العقيدة الطحاوية - الدرس الاول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق
الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم
علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما
علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
الله عز وجل قُدرته مُتَعَلِّقة بِكُلّ
ممكن فلا شيء يُعْجزه لِكمال قدْرته :
أيها الأخوة المؤمنون، لا شيء يُعجزه لكمال قدرته، لأنّ صاحب
الجوْهرة قال: قُدْرته مُتَعَلِّقة بِكُلّ ممكن، فما هو الممكن؟ هو كل ما سوى
الله؛ فذات الله واجبة الوجود، وما سواه ممكن الوُجود، فقُدْرته مُتَعَلِّقة
بِكُلّ ممكن فلا شيء يُعْجِزُه لِكَمال قدْرته.
أيها الأخوة الأكارم، قد تقول: هذا القاضي عادل، لكِنَّ عَدْل
القاضي نِسْبي، وقد تقول: فُلان قَوِي، إلا أنّ قوَّته نِسْبِيَّة، أما إذا
نسَبْتَ إلى الله القوّة والعدْل فهي القوَّة المُطْلقة، أُوَضِّحُ لكم هذه
الحقيقة؛ قاضٍ قضى بين الناس أربعين عاماً، فأصْدر في هذه السنوات عشَرات
القرارات، فإذا كان بين هذه الأحكام والقرارات والبالغة ـ مثلاً مئة حكم ـ قرار
غير صحيح فإنَّهُ يُسَمَّى عند الناس قاضياً عادلاً! لأنَّ الأحكام التي تنْطبق
على الإنسان أحْكام من نوع الأعمِّ الأغْلب، ولكن لو قلتَ: إنَّ الله عادل، فهي
كلمة مُطْلقة، ولا تسْمح لك أن تعتقد طيلةَ عمر الأرض كُلِّها، وفي تاريخ
البَشَرِيَّة جميعاً أنّ إنسانًا هُزِمَ حقّه، فصِفاته وأسماؤه تعالى مُطْلقة، إذا
قلْنا: لا يُعْجزه شيء، أيْ قُدْرته مُتَعَلِّقة بكُلِّ ممكن، وهذا إلى ماذا
ينْقلنا؟ ينقلنا إلى أنَّ المُعْجزات التي وردت في القرآن الكريم يقف منها بعض
ضِعاف العُقول موقف المُتَرَدِّد، يقول لك: هل يُعْقل ألاّ تحْرق النار؟! فلو عرفَ
أنَّ قدْرته متعلِّقة بكُلِّ ممكن فسَتَقول: هذا مَعْقول، نحن لم نألَفْ في عاداتنا
أنَّ النار لا تُحْرق، إلا أنَّهُ في عُقولنا ما دامت قُدْرة الله مُتَعَلِّقة
بِكُلّ ممكن: كُنْ فَيَكون، فالبحْر أصبح طريقاً يبَساً! والنار؛ يا نار كوني
برْداً وسلاماً على إبراهيم! فكلمة (لا يُعْجِزُهُ شيء) أنَّ قُدْرته مُتَعَلِّقَة
بِكُلّ ممكن، وهذه تجعلنا لا نقف حيارى أمام آيةٍ قُرْآِنيَّة أشارتْ إلى خرْقٍ
لِقَوانين الكَوْن، وهذا لا يحْملنا على أنْ نرْفض الكرامة بل نُصدِّقُها، لكن لا
نرْويها، أما إذا وردَتْ في نَصِّ قرآني أو حديث صحيح فإذا رفَضْناها فقد
كَفَرْنا، فأهل الكهْف ليْسوا أنْبياء، بل هم مؤمنون، وكرامتهم أنَّهم لبِثوا في
كهْفِهِم ثلاثمئة سنين وازْدادوا تِسْعاً، والسيِّدة مريم ليْسَت نَبِيَّة، إنما
هي صِدِّيقَة، ومع ذلك أنْجَبَتْ مولوداً ذَكَراً من دون زواج؛ فهذا خَرْقٌ
للعادات، فَكُلّما تَبَحَّرْت في معرفة قدْرة الله عز وجل رأيْت المعجزة أمراً طبيعياً
مَحْضاً.
الله عز وجل على كُلّ شيءٍ قدير :
قال: لا شيء يُعْجِزُهُ لِكمال قدْرته، قال تعالى:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
[ سورة الطلاق: 12 ]
أشْمَل كلمة في
القرآن الكريم على الإطْلاق هي كلمة (شيء)، كُلُّ شيءٍ، معنوي، أو مادي، أو حيوي،
أو جماد، أو ميِّت، أو حيوان، أو إنسان، كبيراً كان أم صغيراً، قريباً أم بعيداً،
مرْئيًّاً أم غير مَرْئي، كُلُّ هذا شيء، والله على كُلّ شيءٍ قدير، ومثل هذه
الآية قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا
هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ
ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ
بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
[سورة المجادلة: 7]
تَعَلَّقَتْ
قدْرته بِكُلّ ممكن، فالآية الأولى، وهذا منْهج الكتاب؛ إنَّ الله على كلّ شيء
قدير، وقال تعالى:
﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ
الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾
[سورة الكهف: 45]
صِفات الله إذا جاءت بعد كان فهذه
الصِّفَات مُترابطة مع المَوْصوف ترابطاً وُجوديًّاً :
أما كلمة (كان) فهي تُفِيدُ علاقة رائِعَة جداً! فقوله: كان الله،
هذه الصِّفَة متعلِّقة مع وُجود الله عز وجل تلازماً ترابطيًّاً وُجودِياً، أي منذ
أن كان الله تعالى كان عليماً، وكان حكيماً، فإذا قرَأتَ القرآن الكريم، وقرأتْ
قوله تعالى:
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾
[سورة الفتح: 4]
وقال تعالى:
﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ
الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾
[سورة الكهف: 45]
انْتَبِه إلى
هذه العلاقة؛ إذا جاءَتْ صِفات الله بعد كان معنى ذلك أنَّ هذه الصِّفَة مُترابطة
مع المَوْصوف ترابطاً وُجوديًّاً! قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ
شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾
[سورة فاطر: 44]
كُلٌّ نفْي يأتي في كتاب الله أو سنة نبيه
فهو لِكَمال الضدّ :
أيها الأخوة، هذه الآية كم تَبُثّ في الإنسان من طمأنينة ومن
أمَل؟! لو أنَّ عبداً مرِض مرضاً عُضالاً، فما دام الله تعالى على كُلِّ شيء
مُقْتَدِراً، قال تعالى:
﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾
[سورة البقرة: 255]
يؤوده يعجزه،
ومعنى هذا يُثْقِلُهُ ويُعْجِزُه، وحينما يرِدُ في القرآن الكريم نفْيٌ مُتَعَلِّق
بِذات الله فهذا النَّفْي هَدَفُه إثْبات كمال الضِدّ، فحينما ننفي عن الله جَلَّ
جلاله شيئاً فَلِنُثْبِتَ كمال ضِدِّه، فما كان ليعجزه من شيء في السماوات والأرض،
وكذا لا يؤوده حفظهما؛ فهذا النَّفي لثبوت كمال الضدّ، فَكُلٌّ نفْي يأتي في كتاب
الله عز وجل، وفي السنَّة المطهَّرة فهو لِكَمال الضدّ، فقوله تعالى:
﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
[سورة الكهف: 49]
أي لِكَمال
عَدْله، وقوله تعالى:
﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ
مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ
وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
[سورة يونس: 61]
لِكَمال علمه،
وقوله تعالى:
﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ
وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ ﴾
[سورة البقرة: 255]
لِكَمال حياته،
وَقَيُّومتِه، وقوله تعالى:
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
[ سورة الأنعام: 103 ]
لِكَمال جلاله
وعَظَمَتِه.
نفي العجز عن الله عز وجل لإثبات كمال
قدرته :
الفقْرة الثانِيَة: قوله ولا شيء يُعْجِزُه، فَنَفْيُنا العَجْز من
أجْل أنْ نُثْبِتَ كمال القدْرة، ما هو ضدّ العَجْز؟ القُدْرة المُطْلقة، لاحظوا
أنَّ هذا الكتاب الذي ندْرسه مع القرآن، وسنَفْهَم القرآنَ فَهْماً عقائِدياً، وهو
فَهْم أساسه وُجوب أن تنْبَعَ عَقيدَتنا من كتاب الله وسنَّة رسول الله، لذلك لا
يُمْكن أن نقع في الشَّطَط، ولا في الخلل، ولا في المبالغة.
المُقْتَدِر اسْمُ فاعل مِن اقْتَدَر، أما قدير فهي صيغة مُبالغة اسم
الفاعل، مِن قَدَر يقْدِرُ فهو قادر، فهو فيه المبالغة، ولكن اقْتدر غير مُبالغ
به، فالفرق بين قدر واقْتدر كالفرق بين كتب واكْتتب، فَكَتَبَ يدلّ على الكتابة،
أما اكْتتب أي أنَّهُ جعل الكتابة حِرْفَةً له.
التَّعْبير عن ذات الله بِألْفاظٍ شرعيَّة
نبوِيَّة إلهيَّة هو سبيل أهل السنّة والجماعة :
الآن نأتي إلى شيءٍ أرجو الله سبحانه وتعالى أن نقف على حُدوده؛
قال المؤلِّف: لا يليق بالله عز وجل أن تقول: ليس بِجِسْمٍ ولا بِشَبَح ولا جُثَّة
ولا صورة ولا لَحْمٍ ولا دَمٍ ولا شَخْص ولا جَوْهَرٍ ولا عَرَضٍ، ولا بِذي لون ولا
بذي رائِحَة ولا طعْمٍ ولا حرارة ولا رطوبة ولا برودة ولا طول ولا عرْضٍ ولا
عُمْقٍ ولا اجْتِماع ولا افْتِراق ولا حركة ولا سكون ولا تبعُّضٍ، من يقول هذا
الكلام ويسْتَرْسل في التَّعْريف بالله عز وجل عن طريق النَّفْي، كمَنْ يُخاطب
الملك ويقول: أنت لسْتَ بفقير ولا بِزَبَّالٍ، فهذا ليس من باب الكمال والأدب مع
الله تعالى، لذلك الأكْمل أن نأتي بِصِفات النَّفْي مُجْملةً، وصِفات الإثبات
مُفَصَّلَةً، فلو قال الواحد للملك: أنت لسْتَ كَواحِدٍ من رَعِيَّتِك! فهذه
أكْمل، وهذه قَضِيَّة أساسِيَّة في درْس اليوم، طبْعاً نُقِلَ عن سيِّدنا عليٍّ
قَوْل إلا أنَّهُ مُخْتَصَر: ليس بِجِسْمٍ ولا بِصورة ولا بِمُتَبَعِّض، وكلّ ما
خطر ببالك فالله تعالى بِخِلاف ذلك! أما الاسْتِطْرادات الطويلة جداً فهي سوء
أدَبٍ مع الله عز وجل، وبالمناسبة النَّفْيُ الصَّرْف لا مَدْح فيه، قد تقول: فلان
ليس آكِلاً طعامه، فهذا نفي خالٍ من المدْح، ولكن إن قلت: ليس ظالماً، فإنَّك
تُشير إلى أنَّه عادل، فهناك صِفات إن نفَيْتها أثْبَتَّ العَكْس، وكان العكْس
مدْحاً، ولكن هناك صِفات إن نفَيْتها ليس هناك ما يُقابلها، إذاً النَّفي المَحْض
لا مدحَ فيه.
التَّعْبير عن ذات الله عز وجل بِألْفاظٍ شَرْعِيَّة نَبَوِيَّة
إلهيَّة هو سبيل أهل السنّة والجماعة، لذلك حينما أدْخَلْنا عِلْم الكلام في عِلْم
العقيدة كَثُرَتْ الصِّفات السّلبيّة، وقَلَّت الصِّفات الإيجابِيَّة؛ عالِمٌ
قادِرٌ حيّ مريد، والصِّفات السَّلْبِيَّة كثيرة جداً، ينبغي أن نعْكس الأمر، وهو
أن نُكْثر من الصِّفات الإيجابِيَّة في ذات الله عز وجل، وأن نخْتَصِر وأن نهمل
الصِّفات السلبيّة، وبالمناسبة كما تعْلمون ممنوع أنْ نُفَكِّر
فيها بِنَصِّ السنَّة النَّبَوِيَّة لقول
النبي عليه الصلاة والسلام:
((تَفَكَّروا في مخلوقات الله، ولا
تفكَّروا في ذاته فَتَهْلكوا))
[ذكره ابن كثير في تفسيره]
التَّفَكّر في ذات الله عز وجل أحدُ
أسْباب هَلاك الإنسان :
مرَّةً ثانية وثالثة ورابعة هذا العقْل البشري جهاز اسْتِدلال له
مجال مُحدَّد، فَحيثما أعْمَلْتَهُ في مجاله المُحَدَّد أعْطاك نتائِج رائِعة، وما
أرْوَعَها!! أما إنْ أعْملته في مجال آخر حَطَّمْتَهُ، ولم يُعْطِكَ شيئاً من
النتائج، كالميزان المُحَدَّد ليزِن من خمْس غرامات إلى خمْسة كيلو غرام فإن
وزَنْتَ به مئة كيلو غرام حَطَّمْتَهُ، فالعقْل كذلك مجاله المَحْسوسات، وهو
بِشَكْل مُخْتصر جهاز ينقلك إلى المَحْسوس، إلى المُغَيَّب عنك، أبْسط مثل: رأيت
وراء جدار دخانًا، فَعَقْلك يقول: لا دُخان بلا نار، فأنت لم ترَ النار، ولكن رأيت
الأثر، ويجب أن تعتقد أنَّه ما دام هناك شيءٌ مادِيٌّ أمام عَيْنَيْك فالعقْل
يعْمل، فإذا أدْخَلْتَ الأثر فإنَّ العقْل لا يعْمل، لذلك الشيء الذي لا أثر له،
وليس هناك من سبيل لِتَصْديقه إلا الخبر الصادِق، فالآثار هي الكون، فإذا فَكَّرْت
في الكون عَرَفْتَ الله عز وجل، أما إذا تَوَجَّهْت إلى ذات الله عز وجل وقلت: كيف
يعْلم؟ ما طبيعة قدرته؟ كيف كان ولم يكن معه شيء؟ إذا خُضْتَ في هذا المجال
أحْرَقْتَ هذا العَقْل ولم يُعْطِكَ أيَّة نتيجة، أحدُ أسْباب الهَلاك التَّفَكّر
في ذات الله عز وجل.
أمْرُ الله وإخبارُه يجب أن يكون حَكَماً
على عَقْل الإنسان :
النُّقطة الثانِيَة: كُلّ حقيقةٍ يعْجز عقْلك عن إدْراكِها أخْبرك
الله بها رَحْمَةً بك، فالآن إذا أخبرك الله عن شيء يعْجز عقْلك عن إدْراكه
وتَرَدَّدْتَ في قَبول هذا الشيء يجب أن تُعيد إيمانك بالله تعالى، أمّا إذا جعلْت
عقْلك حَكَماً على إخبار الله فقد كَذَّبْت الله جلَّ جلاله، ينبغي أن يكون أمْرُ
الله وإخبارُه لك حَكَماً على عَقْلك، كما قال بعض العلماء: عَقْلك حِصانٌ تَرْكبه
إلى باب السُّلطان، فإذا دَخَلْتَ دَخَلْتَ وحْدك! أقرب مثل: إنسانٌ مريض معه
قَرْحة، وحريصٌ على سلامة صِحَّتِه حِرْصاً لا حدود له، سأل عن طبيب شهير في أمراض
الهَضْم، وسأل عن أحوال الطبيب؛ من تديّن، وإخلاص، وشهادات، إلى أنْ هداهُ عقْله،
واسْتِقراؤه، وأسْئلته، وكلام الناس، والتَّحْقيقات، إلى معرفة الطبيب بشكل كامل،
فإذا دخل الآن إلى هذا الطبيب ينبغي أن يُعَطِّل عقْله، لماذا؟ لأنَّ عقْله هو
الذي أوْصله إلى هذا الطبيب، فإذا قال له هذا الطبيب: اترك هذا الطعام، وقال
المريض: لستُ قانِعاً بذلك، فقد أخطأ، فأنت كذلك عقْلك أوْصلك إلى الله، والله
تعالى أوْحى إلى نَبِيِّه، فلو أردْتَ أن تُحَكِّم عقْلك في وحي الله تعالى
لِنَبِيِّه الكريم فكأنَّك تُكَذِّب الله عز وجل.
على الإنسان ألا يسْمح لِنَفْسه أن
يُناقِش قَضِيَّة إخباريَّة مع أعداء الدِّين :
أيها الأخوة الكرام، أقول ولا أُبالغ: إنّ أكثر مُشْكلات المسلمين
أَنَّهم نقلوا قَضِيَّة من الإخباريات إلى المَعْقولات.
بادئ ذي بدء: أيّةُ قضِيّة تُعْرض عليّ فهذه إنْ كانت مِن المعقولات أُفَكِّر بها، وإنْ كانت مِن الإخباريات أُسَلِّم بها، كعالم الجن، والملائكة، والبرزخ، والصِّراط، والجنَّة، والنار، أمّا ذات الله فهذه الموضوعات لا يجوز أن تدخل في إطار البحث العَقْلي، والعقل ينتقل من الأثر إلى المؤثر، ومن الكون إلى المُكَوِّن، ومن النِّظام إلى المُنَظِّم، ومن الخلق إلى الخالق، وهذا هو كلّ ما في الأمر.
سُقْتُ هذا الكلام لِهذا الدعاء النبوي الشريف، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بادئ ذي بدء: أيّةُ قضِيّة تُعْرض عليّ فهذه إنْ كانت مِن المعقولات أُفَكِّر بها، وإنْ كانت مِن الإخباريات أُسَلِّم بها، كعالم الجن، والملائكة، والبرزخ، والصِّراط، والجنَّة، والنار، أمّا ذات الله فهذه الموضوعات لا يجوز أن تدخل في إطار البحث العَقْلي، والعقل ينتقل من الأثر إلى المؤثر، ومن الكون إلى المُكَوِّن، ومن النِّظام إلى المُنَظِّم، ومن الخلق إلى الخالق، وهذا هو كلّ ما في الأمر.
سُقْتُ هذا الكلام لِهذا الدعاء النبوي الشريف، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا
حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ
نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ
بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ
خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ
الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي
وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ
وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا
نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا))
[ رواه أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ ]
ومثال الميزان
الذي ذكرته قبل قليل أحبّ أن أُتابعه قليلاً، فأقول: صاحب البقاليَّة عنده سيارة،
فهل يزِنُ سيارته بِميزان بقاليَّتِه؟! يسأل الصانع عن وزْن هذه السيارة لأنَّ
ميزان البقالية يعْجز عن وزْن السيارة، فالشيء الذي يعْجز عقْلك عن إدْراكه
أَخْبرك الله به، فأنت كَدَاعِيَة لا ينبغي أن تُسْتَجَرّ إلى مناقشة قَضِيَّة
إخْبارِيَّة؛ لأنَّ أعداء الدِّين أين يكْمُن خُبْثهم؟ يقول أحدهم: أخي أثبتْ لي
أنَّهُ يوجد جنّ؛ وهم القادِيانِيَّة وأمثالهم، وفِعْلاً لا دليل عقلي على إثبات
الجنّ، وإنَّما الدليل إخباري، ونحن عندما آمنَّا بالله خالقاً، ومُسَيِّراً،
وموجوداً، وواحداً، وكاملاً، وآمنَّا بِكلامه ونَبِيِّه، فالقرآن هو الذي أخبرنا
بذلك، فأنت لا تسْمح لِنَفْسك أن تُناقِش قَضِيَّة إخباريَّة مع أعداء الدِّين،
لأنَّهُ لا يوجد دليل عقْلي، ولا مادِّي، إنما الدليل إخْباري، فهذه النقْطة
مُهِمَّة جداً جداً في علاقتك مع الآخرين، فحينما تنْقل قَضِيَّة إخباريّة نقليَّة
سَمْعِيَّة إلى مجال عَقْلاني تُخْفِق، فالإنسان حينما تُسَوِّلُ له نفْسه أن يجعل
عقله حَكَماً على قَضِيَّة إخبارِيَّة فقد وقع في خطأ كبير، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحَابِ الْفِيلِ*أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ*وَأَرْسَلَ
عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ *تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ
*فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾
[سورة الفيل: 1-5]
بِرَبِّكم،
أنتم جميعاً، هل رأى أحدٌ منكم ما فعله الله بأصحاب الفيل ؟ لا أحد رأى ذلك، فكيف
يقول الله عز وجل: ألم ترَ ؟ ألم تُصَدِّق؟ أمَعْقولة هذه! قال علماء التَّفْسير:
إخْبار الله بِمِصْداقِيَّتِه كأنَّك تراها، إلهٌ يُخْبِرُك.
عدم استطاعة الإنسان أن يثبت عدالة الله
بِعَقْلِه إلا أن يكون له عِلْمٌ كَعِلْم الله :
ولذلك ننتقل إلى موضوع ثان وهو أنَّ أكثر الخِلافات بين المجموعات
الدِّينِيَّة جرت حول إثبات عدالة الله، هناك من يسْلك طريقًا شائكًا، وطويلاً،
ومُعَقَّداً، كيف أُثْبِتُ عدالة الله؟ فالله تعالى لو يعْلم أنَّ هذا الذي خلقه
سيكون مصيره إلى النار فلماذا خلقه؟!! يقول المضطرب: ينبغي ألاّ يعْلم!! فإذا
نَفَيْنا عن الله تعالى العِلْم وَقَعْنا في مُشْكلة كبيرة جداً، والله تعالى
يقول:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا
هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ
وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ
بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
[سورة المجادلة: 7]
فأنت لا
تسْتطيع أن تُثبت عدالة الله عز وجل بِعَقْلِك إطْلاقاً إلا أن يكون لك عِلْمٌ
كَعِلْم الله تماماً، حينها تُثْبِتُ عدالة الله بِعَقْلك، ولكنَّ الله تعالى
أخْبرك بمئات الآيات أنَّهُ عادل، أفلا تكْفيك هذه؟! قال تعالى:
﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ
مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ
أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾
[سورة لقمان: 16]
وقال تعالى:
﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ
وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
[سورة التوبة: 70]
وهي أعلى آيات
التوحيد، كُلّ هذه الآيات ألا تكْفي؟ أنا الذي أعْجَبُ له أنَّ الإنسان يُريدُ أنْ
يُثْبِتَ كمال الله عز وجل بِأُسْلوبٍ لا يُرْضي الله، فالله أخْبرك أنَّهُ لا
يظْلمُ أحداً، أما أن تُثبت العدالة بِعَقْلك، فإنّ عقْلك لا يسْتطيع، فالإنسان
يرى زلازل، وفيضاناتٍ، وشُعوباً مَقْهورة، وأمراضاً وبيلة ؛ لو كُشَفَ الغِطاء
لاخْتَرْتم الواقع، يقول الإمام عليّ كَرَّم الله وجْهه: "والله لو كُشِفَ
الغِطاء ما ازْدَدْتُ يقيناً"، فاليقين قبل كَشْف الغِطاء بعدالة الله
كيَقينه بعد كشْف الغِطاء.
العَجْزُ عن إدراك الإدراك إدْراك :
أردتُ من هذا الدَّرْس أنّ أيّة قَضِيَّة في الدِّين اُنْظر إليها،
هل تُصَنَّف مع المعْقولات أم مع المَسْموعات ؟ المَسْموعات، أو الإخباريات، أو
التصديقات، كُلُّها بِمَعنى واحد، فإياك أن تنقل قَضِيَّة من الإخباريات، أو
المسْموعات، إلى مجال المعقول فلن تُفلح، ولذلك فأنت تسْتطيع أن تُناقش أيّ إنسان
في المعقولات، أما في المسموعات فقُل له: ستعرفها وتفهمها بعد أن تؤمن بالله، وبِكماله،
وبأسمائه الحُسنى، وبِنَبِيِّه المرسل، فكلّ شيء في الغرفة التي أنت فيها خاضِعٌ
للنظر، والتأمّل، والتقييم، ولكن في الغرفة الأخرى التي لا نراها خاضع للإخبار
فقط، فالشيء الذي لا تستطيع حواسّك أن تصِلَ إليه فلك سبيل واحد لمعرفته، هو
الإخبار، والشيء الذي لا يَقْوى عقْلك على بُلوغه فليس أمامك من سبيل إلا أن
تُصَدِّق الله عز وجل، فقولك: لا أدري تجعلك في أعلى درجات العِلْم، فَسُؤال
مُتَعَلِّق بذات الله عز وجل ؛ جوابه: لا أدري، وعَيْنُ العلم بالله عين الجهْل
به، وعيْنُ الجهْل بالله عَيْنُ العِلْم به، فلو سُئِلْتَ عن حجم البحْر
المتوسِّط، وقلت: لا أدري، فأنت عالم، أما إن أجبْتَ بِعَدد فأنت جاهِل، العَجْزُ
عن إدراك الإدراك إدْراك، أكْثِر من كلمة لا أدري، فلذلك الإمام مالك لما جاءهُ
وَفْدٌ من الأندلس، ولديهم ثلاثين سؤالاً، فأجاب عن سبْعة عشر، وأما الباقي فقال:
لا أدري، فقالوا: الإمام مالك لا يدْري! فقال: قولوا: الإمام مالك لا يدري، فهذا
أمر لا يُقَلِّل من قدْرك بل يرْفعه، فكلمة "لا أدري" كأنَّك تدْري.
على الإنسان أن يدرس العقيدة من الكتاب و
السنة :
قدْ تعْجبون ؛ فالنصّ وِفق المتْن: "ولا شيء يُعْجزه"،
فَلِحِرْص المؤلِّف الطحاوي ـ رحمه الله تعالى ـ على التّقَيُّد بِكلام الله عز
وجل، قال: ليس قوْل الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: "ولا شيء يُعْجزه" مِن
النفي المذْموم، فإنَّ الله تعالى يقول:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ
شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾
[سورة فاطر: 44]
فحتى العبارات
جاءتْ موافقة لِكِتاب الله عز وجل، ومُلَخَّص هذا الكلام له صِفات وله أسْماء،
فالأكْمل أن ننفي نَفْياً إجْمالياً، وأن نُثْبِتْ إثْباتاً تَفْصيلياً، وهو منهج
أهْل السنَّة والجماعة، وفي درْس قادِم إن شاء الله تعالى ننتقل إلى قوله:
"ولا إله غيره".
والأكمل أن
ندْرس العقيدة من الكتاب والسنَّة، لأنَّ عِلْم الكلام ليس عربياً، ولا إسلامياً،
ولأنَّه هَجين، لا يفْتقر إلى عِلْم آخر، وهو مُعَقَّد جداً، والدِّين بالأساس
بسيط، وعملِيَّة تعْقيد الدِّين هي عَمَلِيَّة ليْسَتْ مشْروعة، والدِّين آيةٌ
واضِحَة كالشِّمْس، وحديثٌ واضِحٌ كالشِّمْس، قال عليه الصلاة والسلام:
((تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ
لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ
مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ
سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ
بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ
فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ))
[ابن ماجه عن العرباض]
فَجَعْل
الدِّين مُصْطَلحات، ومُعادلات، وأَقْيِسَة مُبْهمة، أنا أرى أنّ هذا ليس في صالح
المُسلمين اليوم، ومنهج اقْتِباس العقيدة من الكتاب والسنَّة هو الأكمل، وأن تبقى
في حدود الأدب النبوي حيث وصف النبي عليه الصلاة والسلام ربَّهُ.
من خرج عن منهج الله عز وجل وقع في الظلم
و العدوان و البغي :
هناك نقطة دقيقة، وهي قوله تعالى:
﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
[سورة الأحقاف: 21]
هل تعتقِدون
أنَّ العباد لأنَّهم لم يعْبدوا الله تعالى أذاقهم عذاب يومٍ عظيم؟ ألم يقل النبي
فيما يرويه عن ربِّه:
(( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ
الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا...
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ
كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي
مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ
وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ
مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ
وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ
إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ
الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ
أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا
فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا
نَفْسَهُ ))
[مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ ]
فلماذا هذا
العذاب العظيم لمَن لم يعْبد الله ؟ سؤال مهمّ، الجواب هناك منهج واحد فيه
الإنصاف، والإحكام، والعدالة، وهو منهج الله، فإذا خرجْتَ عنه من العدْل إلى
الظلم، ومن الرَّحمة إلى الجَوْر، ومن المصْلحة إلى المفْسدة، إذاً فلا بدّ أن تقع
في الظُّلم، والعُدْوان، والبغْي، والتجاوز، والعُدْوان يسْتحقّ العذاب، وهذا
يُقابله قوله تعالى:
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ ﴾
[سورة الزمر: 66]
ما علاقة
الشكْر بالعبادة، لأنَّك إن عبَدْت الله عز وجل أكْرَمَك الله بِنِعَمٍ لا تُعَدُّ
ولا تُحْصى، فما عليك إلا أن تشْكر.
عَدَم الإيمان بالله يحمل الإنسان على
الظلم و الجور :
قال تعالى:
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ
صَلُّوهُِ ﴾
[سورة الحاقة: 30-31]
بِرَبِّكم هذا
الإله الرحيم العدْل إذا لم يُؤْمن به العبدُ فهل يسْتحِق هذا العذاب الأليم؟
الجواب: نعم، لأنَّهُ لم يؤْمن بالله العظيم، وأصْبح مُجْرماً، وظالماً، وباغِياً،
فعَدَم الإيمان بالله لابدّ أن يحْملك على هذا، والعالم أمامكم، فإذا كان مِن
الممكن أن يسْعد الإنسان من دون الدِّين فهذا الدِّين باطل! لن تعْدِل، ولن
تُنْصف، ولن ترْحم، من دون دين الله، فالشريعة رحْمة ومصْلحة، وأيَّةُ قَضِيَّة
خرجَتْ من العدْل إلى الجَوْر، ومن المصْلحة إلى المَفْسَدة، ومن الرحْمة إلى
القَسْوة، فهي ليْسَت من الشريعة الإسلاميَّة ولو أُدْخِلَت عليها بألف تأويل
وتأويل، هناك قوْل لأحد العلماء، فَبِحُكم عملي في مَجَلَّة نهْج الإسلام أُراقب
المقالات كلِّها، فجاءَتني مقالة لِعَميد كليَّة الشريعة السابق الشيخ
الدُّرَيْني، وهو عالم كبير، ومن المُجَدِّدين للدِّين، وله قَوْل: "إنَّ
الله لينْصرُ الدَّوْلة الكافرة العادلة على الدَّوْلة المُسْلِمة الظالمة!"
وهو قَوْل نادِر، وفي المقالة ثلاثون صفْحة تُناقض ما قال، إذْ يسْتحيل على الدولة
الكافرة أن تكون عادِلة، كما يسْتحيل على الدَّولة المسلمة أن تكون ظالمة!
فالكافرة عادِلَة مع شَعْبِها، وشَعْبها يحيا على حِساب الشعوب والأمم الأخرى.
سبحان الله
التصوّف كان في الصحابة مُسَمًّى بلا اسم، وقد أصبح فيما بعد اسماً بلا مُسَمَّى،
فهُمْ في أعلى الدرجات إلى الله شَوْقاً، والعبادة بلا اسم، والآن صارت اسماً من
دون مَضْمون.
والحمد
لله رب العالمين
الكلمات المفتاحية :
عقيدة الاشاعرة
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: