لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً
لمحة في قوله :
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً107
نريد أن نقف قليلا عند دلالة تحويل الخطاب، فهذه المسألة لم تنل حقها من التدبر فجل من تعرض لها يذهب إلى أنها تلوين أسلوبي غايته الترويح عن المتلقي: فالخطاب إذا كان على
وتيرة واحدة كان مظنة السأم ومن شأن تغير الأساليب وتنوع الالتفاتات أن يطرد الملل عن النفس ويحثها على متابعة القراءة.
هذا الرأي –وهو ليس مخطئا-قاصرمن وجهين:
-تغييب ما هو دلالي في هذه الظاهرة، والاقتصار على المظهر الأسلوبي وحده..
-تعميم هذا الرأي على كل المواضع في القرآن حكما كليا، والحق أنه يجب اعتبار كل موضع بخصوصه.
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
سيرى الأسلوبي في هذا الموضع انتقالا من الغيبة إلى الحضور ،ومن الخبر إلى الخطاب وأن المحتوى الدلالي في قوله" لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا" هو نفسه لو قال :ليس فيها عوج ولا أمت...
بيد أن التأمل الدلالي يكشف عن أمور أخرى:فالعلاقة بين القولين ليست من نسبة الترادف وإنما هي من نسبة التباين :
فمحتوى الخبر في عبارة: "ليس فيها عوج ولا أمت..." بيان لصورة الأرض..
ومحتوى الخبر في قوله : لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا..بيان لإدراك صورة الأرض...
وشتان بين المحتويين:
فأولهما طبيعي والثاني نفسي، و في أولهما افتقار دلالي واضح وفي الثاني غنى لا يحاط به..
وهذا بعض تفصيل:
أرض المحشر خاوية تماما وأن لا يكون فيها عوج أو أمت كناية عن الفراغ المطلق ..وهذا الفراغ الطبيعي يوازيه فراغ دلالي مثله..فأي شيء يمكن أن يقال عن اللاشيء!
لكن الآية حولت جهة المعنى إلى المخاطب من خلال الاستحضار والحضور..
يستحضر المشهد في ذهنه فهو يراه..
وهو نفسه جزء من هذا المشهد حاضر فيه..
واستبطان عملية الإدراك هذه يكشف عن معاني نفسية عميقة هي المقصودة في الآية:
فالعين مفطورة على الاستئناس بالتنوع ويريحها التمايز بين الأشكال والألوان..ولك أن تتصور مدى الانقباض الذي ستمتليء به العين عندما تشاهد المعروض عليها:أرض فسيحة ممتدة على مرأى البصر لا يتميز فيها شيء عن شيء..آلاف الفراسخ لكنها على نمط واحد فلا جبل ولا وهدة ولا واطيء ولا منخفض ولا مرتفع...مشهد يثير الغثيان والرعب!!
وعلى المرء أن يتصور هذا المشهد ليستشعر بهذه الحالات النفسية..وهذا ما نصت عليه الآية "لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا..
ولم يكن المقصود مجرد الإخبار عن استواء المكان.
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
حدائق القرأن
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: