الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا
الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا – سورة الفرقان
في أيام الصيف الحارة، نبحث عن شيء يقينا حر الشمس، فنتظلل تحت شجرة أو داخل البيت أو ما شابه. فالظِّلُّ في لسان العرب هو الفَيْءُ الحاصل من الحاجز بينك وبين الشمس أَيَّ شيء كان. فالفيء ليسبالظلمة، لأنه يصلنا النور (الضوء الغير مباشر) النانج عن تشتت وانعكاس الضوء مما حولنا. ولهذا لا يوجد لك “خيال” عندما تسير في فترة الظلّ.
وتفسير الظلّ في الآية الكريمة هو” { ألَـمْ تَرَ } يا مـحمد { كَيْفَ مَدَّ } ربك { الظِّلَّ } ، وهو ما بـين طلوع الفجر إلـى طلوع الشمس.”فالآية تخبرنا بأن الظل لم يكن من المفترض أن يتواجد في الفترة ما بين الفجر إلـى طلوع الشمس، ولكن الله مّده بحيث نعيش هذه المعجزة كل صباح … وكل مساء أيضاً.
{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً} * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * {لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً }
عندما كنت اتسائل في الماضي عن سبب رؤية النور (الفجر) قبل شروق الشمس، لم أحصل على جواب مقنع! ما تبين لي لاحقاً أن السبب الحقيقي هو أن طبقات الجو العليا تقوم الى حد ما بعمل المرآة فتعكس الضوء القادم من خلال الغلاف الجوي الى الاسفل تماما كما تفعله المرآة، هذا بالاضافة الى ظاهرة علمية تعرف بـ تشتت الضوء. فلولا وجود الغلاف الجوي للارض لما تجلّت هذه الظاهرة، وهذا هو الحال على القمر، فليس هناك فجر أو غروب، تظهر الشمس فجأة وتغيب فجأة!
إستشهد تعالى بظاهرة غريبة وصعبة التصوّر، إذ لا يمكن ملاحظتها إلاّ من طائرة أو مركبة فضائية كما بينّا في مقالتنا وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون. فحتّى الصورة الأصلية أعلاه تغاير المنطق، فبما أن موقع الشمس هو على يمين الصورة، فمن المفروض أن يكون اتجاه وشكل النور كما هو مبين في “الشكل المتوقّع” ولكن الواقع يُظهر عكس ذلك لأن طبقات الجو العليا تقوم بعمل المرآة وتعكس نور الشمس الساقط عليها (قبل الشروق وبعد الغروب) من أسفل الغلاف الجوي بإتجاه سطح الأرض ولهذا السبب يظهر النور قبل شروق الشمس في فترة الضحى وبعد غروب الشمس الى موعد صلاة العشاء،
ولكن ماذا سيحدث لو جعل الله هذا الظل ساكنا في قوله: { وَلَوْ شاءَ لـجَعَلَهُ ساكِناً } “يقول: ولو شاء لـجعله دائماً لا يزول، مـمدوداً لا تذهبه الشمس، ولا تنقصه“.، وبمعنى آخر، فإن منطقة معينة من الأرض ستبقى في فترة الظل الى الأبد بينما تبقى منطقة في النهار وأخرى منغمسة بالليل وإلى الأبد أيضاً! نُظهر الصورة التالية من الموقع الرسمي الامريكي للوقت مناطق النهار على الكرة الأرضية باللون الفاتح ومناطق الليل باللون الغامق وهي دائمة التغيّر مع تغير الوقت، كما ويتغير الشكل حسب فصول السنة (انقر على الصورة لترى الوضع الحالي). منطقة الظل هي الخط الفاصل بين الليل والنهار ودوران الأرض حول نفسها هو المسبب لانتقال المناطق على سطح الأرض من الليل الى الفجر (الظل) ومن ثم النهار، فلو شاء الله وجعله (الظل) ساكنا لعنى ذلك أن الكرة الأرضية سوف تتباطأ في الدوران حول نفسها لتصبح دورة كل سنة بدل من دورة كل يوم وتدخل الكرة الأرضية بما يسمى علميا بـ القفل المدّي أو التقييد المديمع الشمس Tidal (Gravitational) Lock وكما هو موضّح في التمثيل التالي.
وتعتبر ظاهرة القفل المدّي ظاهرة علمية وفلكية يدخل بها الجرم السماوي بترابط مع الجرم الذي يدور حوله مثل القمر مع الأرضوكوكب عطارد (شبه مترابط) مع الشمس وتحدث هذه الظاهرة عادة عندما يكون الجرم التابع قريبا نسييا من الجرم المتبوع. ولكن ماذا سيحدث لو دخلت الأرض بحالة قفل مدّي مع الشمس { وَلَوْ شاءَ لـجَعَلَهُ ساكِناً } قال: لا تصيبه الشمس ولا يزول؟ فإن الأرض ستصبح جحيما بلا ماء في المنطقة المعرّضة للشمس بينما تصبح مناطق الليل المظلمة مغطاة بالثلج والجليد وستصبح حرارتها تقارب 200 درجة تحت الصفر. بمعنى آخر سيكون هناك كوكب غير صالح للحياة.
“.. ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً”
تفسير الرازي في قوله تعالى “… وكما أن المهتدي يهتدي بالهادي والدليل ويلازمه، فكذا الأظلال كأنها مهتدية وملازمة للأضواء فلهذا جعل الشمس دليلاً عليها … قلنا: الظل ليس عدماً محضاً، بل هو أضواء مخلوطة بظلم”.
استشهد تعالى في هذه الآية الكريمة بظاهرتين علميتين ما كان لإنسان أن يتطرق لهما وخصوصاً قبل ما يزيد عن 1400 عام، فالأولى؛ ألا وهي مد الظل، إذ لا يمكن التطرق اليها دون وسائل السفر الحديثة والثانية يعتبرها العلماء أحد المقومات الرئيسية لكوكب يصلح للحياة.
كدت أنهي مقالتي عند هذه المرحلة ولكن ساورني شعور بأنني أغفلت شيئا مهماً ألا وهي الأية التالية { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } فالله تعالى لم ينزل هذه الآية دون سبب، فالآيات بمجملها تخبرنا بأن الله لم يشأ أن يبقى الظل ساكناً أو بمعنى آخر فإن الأرض فعلاً كانت في حالة القفل المدّي مع الشمس في مرحلة ما من نشأتها وقد يكون هذا الوضع الطبيعي لكوكب بحجم الأرض وتكوينه ومداره حول نجم بحجم الشمس، ولكن الله بقدرته قبض الظل اليه قبضاً يسيراً، ما نتج عن القبض اليسير هو دوران الأرض حول نفسها، والذي أدّى بدوره ال أنه “… جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً” أي أن الأرض فعلاً تحررت من حالة القفل المدّي مع الشمس وبدأت بالدوران حول نفسها ياستقلالية عن الشمس وبالتالي حصل تعاقب الليل والنهار، كما وأحدث التحرر تحرك التيارات الهوائية على نطاق واسع وبإنسجام بدلا من محدوديتها بمنطقة الظل “وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ” وبالتالي حصلت التقلبات المناخية. وماذا بعد ذلك؟ “وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً” فسرها الرازي أنه تعالى أنزل الماء من السماء، لا من السحاب؛ وكما بينا في مقالتنا “كيف أنزل الله الماء“. والغاية من كل هذا هو {لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً }. يعتبر العلماء ظاهرة القفل المدّي أحد موانع تكوّن كوكب صالح للحياة.
ولكن كيف حرر الله الأرض من حالة القفل المدّي أو التقييد المدي، لم يتطرق العلم الحديث حتى هذه اللحظة (2014) الى أن الأرض كانت في حال قفل مدّي مع الشمس مع العلم بأن كوكب عطارد بحالة شيه قفل مدّي إذ يبلغ طول اليوم عليه 58 يوما أرضيا وكذلك كوكب الزهرة إذ يبلغ طول اليوم عليه 243 يوماً أرضيا وتشرق الشمس على كوكب الزهرة من الغرب وتغيب في الشرق! احدى الفرضيات التي وضعها العلماء تفيد بأن الأرض كانت تدور بما يزيد عن ضعف سرعة دورانها الحالية، ونتيجة لارتطام كوكب الأرض مع كوكب بحجم المريخ، ولد القمر من مخلفات الارتطام والذي بدوره قام باحداث تباطؤ في سرعة دوران الأرض. الفرضية الثانية تفيد بأن كوكب الزهرة هو الذي ارتطم بكوكب الأرض وهذا هو سبب دوران كوكب الزهرة حول نفسه بعكس الكواكب المجاورة! لم تكن مرحلة تكوّن الكواكب حول الشمس لتوصف بالهادئة، فقد كانت فترة اصطدامات عنيفة نتيجة تراكم الأنقاض، وقد وصف تعالى الكواكب بـ “الحنّس، الجوار الكنس“. وقد يكون تكوّن القمر ودورانه حول الأرض هو الذي أوجد العزم اللازم لتحرير الأرض من حالة القفل المدّي!
ولكن لماذا اختار الله تعالى كلمة “مد” في قوله ” أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ”، فهناك مرادفات اخرى قد تفيد المعنى ذاته مثل جذَب، سحًب، اطال، اوجد …، بينما تقترن كلمة المد مع ظاهرة المد والجزر التي تحدث في البحار والمحيطات، الإجابة هو أن شكل الأرض في حال المد والجزر يشبه كثيرا شكل الأرض في الوجه المضيء واتصاله بمنطقة الظل كما هو مبين في الصورة التشبيهية التالية. وظاهرة المد هي المسببة لدخول الأجرام في حالة القيد المدّي. والله أعلم.
ورد ذكر كلمة اللبل ما يقارب الـ 74 مرّة منها 33 عن خلق وتسخير الليل والنهار لشدة عظمة هذا الخلق، فالمقالة التي بدأت بتفسير ظاهرة الظل انتهت بوصف علمي دقيق يتحدى الله به العلماء وتتعلق بمرحلة معيّنة من نشأة كوكب الأرض من حيث دوران الأرض حول نفسها وخلق اللّيل والنهار وتصريف الرياح وانزال الماء ، فلم يَشهد أحد منّا خلق السموات والأرض، وتتمثل الوسيلة الوحيدة الحالية عند العلماء في وضع الفرضيات ومحاولة اثباتها، ولكن الله تعالى وفي بضع آيات، اخبرنا عن تفاصيل مرحلة مهمة من خلق هذا الكوكب الزاخر بالحياة.
تحميل الموضوع ملف وورد :
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
حدائق القرأن
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: