بَاب الوصية للمريدين
قَالَ الأستاذ: لما أثبتنا
طرفا من سير الْقَوْم وضممنا إِلَى ذَلِكَ أبوابا من المقامات أردنا أَن نختم هذه
الرسالة بوصية للمريدين نرجو من اللَّه تَعَالَى حسن توفيقهم لاستعمالها وأن لا
يحرمنا القيام بِهَا ولا
يجعلها حجة عَلَيْنَا فأول قدم للمريد فِي هذه الطريقة
ينبغي أَن يَكُون عَلَى الصدق ليصح لَهُ البناء عَلَى أصل صحيح فَإِن الشيوخ
قَالُوا إِنَّمَا حرموا الوصول لتضييعهم الأصول كَذَلِكَ سمعت الأستاذ أبا عَلِي
يَقُول فتجب البداءة وبتصحيح اعتقاد بينه وبين اللَّه تَعَالَى صاف عَنِ الظنون
والشبه خال من الضلال والبدع صادر عَنِ البراهين والحجج ويقبح بالمريد أَن ينتسب
إِلَى مذهب من مذاهب من لَيْسَ من هذه الطريقة وليس انتساب الصوفي إِلَى مذهب من
مذاهب المختلفين سِوَى طريقة الصوفية إلا نتيجة جهلهم بمذاهب أهل هذه الطريقة
فَإِن هَؤُلاءِ حججهم فِي مسائلهم أظهر من حجج كُل أحد وقواعد مذاهبهم أقوى من
قواعد كُل مذهب والناس إِمَّا أَصْحَاب النقل والأثر وإما أرباب العقل والفكر
وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عَن هذه الجملة فالذي لِلنَّاسِ غيب فَهُوَ لَهُمْ ظهور
والذي للخلق من المعارف مقصود فلهم من الحق سبحانه موجود فَهُمْ من أهل الوصول
والناس أهل الاستدلال وَهُمْ كَمَا قَالَ القائل: ليلي بوجهك مشرق وظلامه من
النَّاس ساري فالناس فِي سدف الظلام ونحن فِي ضوء النهار
وَلَمْ يكن
عصر من الأعصار فِي مدة الإِسْلام إلا وفيه شيخ من شيوخ هذه الطائفة مِمَّن لَهُ
علوم التوحيد وإمامة الْقَوْم ألا وأئمة ذَلِكَ الوقت من الْعُلَمَاء استسلموا
لِذَلِكَ الشيخ وتواضعوا لَهُ وتبركوا بِهِ ولولا مزية وخصوصية لَهُمْ وإلا كَانَ
الأمر بالعكس هَذَا أَحْمَد بْن حنبل كَانَ عِنْدَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا فجاء شيبان الراعي.
فَقَالَ
أَحْمَد: أريد يا أبا عَبْد اللَّهِ أَن أنبه هَذَا عَلَى نقصان علمه ليشتغل
بتحصيل بَعْض العلوم.
فَقَالَ:
الشَّافِعِي لا تفعل فلم يقنع.
فَقَالَ
لشيبان: مَا تقول فيمن نسى صلاة من خمس صلوات فِي اليوم والليلة ولا يدري أي صلاة
نسبها مَا الواجب عَلَيْهِ يا شيبان.
فَقَالَ
شيبان: يا أَحْمَد هَذَا قلب غفل عَنِ اللَّه تَعَالَى فالواجب أَن يؤدب حَتَّى لا
يغفل عَن مولاه بَعْد فغشى عَلَى أَحْمَد فلما أفاق قَالَ لَهُ الشَّافِعِي
رَحِمَهُ اللَّهُ ألم أقل لَك لا تحرك هَذَا وشيبان الراعي كَانَ أميا مِنْهُم
فَإِذَا كَانَ الأمي مِنْهُم هكذا فَمَا الظن بأئمتهم وَقَدْ حكى أَن فقيها من
أكابر الْفُقَهَاء كانت حلقته بجنب حلقة الشبلي فِي جامع الْمَنْصُور وَكَانَ يقال
لِذَلِكَ الفقيه: أَبُو عمران وَكَانَ تتعطل عَلَيْهِم حلقتهم لكلام الشبلي فسأل
أَصْحَاب أَبِي عمران يوما الشبلي عَن مسألة فِي الحيض وقصدوا إخجاله فذكر مقالات
النَّاس فِي تلك المسألة والخلاف فِيهَا فقام أَبُو عمران وقبل رأس الشبلي.
وَقَالَ: يا
أبا بَكْر استفدت فِي هذه المسألة عشر مقالات لَمْ أسمعها وَكَانَ عندي من جملة
مَا قُلْت ثلاثة أقاويل وقيل: أجتاز أَبُو الْعَبَّاس بْن سريج الفقيه بمجلس الجنيد
رحمها اللَّه تَعَالَى فسمع كلامه فقيل لَهُ: مَا تقول فِي هَذَا الْكَلام.
فَقَالَ: لا
أدري مَا يَقُول ولكني أرى لِهَذَا الْكَلام صولة ليست بصولة مبطل وقيل لعبد
اللَّه بْن سَعِيد بْن كلاب: أَنْتَ تتكلم عَلَى كَلام كُل أحد وههنا رجل يقال
لَهُ: الجنيد فانظر هل تعترض عَلَيْهِ أم لا فحضر حلقته
فسأله
الجنيد عَنِ التوحيد فأجابه فتحير عَبْد اللَّهِ.
وَقَالَ:
أعد عَلِي مَا قُلْت، فأعاد لا بتلك العبارة فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: هَذَا شَيْء
آخر لَمْ أحفظه تعيده عَلِي مرة أُخْرَى فأعاد بعبارة أُخْرَى.
فَقَالَ
عَبْد اللَّهِ: لَيْسَ يمكنني حفظ مَا تقول أمله عَلَيْنَا.
فَقَالَ:
إِن كنت أجزته فأنا أميله.
فقام عَبْد
اللَّهِ وَقَالَ بفضله واعتراف بعلو شأنه فَإِذَا كَانَ أصول هذه الطائفة أصح
الأصول ومشايخهم أكبر النَّاس وعلماؤهم أعلم النَّاس فالمريد الَّذِي لَهُ إيمان
بِهِمْ إِن كَانَ من أهل السلوك والتدرج إِلَى مقاصدهم فَهُوَ يساهم فِيهَا خصوا
بِهِ من مكاشفات الغيب فلا يحتاج إِلَى التطفل عَلَى من هُوَ خارج عَن هذه الطائفة
وإن كَانَ يريد طريقة الاتباع وليس بمستقل بحاله ويريد أَن يعرج فِي أوطان التقليد
إِلَى أَن يصل إِلَى التحقيق فليقلد سلفه وليجر عَلَى طريقة هذه الطبقة فإنهم أولى
بِهِ من غيرهم ولقد سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا
بَكْر الرازي يَقُول: سمعت الشبلي يَقُول: مَا ظنك بعلم علم الْعُلَمَاء فِيهِ
تهمة وسمعته يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِي بْن مُحَمَّد المخرمي يَقُول:
سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الفرغاني يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول لو علمت أَن
لِلَّهِ علما تَحْتَ أديم السماء أشرف من هَذَا العلم الَّذِي نتكلم فِيهِ مَعَ
أَصْحَابنا وإخواننا لسعيت إِلَيْهِ ولقصدته وإذا أحكم المريد بينه وبين اللَّه
تَعَالَى عقده فيجب أَن يحصل من علم الشريعة إِمَّا بالتحقيق وإما بالسؤال عَنِ
الأئمة مَا يؤدي بِهِ فرضه وإن اختلف عَلَيْهِ فتاوى الْفُقَهَاء يأخذ بالأحوط
ويقصد أبدا لخروج من الخلاف فَإِن الرخص فِي الشريعة للمستضعفين وأَصْحَاب الحوائج
والأشغال وَهَؤُلاءِ الطائفة لَيْسَ لَهُمْ شغل سِوَى القيام بحقه سبحانه ولهذا
قيل: إِذَا انحط الفقير عَن درجة الحقيقة إِلَى رخصة الشريعة فَقَدْ فسخ عقده مَعَ
اللَّه تَعَالَى ونقض عهده فيما بينه وبين اللَّه تَعَالَى ثُمَّ يجب عَلَى المريد
أَن يتأدب بشيخ فَإِن لَمْ يكن لَهُ أستاذ لا يفلح أبدا.
هَذَا أَبُو
يَزِيد يَقُول: من لَمْ يكن لَهُ أستاذ فإمامه الشَّيْطَان وسمعت الأستاذ أبا
عَلِي الدقاق يَقُول: الشجرة إِذَا نبتت بنفسها من غَيْر غارس فإنها تورق لكن لا
تثمر كَذَلِكَ المريد إِذَا لَمْ يكن لَهُ أستاذ يأخذ منه طريقته نفسا فنفسا
فَهُوَ عابد هواه لا يجد نفاذا ثُمَّ إِذَا أراد السلوك فبعد هذه الجملة يجب أَن
يتوب إِلَى اللَّه سبحانه من كُل زلة فيدع جَمِيع الزلات سرها وجهرها وصغيرها
وكبرها ويجتهد فِي إرضاء الخصوم أولا ومن لَمْ يرض خصومه لا يفلح لَهُ من هذه
الطريقة بشيء وعلى هَذَا النحو جروا ثُمَّ بَعْد هَذَا يعمل فِي حذف العلائق
والشواغل فَإِن بناء هَذَا الطريق عَلَى فراغ القلب وَكَانَ الشبلي يَقُول للحصري
فِي ابتداء أمره إِن خطر ببالك من الجمعة إِلَى الجمعة الثَّانِيَة الَّتِي تأتيني
فِيهَا غَيْر اللَّه تَعَالَى فحرام عليك أَن تحضرني وإذا أراد الخروج عَنِ
العلائق فأولها الخروج عَنِ المال فَإِن ذَلِكَ الَّذِي يميل بِهِ عَنِ الحق
وَلَمْ يوجد مريد دَخَلَ فِي هَذَا الأمر ومعه علاقة من الدنيا إلا جرته تلك
العلاقة عَن قريب إِلَى مَا منه خرج فَإِذَا خرج عَنِ المال فالواجب عَلَيْهِ الخروج
عَنِ الجاه فَإِن ملاحظة الجاه مقطعة عظيمة وَمَا لَمْ يستو عِنْدَ المريد قبول
الخلق وردهم لا يجيء منه شَيْء بَل أضر الأشياء لَهُ ملاحظة النَّاس إياه بعين
الإثبات والتبرك بِهِ لإفلاس النَّاس عَن هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ بَعْد لَمْ يصحح
الإرادة فكيف يصح أَن يتبرك بِهِ فخرجهم من الجاه واجب عَلَيْهِم، لأن ذَلِكَ سم
قاتل لَهُمْ فَإِذَا خرج عَن ماله وجاهه فيجب أَن يصحح عقيدته بينه وبين اللَّه
تَعَالَى وأن لا يخالف شيخه فِي كُل مَا يشير عَلَيْهِ , لأن الخلاف للمريد فِي
ابتداء أمره عظيم الضرر , لأن ابتداء حاله دليل عَلَى جَمِيع عمره ومن شرطه أَن لا
يَكُون لَهُ بقلبه اعتراض عَلَى شيخه فَإِذَا خطر ببال المريد أَن لَهُ فِي الدنيا
والآخرة قدرا أَوْ قيمة أَوْ عَلَى بسيط الأَرْض أحدا دونه لَمْ يصح لَهُ فِي
الإرادة قدم لأنه يجب أَن يجتهد ليعرف ربه لا ليحصل لنفسه قدرا وفرق بَيْنَ من
يريد اللَّه تَعَالَى
وبين من
يريد جاه نَفْسه إِمَّا فِي عاجله وإما فِي آجله ثُمَّ
يجب
عَلَيْهِ حفظ سره حَتَّى عَن زره إلا عَن شيخه , ولو كتم نفسا من أنفاسه عَن شيخه
فَقَدْ خانه فِي حق صحبته , ولو وقع لَهُ مخالفة فيما أشار عَلَيْهِ شيخه فيجب أَن
يقر بِذَلِكَ بَيْنَ يديه فِي الوقت ثُمَّ يستسلم لما يحكم بِهِ عَلَيْهِ شيخه
عقوبة لَهُ عَلَى جنايته ومخالفته إِمَّا بسفر يكلفه أَوْ أمر مَا يراه ولا يصح
للشيوخ التجاوز عَن زلات المريدين، لأن ذَلِكَ تضييع لحقوق اللَّه تَعَالَى وَمَا
لَمْ يتجرد عَن كُل علاقة لا يَجُوز لشيخه أَن يلقنه شَيْئًا من الأذكار بَل يجب
أَن يقدم التجربة لَهُ فَإِذَا شهد قلبه للمريد بصحة العزم فحينئذ يشترط عَلَيْهِ
أَن يرضى بِمَا يستقبله فِي هذه الطريقة من فنون تصاريف الْقَضَاء فيأخذ عَلَيْهِ
العهد بأن لا ينصرف عَن هذه الطريقة بِمَا يستقبله من الضر والذل والفقر والأسقام
والآلام وأن لا يجنح بقلبه إِلَى السهولة ولا يترخص عِنْدَ هجوم الفاقات وحصول
الضرورات ولا يؤثر الدعة ولا يستشعر الكسل فَإِن وقفة المريد شر من فترته والفرق
بَيْنَ الفترة والوقفة أَن الفترة رجوع عَنِ الإرادة وخروج منها فَإِذَا جربه شيخه
فيجب عَلَيْهِ أَن يلقنه ذكر من الأذكار عَلَى مَا يراه شيخه فيأمر أَن يذكر
ذَلِكَ الاسم بلسانه ثُمَّ يأمره أَن يسوى قلبه مَعَ لسانه ثُمَّ يَقُول لَهُ اثبت
عَلَى استدامة هَذَا الذكر كأنك مَعَ ربك أبدا بقلبك ولا يجري عَلَى لسانك غَيْر
هَذَا الاسم مَا أمكنك ثُمَّ يأمره أَن يَكُون أبدا فِي الظاهر عَلَى الطهارة وأن
لا يَكُون نومه إلا غلبة وأن يقلل من غذائه عَلَى التدريج شَيْئًا بَعْد شَيْء
حَتَّى يقوي عَلَى ذَلِكَ ولا يأمره أَن يترك عادته بمرة فَإِن فِي الْخَبَر إِن
المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ثُمَّ يأمره بإيثاره الخلوة والعزلة ويجعل
اجتهاده فِي هذه الحالة لا محالة فِي نفي الخواطر الدنية والهواجس الشاغلة للقلب.
واعلم أَن
فِي هذه الحالة قلما يخلو المريد فِي أوان خلوته فِي ابتداء إرادته من الوساوس فِي
الاعتقاد لا سيما إِذَا كَانَ فِي المريد كياسة قلب وكل مريد لا تستقبله هذه
الحالة فِي ابتداء إرادته
وَهَذَا من
الامتحانات الَّتِي تستقبل المريدين فالواجب عَلَى شيخه إِن رأى فِيهِ كياسة أَن
يحيله عَلَى الحجج العقلية فَإِن بالعلم يتخلص لا محالة المتعرف مَا يعتريه من
الوساوس وإن تفرس شيخه فِيهِ القوة والثبات فِي الطريقة أمره بالصبر واستدامة
الذكر حَتَّى تسطع فِي قلبه أنوار القبول وتطلع فِي سره شموس الوصول وعن قريب
يَكُون ذَلِكَ ولكن لا يَكُون هَذَا إلا لأفراد المريدين فأما الغالب فأن تكون
معالجتهم بالرد إِلَى النظر وتأمل الآيات بشرط تحصيل علم الأصول عَلَى قدر الحاجة
الداعية للمريد.
واعلم
أَنَّهُ يَكُون للمريدين عَلَى الخصوص بلايا من هَذَا الباب وَذَلِكَ أنهم إِذَا
خلوا فِي مواضع ذكرهم أَوْ كَانُوا فِي مجالس سماع أَوْ غَيْر ذَلِكَ يهجس فِي
نفوسهم ويخطر ببالهم أشياء منكرة يتحققون أَن اللَّه سبحانه منزه عَن ذَلِكَ وليس
تعتريهم شبهة فِي أَن ذَلِكَ باطل ولكن يدوم ذَلِكَ فيشتد تأذيهم بِهِ حَتَّى يبلغ
ذَلِكَ حدا يَكُون أصعب شتم وأقبح قَوْل وأشنع خاطر بحيث لا يمكن المريد إجراء
ذَلِكَ عَلَى اللسان وإبداؤه لأحد وَهَذَا أشد شَيْء يقع لَهُمْ، فالواجب عِنْدَ
هَذَا ترك مبالاتهم بتلك الخواطر واستدامة الذكر والابتهال إِلَى اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ باستدفاع ذَلِكَ وتلك الخواطر ليست من وساوس الشَّيْطَان وإنما هِيَ من
هواجس النفس فَإِذَا قابلها العبد بترك المبالاة بِهَا ينقطع ذَلِكَ عَنْهُ ومن
آداب المريد بَل من فرائض حاله أَن يلازم موضع إرادته وأن لا يسافر قبل أَن تقبله
الطريق وقبل الوصول بالقلب إِلَى الرب فَإِن السفر للمريد فِي غَيْر وقته سم قاتل
ولا يصل أحد مِنْهُم إِلَى مَا كَانَ يرجى لَهُ إِذَا سافر فِي غَيْر وقته وإذا
أراد اللَّه بمريد خيرا ثبته فِي أول إرادته وإذا أراد اللَّه بمريد شرا رده إِلَى
مَا خرج عَنْهُ من حرفته أَوْ حالته وإذا أراد اللَّه بمريد محنة شرده فِي مطارح
غربته هَذَا إِذَا كَانَ المريد يصلح للوصول.
فأما إِذَا
كَانَ شابا طريقته الخدمة فِي الظاهر بالنفس للفقراء وَهُمْ دونهم فِي هذه الطريقة
رتبة فَهُوَ وأمثاله يكتفون بالترسم فِي الظاهر فينقطعون فِي الأسفار وغاية نصيبهم
من هذه الطريقة حاجات يحصلونها وزيارات لمواضع يرتحل إِلَيْهَا
ولقاء شيوخ
بظاهر سلام فيشاهدون الظواهر ويكتفون بِمَا فِي هَذَا الباب من السير فهؤلاء
الواجب لَهُمْ دوام السفر حَتَّى لا تؤديهم الدعة إِلَى ارتكاب محظور فَإِن الشاب
إِذَا وجد الراحة والدعة كَانَ فِي معرض الْفِتْنَة وإذا توسط المريد جمع الفقراء
والأَصْحَاب فِي بدايته فَهُوَ مضر لَهُ جدا وإن امتحن واحد بِذَلِكَ فليكن سبيله
احترام الشيوخ والخدمة للأَصْحَاب وترك الخلاف عَلَيْهِم والقيام بِمَا فِيهِ راحة
فَقِير والجهد أَن لا يستوحش منه قلب شيخ ويجب أَن يَكُون فِي صحبته مَعَ الفقراء
أبدا خصمهم عَلَى نَفْسه ولا يَكُون خصم نَفْسه عَلَيْهِم ويرى لكل واحد مِنْهُم
عَلَيْهِ حقا واجبا، ولا يرى لنفسه واجبا عَلَى أحد، ويجب أَن لا يخالف المريد
أحدا وإن علم أَن الحق مَعَهُ يسكت ويظهر الوفاق لكل أحد، وكل مريد يَكُون فِيهِ
ضحك ولجاج ومماراة فَإِنَّهُ لا يجيء منه شَيْء، وإذا كَانَ المريد فِي جمع من
الفقراء إِمَّا فِي سفر أَوْ حضر فينبغي أَن لا يخالفهم فِي الظاهر فِي أكل ولا
صوم ولا سكون ولا حركة بَل يخالفهم بسره وقلبه فيحفظ قلبه مَعَ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ وإذا أشار عَلَيْهِ بالأكل مثلا يأكل لقمة أَوْ لقمتين ولا يعطى النفس
شهوتها وليس من آداب المريدين كثرة الأوراد بالظاهر فَإِن الْقَوْم فِي مكابدة
إخلاء خواطرهم ومعالجة أخلاقهم ونفي الغفلة عَن قلوبهم لا فِي تكثير أعمال البر
الَّذِي لا بد لَهُمْ منه إقامة الفرائض والسنن الراتبة فأما الزيادات من الصلوات
النافلة فاستدامة الذكر بالقلب أتم لَهُمْ ورأس مال المريد الاحتمال عَن كُل أحد
بطيبة النفس وتلقى مَا يستقبله بالرضا والصبر عَلَى الضر والفقر وترك السؤال
والمعارضة فِي القليل والكثير فيما هُوَ حظ لَهُ ومن لَمْ يصبر عَلَى ذَلِكَ
فليدخل السوق فَإِن من اشتهى مَا يشتهيه النَّاس فالواجب أَن يحصل شهوته من حيث
يحصلها النَّاس
من كد
اليمين وعرق الجبين، وإذا التزم المريد استدامة الذكر وآثر الخلوة فَإِن وجد فِي
خلوته مَا لا يجده قبله إِمَّا فِي النوم
وإما فِي
اليقظة أَوْ بَيْنَ اليقظة والنوم من خطاب يسمع أَوْ معنى يشاهد مِمَّا يَكُون
نقضا للعادة فينبغي أَن لا يشتغل بِذَلِكَ ألبته ولا يسكن إِلَيْهِ ولا ينبغي أَن
ينتظر حصول أمثال ذَلِكَ فَإِن ذَلِكَ كُلهُ شواغل عَنِ الحق سبحانه ولا بد لَهُ فِي
هذه الأحوال من وصف ذَلِكَ لشيخه حَتَّى يصير قلبه فارغا عَن ذَلِكَ ويجب عَلَى
شيخه أَن يحفظ عَلَيْهِ سره فيكتم عَن غيره أمره ويصغر ذَلِكَ فِي عينه فَإِن
ذَلِكَ كُلهُ اختبارات والمساكنة إِلَيْهَا مكر فليحذر المريد عَن ذَلِكَ وعن
ملاحظتها وليجعل همته فَوْقَ ذَلِكَ، واعلم أَن أضر الأشياء بالمريد استئناسه
بِمَا يلقي إِلَيْهِ فِي سره من تقريبات الحق سبحانه لَهُ ومنته عَلَيْهِ بأني
خصصتك بِهَذَا وأفردتك عَن أشكالك فَإِنَّهُ لو قَالَ بترك هَذَا فعن قريب سيختطف
عَن ذَلِكَ مِمَّا يبدو لَهُ من مكاشفات الحقيقة وشرح هذه الجملة بإثباته فِي
الكتب معتذر ومن أحكام المريد إِذَا لَمْ يجد من يتأدب بِهِ فِي موضعه أَن يهاجر
إِلَى من هُوَ منصوب فِي وقته لإرشاد المريدين ثُمَّ يقيم عَلَيْهِ ولا يبرح عَن
سدته إِلَى وقت الإذن.
واعلم أَن
تقديم معرفة رب الْبَيْت عَلَى زيارة الْبَيْت واجب فلولا معرفة رب الْبَيْت مَا
وجبت زيارة الْبَيْت والشبان الَّذِينَ يخرجون إِلَى الحج من هَؤُلاءِ الْقَوْم من
غَيْر إشارة الشيوخ فَهِيَ بدلالات نشاط النفوس فَهُمْ متوسمون بِهَذِهِ الطريقة
وليس سفرهم عَلَى أصل والذي يدل عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لا يزداد سفرهم إلا وتزداد
تفرقة قلوبهم فلو أنهم ارتحلوا من عِنْدَ أنفسهم بخطوة لكان أحظى لَهُمْ من ألف
سفرة
ومن شرط
المريد إِذَا أراد شيخا أَن يدخل عَلَيْهِ بالحرمة وينظر إِلَيْهِ بالحشمة فَإِن
أهله الشيخ لشيء من الخدمة عد ذَلِكَ من جزيل النعمة.
فصل ولا
ينبغي للمريد أَن يعتقد فِي المشايخ العصمة بَل الواجب أَن يذرهم وأحوالهم فيحسن
بِهِم الظن ويراعي مَعَ اللَّه تَعَالَى حده فيما يتوجه عَلَيْهِ من الأمر والعلم
كافيه فِي التفرقة بَيْنَ مَا هُوَ محمود وَمَا هُوَ معلول.
فصل وكل
مريد بقى فِي قلبه لشيء من عروض الدنيا مقدار وخطر قاسم الإرادة لَهُ مجاز وإذا
بقى فِي قلبه اختيار فيما يخرج عَنْهُ من معلومه فيريد أَن يخص بِهِ نوعا من أنواع
البر أَوْ شخصا دُونَ شخص فَهُوَ متكلف فِي حاله وبالخطر أَن يعود سريعا إِلَى
الدنيا، لأن قصد المريد فِي حذف العلائق الخروج منها لا السعي فِي أعمال البر
وقبيح بالمريد أَن يخرج من معلومه من رأس ماله وقنيته ثُمَّ يَكُون أسير حرفة
وينبغي أَن يستوي عنده وجود ذَلِكَ وعدمه حَتَّى لا ينافر لأجله فقيرا ولا يضايق
بِهِ أحد ولو مجوسيا.
فصل وقبول
قلوب المشايخ للمريد أصدق شاهد لسعادته ومن رده قلب شيخ من الشيوخ فلا محالة يرى
غب ذَلِكَ ولو بَعْد حِينَ ومن خذل بترك حرمة الشيوخ فَقَدْ أظهر رقم شقاوته
وَذَلِكَ لا يخطى.
فصل ومن
أصعب الآفات فِي هذه الطريقة صحبة الأحداث ومن ابتلاه اللَّه تَعَالَى بشيء من
ذَلِكَ فبإجماع الشيوخ ذَلِكَ عَبْد إهانة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وخذله بَل عَن
نَفْسه شغله ولو بألف ألف كرامة أهله وهب أَنَّهُ بلغ رتبة الشهداء لما فِي
الْخَبَر تلويح بِذَلِكَ أليس قَدْ شغل ذَلِكَ القلب بمخلوق وأصعب من ذَلِكَ تهوين
ذَلِكَ عَلَى القلب حَتَّى يعود ذَلِكَ يسيرا وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى:
{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] وَهَذَا
الواسطي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول: إِذَا أراد اللَّه هوان عَبْد ألقاه إِلَى
هَؤُلاءِ الأنتان والجيف سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن
أَحْمَد النجار يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الحصري يَقُول: سمعت فتحا الموصلي
يَقُول: صحبت ثلاثين شيخا كَانُوا يعدون من الأبدال كلهم أوصوني عِنْدَ فراقي
إياهم وَقَالُوا: اتق معاشرة الأحداث ومخالطتهم ومن ارتقى فِي هَذَا الباب عَن
حالة الفسق وأشار إِلَى أَن ذَلِكَ من بلاء الأرواح وأنه لا يضر وَمَا قالوه من
وساوس القائلين بالشاهد وإيراد حكايات عَن بَعْض الشيوخ لما كَانَ الأولى بِهِمْ
إسبال الستر عَلَى هناتهم وآفاتهم فذلك نظير الشرك وقرين الكفر فليحذر المريد من
مجالسة الأحداث ومخالطتهم فَإِن اليسير منه فتح بَاب الخذلان وبدء حال الهجران
ونعوذ بالله من قضاء السوء.
فصل ومن
آفات المريد مَا يتداخل النفس من خفي الحسد للإخوان والتأثر بِمَا يفرد اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أشكاله من هذه الطريقة وحرمانه إياه ذَلِكَ
وليعلم أَن
الأمور قسم وإنما يتخلص العبد عَن هَذَا باكتفائه بوجود الحق وقدمه عَن مقتضى جوده
ونعمه فَكُل من رأيت أيها المريد قدم الحق سبحانه رتبته فاحمل أَنْتَ غاشيته فَإِن
الظرفاء من القاصدين عَلَى ذَلِكَ استمرت سنتهم.
فصل واعلم
أَن من حق المريد إِذَا اتفق وقوعه فِي جَمِيع إيثار الكل بالكل فيقدم الجائع
والشبعان عَلَى نَفْسه ويتلمذ لكل من أظهر عَلَيْهِ التشيخ وإن كَانَ هُوَ أعلم
منه ولا يصل إِلَى ذَلِكَ إلا بتبريه عَن حوله وقوته وتوصله إِلَى ذَلِكَ بطول
الحق ومنته.
فصل
وَأَمَّا آداب المريد فِي السماع فالمريد لا تسلم لَهُ الحركة فِي السماع
بالاختيار البتة فَإِن ورد عَلَيْهِ وارد حركة وَلَمْ يكن فِيهِ فضل قوة فبمقدار
الغلبة يعذر فَإِذَا زالت الغلبة يجب عَلَيْهِ القعود والسكون فَإِن استدام الحركة
مستجلبا للوجد من غَيْر غلبة وضرورة لَمْ يصح فَإِن تعود ذَلِكَ يبقى متخلفا لا
يكاشف بشيء من الحقائق فغاية أحواله حينئذ أَن يطيب قلبه وَفِي الجملة أَن الحركة
تأخذ من كُل متحرك وتنقص من حاله مريدا كَانَ أَوْ شيخا إلا أَن يَكُون بإشارة من
الوقت أَوْ غلبة تأخذ عَنِ التمييز فَإِن كَانَ مريدا أشار عَلَيْهِ الشيخ بالحركة
فتحرك عَلَى إشارته فلا بأس إِذَا كَأَنَّهُ الشيخ مِمَّن لَهُ حكم عَلَى أمثاله
وَأَمَّا إِذَا أشار عَلَيْهِ الفقراء بالمساعدة فِي الحركة فيساعدهم فِي القيام
وَفِي أداء مالا يجد منه بدا مِمَّا يراعى عَنِ الاستيحاش لقلوبهم ثُمَّ إِن صدقه
فِي حاله يمنع قلوب الفقراء من سؤالهم عِنْدَ المساعدة معهم
وَأَمَّا
طرح الخرقة فحق المريد أَن لا يرجع فِي شَيْء خرج منه ألبته، اللَّهُمَّ إلا أَن
يشير إِلَيْهِ شيخ بالرجوع فِيهِ فيأخذه عَلَى نية العارية بقلبه ثُمَّ يخرج
عَنْهُ بعده من غَيْر أَن يستوحش قلب ذَلِكَ الشيخ وإذا وقع بَيْنَ قوم عادتهم طرح
الخرق وعلم أنهم يَرْجِعُونَ فِيهَا فَإِن لَمْ يكن فيهم شيخ تجب حشمته وحرمته
وَكَانَ طريق هَذَا المريد أَن لا يعود فِي الحرقة فالأحسن أَن يساعدهم فِي الطرح
ثُمَّ يؤثر بِهِ القوال إِذَا رجعوا هُمْ فِيهَا ولو لَمْ يطرح فَإِنَّهُ يَجُوز
إِذَا علم من عادة الْقَوْم أنهم يعودون فيما طرحوا فَإِن القبيح إِنَّمَا هُوَ
سنتهم فِي العودة إِلَى الخرق لا فِي مخالفته لَهُمْ عَلَى أَن الأولى الطرح عَلَى
الموافقة ثُمَّ ترك الرجوع فِيهِ ولا يسلم للمريد البتة عَنِ التقاضي عَنِ القول،
لأن صدق حاله يحمل القول عَلَى التكرار ويحمل غيره عَلَى الاقتضاء ومن تبرك بمريد
فَقَدْ جار عَلَيْهِ لأنه يضره لقلة قوته فالواجب عَلَى المريد ترك تربية الجاه
عِنْدَ من قَالَ بتركه وإثباته.
فصل وإن
ابتلى مريد بجاه أَوْ معلوم أَوْ صحبة حدث أَوْ ميل إِلَى امْرَأَة أَوِ استنامة
إِلَى معلوم وليس هناك شيخ يدله عَلَى حاله يتخلص من ذَلِكَ فعند ذَلِكَ حل لَهُ
السفر والتحول عَن ذَلِكَ الموضع ليشوش عَلَى نَفْسه تلك الحالة ولا شَيْء أضر
لقلوب المريدين من حصول الجاه لَهُمْ قبل خمود بشريتهم ومن آداب المريد أَن لا
يسبق علمه هذه الطريقة منازلته فَإِنَّهُ إِذَا تعلم سير هذه الطائفة وتكلف الوقوف
عَلَى معرفة مسائلهم وأحوالهم قبل تحققه بِهَا بالمنازلة والمعاملة بَعْد وصوله
إِلَى هذه المعاني ولهذا قَالَ المشايخ: إِذَا حدث العارف عَنِ المعارف فجهلوه
فَإِن الأخبار عَنِ التنازل دُونَ المعارف، ومن غلب علمه منازلته فَهُوَ صاحب علم
لا صاحب سلوك.
فصل ومن
آداب المريدين أَن لا يتعرضوا للتصدر، وأن يَكُون لَهُمْ تلميذا ومريدا فَإِن
المريد إِذَا صار مرادا قبل خمود بشريته وسقوط آفته فَهُوَ محجوب عَنِ الحقيقة لا
تنفع أحدا إشارته وتعليمه.
فصل وإذا
خدم المريد الفقراء فخواطر الفقراء رسلهم إِلَيْهِ فلا ينبغي أَن يخالف المريد مَا
حكم باطنه عَلَيْهِ من الخلوص فِي الخدمة وبذلك الوسع والطاقة.
فصل ومن شأن
المريد إِذَا كَانَ طريقته خدمة الفقراء الصبر عَلَى جفاء الْقَوْم مَعَهُ وأن
يعتقد أَنَّهُ يبذل روحه فِي خدمتهم ثُمَّ لا يحمدون أثرا فيعتذر من تقصيره ويقر
بالجناية عَلَى نَفْسه تطييبا لقلوبهم وإن علم أَنَّهُ بريء الساحة إِذَا زادوه
فِي الجفاء فيجب أَن يزيدهم فِي الخدمة والبر.
سمعت
الإِمَام أبا بَكْر بْن فورك يَقُول: إِن فِي المثل إِذَا لَمْ تصبر عَلَى المطرقة
فلماذا كنت سندانا، وَفِي معناه أنشدوا:
رُبَّمَا
جئته لأسلفه العذر ... لبعض
الذنوب قبل التجني
فصل وبناء
هَذَا الأمر وملاكه عَلَى حفظ آداب الشريعة وصون اليد عَنِ المد إِلَى الحرام
والشبهة وحفظ الحواس عَنِ المحظورات وعد الأنفاس مَعَ اللَّه تَعَالَى عَنِ
الغفلات وأن لا يستحل مثلا سمسمه فِيهَا شبهة فِي أوان الضرورات فكيف عِنْدَ
الاختيار ووقت الراحات.
ومن شأن
المريد دوام المجاهدة فِي ترك الشهوات فَإِن من وافق شهوته عدم صفوته، وأقبح
الخصال بالمريد رجوعه إِلَى شهوة تركها لِلَّهِ تَعَالَى.
فصل ومن شأن
المريد حفظ عهوده مَعَ اللَّه تَعَالَى فَإِن نقض العهد فِي طريق الإرادة كالردة
عَنِ الدين لأهل الظاهر، ولا ينبغي للمريد أَن يعاهد اللَّه تَعَالَى عَلَى شَيْء
باختيار مَا أمكنه فَإِن فِي لوازم الشرع مَا يستوفى منه كُل وسع.
قَالَ
اللَّه تَعَالَى فِي صفة قوم: {ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا
ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] .
فصل ومن شأن
المريد قصر الأمل فَإِن الفقير ابْن وقته فَإِذَا كَانَ لَهُ تدبير فِي المستقبل
وتطلع لغير مَا هُوَ فِيهِ من الوقت، وأمل فيما يستأنفه لا يجيء منه شَيْء.
فصل ومن شأن
المريد أَن لا يَكُون لَهُ معلوم وإن قل لا سيما بَيْنَ الفقراء فَإِن ظلمة
المعلوم تطفئ نور الوقت.
فصل ومن شأن
المريد بَل من طريقة سالكي هَذَا المذهب ترك قبول رفق النسوان فكيف التعرض
لاستجلاب ذَلِكَ، وعلى هَذَا درج شيوخهم وبذلك نفذت وصاياهم، ومن استصغر هَذَا فعن
قريب يلقي مَا يفتضح فِيهِ.
فصل ومن شأن
المريد التباعد عَن أبناء الدنيا فَإِن صحبتهم سم مجرب، لأنهم ينتفعون بِهِ وَهُوَ
ينتقص بِهِمْ.
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:
28] وأن الزهاد يخرجون المال عَنِ الكيس تقربا إِلَى اللَّه تَعَالَى وأهل الصفاء
يخرجون الخلق والمعارف من القلب تحققا بالله تَعَالَى.
قَالَ الأستاذ الإِمَام أَبُو القاسم عَبْد الكريم
بْن هواز القشيري: فَهَذِهِ وصيتنا إِلَى المريدين، نسأل اللَّه الكريم لَهُم التوفيق وأن لا يجعلها وبالا عَلَيْنَا، وَقَدْ نجز لنا إملاء هذه الرسالة
فِي أوائل سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة نسأل اللَّه الكريم أَن لا يجعلها حجة عَلَيْنَا ووبالا بَل تكون لنا وسيلة ونوالا، إِن الفضل منه مألوف، وَهُوَ بالعفو موصوف.
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: