سورة ق
سورة ق
لمحة في قوله :
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ1 بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ2
1-
في هذا المطلع حذف بديع شبيه بالاحتباك
دون أن يكون إياه:
فقد ذكر من القسَم شقه الأول
ومن تركيب الإضراب شقه الثاني ...
فيكون في الآيتين احتباك شكلي وليس معنويا ..فليس للمذكور علاقة دلالية بالمحذوف، فيستحضر بالحاضر الغائب .. أو لنقل:
إن الحذف والذكر في الاحتباك يكون في نظام رباعي ، ولكنه هنا في ثنائيتين منفصلتين...
2-
أ حذف هو أم تأجيل؟
"ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ"...المقسم به يحتاج إلى جواب والعبارة المجاورة "بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ" لا تصلح لأن تكون جوابا أو لتسد مسده..-وإن قال به نحاة الكوفة-
وكذلك في تركيب الإضراب فإن ما قبل "بل" لا يصلح أن يكون مضروبا عنه...ومن ثم قلنا بشبه الاحتباك..
ومن النحاة من قال إن جواب القسم غير محذوف بل هو مؤجل الذكر فحسب..:
فجواب القسم عند الأخفش قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الارض مِنْهُمْ [ ق : 4 ] وحذفت اللام لطول الكلام ، وعنده أيضاًوعند ابن كيسان ما يلفظ من قول [ ق : 18 ] وقيل : إن في ذلك لذكرى [ ق : 37 ] وهو اختيار محمد بن علي الترمذي ، وقيل : مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ [ ق : 29 ]
-انظر روح المعاني –
لست أدري مدى ما تسمح به الصناعة النحوية من مسافة بين فعل القسم وجوابه ولكنني متيقن من أن الحس البلاغي لا يقبل شيئا من مثل هذا التأجيل الذي افترضه هؤلاء النحاة..فلا يعقل أن يكون الاعتراض متضمنا لسياحة في قصة الخلق وفصولا من تاريخ البشرية ثم يأتي بعد ذلك جواب القسم!!!
فكأنهم ذهلوا عن مقصد القسم وانساقوا خلف الصنعة..
فالقسم تأكيد وحجاج..فلا ينبغي أن يتأخر الجواب إلا بمقدار ما يتأخر المؤكد عن مؤكده..
واختلاف النحاة الذي ذكرناه دليل على ضعف مذاهبهم –على الأقل من جهة بلاغة التداول- فلا يعقل في كلام الناس أن يزمع متكلم منهم على تأكيد شيء، فيخفيه، فلا يعلم الناس ما يريد أن يؤكده لهم ..!
ولا يعقل في تداول الكلام أن يقيم متكلم حجة على أمر فيخفيه بين أمور كثيرة فلا يتفق على أي أمر يحتج له!!
جواب القسم محذوف هذا ما يقتضيه الحس البلاغي وهذا ما يليق بالبيان المعجز..
فإن قلت أليس التأجيل أحسن حالا من الحذف ،فذاك موجود وهذا معدوم والوجود أشرف من العدم ؟
قلنا لا يستويان ، فالتأجيل-هنا- إخلال بالبيان أما الحذف فلنكتة بديعة..وقديما قال عبد القاهر في شان الحذف"
"إنه شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن.."
إن طي جواب القسم في مطلع "ق" يتضمن تقريعا كبيرا للكفار..وتنديدا بما هم عليه من جمود عقل وأسر تقليد...فالجواب المحذوف يشير إلى أن هؤلاء لا يجدي معهم قسم ولو كان من رب العالمين..
فأنت –ولله المثل الأعلى-عندما تريد أن تقسم لشخص عن أمر فتشرع في القسم ثم تقدر في نفسك أن مخاطبك قد بلغ به العناد شأوا بعيدا بحيث لن يتحول عن معتقده قيد أنملة مهما أقسمت له ، فترى الاستمرار في القسم غير ذي فائدة ،فتفضل العدول عما بدأته من قسم...لتحقق فائدتين:
1-تمام القسم حكما، لأن المقسم عليه يكون من شدة الوضوح بحيث يخطر على البال بأدنى تأمل فلا يكون تقديره من المبهمات..
2-العدول عن لفظ المقسم عليه بمثابة "غسل اليدين" من المسألة وفيه ما ترى من تسجيل التبكيت والتخجيل على الخصم..
إن المطوي بين القسم والإضراب له علاقة بالبعث..فالسورة كلها قد اتخذت من البعث محورها الأساس: استدلا،ووصفا، وتخويفا..
نشير ختاما إلى أنه بوسعنا أن نقدر جواب القسم مباينا للمضروب عنه فينشأ "احتباك تركيبي"
وبوسعنا كذلك تقدير جملة واحدة مطوية يتنازعها الإضراب و القسم.والله أعلم
بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ2 أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ3
1-من بديع هذا المطلع أن يطوى مضمون البعث مرتين:
طوي ،أولا، في أسلوب القسم ...
وطوي ،ثانية، في أسلوب الاستفهام الإنكاري!
فواضح جدا أنه قد تم حذف جملة بين همزة الاستفهام و"إذا" الظرفية..ومضمون هذه الجملة المحذوفة هو مستنكر الاستفهام و متعلق الظرف...يقدر ب"وقوع البعث" بدلالة التذييل : "ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ "
2-من بديع هذا المطلع أيضا أن يقع في حيز جملة واحدة "إضمار في موضع إظهار" وإظهار في موضع إضمار":
بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
- قال "عجبوا" فأضمر ، وهذا موضع الإظهار
-وقال "فقال الكافرون" فأظهر ، وهذا موضع الإضمار ..
أضمر لأن ذكر صدور التعجب من البعث يصرف الذهن مباشرة تلقاء هؤلاء الأقوام فلا حاجة إلى تسميتهم..فالمقالة معروف أصحابها
أما الإظهار فلنكتة مفادها تعليل استبعاد البعث:
فلا يكون هؤلاء قد كفروا لأنهم ينكرون البعث، بل هم ينكرون البعث لأنهم كفروا ...!!
ومعنى ذلك أن إنكارهم لم يكن نتيجة فكر أو مقتضى نظر أو حاصل استدلال وإنما كان عن هوى منبثق من حالتهم الكفرية فمن مصلحتهم ألا يكون ثمة بعث لينصرفوا إلى لذاتهم فلا تنغصها عليهم آثامهم لأنهم لن يحاسبوا عليها..
وهكذا يكون منهج الكافرين أقبح منهج..فالمشتهى عندهم واقع!!
ولسان حال استدلالهم :
إذا كان عدم البعث مرغوبا فيه، فإن عدم وقوعه واجب!!!
أو (كوجيتو) مضحك:
أنا أريد شيئا فهو موجود!!
3-من بديع هذا المطلع التقابل في الإشارة:
-هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
-ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ
فالتقريب للتشنيع والاستهزاء: فقربوا ب "هذا" ما أخبر به الرسول لتسجيل الشناعة عليه واستعظام ما تكلم به وكرره في كلامه ..
والاستبعاد ب "ذلك" تقييما لمحتوى ما أخبر به الرسول ..فوقوع البعث مستبعد جدا فيليق به أن يشار له إشارة البعيد عن التعقل والبعيد عن الحصول.
لمحة في قوله :
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ1 بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ2
1-
في هذا المطلع حذف بديع شبيه بالاحتباك
دون أن يكون إياه:
فقد ذكر من القسَم شقه الأول
ومن تركيب الإضراب شقه الثاني ...
فيكون في الآيتين احتباك شكلي وليس معنويا ..فليس للمذكور علاقة دلالية بالمحذوف، فيستحضر بالحاضر الغائب .. أو لنقل:
إن الحذف والذكر في الاحتباك يكون في نظام رباعي ، ولكنه هنا في ثنائيتين منفصلتين...
2-
أ حذف هو أم تأجيل؟
"ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ"...المقسم به يحتاج إلى جواب والعبارة المجاورة "بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ" لا تصلح لأن تكون جوابا أو لتسد مسده..-وإن قال به نحاة الكوفة-
وكذلك في تركيب الإضراب فإن ما قبل "بل" لا يصلح أن يكون مضروبا عنه...ومن ثم قلنا بشبه الاحتباك..
ومن النحاة من قال إن جواب القسم غير محذوف بل هو مؤجل الذكر فحسب..:
فجواب القسم عند الأخفش قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الارض مِنْهُمْ [ ق : 4 ] وحذفت اللام لطول الكلام ، وعنده أيضاًوعند ابن كيسان ما يلفظ من قول [ ق : 18 ] وقيل : إن في ذلك لذكرى [ ق : 37 ] وهو اختيار محمد بن علي الترمذي ، وقيل : مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ [ ق : 29 ]
-انظر روح المعاني –
لست أدري مدى ما تسمح به الصناعة النحوية من مسافة بين فعل القسم وجوابه ولكنني متيقن من أن الحس البلاغي لا يقبل شيئا من مثل هذا التأجيل الذي افترضه هؤلاء النحاة..فلا يعقل أن يكون الاعتراض متضمنا لسياحة في قصة الخلق وفصولا من تاريخ البشرية ثم يأتي بعد ذلك جواب القسم!!!
فكأنهم ذهلوا عن مقصد القسم وانساقوا خلف الصنعة..
فالقسم تأكيد وحجاج..فلا ينبغي أن يتأخر الجواب إلا بمقدار ما يتأخر المؤكد عن مؤكده..
واختلاف النحاة الذي ذكرناه دليل على ضعف مذاهبهم –على الأقل من جهة بلاغة التداول- فلا يعقل في كلام الناس أن يزمع متكلم منهم على تأكيد شيء، فيخفيه، فلا يعلم الناس ما يريد أن يؤكده لهم ..!
ولا يعقل في تداول الكلام أن يقيم متكلم حجة على أمر فيخفيه بين أمور كثيرة فلا يتفق على أي أمر يحتج له!!
جواب القسم محذوف هذا ما يقتضيه الحس البلاغي وهذا ما يليق بالبيان المعجز..
فإن قلت أليس التأجيل أحسن حالا من الحذف ،فذاك موجود وهذا معدوم والوجود أشرف من العدم ؟
قلنا لا يستويان ، فالتأجيل-هنا- إخلال بالبيان أما الحذف فلنكتة بديعة..وقديما قال عبد القاهر في شان الحذف"
"إنه شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن.."
إن طي جواب القسم في مطلع "ق" يتضمن تقريعا كبيرا للكفار..وتنديدا بما هم عليه من جمود عقل وأسر تقليد...فالجواب المحذوف يشير إلى أن هؤلاء لا يجدي معهم قسم ولو كان من رب العالمين..
فأنت –ولله المثل الأعلى-عندما تريد أن تقسم لشخص عن أمر فتشرع في القسم ثم تقدر في نفسك أن مخاطبك قد بلغ به العناد شأوا بعيدا بحيث لن يتحول عن معتقده قيد أنملة مهما أقسمت له ، فترى الاستمرار في القسم غير ذي فائدة ،فتفضل العدول عما بدأته من قسم...لتحقق فائدتين:
1-تمام القسم حكما، لأن المقسم عليه يكون من شدة الوضوح بحيث يخطر على البال بأدنى تأمل فلا يكون تقديره من المبهمات..
2-العدول عن لفظ المقسم عليه بمثابة "غسل اليدين" من المسألة وفيه ما ترى من تسجيل التبكيت والتخجيل على الخصم..
إن المطوي بين القسم والإضراب له علاقة بالبعث..فالسورة كلها قد اتخذت من البعث محورها الأساس: استدلا،ووصفا، وتخويفا..
نشير ختاما إلى أنه بوسعنا أن نقدر جواب القسم مباينا للمضروب عنه فينشأ "احتباك تركيبي"
وبوسعنا كذلك تقدير جملة واحدة مطوية يتنازعها الإضراب و القسم.والله أعلم
بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ2 أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ3
1-من بديع هذا المطلع أن يطوى مضمون البعث مرتين:
طوي ،أولا، في أسلوب القسم ...
وطوي ،ثانية، في أسلوب الاستفهام الإنكاري!
فواضح جدا أنه قد تم حذف جملة بين همزة الاستفهام و"إذا" الظرفية..ومضمون هذه الجملة المحذوفة هو مستنكر الاستفهام و متعلق الظرف...يقدر ب"وقوع البعث" بدلالة التذييل : "ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ "
2-من بديع هذا المطلع أيضا أن يقع في حيز جملة واحدة "إضمار في موضع إظهار" وإظهار في موضع إضمار":
بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
- قال "عجبوا" فأضمر ، وهذا موضع الإظهار
-وقال "فقال الكافرون" فأظهر ، وهذا موضع الإضمار ..
أضمر لأن ذكر صدور التعجب من البعث يصرف الذهن مباشرة تلقاء هؤلاء الأقوام فلا حاجة إلى تسميتهم..فالمقالة معروف أصحابها
أما الإظهار فلنكتة مفادها تعليل استبعاد البعث:
فلا يكون هؤلاء قد كفروا لأنهم ينكرون البعث، بل هم ينكرون البعث لأنهم كفروا ...!!
ومعنى ذلك أن إنكارهم لم يكن نتيجة فكر أو مقتضى نظر أو حاصل استدلال وإنما كان عن هوى منبثق من حالتهم الكفرية فمن مصلحتهم ألا يكون ثمة بعث لينصرفوا إلى لذاتهم فلا تنغصها عليهم آثامهم لأنهم لن يحاسبوا عليها..
وهكذا يكون منهج الكافرين أقبح منهج..فالمشتهى عندهم واقع!!
ولسان حال استدلالهم :
إذا كان عدم البعث مرغوبا فيه، فإن عدم وقوعه واجب!!!
أو (كوجيتو) مضحك:
أنا أريد شيئا فهو موجود!!
3-من بديع هذا المطلع التقابل في الإشارة:
-هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
-ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ
فالتقريب للتشنيع والاستهزاء: فقربوا ب "هذا" ما أخبر به الرسول لتسجيل الشناعة عليه واستعظام ما تكلم به وكرره في كلامه ..
والاستبعاد ب "ذلك" تقييما لمحتوى ما أخبر به الرسول ..فوقوع البعث مستبعد جدا فيليق به أن يشار له إشارة البعيد عن التعقل والبعيد عن الحصول.
الكلمات المفتاحية :
احكام صوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: