العقيدة الطحاوية - الدرس السابع
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-04-01
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على سيّدنا محمد الصادق
الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم
علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
الله سبحانه وتعالى حَيٌّ لا يموت
وقيُّومٌ لا ينام :
أيها الأخوة المؤمنون، وصلنا إلى قول الإمام الطحاوي رحمه الله
تعالى: "حَيٌّ لا يموت، قيُّوم لا ينام".
الإنسان أحْياناً لا يُدْرك الترابط بين الاسْمَيْن، فالله عز وجل ضارّ إلا أنَّهُ لا يجوز أن تقول: الضارّ، وإنَّما الضارّ النافِع لأنَّه يضُرّ لِيَنْفَع، ويمْنعُ لِيُعْطي، ويخْفض لِيَرْفع، فهناك أسْماء من أسْماء الله الحُسْنى لا يجوز أنْ تُلْفَظ إلا مَثنى مثنى، فالإنسان أحياناً لا يُدْرك الترابط بين الاسْمَين، وهو يُذَكِّرُنا بأنَّ أكثر آيات القرآن الكريم تنتهي باسم أو اسْمَيْن، غفور رحيم، هناك دُعاء مأثور، فعن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ:
الإنسان أحْياناً لا يُدْرك الترابط بين الاسْمَيْن، فالله عز وجل ضارّ إلا أنَّهُ لا يجوز أن تقول: الضارّ، وإنَّما الضارّ النافِع لأنَّه يضُرّ لِيَنْفَع، ويمْنعُ لِيُعْطي، ويخْفض لِيَرْفع، فهناك أسْماء من أسْماء الله الحُسْنى لا يجوز أنْ تُلْفَظ إلا مَثنى مثنى، فالإنسان أحياناً لا يُدْرك الترابط بين الاسْمَين، وهو يُذَكِّرُنا بأنَّ أكثر آيات القرآن الكريم تنتهي باسم أو اسْمَيْن، غفور رحيم، هناك دُعاء مأثور، فعن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ:
((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي
وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي))
[مسلم عن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ ]
وقال النبي
عليه الصلاة والسلام: إنَّ هذا الدعاء جمَعَ خيْري الدنيا والآخرة، اغفر لي
الماضي، وارْحمني بالتَّجَلي والتوفيق، ففي الدنيا: عافِني وارْزقني، وفي الآخرة
اغفر لي وارْحمني.
إنَّ الله
تعالى سميع عليم، أي سميع إذا تَكَلَّمْت، وعليم إذا سَكَتّ، قال تعالى:
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ ﴾
[ سورة الرحمن: 78 ]
(فالجلال)
جمعَت صِفات القوَّة والعظمة، و(الإكرام) صِفات الحمْد، فالوِرْد النبوي: لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمْد، فهناك من يملك ولا يُحْمد، وهناك
من يُحْمد ولا يمْلك؛ فهذا ضَعيف، أخْلاقه عالية إلا أنَّه لا يمْلك شيئاً، وهناك
من يمْلِك إلا أنَّهُ لا يُحْمد؛ دَقِّق؛ فله المُلك والحمد، وذو الجلال والإكرام،
والضارّ، والنافع، والخافض، والرافِع، والمُعْطي، والمانع، والمُعِزّ، والمذِلّ،
رُبَّما كان العطاء حِرْماناً، وربَّما كان المَنْعُ عيْنَ العطاء! فالمَنْعُ
أحْياناً هو عَيْنُ العطاء، فهو تعالى حَيٌّ لا يموت وقيُّومٌ لا ينام.
حياته تعالى ليست كَحَياتنا فحياتنا تنتهي
بالموت إلا أنّ حياة الله أبَدِيَّة سَرْمَدِيَّة :
الله عز وجل حيّ، والحياة صِفَةٌ في بني البشر، فهل يسْتلزم
اشْتراك الصِّفة اقْتِضاء المِثْليَّة؟ لا، فالتشابه بالصِّفات لا يعْني
المِثْلِيَّة، لأنَّ حياته تعالى ليست كَحَياتنا، فحياتنا تنتهي بالموت، وكُلُّ
مَخْلوقٍ يموت، ولا يبقى إلا ذو العِزَّة والجبروت، إلا أنّ حياة الله عز وجل لا
تنتهي، وهي حياةٌ أبَدِيَّة سَرْمَدِيَّة، لذلك حَيٌّ لا يموت، والآن (قَيُّوم)
فقد يُراقب الإنسان مُدير المَعْمل، ولكن حينما تنتهي مدَّة الدوام يذْهب إلى بَيْتِه!
وبعد الظهْر يأتي، وبعد الساعة السابعة مثلاً يُغلق محلَّه، فلا يتواجد إنسان على
الدَّوام لمراقبتك، أما سبحانه وتعالى فقَيُّوم، فالإنسان قد يكون قيُّوماً إلا
أنَّه ينام، لكنَّ الله جلّ جلاله لا ينام، إذاً حيٌّ لا يموت قيوم لا ينام قال
تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ ﴾
[ سورة البقرة:255 ]
هذه آية
الكرسي، حتى إنَّ بعض العلماء قال: هي اسم الله الأعظم، قوله: حيٌّ لا يموت،
قيُّوم لا ينام، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ ﴾
[ سورة البقرة:255 ]
هذه الجملة
التي جاءت مَقول القول، فما إعرابها؟ هذه الجملة لا مَحَلَّ لها من الإعراب، وهي
من الجُمَل التي لا محَلَّ لها من الإعراب، والسؤال: هل هناك قاعدة أساسيَّة في
هذا الموضوع؟ إذا قلتَ: عَلِمْتُ أنَّك ناجِح، أنَّ واسْمُها وخبرها في مَحَلّ
مفعول به، لماذا؟ لأنَّه أمكننا تأويلها بِمفْرَد، أما الكلام الذي لا يُؤَوَّل
فلا مَحَلَّ له من الإعراب. هل هناك فرق بين السِّنَة والنَّوْم؟ الغفلة اليسيرة
هي السِّنَة، والنوم العميق هو النوم.
الأمر التكويني والأمر التكليفي :
قال المؤلِّف: وقال تعالى:
﴿ الم*اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ*نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾
[سورة آل عمران: 1-3]
لا ينبغي له أن
ينام، قَوْلُ المُؤَلِّف: لا ينبغي له أن ينام تعبير دقيق منه عليه رحمة الله،
فهذه الكلمة تَحُلُّ مُشْكِلَة كبيرة، فلا مانعَ من الاسْتطراد إذا كان مُفيداً،
فالله عز وجل قال:
﴿ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ
غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾
[سورة آل عمران: 97]
وقال سبحانه
وتعالى:
﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ
وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ
لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
[سورة النور: 26]
هل هذا أمْرٌ
تكْليفي؟ نعم هذا أمر تكليفي، وليس تكوينيّاً، فالأمْر التَّكْويني لا يُمْكن أن
يُخْرق في الكون، أما إذا خُرِقَ فمعنى ذلك أنَّه تكليفي معنى الكلام: يا عبادي
احْرَصوا على أن يكون الطَيِّبون للطَّيِّبات، وعلى أن يكون هذا البيْتُ الحرام
آمِناً، فلو قلنا: إنَّ هذا الأمر تكويني! فإنَّ البيت الحرام قبل عشْر سنوات
اخْترق بالرَّصاص، ومات مئات القتلى فالأمر التكويني لا يمكن أن يُخْرق، لكنّ
الأمر التكليفي يُخْرق، وأوْضَح مثل لهذا: لوْحة حمْراء مكتوب عليها ممنوع المرور،
لكنَّ الطريق مَفْتوح، فأنت لك أن تنْصاع للأمر ولك أن تخرقه، الطريق سالك، أما
الأمر التكويني فموضوع به حواجز، ومُسَلَّح، وارْتِفاعه متران، فإذا قال الله عز
وجل:
﴿ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
[سورة النور: 26]
ووجَدْتَ
زوْجاً مخْموراً، وزانياً، وله زوجة كالملائكة، وهذا واقع، أو بالعكْس، فهذا الأمر
ليس تكوينيّاً ولكنه تكْليفي، وهذا الموضوع دقيق جداً، فقبْلَ أن تتزَوَّج الأمْر
تكليفي، وبعد أن تقترن بها أصْبَحَت زوْجَتك، وأصبح الأمر تكوينياً، وأذكر أنَّهُ
كان لنا أخ يقول: كان لي أولاد، وكنت أقول لهم: كُلْ واشْكُر! وفي أحد الأيام لم
يعْجِبْهم الطعام، فقال لهم: كُلْ واسْكُت.
الكلام خبري أو إنْشائي فالأمر التكويني
خبري والأمر التكليفي إنشائي :
بالمناسبة كلمة:
﴿ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
[سورة النور: 26]
هل هي
خَبَرِيَّة أم إنْشائِيَّة؟ إنها خبَرِيَّة، والآية ثانية:
﴿ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ
غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 97]
كذلك
خَبَرِيَّة، نحن عندنا قاعِدَتان؛ العِبارات نوعان: إنشائِيَّة وخَبَرِيَّة،
فالكلام الذي يصْدُق أن تقول عن صاحبه: صادق أم كاذِب، فهذا خبري، أما الكلام الذي
لا يحْتمِل الصِّدق والكذب فهذا إنشائي، فهل يمكن أن تقول لِمَن قلت له: كم الساعة
كذَّاب؟ هو لم يُخْبِرْك عن شيء حتى تقول عنه: كذاب، أما لو قال لك: هذه الساعة
ثَمَنها ألف ليرة، فهذا الكلام خَبَري، لك أن تقول عنه: صادٍق أم كاذب، أما إذا
سألك، أو طلب منك، أو أمرك، أو نهاك، أو تمنَّى عليك، أو رجاك، أو ناداك، فهذه
كُلُّها أساليب الإنشاء، فالكلام في النِّهاية خبري أو إنْشائي، فالخبري يحْتَمِلُ
الصِّدْق أو الكَذِب، أما الإنشائي فلا يحْتَمِل الصِّدق أو الكذب، فالأوامر
التَّكْليفِيَّة هل ينبغي أن تكون إنشائِيَّة أم خبرِيَّة؟ إنشائِيَّة؛ لأنَّها
اِفْعَل ولا تفْعل، أمْرٌ ونَهْي، فإذا جاء الأمْر التّكْليفي بِصيغة الخبر، فأنت
إذا أمَرتَ إنساناً فَمُجَرَّد الأمر يعني أنَّهُ مُخَيَّر، وهذه قاعدة أصوليَّة؛
أنا إذا أمرت إنساناً أنْ يأتي في الساعة الثامنة فبِإمكانه أن يُطيع، وبإمْكانه
أن يعصي، فالأمر يقتضي الاختيار، والنَّهْي يقتضي الاختيار، أما إذا أخْبَرْتُ،
والخبر يوحي أنَّه أمْر تكويني، والأمر التكليفي إنشاء.
جعَلَ القرآن بعض الأوامر التَّكْليفِيَّة
تُصاغ على صيغة الخبر تأكيداً لها :
إلا أنَّه لِحِكْمة بليغة قد يأتي الأمر التكليفيّ على صيغة الخبر
وكأنَّه أمْر تكويني، مثال ذلك قوله تعالى:
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
[ سورة البقرة: 233]
لماذا جاءت
الصيغة خبريَّة وليستْ إنشائِيَّة؟ لئلا تتوَهَّم أنَّ الوالدة مُخَيَّرة في أن
تُرْضِع أو لا تُرْضع، هو أمر تكليفي، ولكن لِتَوْكيده جاء على صيغة الخبر، ففي
الأعَمِّ الأغلب الأمر التكليفي إنشائي، والأمر التكويني خبري، لكنَّ القرآن خرج
عن هذه القاعدة لِحِكْمة بالغة، فجعَلَ بعض الأوامر التَّكْليفِيَّة تُصاغ على
صيغة الخبر تأكيداً لها، فقد يقول الأب لابنه: احْضر عند الساعة التاسعة وإياك أن
تتأخَّر، أما إذا قال: أنا ليس لي ابن يدْخل علي الساعة التاسِعَة، هذه العبارة
أبْلَغ من الأمر والنَّهْي، فَموضوع الخبر والإنشاء، والأمر التكويني والتكليفي
عندنا مُهِمّ جداً في العقيدة.
هل تناقش أو
تحاورَ رجلان عند الله وعند الناس، أحدهما يُمَثِّل الأمر التَّكْويني، والآخر
يُمَثِّل الأمر التكليفي كما جرى بين سيِّدنا الخضر مع سيِّدنا موسى؟ فَسَيِّدنا
موسى يُمَثِّل الأمر التكليفي، أما سيِّدنا الخضر فيمثِّل الأمر التكويني، وموسى
عليه السلام يُمَثِّل أمر الله، والخضر يفْهم فِعْل الله، أمر الله شيء وفعله شيء،
فالله تعالى يسْمح أن تقع جريمة قتْل، ويسْمح أن تقع جريمة خرق السفينة، فماذا
يقول علماء التوحيد؟ شاء وأراد ولم يأمر، ولم يرْضَ، ومعنى أراد: أي سَمَح، ولماذا
سَمَح؟ لأنَّ أصْل مجيء الإنسان إلى الدنيا هو الاخْتِيار، وفي الأعَمِّ الأغلب لا
يُمَكَّن الإنسان من شَهْوته المُنْحَرِفَة إلا إذا أصرَّ عليها والدليل قوله
تعالى:
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ
عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ
جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ﴾
[ سورة الإسراء: 18 ]
هنا تتدَخَّل
حِكْمة الله عز وجل، وإنَّ الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام.
الله سبحانه وتعالى لولا أنَّه شاء لنا أن
نشاء لما شِئْنا :
"لما نفى الشيخ رحمه الله التشبيه أشار إلى ما تقع به التفرقة
بينه وبين خلقه بما يتصف به تعالى دون خلقه، فمن ذلك: أنه حي لا يموت؛ لأن صفة
الحياة الباقية مختصة به تعالى دون خلقه، فإنهم يموتون.ومنه: أنه قيوم لا ينام، إذ
هو مختص بعدم النوم والسنة دون خلقه، فإنهم ينامون، وفي ذلك إشارة إلى أن نفي
التشبيه ليس المراد منه نفي الصفات، بل هو سبحانه موصوف بصفات الكمال؛ لكمال
ذاته."
لا يَقُل أحدكم بِدون، فهذا خطأٌ شائِع، إما أن تقول من دون، وإما
أن تقول: دون، أما أن تقول: بِدون فهذا خطأ شائِع، ثمَّ إنَّ الذين أشار إليهم
المُؤَلِّف من الذين ضلوا وأضَلُّوا تَوَهَّموا أنَّ نَفْي التشبيه يعني نَفيَ الصِّفات،
لكنَّ الصفات هنا ثابتة، والتَّشْبيه مَنْفي. فالحيُّ بِحَياة باقِيَة هو الله،
وصفات المخلوق كما تليق به، وصفات الخالق كما تليق به، وهذا لازمٌ في نفي التشبيه
وإثبات الصِّفة، وهناك نقطة دقيقة قد تلْتَبِس على الأخوة الأكارم، فالله تعالى
حينما يقول:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ ﴾
[ سورة الكهف: 29 ]
كأنّ قارئ
القرآن يفْهم مُتَوَهِّماً أنَّ مشيئة الإنسان قد أُلْغِيَت إذْ قُيِّدَت بِمَشيئة
الله، والحقيقة على العَكْسِ مِن ذلك، وهي أنَّ الله سبحانه وتعالى لولا أنَّه شاء
لنا أن نشاء لما شِئْنا، فإذا تَمَتَّعْنا بِحُرِّيَة الاخْتيار والمشيئة،
وحُرِّيَّة الكَسْب، وكانت هذه الحُرِّيَة سبباً لِسَعادتنا، ودُخولنا الجنَّة،
واخْتِيارنا الحَسَن فهذه المشيئة الحُرَّة التي شِئْناها إنَّما هي بِفَضْل مشيئة
الله لنا أن نشاء، أحياناً يحتاج الإنسان إلى تأويل بسيط كي تتلاءم الآيات كلِّها
مع أصول الدِّين وروح القرآن، أما أن نفهم النَّص على ظاهره فهذا منطلق خطير،
وأكثر من ينطلقون من عقيدة الجبر يتَّخذون هذه الآية على أنَّ الإنسان مُسَيَّر
ولا مشيئة له إطلاقاً، بدليل أنَّ الله تعالى يقول:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ ﴾
[ سورة الكهف: 29 ]
وكأنّ مشيئة
الإنسان أُلْغِيَت ورُدِفَت بِمَشيئة الله تعالى، لكنّ الحقيقة أنَّكم يا عبادي
إذا سَعِدْتم بهذه المشيئة، وارْتَقَيتم بها، واخْتَرتم الجنَّة، واسْتَحقَقْتم
دخولها، فهذه المشيئة في الحقيقة أثرٌ من مشيئة الله لكم، ولولا أنَّ الله تعالى
شاء لكم أن تكونوا أصْحاب مشيئة حُرَّة لما شِئْتم ذلك، لذا قال العلماء: الجنَّة
مَحْضُ فضْل والنار مَحْض عَدْل، والإنسان إذا دَخَلَ الجنَّة فإنه لم يدفع
ثمَنَها، ولكنّه قدَّم أسْبابها، وأسْبابها الاسْتِقامة والعمل الصالح، أمّا
ثَمَنُها فلا يمْلكه أحدٌ إلا الله.
صيغة المبالغة في حقِّ الله تعالى تعني
إما الكَمّ أو النَّوع :
"واعلم أن هذين الاسمين أعني: الحي القيوم مذكوران في القرآن
معا في ثلاث سور كما تقدم، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى حتى قيل : أنهما الاسم
الأعظم" الاسم الأعظم حيَّر العلماء، وأكثر العلماء على أنَّه هو الرحمن، أو
أنَّه الحيّ القيوم، إلا أنَّ بعضهم له تأويل رائِع جداً، كُلُّ إنسان في حالة
مُعَيَّنة هناك اسم من أسماء الله تعالى الحُسْنى يكون أعظم الأسْماء الحسنى عنده،
فالمريض بِمَرض عُضال لا شِفاء منه كالسرطان إذا شفاه الله شِفاءً نِهائِياً فاسم
الله الأعظم عنده هو الشافي، والفقير حينما يتوَجَّه إلى الله تعالى أن يُغْنيه،
ثمَّ يصبح غَنِيّاً، فاسم الله تعالى الأعظم هو الغَنِيّ، وكذا الجبار، والطاغي
هذا لا يمكن أن يهتدي، لكن أحْياناً يقصمه الله عز وجل، وبعد أن يقصمه فاسم الله
تعالى الأعظم الجبار، فَكُلُّ إنسان له حالة مع الله تعالى الكريم؛ الغنيّ،
الرحيم، القدير، إلا أنَّه بِشَكل عام أقرب اسم إلى نُفوس العِباد: الربّ.
قال المؤلِّف رحمه الله: فإنَّهما يتضمَّنان صفات الكمال...
".
فإذا اسْتخدمنا اسم الله بِصيغة المبالغة فماذا تعني صيغة المبالغة
في حقِّ الله تعالى؟ الله تعالى قال:
﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ
وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾
[ سورة طه: 82]
ولم يقل سبحانه
وتعالى: غفور، وصيغة الأوَّل على وزْن فعَّال، وهي صيغة مُبالغة، وكلمة غفَّار
تعني أنَّه يغفر أكبر ذَنْب، أو مليون ذنب! فصيغة المبالغة في حقِّ الله تعالى تعني
إما الكَمّ أو النَّوع.
الأصْل في ترْجيح وُجوه الإعْراب هو
المعنى لا القاعدة اللغوية :
كُلّ أسماء الله الحُسنى إذا جاءت على صيغة المبالغة كان هذا هو
المعنى؛ كمّاً أو نوْعاً، إلا أنَّ هناك حالة واحدة، وهي في قوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
[سورة آل عمران: 182]
الظلاَّم صيغة
مبالغة، وهي لِنَفْي الظلم أصلاً، وقد نَفَيْنا عنه سبحانه المبالغة في الظُّلم
وغير المبالغة، وبالمناسبة الأصل هو المعنى، والحَكَم في كُلّ قضِيَّة هو المعنى،
وسأذكر لكم قاعِدة، في اللغة العربِيَّة بِمَشارقها ومغارِبِها فاعل تعني اسم
الفاعل، وكلمة فعلان تعني صفة مُشَبَّهة باسم الفاعل، واسم الفاعل يدُلّ على
الحُدوث، والصِّفة المُشَبَّهة باسم الفاعل تدُلُّ على الثُّبوت، كأن تقول: طويل،
فهذه صفة مُشَبَّهة باسم الفاعل، وهذا الطول ثابت، أما أن تقول: غاضِب، فهذا اسم
فاعل، لأنَّه دلَّ على الحُدوث لا على الثبوت، فالاسم الذي يدلّ على حدوث الفِعْل
هو اسم الفاعل، والاسم الذي يدلّ على صِفَة مُلازمة للفاعل هو صِفَة مُشَبَّهة
باسم الفاعل، وهذه هي القاعدة، ثم إنّ الله تعالى يقول:
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ
الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
[سورة الحشر: 24]
الخالق اسم
فاعل أم صِفَة مُشَبَّهة؟ الصِّيغة اسم فاعل، لكنَّ الحقيقة أنَّ هذه الكلمة صفة
مُشَبَّهة، لأنَّ خَلْق الله تعالى مُسْتَمِرٌّ، وكلمة غَضْبان في قوله تعالى:
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ
غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ﴾
[سورة الأعراف: 150]
هو اسم فاعل
لأنّ الغضب ليس صفة ثابتة في النَّبي، لذلك أوَّل قاعِدَة تَعَلَّمْناها في
الجامعة أنَّ الأصْل في ترْجيح وُجوه الإعْراب هو المعنى، لا تَكُن عبْداً لِقاعدة
نَحْوِيَّة، إنَّما كُن عبْداً للمعنى، إذْ هو الأصْل.
الله تعالى نفى الظلم عن نفسه :
القاعدة في قوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
[سورة آل عمران: 182]
تعني الكمّ،
وتعني العدد، إلا في هذا الاسم فلا تعني المبالغة، فالله تعالى نفى الظلم عن نفسه
قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ
أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
[سورة النساء: 49]
وقال تعالى:
﴿ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ
الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
[سورة العنكبوت: 40]
إذا أرَدْت أن يسْتقيم عملك وأن يزداد
وينمو اجْعَلْه وَفق منْهج الله عز وجل :
قال رحمه الله: فلا يظلم ولا... الكمال، لذلك الإنسان إذا اعْتقَد
عقيدة الحق فلا مُفاجأة عنده، سبب سُلوك الحق ألاّ مُفاجأة فيه، وذكرتُ منذ أيام
أنَّنا لو أنْشأنا بناء وَفق قواعد عِلْمِيَّة، ووضَعْنا الإسْمَنْت الكافي،
ووضَعْنا الحديد الكافي وفق تعليمات المهنْدسين، فهذا البناء في اسْتِمْرار، أما
لو وَضَعْنا الإسْمَنْت والحديد بِقِلَّة لانهار بعد زمن قصير، وكذا لو أرَدْت أن
يسْتقيم عملك وأن يزداد وينمو اجْعَلْه وَفق منْهج الله عز وجل، وهناك آية دقيقة
جداً وهي قوله تعالى:
﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى
تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا
جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[سورة التوبة: 109]
الإنسان إذا
بنى زواجه، أو شَكَّل علاقاته، أو اختار عمله وَفْق منهج الله فهذا الأساس متين،
أما لو شَكَّلها وَفْق هواه وشهواته، وخرج بها عن منهج الله فالزواج ينتهي
بالطلاق، والعَمَل ينتهي بالإخفاق، وهكذا.
الكلام القليل والمُخْتصر والنافع المفيد
أفضل من كثير يُنسي بعضه بعضاً :
قال رحمه الله: إكمال ما قبل هذا... كما ثبت هذا عن النبي صلى الله
عليه وسلَّم فهذا الحديث رواه مسلم في صلاة المُسافرين وقصرها، باب فضْل سورة
الكهف، وآية الكُرسي، وأبو داود في الصلاة، باب ما جاء في آية الكرسي، وأحمد في
المسند من حديث أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه ولفظه: "يا أبا المنذر أتدري
أيَّة آية...." فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يمْتَحِنُ أصْحابه ويسْألهم،
وأمْتع جَلْسة هي الحِوار، فأنت إذا جَلَسْت جلْسَةً خاصَّة لا تسْتأثِر بالحديث،
الحديث مناوبة وليس مناهبة، فإذا تكلَّم الجالسون، وأدْلَوا بآرائِهم وسألوك،
واسْتمعْتَ لهم، اسْتمْتَعْت بهم، وأيُّ لِقاء فيه حِوار يعني أنَّ فيه مُتْعة،
وإذا كان الإنسان يتكلَّم وَحْدَه كان هناك المَلَل، وبالمناسبة أنتم دُعاة،
والمُتَكَلِّم لا يشْعر بالبرد، ولا بِالحَرّ، ولا بالوَقْت، ولا بالتَّعَب، ولا
بالجوع، والمُسْتَمِعُ يتضاعف شُعوره بالوقت، والحر، والبرد، والجوع، لذلك الملل
والسَّأم يتطرّقان إلى المُسْتمع أضْعاف ما يتطرقان إلى المُتَكَلِّم، لذلك تكلَّم
وأنْجز الحديث في الوقت المناسب قبل أن يتمنى الناس لو أنك سَكَتَّ، اُسْكُت قبل
أن يتمنى أحدٌ أن تسْكت، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتخولنا بالموعظة مخافة
السآمة علينا، فالكلام القليل والمُخْتصر والنافع المفيد أفضل من كثير يُنسي بعضه
بعضاً، دائِماً قِفْ في الوقت المناسب، وأنْهِ الحديث قبل أن يمَلَّ الناس، وقبل
أن تُثْقِلَ عليهم، فإذا كان لديك دُروس فلا بدّ أن يعلم المُسْتمع أنَّه في
الساعة الفُلانيَّة ينتهي الدَّرس حينها يرْتاح، أما إذا كان الدَّرس مفْتوحاً،
فالداعِيَة لا مصْلحة له أن يتكلَّم، والناس في مَلَل، لذلك فالمُتَكَلِّم كما
قلتُ لا يشْعر لا بالوقت ولا بأيِّ ضجر، وأذْكر أنَّنا كنَّا نُقَدِّم فحْصاً في
الجامِعَة، والله أيها الأخوة، ثلاث ساعات مَرَّتْ عليَّ كخَمْس دقائِق، لكن لما
أصْبَحْتُ مُدَرِّساً وأراقب في قاعات الامتِحان فلا يمُرُّ عليَّ الوقت حتى أمَلّ
وأضجر! فأثْقل شيء المُراقبةُ في الفَحْص، فهذا الكلام لكم كَدُعاة؛ إذا ألْقَيْتَ
كلمة فاخْتَصِر ولا تُطِل، واسْمَح بالحِوار، ولا يُشْترط أن تكون داعِيَة كي
تتكَلَّم، فأحياناً تكون لك سَهْرة مع الأقارب، فلا تتكَلَّم وَحْدَك، أما لو
أنَّه سَمَح بالحِوار وأصْغى لأقْوالهم، وسألهم وأجابوه، وسألوه فأجابهم، فهذا
الحِوار، وهذا الأخذ والعطاء يُبْقي على الجَلْسَة الحَيَوِيَّة والنَّشاط، وهذا
أبلغ أثراً، فلو تتبَّعْتم كلام النبي صلى الله عليه وسلَّم حينما خاطب الصحابيّ،
وقال له: يا أبا المنذر، أتدري أيٌّ آيةٍ في كتاب الله تعالى معك أعْظم؟ قال: قلتُ
الله ورسوله أعلم، ثم قال: "يا أبا المنذر...." فالنبي صلى الله عليه
وسلَّم خاطب بالتَّدَرُّج.
"....يُضاد نَفْيُه كمال الحياء " أي كَمالُها يَنْفي
هذا الاسْتمرار، ثمَّ قال رحمه الله: لأنَّ نَفْيَه يُضاد...بانتظام " إذاً
حيٌّ لا يموت، قيُّوم لا ينام أثْبَتْنا الصِّفات، ونَفَيْنا المُشابهة، وحياة
الله غير حياتنا، وقيامه غير قيامنا.
أيّ اسم من أسماء الله تعالى قد يكون
أعْظم حسب حال الداعي ورجائه وتوسلاته :
في بعض الأحاديث عن أسماء بنت يزيد قالت: إنّ في هاتين الآيتين اسم
الله الأعظم، يقول الله عز وجل:
﴿ الم*اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ*نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾
[سورة آل عمران: 1-3]
وقوله تعالى:
﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾
[سورة البقرة: 163]
في هاتين
الآيتين هناك خمْسة أسْماء، أفلا يمكن أن نقول: اسم الله الأعظم كذا بالتَّحْديد؟
دائِماً العِلْم لا يعني أن تفهم الشيء بِمَعنى واحد، كلام الله تعالى غَنِيّ، وقد
قال سيِّدنا عليٌّ كرَّم الله وجْهه عن القرآن: ذو وُجوه، أمّا موضوع أيُّ أسماء
الله تعالى أعْظم؟ فهو موضوع خِلاف، ولا يوجد شيء قطْعي أنَّ الاسم الفُلاني هو
اسم الله تعالى الأعظم، وكما قلتُ لكم: في كُلِّ حال من أحوال البشر يكون عند صاحب
هذا الحال هو اسم الله الأعظم، فهناك قَوْل يقول: إنّه الحيّ القَيُّوم، وقَوْل:
الرحمن الرحيم، وقد يكون أيّ اسم من أسماء الله تعالى أعْظم، حسب حال الداعي
ورجائه وتوسلاته.
أ كبر شيء في ثقافة الداعِيَة آياتُ القرآن الكريم، وهو
الكتاب الأوَّل، كما أنَّه يجب أن يترافق حفظك للقرآن مع طلبك للعِلْم، فأنت مثلاً
لا بدّ أن تكون قد تفاعَلْت مرَّة مع درْسٍ، وسمعت آيات واضِحَة جداً، فلا تجعل
حديثك ارْتِجالياً، لو ألْقَيْتَ نظْرة على الدعاة الناجحين، لوجدت أنّ له مجموعة
موضوعات جاهزة، وله بعض الآيات يحفظها، ويعرف أبعادها، ودقائِقها، وتأويلها،
وتفْسيرها، وشواهدها، فلو تَكلَّمْتَ دائِماً بِكلام أعْددْتَهُ سلفاً لبلغتَ
الغاية في نفوس السامعين.
من عظمة القرآن أن كلّ آية إذا نزَعْتها
من سِياقها فلها معنى مُسْتَقِلاً :
قلتُ من قبل في قوله تعالى:
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
[سورة الأعراف: 55]
العُدْوان
يُلْغي اسْتِجابة الدعاء، والعُدوان في عدم التَّضرُّع وفي إطالة الدعاء، فإذا أنت
قرأتَ آيَةً قِراءَةً صحيحة، وكَتَبْتها في دفتر صغير، وكتَبْتَ بعض المعاني
الدقيقة لها، وكذا الحديث الشريف، وكذا الحُكم الفقهي، والتراجم، فلو كنت مدعوّاً
لجَلْسة مع أقاربك لوجدتَ الزاد الذي تتكَلَّم به، فالأشياء الجاهزة تُريحك، وإذا
سُئِلْتَ وقلتَ: لا أعلم، فقد ارْتَقَيْتَ عالياً، فنصف العلم لا أدري، فهذا شرف
العِلْم، فإذا كان الإمام مالك يقول لما سُئِل: لا أدري، فَمَن أنت أمام هؤلاء؟!
ونصف العِلْم لا أدْري، ويَظَلُّ المرء عالماً ما طلب العِلْم، فإذا ظنَّ أنَّه
عِلَم فقد جَهِل، دائِماً أسْمع من العلماء كلمات متواضعَة يقولون: أنا طالب
عِلْم، التواضع جميل، وإذا ظنَّ الإنسان أنَّه عالم فهو جاهل، فإذا أحَسَّ الناس فيك
المَوْضوعِيَّة، وعدم الادِّعاء احْترَموك أكثر، وكلَّما تقدَّم الزّمن تصبح
الرغبة لديك في المعرفة والعلم جامحة، وإذا سئِلْت سؤالاً مُفاجئاً، فقلت: واللهِ
لا أدري، فقد كبرتَ في عَيْني وعيون العلماء، عليك أن تُقَيِّد العِلْم بالكتابة،
والدَّعوة إلى الله تحْتاج إلى جهْد مُسْتَمِرّ، وكُلّ منَّا بدأ من الصِّفْر، وكل
طريق طوله ألف كيلومتر أساسه خطوة واحدة، فالقرآن يجب أن يتلى ويُحْفظ خاصَّة لمَن
كان صغير السِنّ لأنَّه يصعب عليه الحفْظ في الكِبَر، والقرآن من أيَّة زاوية
يُسْعِدُك، وهناك سُوَر يكثر تداولها كالإسراء، والكهف، ويوسف، وجزء عمَّ، وجزء
تبارك، فمن أجل التَّسْهيل عليك أن تبدأ بالسُّوَر السَّهْلة، فأحْياناً يبدأ
بعضهم بالسُّوَر الصَّعْبة بعدها يعجز عن الحفظ، ويدع القرآن كله.
ثمّ إنّ القرآن
الكريم ذو وجوه، ومن عظمة القرآن أن كلّ آية إذا نزَعْتها من سِياقها فلها معنى
مُسْتَقِلاً، فإذا وَضَعْتها في سِياقها فلها معنى سِياقي، ونحن عندنا السياق،
والسباق، واللِّحاق، فقوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً ﴾
[سورة الطلاق: 2]
تُفَسَّر
بِمُجَلَّدات، أما بالسِّياق فهي على الطلاق، ومن يتَّقِ الله في تطْليق امْرأته
يجعل الله له مَخْرجاً في اِرْجاعها وَفْق السنَّة، وتجد مخْرجاً لإرجاعها، أما لو
طلَّقها طلاقاً بِدْعِيّاً فليس هناك سبيل أو مخرجٌ لإرْجاعها.
والحمد
لله رب العالمين
الكلمات المفتاحية :
عقيدة الاشاعرة
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: