بل ينتظرون فك الحجر عنه .
    أحكام تصرف المريض المخوف عليه من الموت :
    تعريفه :
    المريض المخوف عليه من الموت : هو من أصيب بمرض من شأنه أن ينتهي بالموت إذا اشتد ، ثم برح به هذا المرض إلى درجة جعلت الطبيب وأصحاب الخبرة يحذرون عليه من الموت .
    ويقاس على هذا المريض من هم في حكمه ، مثل حالة التحام القتال ، أو تموج البحر واشتداد العاصفة به ، أو اشتداد طلق الولادة .
    وخرج بما ذكرنا وجع الضرس مثلاً ، فإنه لا يدخل في حكم المرض المخوف منهما كان شديداً ، إذ ليس من شأنه عادة أن ينتهي بالموت .
    الأحكام المتعلقة به :
    ... وإليك أهم الأحكام المتعلقة بهذا المريض:
    أولاً : إذا لم يكن له وارث خاص ، أو كان له وارث غير جائز التصرف كطفل صغير مثلاً ، لم يجز له أن يتصرف فيما يزيد على ثلث ماله ، سواء كان تصرفاً ناجزاً ، أو تصرفاً معلقاً على الموت ، كالوصية ، فإن تصرف غير ملتزم بهذا الحد نفذ منها ما كان داخلاً في الثلث وطل الزائد .
    هذا إذا جاءت تصرفاته متتابعة ، فإن وقعت دفعة واحدة ، قسم الثلث عليها حسب نسبة كل منها إن أمكن ، وإلا بطل جميعها .
    ثانياً : إذا كان له وارث خاص ، وكان جائز التصرف توقفت تصرفاته فيما زاد على ثلث ماله على إجازة وارثه ، فإن أجازها صحت ، وإلا آلت إلى البطلان .
    والعبرة بإجازته لها أو عدم أجازته بعد الموت .
    ودليل ما سبق ما رواه البخاري [1233] في الجنائز ، باب : رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة ؛ ومسلم [1628] في الوصية ، باب : الوصية بالثلث ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي ، فقلت : يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ، وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال " لا " فقلت : بالشطر ؟ فقال : " لا " ثم قال " الثلث ، والثلث كبير ، أو كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " .
    ثالثاً : محل هذا الحكم السابق الذي ذكرناه إذا لم يكن على المريض دين يستغرق جميع تركته ،فإن كان عليه ذلك حجر عليه في الجميع دون نظر إلي الثلث وغيره .
    رابعاً : ينبغي أن نفرق فيما ذكرناه بين التبرعات والتصرفات ، أو النفقات الواجبة .
    فأما التبرعات فينطبق عليه ما ذكرناه في البنود الثلاثة الماضية .
    وأما التصرفات ، أو النفقات الواجبة ، فإن أنجزها في حياته ، فهي من رأس المال كله ، وإن أوصي بها إلي ما بعد موته ، كما لو أوصي بأداء دين ، أو حج واجب عليه ، أو زكاة ، فإن أطلق الوصية بها فهي من رأس ماله ، وإن قيدها بالثلث اعتبرت منه ، ولكن يجب أن تتمم ما زاد عليه إن لم يف بها الثلث .
    وما الفائدة إذاَ من التقيد بالثلث ؟
    الفائدة تظهر فيما لو كان قد أوصى بتبرعات غيرها ، فإن هذه الواجبات تزاحمها عندئذ ، حتى إذا لم يتسع الثلث للجميع أُلغيت التبرعات ، أو أُلغي منها بالقدر الذي يكفي لتنفيذ الواجبات ، وهكذا فإن فائدة التقيد بالثلث تؤول إلى النظر في مصلحة الورثة كي لا تستهلك الوصايا قدراً كبيراً من التركة .
    البلوغ والرشد وطريقة معرفة كل منهما :
    علق الله تعالى انتهاء الحجر على الصغار ، بظهور صفتين فيهم ، وهما البلوغ والرشد .
    قال تبارك وتعالى : ? وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ? (سورة النساء : 6) .
    فما معنى كل منهما ، وكيف السبيل إلى التحقق منهما ؟
    أما البلوغ : فالمقصود به بلوغ السن التي يتأهل فيها الإنسان للتكليفات الإلهية، إذ كان سوياً في نشأته الإنسانية العامة . وسن البلوغ يعرف بواحد من هذه الأشياء:
    استكمال الخامسة عشرة من العمر ، سواء كان ذكراً أم أنثي .
    الاحتلام ، بخروج المنى من الذكر أو الأنثى .
    رؤية دم الحيض بالنسبة للأنثى .
    والوقت الذي يمكن أن يحصل فيه الاحتلام ، أو الحيض يبدأ من استكمال تسع سنين من العمر .
    ثم إن التأخر وعدمه عن سن الإمكان هذه يتبع طبيعة الأقاليم ، وظروف الحياة.
    وأما الرشد : فالمقصود به الاهتداء إلي سبيل حفظ الأموال ورعايتها ، ويتضح ذلك بالاختبار والتجربة ،وهل يشترط أن يضم ذلك إلى صلاح في الدين أيضاً ؟
    مذهب جمهور من أصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى أنه يشترط ذلك ، فلا يسمى رشيداً إلا من اهتدي إلى سبيل الخير في دينه ودنياه ، وذهب فريق من علماء المذهب إلي أن المطلوب هنا الرشد في شؤون المال والدنيا ن إ ذ هو محل البحث في هذا المقام .
    إذا علمت هذا ، فلتعلم أنه لا بد لرفع الحجر عن الصغير من تحقق كل من وصفي : البلوغ والرشد .
    فلو لوحظ في تصرفاته الرشد ، وهو دون البلوغ ، لم يكن له أي أثر ، ولو بلغ الحلم ولم يلاحظ فيه الرشد لم يكن لبلوغه أيضاً أي أثر مهما تطاول به العمر. نلاحظ هذا في قول الله عز وجل : ? وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ? ( سورة النساء : 6 ) .
    فقد جعل الرشد شرطاً للبلوغ المستلزم رفع الحجر .
    الفسق بعد البلوغ وما يترتب عليه :
    والفسق : أن يتجاوز الرجل حدود أوامر الله تعالى : بأن يرتكب كبيرة من الكبائر ، ولا يتوب عنها ، أو أن يثابر على ارتكاب بعض الصغائر من المحرمات . وقد عرفت فيما سبق ضابط كل من الكبائر ، والصغائر من المعاصي .
    فإذا رفع الحجر عن البالغ الراشد ، ثم فسق في سلوكه مع صلاح تصرفاته الدنيوية ، فهل يعود الحجر عليه ؟
    الصحيح في المذهب ، أنه لا يُعاد الحجر عليه بسبب ذلك ، إذا لم يؤثر في عهد الصحابة ، ولا في عهد التابعين أنهم كانوا يعيدون الحجر على من انحرف إلي الفسوق بعد الاستقامة .
    والفرق بين هذه الصورة ، وصورة بلوغه فاسقاً عند الجمهور القائلين بأن الرشد هو الهداية إلي صلاح الدين والدنيا معاً ، أن الحجر هناك مستمر ن فلا يرتفع إلا بزوال مجموع أسبابه ، إذ الأصل بقاء ما كان على حاله ، فإذا ارتفع بعد ذلك لم يجز أن يعود ثانية إلا بوجود مجموع أسبابه أيضاً ، وإنما الفسق سبب واحد فقط .
    أما إذا صاحبه سفه جديد ، أي سوء تصرف في شؤونه المالية ، فإن ذلك يستوجب عود الحجر عليه ، ولكن بشرط أن يقضي بذلك الحاكم أو نائبه . ولا عبرة بولاية أقاربه حينئذ على الصحيح .
    الباب العاشر
    الإمَامَة العظمَي
    الإمامة العظمي
    مقدمة في بيان أهمية الإمامة ،
    وقيام الحكم والمجتمع الإسلامي على سلامتها
    الإمامة العظمي منصب ديني يخلف النبوة ، بحيث يكون الإمام خليفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إدارة شؤون المسلمين ،مع ملاحظة فارق واحد ، هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتلقي الأحكام التي يلزم بها أمته وحياً من عند الله عز وجل ، أما الإمام فهو يتلقاها نصوصاً ثابتة من الكتاب والسنة ، أو إجماعاً التقى عليه المسلمون ، أو يجتهد في شأنها طبق الأدلة العامة ، والقواعد الثابتة ، إن لم يجد فيها نصاً ولم يتعلق بها إجماع .
    ومنصب الإمامة ، ذو أهمية قصوى في تحقيق الوجود المعنوي للمسلمين ، فكان لا بد من إيجاد إمام لهم ، وتنصيبه عليهم ، للأسباب التالية :
    من أعظم الواجبات التي أمر الله بها عباده المسلمين أن يجتمعوا على حبل الله عز وجل ، ولا يتفرقوا أو يتنازعوا فيما بينهم ، ولا يمكن لأي أمة أن تنجوا من بلاء التفرق والتنازع إلا إذا أسلمت مقادتها لكبير فيها ، تجتمع الكلمة على رأيه ، وتخضع الآراء لحكمه ، ويكون من سائر أفراد الأمة كالقطب من الدائرة ، يجسد وحدتهم ، ويرعى بقيادته قوتهم ، وهى حاجة ماسة في استقامة النظام ، واتساق الأوضاع ، يشعر بها حتى عالم الحيوانات والبهائم .
    ب ـ إن شطراً كبيراً من أحكام الشريعة الإسلامية منوطة ـ من الناحية التنفيذية ـ بسلطة الإمام ، بحيث لا عبرة في تنفيذها والقيام بشأنها إلا بواسطته وإشرافه :
    كالفصل في الخصومات ، وتعيين الأولياء ، وإعلان الحجر ، والحرب وإقرار الصلح ... إلخ ، فكان لا بد ، لكي تنزل الأحكام الشرعية منزلتها الصحيحة المقبولة عند الله عز وجل من وجود إمام يقوم بشأنها ، ويرعى تنفيذها .
    جـ- في الشريعة الإسلامية طائفة كبيرة من الأحكام المعلقة التي لم يجزم الشارع بوجه معين ثابت فيها ، بل وكل أمر البت فيها إلى بصيرة الإمام أو اجتهاده طبقاً لما تقتضيه مصالح المسلمين وظروفهم التي يمرون فيها ، مثل كثير من التنظيمات المالية ، وكتسيير الجيوش ، وسياسة الأسرى ، فإذا لم يكن ثمة إمام يتبوأ منصبة الإمامة عن كفاءة وجدارة ، بقيت هذه الأمور معلقة لا مجال للبت فيها بحكم .
    د- الأمة الإسلامية معرضة في كل وقت لظهور طائفة فيها تبغي وتشق عصا المسلمين بسائق من الأهواء أو الأفكار الجانحة باسم الدين والإصلاح .
    ولا سبيل إلى إطفاء نار مثل هذه الفتنة إلا بواسطة إمام مسلم عادل ، يوضح للأمة المنهج السليم ، ويحذرها من الانصياع للسبل الأخرى ، فإن الأمة عندئذ لا يمكن أن تقع ـ بسبب الجهالة ـ في الحيرة أو اللبس ، لأن ما يأمر به الإمام هو الذي يجب العمل به في حكم الله عز وجل .
    أما عند غياب هذا الإمام ، فإن أصحاب الدعوات المختلفة من شأنهم أن يوقعوا أشتات المسلمين في حيرة مهلكة ، لا مناص منها ، إذ سرعان ما ينقسم المسلمون شيعاً وأحزاباً متطاحنة ، وما هو إلا أن يفنيها الشقاق ، ويهلكها الخلاف.
    شروط الإمامة :
    يشترط لمن يتبوأ منصب الإمامة أن تتوفر فيه الصفات التالية :
    أولاً : الإسلام ، فلا تصح إمامة غير المسلم ، لأنها من الأحكام الشرعية المتعلقة بتنظيم شؤون المسلمين ، فلا يمكن أن تسند إلى من لا يؤمن بهذه الأحكام.
    ثانياً : الذكورة ، فلا تصح إمامة الأنثى ، لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لن يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة " . ( أخرجه البخاري [4163] في المغازي ، باب : كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسري وقيصر ، عن أبي بكرة رضي الله عنه ) ، ولأن الإمامة العظمي من شأنها أن تستوعب حل المشكلات المختلفة التي قد يتعرض لها المسلمون ، وفي هذا المشكلات ما لا تقوي المرأة على مجابهتها وحلها .
    ثالثاً : الرشد ، فلا تصح إمامة الصبي والسفيه ونحوهما ، وإن توفر مستشارون من حولهما ، وقد روي الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : تعوذوا بالله من إمارة الصبيان " . [2/326] .
    رابعاً : العدالة ، والعدل : هو من لم يرتكب كبيرة ، كالقتل والزنى وأكل الربا ، ولم يلازم ارتكاب صغيرة من الصغائر ، فلا يصح تنصيب الفاسق ، وهو من لم تتوفر فيه شروط العدالة .
    خامساً : أن يكون لديه من العلم بأحكام الدين وأدلتها ما يجعله ذا بصيرة نافذة تمكنه من الاجتهاد فيها عندما تقتضي الحاجة . إذ إن في الشريعة الإسلامية مسائل كثيرة ، لا يجوز أن يبت في أحكامها ـ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ إلا إمام المسلمين ، وإنما يبت فيها اجتهاداً ونظراً إلى ما تقتضيه مصالح المسلمين .
    سادساً : سلامة كلٍّ من حاسة السمع والبصر واللسان ، بحيث لا يكون مصاباً بعاهة في واحدة منها ، إذ من شأن ذلك أن يعيقه عن فصل الأمور ، والنظر فيها على وجه الدقة المطلوبة .
    سابعاً : النباهة والوعي العام ، بحيث يتوفر له من ذلك ما يجعله كفؤاً لإدارة الحكم وحراسة البلاد والأمة من أي شر قد يتهددها . وإنما يدرك هذه النباهة ويقدرها أصحاب النظر وأهل الشورى ، ومن كان له سبق معاناة لهذا الأمور .
    ثامناً : أن يكون قرشي النسب ، وذلك لما رواه أحمد في مسنده [3/129] عن انس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الأئمة من قريش " .
    وقد روي البخاري [3309] في الأنبياء : مناقب قريش ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " إن هذا الأمر في قريش " .
    وروي مسلم [1818] في الإمارة ، باب : الناس تبع لقريش ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الناس تبع لقريش في هذا الشأن " .
    وليس مع هذه النصوص كما يقال الماوردي ـ المسلم بها ـ شبهة لمنازع فيه ، ولا قول لمخالف له .
    هذا إذا توفر القرشي الجامع لهذه الصفات السابقة ، فإن لم يتوفر فليكن عربياً في النسب ، أي من أصل عربي قديم ، فإن لم يوجد عربي أيضاً له ما ذكرنا من الصفات ، اقتصر على اشتراط الصفات السبع السابقة ، أيا كان نسبة .
    أما إذا فقد بعض تلك الشرائط أيضاً ، فيجب عندئذ تقديم صفات الكفاءة على صفات الصلاح الشخصي ، فيقدم مثلاً البصير بشؤون الحكم البارع في إدارة الأمور ، وإن كان مجروح العدالة بسبب سلوك شخصي فيه ، علي الذي لم تتوفر فيه تلك الكفاءة وإن كان صالحاً مستقيماً في شخصه ، إلا أن شرط الإسلام لابد أن يكون متحققاً فيه .
    كيفية انعقاد الإمامة :
    تنعقد الإمام بواحدة من الطرق التالية :
    الطريقة الأولي :
    البيعة ، وسنتكلم بعد قليل عن كيفيتها وشروطها .
    الطريقة الثانية :
    الاستخلاف ، يعنى استخلاف الإمام لشخص يخلفه من بعده ، وتُعتبر هذه الطريقة شرعية صحيحة ، إذا توفر فيها الشرطان التاليان :
    الشرط الأول : أن يكون المستخلفُ جامعاً لشروط الإمامة التي سبق ذكرها ، بحيث لا يوجد من يفوقه في التمتع بها فإن كانت تلك الشروط غير متوفرة لديه ، أو كان غيره أغني بها منه لم تنعقد إمامته .
    الشرط الثاني : أن يصرح المستخلف بقبول الإمامة وأن يكون هذا التصريح ـ على أصح الأقوال ـ في حياة الإمام الذي استخلفه ، ولا مانع في أن يتراخي ويتمهل في إبداء رأيه ، ولا حدود مشروطة في تمهله ، إلا أن يقع القبول في حياة الإمام ، وقبل وفاته .
    فإذا توفر هذان الشرطان انعقدت إمامه المستخلف بموت الإمام الذي قبله ، ولا يُشترط لذلك رضي أهل الحل والعقد ، لا في حياة الإمام السابق ، ولا بعد موته .
    ودليل ذلك إجماع المسلمين على صحة عهد أبي بكر رضي الله عنه إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بقوله المشهور : ( هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند آخر عهده من الدنيا وأول عهده بالآخرة ، في الحالة التي يؤمن فيها الكافر ، ويتقي فيها الفاجر : أني استعملت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن بر وعدل فذالك علمي به ، وإن جار وبدل فلا علم بالغيب والخير أردت ) .
    هذا إذا استخلف الإمام واحداً بعينه ، فأما إذا جعل الأمر شورى بين جمع من الناس ، وجب عليهم أن يختاروا فيما بينهم واحداً منهم بعد موت الإمام بشرط أن تتوفر فيه الشروط التي سبق ذكرها . ودليل ذلك ما أجمع عليه المسلمون من صحة العهد الذي عهده عمر رضي الله عنه إلى واحد من ستة ، فقال " هذا الأمر إلى على وبإزائه الزبير ، وإلى عثمان وبإزائه عبدالرحمن بن عوف ، وإلى طلحة وبإزائه سعد بن أبي وقاص ) .
    معاينة عدد المشاهدات :
    تحميل عدد التحميلات :

    ليست هناك تعليقات: