الاسلام والرق مدخل :ماملكت أيمانكم
الاسلام والرق مدخل :ماملكت أيمانكم
ليس صحيحا أن تشريعات التراث عن الرقيق وملك اليمين تدخل ضمن دين الإسلام ، لأنها في الحقيقة اجتهادات بشرية ، وفتاوى فقهية أفرزتها الأديان الأرضية
التى كانت تسوّغ واقع العصور الوسطى القائم على الظلم والاستغلال ، ثم تكسبه مشروعية زائفة بأن تصله بالدين عن طريق نسبته للنبي محمد عليه السلام في أحاديث كاذبة تخالف القرآن الكريم .. وذلك ماينطبق على موضوعنا ملك اليمين .. فهو في تراث العصر العباسي يتناقض
مع القرآن في اللغة والتشريع .
* ومثلا .. فإن العصر العباسي في لغته الثقافية والفقهية اختلف مع لغة القرآن في موضوع ملك اليمين، فمن مفردات العصر العباسي ، والتي لا تزال سارية إلى اليوم كلمة ( الجارية أو الجواري) ، ومعناها واضح ،ولكن للجواري مفهوما آخر في لغة القرآن ، ولغة العرب .
فالجارية اسم لما يجري ، وقد يكون ما يجري ماء أو عين ماء جارية ، (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ) (الغاشية 12) ، وقد تكون الجارية سفينة تجري على الماء كسفينة نوح عليه السلام (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) ( الحاقة 11) أو أى سفينة أخرى (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ) ( الرحمن 24)، ولكن ليس في القرآن مطلقا استعمال كلمة الجارية للمرأة الرقيق .
بل إن ما وصل إلينا من روايات عن العصر الأموي يفيد أن كلمة جارية كانت تطلق أحيانا على البنت الصغيرة التي تجري وتلعب ، ومن طرائف ما يحكى أن معاوية أراد أن يسخر من الصحابي ( جارية بن قدامة ) ـ وكان خصما سابقا لمعاوية ومن أنصار (على بن أبى طالب) فى موقعة صفين ـ فقال له : ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية ، فقال له جارية : وما كان أهونك على أهلك حين سموك معاوية ..!! ومعاوية اسم للجرو أو الكلب الصغير الذي يعوي.
ثم جاء العصر العباسي فتوطدت به أديان المسلمين الأرضية ، وتم تدوين تلك الأديان الأرضية وربطها بالإسلام ، واستجابت مفردات اللغة لذلك التغيير والتأثير ، فأصبحت الجارية تطلق على المرأة المملوكة التي تجري هنا وهناك في خدمة أسيادها .
ونحن نستعمل كلمة (الفتاة) عن العذراء الحرة ، ولكن القرآن يقول (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ) ( النساء 25) ، أي فكلمة فتياتكم تفيد المرأة المملوكة، وليس الفتاة العذراء بمفهوم عصرنا. .
وإذا كان ذلك اختلافا في الألفاظ والمدلولات فالاختلاف في الأحكام التشريعية أشد وأكبر .. ومن يريد التعرف على الحقائق فعليه أن يقرأ القرآن الكريم قراءة موضوعية وفق مفاهيمه ومصطلحاته ، وبهذا يكون إنصاف الإسلام وتبرئته من ديانات المسلمين الأرضية فى العصور الوسطى .ومن يريد الإساءة إلى الاسلام فما أسهل عليه أن يقرأ و يصدق كتب التراث والحديث و السنة التى قننت ثقافة العصور الوسطى و أقامت بها أديانا أرضية تتستر خلف الاسلام العظيم. ينطبق ذلك على موضوع الرق كما ينطبق على غيره .
ونعطى لمحة سريعة عن موضوع الرق فى الاسلام .
(2 )
ليس صحيحا – أيضا – أن القرآن اكتفى بالدعوة إلى عتق الرقيق دون أن يحل الموضوع جذريا في داخل المجتمع .
صحيح أن القرآن جعل تحرير الرقيق ضمن بنود الكفارات عن الذنوب ، مثل كفارة قتل المؤمن خطأ ( النساء 92) ، وكفارة اليمين ( المائدة 89) ، وكفارة الظهار ( المجادلة 3)، وصحيح أيضا أنه جعل تحرير الرقيق ضمن الصدقات التي يتقرب بها المؤمن لربه ، ورددت ذلك سور القرآن ( مثل البقرة 177، التوبة 60، النور 33، البلد 12، 13).
ولكن القرآن لم يكتف بهذه التشريعات الفوقية ، وإنما عالج أيضا الموضوع من جذوره الاجتماعية .
* إن الاسترقاق اثر للاستغلال والظلم ، إذن يبدأ العلاج بالقضاء على الظلم ، وإقامة القسط .. وإقامة القسط مقصد تشريعي عام لكل الرسالات السماوية( سورة الحديد25)، وإذا تم تطبيق التشريعات بدقة فلا مجال للاستغلال أو الفقر ، وبتالي فلا مجال للاسترقاق .
وتشريعات القرآن عموما تحارب الاستغلال ، وتمنع تكوين طبقة مترفة تحتكر الثروة والسلطة وتؤدي لانفجار المجتمع من الداخل ، وآيات القرآن كثيرة في التحذير من وجود المترفين ، وفي الهجوم عليهم ( الإسراء 16، والأنبياء 13، سبأ 34 ، الزخرف 23).
وتشريعات القرآن تقطع الطريق أمام نمو طبقة الأغنياء لتصبح طبقة مترفة متخمة ، فالأغنياء لا نصيب لهم في الفيء أو ما يفيء إلى بيت المال حتى لا يكون المال ( دولة بين الأغنياء منكم) (الحشر 7)، أي لا يكون حكرا عليهم ، وفي نفس الوقت ترفع مستوى الفقراء بالزكاة والصدقات والفيء والغنائم..
* وحتى إذا تم استيراد رقيق من الخارج ، ولم يسعفه الحظ بأن يكون حرا بتشريعات الكفارات والصدقات فإن تشريعات الإحسان ترعاه وتحفظ كرامته .
فالمؤمن مأمور بالإحسان للوالدين والأقربين والجيران ، وما ملكت يمينه .. ( النساء 36)، والمؤمن مأمور بأن يعامل الرقيق نفس معاملته لأهل بيته وأولاده في تشريع الاستئذان ورؤية زينة الزوجة (النور 85، 31) ، وذلك يعني أن القرآن يفرض أن يكون ملك اليمين متمتعا بكل حقوقه الإنسانية مثل أهل البيت ، يجري عليه ما يجري عليهم من النفقة والإحسان والآداب الاجتماعية .
* وهناك أكثر من ذلك .. فمع أنه ملك يمين ، ومع أنه اكبر دليل على التفاوت في الرزق بين من يملك البشر ، ومن لا يملك حتى حريته إلا أن القرآن حين يعترف بالتفاوت في الرزق إلا أنه يحرص على حق ذلك المملوك في مال مالكه ، يقول تعالى :
( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون )(النحل 71) ، أي أنه مع وجود التفاضل في الرزق فإنه ينبغي على من يملك الرقيق أن يعطيه من الرزق الذي أنعم الله به عليه حتي يكون معه سواء في الرزق والنفقة ، وإلا فهو جاحد لنعمة ربه عليه أي المساواة بين المالك والمملوك في النفقة والرزق ..!!
* وقد يقال أن هذه التشريعات القرآنية لم تطبق ، ولم ينزل في القرآن إلزام للحاكم بتطبيقها .. ونقول أن القرآن أوكل التطبيق لنا ، وعلق المسئولية في رقابنا ، واكتفي بالتحذير إن نحن لم نطبق أوامره ، فالقرآن تحدث عن التهلكة التي تلحق بالمجتمع إذا أضاع العدالة والإحسان (البقرة 95) ، وأكد على مشروعية الثورة حين يضيع القسط ( الحديد 25) ، وحذر من وجود الطبقة المترفة التي تتسبب في تدمير المجتمع ( الإسراء 16).
وحقائق التاريخ تؤكد نظرة القرآن،فالثورات قام بها الخوارج والقرامطة والموالي والأعراب والزنج في العصر العباسي حين ضاع العدل . وحين انتشر الرق فإن الرقيق من النساء والغلمان انتقموا من الخلفاء العباسيين ، وتحكموا فيهم وفي الدولة .وحين طغى الاسترقاق تمكن العبيد المماليك من الحكم عيانا جهارا في العصر (المملوكي) ، وكانت الرعية من الشعوب ( الحرة ) .. وتلك قمة المهزلة والمأساة .. أو العظة والعبرة .
* وتشريعات القرآن قامت بتخفيف منابع الاسترقاق .. وأغلبها كان يأتي من الأسرى والسبايا في الحروب، وذلك ماكان سائدا في العصور الوسطي ، واستمر إلى عهد هتلر في الحرب العالمية الثانية حيث كان الأسرى يعملون رقيقا في المصانع الحربية الألمانية.
إلا أن القرآن يرفض استرقاق السير أو قتله يقول تعالى عن الأسرى في الحرب ( فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ) ( محمد 4) فالأسير بين أمرين ، إما المن عليه وإطلاق سراحه وإما افتداؤه بالمال أو بالمبادلة ، وبعد إطلاق سراحه فإن تشريعات القرآن تلاحقه بالرعاية والله تعالى يقول : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) ( الإنسان 8).
وعندما انتصر المسلمون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم على يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد فإن القرآن يقول عنهم :( فريقا تقتلون وتأسرون فريقا. وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ) (الأحزاب 27)، أي كان هناك قتلى في المعركة ، وأسرى بعدها ، ولكن لم يذكر القرآن السبايا والعبيد ضمن ما ورثه المسلمون ، ومع أنه ذكر تفصيلات ما ورثه المسلمون منهم من الديار والأرض والأموال إلا إنه لم يقل أبناءهم وبناتهم .
* وكان يحدث أن تغادر النساء بعد الهزيمة ، ويحدث أن يتزوجهن بعض المسلمين ، ولكن روايات العصر العباسي استجابت لمنطق العصور الوسطى ، وحولت الزواج إلى سبي ، وبعض الروايات أنصفت ، وذكرت الحقيقة وأكدت أن النبي صلى الله عليه وسم تزوج جويرية بنت الحارث بعد هزيمة قومها في غزوة بنى المصطلق ، وأنه صلى الله عليه وسلم تزوج صفية بعد هزيمة قومها في خيبر .. أي كان زواجا ، وليس سبيا .
* وبمنع السبي والاسترقاق لم يبق من منابع الاسترقاق إلا الشراء والهبة التي ترد من الخارج ، ولذلك فقد قبل النبي صلي الله عليه وسلم هدية المقوقس إليه ، وهي مارية القبطية المصرية وتزوجها فأصبحت ضمن أمهات المؤمنين .وأحل القرآن الزواج من المرأة المتزوجة في حالة واحدة ، وإذا وقعت في الرق والضياع ، وذلك يسقط زواجها ، ويصبح من الملائم لحمايتها طالما جيء بها إلى بلاد المسلمين أن تتزوج وتكون في عصمة من يحميها ويرعاها.وهو نفس الحال فى موضوع الهجرة مع الحرائر من النساء ، حين تهاجر الزوجة فرارا بدينها وتفارق زوجها المشرك ،أو يحدث العكس فيهاجر الزوج المؤمن فرارا بدينه وترفض زوجته الهجرة ، ويشب عداء بين معسكر الزوج و معسكر الزوجة ، ويتأكد الانفصال بين الزوجين عندها ينتهى الزواج ويكون من حق الزوجة هنا وهناك أن تتزوج من المعسكر الذى تنتمى اليه ، ونفس الحال مع الزوج هنا وهناك على أن يدفع من يتزوج المهر للزوج السابق ( الممتحنة 10 : 11 ).
(3 )
* إن المنبع الوحيد الذي أبقاه القرآن من منابع الاسترقاق هو الشراء والهبة من الخارج لأنه يحرم الاسترقاق في بلاد المسلمين ، وحين يدخل الرقيق تحت الشريعة الحقيقية للاسلام حيث تتاح له فرص التحرر أو الرعاية والإحسان بمثل ما سبق . وإذا كانت تشريعات القرآن أساسها العدل والقسط فليس من القسط فتح أبواب الدولة المسلمة لعصابات خطف الرقيق وتجارتهم الآثمة ، ولكن من يستطيع منع الفقير الجائع في شرق آسيا من بيع أولاده أملا في إنقاذهم ، وفي وضع أفضل لهم ؟ ومن يقف أمام الفلاح المصري المعدم الذي يبيع ابنته القاصرة مقابل بعض المال والحلي ، وأملا في عقد عمل ؟!! إن القسط إذا عم بلدا فلا يعني أن البلاد الأخرى تتمتع بالقسط .
* القرآن يفضل تزويج العبد المؤمن من الحرة المؤمنة على أن يتزوجها كافر حر . ويفضل تزويج المملوكة المؤمنة من الحر المؤمن على أن يتزوج من حرة كافرة ، أي الإيمان يعلو بالعبد والمملوكة في تشريع الزواج على الحر والحرة الكافرين ، يقول تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتي يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار ) ( البقرة 221).
والمشرك المقصود هنا هو المشرك المحارب العادي . وذك حسب الظاهر وليس حسب الاعتقاد القلبي ، فالمشرك هنا خارج مجتمع المسلمين والمسالمين .
* والقرآن يفضل العبد الصالح والمملوكة الصالحة على غيرهما في موضوع الزواج ، ويعد طالب الزواج بالغنى إذا هو اختارهما على غيرهما ، يقول تعالى ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) : ( النور 32) وذلك في داخل المجتمع .. ومعناه المساواة التامة في الزواج ، فالحرة يمكن أن تتزوج عبدا ، كما يمكن للحر أن يتزوج مملوكة . والأفضلية حسب الصلاح وليس على أساس الحسب والنسب .
* وقد نفتقد تلك المساواة أحيانا ولكن ذلك يكون في مصلحة المملوكة . فقد تكون تحت سيطرة سيدها ويرغمها على احتراف الرذيلة ، وحينئذ لا عقوبة عليها بل يغفر لها الله طالما كانت مجبرة وكارهة لذلك الإثم ، يقول تعالى يحذر من ذلك ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) : (النور33).
* وهذه النوعية من الجواري تكون قد تعودت على الفاحشة ، والقرآن يبيح الزواج منهن للمضطر العاجز عن دفع مهر الحرائر ذوات الحسب والنسب ، فإذا حدث ووقعت في الزنا بعد الزواج فعقوبتها نصف ما على المتزوجات الحرائر من الجلد (النساء 25) وعقوبة الزنا هي الجلد مائة جلدة للمحصن والمحصنة وغيرهما ،إذ أن الرجم ليس من تشريعات الله ، وإنما هو من مستحدثات العصر العباسي . إذن فعدم المساواة هنا في صالح الجارية ومراعاة لظروفها. وفي مقابل ذلك تنفرد الزوجة الحرة بأن يراعي زوجها العدل بين الزوجات الحرائر ، وإلا فليكتف بواحدة ، أما الإماء فليس مطالبا بالعدل ببينهن ( النساء 3)
(4 )
وندخل بذلك على طبيعة عقد الزواج للمملوكة ، أو بتعبير القرآن " النكاح " لأن العصر العباسي حول مفهوم النكاح إلى الزواج والمعاشرة الجنسية .
• فالمملوكة قد تكون محظية لمالكها ، أو لا تكون ، ويريد آخر أن يتزوجها.
فإذا كان صاحبها قد اشتراها ويريدها لنفسه، فعليه أن يعلن عقد نكاحه عليها ، وعليه أن يدفع لها المهر ، فدفع الصداق فرض فى الزواج مصداقا لقوله جل وعلا (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً )( النساء 24 ) وبذلك تصير زوجة له.
وإذا لم يردها صاحبها لنفسه وأراد آخر الزواج منها فعليه أن يقدم للجارية نفسها مهرها ، وذلك بعد إذن ولي أمرها ، وهو سيدها ، يقول تعالى في زواج الإماء من غير مالكهن (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)( النساء 25). ويلاحظ أن القرآن يسمي مالك الجارية " أهلهن " أي جعله أهلا لها .. ويسمى المهر أجرا ، وهو نفس مدلول القرآن عن مهر الحرة . لأن الله تعالى يقول عن مهر الحرة (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (النساء 24) . والقرآن يجعل مهر الزوجة الحرة والمملوكة فرضا على الزوج المؤمن ، يقول عن المؤمنين جميعا (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (الأحزاب 50).
* إذن فالجارية كالحرة في عقد الزواج ، غاية ما هنالك أن الحرة قد يزيد مهرها حسب مكانتها ، وذلك وارد . والجارية ليست مباحة لأي رجل ، إن أرادها صاحبها فبعقد زواج ومهر، وإن رغب عنها فللأخر أن يعقد زواجه عليها بعد أن يعطيها صداقها لها هي ، وليس لمالكها ، وذلك بعد إذنه ، وهي كالحرة في عصمة زوجها ورعايته ، وله على زوجته الحرة أو المملوكة القوامة ولهن عليه أن يعاشرهن بالمعروف، وهنا تتمتع الجارية بحقوقها كالحرة تماما بعيدا عن الضياع في الأسواق والشوارع .
مع ملاحظة التأكيد على أنه لا استرقاق في مجتمع المسلمين ، أي أن تلك الجارية التي تتزوج وتتمتع بكل حقوقها تكون وافدة إلى بلاد المسلمين رقيقة من بلادها فتجد الرعاية والكفالة ..
وليس صحيحا أن الرق قد انتهى ولم يعد له وجود في عصرنا ، فالاسترقاق أكبر من أن تلغيه قرارات سياسية أو عالمية ، لأنه مرتبط أساسا باستغلال الإنسان للإنسان وبوجود الفقر، والفقر والاستغلال مرتبطان ، ينتج أحدهما عن الآخر ، وفي وجود الاستغلال يزداد الفقير فقرا وقد يضطر لبيع فلذات أكباده حرصا عليهم وحتى لا يموتوا أمامه من الجوع وهو عاجز عن إطعامهم
واقول في النهاية :
ليس صحيحا أن تشريعات التراث عن الرقيق وملك اليمين تدخل ضمن دين الإسلام ، لأنها في الحقيقة اجتهادات بشرية ، وفتاوى فقهية أفرزتها الأديان الأرضية
التى كانت تسوّغ واقع العصور الوسطى القائم على الظلم والاستغلال ، ثم تكسبه مشروعية زائفة بأن تصله بالدين عن طريق نسبته للنبي محمد عليه السلام في أحاديث كاذبة تخالف القرآن الكريم .. وذلك ماينطبق على موضوعنا ملك اليمين .. فهو في تراث العصر العباسي يتناقض
مع القرآن في اللغة والتشريع .
* ومثلا .. فإن العصر العباسي في لغته الثقافية والفقهية اختلف مع لغة القرآن في موضوع ملك اليمين، فمن مفردات العصر العباسي ، والتي لا تزال سارية إلى اليوم كلمة ( الجارية أو الجواري) ، ومعناها واضح ،ولكن للجواري مفهوما آخر في لغة القرآن ، ولغة العرب .
فالجارية اسم لما يجري ، وقد يكون ما يجري ماء أو عين ماء جارية ، (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ) (الغاشية 12) ، وقد تكون الجارية سفينة تجري على الماء كسفينة نوح عليه السلام (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) ( الحاقة 11) أو أى سفينة أخرى (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ) ( الرحمن 24)، ولكن ليس في القرآن مطلقا استعمال كلمة الجارية للمرأة الرقيق .
بل إن ما وصل إلينا من روايات عن العصر الأموي يفيد أن كلمة جارية كانت تطلق أحيانا على البنت الصغيرة التي تجري وتلعب ، ومن طرائف ما يحكى أن معاوية أراد أن يسخر من الصحابي ( جارية بن قدامة ) ـ وكان خصما سابقا لمعاوية ومن أنصار (على بن أبى طالب) فى موقعة صفين ـ فقال له : ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية ، فقال له جارية : وما كان أهونك على أهلك حين سموك معاوية ..!! ومعاوية اسم للجرو أو الكلب الصغير الذي يعوي.
ثم جاء العصر العباسي فتوطدت به أديان المسلمين الأرضية ، وتم تدوين تلك الأديان الأرضية وربطها بالإسلام ، واستجابت مفردات اللغة لذلك التغيير والتأثير ، فأصبحت الجارية تطلق على المرأة المملوكة التي تجري هنا وهناك في خدمة أسيادها .
ونحن نستعمل كلمة (الفتاة) عن العذراء الحرة ، ولكن القرآن يقول (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ) ( النساء 25) ، أي فكلمة فتياتكم تفيد المرأة المملوكة، وليس الفتاة العذراء بمفهوم عصرنا. .
وإذا كان ذلك اختلافا في الألفاظ والمدلولات فالاختلاف في الأحكام التشريعية أشد وأكبر .. ومن يريد التعرف على الحقائق فعليه أن يقرأ القرآن الكريم قراءة موضوعية وفق مفاهيمه ومصطلحاته ، وبهذا يكون إنصاف الإسلام وتبرئته من ديانات المسلمين الأرضية فى العصور الوسطى .ومن يريد الإساءة إلى الاسلام فما أسهل عليه أن يقرأ و يصدق كتب التراث والحديث و السنة التى قننت ثقافة العصور الوسطى و أقامت بها أديانا أرضية تتستر خلف الاسلام العظيم. ينطبق ذلك على موضوع الرق كما ينطبق على غيره .
ونعطى لمحة سريعة عن موضوع الرق فى الاسلام .
(2 )
ليس صحيحا – أيضا – أن القرآن اكتفى بالدعوة إلى عتق الرقيق دون أن يحل الموضوع جذريا في داخل المجتمع .
صحيح أن القرآن جعل تحرير الرقيق ضمن بنود الكفارات عن الذنوب ، مثل كفارة قتل المؤمن خطأ ( النساء 92) ، وكفارة اليمين ( المائدة 89) ، وكفارة الظهار ( المجادلة 3)، وصحيح أيضا أنه جعل تحرير الرقيق ضمن الصدقات التي يتقرب بها المؤمن لربه ، ورددت ذلك سور القرآن ( مثل البقرة 177، التوبة 60، النور 33، البلد 12، 13).
ولكن القرآن لم يكتف بهذه التشريعات الفوقية ، وإنما عالج أيضا الموضوع من جذوره الاجتماعية .
* إن الاسترقاق اثر للاستغلال والظلم ، إذن يبدأ العلاج بالقضاء على الظلم ، وإقامة القسط .. وإقامة القسط مقصد تشريعي عام لكل الرسالات السماوية( سورة الحديد25)، وإذا تم تطبيق التشريعات بدقة فلا مجال للاستغلال أو الفقر ، وبتالي فلا مجال للاسترقاق .
وتشريعات القرآن عموما تحارب الاستغلال ، وتمنع تكوين طبقة مترفة تحتكر الثروة والسلطة وتؤدي لانفجار المجتمع من الداخل ، وآيات القرآن كثيرة في التحذير من وجود المترفين ، وفي الهجوم عليهم ( الإسراء 16، والأنبياء 13، سبأ 34 ، الزخرف 23).
وتشريعات القرآن تقطع الطريق أمام نمو طبقة الأغنياء لتصبح طبقة مترفة متخمة ، فالأغنياء لا نصيب لهم في الفيء أو ما يفيء إلى بيت المال حتى لا يكون المال ( دولة بين الأغنياء منكم) (الحشر 7)، أي لا يكون حكرا عليهم ، وفي نفس الوقت ترفع مستوى الفقراء بالزكاة والصدقات والفيء والغنائم..
* وحتى إذا تم استيراد رقيق من الخارج ، ولم يسعفه الحظ بأن يكون حرا بتشريعات الكفارات والصدقات فإن تشريعات الإحسان ترعاه وتحفظ كرامته .
فالمؤمن مأمور بالإحسان للوالدين والأقربين والجيران ، وما ملكت يمينه .. ( النساء 36)، والمؤمن مأمور بأن يعامل الرقيق نفس معاملته لأهل بيته وأولاده في تشريع الاستئذان ورؤية زينة الزوجة (النور 85، 31) ، وذلك يعني أن القرآن يفرض أن يكون ملك اليمين متمتعا بكل حقوقه الإنسانية مثل أهل البيت ، يجري عليه ما يجري عليهم من النفقة والإحسان والآداب الاجتماعية .
* وهناك أكثر من ذلك .. فمع أنه ملك يمين ، ومع أنه اكبر دليل على التفاوت في الرزق بين من يملك البشر ، ومن لا يملك حتى حريته إلا أن القرآن حين يعترف بالتفاوت في الرزق إلا أنه يحرص على حق ذلك المملوك في مال مالكه ، يقول تعالى :
( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون )(النحل 71) ، أي أنه مع وجود التفاضل في الرزق فإنه ينبغي على من يملك الرقيق أن يعطيه من الرزق الذي أنعم الله به عليه حتي يكون معه سواء في الرزق والنفقة ، وإلا فهو جاحد لنعمة ربه عليه أي المساواة بين المالك والمملوك في النفقة والرزق ..!!
* وقد يقال أن هذه التشريعات القرآنية لم تطبق ، ولم ينزل في القرآن إلزام للحاكم بتطبيقها .. ونقول أن القرآن أوكل التطبيق لنا ، وعلق المسئولية في رقابنا ، واكتفي بالتحذير إن نحن لم نطبق أوامره ، فالقرآن تحدث عن التهلكة التي تلحق بالمجتمع إذا أضاع العدالة والإحسان (البقرة 95) ، وأكد على مشروعية الثورة حين يضيع القسط ( الحديد 25) ، وحذر من وجود الطبقة المترفة التي تتسبب في تدمير المجتمع ( الإسراء 16).
وحقائق التاريخ تؤكد نظرة القرآن،فالثورات قام بها الخوارج والقرامطة والموالي والأعراب والزنج في العصر العباسي حين ضاع العدل . وحين انتشر الرق فإن الرقيق من النساء والغلمان انتقموا من الخلفاء العباسيين ، وتحكموا فيهم وفي الدولة .وحين طغى الاسترقاق تمكن العبيد المماليك من الحكم عيانا جهارا في العصر (المملوكي) ، وكانت الرعية من الشعوب ( الحرة ) .. وتلك قمة المهزلة والمأساة .. أو العظة والعبرة .
* وتشريعات القرآن قامت بتخفيف منابع الاسترقاق .. وأغلبها كان يأتي من الأسرى والسبايا في الحروب، وذلك ماكان سائدا في العصور الوسطي ، واستمر إلى عهد هتلر في الحرب العالمية الثانية حيث كان الأسرى يعملون رقيقا في المصانع الحربية الألمانية.
إلا أن القرآن يرفض استرقاق السير أو قتله يقول تعالى عن الأسرى في الحرب ( فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ) ( محمد 4) فالأسير بين أمرين ، إما المن عليه وإطلاق سراحه وإما افتداؤه بالمال أو بالمبادلة ، وبعد إطلاق سراحه فإن تشريعات القرآن تلاحقه بالرعاية والله تعالى يقول : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) ( الإنسان 8).
وعندما انتصر المسلمون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم على يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد فإن القرآن يقول عنهم :( فريقا تقتلون وتأسرون فريقا. وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ) (الأحزاب 27)، أي كان هناك قتلى في المعركة ، وأسرى بعدها ، ولكن لم يذكر القرآن السبايا والعبيد ضمن ما ورثه المسلمون ، ومع أنه ذكر تفصيلات ما ورثه المسلمون منهم من الديار والأرض والأموال إلا إنه لم يقل أبناءهم وبناتهم .
* وكان يحدث أن تغادر النساء بعد الهزيمة ، ويحدث أن يتزوجهن بعض المسلمين ، ولكن روايات العصر العباسي استجابت لمنطق العصور الوسطى ، وحولت الزواج إلى سبي ، وبعض الروايات أنصفت ، وذكرت الحقيقة وأكدت أن النبي صلى الله عليه وسم تزوج جويرية بنت الحارث بعد هزيمة قومها في غزوة بنى المصطلق ، وأنه صلى الله عليه وسلم تزوج صفية بعد هزيمة قومها في خيبر .. أي كان زواجا ، وليس سبيا .
* وبمنع السبي والاسترقاق لم يبق من منابع الاسترقاق إلا الشراء والهبة التي ترد من الخارج ، ولذلك فقد قبل النبي صلي الله عليه وسلم هدية المقوقس إليه ، وهي مارية القبطية المصرية وتزوجها فأصبحت ضمن أمهات المؤمنين .وأحل القرآن الزواج من المرأة المتزوجة في حالة واحدة ، وإذا وقعت في الرق والضياع ، وذلك يسقط زواجها ، ويصبح من الملائم لحمايتها طالما جيء بها إلى بلاد المسلمين أن تتزوج وتكون في عصمة من يحميها ويرعاها.وهو نفس الحال فى موضوع الهجرة مع الحرائر من النساء ، حين تهاجر الزوجة فرارا بدينها وتفارق زوجها المشرك ،أو يحدث العكس فيهاجر الزوج المؤمن فرارا بدينه وترفض زوجته الهجرة ، ويشب عداء بين معسكر الزوج و معسكر الزوجة ، ويتأكد الانفصال بين الزوجين عندها ينتهى الزواج ويكون من حق الزوجة هنا وهناك أن تتزوج من المعسكر الذى تنتمى اليه ، ونفس الحال مع الزوج هنا وهناك على أن يدفع من يتزوج المهر للزوج السابق ( الممتحنة 10 : 11 ).
(3 )
* إن المنبع الوحيد الذي أبقاه القرآن من منابع الاسترقاق هو الشراء والهبة من الخارج لأنه يحرم الاسترقاق في بلاد المسلمين ، وحين يدخل الرقيق تحت الشريعة الحقيقية للاسلام حيث تتاح له فرص التحرر أو الرعاية والإحسان بمثل ما سبق . وإذا كانت تشريعات القرآن أساسها العدل والقسط فليس من القسط فتح أبواب الدولة المسلمة لعصابات خطف الرقيق وتجارتهم الآثمة ، ولكن من يستطيع منع الفقير الجائع في شرق آسيا من بيع أولاده أملا في إنقاذهم ، وفي وضع أفضل لهم ؟ ومن يقف أمام الفلاح المصري المعدم الذي يبيع ابنته القاصرة مقابل بعض المال والحلي ، وأملا في عقد عمل ؟!! إن القسط إذا عم بلدا فلا يعني أن البلاد الأخرى تتمتع بالقسط .
* القرآن يفضل تزويج العبد المؤمن من الحرة المؤمنة على أن يتزوجها كافر حر . ويفضل تزويج المملوكة المؤمنة من الحر المؤمن على أن يتزوج من حرة كافرة ، أي الإيمان يعلو بالعبد والمملوكة في تشريع الزواج على الحر والحرة الكافرين ، يقول تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتي يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار ) ( البقرة 221).
والمشرك المقصود هنا هو المشرك المحارب العادي . وذك حسب الظاهر وليس حسب الاعتقاد القلبي ، فالمشرك هنا خارج مجتمع المسلمين والمسالمين .
* والقرآن يفضل العبد الصالح والمملوكة الصالحة على غيرهما في موضوع الزواج ، ويعد طالب الزواج بالغنى إذا هو اختارهما على غيرهما ، يقول تعالى ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) : ( النور 32) وذلك في داخل المجتمع .. ومعناه المساواة التامة في الزواج ، فالحرة يمكن أن تتزوج عبدا ، كما يمكن للحر أن يتزوج مملوكة . والأفضلية حسب الصلاح وليس على أساس الحسب والنسب .
* وقد نفتقد تلك المساواة أحيانا ولكن ذلك يكون في مصلحة المملوكة . فقد تكون تحت سيطرة سيدها ويرغمها على احتراف الرذيلة ، وحينئذ لا عقوبة عليها بل يغفر لها الله طالما كانت مجبرة وكارهة لذلك الإثم ، يقول تعالى يحذر من ذلك ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) : (النور33).
* وهذه النوعية من الجواري تكون قد تعودت على الفاحشة ، والقرآن يبيح الزواج منهن للمضطر العاجز عن دفع مهر الحرائر ذوات الحسب والنسب ، فإذا حدث ووقعت في الزنا بعد الزواج فعقوبتها نصف ما على المتزوجات الحرائر من الجلد (النساء 25) وعقوبة الزنا هي الجلد مائة جلدة للمحصن والمحصنة وغيرهما ،إذ أن الرجم ليس من تشريعات الله ، وإنما هو من مستحدثات العصر العباسي . إذن فعدم المساواة هنا في صالح الجارية ومراعاة لظروفها. وفي مقابل ذلك تنفرد الزوجة الحرة بأن يراعي زوجها العدل بين الزوجات الحرائر ، وإلا فليكتف بواحدة ، أما الإماء فليس مطالبا بالعدل ببينهن ( النساء 3)
(4 )
وندخل بذلك على طبيعة عقد الزواج للمملوكة ، أو بتعبير القرآن " النكاح " لأن العصر العباسي حول مفهوم النكاح إلى الزواج والمعاشرة الجنسية .
• فالمملوكة قد تكون محظية لمالكها ، أو لا تكون ، ويريد آخر أن يتزوجها.
فإذا كان صاحبها قد اشتراها ويريدها لنفسه، فعليه أن يعلن عقد نكاحه عليها ، وعليه أن يدفع لها المهر ، فدفع الصداق فرض فى الزواج مصداقا لقوله جل وعلا (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً )( النساء 24 ) وبذلك تصير زوجة له.
وإذا لم يردها صاحبها لنفسه وأراد آخر الزواج منها فعليه أن يقدم للجارية نفسها مهرها ، وذلك بعد إذن ولي أمرها ، وهو سيدها ، يقول تعالى في زواج الإماء من غير مالكهن (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)( النساء 25). ويلاحظ أن القرآن يسمي مالك الجارية " أهلهن " أي جعله أهلا لها .. ويسمى المهر أجرا ، وهو نفس مدلول القرآن عن مهر الحرة . لأن الله تعالى يقول عن مهر الحرة (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (النساء 24) . والقرآن يجعل مهر الزوجة الحرة والمملوكة فرضا على الزوج المؤمن ، يقول عن المؤمنين جميعا (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (الأحزاب 50).
* إذن فالجارية كالحرة في عقد الزواج ، غاية ما هنالك أن الحرة قد يزيد مهرها حسب مكانتها ، وذلك وارد . والجارية ليست مباحة لأي رجل ، إن أرادها صاحبها فبعقد زواج ومهر، وإن رغب عنها فللأخر أن يعقد زواجه عليها بعد أن يعطيها صداقها لها هي ، وليس لمالكها ، وذلك بعد إذنه ، وهي كالحرة في عصمة زوجها ورعايته ، وله على زوجته الحرة أو المملوكة القوامة ولهن عليه أن يعاشرهن بالمعروف، وهنا تتمتع الجارية بحقوقها كالحرة تماما بعيدا عن الضياع في الأسواق والشوارع .
مع ملاحظة التأكيد على أنه لا استرقاق في مجتمع المسلمين ، أي أن تلك الجارية التي تتزوج وتتمتع بكل حقوقها تكون وافدة إلى بلاد المسلمين رقيقة من بلادها فتجد الرعاية والكفالة ..
وليس صحيحا أن الرق قد انتهى ولم يعد له وجود في عصرنا ، فالاسترقاق أكبر من أن تلغيه قرارات سياسية أو عالمية ، لأنه مرتبط أساسا باستغلال الإنسان للإنسان وبوجود الفقر، والفقر والاستغلال مرتبطان ، ينتج أحدهما عن الآخر ، وفي وجود الاستغلال يزداد الفقير فقرا وقد يضطر لبيع فلذات أكباده حرصا عليهم وحتى لا يموتوا أمامه من الجوع وهو عاجز عن إطعامهم
واقول في النهاية :
هل ملك اليمين كان لفترة او دائم لنهاية الزمان ؟؟؟
يقول صلى الله عليه وسلم في البخاري :
أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وأيما مملوك أدى حق مواليه وحق ربه فله أجران قال الشعبي خذها بغير شيء قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة وقال أبو بكر عن أبي حصين عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها ثم أصدقها.
فلو كان امر ملك اليمين مشرع من الله وليس من العرف السائد فهو شرعي فلماذا العتق والزواج ؟؟؟؟
تحميل الموضوع ملف وورد :
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
حدائق القرأن
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
جزاكم الله خيرا بهذا الموضوع واثابكم الله عليه
ردحذف