باب القناعة
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] قَالَ كثير من أهل التفسير:
الحياة الطيبة فِي الدنيا القناعة.
أَخْبَرَنَا
الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ,
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُوسَى الْحُلْوَانِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْغِفَارِيُّ , عَنِ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنٍ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «الْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لا يَفْنَي»
أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحَسَنِ الأَهْوَازِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الْبَصْرِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْقَرَنِيُّ ,
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا , عَنْ أَبِي رَجَاءٍ , عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ ,
عَنْ مَكْحُولٍ , عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ
أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحَبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا،
وَأَحْسِنْ مُجَاوَرَةَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ
فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ "
وقيل:
الفقراء أموات إلا من أحياه اللَّه تَعَالَى بعز القناعة.
وَقَالَ بشر
الحافي: القناعة ملك لا يسكن إلا فِي قلب مؤمن.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الشعراني
يَقُول: سمعت إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حسان الأنماطي، يَقُول: سمعت أَحْمَد
بْن أَبِي الحواري، يَقُول: سمعت أبا سُلَيْمَان الداراني، يَقُول: القناعة من
الرضا بمنزلة الورع من الزهد، هَذَا أول الرضا وَهَذَا أول الزهد، وقيل: القناعة
السكون عِنْدَ عدم المألوفات وَقَالَ أَبُو بَكْر المراغي: العاقل من دبر أمر
الدنيا بالقناعة والتسويف، وأمر الآخرة بالحرص والتعديل، وأمر الدين بالعلم
والاجتهاد.
وَقَالَ
أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن خفيف: القناعة ترك التشوف إِلَى المفقود والاستغناء
بالموجود.
وقيل: فِي
معني قَوْله تَعَالَى: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} [الحج: 58]
يَعْنِي القناعة، وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ الترمذي: القناعة رضا النفس بِمَا
قسم لَهَا من الرزق، ويقال القناعة الاكتفاء بالموجود وزوال الطمع فيما لَيْسَ
بحاصل، وَقَالَ وهب: إِن العز والغنى خرجا يجولان يطلبان رفيقا فلقيا القناعة
فاستقرا، وقيل: من كانت قناعته سمينة طابت لَهُ كُل مرقة، ومن رجع إِلَى اللَّه
تَعَالَى عَلَى كُل حالة رزقه اللَّه القناعة، وقيل: مر أَبُو حازم بقصاب ومعه لحم
سمين، فَقَالَ: خذا يا أبا حازم فَإِنَّهُ سمين، فَقَالَ: لَيْسَ معي درهم، قَالَ:
أنا أنظرك فَقَالَ: نفسي أَحْسَن نظرة لي منك، وقيل: من أقنع النَّاس؟ فقيل أكثرهم
لِلنَّاسِ معونة وأقلهم عَلَيْهِم مؤنة، وَفِي الزبور: القانع غنى وإن كَانَ
جائعا، وقيل: وضع اللَّه تَعَالَى خمسة أشياء فِي خمسة مواضع: العز فِي الطاعة،
والذل فِي المعصية، والهيبة فِي قيام الليل والحكمة فِي البطن الخالي، والغنى فِي
القناعة.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت نصر بْن مُحَمَّد يَقُول: سمعت
سُلَيْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان يَقُول: سمعت أبا القاسم بْن أَبِي نزار يَقُول:
سمعت إِبْرَاهِيم المارستاني، يَقُول: انتقم من حرصك بالقناعة كَمَا تنتقم من عدوك
بالقصاص، وَقَالَ ذو النون المصري: من قنع استراح من أهل زمانه واستطال عَلَى
أقرانه،
وقيل: من
قنع استراح من الشغل واستطال عَلَى الكل، وَقَالَ الكتاني: من باع الحرص بالقناعة
ظفر بالعز والمروءة.
وقيل: من
تعبت عيناه مَا فِي أيدي النَّاس طال حزنه، وأنشدوا:
وأحسن
بالفتى من يَوْم عار ... ينال
بِهِ الغنى كرم وجوع
وقيل: رأى
رجل حكيما يأكل مَا تساقط من البقل عَلَى رأس ماء فَقَالَ: لو خدمت السلطان لَمْ
تحتج إِلَى أكل هَذَا فَقَالَ الحكيم: وأنت لو قنعت بِهَذَا لَمْ تحتج إِلَى خدمة
السلطان، وقيل العقاب عزيز فِي مطاره لا يسموه إِلَيْهِ طرف صياد ولا طمعه فَإِذَا
طمع فِي جيفة علقت عَلَى حبالة نزل من مطاره فتعلق فِي حباله، وقيل: لما نطق
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام بذكر الطمع فَقَالَ: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ
أَجْرًا} [الكهف: 77] قَالَ الحضر لَهُ: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}
[الكهف: 78] ، وقيل: لما قَالَ ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام وقف بَيْنَ يدي
مُوسَى والخضر عليهما السَّلام ظبي وكانا جائعين الجانب الَّذِي يلي مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلام غَيْر مشوي والجانب الَّذِي يلي الخضر مشوي، وقيل: فِي قَوْله
تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] هُوَ القناعة فِي
الدنيا: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] هُوَ الحرص فِي
الدنيا، وقيل: فِي قَوْله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] أي فكها من ذل الطمع،
وقيل: فِي قَوْله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] يعنى البخل والطمع: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}
[الأحزاب: 33] يعنى بالسخاء والإيثار،
وقيل: فِي
قَوْله تَعَالَى: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]
أي مقاما فِي القناعة أنفرد بِهِ من أشكالي وأكون راضيا فِيهِ بقضائك، وقيل: فِي
قَوْله تَعَالَى: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [النمل: 21] يَعْنِي
لأسلبنه القناعة ولأبتلينه بالطمع يَعْنِي اسأل اللَّه تَعَالَى أَن يفعل بِهِ
ذَلِكَ، وقيل لأبي يَزِيد: بم وصلت إِلَى مَا وصلت فَقَالَ: جمعت أسباب الدنيا
فربطتها بحبل القناعة ووضعتها فِي منجنيق الصدق ورميت بِهَا فِي بحر اليأس
فاسترحت.
سمعت
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن فرحان بسامرة
يَقُول: سمعت خالي عَبْد الْوَهَّاب يَقُول: كنت جالسا عِنْدَ الجنيد أَيَّام
الموسم وحوله جَمَاعَة كثيرون من العجم والموالدين فجاء إِنْسَان بخمس مائة
دِينَار ووضعها بَيْنَ يديه وَقَالَ تفرقها عَلَى هَؤُلاءِ الفقراء فَقَالَ: ألك
غيرها؟ قَالَ: نعم , لي دنانير كثيرة فَقَالَ: أتريد غَيْر مَا تملك؟ فَقَالَ:
نعم.
فَقَالَ الجنيد: خذها فإنك أحوج إِلَيْهَا منا
وَلَمْ يقبلها.
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: