العقيدة الطحاوية - الدرس الخامس
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-03-18
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على سيّدنا محمد الصادق
الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم
علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
في كلام الله تعالى من الدِّقَّة والوُضوح
والإيجاز ما يُغْني عن كُلِّ تفْصيل :
أيها الأخوة المؤمنون، ننتقل في موضوع العقيدة إلى قول الإمام
الطحاوي: "قديم بلا ابْتِداء، دائِمٌ بلا انتِهاء". هذه الفقرة من
العقيدة مأخوذة من قوله تعالى:
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
[ سورة الحديد: 3 ]
وقول النبي
عليه الصلاة والسلام في دعائِه الشريف:
((اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ
قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ
فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ))
[مسلم عن سهيل]
أما قول الإمام
الطحاوي: قديم بلا ابْتِداء، دائِمٌ بلا انتِهاء فهو مُطابقٌ تماماً لقول الله عز
وجل:
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
[ سورة الحديد: 3 ]
لازلْتُ أؤكِّد
حقيقةً أن نسْتنبط العقيدة بِبَساطةٍ وبِيُسْرٍ من كلام الله عز وجل، ومن حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لأنَّ في كلام الله تعالى من الدِّقَّة والوُضوح
والإيجاز ما يُغْني عن كُلِّ تفْصيل.
الإيمان الفطري :
لا بدّ أن أقرأ لكم فقرةً من الكتاب تحتاج إلى شرْح؛ يقول الإمام:
والعِلْمُ بِثُبوت هذين الوَصْفين مُسْتَقِرٌّ في الفِطَر، أيْ أنَّ الإنسان
بِفِطْرتِه يعْتَقِد أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الأوّل بلا ابْتِداء، وهو الآخر
بلا انتِهاء، فَمَعنى مُسْتَقِرٌّ بالفِطَر أي أنَّ الإنسان أحْياناً يؤمن بالشيء
من دون دليل، فإذا آمن بالشيء من دون دليل فهذا اسْمه إيمان فِطْري، فلو أنَّك
قرأت القرآن الكريم شعَرْتَ أنَّهُ كلام الله، وهذا الشعور أساسه أنّ فِطْرتك
مجْبولةٌ على الإيمان بالله تعالى، ضَرَبْتُ مرَّةً مثَلاً وقلتُ: لو أنَّنا جئْنا
بخارِطة ذات بُعد ثالث، ووضَعْناها ضِمن إطار خَشَبي، ثمَّ صَبَبْنا عليها
جِبْصيناً سائِلاً إلى أنْ جفَّ، لوجدنا تطابقاً تاماً على مُستوى مِعْشار
المليمتر على الخارطة البارزة والمُجَسَّمة وبين هذا القالب.
أيها الأخوة، النَّفْس البَشَرِيَّة في تطابقها مع الشرْع الحنيف ومع الدِّين لا تعْدو على أن يكون التطابق تاماً! فأنت متى ترْتاح؟ إذا عرَفْتَ الله، ومتى تسْتَقِرُّ نفْسك؟ إذا اتَّبَعْتَ منهجه، ومتى تطْمَئنّ؟ إذا ذَكَرْته، ومتى ترْكن؟ إذا اعْتَمَدْتَ عليه، ومتى تشْعر بالأمْن؟ إذا أطَعْتَهُ، معنى ذلك أنّ الفِطَر مَجْبولةٌ على الإيمان بالله والاسْتِعاذة به واللُّجوء إليه، مثَلٌ آخر أقرب؛ هذه المرْكبة صُنِّعَت لِتَسير على طريق مُعَبَّد، فإذا سارَت في طريق وعْر لم تقْطف ثِمارها وتَكَسَّرَتْ، فهذه المركبة لهذا الطريق.
أيها الأخوة، النَّفْس البَشَرِيَّة في تطابقها مع الشرْع الحنيف ومع الدِّين لا تعْدو على أن يكون التطابق تاماً! فأنت متى ترْتاح؟ إذا عرَفْتَ الله، ومتى تسْتَقِرُّ نفْسك؟ إذا اتَّبَعْتَ منهجه، ومتى تطْمَئنّ؟ إذا ذَكَرْته، ومتى ترْكن؟ إذا اعْتَمَدْتَ عليه، ومتى تشْعر بالأمْن؟ إذا أطَعْتَهُ، معنى ذلك أنّ الفِطَر مَجْبولةٌ على الإيمان بالله والاسْتِعاذة به واللُّجوء إليه، مثَلٌ آخر أقرب؛ هذه المرْكبة صُنِّعَت لِتَسير على طريق مُعَبَّد، فإذا سارَت في طريق وعْر لم تقْطف ثِمارها وتَكَسَّرَتْ، فهذه المركبة لهذا الطريق.
أيها الأخوة، العِلْم بِثُبوت هذين الوَصْفَيْن مُسْتَقِرٌّ في
الفِطَر، وكُلُّكم يعْلم أنَّ هناك خالِقاً، وهناك ما سِوى الخالق، فما سِوى
الخالق هي الموجودات، من كون وسماوات، قال: فإنّ الموجودات لا بدّ أن تنتهي إلى
واجب الوُجود بِذاته قطْعاً للتَّسَلْسُل، فما معنى هذا الكلام؟ أي إذا قلنا: مَن
خلق هذا الكون؟ قلنا: خلقه إلهٌ، ومن خلق هذا الإله؟ خلقه إلهٌ آخر، ومَن خلق هذا
الآخر؟ حلقة مُفْرَغَة، ونقع فيما يُسَمَّى التَّسَلْسُل غير المُتناهي، فلا بدّ
إذاً أن نقْطع هذا التَّسَلْسُل، وهكذا يُقِرُّ العقل أنَّ برهان التَّسلسل يعني أنَّهُ
لا بدّ في النِّهاية من خالقٍ لا يحْتاج إلى مَن يخْلُقُه، وما سِوى ذلك
مَخْلوقون، هذه الموجودات يجب أن تنْتهي إلى واجب الوجود بِذاته، مثل أقرب من ذلك
أن نقول: من أين هذه البيضة؟ من الدجاجة، ومن أين هذه الدجاجة؟ من البيْضة، ثمَّ
نبقى نُكَرِّر هذا الحدث، فلا بدّ أن ننتهي إلى أنَّ هناك دجاجة خلقها الله
مباشرةً هي التي أخْرجت بيْضةً، والدجاجة هي التي خرجت من هذه البيْضة، أما أن
نسْتمِرّ إلى ما لا نِهاية فهذا تَسَلْسل غير متناهٍ، فلا بدّ من قَطْع هذا
التَّسلْسل، والعقْل لا يقبل تسَلْسُلاً لا نِهائيّاً، فالتَّسلْسُل حاصِل، أما
التَّسلسل اللانِهائي فمَرْفوض.
الوجود والعدم :
قال: فإنَّنا نُشاهد حُدوث الحيوان أمام أعيُنِنا، فالذي عنده
هِرَّة قد يسْتيْقِظ أحْياناً، وقد ولَدَتْ له هرر كثيرة، وكذا النبات والمعادِن،
وحوادِث الجوّ كالمطر، وغير ذلك، وهذه الحوادِث وغيرها ـ دَقِّقوا ـ ليْسَتْ
مُمْتَنِعَة إنَّما هي مَوْلودة، هناك حيوان يولد، ونبات ينْبت، ومطر ينزل،
وبُحَيْرة تتشَكَّل، ونَهْر يُشَق، وبئر يُحْفَر، إذاً هناك موجودات، وهذه
الموجودات ليْسَت ممْتَنِعة أي يُمْكن أن توجد، فإنَّ المُمْتَنِع لا يوجد، فلو
أنَّها كانت ممتنِعة لم تكن موجودة، فما دامتْ ليْست ممتنِعَة فهي موجودة وليْسَت
واجِبَة الوجود لِنَفْسِها، فأيّ شيءٍ موجود إلا أنّه لا يسْتطيع أن يخْلق ذاته
بِذاتِه، فإذا قلنا ممتَنِعة أي غير موجودة، وإذا قلنا موجودة معنى ذلك أنَّها لا
توجد بِذاتِها، قال: فإنّ الممتنِع لا يوجد، وليْسَت واجبة الوُجود بِنَفْسِها،
فإنَّ واجب الوُجود بِنَفْسِه لا يقبل العَدَم، فلا يُمكن أن يسْبقه عَدَم، وهذه
الأشياء كانت مَعْدومة ثمَّ وُجِدَت، فَعَدَمُها ينْفي وُجودها بِنَفْسِها،
ووُجودها ينفي امْتِناعُها، وما كان قابلاً للوُجود والعَدَم لم يكن وُجوده
بِنَفْسِه، إذاً ما سِوى الله تعالى موجود، وليس مُمْتَنِعاً، وما سِوى الله تعالى
موجودٌ، ولكن ليس بِذاتِه، والسَّبب أنَّهُ سبقه عدم، ولو كان هذا الموجود واجِباً
بِذاته لما سَبَقَهُ عَدَم! كما قال تعالى:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ
الْخَالِقُونَ ﴾
[ سورة الطور: 35]
هذه الآية
النَّيِّرَة والمُشْرِقَة والواضِحَة الدلالة، هل هم أوْجَدوا ذاتهم بِذاتِهم؟ لا،
فهذا الموجود يحتاج إلى واجب الوجود قَطْعاً بالتَّسَلْسُل، وهذا الموجود لا يُعقل
أنَّهُ وُجِدَ بِذاته والدليل أنَّهُ لا يسْبِقُهُ عدم، إذاً كلّ هذا الكلام الذي
غاص فيه المُتَكَلِّمون مُلَخَّصُه قوله تعالى:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ
هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾
[ سورة الطور: 35]
أَحَدَثوا من
غير مُحْدِث، أم هم أحْدثوا أنفسهم؟ والمعلوم قطْعاً أنَّ الشيء المُحْدَث لا
يوجِدُ نفْسه، فالممكن الذي ليس له من نفْسه وُجود ولا عدم لا يكون موْجوداً
بِنَفْسِه بل لا بدّ من جِهَةٍ توجِدُه، وإلا كان معْدوماً، وكلُّ ما أمكن وُجوده
بَدَلاً من عدمه، وعدمه بَدلاً من وُجوده، فليس له من نفسِه وُجودٌ ولا عدم لازِمٌ
له، فالكون موجود وليس مُمْتَنِع، ولكنَّ هذا الوُجود ليس بِذاتِه، إذاً هذا
الموجود لا بدّ له من واجب الوُجود قطْعاً للتَّسَلْسُل، وهذا الكلام يندرج كلَّه
تحت قوله تعالى:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ
هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾
[ سورة الطور: 35]
أحياناً يُغرم
الإنسان بِكُتب بعيدةٍ في منهجها عن منهج الله تعالى، يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا
جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾
[ سورة الفرقان: 33]
لذلك فالإنسان
إذا وُفِّق إلى اتِّباع منهج القرآن في العقيدة فقد وُفِّقَ أوَّلاً: إلى عقيدَةٍ
صحيحة، ثانِياً: واضِحَة، ثالثاً: بسيطة، رابِعاً: يُمكن أن يحْفَظَها من دون
تَعْقيد.
ليس كلّ فعْل من أفعال الله عز وجل لنا
الحقّ أن نسْتنبط منه اسْماً من أسْمائه عز وجل:
الله سبحانه وتعالى أوَّلٌ بلا بِداية، وآخر بلا نِهاية، علماء
الكلام اصْطَلَحوا على تَسْمِيَة هذه الصِّفة في ذات الله عز وجل أنَّهُ تعالى:
القديم، لكن ينبغي أنْ تعْلموا أنّ اسم القديم ليس من الأسْماء الحُسنى التي
وَرَدَت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ليس كلّ فعْل من أفعال الله عز
وجل لنا الحقّ أن نسْتنبط منه اسْماً من أسْمائه عز وجل، فالله تعالى قال:
﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ
وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
[ سورة الأنفال: 30]
فهل يحِقُّ لنا
أنْ نُسَمِّيَ الله تعالى الماكر، أعوذ بالله، وقال تعالى:
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*وَأَكِيدُ
كَيْداً *فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾
[ سورة الطارق: 15-17]
فهل يحِقّ أن
نُسَمِّي الله الكائِد؟ لا يجوز هذا، وقال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾
[ سورة الذاريات: 47]
فهل نُسَمِّي
الله تعالى الباني، لم يرِد في حديث رسول الله أنَّ اسمه الباني، أما نحن فقد
اسْتَنْبطنا مِن هذا الفعل بنى، وهو لا يجوز، إذاً اسم القديم ليس من أسماء الله
الحُسْنى.
التَّمَكُّن من لغة العرب أحد الأدوات
التي لا بدّ منها لِفَهْم كلام الله عز وجل :
أيها الأخوة تَعالَوا إلى لُغَة العرب، ألم يقل الله عز وجل:
﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَناً
عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 3]
ماذا تعْني هذه
الآية؟ وماذا تعْني الآية الأخرى:
﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾
[ سورة الشعراء: 195]
معنى ذلك أنَّ
هذا القرآن نزل بِلُغَة العرب، وينبغي أن يُفْهَمَ وَفْق لُغَة العرب، لذلك
التَّمَكُّن من لغة العرب أحد الأدوات التي لا بدّ منها لِفَهْم كلام الله عز وجل،
(القديم) في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو المُتَقَدِّمُ على غيره، فيُقال:
قديمٌ للشيء العتيق، وهذا حديثٌ للشيء الجديد، ولم يُسْتعْمل هذا الاسم إلا في
المُتَقَدِّم على غيره، لا فيما لم يسْبِقْهُ عَدَم، والله عز وجل قال:
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
[ سورة الحديد: 3 ]
فكَلِمَة أوَّل
أصَحُّ من كلمة قديم، فالقديم في اللُّغة هو الشيء المُتَقَدِّم على غيره، فالله عز
وجل لم يسْبِقه عدم، لكن أيُّ شيء جاء قبل شيء نقول: هذا قديم، وهذا جديد، والدليل
قوله تعالى:
﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ
حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾
[ سورة يس: 39 ]
العُرْجون
القديم الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فقد يبقى عرجون النَّخل إلى العام
القادم، ويظهر عرجون جديد، فنُسَمِّي الأوَّل قديماً، ونُسَمِّي الثاني جديداً،
فمعنى القديم الشيءُ الذي تَقَدَّمهُ شيء.
التثليث في اللغة العربية :
قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ
آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ
فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾
[ سورة الأحقاف: 11 ]
أي مُتقدِّم في
الزمان، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ
تَعْبُدُونَ*أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴾
[ سورة الشعراء: 75-76 ]
فالأقْدمي
مبالغة في القِدم، كلكم إذا قرأ كتاب الإمام الشافعي يجد مصطلح القديم والجديد،
فهو رحمه الله تعالى له مذْهب قديم وآخر جديد ولا شكَّ أنَّ هذا مرَّ بكم، قال
تعالى:
﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾
[ سورة هود: 98 ]
فالقدَم
سُمِّيَت قَدَماً لأنَّها مُتَقَدِّمة، وكلكم يعلم أنَّهُ في اللغة العربيَّة شيء
اسمه التَّثْليث؛ وهو أن تقول: قَدَمَ وقَدِمَ وقَدُمَ، فمعنى قَدُمَ أصبحَ
قديماً، ومعنى قَدِمَ أي حَضَر، ومعنى قَدَمَ أي أنَّهُ سبقه بِقَدَمِه، وكذا
البَرّ والبُرّ والبِرّ، فالبَرّ اليابسة، والبُرّ القمْح، والبِرّ الإحْسان،،
فَكُلّ حركَةٍ توجب معْنىً خاصاً؛ خُلُقٌ وخَلِقٌ وخَلْقٌ؛ فالخُلُق الأخلاق،
والخلْق البُنْيَة، والخَلِق المُهْترئ، حَسَبَ وحَسُبَ وحَسِبَ، فَحَسِبَ ظنَّ،
وحَسَبَ عدَّ، وحَسُبَ افْتَخَر بِحَسَبِه؛ كلمات كثيرة في هذا الموضوع، إلا أنَّه
توجد كلمات مُثَلَّثة بِمَعْنى واحد، كالمَصْحف والمُصْحَف والمِصْحَف، ورَغْمَ
ورُغْمَ ورِغْم، كلُّها بِمَعنى واحد، فقوله تعالى:
﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾
[ سورة هود: 98 ]
أي
يتَقَدَّمهم، ويُسْتعمل الفعل لازِماً ومُتَعدِّياً، فاللازم ما اكْتَفى
بِفِعْلِه، نحو: نام فلان، والمُتَعَدِّي ما يتعَدَّى إلى مفعول به، تقول: أكل
الطفلُ التفاحةَ، وشرب الرجلُ الماءَ، إلا أنَّهُ في اللغة أفعال بين بين، فلا هي
لازِمَة ولا هي مُتَعَدِّيَة وهذا الفعل اسمه القاصِر، وهو الذي يتعدى إلى مفعول
به في المعنى عن طريق أداةٍ هي حرْف الجرّ، تقول: نظرْتُ إلى الحديقة، فالحديقة
مفعول به، إلا أنَّ فِعْل نظر قاصِر، لذلك الأفعال القاصرة لها أدوات خاصَّة بها.
أسلوب التضمين :
قالوا لنا في الجامِعَة: إنَّ أديبَين في العالم العربي سَلِمَ
أسْلوبهما من الخطأ في اسْتِعمال الأدوات، كأن يقول: دعا لِكذا، وهو خطأ، إذْ
الصحيح دعا إلى، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا
إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة فصّلت: 33 ]
وهو خطأ شائِع،
لكِنَّ القرآن وحده أحياناً يسْتخدِم أداةً ليستْ لهذا الفِعْل، وهو أُسْلوب
التَّضْمين، قال تعالى:
﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ
وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ
إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً﴾
[ سورة النساء: 2 ]
ليس في اللغة
أكل إلى، فهذا تَضْمين، كأنّ ربنا عز وجل بِتَبْديل الأداة المُتَعَلِّقة بهذا
الفعل يسْتخدم فعلين معاً، فالأوَّل المَلْفوظ بلا أداة، والثاني الفعل الذي له
هذه الأداة، وهو بحث رائِع جداً، يُدَرَّسُ في قواعِد اللغة العربِيَّة، عند باب
التَّضْمين.
وَصَلْنا إلى
قوله: هذا أقدم من هذا وهو يَقْدُمه، ومنه سُمِّيَت القَدَمُ قدَماً لأنَّ الإنسان
يتَقَدَّمُ بها، وأما إدْخال اسم القديم في أسماء الله تعالى فهو مَشْهور عند أهل
الكلام، ولا ريْب أنَّهُ إن كان مُسْتعْمَلاً في نفْس التَّقَدّم فإنَّ ما
تَقَدَّم على الحوادِث كلِّها هو أحقُّ بالتَّقَدُّم، لكنّ أسماء الله تعالى هي
الأسْماء الحُسْنى التي تَدُلّ على خُصوص ما يُمْدح به، والتَّقدُّم في اللغة
مُطْلقٌ، ولا يخْتَصُّ بالتَّقدم على الحوادِث كلِّها، فلا يكون من أسْماء الله
الحُسْنى القديم ولكن الأوَّل، وهو أحْسَنُ من القديم لأنَّهُ يُشْعِرُ بأنَّ ما
بعده آيِلٌ إليه وتابِعٌ له بِخِلاف القديم، والله تعالى له الأسْماء الحسْنى لا
الحَسَنة، وفرق بينهما كبير! فالأسْماء الحُسنى اسم تفْضيل، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا
إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة فصّلت: 33 ]
فالأحْسن
للمُذَكَّر، والحُسْنى للمُؤَنَّث.
الإيجاز في القرآن الكريم :
قوله: لا يفْنى ولا يَبيدُ إقْرارٌ بِدَوام بقائِه سُبْحانه
وتعالى، من أين أخذْنا هذه الحقيقة في عِلْم التوحيد؟ قال تعالى:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى
وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
[ سورة الرحمن: 26-27 ]
وقوله تعالى:
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ ﴾
[ سورة الرحمن: 78]
لماذا في الآية
الأولى ذو، وفي الثانية ذي؟! لماذا في الأولى وَجْهُ رَبِّكَ ذو، وفي الثانِيَة
تبارك اسمُ ربِّك ذي؛ هنا السؤال؟! لأنَّ الوجه ذات، بينما الاسم عرض، فنحن نَصِفُ
الذات من الوجْه، أما اسم الله عَرَض.
الإيجاز في القرآن الكريم سَمَّاه علماء البلاغة إيجازاً غَنِيّاً، أي كُلُّ الصِّفات المُتَعَلّقَة بالله عز وجل، وكلُّ الصِّفات المتعلِّقة بِكَرَمِه، ورحْمَتِه، وإحْسانِه بِخَلْقِه إكْرامٌ، فَبِهاتين الصِّفَتَيْن جَمَعْنا صِفات العَظَمة والإحْسان.
والفناء والبَيْد مُتقارِبان في المعنى، والجمع بينهما في الذِّكْر للتأكيد، وهو أيضاً مُقَرَّر بقوله: دائِمٌ بلا انتِهاء، لا يفْنى ولا يَبيدُ.
الإيجاز في القرآن الكريم سَمَّاه علماء البلاغة إيجازاً غَنِيّاً، أي كُلُّ الصِّفات المُتَعَلّقَة بالله عز وجل، وكلُّ الصِّفات المتعلِّقة بِكَرَمِه، ورحْمَتِه، وإحْسانِه بِخَلْقِه إكْرامٌ، فَبِهاتين الصِّفَتَيْن جَمَعْنا صِفات العَظَمة والإحْسان.
والفناء والبَيْد مُتقارِبان في المعنى، والجمع بينهما في الذِّكْر للتأكيد، وهو أيضاً مُقَرَّر بقوله: دائِمٌ بلا انتِهاء، لا يفْنى ولا يَبيدُ.
أيُّ شيء وقع في الكون أراده الله وأيُّ
شيء أراده الله وقع :
نُتابع ما جاء في العقيدة الطحاوِيَّة، وننتقِل إلى قول الإمام
الطحاوي: "ولا يكون إلا ما يُريد"، وهذا الموضوع يحْتاج إلى دِقَّة في
الفهْم بالغة، أَيُعْقل أن يقع في كون الله شيء ما أراده الله؟! واللهِ أيها
الأخوة، لو أنَّكم عَقَلْتم هذه الحقيقة لكانت هذه الحقيقة برْداً وسَلاماً على
قُلوبكم؛ أيُّ شيء وقع في الكون أراده الله، وأيُّ شيء أراده الله وقع، ولا يكون
إلا ما يريدُ، إلا أنَّ بعض الفِرَق الضالة كالقَدَرِيَّة والمُعْتَزِلة زَعَموا
أنَّ الله تعالى أراد الإيمان من الناس إلا أنَّ الكافر أراد الكُفْر! ماذا يوحِي
هذا الكلام؟ أنَّ الكافر أراد شيئاً ما أراده الله تعالى، وهذا لا يليق بِعَظَمَة
الله عز وجل، فلو أنَّ إنساناً مُتَمَكِّناً في دائرة، وجاء مُوَظَّف عنده، أو أحد
صُنَّاعِه، وفعل شيئاً خِلاف أوامرِ هذا الإنسان العظيم لأنكر عليه كل الإنكار،
فالله تعالى لا يقع في كونه إلا ما يريد، فالقَدَرِيَّة توَهَّمَت أنَّ الكافر
أراد الكُفْر خِلافاً لإرادة الله تعالى، قال: هذا القول فاسِد، ومَرْدود
لِمُخالفته الكتاب والسنَّة والمَعْقول الصحيح، وهي مسألة القدَر المعْروفة، وسوف
يَرِدُ شرْحُها إن شاء الله تعالى، سُمُّوا قَدَرِيَّة لإنْكارهم القَدَر،
والجَبْرِيَّةُ أيْضاً اعتَمَدَت على المفْهوم القَدَري، واحْتَجُّوا بأنَّ
الإنسان مُجْبرٌ على أفْعاله، فما هو الحق؟ فالذي يحْصل في الأرض من مشاكل، وقتْل،
وانْتِهاك للأعْراض، وفساد، وظلم، هل أراده الله تعالى؟ فإذا قلتَ: أراده، فَلِمَ
أراده؟ وإذا قلتَ: ما أراده فَلِمَ وقع؟ الشرّ المطلق غير موجود، والشرّ للشرّ
كذلك غير موجود، لو أنَّ أباً وابنه اتفقا على إجراء عَمَلِيَّة جراحية، فإنّ
الطبيب الجراح لا يمكن أن يفتح بطْن ابنه إلا بموافقة الأب، وفَتْحُ البطْن شرّ
إلا لإجْراء عَمَلِيَّة لشفاء ابنه، فلا يكون هذا الأمر إلا لِهَدَفٍ نبيل جداً،
كاسْتِئْصال عضوٍ تالف، فهذه أوَّل قاعِدَة، شرّ مُطْلق لا يمكن أن يكون، أما
الشرّ النِّسبي فَمَوْجود، كَخَرْق السفينة، قال تعالى:
﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي
السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئاً إِمْراً ﴾
[ سورة الكهف: 71]
وفي قراءة
لِيَغْرَقَ أهلها، ثمَّ تَبَيَّن أنّ خرْقها سبب نجاتِها، فلا يُمكن أن نفهم ما
يجْري في الأرض من شرّ إلا وَفْقَ هذه الحقيقة، إلا أنَّك قد لا تعرف ما وراء كلّ
حادِث، ألسْتَ مؤمناً بأنَّ الله سبحانه وتعالى صادِق، وأنّ هذا الكلام كلامه،
وأنَّهُ تعالى في آياتٍ كثيرة كثيرةٍ نفى عن نفْسِه الظلم، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا
يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
[ سورة النِّساء: 124]
عقيدة أهل السُّنة والجماعة أنّ الإنسان
جاء إلى الدنيا ليُمتحن :
كنت أسير مرَّةً في أحد أسواق دمشْق، فاسْتَوْقفني أحد المارَّة،
وقال لي: فلان الفلاني جاء إلى مَحَلِّه التِّجاري لِيَكْسب قوت أولاده، فَسَمِع
إطلاقَ نارٍ، وكان اثنان يتشاجران، فَمَدَّ رأسه فجاءَت رصاصةٌ في عموده الفقري،
وأصبح مشْلولاً من حينه، فقال لي هذا الأخ: وما ذَنْبُه؟ ولماذا فُعِلَ به هكذا؟
فقلتُ: لا أدْري، فهذه الكلمة تُشَرِّف أحْياناً، فهذا الإمام مالك عليه رحْمة
الله قال: لا أدْري عندما جاءه وفْدٌ يسْأله عن مسائل، وبعد حينٍ أخٌ كريم قال لي:
هناك رجل يسْكن في الحيّ الفلاني، وله أوْلاد أخ أكل أموالهم بالباطل، وقد
احْتَكَموا إلى أحد العلماء فلما طولب بما عليه لأولاد أخيه رفض! فَتَوَجَّه هذا
العالم إلى أولاد الأخ، وقال لهم: إياكم أن تشْتكوا على عَمِّكم، فهذا لا يليق
بكم، ولكن اشْكُوه إلى الله تعالى! فهذا الكلام تَمَّ في الساعة الثانِيَة ليلاً،
ففي الساعة الثامِنَة صباحاً أصْبح مَشْلولاً، فَيَجب أن تعلم أنّ كل شيء وقع
وراءه حِكمة، سواء عَرَفْتها أم لم تعْرفها، أما أهل السنَّة فيقولون: إنَّ الله
وإن كان يريد المعاصي قَدَراً فهو لا يُحِبُّها، ولا يرْضاها، ولا يأمر بها، وهنا
سؤال: لماذا أراد؟ ضَرَبْتُ مثَلاً، فقلْتُ: صَيْدلي يريد مُوَظَّفاً، إلا أنَّ
هذا الموظَّف لا بدّ أن يكون على مُسْتوى رفيع، فأعلن عن مُسابقة، والامتِحان
سَهل، ترتيب الفيتامينات في مكانها، وكذا السموم، فلو أمْسَك هذا الممتحن
الفيتامين ليضعه فوق السموم لَوَجدْتَ أنَّ الذي أقام الامْتِحان لا يمْنعه!
لماذا؟ لأنَّه الآن يمْتَحِنُه، ويُعْطيه الفرصة للتعبير عن علمه أو عن جهْلِه،
فالله عز وجل إذا قلنا: أراد أي سَمَح، ولماذا سَمَح؟ لأنَّه أعْطاك الاخْتِيار،
وهو الآن يمْتَحِنُك، أما لو مَنَعْتَ إنساناً في أثناء الامْتِحان، فقد ألْغَيْت
امْتِحانه، فأهل السنَّة والجماعة قالوا: إنَّ الله تعالى وإن
كان يريدُ المعاصي قَدَراً فهو لا يُحِبُّها،
ولا يرْضاها، ولا يأمر بها، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا
أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
[ سورة إبراهيم: 8 ]
فهو أراد، أي
سَمَح، وسمَح لأنَّهُ يمْتَحِنُك، وإذا ألْغى حركتك في الامْتِحان فقد ألغى
امْتِحانك، وأنت جئت للدنيا لِتُمْتَحن، وهي عقيدة أهل السنَّة والجماعة.
فالله تعالى لا
يُحِبُّها، ولا يرْضاها، بل يُبْغِضُها، ويسْخطها، ويكْرهها، وينْهى عنها، وهو
قوْل السّلف قاطِبَةً، فيقولون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وإنَّ
الإنسان إذا اسْتَحكَمت به الشَّهوة وأصَرَّ عليها، أصْبَحَت هذه الشَّهْوة
حِجاباً بينه وبين الله، فلَعَلَّ الحِكْمة أن ينطلق إليها كي تفْرغ نفْسه، وكي
يأتي العِقاب على أثر هذه الشَّهْوة التي أصرَّ عليها، وحتى تفرغ نفْسه من هذه
الشَّهوة، ولله تعالى في خلقه شؤون.
إرادة الله تعالى الدِّينِيَّة
الشَّرْعِيَّة :
هذا الموضوع إن شاء الله تعالى سنُتابِعُه في وقْتٍ آخر، إلا
أنَّني أُنْهي هذا الحديث بِهذه الآيات، فالله تعالى أراد أي سَمَح، لكن هناك آيات
أخرى يكْفي أن تسْمعوها، قال تعالى:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
[ سورة البقرة: 185 ]
وقال تعالى:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ
وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
[ سورة النساء: 26 ]
وقال تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً
عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء: 27 ]
وقال تعالى:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ
عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
[ سورة النساء: 28 ]
وقال تعالى:
﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾
[ سورة المائدة: 6 ]
قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾
[ سورة الأحزاب: 33 ]
ماذا يريدُ
الله عز وجل؟ الخير، والسعادة، والتوبة، والفلاح، والنَّجاح، فهذه إرادة الله
تعالى الدِّينِيَّة الشَّرْعِيَّة.
إرادة الله تعالى التَّكْوينِيَّة :
أما إرادة الله تعالى التَّكْوينِيَّة فَمُتَعَلِّقَةٌ
بِمُعالَجَةِ الإنسان، أحْياناً تفْعل شيئاً يتناقض مع حياتك، زوْجان مُتخاصِمان،
وكل يوم في مُشْكِلَة، فلو أنَّهما احْتَكما إلى قاضٍ شرعي ليَحْكم بينهما
ويُفَرِّق بينهما إلى أمَدٍ حتى يعْرف كل منهما قيمة الآخر فالقاضي فَرَّقَ
لِيَجْمع، فالله تعالى له إرادة شرْعِيَّة، أما إذا أراد بِمَعنى سَمَح، كأن يسمح
الله لإنسان أنْ يزْني، أو أن يسْرق، فقد سَمَح له تطْهيراً، وتأديباً،
وامْتِحاناً، فهناك إرادتان: تَكْوينِيَّة أو تشْريعِيَّة، أو أن نقول: هناك أمر
تكليفي وآخر تكويني، فالتَّكْليفي أمرك بالطاعة، أما التكويني فقد سمح لك أن
تعْصِيَهُ لِحِكْمةٍ بالغة لا تعرف قيمتها إلا بعد حين، لذلك احْفظوها: كلّ شيء
وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله تعالى مُتَعَلِّقة بالحكمة
المطلقة، وحكْمته المطلقة مُتَعَلِّقة بالخير المطلق، قال تعالى:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ
مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[ سورة آل عمران ]
هذه الفِكرة لو
اسْتوعَبَها الإنسان لَمَلأت قلبهُ طمأنينةً واسْتِقْراراً، ويقيناً وراحَةً، فأنت
اِفْعَل ما تشاء لكن إياك أن تتَّهِمَ الله عز وجل، لأنَّ هناك كوناً خلَقَه الله
عز وجل، ولأنّ هناك أفعالاً يفْعلها، فإذا أردتَ أن تنظر في أفعاله قبل أن تنظر في
كونه فقد لا تصِلُ إليه وتُسيء الظنَّ به، أما لو نَظَرْتَ إلى خلقه أوَّلاً
لامْتلأت نفسك تعْظيماً له، فإذا نظرْتَ إلى أفعاله لعلَّ النظر الأوَّل ألْقى على
النَّظر الثاني ضَوْءاً كاشِفاً، فلو أنَّك رأيْتَ شخْصاً يضْرب طفْلاً فقد
تسْتنكر هذا، أما لو قيل لك: هذا أب، فَحَتْماً هذا الضرب رحْمَةً بالابن، أما لو
غَفَلْتَ عن الابن، ونظرْتَ إلى الأب لاتَّهمتَه بالظلم والقَسْوة، فأنا أريد أن
نُفَكِّر في الكون قبل التفكير في الحوادِث لأنَّ التفكير في الحوادِث حقل ألغام،
أما لو فَكَّرتَ في الكون لعرفْتَ الخالق،
وتقول هذه
المقولة: عظمة الخلْق تدلّ على كمال التَّصرُّف، فابْدأ بالكون، ثمَّ انْظر إلى
أفعال الله عز وجل.
والحمد
لله رب العالمين
الكلمات المفتاحية :
عقيدة الاشاعرة
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: