العقيدة الطحاوية - الدرس الثاني عشر
العقيدة -
العقيدة الطحاوية - الدرس (12-20) : الله عز وجل له معنى الربوبية ولا مربوب .
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-05-06
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق
الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم
علِّمنا ما ينْفعنا، وانْفعنا بِما علَّمتنا، وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً،
وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً، وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
الله تعالى له معنى الربوبِيَّة ولا
مَرْبوب ومعنى الخالق وما مخلوق :
أيها الأخوة المؤمنون، وصَلْنا فيما أعْتَقِد إلى قوْل الإمام
الطحاوي رحمه الله تعالى: "له معنى الربوبِيَّة ولا مَرْبوب، ومعنى الخالق
وما مخلوق".
إنّه سبحانه وتعالى قبل أن يخلق كان له معنى الخالِق، وقبل أن يكون
ربًّاً كانت له الربوبِيَّة، فهو تعالى موصوف بالربّ قبل أن يوجَد مَرْبوب،
وَمَوْصوف بكونه خالِقاً قبل أن يكون مَخْلوق، هذه الفِكْرة هي مِحْور دَرْسَين أو
ثلاثة، فالله سبحانه وتعالى لا تُنفَى صِفاته قبل أفعاله، بل هي مُسْتَمِرَّة قبل
فِعْلِهِ وبعد فِعْلِه.
قال أحد المشايِخ الشَّارحين: وإنَّما قال: له معنى الرُّبوبِيَّة، ومعنى الخالق دون الخالِقِيَّة، لأنَّ الخالِق هو المُخْرِج للشيء من العَدَم إلى الوُجود لا غير، والربّ يقتضي معانيَ كثيرةً، وهي المُلْك.
قال أحد المشايِخ الشَّارحين: وإنَّما قال: له معنى الرُّبوبِيَّة، ومعنى الخالق دون الخالِقِيَّة، لأنَّ الخالِق هو المُخْرِج للشيء من العَدَم إلى الوُجود لا غير، والربّ يقتضي معانيَ كثيرةً، وهي المُلْك.
الربّ أقرب اسم من أسماء الله الحسنى إلى
الإنسان :
بالمناسبة أقرب اسم من أسماء الله الحسنى إلى الإنسان هو الربّ،
لذلك الحمد لله ربِّ العالمين، قال: هو المُلْك، والحِفظ، والتَّدْبير،
والتَّرْبِيَة، وهي تبليغ الشيء كماله بالتَّدْريج، فأنت لك مُرَبٍّ هو الله
تعالى، فإذا ربَّاك إنسان فهو يُرَبِّيك بِإلْهامٍ من الله عز وجل، ولِكُلِّ شيء
حقيقة وما بلَغَ العَبْدُ حقيقة الإيمان حتَّى يَعْلَم أنَّ ما أصابه لم يكن
لِيُخْطِئه، وما أخْطأهُ لم يكن لِيُصيبَهُ، فلا جَرَم أنّه أتى بِلَفْظٍ يشْمل
هذه المعاني، وهي الرُّبوبِيَّة.
وفيه نَظَر، فكما أنَّ الربوبِيَّة لها معانٍ كثيرة، فالخَلْق
أيْضاً له معانٍ كثيرة، فَمِن معانيها التَّقْدير، فالله عز وجل يَخْلِق، وقبل
الخَلْق هناك إرادَة، وقبل الإرادة يوجد عِلْم، فَمِن لوازِم الخَلْق وُجود
إرادَةٍ، ومن لوازِمِ الإرادة وُجود العِلْم، فالإنسان كما تعلمون جميعاً يعتريه
نقصٌ، وكُلُّ إنسانٍ يؤخَذ منه، ويرَدُّ عليه.
أكبر خطأ ارتكبه المسلمون اليوم أنَّهم
قاسوا الخالق على المخلوق :
قَوْلُهُ: وكما أنَّهُ مُحيي المَوْتى بعدما أحْيا، اسْتَحَقَّ هذا
الاسم قبل إحْيائِه، كذلك اسْتَحَقَّ اسم الخالِق قبل إنشائِه، وأنت تشعر أنَّ
هناك فِتْنة صارَت ومشكلة في عُصور تأليف هذه الكُتب، وهذه الفِتْنة جاءَت من
تَحْكيم عِلْم الكلام المُسْتَوْرَد إلى الشَّريعَة الإسلامِيَّة، وأكبر خطأ وَقَع
به علماء المسلمين أنَّهم اقْتَبَسوا عُلوماً من مُجْتَمَعاتٍ وَثَنِيَّة
وَطَبَّقوها على دينهم، فَأوْقَعُوا الناس في حَرَجٍ شديد، لذلك هذه الكتب تريد أن
تُعيد للإسلام صفاءَهُ، ولِهذا الدِّين نقاءَهُ، وكما أنَّهُ مُحيي المَوْتى بعدما
أحْيا، اسْتَحَقَّ هذا الاسم قبل إحْيائِه، كذلك اسْتَحَقَّ اسم الخالِق قبل
إنشائِه، أكبر خطأ قياس الخالق بالمَخلوق، مَثَلاً: لو فرَضْنا أنَّه بعدما انتهى
الدَّرْس أغْلَقْنا الباب جميعاً، وعُدنا بعد حين فإذا هذه الطاوِلَة في مكان آخر،
سَتَقولون جميعاً: مَن الذي نَقَلَها إلى هذا المكان؟ لأنَّه مُرَكَّبٌ في
أعْماقِنا أنّ هذه جماد، ولا تنتقل إلا عن طريق إنسان، لكن لو وَجَدْتَ زميلاً لك
واقِفاً هنا، تَكَلَّمْتَ مع آخر، ثم التفتَّ فإذا بك تجده هناك ! هل تقول: مَن
نقَلَهُ؟ لا، لأنَّ فيه الحركة، ومِن السُّخف أو الخبث أن تقيس صِفات هذا الإنسان
الحيّ، والمريد، والمتنَقِّل، على هذه الطاوِلَة الجامِدَة، لذلك يَبْدو لي أنَّ أكبر
خطأ أنَّهم قاسوا الخالق على المخلوق، لذا لما قال تعالى:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾
[سورة الإسراء: 1]
كلمة (سبحان)
تعني: أنْ يا عِبادي هذا الحَدَث الذي سوف أذْكُرُه لكم لا تقيسوه بِمِقْياسِكم،
ولا بِأرضِكم، ولا بِمَكانكم، ولا بِزَمانكم، إنَّما هو مِن فِعْل الله تعالى
المباشِر، وهو فوق المكان والزَّمان، وفوق القوانين، فما عليك إلا أنْ تطمئنّ،
وترتاح، وما بعد الموت هناك قوانين لا علاقة لها بِما بعد الموت، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾
[ سورة آل عمران: 169]
فهذا أكبر
إشْكال في عِلْم التَّوحيد ؛ قِياس الخالق على المخلوق.
الله تعالى قادِرٌ دائِماً على إحياء
الموتى :
وكما أنَّهُ مُحْيي الموتى بعدما أحْيا اسْتَحَقَّ هذا الاسم ـ
وهمزته أيْ همزة اسم ـ همزة وَصْل، فالإنسان قد ينسى كتابة همزة القطع، وهذا
يُفَسَّر بالسَّهو، أما إن كتب همزة الوصل همزةَ قطعٍ فهذا يُفَسَّر بالضَّعْف،
فإهْمال ما حقُّه الإثبات يُفَسَّر بالسَّهْو، أما إثبات ما حقُّه الإهْمال
يُفَسَّر بالضَّعْف، فلو كتَبْتَ أخذ بهمزة الوصل؛ (اخذ) نقول: سها، أما لو
وَضَعْتَ همزةً على (اسْتيقظ) هكذا (إسْتَيْقَظ) فلا نقول: سَها، أو كان
مُسْتَعْجِلاً، هذا جَهْل ! - ولو أردنا أنْ نَتَعَمَّقَ أكثر؛ نسأل ونقول: ما
فلْسَفَةُ همزة الوَصْل؟ الأصْل أنَّ هذه الهمزة حرف مزيد، لماذا؟ لأنَّ العرب لا
تبدأ بِساكِن، فإذا كانت الكلمة تبدأ بِحَرْف ساكن نضيف زائِداً مَكْسوراً،
والقاعِدَة المختصرة: أنَّ أيَّة كلمة تبدأ بِهَمْزة أَضِفْ لها واواً فإن
بَقِيَتْ فأَبْقِها، وإن سَقَطَتْ فأسْقِطْها، هذا الكلام ذكرناه لأنَّ كلمة (اسم)
كتبَت في الكتاب على شكل (إسم)، وهو خطأ.
قال رحمه الله: وكما أنَّهُ مُحْيي الموتى بعدما أحْيا اسْتَحَقَّ هذا الاسم قبل إحْيائِهم، كذلك اسْتَحَقَّ اسم الخالِق قبل إنشائِه، يعني أنَّه سبحانه وتعالى مَوْصوف بأنَّهُ يُحيي الموتى قبل إحْيائِهم، وقادِرٌ دائِماً على إحياء الموتى، فَكَذلك يوصَف أنَّه خالقٌ قبل خلقِه إلْزَاماً للمعتزِلَة ومَن قال بِقَوْلِهم، كما حَكَيْنا عنهم فيما تَقَدَّم، وتَقَدَّم تقرير أنَّه تعالى لا يزال يفعل ما يشاء، والمعتزِلَة فِرْقَةٌ حَكَّمَت عَقْلَها في كُلّ شيء، وجَعَلَتْ عقْلها هو الحكَم، مع أنَّ الدِّين في الأصْل نَقْلٌ، والعَقْلُ لِفَهْم النَقْل، لا لإلْغائه، فإذا ألْغَيْتَ النَّقْل بِعَقْلِك، فأنت مُعْتَزِلي، وهي فِرْقَة ضالَّة اعْتَمَدَت على عَقْلِها فأصابَتْ حينًا وأخْطأَتْ أحْيانًا.
قال رحمه الله: وكما أنَّهُ مُحْيي الموتى بعدما أحْيا اسْتَحَقَّ هذا الاسم قبل إحْيائِهم، كذلك اسْتَحَقَّ اسم الخالِق قبل إنشائِه، يعني أنَّه سبحانه وتعالى مَوْصوف بأنَّهُ يُحيي الموتى قبل إحْيائِهم، وقادِرٌ دائِماً على إحياء الموتى، فَكَذلك يوصَف أنَّه خالقٌ قبل خلقِه إلْزَاماً للمعتزِلَة ومَن قال بِقَوْلِهم، كما حَكَيْنا عنهم فيما تَقَدَّم، وتَقَدَّم تقرير أنَّه تعالى لا يزال يفعل ما يشاء، والمعتزِلَة فِرْقَةٌ حَكَّمَت عَقْلَها في كُلّ شيء، وجَعَلَتْ عقْلها هو الحكَم، مع أنَّ الدِّين في الأصْل نَقْلٌ، والعَقْلُ لِفَهْم النَقْل، لا لإلْغائه، فإذا ألْغَيْتَ النَّقْل بِعَقْلِك، فأنت مُعْتَزِلي، وهي فِرْقَة ضالَّة اعْتَمَدَت على عَقْلِها فأصابَتْ حينًا وأخْطأَتْ أحْيانًا.
الإنسان نِسْبي أمَّا الإله فمطلق فكلّ
شيء وَقَعَ أراده الله وكل شيء أراده الله وقَع :
قوله: ذلك بأنَّه على كلّ شيءٍ قدير، وكل شيء إليه فقير، وكلّ
أمْرٍ عليه يسير لا يحْتاج إلى شيء، ليس كمثله شيء، وهو السَّميع البصير، وذلك
إشارَةٌ إلى ثُبوت صِفاته في الأزَل قبل خلقِه للعالم، والكلام على كُلِّ؛ على
كُلِّ شيءٍ قدير، وشُمول كلّ في كلّ مقامٍ على حَسَب ما يحْتَفُّ به مِن القرائِن.
نحن عندنا قاعِدَة وهي أنَّ الإنسان نِسْبي أمَّا الإله فمطلق، والإنسان ممكن أن يُصيب تسعاً وتسعين مرَّة، ويغلِط مرَّة، هذا عالِمٌ كبير أما الإله فالخطأ من جهته مَنْفِيّ، وهو تعالى مُنَزَّهٌ عن الخطأ صغيره وكبيرِهِ، لذلك كلّ شيء وَقَعَ أراده الله، وكل شيء أراده الله وقَع، وإرادة الله تعالى مُتَعَلِّقَةٌ بالحِكْمة المطلقة، وحِكْمَتُهُ المطلقَةُ مُتَعَلِّقَة بالخير المطلق، وهذه الحقيقة إذا اسْتَوْعَبْناها لم يبْقَ في الأرض هَمٌّ ولا حَزَن.
نحن عندنا قاعِدَة وهي أنَّ الإنسان نِسْبي أمَّا الإله فمطلق، والإنسان ممكن أن يُصيب تسعاً وتسعين مرَّة، ويغلِط مرَّة، هذا عالِمٌ كبير أما الإله فالخطأ من جهته مَنْفِيّ، وهو تعالى مُنَزَّهٌ عن الخطأ صغيره وكبيرِهِ، لذلك كلّ شيء وَقَعَ أراده الله، وكل شيء أراده الله وقَع، وإرادة الله تعالى مُتَعَلِّقَةٌ بالحِكْمة المطلقة، وحِكْمَتُهُ المطلقَةُ مُتَعَلِّقَة بالخير المطلق، وهذه الحقيقة إذا اسْتَوْعَبْناها لم يبْقَ في الأرض هَمٌّ ولا حَزَن.
قُدْرَةُ الله مُتَعَلِّقَة بِكُلّ شيء ولا
شيء يعْجِزُهُ :
وقد حَرَّفَتْ المعتزلة المعنى المَفْهوم مِن قوله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[ سورة الحشر: 6 ]
أي قُدْرَةُ
الله مُتَعَلِّقَة بِكُلّ شيء، ولا شيء يعْجِزُهُ، فقالوا: إنَّهُ قادِرٌ على
كُلِّ ما هو مَقْدور له، وأما نفْسُ أفعال العِباد فلا يقْدِرُ عليها عندهم، فالله
تعالى خلَقَ الإنسان، وأعْطاهُ قُوَّةَ فعْلٍ، فلا علاقة بالله مع الإنسان في
شؤونه !! وهي نَظَرِيَّة غَرْبِيَّة، يقولون: الله خَلاَّق وليس فعَّالاً! وهناك
ألف ردّ ورَدّ على هؤلاء، فلو أنَّ الله تعالى أعْطى القُدْرات بالتَّساوي، فهو
تعالى خلق الفقير والغنيّ، والقويّ والضَّعيف، فإذا قلتَ: الله تعالى فعَّال، معنى
ذلك أنَّ من أعْطى للظالِمِ قُوَّةً فهُوَ أظْلَمُ منه، الآن ماذا تفعَلُ دولةٌ
أمام سِلاح نَوَوِي ؟! مَقْهورة إنْ لم يكن لله تعالى دَخْل؛ بل خَلَقَ وتَرَكَ
كما يقولون ! والآيات التي تردَّ عليهم مقالتَهم واضحةٌ كالشَّمس، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
[ سورة الزمر: 62 ]
وقال تعالى:
﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾
[ سورة الأعراف : 54]
الله عز وجل خلاق و فعّال معاً :
الغَرْبُ كلُّهم يؤمنون أنَّ الله تعالى خلاَّق فقط، وليس
فعَّالاً، بل الفعلُ فعلُ الإنسان! أما الدِّين الحنيف، وعقيدته الصَّحيحة تقول:
إنَّ الله تعالى خلاَّق، وفَعَّال، والإنسان لا يمْلِكُ إلا الكَسْب فقط أو
الانْبِعاث إلى العَمَل، وقد ضَرَبْتُ مرَّةً مثلاً للتَّوْضيح، فهذه المصابيح لو
كان لها مِفتاح سرِّي، وأنا الذي أتَحَكُّم بها عنْ بُعْد، وقلت لأحد الأخوان
أطفِئْ بعضاً منها، فقام، ولبَّى الطَّلب، ثمَّ أمرتُ آخر بالطَّلب نفسِه فرفض أن
يُلَبِّي، فماذا فَعَلْتُ بهذا؟ كَشَفْتُ طاعَةَ الأوَّل، ومَعْصِيَةَ الثاني،
والفِعْلُ ليس فعْل الأوَّل، ولا الثاني، هذه هي الحقيقة: عندها لا بِها، وهذا هو
التَّوْحيد، فأنت أمام وَحْش قَوِيّ، ووَحْش، وعَدُوّ لئيم، قال تعالى:
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا
ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾
[ سورة هود: 55 ]
وتنازَعوا، هل
يقدر على مِثْلِها أم لا؟ فلو كان المعنى على ما قالوا لَكَان هذا بِمَنْزِلَةِ أن
يُقال: هو عالِمٌ بِكُلِّ ما يعْلَمُهُ، وخالِقٌ لِكُلِّ ما يخْلقه، ونحو ذلك مِن
العِبارات التي لا فائِدَة منها، فسَلَبوا صِفَة كمال قدْرته على كلّ شيء، فإذا
كان يَعْلَم يخْلُقُ الذي خَلَق، ويعْلَمُ الذي عَلِمَ، هذا كلام اسمه تَحْصيل
حاصِل، ولا معنى له! أما كمال قُدْرَتِه أن يخلِقَ الذي خَلَق، وهو على كلّ شيء
قدير، على الذي خَلَق وعلى ما لم يخْلق، وقُدرته مُتَعَلِّقَة بكلّ شيء.
وأمّا أهل السنَّة
فَعِنْدهم أنَّ الله على كلّ شيء قدير، وأنَّ كلّ ممْكِن مُنْدَرِج في هذا وضمْنه،
فهو قدير على خَلْق هذا العالَم، وهو خلقه فهل يقدِر أن يخْلِق عالَماً مُضاعَفًا
ضِعْف الحَجْم ؟! نعم، فالفَرْق بين المعتزِلَة وأهْل السنَّة؛ أنَّ المعتَزِلَة
قالوا: إنَّ الله على كلّ شيء قدير، على خَلْقِ ما خلَقَ، أما أهْل السنَّة فهُوَ
قدير على خلْق كلّ شيء، فهو تعالى خَلَقَ هذا الخَلْق بِهذا الحجْم لِحِكْمَةٍ
أرادها، أما لو أراد أن يخلق حجْماً أكبر لَخَلَقَ، فَهُوَ تعالى لا شيء يَحُدُّ
قُدْرَتَهُ، ولا شيءَ يَحُدُّ عِلْمَهُ قال: وأما المُحالُ لِذاتِه مثْلُ كَوْن
الشيء الواحِد مَوْجوداً مَعْدوماً في حالٍ واحِدَة ؛ فهذا الشيء مُسْتَحيل!
الله تعالى يعلمُ ما يكون قبل أن يكون
ويكْتُبه وقد يذْكره ويُخْبِرُ به :
كلُّكم يعْلَم أنَّ هناك واجِب الوُجود، ومُمْكِن الوُجود،
ومُسْتَحيل الوُجود، وعندنا طائِفَة من المُسْتَحيلات لطيفَة؛ فالمُسْتَحيل كَوْنُ
الشيء مَوْجوداً ومَعْدوماً في حالٍ واحِدَة! وهذا لا حقيقة له، ولا يُتَصَوَّر
وُجوده، ولا يُسَمَّى شيئًا باتِّفاق العقلاء، ومثل هذا الباب خَلْقُ مِثْل
نفْسِه، أو إعْدامُ نَفْسِه، وأمْثال هذا مِن المُحال، والأصل الإيمان
بِرُبوبِيَّتِه العامَّة، فإنَّه لا يؤمن بأنَّهُ ربُّ كُلِّ شيء إلا مَن آمَنَ
أنَّهُ قادِرٌ على تِلْك الأشياء، ولا يؤمن بربوبِيَّتِه وكمالِها إلا مَن آمَنَ
أنَّه على كلّ شيءٍ قدير، وإنَّما تنازَعوا في المَعْدوم المُمْكِن؛ هل هو شيءٌ أم
لا ؟ فالله تعالى خلق خمْسة ملايين من البشر، فهل يستطيع أن يخلِق خمسة ملايين
أخرى؟ هو قادِر على ذلك تعالى، ولكن هذا المَعْدوم المُمْكِن فهل هذا شيء أم لا ؟!
قال: وإنَّما تنازَعوا في المَعْدوم المُمْكِن؛ هل هو شيءٌ أم لا ؟ التَّحقيق أنَّ
المعدوم ليس بِشيءٍ في الخارِج، ولكنَّ الله يعلمُ ما يكون قبل أن يكون، ويكْتُبه،
وقد يذْكره ويُخْبِرُ به، كَقَوْلِهِ تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة الحج: 1 ]
فهو تعالى قال:
شيء ! فَيَكون شيئًا في العِلْم، والذِّكْر، والكتاب، لا في الواقِع، ولا في
الخارِج، مثَلاً:
ساحَة عامَّة
فارَغَة إذا أرَدْنا أن نُقيم فيها احْتِفالاً، نضع كراسي، وصناديق، وأغْطِيَة،
وتَزْيينات، ولكن لمَّا نُخَطَّط على الوَرَق نكون تَصَوَّرنا هذا الشيء، ولم
نعْمله، فالشيء المعدوم الممكن هو شيء، لِقَوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة الحج: 1 ]
وكما قال
تعالى:
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ
شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
[ سورة يس: 82 ]
وقال تعالى:
﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ
عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾
[ سورة مريم: 9 ]
أي لم تكن
شيئًا في الخارج، وإنَّما كان شيئًا في عِلْم الله تعالى، وقال تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ
مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾
[ سورة الإنسان : 1]
فالمُمْكِن غير
المعدوم، هذا شيء، وهو مَوْجود في عِلْم الله، وغير موجود في الواقِع، وفي الخارج.
الله تعالى له نَفْس وله عين وصِفات
الذَّات نُفَوِّض فَهْمَهَا إلى الله :
وقوله:
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾
[ سورة الشورى: 11]
رَدٌّ على
المُشَبِّهَة، وقوله:
﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
[ سورة الشورى: 11]
ردٌّ على
المعطِّلة، فالمُشَبِّهَة هم الذين شَبَّهوا الله تعالى بِخَلْقِه، والمُعَطِّلَة
هم الذين اعْتَقَدُوا أنّ صِفاته هي عَيْنُ ذاتِه، وقد سَمِعْتُ في بلَدٍ عربي
خطيباً يخطب على المنبر، وقال: إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربُّكم، ونَزَلَ
الخطيب درجة، وقال: كما أنزل أنا! وهم موَحِّدون، ولقد رَفَضُوا المَجازَ في القرآن!
فهذا أحد المشايِخ سأل طالباً يَمْتَحِنُه، فقال له: هل تؤمن بالتَّشبيه؟ فقال له:
نعم، وما الدليل ؟ قال الطالب: قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ
فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[سورة الإسراء: 72]
فإذا لغى
المجاز كان السائِل بِجَهَنَّم، أما إذا قلنا: هناك مجاز في اللُّغَة، فهو أعْمى
القلب، وإذا لم يكن ثمة مَجاز فهو أعمى العَيْن، طبْعًا لم ينجَح الطالب! خَطَبْتُ
مرَّةً خطبة، وهناك أخ كريم؛ والله أُحِبُّهُ كثيراً، وهو غَيور على هذا
المَسْجِد، فقال لي: لقد قلت: نفس الله عز وجل! فقلتُ له: الله تعالى يقول:
﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا
أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
[ سورة المائدة: 116 ]
فالله له نَفْس
وله عين، وصِفات الذَّات نُفَوِّض فَهْمَهَا إلى الله، وأقَلُّ من ذلك نُؤَوِّلُها
تأويلاً يليق بالله تعالى، إلا أنَّنا لا نُعَطِّل ولا نُشَبِّه.
نهي النبي الناس عن التفكر بذات الله حتى
لا يدخلَوا بِمَتاهات تؤدِّي بهم إلى الكُفر :
هناك نقطة، وهي أنَّ الذي ينفي عِلْمَ الله عز وجل أو يُحَكِّم
عَقْلَهُ بِذات الله، يَدْخُل بِمَتاهات وَعِرَة جداً، وكلَّما حلَّ مشكلةً تنشأ
له مئة مشكلة، ويُكَلِّفُ نفسَهُ ما لا يُطيق، ويُحَمِّل عقله المحدود حمْلاً
كالجبال، ويسحق عقله لأنَّك أنت تُخاطِب إنسانًا فما هو الذي يدفعك لكل هذه
المتاهات؟ أنا أُجيب عنك؛ الذي يَدْفَعُك لهذه المتاهات تَبْرِئَةُ الله عز وجل
مِن الذلّ، الله تعالى لا يظلمنا لا فتيلاً ولا قطميراً، ثُمّ تُدْخل عقلك بِذات
الله، والنبي عليه الصلاة والسلام نهاك، حتى لا تدخلَ بِمَتاهات تؤدِّي إلى الكُفر
بِعَيْنِه.
ما مِن حَدَث يقع إلا ووراءه سبب وحِكْمة
:
ثمَّ إنّ هناك نقطة دقيقة جداً، وهي أنَّك لا تستطيع أن تثبت عدالة
الله بِعَقْلِك إلا بِحالةٍ واحِدَة؛ وهي أن يكون لك عِلْم كَعِلْمِ الله، حكى لنا
أخ من أخواننا، وهو يعمل عند أخيه، أُصيب أخوه بِمَرَض خبيث، وأمُّه جاهِلَة، قالت
له: اكتب المَحَل، والسيارة، والمعمل، باسم أخيك، فقال لها: وَزَوْجَتي! فقالت له:
غداً يأتي غيرك، ويتزَوَّج امرأتك، ويأخذ كلّ شيء! فأُمُّه جاهلة، وهو أجْهَل مِن
أمِّه، فهذا الأخ الذي يعمل عند أخيه بعد شهرين تزَوَّج ـ طبعاً ماتت الأمّ و مات
الأخ كذلك ـ فأخذ هذا الأخ السيارة والمعمل، ولم يعْط قِرْشًا للوَرَثَة، فتَقول
له زوْجته: أين المعمل؟ فيقول لها: باعه لأخيه، أين ثمنه؟ لا نعرف! سنة
بِكَامِلِها، وبعدها أصيبوا في حادِث سيرٍ، المغتصب وعائلته ماتوا كلّهم، فرجع
الحق لأصحابه، واسْمَحوا لي أن أقول لكم: إنَّه ما مِن شيء يقع من آدم إلى الآن
إلا ووراءه أسباب، كل شيء وَقَعَ أراده الله، وكما أراده الله وقع، وإرادته
مُتَعَلِّقَة بالحِكْمة المطلقة، وحِكْمَتُهُ المطلقَة مُتَعَلِّقَة بالخير
المطلق، هناك عَدل مطلق من الله تعالى، في كُلّ الخَلْق والبشَر لا يوجد إنسان
مَظْلوم.
قال: ليس كمثله شيء رَدٌّ على المُشَبِّهَة، وقوله: وهو السميع
البصير ردٌّ على المعطِّلة، فهو سبحانه وتعالى موْصوف بِصِفات الكمال وليس له فيها
شبيه، فالمَخْلوق وإن كان يوصَفُ بِأنَّهُ سميعٌ بصير فليس سَمْعُهُ وبَصَره
كَسَمْع الربّ وبصره.
اسْتَوْقفَني أحد الأخوة التجار، وقال لي: فلان مِن الناس جاء
لِيَفْتَحَ مَحَلَّهُ فإذا بِرَصاصَة تأتي في عموده الفقري فَجعلَتْهُ مَشْلولاً !
ثم قال لي: ماذا فَعَلَ هذا؟ أليس هذا مكاِن عَمَله؟ بعد عشرين يوماً حدَّثني أخٌ،
فقال: لنا جار اغْتَصَبَ أموال الأيتام؛ أولاد أخيه ! واشْتَكوا للشَّيْخ حسين
خَطَّاب، فَجَمَعَهم الشَّيْخ كي يتَّفِقُوا، فَرَفَضَ هذا المُغْتَصِب أن يعطيهم
شيئًا! فقال الشيخ حسين خطَّاب حينها: إيَّاكم أن تَشْكوه إلى القَضاء، ولكن
اشْكُوه إلى الله تعالى! وكانت القِصَّة في الساعة الثامِنَة مساءً، وفي الساعة
التاسِعَة صباحاً كان المغتصِبُ مَشْلولاً، فأنا أقول لكم مرَّةً ثانيَة: ما مِن
حَدَث يقع إلا ووراءه سبب وحِكْمة، فأنت إذا أرَدْتَ أن تُنَزِّه الله تعالى فلا
يجعلك هذا تنفي عنه العِلْم، فإنّ الله لم يكلِّفْك بِهذا، ونَزِّهْني كما أُريد،
وليس كما تريد! لذلك لا تُحاوِلوا بِعُقولِكم أن تدخُلوا في مَتاهات الذات
الإلهِيَّة، ولا تُفَكِّر أن تَحُل القضايا بِعَقْلِك، فأنت حادِث ومَحْدود،
فالأَوْلى بالنسبة للآيات التي ذَكَرت صِفات ذاته تعالى؛ إما أنْ تُفَوِّض معناها
إلى الله تعالى، وإمَّا أن تُؤَولَها تأويلاً يليق بالله عز وجل، إلا أنَّك لا
تُعَطِّل، ولا تُجَسِّد، ولا تُحكِّمْ عقلِك، فهؤلاء هم المعتزلة الذين حَكَّموا
عُقولهم في كلّ شيء.
العقل و النقل :
يقولون: من دون العَقْل لا نفهم النَّقْل! الجواب: نعم فالعَقْل له
دور خطير في النَّقْل:
أوَّلاً: مُهِمَّةُ العَقْل قبل النَّقْل إثبات صِحَّة النَّقْل، ومُهِمَّة العقل بعد النَّقْل فَهْمُ النَّقْل، إلا أنَّه ليس للعَقْل إلغاء النَّقْل، فلو فَرَضْنا أنَّنا قلنا لك: لك مُهِمَّة تقديم رواتب هؤلاء المُوَظَّفين، فإذا بك تقول: دَعونا من الرواتِب ! أنت مُهِمَّتُك تقديم الرواتب لا إلغاؤُها، ومَثَلٌ أوْضَح مِن ذلك: أنت وكيل لإنسان عظيم، وأعْطاك مُهِمَّة وقال لك: أمامك اثنا عشَر بنداً عليك أن تُنَفِّذَها، والعَمَلِيَّة تُكَلِّف مليونًا، وأنت معك الملايين مِن مالِهِ، فبِما أنَّك وكيله فعليك أن تتأكَّد مِن صِحَّة النَّقْل، فلعَلَّ هذا ليس توقيعه، لأنَّه إذا لم يكن توْقيعُه يقول لك: لمَ تصرَّفتَ هكذا؟ فادفع المليون من جَيْبِك، فإنَّه ليس توقيعي! فأنت مُكَلَّف أن تَتَحَقَّق من صِحَّة التَّوْقيع، فلو قال لك: أعْطِ فلانًا ألف دينارٍ ونصفه! يا ترى هل هو ألف دينار ونصف دينار، أو ألف وخمسمئة؟! سَلْ علماء اللُّغَة: على مَن يعود هذا الضَّمير، وهذا عِلْم الأصول؛ استنباط الحُكْم الشرعي من النَّص الكُليّ فَعَقْلُكَ مَسْموح له أن يتأكَّد من صِحَّة التوقيع، أو مَدْلول النَّص.
فلما يُلغي عقلُك النَّقلَ، لم تعُد تعبد الله، أما عقلك من حَقِّه التأكُّد مِن صِحَّة النَّقْل، وفَحْواه، فالعَقْل عن طريقه نفهم أصْل النَّقْل، وعن طريقِهِ نُثْبِتُ صِحَّة النَّقْل، وعن طريقِه نفْهَمُ النَّقْل، إلا أنَّ العَقْل غير مسْموح له أن يُلْغي النَّقْل.
أوَّلاً: مُهِمَّةُ العَقْل قبل النَّقْل إثبات صِحَّة النَّقْل، ومُهِمَّة العقل بعد النَّقْل فَهْمُ النَّقْل، إلا أنَّه ليس للعَقْل إلغاء النَّقْل، فلو فَرَضْنا أنَّنا قلنا لك: لك مُهِمَّة تقديم رواتب هؤلاء المُوَظَّفين، فإذا بك تقول: دَعونا من الرواتِب ! أنت مُهِمَّتُك تقديم الرواتب لا إلغاؤُها، ومَثَلٌ أوْضَح مِن ذلك: أنت وكيل لإنسان عظيم، وأعْطاك مُهِمَّة وقال لك: أمامك اثنا عشَر بنداً عليك أن تُنَفِّذَها، والعَمَلِيَّة تُكَلِّف مليونًا، وأنت معك الملايين مِن مالِهِ، فبِما أنَّك وكيله فعليك أن تتأكَّد مِن صِحَّة النَّقْل، فلعَلَّ هذا ليس توقيعه، لأنَّه إذا لم يكن توْقيعُه يقول لك: لمَ تصرَّفتَ هكذا؟ فادفع المليون من جَيْبِك، فإنَّه ليس توقيعي! فأنت مُكَلَّف أن تَتَحَقَّق من صِحَّة التَّوْقيع، فلو قال لك: أعْطِ فلانًا ألف دينارٍ ونصفه! يا ترى هل هو ألف دينار ونصف دينار، أو ألف وخمسمئة؟! سَلْ علماء اللُّغَة: على مَن يعود هذا الضَّمير، وهذا عِلْم الأصول؛ استنباط الحُكْم الشرعي من النَّص الكُليّ فَعَقْلُكَ مَسْموح له أن يتأكَّد من صِحَّة التوقيع، أو مَدْلول النَّص.
فلما يُلغي عقلُك النَّقلَ، لم تعُد تعبد الله، أما عقلك من حَقِّه التأكُّد مِن صِحَّة النَّقْل، وفَحْواه، فالعَقْل عن طريقه نفهم أصْل النَّقْل، وعن طريقِهِ نُثْبِتُ صِحَّة النَّقْل، وعن طريقِه نفْهَمُ النَّقْل، إلا أنَّ العَقْل غير مسْموح له أن يُلْغي النَّقْل.
مثَلٌ آخر، مريض مصاب بالتهاب بالمعِدَة،
بِعَقْلِه يبْحث عن أحْسَن طبيب، وعن أكثرِهم خِبْرَةً، لكن عندما يصِل إلى هذا
الطبيب، ويدخل عنده فهل يستخدِم عقْله؟! هنا انْتَهَت مُهِمَّة عَقْلِكَ، فَهُوَ
أوْصَلَك إلى الطبيب، أمّا الآن فَدَوْرُكَ التلَقِّي، وليس المُحاكمة والتَّدقيق!
فأنت كذلك: عَقْلُكَ أوْصَلَك أنَّ هذا كون له خالِق، والله تعالى هو الخالِق،
وهذا القرآن كلامه، وهذا الإنسان رسوله صلى الله عليه وسلَّم؛ فهذا هو دورُ
العَقْل، ثمَّ جاء دَوْر النَّقْل، أمَرَك الله بالصلاة والصِّيام والزكاة والحج.
فالعَقْل والنَّقل متكامِلان، والعَقْل لا يُمكن أن يختلف مع
النَّقْل، لماذا ؟ لأنَّ العَقْل مِقياس أوْدَعَهُ تعالى فينا، والنَّقْل كلامه،
والمَصْدر واحِد، والكَوْن خلْقُه، لذلك قالوا: لا يُمْكِنُ لِصَريح المعقول أن
يُخالِفَ صحيح المنْقول، وقد أُلِّفَت كُتُب في هذا، تَوافُق المَعْقول مع
المنْقول حَتْمٌ واجِب، مثال: هناك عشرة أقْمِشَة قِسْتُها وكَتَبْتُ على كلّ منها
عدد أمتارها، فهل يُعْقَل أن أعْطيكَ مِقياساً أكون مخطئًا فيه؟! كذلك هل يُعْقَل
أن تكون الحقائق التي في القرآن مناقِضَة للعَقْل؟ وهل يمكن أن يصِل العَقْل إلى
نتائِج خاطئة مع القرآن؟
وهذا الموضوع خطير، فأُناس أخذوا بالعَقْل كالمعتزلة، وآخرون وقفوا
عند ظاهر النص، وجَمَّدوا عُقولهم، وكلاهما خطأ، فالعَقْل له دَوْر، والنَّقْل
كذلك.
عِلْم الحديث وعِلْمُ الأصول علمان
أساسيان في الدين :
هناك علوم كثيرة في ديننا، إلا أنَّ عِلْمَيْن منهما هما الأساس:
عِلْم الحديث، وعِلْمُ الأصول، فالأوَّل تعرف به صِحَّة النَّقْل، والثاني يدُلُّك
على الفَهْم الصحيح للنَّص، ومشكِلَتنا مصدرها إما الأحاديث الموضوعة، أو الغلط في
الفَهْم، فنحن إذا أمْكننا أن نضبط النَّقل والتأويل اتَّفَقْنا، وأنا أقول: لو
ألْغَيْنا الأحاديث الضَّعيفة، والفَهْم العَشْوائي للنُّصوص، نَجْتَمِع على مذهبٍ
واحد، فعلى الإنسان أن يتأكَّد من الحديث، أو يرْويه بِصيغَة التَّمْريض.
والحمد
لله رب العالمين
الكلمات المفتاحية :
عقيدة الاشاعرة
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: