بَاب الاستقامة
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}
[فصلت: 30] الآية
أَخْبَرَنَا
الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ فَوْرَكٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ
الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ
دِينِكُمُ الصَّلاةُ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلا مُؤْمِنٌ
قَالَ
الأستاذ: الاستقامة درجة بِهَا كمال الأمور وتمامها , وبوجودها حصول الخيرات
ونظامها ومن لَمْ يكن مستقيما فِي حالته ضاع سعيه وخاب جهده قَالَ اللَّه
تَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
أَنْكَاثًا} [النحل: 92] ومن لَمْ يكن مستقيما فِي صفته لَمْ يرتق من مقامه إِلَى
غيره وَلَمْ يبين سلوكه عَلَى صحة فمن شرط المستأنف الاستقامة فِي أحكام البداية
كَمَا أَن من حق العارف الاستقامة فِي آداب النهاية فمن أمارات استقامة أهل
البداية أَن لا تشوب معاملتهم فترة ومن أمارات استقامة أهل الوسايط أَن لا يصحب
منازلتهم وقفة ومن أمارات استقامة أهل النهاية أَن لا تتداخل مواصلتهم حجبة.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول الاستقامة لَهَا ثلاثة مدارج: أولها
التقويم
ثُمَّ الإقامة ثُمَّ الاستقامة فالتقويم من حيث تأديب النفوس والإقامة من حيث
تهذيب القلوب والاستقامة من حيث تقريب الأسرار.
وَقَالَ
أَبُو بَكْر الصديق رضى اللَّه عَنْهُ فِي معنى قَوْله: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا}
[فصلت: 30] لَمْ يشركوا وَقَالَ عُمَر رضى اللَّه عَنْهُ لَمْ يروغوا روغان
الثعالب فقول الصديق محمول عَلَى مراعاة الأصول فِي التوحيد وقول عُمَر محمول
عَلَى ترك طلب التأويل والقيام بشرط العهود وَقَالَ ابْن عَطَاء استقاموا عَلَى
انفراد القلب بالله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو عَلَى الجوزجاني كن صاحب الاستقامة لا
طَالِب الكرامة فَإِن نفسك متحركة فِي طلب الكرامة وربك عَزَّ وَجَلَّ يطالبك
بالاستقامة.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الشبوي يَقُول: رأيت
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام فَقُلْتُ: لَهُ رُوِيَ
عَنْك أنك قُلْت: شيبتني هود فَمَا الَّذِي شيبك منها قصص الأنبياء وهلاك الأمم فَقَالَ:
لا ولكن قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112] وقيل: إِن
الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عَنِ المعهودات ومفارقة الرسوم
والعادات والقيام بَيْنَ يدي اللَّه تَعَالَى عَلَى حقيقة الصدق ولذلك قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استقيموا ولن تحصوا وَقَالَ الواسطي: الخصلة
الَّتِي بِهَا كملت المحاسن وبفقدها قبحت المحاسن الاستقامة وحكى عَنِ الشبلي
أَنَّهُ قَالَ: الاستقامة أَن تشهد الوقت قيامة ويقال الاستقامة فِي الأقوال بترك
الغيبة وَفِي الأفعال بنفي البدعة وَفِي الأعمال بنفي الفترة وَفِي الأحوال بنفي
الحجبة.
سمعت
الأستاذ الإِمَام أبا بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن فورك يَقُول
السين فِي الاستقامة سين الطلب أي طلبوا من الحق
أَن يقيمهم عَلَى توحيدهم ثُمَّ عَلَى استدامة عهودهم وحفظ حدودهم قَالَ الأستاذ: واعلم أَن الاستقامة توجب إدامة الكرامة
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] لَمْ يقل:
سقيناهم , بَل قَالَ: (أسقيناهم) يقال: أسقيته إِذَا جعلت لَهُ سقيا فَهُوَ يشير إِلَى الدوام سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس الفراغاني
يَقُول: قَالَ الجنيد: لقيت شابا من المريدين فِي البادية تَحْتَ شجرة من شجر أم غيلان
فَقُلْتُ: مَا أجلسك ههنا فَقَالَ: حال افتقدته فمضيت وتركته فلما انصرفت من الحج إِذَا أنا
بالشاب قَد انتقل إِلَى موضع قريب من الشجرة فَقُلْتُ: مَا جلوسك ههنا فَقَالَ: وجدت مَا
كنت أطلبه فِي هَذَا الموضع فلزمته قَالَ الجنيدي: فلا أدرى أيهما كَانَ أشرف لزومه
لافتقاد حاله أَوْ لزومه للموضع الَّذِي نال فِيهِ مراده.
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: