"القرآنيون".. مذهب إنكار السُّنَّة!
مدخل:
ما أحدثه هذا التيار بكتاباته، قد أحدث ما يشبه الصدمة في المجتمعات الاسلامية، بطرحه المعتمد فقط على نصوص القرآن، المبتعد بالكلية عن الروايات الحديثية وكتب
الصحاح ولو على سبيل التنقيح أو الاستئصال أو حتى الاستئناس بها.
كما أنه خطا خطوة أخرى باعتماده على فهمه هو "للنص القرآني"، لا على ما وجد عليه كتب التفاسير وشروح الفقهاء.
ويزعم "القرآنيون" أنهم يزيحون عن كاهل المسلم تركة ثقيلة من النصوص المروية- التي ارتأى هذا التيار أنها منسوبة زورًا للنبي صلى الله عليه وسلم- وحتى بفرض صحتها وهو أمر مستبعد عندهم، فإنها غير ملزمة البته؛ كون الملزم فقط هو القرآن الكريم
أصل التسمية:
والقرآنيون أو أهل القرآن هو اسم يطلق على تيار إسلامي يكتفي بالقرآن كمصدر للإيمان والتشريع في الإسلام. مسمى "قرآنيون" أطلقه عليهم في الأصل المناهضون لهم، لكن قسماً من القرآنيين يرون أنه لا ضير في نسبتهم للقرآن بل إنه تشريف لهم، إذ يطلقون على أنفسهم "أهل القرآن". في حين أن القسم الآخر يتمسك بمسمى (مسلمين حنفاء) في إشارة لرفضهم للمذاهب والفرق، ويعد الاختلاف في فكر التيار القرآني هو عدم الأخذ بالأحاديث والروايات التي تُنسب للنبي محمد عليه الصلاة والسلام أو ما يعرف بالسنة النبوية، فالقرآنيون يكتفون بالقرآن كمصدر للتشريع لاعتقادهم أن الله قد وعد بحفظ القرآن فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ويستدلون على ذلك بأن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي اجتمع كافة المسلمين على صحته، بينما الأحاديث فيها اختلاف كبير على صحتها بين الفرق الإسلامية المتعددة بل في كل فرقة من هذه الفرق يوجد اختلاف بين علمائها. كما لا يعتد القرآنيون بأقوال السلف أو إجماع العلماء أو القياس وغيرها من مصادر التشريع الإسلامي السنية أو الشيعية أو الإباضية، أو غيرها من الفرق التي يطلق عليها القرآنيون مسمى "الأديان الأرضية"، ومن هذا المنطلق فإنهم يخالفون الفكر الإسلامي السائد منذ عصر الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وهو فكر يعتبره القرآنيون حرفيا متطرفاً ومخالفا للإسلام الصحيح.
النشأة:
قديما...يعتبر بعض الباحثين أن فكرة إنكار السنة ظهرت لأول مرة على يد الخوارج الذين رفضوا إقامة حد رجم الزاني ومسح الخفين وغيرها، من التشريعات المنقولة عبر الرواية عن الرسول، والتي غير موجودة في القرآن. أما أتباع هذا المنهج فيعتقدون أنهم على النهج الصحيح والأصيل الذي كان عليه خاتم النبيين فهو متبع لما أنزله الله عليه ودليلهم في هذا الآية {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48]، ويستدلون بآيات كثيرة أخرى، ومنها ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 2].
بعض فقهاء القرآنيين يتحججون بروايات جاءت في كتب أهل السنة والجماعة عن كبار الصحابة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رفضوا الحديث ومنعوا تداوله بين المسلمين.
في العصر الحديث: ظهرت فكرة إنكار السنة في الهند في فترة الاحتلال الإنجليزي على يد أحمد خان الذي فسر القرآن بمنهج عقلي، ووضع شروطا تعجيزية لقبول الحديث؛ مما جعله ينكر أغلب الأحاديث. ثم تلاه عبد الله جكرالوي في باكستان الذي كان يشتغل بدراسة الحديث، ومن ثم اصطدم بالعديد من الشبهات حوله، فتوصل في النهاية لإنكار كافة الحديث، وأن القرآن هو ما أنزله الله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأسس جماعة تسمى أهل الذكر والقرآن التي دعا من خلالها إلى أن القرآن هو المصدر الوحيد لأحكام الشريعة، وألف في ذلك كتباً كثيرة. وتبنى نفس الفكر أحمد الدين الأمرتسري مؤسس جماعة "أمة مسلمة" التي كان يدعو فيها لأفكاره. وأخيرا غلام أحمد برويز حيث كان تفسير إحدى الآيات القرآنية سببا في تحوله لفكر القرآنيين فيقول:
"ذات يوم كنت أطالع التفسير فمررت بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها} [الأحزاب: 69]، وقد ذكر القرآن تفصيل هذا الإيذاء من عناد بني إسرائيل لموسى، وطلبهم ما لا يحتاجون إليه... غير أني وجدت في تفسير هذه الآية حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري والترمذي من اتهام بني إسرائيل موسى بالبَرص، وفرار الحجر بثيابه، وضرب موسى الحجر بعصاه، فارتعدت فرائصي، واستغرقني التفكير، وتوالت عليَّ الشبهات واحدة تلو الأخرى"، ثم بدأ يدعو لأفكاره من خلال مجلة طلوع الإسلام التي أسسها لهذا الغرض. ولا تزال أفكار هذه الحركات متواجدة بشبه القارة الهندية إلى الآن.
يعتبر د. أحمد صبحي منصور، الزعيم الروحي للقرآنيين في مصر والعالم العربي ويرجع جذور القرآنيين إلى حركة الشيخ محمد عبده الإصلاحية عام 1905 فيقول: إن "محمد عبده رفض الحديث والتصوف وانتقد البخاري وأنكر الشفاعة، ولكن تلميذه محمد رشيد رضا خالف مبادئه وتعاون مع السلفية وهو أستاذ لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين"، واستطرد قائلا: "إن آثارا من مدرسة محمد عبده ظلت باقية وآخر من كان فيها الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق الذي توفي في ستينيات القرن الماضي، وكنت لا أزال طالبا في التعليم الأزهري، وقبله الشيخ مرتضى المراغي شيخ الأزهر في الأربعينيات، وكان الشيخ محمود شلتوت حين ذاك مديرا لمكتبه".
وقد كانت بداية منصور من خلال عمله بالتدريس في الأزهر عام 1977 ولكنه اصطدم بعلماء الدين السنة من الصوفية والسلفية الذين اضطهدوه، وانتهى الأمر بفصله عن العمل عام 1987 وإدخاله السجن شهرين في نهاية نفس العام متهما بإنكار السنة. عمل بعدها بشكل مستقل يدعو لأفكاره من خلال كتبه ومقالاته وأبحاثه وندواته في مركز ابن خلدون وغيره. يقول د. منصور: "أصبحنا مجموعة كبيرة من أساتذة جامعات ومحامين وغير ذلك، وازداد التعاطف معنا، وكنت قبلها أخطب في مساجد القاهرة وغيرها".. في عام 2002 اضطر صبحي منصور للهجرة لأمريكا لاجئا سياسيا بعد إغلاق مركز ابن خلدون وموجة اعتقال شملت صفوف النشطين من القرآنيين، أدخلتهم السلطات المصرية السجن بتهمة ازدراء الأديان. بعدما استقرت أحواله في أمريكا ظهر على ساحة الإنترنت العربي داعيا لمنهجه الجديد، فأسس المركز العالمي للقرآن الكريم "IQC" في ولاية فيرجينيا وموقعه على الإنترنت أهل القرآن، ومن خلاله بدأ ينشر مقالاته وكتبه وأبحاثه للتعريف بمنهجه والدعوة إليه .
أبرز الشخصيات
أحمد خان
أحمد خان (1817م-1898م) هو من أكبر رجال الإصلاح الإسلامي في القرن التاسع عشر الميلادي، ومؤسس جامعة عليكرة بالهند. نشأ في أسرة كان لها اتصال وثيق بالملوك المغول الذين حكموا شبه القارة الهندية قبل الاحتلال البريطاني.
ألّف العديد من الكتب، ردّ فيها على بعض المغرضين من المستشرقين، ودعا فيها إلى تجديد الفكر الإسلامي، وله آراء تفرد بها. وتثير بعض أفكاره الحرة واجتهاداته الجريئة الجدل إلى اليوم بين مؤيّد ومكفّر. بصفة عامة قد اتسمت نظرته للدين بالسماحة واليسر وعمق النظر. تأثر به مفكرون مسلمون كبار من أمثال المصلح الإسلامي أمير علي (1849م-1928م) والفيلسوف الشاعر محمد إقبال (1877م-1938م) والمجدد فضل الرحمن (1919م-1988م).
ولد السيد أحمد خان في 17 أكتوبر 1817م في دلهي بالهند.
نهجه وآراؤه
عندما لاحظ السيد أحمد خان تدني وضع المسلمين المادي والمعنوي ونظر إلى انعدام كفاءتهم المعرفية وغياب أهليتهم الحضارية للحصول على حقوقهم من المستعمر البريطاني، تأكد أن الخطيئة مرتكَبة من الضحية لا من الجاني، وأنه لا يمكن ردّ حق أول من يهدره هم أهله، فألزم نفسه بالابتعاد عن التحريض السياسي وتهييج الناس والرمي بهم عرضة للبطش الإنجليزي وللمزيد من تردي أحوالهم. ابتعد عن كل ذلك ليكرس عمله للتربية ولتعليم وتهذيب النفوس بالأخلاق العالية وتنوير العقول بالعلوم والمعارف. هذه هي "اللعنة السياسية" التي تحدث عنها محمد عبده، وهذا هو المبدأ الإصلاحي الذي بلوره فيما بعد المفكر المصلح الجزائري مالك بن نبي (1905م-1973م)، وما بات يعرف بقابلية الاستعمار.
للسيد أحمد خان آراء كثيرة في تفسير القرآن اختص بها، أشهرها:
قوله: إن الوحي إلهي لم يكن باللفظ بل بالمعنى، نزّله الله على قلب نبيّه محمد.
وعند جمعه للآيات القرآنية المتعلقة بتعدد الزوجات استخلص منها المنع والاكتفاء بواحدة.
لا يقول بالوجود الحقيقي للجن وأوّل كل الآيات القرآنية المتعلقة به.
تآليفه
"خطابات أحمدية"
وفاته
توفي السيد أحمد خان في 27 مارس سنة 1898م ودُفن في ساحة مسجد جامعة عليكرة التي أسسها.
غلام أحمد برويز
غلام أحمد برويز (1903-1985) حث المسلمين للتفكير بعمق أكثر في رسالة القرآن الكريم. وقد اعتبر الدين أسلوب حياة، وشكل الحكومة، ونظام الحكم. وكما أعلن أنه وفقاً للإسلام فإن كل سلطة على عاتق "قانون الله (سبحانه وتعالى)" على النحو الوارد في القرآن الكريم، حيث يجب توزيع الغذاء والثروة بالتساوي على الجميع.
وكان غلام قريباً جدا من أبي الأعلى المودودي، مؤسس الجماعة الإسلامية (في باكستان). بسبب تقدمه ونظراته الليبراليه عن الإسلام.
وقد أنكر حجية السنَّة، وقال بأن مصدر التشريع هو القرآن فقط. وأنكر وجود آدم.. وإنها مجرد قصه تخيلية، وأنكر وجود الجنة والنار وأنهما مكانان تخيلان، وأنكر وجود الملائكة حيث زعم أنهم ليسوا عالماً حقيقياً وإنما هم القوى المودَعة في الكائنات، والقضاء والقدر عندهم مكيدة مجوسية.
حياته المبكرة
ولد غلام أحمد برويز في باتالا، جورداسبور، في 9 يوليو 1903. باتالا، التي هي الآن قرية في الهند وجزء من بونجوب، كانت في وقته مقعداً مهمًّا جداً لتعلم الدراسات الإسلامية والفلسفة الإسلامية والثقافة الإسلامية. من عقائده يقول: "إن جميع ما ورد في القرآن الكريم من الصدقات والتوريث، وما إلى ذلك من الأحكام المالية كل ذلك مؤقت تدريجي إنما يتدرج به إلى دور مستقل يسميه هو نظام الربوبية، فإذا جاء ذلك الوقت تنتهي هذه الأحكام؛ لأنها كانت مؤقتة غير مستقلة".
ويقول: "إن الرسول والذين معه قد استنبطوا من القرآن أحكاماً فكانت شريعة، وهكذا كل من جاء بعده من أعضاء الشورى لحكومة مركزية لهم أن يستنبطوا أحكاماً من القرآن فتكون تلك الأحكام شريعة ذلك العصر، وليسوا مكلفين بتلك الشريعة السابقة، ثم لا تختص تلك بباب واحد، بل العبادات والمعاملات والأخلاق كلها يجري فيها ذلك، ومن أجل ذلك القرآن لم يعين تفصيلات العبادة". ويقول: "ليس المراد بالجنة والنار أمكنة خاصة بل هي كيفيات للإنسان". وأيضا يقول: "الإيمان بالقدر خيره وشره مكيدة مجوسية جعلتها عقيدة للمسلمين". (منقول من فتوى الشيخ ابن باز في غلام أحمد برويز).
عمله
انضم برويز إلى الأمانة المركزية لحكومة الهند في عام 1927 وعمل في وزارة الداخلية، ورشح لذلك من قبل العلامة محمد إقبال. بعد استقلال باكستان في عام 1947، كان يعمل في الحكومة المركزية، وكان أيضاً مستشاراً لمحمد علي جناح. وتقاعد برويز عن العمل في عام 1955.
وفاته
في أكتوبر 1984 أصابه المرض الذي توفي على إثره في 24 فبراير 1985.
أشهر كتبه
لغات القرآن (4 مجلدات)، مفهوم القرآن (3 مجلدات)، تبويب القرآن (3 مجلدات)، نظام الربوبيات، الإسلام دين التحدي، الإنسان والفكر البشري
تصاوف وحقيقات (حقيقة التصوف الإسلامي)، سالم كينام (3 مجلدات)، طاهرة كينام، قرآني فيصلي (5 مجلدات)، مراج الإنسانية (عن محمد)، بركة تور (عن موسى)، جو نور (عن إبراهيم)، الإنسان والإله (عن نور الله في القرآن الكريم)، إبليس وآدم وأسباب زوال الأمم.
أحمد صبحي منصور
أحمد صبحي منصور، هو مفكر إسلامي مصري. كان يعمل مدرساً بجامعة الأزهر ثم فصل في الثمانينيات بسبب إنكاره للسنة النبوية القولية، وتأسيس المنهج القرآني الذي يكتفي بالقرآن كمصدر وحيد للتشريع الإسلامي. سافر إلى الولايات المتحدة لبعض الوقت، ثم عاد إلى القاهرة ليصبح أحد أركان مركز ابن خلدون وبعد المشكلات القضائية التي واجهها المركز ومديره في عام ألفين هاجر إلى الولايات المتحدة، ليعمل مدرساً في جامعة هارفارد وبالوقفية الوطنية للديمقراطية، ثم لينشئ مركزه الخاص تحت اسم المركز العالمي للقرآن الكريم. ينشط الدكتور أحمد صبحى منصور الآن في نشر مقالاته على بعض المواقع في الإنترنت. اشتهر الدكتور منصور بموقفه المعارض لفكر الجماعات الإسلامية.
بدأ الدكتور منصور حركته الفكرية منذ سنة 1977 بالبحث والمقال والكتاب والندوات، وصودرت بعض كتبه التي لم يتقبلها المجتمع المصري لإتيانه بأمور مستجدة غير الأمور الأصيلة في الإسلام، وطرد من مسجد لآخر ومن الأزهر إلى غيره من مواقع فكرية إلى أن انتهى به المطاف في مركز ابن خلدون، فاستقر فيه خمس سنوات إلى أن أغلقت الحكومة المصرية المركز وطرد الدكتور أحمد منصور فلجأ إلى أمريكا. وبعد أن استقرت أحواله نوعا ما بدأ يكتب مرة أخرى على الإنترنت العربي منذ أكتوبر 2004، وذلك رغم الانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها من جانب عدد كبير من أساتذة ومثقفي العالم الإسلامي حول ما رأوه من تناقضات فقهية وعقائدية عديدة، قالوا إنه قد وقع فيها جراء إقصائه للسنة النبوية واعتماده على القرآن الكريم فقط وإصرارهم على كون هذين المصدرين متكاملين حسب ما تقتضيه الشريعة الإسلامية بمختلف مذاهبها. حسب رأيهم.
سيرة ذاتية
ولد أحمد صبحي منصور في أبو حريز، كفر صقر بمحافظة الشرقية بمصر في الأول من مارس عام 1949. درس في الأزهر وصل إلى الإعدادية الأزهرية وصنف في الدرجة الثانية على مستوى الجمهورية المصرية، ثم حصل على الثانوية الأزهرية بالقسم الأدبي وحل في المرتبة الرابعة على الجمهورية. وفي أثناء دراسته الأزهرية تابع المنهج الثانوي العام بنظام خارجي لمدة ثلاث سنوات حتى حصل على شهادة الثانوية العامة سنة 1976. حصل على المركز الأول في سنوات دراسته الجامعية الأربعة في قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بالأزهر، ثم حصل على الإجازة العلمية مع مرتبة الشرف عام 1973. ثمّ حَصلَ على درجة الماجستير في التأريخِ الإسلاميِ والحضارة الإسلامية بامتياز. وأخيرا حصل على الدكتوراه في قسم الحضارة والتاريخ الإسلامي بمرتبة الشرف بعد صراع مع شيوخ الأزهر الذين اضطروه خلال المناقشة لحذف ثلثي رسالته.
من أفكاره:
- تقسيم الكفر إلى كفر سلوكي وكفر عقائدي.
- الصلاة على النبي تعني اقتداء المؤمن بالنبي.
- النبي لم يكن أمياً.
- الصلاة الوسطى هي الصلاة التي تثمر عملا صالحا وتحقق تقوى الله.
- إنكاره لصيغة التشهد حيث يقول إن الشهادة لرسول الله بالرسالة أثناء الصلاة نوع من الشرك؛ لأن الصلاة يجب أن تقام لذكر الله وحده.
- إنكاره للصلاة الإبراهيمية في التشهد أثناء الصلاة واعتبارها نوعا من الشرك.
- إنكاره لوجود اسم النبي في الأذان واعتباره أيضا شركا.
- قوله: إن النبي ليس أفضل الأنبياء؛ لنهي القرآن عن التفريق بين الأنبياء.
- الفتوحات الإسلامية عبارة عن استعمار من أجل المصالح المادية.
- تكذيب ما يخالف القرآن من كتب السيرة والحديث والتاريخ.
- يمكن الحج خلال الأشهر الحرم وليس شهر "ذو الحجة" فقط.
- يعتبر زواج المسلمة من اليهودي أو المسيحي حلال.
المنهج القرآني
منهج القرآنيين في تدبر القرآن منهج عقلي يعتمد على فهم القرآن بالقرآن، ويرفضون كلمة تفسير القرآن حيث يعتقدون أن التفسير يكون للشيء الغامض أو المعقد، بينما القرآن ميسر للفهم والتدبر كما هو مذكور في القرآن نفسه. كما يرفض القرآنيون روايات أسباب النزول أو التفسيرات المذكورة في كتب التراث، فهم يرون أن عامة المسلمين يقدسون تفسيرات التراث وروايات أسباب النزول، حتى وإن تعارضت مع القرآن، فيقدمون كلام البشر المشكوك بصحته وسنده على كلام الله المقطوع بصحته. وحول فهم القرآن بالقرآن فيعمل القرآنيون على فهم مصطلحات القرآن في المواضع المختلفة منه لفهم وتدبر ما تشابه منه.
الأفكار والمعتقدات
لا ناسخ ولا منسوخ في القرآن
في مخالفة للاعتقاد السائد، هم لا يعتقدون بنسخ الآيات المعروف عند بقية المسلمين وهو أن تلغي إحدى الآيات حكما مذكورا في آية أخرى، وفقا لما ذكر في القرآن: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، فمفهوم الآية المذكور هو المعجزة وفقا لفهم القرآنيين. وحجة منصور في هذا وهي مقبولة لدى الكثيرين من علماء اللغة ورجال الفقه القرآني- أن النسخ يعني التدوين والإثبات وليس الإلغاء.
الحديث ليس مصدرا للتشريع
القرآنيون لا يعترفون بوجود وحي ثان مع القرآن، وكلام النبي خارج القرآن ليس وحيا من الله، وبالتالي غير ملزم للمسلمين ولا يعترف القرآنيون من جهة أخرى بنسبة ما يسمى الأحاديث النبوية للرسول محمد ويقول القرآنيون في ذلك: إن المنهجية التي اتبعت في تصحيح الأحاديث النبوية كانت تفتقر للموضوعية ومخالفة للمنهج العلمي السليم؛ لذلك خرج العديد من الأحاديث في الصحاح التي يختلف فيها المسلمون حتى اليوم، إضافة لقولهم إن من اعتمد تصحيح هذه الأحاديث النبوية هم مجرد أفراد، وتصحيحهم قابل للصواب والخطأ، إضافة لاعتمادهم على نهي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن تدوين السنة بأحاديث هي الآن في الصحاح، وأن هذه السنة المروية أو الأحاديث لم تدون إلا في القرن الثالث الهجري، أي بعد ما يزيد عن المئتين والثمانين عاما على وفاة الرسول. مما يؤكد اعتقادهم بنهي الرسول على الكتابة عنه أولاً، ودخول العديد من الأحاديث الموضوعة والمختلقة على هذه السنة قبل وخلال تدوينها ثلاثة قرون. لهذا يستبعد القرآنيون السنة القولية، أو ما يسمى بالأحاديث النبوية من مصادر التشريع الإسلامي، فلا يجوز حسب قولهم بناء الشريعة على أسس مشكوك فيها.
وحول أصل الأحاديث النبوية يقول د. أحمد صبحي منصور أن الأمويين عملوا على ترسيخ حكمهم من خلال تلفيق أحاديث ترفع من شأن معاوية بن أبي سفيان جد الأمويين، والتقليل من شأن معارضيهم مثل علي بن أبي طالب وذريته، أو عبد الله بن الزبير وغيرهم؛ حيث كان يروي تلك الأحاديث القصاصون في الشوارع والمساجد، كما قام بمثل ذلك العباسيون في تمجيد ابن عباس والتعظيم من شأنه. وعمل ملوك الدولتين من خلال الكهنوت الديني التابع لسلطتهم بخلق أحاديث ونسبتها للنبي عليه الصلاة والسلام، تساعد على تثبيت حكمهم، وأحاديث أخرى تسمح لهم بالتخلص من معارضيهم مثل أحاديث قتل المرتد، كما كان لهذه الأحاديث الأثر في ظهور الجبرية في العصر الأموي التي اعتبرت كل شيء مقدرا على الإنسان ومن هذه المقادير وجود الحاكم في السلطة. ويرى د. منصور أن الهدف من وراء هذه الأحاديث إلهاء الناس بأمور فرعية عن المطالبة بحقوقهم وتقييد حرية الرأي. كما يعتقد القرآنيون أن بعض الأحاديث دستها بعض الجماعات الفارسية التي دفعتها نظرتهم الشعوبية ورغبتهم لإعادة السيطرة للقومية الفارسية.
في نفس الوقت يعمل القرآنيون بما يسمونه "السنة الفعلية" وهي الأفعال التي انتقلت بالتواتر، مثل كيفية الصلاة والحج والزكاة وغيرها من الأمور التي لم تذكر تفصيلا في القرآن، ولكن انتقلت من جيل إلى جيل، ويكاد يجمع كافة المسلمين على كيفية أدائها دون الحاجة إلى الروايات المذكورة في كتب الحديث.
يذكر أن القرآنيين يعتبرون أن سنة النبي عليه السلام التي ذكرت في القرآن هي عمل النبي محمد صلى الله عليه وسلم بما جاء في القرآن، والتزامه بمبادئ الإسلام المتمثلة في الوحي الإلهي المنزل عليه وهو القرآن لا أكثر. بناء على ذلك على المسلمين التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم من خلال العمل بما جاء في القرآن وذلك هو فهمهم للآية: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.[الأحزاب: 21].
الإسلام دين ودولة
الإسلام من وجهة نظر القرآنيين يدعو لدولة لا تفرق بين المواطنين على أساس عرقي أو ديني أو غيره، كما أنها دولة ديمقراطية يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه، كما أن الدولة الإسلامية في نظر القرآنيين تضمن حرية الرأي والتعبير وتراعي حقوق الإنسان والحريات الشخصية، ليست مسئولة عن إدخال المواطنين الجنة مثلما هو حال الأنظمة الإسلامية السائدة في السعودية وإيران، وأفغانستان تحت حكم طالبان السابق، فالقرآن لم يذكر أي عقوبات دنيوية ضد من يرتكب معاصي لا تضر الآخرين وتدخل في نطاق الحرية الشخصية، كما لا يذكر عقوبة ضد من يعبر عن رأيه أيا كان، أو من يغير عقيدته أو يبدل دينه، بل على العكس فقد دعا إلى حرية الاعتقاد وحرية التعبير واحترام الرأي المخالف، {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}، [الكهف: 29].
عصمة النبي وعدالة الصحابة
يؤمن القرآنيون بعدم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يوحى إليه، يجوز أن يخطئ وأن يصيب، باستثناء تبليغه للآيات القرآنية فهو معصوم من السهو والخطأ وفقا للنص القرآني.
وكذلك لا يؤمن القرآنيون بعدالة الصحابة، ويرون أنهم لا يكتسبون العصمة لمجرد رؤيتهم للرسول، وكان منهم المنافق والفاسق وضعيف الإيمان كما كان منهم المؤمنين والصالحين. ويخالف هذا المعتقد معتقد المسلمين السنة في كون كل شخص رأى الرسول وهو على دين الإسلام هو صحابي عدل حتى وإن كان طفلا.
انتقادات:
تعتقد بقية الفرق الإسلامية على اختلافها أن القرآنيين بهذا قد خالفوا القرآن نفسه، حيث جاء فيه أمر من الله للمسلمين، فقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]، وترى الفرق الإسلامية أنه أمر واضح من الله بطاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد تكرر قول الله في القرآن: {وَأَطِيْعُوا الله وَأَطِيْعُوا الرَّسُوْل}، مرات عديدة في القرآن، فقرن الله طاعته، بطاعة النبي. حيث ذكر القرآن هذا أكثر من مرة ومنها:
- {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، [النساء: 59].
- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، [آل عمران: 31].
- {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 71].
ويفسرون هذه الآيات على أن طاعة الرسول تتمثل في الالتزام بسنته الواردة في الأحاديث النبوية.
ويرد القرآنيون بأن هذه الآيات تشير إلى ما يبلغه الرسول ويأمر به مما يمكن استنباطه من الآيات القرآنية، وليس المقصود أن الرسول جاء بأحكام وتشريعات مختلفة عما جاء بها القرآن.
وخلاصة الانتقادات الموجهة لهم من بقية الفرق الإسلامية هي أن الله قد قرن في القرآن أوامر النبي بأوامره، كما في الحديث عن النبي محمد: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي". والحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن محمدا قال: "يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله"، وهذه الأحاديث من أكبر الأدلة على مصداقية السنة والتحذير من فكر الطائفة وفق اعتقاد أغلب المسلمين.
وممن رد على القرآنيين من المتقدمين: ابن حزم الأندلسي، حيث قال: "ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال". (الإحكام في أصول الأحكام 2/80)، وقال الإمام الشاطبي: "والرابع أن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء، فطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله". (الموافقات في أصول الشريعة- ج4 ص17).
وحديث الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري السابق، الذي قال في مقال له:
"إن السنة النبوية هي البيان النبوي للبلاغ القرآني، وهي التطبيق العملي للآيات القرآنية، التي أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام. فالتطبيقات النبوية للقرآن- التي هي السنة العملية والبيان القولي الشارح والمفسر والمفصّل- هي ضرورة قرآنية، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم. وتأسيًا بالرسول، وقيامًا بفريضة طاعته- التي نص عليها القرآن الكريم. والعلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهي- القرآن- وبين التطبيق النبوي لهذا البلاغ الإلهي- السنة النبوية- فهي أشبه ما تكون بالعلاقة بين الدستور وبين القانون. فالدستور هو مصدر ومرجع القانون. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور، ولا حجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون."
وقال المفكر النمساوي محمد أسد: "إن العمل بسنة رسول الله هو عمل على حفظ كيان الإسلام، وعلى تقدمه، وإن ترك السنّة هو انحلال الإسلام... لقد كانت السنّة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما أفيدهشك بعدئذ أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟"
ما أحدثه هذا التيار بكتاباته، قد أحدث ما يشبه الصدمة في المجتمعات الاسلامية، بطرحه المعتمد فقط على نصوص القرآن، المبتعد بالكلية عن الروايات الحديثية وكتب
الصحاح ولو على سبيل التنقيح أو الاستئصال أو حتى الاستئناس بها.
كما أنه خطا خطوة أخرى باعتماده على فهمه هو "للنص القرآني"، لا على ما وجد عليه كتب التفاسير وشروح الفقهاء.
ويزعم "القرآنيون" أنهم يزيحون عن كاهل المسلم تركة ثقيلة من النصوص المروية- التي ارتأى هذا التيار أنها منسوبة زورًا للنبي صلى الله عليه وسلم- وحتى بفرض صحتها وهو أمر مستبعد عندهم، فإنها غير ملزمة البته؛ كون الملزم فقط هو القرآن الكريم
أصل التسمية:
والقرآنيون أو أهل القرآن هو اسم يطلق على تيار إسلامي يكتفي بالقرآن كمصدر للإيمان والتشريع في الإسلام. مسمى "قرآنيون" أطلقه عليهم في الأصل المناهضون لهم، لكن قسماً من القرآنيين يرون أنه لا ضير في نسبتهم للقرآن بل إنه تشريف لهم، إذ يطلقون على أنفسهم "أهل القرآن". في حين أن القسم الآخر يتمسك بمسمى (مسلمين حنفاء) في إشارة لرفضهم للمذاهب والفرق، ويعد الاختلاف في فكر التيار القرآني هو عدم الأخذ بالأحاديث والروايات التي تُنسب للنبي محمد عليه الصلاة والسلام أو ما يعرف بالسنة النبوية، فالقرآنيون يكتفون بالقرآن كمصدر للتشريع لاعتقادهم أن الله قد وعد بحفظ القرآن فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ويستدلون على ذلك بأن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي اجتمع كافة المسلمين على صحته، بينما الأحاديث فيها اختلاف كبير على صحتها بين الفرق الإسلامية المتعددة بل في كل فرقة من هذه الفرق يوجد اختلاف بين علمائها. كما لا يعتد القرآنيون بأقوال السلف أو إجماع العلماء أو القياس وغيرها من مصادر التشريع الإسلامي السنية أو الشيعية أو الإباضية، أو غيرها من الفرق التي يطلق عليها القرآنيون مسمى "الأديان الأرضية"، ومن هذا المنطلق فإنهم يخالفون الفكر الإسلامي السائد منذ عصر الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وهو فكر يعتبره القرآنيون حرفيا متطرفاً ومخالفا للإسلام الصحيح.
النشأة:
قديما...يعتبر بعض الباحثين أن فكرة إنكار السنة ظهرت لأول مرة على يد الخوارج الذين رفضوا إقامة حد رجم الزاني ومسح الخفين وغيرها، من التشريعات المنقولة عبر الرواية عن الرسول، والتي غير موجودة في القرآن. أما أتباع هذا المنهج فيعتقدون أنهم على النهج الصحيح والأصيل الذي كان عليه خاتم النبيين فهو متبع لما أنزله الله عليه ودليلهم في هذا الآية {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48]، ويستدلون بآيات كثيرة أخرى، ومنها ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 2].
بعض فقهاء القرآنيين يتحججون بروايات جاءت في كتب أهل السنة والجماعة عن كبار الصحابة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رفضوا الحديث ومنعوا تداوله بين المسلمين.
في العصر الحديث: ظهرت فكرة إنكار السنة في الهند في فترة الاحتلال الإنجليزي على يد أحمد خان الذي فسر القرآن بمنهج عقلي، ووضع شروطا تعجيزية لقبول الحديث؛ مما جعله ينكر أغلب الأحاديث. ثم تلاه عبد الله جكرالوي في باكستان الذي كان يشتغل بدراسة الحديث، ومن ثم اصطدم بالعديد من الشبهات حوله، فتوصل في النهاية لإنكار كافة الحديث، وأن القرآن هو ما أنزله الله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأسس جماعة تسمى أهل الذكر والقرآن التي دعا من خلالها إلى أن القرآن هو المصدر الوحيد لأحكام الشريعة، وألف في ذلك كتباً كثيرة. وتبنى نفس الفكر أحمد الدين الأمرتسري مؤسس جماعة "أمة مسلمة" التي كان يدعو فيها لأفكاره. وأخيرا غلام أحمد برويز حيث كان تفسير إحدى الآيات القرآنية سببا في تحوله لفكر القرآنيين فيقول:
"ذات يوم كنت أطالع التفسير فمررت بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها} [الأحزاب: 69]، وقد ذكر القرآن تفصيل هذا الإيذاء من عناد بني إسرائيل لموسى، وطلبهم ما لا يحتاجون إليه... غير أني وجدت في تفسير هذه الآية حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري والترمذي من اتهام بني إسرائيل موسى بالبَرص، وفرار الحجر بثيابه، وضرب موسى الحجر بعصاه، فارتعدت فرائصي، واستغرقني التفكير، وتوالت عليَّ الشبهات واحدة تلو الأخرى"، ثم بدأ يدعو لأفكاره من خلال مجلة طلوع الإسلام التي أسسها لهذا الغرض. ولا تزال أفكار هذه الحركات متواجدة بشبه القارة الهندية إلى الآن.
يعتبر د. أحمد صبحي منصور، الزعيم الروحي للقرآنيين في مصر والعالم العربي ويرجع جذور القرآنيين إلى حركة الشيخ محمد عبده الإصلاحية عام 1905 فيقول: إن "محمد عبده رفض الحديث والتصوف وانتقد البخاري وأنكر الشفاعة، ولكن تلميذه محمد رشيد رضا خالف مبادئه وتعاون مع السلفية وهو أستاذ لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين"، واستطرد قائلا: "إن آثارا من مدرسة محمد عبده ظلت باقية وآخر من كان فيها الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق الذي توفي في ستينيات القرن الماضي، وكنت لا أزال طالبا في التعليم الأزهري، وقبله الشيخ مرتضى المراغي شيخ الأزهر في الأربعينيات، وكان الشيخ محمود شلتوت حين ذاك مديرا لمكتبه".
وقد كانت بداية منصور من خلال عمله بالتدريس في الأزهر عام 1977 ولكنه اصطدم بعلماء الدين السنة من الصوفية والسلفية الذين اضطهدوه، وانتهى الأمر بفصله عن العمل عام 1987 وإدخاله السجن شهرين في نهاية نفس العام متهما بإنكار السنة. عمل بعدها بشكل مستقل يدعو لأفكاره من خلال كتبه ومقالاته وأبحاثه وندواته في مركز ابن خلدون وغيره. يقول د. منصور: "أصبحنا مجموعة كبيرة من أساتذة جامعات ومحامين وغير ذلك، وازداد التعاطف معنا، وكنت قبلها أخطب في مساجد القاهرة وغيرها".. في عام 2002 اضطر صبحي منصور للهجرة لأمريكا لاجئا سياسيا بعد إغلاق مركز ابن خلدون وموجة اعتقال شملت صفوف النشطين من القرآنيين، أدخلتهم السلطات المصرية السجن بتهمة ازدراء الأديان. بعدما استقرت أحواله في أمريكا ظهر على ساحة الإنترنت العربي داعيا لمنهجه الجديد، فأسس المركز العالمي للقرآن الكريم "IQC" في ولاية فيرجينيا وموقعه على الإنترنت أهل القرآن، ومن خلاله بدأ ينشر مقالاته وكتبه وأبحاثه للتعريف بمنهجه والدعوة إليه .
أبرز الشخصيات
أحمد خان
أحمد خان (1817م-1898م) هو من أكبر رجال الإصلاح الإسلامي في القرن التاسع عشر الميلادي، ومؤسس جامعة عليكرة بالهند. نشأ في أسرة كان لها اتصال وثيق بالملوك المغول الذين حكموا شبه القارة الهندية قبل الاحتلال البريطاني.
ألّف العديد من الكتب، ردّ فيها على بعض المغرضين من المستشرقين، ودعا فيها إلى تجديد الفكر الإسلامي، وله آراء تفرد بها. وتثير بعض أفكاره الحرة واجتهاداته الجريئة الجدل إلى اليوم بين مؤيّد ومكفّر. بصفة عامة قد اتسمت نظرته للدين بالسماحة واليسر وعمق النظر. تأثر به مفكرون مسلمون كبار من أمثال المصلح الإسلامي أمير علي (1849م-1928م) والفيلسوف الشاعر محمد إقبال (1877م-1938م) والمجدد فضل الرحمن (1919م-1988م).
ولد السيد أحمد خان في 17 أكتوبر 1817م في دلهي بالهند.
نهجه وآراؤه
عندما لاحظ السيد أحمد خان تدني وضع المسلمين المادي والمعنوي ونظر إلى انعدام كفاءتهم المعرفية وغياب أهليتهم الحضارية للحصول على حقوقهم من المستعمر البريطاني، تأكد أن الخطيئة مرتكَبة من الضحية لا من الجاني، وأنه لا يمكن ردّ حق أول من يهدره هم أهله، فألزم نفسه بالابتعاد عن التحريض السياسي وتهييج الناس والرمي بهم عرضة للبطش الإنجليزي وللمزيد من تردي أحوالهم. ابتعد عن كل ذلك ليكرس عمله للتربية ولتعليم وتهذيب النفوس بالأخلاق العالية وتنوير العقول بالعلوم والمعارف. هذه هي "اللعنة السياسية" التي تحدث عنها محمد عبده، وهذا هو المبدأ الإصلاحي الذي بلوره فيما بعد المفكر المصلح الجزائري مالك بن نبي (1905م-1973م)، وما بات يعرف بقابلية الاستعمار.
للسيد أحمد خان آراء كثيرة في تفسير القرآن اختص بها، أشهرها:
قوله: إن الوحي إلهي لم يكن باللفظ بل بالمعنى، نزّله الله على قلب نبيّه محمد.
وعند جمعه للآيات القرآنية المتعلقة بتعدد الزوجات استخلص منها المنع والاكتفاء بواحدة.
لا يقول بالوجود الحقيقي للجن وأوّل كل الآيات القرآنية المتعلقة به.
تآليفه
"خطابات أحمدية"
وفاته
توفي السيد أحمد خان في 27 مارس سنة 1898م ودُفن في ساحة مسجد جامعة عليكرة التي أسسها.
غلام أحمد برويز
غلام أحمد برويز (1903-1985) حث المسلمين للتفكير بعمق أكثر في رسالة القرآن الكريم. وقد اعتبر الدين أسلوب حياة، وشكل الحكومة، ونظام الحكم. وكما أعلن أنه وفقاً للإسلام فإن كل سلطة على عاتق "قانون الله (سبحانه وتعالى)" على النحو الوارد في القرآن الكريم، حيث يجب توزيع الغذاء والثروة بالتساوي على الجميع.
وكان غلام قريباً جدا من أبي الأعلى المودودي، مؤسس الجماعة الإسلامية (في باكستان). بسبب تقدمه ونظراته الليبراليه عن الإسلام.
وقد أنكر حجية السنَّة، وقال بأن مصدر التشريع هو القرآن فقط. وأنكر وجود آدم.. وإنها مجرد قصه تخيلية، وأنكر وجود الجنة والنار وأنهما مكانان تخيلان، وأنكر وجود الملائكة حيث زعم أنهم ليسوا عالماً حقيقياً وإنما هم القوى المودَعة في الكائنات، والقضاء والقدر عندهم مكيدة مجوسية.
حياته المبكرة
ولد غلام أحمد برويز في باتالا، جورداسبور، في 9 يوليو 1903. باتالا، التي هي الآن قرية في الهند وجزء من بونجوب، كانت في وقته مقعداً مهمًّا جداً لتعلم الدراسات الإسلامية والفلسفة الإسلامية والثقافة الإسلامية. من عقائده يقول: "إن جميع ما ورد في القرآن الكريم من الصدقات والتوريث، وما إلى ذلك من الأحكام المالية كل ذلك مؤقت تدريجي إنما يتدرج به إلى دور مستقل يسميه هو نظام الربوبية، فإذا جاء ذلك الوقت تنتهي هذه الأحكام؛ لأنها كانت مؤقتة غير مستقلة".
ويقول: "إن الرسول والذين معه قد استنبطوا من القرآن أحكاماً فكانت شريعة، وهكذا كل من جاء بعده من أعضاء الشورى لحكومة مركزية لهم أن يستنبطوا أحكاماً من القرآن فتكون تلك الأحكام شريعة ذلك العصر، وليسوا مكلفين بتلك الشريعة السابقة، ثم لا تختص تلك بباب واحد، بل العبادات والمعاملات والأخلاق كلها يجري فيها ذلك، ومن أجل ذلك القرآن لم يعين تفصيلات العبادة". ويقول: "ليس المراد بالجنة والنار أمكنة خاصة بل هي كيفيات للإنسان". وأيضا يقول: "الإيمان بالقدر خيره وشره مكيدة مجوسية جعلتها عقيدة للمسلمين". (منقول من فتوى الشيخ ابن باز في غلام أحمد برويز).
عمله
انضم برويز إلى الأمانة المركزية لحكومة الهند في عام 1927 وعمل في وزارة الداخلية، ورشح لذلك من قبل العلامة محمد إقبال. بعد استقلال باكستان في عام 1947، كان يعمل في الحكومة المركزية، وكان أيضاً مستشاراً لمحمد علي جناح. وتقاعد برويز عن العمل في عام 1955.
وفاته
في أكتوبر 1984 أصابه المرض الذي توفي على إثره في 24 فبراير 1985.
أشهر كتبه
لغات القرآن (4 مجلدات)، مفهوم القرآن (3 مجلدات)، تبويب القرآن (3 مجلدات)، نظام الربوبيات، الإسلام دين التحدي، الإنسان والفكر البشري
تصاوف وحقيقات (حقيقة التصوف الإسلامي)، سالم كينام (3 مجلدات)، طاهرة كينام، قرآني فيصلي (5 مجلدات)، مراج الإنسانية (عن محمد)، بركة تور (عن موسى)، جو نور (عن إبراهيم)، الإنسان والإله (عن نور الله في القرآن الكريم)، إبليس وآدم وأسباب زوال الأمم.
أحمد صبحي منصور
أحمد صبحي منصور، هو مفكر إسلامي مصري. كان يعمل مدرساً بجامعة الأزهر ثم فصل في الثمانينيات بسبب إنكاره للسنة النبوية القولية، وتأسيس المنهج القرآني الذي يكتفي بالقرآن كمصدر وحيد للتشريع الإسلامي. سافر إلى الولايات المتحدة لبعض الوقت، ثم عاد إلى القاهرة ليصبح أحد أركان مركز ابن خلدون وبعد المشكلات القضائية التي واجهها المركز ومديره في عام ألفين هاجر إلى الولايات المتحدة، ليعمل مدرساً في جامعة هارفارد وبالوقفية الوطنية للديمقراطية، ثم لينشئ مركزه الخاص تحت اسم المركز العالمي للقرآن الكريم. ينشط الدكتور أحمد صبحى منصور الآن في نشر مقالاته على بعض المواقع في الإنترنت. اشتهر الدكتور منصور بموقفه المعارض لفكر الجماعات الإسلامية.
بدأ الدكتور منصور حركته الفكرية منذ سنة 1977 بالبحث والمقال والكتاب والندوات، وصودرت بعض كتبه التي لم يتقبلها المجتمع المصري لإتيانه بأمور مستجدة غير الأمور الأصيلة في الإسلام، وطرد من مسجد لآخر ومن الأزهر إلى غيره من مواقع فكرية إلى أن انتهى به المطاف في مركز ابن خلدون، فاستقر فيه خمس سنوات إلى أن أغلقت الحكومة المصرية المركز وطرد الدكتور أحمد منصور فلجأ إلى أمريكا. وبعد أن استقرت أحواله نوعا ما بدأ يكتب مرة أخرى على الإنترنت العربي منذ أكتوبر 2004، وذلك رغم الانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها من جانب عدد كبير من أساتذة ومثقفي العالم الإسلامي حول ما رأوه من تناقضات فقهية وعقائدية عديدة، قالوا إنه قد وقع فيها جراء إقصائه للسنة النبوية واعتماده على القرآن الكريم فقط وإصرارهم على كون هذين المصدرين متكاملين حسب ما تقتضيه الشريعة الإسلامية بمختلف مذاهبها. حسب رأيهم.
سيرة ذاتية
ولد أحمد صبحي منصور في أبو حريز، كفر صقر بمحافظة الشرقية بمصر في الأول من مارس عام 1949. درس في الأزهر وصل إلى الإعدادية الأزهرية وصنف في الدرجة الثانية على مستوى الجمهورية المصرية، ثم حصل على الثانوية الأزهرية بالقسم الأدبي وحل في المرتبة الرابعة على الجمهورية. وفي أثناء دراسته الأزهرية تابع المنهج الثانوي العام بنظام خارجي لمدة ثلاث سنوات حتى حصل على شهادة الثانوية العامة سنة 1976. حصل على المركز الأول في سنوات دراسته الجامعية الأربعة في قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بالأزهر، ثم حصل على الإجازة العلمية مع مرتبة الشرف عام 1973. ثمّ حَصلَ على درجة الماجستير في التأريخِ الإسلاميِ والحضارة الإسلامية بامتياز. وأخيرا حصل على الدكتوراه في قسم الحضارة والتاريخ الإسلامي بمرتبة الشرف بعد صراع مع شيوخ الأزهر الذين اضطروه خلال المناقشة لحذف ثلثي رسالته.
من أفكاره:
- تقسيم الكفر إلى كفر سلوكي وكفر عقائدي.
- الصلاة على النبي تعني اقتداء المؤمن بالنبي.
- النبي لم يكن أمياً.
- الصلاة الوسطى هي الصلاة التي تثمر عملا صالحا وتحقق تقوى الله.
- إنكاره لصيغة التشهد حيث يقول إن الشهادة لرسول الله بالرسالة أثناء الصلاة نوع من الشرك؛ لأن الصلاة يجب أن تقام لذكر الله وحده.
- إنكاره للصلاة الإبراهيمية في التشهد أثناء الصلاة واعتبارها نوعا من الشرك.
- إنكاره لوجود اسم النبي في الأذان واعتباره أيضا شركا.
- قوله: إن النبي ليس أفضل الأنبياء؛ لنهي القرآن عن التفريق بين الأنبياء.
- الفتوحات الإسلامية عبارة عن استعمار من أجل المصالح المادية.
- تكذيب ما يخالف القرآن من كتب السيرة والحديث والتاريخ.
- يمكن الحج خلال الأشهر الحرم وليس شهر "ذو الحجة" فقط.
- يعتبر زواج المسلمة من اليهودي أو المسيحي حلال.
المنهج القرآني
منهج القرآنيين في تدبر القرآن منهج عقلي يعتمد على فهم القرآن بالقرآن، ويرفضون كلمة تفسير القرآن حيث يعتقدون أن التفسير يكون للشيء الغامض أو المعقد، بينما القرآن ميسر للفهم والتدبر كما هو مذكور في القرآن نفسه. كما يرفض القرآنيون روايات أسباب النزول أو التفسيرات المذكورة في كتب التراث، فهم يرون أن عامة المسلمين يقدسون تفسيرات التراث وروايات أسباب النزول، حتى وإن تعارضت مع القرآن، فيقدمون كلام البشر المشكوك بصحته وسنده على كلام الله المقطوع بصحته. وحول فهم القرآن بالقرآن فيعمل القرآنيون على فهم مصطلحات القرآن في المواضع المختلفة منه لفهم وتدبر ما تشابه منه.
الأفكار والمعتقدات
لا ناسخ ولا منسوخ في القرآن
في مخالفة للاعتقاد السائد، هم لا يعتقدون بنسخ الآيات المعروف عند بقية المسلمين وهو أن تلغي إحدى الآيات حكما مذكورا في آية أخرى، وفقا لما ذكر في القرآن: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، فمفهوم الآية المذكور هو المعجزة وفقا لفهم القرآنيين. وحجة منصور في هذا وهي مقبولة لدى الكثيرين من علماء اللغة ورجال الفقه القرآني- أن النسخ يعني التدوين والإثبات وليس الإلغاء.
الحديث ليس مصدرا للتشريع
القرآنيون لا يعترفون بوجود وحي ثان مع القرآن، وكلام النبي خارج القرآن ليس وحيا من الله، وبالتالي غير ملزم للمسلمين ولا يعترف القرآنيون من جهة أخرى بنسبة ما يسمى الأحاديث النبوية للرسول محمد ويقول القرآنيون في ذلك: إن المنهجية التي اتبعت في تصحيح الأحاديث النبوية كانت تفتقر للموضوعية ومخالفة للمنهج العلمي السليم؛ لذلك خرج العديد من الأحاديث في الصحاح التي يختلف فيها المسلمون حتى اليوم، إضافة لقولهم إن من اعتمد تصحيح هذه الأحاديث النبوية هم مجرد أفراد، وتصحيحهم قابل للصواب والخطأ، إضافة لاعتمادهم على نهي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن تدوين السنة بأحاديث هي الآن في الصحاح، وأن هذه السنة المروية أو الأحاديث لم تدون إلا في القرن الثالث الهجري، أي بعد ما يزيد عن المئتين والثمانين عاما على وفاة الرسول. مما يؤكد اعتقادهم بنهي الرسول على الكتابة عنه أولاً، ودخول العديد من الأحاديث الموضوعة والمختلقة على هذه السنة قبل وخلال تدوينها ثلاثة قرون. لهذا يستبعد القرآنيون السنة القولية، أو ما يسمى بالأحاديث النبوية من مصادر التشريع الإسلامي، فلا يجوز حسب قولهم بناء الشريعة على أسس مشكوك فيها.
وحول أصل الأحاديث النبوية يقول د. أحمد صبحي منصور أن الأمويين عملوا على ترسيخ حكمهم من خلال تلفيق أحاديث ترفع من شأن معاوية بن أبي سفيان جد الأمويين، والتقليل من شأن معارضيهم مثل علي بن أبي طالب وذريته، أو عبد الله بن الزبير وغيرهم؛ حيث كان يروي تلك الأحاديث القصاصون في الشوارع والمساجد، كما قام بمثل ذلك العباسيون في تمجيد ابن عباس والتعظيم من شأنه. وعمل ملوك الدولتين من خلال الكهنوت الديني التابع لسلطتهم بخلق أحاديث ونسبتها للنبي عليه الصلاة والسلام، تساعد على تثبيت حكمهم، وأحاديث أخرى تسمح لهم بالتخلص من معارضيهم مثل أحاديث قتل المرتد، كما كان لهذه الأحاديث الأثر في ظهور الجبرية في العصر الأموي التي اعتبرت كل شيء مقدرا على الإنسان ومن هذه المقادير وجود الحاكم في السلطة. ويرى د. منصور أن الهدف من وراء هذه الأحاديث إلهاء الناس بأمور فرعية عن المطالبة بحقوقهم وتقييد حرية الرأي. كما يعتقد القرآنيون أن بعض الأحاديث دستها بعض الجماعات الفارسية التي دفعتها نظرتهم الشعوبية ورغبتهم لإعادة السيطرة للقومية الفارسية.
في نفس الوقت يعمل القرآنيون بما يسمونه "السنة الفعلية" وهي الأفعال التي انتقلت بالتواتر، مثل كيفية الصلاة والحج والزكاة وغيرها من الأمور التي لم تذكر تفصيلا في القرآن، ولكن انتقلت من جيل إلى جيل، ويكاد يجمع كافة المسلمين على كيفية أدائها دون الحاجة إلى الروايات المذكورة في كتب الحديث.
يذكر أن القرآنيين يعتبرون أن سنة النبي عليه السلام التي ذكرت في القرآن هي عمل النبي محمد صلى الله عليه وسلم بما جاء في القرآن، والتزامه بمبادئ الإسلام المتمثلة في الوحي الإلهي المنزل عليه وهو القرآن لا أكثر. بناء على ذلك على المسلمين التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم من خلال العمل بما جاء في القرآن وذلك هو فهمهم للآية: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.[الأحزاب: 21].
الإسلام دين ودولة
الإسلام من وجهة نظر القرآنيين يدعو لدولة لا تفرق بين المواطنين على أساس عرقي أو ديني أو غيره، كما أنها دولة ديمقراطية يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه، كما أن الدولة الإسلامية في نظر القرآنيين تضمن حرية الرأي والتعبير وتراعي حقوق الإنسان والحريات الشخصية، ليست مسئولة عن إدخال المواطنين الجنة مثلما هو حال الأنظمة الإسلامية السائدة في السعودية وإيران، وأفغانستان تحت حكم طالبان السابق، فالقرآن لم يذكر أي عقوبات دنيوية ضد من يرتكب معاصي لا تضر الآخرين وتدخل في نطاق الحرية الشخصية، كما لا يذكر عقوبة ضد من يعبر عن رأيه أيا كان، أو من يغير عقيدته أو يبدل دينه، بل على العكس فقد دعا إلى حرية الاعتقاد وحرية التعبير واحترام الرأي المخالف، {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}، [الكهف: 29].
عصمة النبي وعدالة الصحابة
يؤمن القرآنيون بعدم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يوحى إليه، يجوز أن يخطئ وأن يصيب، باستثناء تبليغه للآيات القرآنية فهو معصوم من السهو والخطأ وفقا للنص القرآني.
وكذلك لا يؤمن القرآنيون بعدالة الصحابة، ويرون أنهم لا يكتسبون العصمة لمجرد رؤيتهم للرسول، وكان منهم المنافق والفاسق وضعيف الإيمان كما كان منهم المؤمنين والصالحين. ويخالف هذا المعتقد معتقد المسلمين السنة في كون كل شخص رأى الرسول وهو على دين الإسلام هو صحابي عدل حتى وإن كان طفلا.
انتقادات:
تعتقد بقية الفرق الإسلامية على اختلافها أن القرآنيين بهذا قد خالفوا القرآن نفسه، حيث جاء فيه أمر من الله للمسلمين، فقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]، وترى الفرق الإسلامية أنه أمر واضح من الله بطاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد تكرر قول الله في القرآن: {وَأَطِيْعُوا الله وَأَطِيْعُوا الرَّسُوْل}، مرات عديدة في القرآن، فقرن الله طاعته، بطاعة النبي. حيث ذكر القرآن هذا أكثر من مرة ومنها:
- {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، [النساء: 59].
- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، [آل عمران: 31].
- {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 71].
ويفسرون هذه الآيات على أن طاعة الرسول تتمثل في الالتزام بسنته الواردة في الأحاديث النبوية.
ويرد القرآنيون بأن هذه الآيات تشير إلى ما يبلغه الرسول ويأمر به مما يمكن استنباطه من الآيات القرآنية، وليس المقصود أن الرسول جاء بأحكام وتشريعات مختلفة عما جاء بها القرآن.
وخلاصة الانتقادات الموجهة لهم من بقية الفرق الإسلامية هي أن الله قد قرن في القرآن أوامر النبي بأوامره، كما في الحديث عن النبي محمد: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي". والحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن محمدا قال: "يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله"، وهذه الأحاديث من أكبر الأدلة على مصداقية السنة والتحذير من فكر الطائفة وفق اعتقاد أغلب المسلمين.
وممن رد على القرآنيين من المتقدمين: ابن حزم الأندلسي، حيث قال: "ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال". (الإحكام في أصول الأحكام 2/80)، وقال الإمام الشاطبي: "والرابع أن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء، فطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله". (الموافقات في أصول الشريعة- ج4 ص17).
وحديث الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري السابق، الذي قال في مقال له:
"إن السنة النبوية هي البيان النبوي للبلاغ القرآني، وهي التطبيق العملي للآيات القرآنية، التي أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام. فالتطبيقات النبوية للقرآن- التي هي السنة العملية والبيان القولي الشارح والمفسر والمفصّل- هي ضرورة قرآنية، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم. وتأسيًا بالرسول، وقيامًا بفريضة طاعته- التي نص عليها القرآن الكريم. والعلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهي- القرآن- وبين التطبيق النبوي لهذا البلاغ الإلهي- السنة النبوية- فهي أشبه ما تكون بالعلاقة بين الدستور وبين القانون. فالدستور هو مصدر ومرجع القانون. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور، ولا حجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون."
وقال المفكر النمساوي محمد أسد: "إن العمل بسنة رسول الله هو عمل على حفظ كيان الإسلام، وعلى تقدمه، وإن ترك السنّة هو انحلال الإسلام... لقد كانت السنّة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما أفيدهشك بعدئذ أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟"
الكلمات المفتاحية :
عقائد الفرق
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: