مصطلحات صوفية : التوبة
قَالَ اللَّه
تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} [النور: 31]
أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَوْرَكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ مَحْمُودِ بْنِ خَرَّازٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضْلِ بْنِ
جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ وَإِذَا أَحَبَّ
اللَّهُ عَبْدًا لَمْ يَضُرَّهُ ذَنْبٌ، ثُمَّ تَلا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] ، قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَمَا عَلامَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: «النَّدَامَةُ»
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ الأَهْوَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا
غَسَّانُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ طَرِيفُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ شَابٍّ تَائِبٍ»
التوبة أول
منزلة من منازل السالكين وأول مقام من مقامات الطالبين وحقيقة التوبة فِي لغة
العرب الرجوع يقال تاب أي رجع فالتوبة الرجوع عما كَانَ مذموما فِي الشرع إِلَى
مَا هُوَ محمود فِيهِ وَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الندم
التوبة فأرباب الأصول من أهل السنة قَالُوا: شرط التوبة حَتَّى تصح ثلاثة أشياء:
الندم عَلَى
مَا عمل من المخالفات، وترك الزلة فِي الحال، والعزم عَلَى أَن لا يعود إِلَى مثل
مَا عمل من المعاصي فَهَذِهِ الأركان لابد منها حَتَّى تصح توبته قَالَ هَؤُلاءِ:
وَمَا فِي الْخَبَر إِن الندم توبة إِنَّمَا نص عَلَى معظمه كَمَا قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحج عرفة أي معظم أركانه عرفة أي الوقوف بِهَا لا
أَنَّهُ لا ركن فِي الحج سِوَى الوقوف بعرفات ولكن معظم أركانه الوقوف بِهَا
كَذَلِكَ قَوْله: الندم توبة أي معظم أركانها الندم ومن أهل التحقيق من قَالَ:
يكفي الندم فِي تحقيق ذَلِكَ، لأن الندم يستتبع الركنين الآخرين فَإِنَّهُ يستحل
تقدير أَن يَكُون نادما عَلَى مَا هُوَ مصر عَلَى مثله أَوْ عازم عَلَى الإتيان
بمثله وَهَذَا معني التوبة عَلَى جهة التحديد والإجمال فأما عَلَى جهة الشرح
والإبانة فَإِن للتوبة أسبابا وترتيبا وأقساما فأول ذَلِكَ انتباه القلب عَن رقدة
الغفلة ورؤية العبد مَا هُوَ عَلَيْهِ من سوء الحالة ويصل إِلَى هذه الجملة
بالتوفيق للإصغاء إِلَى مَا يخطر بباله من زواجر الحق سبحانه بسمع قلبه، فَإِنَّهُ
جاء فِي الْخَبَر واعظ اللَّه فِي قلب كُل امرئ مُسْلِم وَفِي الْخَبَر إِن فِي
البدن لمضغة إِذَا صلحت صلح جَمِيع الجسد وإذا فسدت فسد جَمِيع البدن ألا وَهِيَ
القلب فَإِذَا فكر بقلبه فِي سوء مَا يصنعه وأبصر مَا هُوَ عَلَيْهِ من قبيح
الأفعال سنح فِي قلبه إرادة التوبة والإقلاع عَن قبيح المعاملة فيعده الحق سبحانه
بتصحيح العزيمة والأخذ فِي جميل الرجعى والتأهب لأسباب التوبة فأول ذَلِكَ
هجران إخوان
السوء فإنهم هُم الَّذِينَ يحملون عَلَى رد هَذَا القصد ويشوشون عَلَيْهِ صحة
هَذَا العزم ولا يتم ذَلِكَ إلا بالمواظبة عَلَى المشاهدة الَّتِي تزيد رغبته فِي
التوبة
وتوفر دواعيه عَلَى إتمام مَا عزم عَلَيْهِ مِمَّا يقوي خوفه ورجاءه فعند ذَلِكَ
تنحل من قلبه عقدة الإصرار عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ من قبيح الأفعال فيقف عَن
تعاطي المحظورات ويكبح لجام نَفْسه عَن متابعة الشهوات فيفارق الزلة فِي الحال
ويبرم العزيمة عَلَى أَن لا يعود إِلَى مثلها فِي الاستقبال فَإِن مضى عَلَى موجب
قصده ونفذ بمقتضى عزمه فَهُوَ الموافق صدقا وإن نقض التوبة مرة أَوْ مرات وتحمل
إرادته عَلَى تجديدها فَقَدْ يَكُون مثل هَذَا أَيْضًا كثيرا فلا ينبغي قطع الرجاء
عَن توبة أمثال هَؤُلاءِ فَإِن لكل أجل كتابا.
حكي عَن
أَبِي سُلَيْمَان الدراني أَنَّهُ قَالَ: اختلفت إِلَى مجلس قاص فاثر كلامه فِي
قلبي فلما قمت لَمْ يبق فِي قلبي منه شَيْء فعدت ثانيا فسمعت كلامه فبقي كلامه فِي
قلبي فِي الطريق ثُمَّ زال ثُمَّ عدت ثالثا فبقي أثر كلامه فِي قلبي حَتَّى رجعت
إِلَى منزلي فكسرت آلات المخالفات ولزمت الطريق فحكي هذه الحكاية ليحيى بْن معاذ
فَقَالَ: عصفور اصطاد كركيا أراد بالعصفور ذَلِكَ القاص وبالكركي أبا سُلَيْمَان
الدارني.
ويحكى عَن
أَبِي حفص الحداد أَنَّهُ قَالَ: تركت العمل كَذَا وكذا مرة فعدت إِلَيْهِ ثُمَّ
تركني العمل فلم أعد بَعْد إِلَيْهِ.
وقيل: إِن
أبا عَمْرو بْن نجيد فِي ابتداء أمره اختلف إِلَى مجلس أَبِي عُثْمَان فأثر فِي
قلبه كلامه فتاب ثُمَّ إنه وقعت لَهُ فترة فكان يهرب من أَبِي عُثْمَان إِذَا رآه
ويتأخر عَن مجلسه فاستقبله أَبُو عُثْمَان يوما فحاد أَبُو عَمْرو عَن طريقه وسلك
طريقا أُخْرَى فتبعه أَبُو عُثْمَان فَمَا زال يقفوا أثره حَتَّى لخفه فَقَالَ
لَهُ:
يا بَنِي لا
تصحب من لا يحبك إلا معصوما إِنَّمَا ينفعك أَبُو عُثْمَان فِي مثل هذه الحالة
قَالَ فتاب أَبُو عَمْرو بْن نجيد وعاد إِلَى الإرادة ونفذ فِيهَا.
سمعت الشيخ
أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: تاب بَعْض المريدين ثُمَّ وقعت لَهُ فترة
فكان يفكر وقتا لو عاد إِلَى توبته كَيْفَ حكمه؟ فهتف بِهِ هاتف يا فُلان أطعتنا
فشكرناك ثُمَّ تركتنا فأهملناك وإن عدت إلينا قبلناك فعاد الفتى إِلَى الإرادة
ونفذ فِيهَا فَإِذَا ترك المعاصي وجل عَن قلبه عقدة الإصرار وعزم عَلَى أَن لا
يعود إِلَى مثله فعند ذَلِكَ يخلص إِلَى قلبه صادق الندم فيتأسف عَلَى مَا عمله
ويأخذ فِي التحسر عَلَى مَا صنعه من أحواله وارتكبه من قبيح أعماله فتتم توبته
وتصدق مجاهداته واستبدل بمخالطته العزلة وبصحبته مَعَ أخدان السوء التوحش عَنْهُم
والخلوة ويصل ليله بنهاره فِي التلهف ويعتنق فِي عموم أحواله بصدق التأسف يمحو
بصوب عبرته آثار عثرته ويأسو بحسن توبته كلوم حوبته يعرف من بَيْنَ أمثاله بذنوبه
ويستدل عَلَى صحة حاله بنحوله ولن يتم لَهُ شَيْء من ذَلِكَ إلا بَعْد فراغه من
إرضاء خصومه والخروج عما لزمه من مظالمه فَإِن أول منزلة من التوبة إرضاء الخصوم
بِمَا أمكنه فَإِن اتسع ذَات يده لإيصال حقوقهم إليهم أَوْ سمحت أنفسهم بإحلاله
والبراءة عَنْهُ وإلا فالعزم بقلبه عَلَى أَن يخرج عَن حقوقهم عِنْدَ الإمكان
والرجوع إِلَى اللَّه بصدق الابتهال والدعاء لَهُمْ وللتائبين صفات وأحوال هِيَ من
خصالهم يعد ذَلِكَ من جملة التوبة لكونها من صفاتهم لا لأنها من شرط صحتها وإلى
ذَلِكَ تشير أقاويل الشيوخ فِي معني التوبة.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: التوبة عَلَى ثلاثة أقسام:
أولها
التوبة وأوسطها الإنابة وآخرها الأوبة، فجعل التوبة بداية والأوبة نهاية والإنابة
واسطتهما، فَكُل من تاب لخوف العقوبة فَهُوَ صاحب توبة، ومن تاب طمعا فِي الثواب
فَهُوَ صاحب إنابة، ومن تاب مراعاة للأمر لا لرغبة فِي الثواب أَوْ رهبة من العقاب
فَهُوَ صاحب أوبة، ويقال أَيْضًا: التوبة صفة الْمُؤْمِنيِنَ قَالَ اللَّه تعالي:
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31] والإنابة
صفة الأولياء والمقربين قَالَ اللَّه تعالي: {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33]
والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين قَالَ اللَّه تعالي: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ
أَوَّابٌ} [ص: 30] .
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول سمعت
جَعْفَر بْن نصير يَقُول سمعت الجنيد يَقُول: التوبة عَلَى ثلاثة معان: أولها
الندم.
وَالثَّانِي
العزم عَلَى ترك المعاودة إِلَى مَا نهى اللَّه عَنْهُ.
والثالث
السعي فِي أداء المظالم.
وَقَالَ سهل
بْن عَبْد اللَّهِ التوبة ترك التسويف.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول سمعت أبا عَبْد
اللَّهِ الْقُرَشِيّ يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول سمعت الْحَارِث يَقُول: مَا
قُلْت: قط اللَّهُمَّ أنى أسألك التوبة ولكني أقول أسألك شهوة التوبة أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْد اللَّهِ الشيرازي قَالَ: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ بْن مصلح بالأهواز
يَقُول سمعت ابْن زيري يَقُول سمعت الجنيد يَقُول: دخلت عَلَى السري يوما فرأيته
متغيرا فَقُلْتُ لَهُ: مَالِك
فَقَالَ:
دَخَلَ عَلِي شاب فسألني عَنِ التوبة فَقُلْتُ لَهُ: أَن لا تنسى ذنبك فعارضني
وَقَالَ بَل التوبة أَن تنسى ذنبك فَقُلْتُ: إِن الأمر عندي مَا قَالَ الشاب
فَقَالَ: لَمْ قُلْت: لأني إِذَا كنت فِي حال الجفاء فنقلني إِلَى حال الوفاء فذكر
الجفاء فِي حال الصفاء جفاء فسكت.
سمعت أبا
حاتم السجستاني يَقُول سمعت أبا نصر السراج يَقُول سئل سهل بْن عَبْد اللَّهِ عَنِ
التوبة فَقَالَ: أَن لا تنسى ذنبك وسئل الجنيد عَنِ التوبة فَقَالَ: أَن تنسى ذنبك
قَالَ أَبُو نصر السراج أشار سهل إِلَى أحوال المريدين والمتعرضين تارة لَهُمْ
وتارة عَلَيْهِم فأما الجنيد فَإِنَّهُ أشار إِلَى توبة المحققين لا يذكرون ذنوبهم
بِمَا غلب عَلَى قلوبهم من عظمة اللَّه ودوام ذكره قَالَ وَهُوَ مثل مَا سئل رويم
عَنِ التوبة فَقَالَ: التوبة من التوبة.
وسئل ذو النون
الْمِصْرِي عَنِ التوبة، فَقَالَ: توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة.
وَقَالَ
النوري: التوبة أَن تتوب من كُل شَيْء سِوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
سمعت
مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الصوفي يَقُول سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي
بْن مُحَمَّد التميمي يَقُول شتان مَا بَيْنَ تائب يتوب من الزلات وتائب يتوب من
الغفلات وتائب يتوب من رؤية الحسنات.
وَقَالَ
الواسطي: التوبة النصوح لا تبقي عَلِي صاحبها أثرا من المعصية سرا ولا جهرا ومن
كانت توبته نصوحا لا يبالي كَيْفَ أمسى وأصبح.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الفضل
الهاشمي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن الرومي، يَقُول: سمعت يَحْيَي بْن معاذ
يَقُول:
إلهي لا أقول تبت ولا أعود لما أعرف من خلقي ولا أضمن ترك الذنوب لما أعرف من ضعفى
ثُمَّ إني أقول لا أعود لعلي أَن أموت قبل أَن أعود وَقَالَ ذو النون الاستغفار من
غَيْر إقلاع توبة الكاذبين.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت النصرأباذي يَقُول سمعت ابْن يزدانيار يَقُول
وَقَدْ سئل عَنِ العبد إِذَا خرج إِلَى اللَّه عَلَى أي أصل يخرج فَقَالَ: عَلَى
أَن لا يعود إِلَى مَا منه خرج ولا يراعي غَيْر من إِلَيْهِ خرج ويحفظ سره عَن
ملاحظة مَا تبرأ منه فقيل لَهُ هَذَا حكم من خرج عَن وجود فكيف حكم من خرج عَن عدم
فَقَالَ: وجود الحلاوة فِي المستأنف عوضا عَنِ المرارة فِي السالف.
وسئل
البوشنجي عَنِ التوبة فَقَالَ: إِذَا ذكرت الذنب ثُمَّ لا تجد حلاوته عِنْدَ ذكره
فَهُوَ التوبة وَقَالَ ذو النون حقيقة التوبة أَن تضيق عليك الأَرْض بِمَا رحبت
حَتَّى لا يَكُون لَك قرار ثُمَّ تضيق عليك نفسك كَمَا أخبر اللَّه تَعَالَى فِي
كتابه بقوله: {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ
اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] وَقَالَ
ابْن عَطَاء التوبة توبتان: توبه الإنابة وتوبة الاستجابة فتوبة الإنابة أَن يتوب
العبد خوفا من عقوبته وتوبة الاستجابة أَن يتوب حياء من كرمه.
وقيل لأبي
حفص: لَمْ يبغض التائب الدنيا؟ قَالَ لأنها دار باشر فِيهَا الذنوب فقيل لَهُ
أَيْضًا هِيَ دار أكرمه اللَّه فِيهَا بالتوبة فَقَالَ: إنه من الذنب عَلَى يقين
ومن قبول توبته عَلَى خطر.
وَقَالَ
الواسطي طرب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلام وَمَا هُوَ فِيهِ من حلاوة الطاعة أوقعه فِي
أنفاس متصاعدة وَهُوَ فِي الحالة الثَّانِيَة أتم منه فِي وقت مَا ستر عَلَيْهِ
أمره.
وَقَالَ
بَعْضهم: توبة الكذابين عَلَى أطراف ألسنتهم يَعْنِي قَوْل أستغفر اللَّه.
وسئل أَبُو
حفص عَنِ التوبة فَقَالَ: لَيْسَ للعبد فِي التوبة شَيْء، لأن التوبة إِلَيْهِ لا
منه وقيل: أوحى اللَّه سبحانه إِلَى أدم يا آدم ورثت ذريتك التعب والنصب وورثتهم
التوبة من دعاني مِنْهُم بدعوتك لبيته كتلبيتك يا آدم احشر التائبين من القبور
مستبشرين بي ضاحكين ودعاؤهم مستجاب.
وَقَالَ رجل
لرابعة إني قَدْ أكثرت من الذنوب والمعاصي فلو تبت عَلِي يتوب عَلِي فَقَالَتْ لا
بَل لو تاب عليك لتبت واعلم أَن اللَّه تَعَالَى قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] ومن قارف الزلة فَهُوَ
من خطئه عَلَى يقين فَإِذَا تاب فَإِنَّهُ من القبول عَلَى شك لا سيما إِذَا كَانَ
من شرطه وحقه أَن يَكُون مستحقا لمحبة الحق وإلى أَن يبلغ العاصي محلا يجد فِي
أوصافه أمارة محبة اللَّه إياه مسافة بعيدة فالواجب إذن عَلَى العبد إِذَا علم
أَنَّهُ ارتكب مَا تجب منه التوبة دوام الانكسار وملازمة التنصل والاستغفار كَمَا
قَالُوا استشعار الوجل إِلَى الأجل وَقَالَ عز من قائل: قل إِن كنتم تحبون اللَّه
فاتبعون يحببكم اللَّه وَكَانَ من سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دوام
الاستغفار، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه ليغان عَلَى قلبي
فأستغفر اللَّه فِي اليوم سبعين مرة.
سمعت أبا
عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن عَلِي يَقُول: سمعت مُحَمَّد
بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن سهل يَقُول: سمعت يَحْيَي بْن معاذ
يَقُول: زلة واحدة بَعْد التوبة أقبح من سبعين قبلها
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول سمعت أبا
عُثْمَان يَقُول فِي قَوْله: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} [الغاشية: 25] قَالَ
رجوعهم وإن تمادى بِهِم الجولان فِي المخالفات.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول سمعت أبا
عَمْرو الأنماطي يَقُول ركب عَلِي بْن عيسي الوزير فِي موكب عظيم فجعل الغرباء
يقولون: من هَذَا من هَذَا؟ فَقَالَت امْرَأَة قائمة عَلَى الطريق إِلَى مَتَى
تَقُولُونَ من هَذَا من هَذَا؟ هَذَا عَبْد سقط من عين اللَّه فابتلاه اللَّه
بِمَا ترون فسمع عَلِي بْن عيسى ذَلِكَ فرجع إِلَى منزلة واستعفى عَنِ الوزارة
وذهب إِلَى مَكَّة وجاور بِهَا.
تحميل الموضوع ملف وورد :
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: