باب الرضا
قَالَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119]
الآية.
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْكَرِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ السَّلالُ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَادَانِيُّ , عَنِ
الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى الرَّقَاشِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا
أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مَجْلِسٍ لَهُمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ عَلَى بَابِ
الْجَنَّةِ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ
عَلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ سَلُونِي.
فَقَالُوا:
نَسْأَلُكَ الرِّضَا عَنَّا.
قَالَ
تَعَالَى: رِضَايَ قَدْ أَحَلَّكُمْ دَارِي وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي هَذَا
أَوَانُهَا فَسَلُونِي.
قَالُوا:
نَسْأَلُكَ الزِّيَادَةَ.
قَالَ:
فَيُؤْتَوْنَ بِنَجَائِبِ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ أَزِمَّتُهَا زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ
وَيَاقُوتٍ أَحْمَرَ، فَجَاءُوا عَلَيْهَا تَضَعُ حَوَافِرَهَا عِنْدَ مُنْتَهَى
طَرَفِهَا، فَيَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَشْجَارٍ عَلَيْهَا الثِّمَارُ،
وَتَجِيءُ جَوَارٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَهُنَّ يَقُلْنَ: نَحْنُ
النَّاعِمَاتِ فَلا نَبْؤُسُ وَنَحْنُ الْخَالِدَاتِ فَلا نَمُوتُ أَزْوَاجَ
قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ كِرَامٍ وَيَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُثْبَانَ مِنْ
مِسْكٍ أَبْيَضَ أَذْفَرَ فَتُثِيرُ عَلَيْهِمْ رِيحًا يُقَالُ لَهَا: الْمُثِيرُ
حَتَّى تَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِيَ قَصَبَةُ الْجَنَّةِ
فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: يَا رَبَّنَا قَدْ جَاءَ الْقَوْمُ فَيَقُولُ اللَّهُ:
مَرْحَبًا بِالصَّادِقِينَ مَرْحَبًا بِالطَّائِعِينَ قَالَ: فَيُكْشَفُ لَهُمُ
الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَتَمَتَّعُونَ بِنُورِ
الرَّحْمَنِ حَتَّى لا يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجِعُوهُمْ
إِلَى الْقُصُورِ بِالتُّحَفِ قَالَ: فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ أَبْصَرَ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَلِكَ
قَوْلُهُ: {نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 32]
وَقَد اختلف
العراقيون والخراسانيون فِي الرضا هل هُوَ من الأحوال أَوْ من المقامات فأهل
خراسان قَالُوا: الرضا من جملة المقامات وَهُوَ نهاية التوكل ومعناه أَنَّهُ يئول
إِلَى أَنَّهُ مِمَّا يتوصل إِلَيْهِ العبد باكتسابه
وَأَمَّا
العراقيون فإنهم قَالُوا: الرضا من جملة الأحوال وليس ذَلِكَ كسبا للعبد بَل هُوَ
نازلة تحل بالقلب كسائر الأحوال ويمكن الجمع بَيْنَ اللسانين فيقال: بداية الرضا
مكتسبة للعبد وَهِيَ من المقامات ونهايته من جملة الأحوال وليست بمكتسبة وتكلم
النَّاس فِي الرضا فَكُل عبر عَن حاله وشربه فَهُمْ فِي العبارة عَنْهُ مختلفون
كَمَا أنهم فِي الشرب والنصيب من ذَلِكَ متفاوتون فأما شرط العلم والذي هُوَ لابد
منه فالراضي بالله تَعَالَى هُوَ الَّذِي لا يعترض عَلَى تقديره.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: لَيْسَ الرضا أَن لا تحس بالبلاء إِنَّمَا الرضا
أَن لا تعترض عَلَى الحكم والقضاء.
واعلم أَن
الواجب عَلَى العبد أَن يرضى بالقضاء الَّذِي أمر بالرضا بِهِ إذ لَيْسَ كُل مَا
هُوَ بقضائه يَجُوز للعبد أَوْ يجب عَلَيْهِ الرضا بِهِ كالمعاصي وفنون محن
الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ المشايخ: الرضا بَاب اللَّه الأعظم يعنون أَن من أكرم
بالرضا فَقَدْ لقى بالترحيب الأوفى وأكرم بالتقريب الأعلى.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرازي قَالَ:
حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن حمزة قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الحواري قَالَ:
قَالَ عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد: الرضا بَاب اللَّه الأعظم وجنة الدنيا.
واعلم أَن
العبد لا يكاد يرضى عَنِ الحق سبحانه إلا بَعْد أَن يرضى عَنْهُ الحق سبحانه، لأن
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:
119] سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: قَالَ تلميذ لأستاذه: هل يعرف العبد
أَن اللَّه تَعَالَى راض عَنْهُ؟ فَقَالَ لا كَيْفَ يعلم ذَلِكَ ورضاه غيب فَقَالَ
التلميذ: الولي يعلم ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: إِذَا وجدت قلبي راضيا عَنِ
اللَّه تَعَالَى علمت أَنَّهُ راض عني، فَقَالَ الأستاذ: أحسنت يا غلام.
وقيل: قَالَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام إلهي دلني عَلَى عمل إِذَا عملته رضيت بِهِ عنى فَقَالَ:
إنك لا تطيق
ذَلِكَ , فخر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام ساجدا متضرعا فأوحى اللَّه تَعَالَى
إِلَيْهِ: يا ابْن عمران إِن رضاي فِي رضاك بقضائي.
أَخْبَرَنَا
الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رحمه اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَر الرازي قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن حمزة قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن
أَبِي الحواري قَالَ: سمعت أبا سُلَيْمَان الدارداني يَقُول: إِذَا سلا العبد عَنِ
الشهوات فَهُوَ راض وسمعته يَقُول: سمعت النصراباذي يَقُول: من أراد أَن يبلغ محل
الرضا فليلزم مَا جعل اللَّه رضاه فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد بْن خفيف الرضا عَلَى
قسمين: رضا بِهِ ورضا عَنْهُ فالرضا بِهِ مدبرا والرضا عَنْهُ فيما يقضى سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: طريق السالكين أطول وَهُوَ طريق الرياضة وطريق
الخواص أقرب لكنه أشق وَهُوَ أَن يَكُون عملك بالرضا ورضاك بالقضا.
وَقَالَ
رويم: الرضا أَن لو جعل اللَّه جهنم عَلَى يمينه مَا سأل أَن يحولها إِلَى يساره،
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن طاهر: الرضا إخراج الكراهية من القلب حَتَّى لا يَكُون
فِيهِ إلا فرح وسرور، وَقَالَ الواسطي: استعمل الرضا جهدك ولا تدع الرضا يستعملك
فتكون محجوبا بلذته ورؤيته عَن حقيقة مَا تطالع.
واعلم أَن
هَذَا الْكَلام الَّذِي قاله الواسطي شَيْء عظيم، وفيه تنبيه عَلَى مقطعة للقوم
خفية فَإِن السكون عندهم إِلَى الأحوال حجاب عَن محول الأحوال فَإِذَا استلذ رضاه
ووجده بقلبه راحة الرضا حجب بحاله عَن شهود حقه، ولقد قَالَ الواسطي أَيْضًا:
إياكم واستحلاء الطاعات فإنها سموم قاتلة، وَقَالَ ابْن خفيف: الرضا سكون القلب
إِلَى أحكامه وموافقة القلب بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ وأختاره.
وسئلت رابعة
مَتَى يَكُون العبد راضيا؟ فَقَالَتْ إِذَا سرته المصيبة كَمَا سرته النعمة،
وقيل قَالَ
الشبلي بَيْنَ يدي الجنيد لا حول ولا قوة إلا بالله فَقَالَ الجنيد: قولك ذا ضيق
صدر وضيق الصدر لترك الرضا.
فسكت الشبلي
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الرضا أَن لا تسأل اللَّه تَعَالَى الْجَنَّة ولا
تستعيذ بِهِ من النار.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس البغدادي يَقُول: سمعت
مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سهل يَقُول: سمعت سَعِيد بْن عُثْمَان يَقُول: سمعت ذا
النون الْمِصْرِي يَقُول ثلاثة من أعلام الرضا: ترك الاختيار قبل الْقَضَاء،
وفقدان المرارة بَعْد الْقَضَاء، وهيجان الحب فِي حشو البلاء، وسمعته يَقُول: سمعت
مُحَمَّد بْن جَعْفَر البغدادي يَقُول: سمعت إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الصفار يَقُول:
سمعت مُحَمَّد بْن يَزِيد المبرد يَقُول: قيل للحسين بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِن أبا ذر يَقُول الفقر أحب إِلَى من الغني، والسقم
أحب إِلَى من الصحة.
فَقَالَ:
رحم اللَّه تَعَالَى أبا ذر أما أنا فأقول من اتكل عَلَى حسن اختيار اللَّه
تَعَالَى لَهُ لَمْ يتمن غَيْر مَا اختاره اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، وَقَالَ
الفضيل بْن عياض لبشر الحافي: الرضا أفضل من الزهد فِي الدنيا، لأن الراضي لا
يتمنى فَوْقَ منزلته، وسئل أَبُو عُثْمَان عَن قَوْل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسألك الرضا بَعْد الْقَضَاء فَقَالَ:، لأن الرضا قبل
الْقَضَاء عزم عَلَى الرضا والرضا بَعْد الْقَضَاء هُوَ الرضا.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول: سمعت
ابْن أَبِي حسان الأنماطي يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن أَبِي الحواري يَقُول: سمعت
أبا سُلَيْمَان يَقُول: أرجو أَن أكون عرفت طرفا من الرضا لو أَنَّهُ أدخلني النار
لكنت بِذَلِكَ راضيا.
وَقَالَ
أَبُو عُمَر الدمشقي: الرضا ارتفاع الجزع فِي أي حكم كَانَ وَقَالَ الجنيد: الرضا
رفع الاختيار، وَقَالَ ابْن عَطَاء: الرضا نظر القلب إِلَى قديم اختيار اللَّه
تَعَالَى للعبد وَهُوَ ترك التسخط، وَقَالَ رويم: الرضا استقبال الأَحْكَام
بالفرح، وَقَالَ المحاسبي: الرضا سكون القلب تَحْتَ مجاري الأَحْكَام، وَقَالَ
النوري: الرضا سرور القلب بمر الْقَضَاء.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا الْحُسَيْن الفارسي يَقُول: سمعت
الجريري يَقُول: من رَضِيَ بدون قدره رفعه اللَّه تَعَالَى فَوْقَ غايته، وسمعته
يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن عَلِيّ يَقُول: سمعت الْحَسَن بْن علويه يَقُول: قَالَ
أَبُو التراب النخشبي: لَيْسَ ينال الرضا من للدنيا فِي قلبه مقدار.
أَخْبَرَنَا
الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَتْرَوَيْهِ قَالَ
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ
رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا
وقيل: كتب
عُمَر بْن الْخَطَّاب رضى اللَّه عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأشعري: أما بَعْد
فَإِن الخير كُلهُ فِي الرضا فَإِن استطعت أَن ترضى وإلا فاصبر، وقيل: إِن عتبة
الغلام بات ليلة يَقُول إِلَى الصباح: إِن تعذبني فأنا لَك محب، وإن ترحمني فأنا
لَك محب.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: الإِنْسَان خزف وليس للخزف من الخطر مَا يعارض
فِيهِ حكم الحق تَعَالَى.
وَقَالَ
أَبُو عُثْمَان الحيري: منذ أربعين سنة مَا أقامني اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي حال
فكرهته وَمَا تنقلني إِلَى غيره فسخطته.
سمعت الأستاذ أبا عَلي الدقاق يَقُول: غضب رجل
عَلَى عَبْد اللَّهِ لَهُ فاستشفع العبد إِلَى سيده إِنْسَانا فعفا عَنْهُ فأخذ العبد يبكى فَقَالَ لَهُ الشفيع: لَمْ تبكى وَقَدْ عفا عَنْك سيدك فَقَالَ السيد: إنه يطلب الرضا منى ولا سبيل إِلَيْهِ فإنما يبكى لأجله.
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: