التحسين و التقبيح عند السادة الاشاعرة
الحمد لله، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر له، كما يجب لجزيل نعمائه وكثير ألطافه، والصلاة والسلام على نبيّه ورسوله، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه .
مصطلح الحسن عند الأشاعرة عموما هو ما أمر به الله تعالى فيدخل فيه الواجب والندب دون المباح، لأن المباح غير مأمور به، فلا يكون حسنا، وهذا ما ذهب إليه شيخ الأشاعرة أبو الحسن الأشعري (توفي : 324) في مقالاته، ومن بعده الغزالي الذي قال:الحسن ما حسّنه الشرع بالثناء على فاعله.
وهي العبارة التي رددها من قبل شيخه أبو المعالي الجويني (توفي : 478) في إرشاده، وعوّل عليها أكثر الأشاعرة، ومعناها أن الحسن من الأفعال، ما حسَّنه السمع لا العقل، ليكون الحسن في مذهبهم ما قيل فيه افعلوه، فيدخل فيه حكمان تكليفيان الواجب والندب،
وجيء بقيد: بالثناء على فاعله لإخراج المباح الذي لا تعلق له بهذه الصيغة عندهم، إلا بعض المتأخرين أدخلوا المباح في الحسن، زعما منهم أنه مذهب الجمهور، وهو ما أشار إليه ابن السبكي (توفي : 771 ) لما حكى الخلاف في ذلك.
ولعله المذهب المختار، لأنه لا وجود لمنزلة بين الحسن والقبيح، حتى يُفترض بأن المباح لا حسن ولا قبيح، ولمجرد أن الشارع لم ينه عنه يكون حسنا، وإن لم يدخل في صيغة الأمر لكونها غير دالة عليه.
أما مصطلح القبيح، فيرى أبو الحسن الأشعري بأنه إنما كان قبيحا منا لتعلق نهي الله تعالى عنه به. أي أن الفعل إنما يكون قبيحا، لتعلقه بصيغة النهي، ولما كانت صيغة الأمر عند الأشعري، لا تقتضي الإيجاب بنفسها، لم تقتض صيغة النهي الحظر بنفسها أيضا، فيدخل المكروه في حد القبيح بجانب الحرام.
إلا أن الجويني خالف شيخه الأشعري، فأخرج المكروه من القبيح بقوله:القبيح ما ورد الشرع بذم فاعله، لكون المكروه لا يتعلق بفعله الذَّم.
ولم يَعلم ابن السبكي أحدا يُعتمد من المتأخرين خالف الجويني فيما قال، إلا ناسا أدركهم قالوا إن المكروه قبيح لأنه منهي عنه، والنهي يعم نهي تحريم ونهي تنزيه.
وتبنى مذهب الجويني تلميذه الغزالي، فقال في منخوله:القبيح ما قبّحه -الشارع- بالزجر عنه والذم عليه.
أضاف قيد: الزجر إلى الحد حتى يتبين المحدود الذي هو الحرام، ويتميز عن المكروه الذي لا تعلق للزجر بفعله، وقيد: الذَّم مشعر بخروج المكروه من الحد، فكان الأولى الاقتصار عليه.
وهذا التعريف عوّل عليه أكثر الأصوليين الأشاعرة، إلا قليلا منهم اتبعوا مذهب الأشعري، لكون اسم القبيح حسب رأيهم، يقع على كل ما نهى عنه الشارع، سواء كان حراما أو مكروها، والفعل إن لم ينه عنه الشارع كان حسنا، وقد عُلم أنه لا مدخل للمكروه في الحسن، فيكون مدخله في القبيح ضرورة.
ونسب بعضهم هذا المذهب الأخير إلى صاحب المنهاج ناصر الدين البيضاوي (توفي : 691 )، وبالوقوف على تعريفه لمصطلح القبيح، يتبين أنها نسبة لا تصح عنه، حيث قال في منهاجه معرفا القبيح أنه ما كان واقعا على صفة توجب الذم.
والمكروه لا يوجب بفعله الذم بحال.
من خلال تعاريف الحسن والقبيح عند الأشاعرة، يتبين أن الجهة الآمرة والناهية هي السمع، فيكون التكليف عندهم متوقفا على الشرع دون العقل، فالحسن هو الفعل المقول فيه افعلوه، سواء كان واجبا أو ندبا، والقبيح هو الفعل المقول فيه لا تفعلوه، سواء كان حراما أو مكروها، على اختلاف بينهم في المباح أيكون حسنا، وفي المكروه أيكون قبيحا.
وإن ذهب بعضهم إلى إخراج المباح من صيغة الحسن، والمكروه من صيغة القبيح، فلا يعني أن الوصفين عندهم عقليان، إنما لأجل أن صيغتي الأمر والنهي تدلان -بالتوالي- على الوجوب والحظر بذاتهما لا بقرائن مشيرة إليهما.
من هذا المنطلق بدأ الأشاعرة يؤصلون لنظرية التكليف الشرعي، انطلاقا من نقض قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، إلا أن الإشكال الذي يرد على جميعهم يتمثل في كونه تعالى -حسب المذهب الأشعري- لم يزل آمرا ناهيا بكلامه [النفسي القديم] والقول بالتحسين والتقبيح الشرعيين مطلقا، يلزم منه اعتقاد قدم الوصفين الحسن والقبح بقدم كلامه تعالى، واعتقاد تعدد القدماء باطل اتفاقا.
فأبو الحسن الأشعري باعتباره المؤسس الفعلي للمذهب لم يدع للخصم اعتراضا كهذا، فجاء بجديد عوّل عليه أكثر الأشاعرة من بعده فقال: إن القبيح إنما كان قبيحا منا لتعلق نهي الله تعالى عنه به، ونهيه كلامه، وكلامه غير مخلوق، فيجب أن يكون - القبيح - جاريا مجرى كونه معلوما، في باب أنه يتعلق بعلم ليس بفعل، فلا يصح أن يكون معلوما بفاعل، لما كان كونه معلوما يرجع فيه إلى تعلق علم قديم به... فإذا كان العلم به غير محدث، لم يجز أن يقال إنه معلوم بمحدثه.
والمقصد من هذا أن القبيح -وفي مقابله الحسن- وإن كان قبيحا لتعلق النهي به، فلا يعني أنه وصف قديم بقدم الكلام الإلهي، لأن ماهية التعلق ترجع إلى صفة العلم دون حدوث الفعل، فالله تعالى سبق في علمه كون الظلم -مثلا- منهيا عنه، ولا يستلزم هذا العلم حدوث الظلم، لكون صفة القدم من الصفات التي تفرد بها تعالى.
بهذا لا يكون الوصفان الحسن والقبح -حسب ما قاله الأشعري- قديمين، لتعلقهما بعلمه تعالى القديم لا بفعله المُحدث، فيكون الله آمرا بالحسن وناهيا عن القبيح فيما لم يزل عالما بهما.
وفي اعتقادي أن مثل هذه الإشكال من صنع الجدل، وأن الجواب عنه لا يشفي عليلا، فالأشعري عند حديثه عن الأفعال الإلهية، نجده يعلق الوصفين الحسن والقبح بالمشيئة، فقد يشاء تعالى أن يسمي الظلم حسنا فيأمر به، والعدل قبيحا فينهى عنه، بذريعة أن الوصفين الحسن والقبح لا حقيقة لهما، وعند حديثه عن الصفات الإلهية، نجده يعلق الوصفين بالعلم الإلهي، فيثبت لهما حقيقة علمية، فأنت ترى كيف أن أبواب الجدل موصدة، حتى إنك لا تكاد تميِّز الحجة من الشبهة، والسبب الذي كدر صفو العقيدة قياس الغائب على الشاهد، والأشعري نفسه استدرك الأمر في آخر حياته، فبسط الموضوع في الإبانة على المحجة البيضاء، وقد كفاه ذلك مئونة ما بذله في مؤلفاته القديمة.
والأشاعرة بعد أبي الحسن قسَّموا الكلام حول التحسين والتقبيح وفق ثلاثة أضرب، أما الضرب الأول: أن يكون الحسن صفة للكمال، والقبيح صفة للنقص، كأن يُقال العلم حسن لأنه من صفات الكمال، والجهل قبيح لأنه من صفات النقص.
والضرب الثاني: أن يكون الحسن والقبيح وصفين مُعبرَين عن موافقة ومخالفة الأغراض، ويعبّر عنهما بالمصلحة والمفسدة، فقتل زيد -مثلا- فيه مصلحة لأعدائه، فيكون القتل من جهتهم فعلا حسنا، ومن جهة أوليائه يكون فعلا قبيحا.
أما الضرب الثالث: هو أن يكون الحسن موجبا للمدح عاجلا وللثواب آجلا، وأن يكون القبيح موجبا للذم عاجلا وللعقاب آجلا.
فزعموا أن الاتفاق حاصل على أن الحسن والقبيح في الضربين الأولين عقليان، والاختلاف واقع حول الضرب الأخير، الأشاعرة ذهبوا إلى أن الحسن والقبيح باعتبار هذا الضرب شرعيان، وباقي المتكلمين ذهبوا إلى أنهما عقليان.
وهذا التقسيم الذي انتهى إليه الأشاعرة -في تقديري- لم يأت من فراغ، بل له دوافعه التي تبرره، كما له أطواره التي مر بها، وللوقوف على ذلك يلزم علينا تتبع أقوال الأشاعرة، بداية مع مؤسس المذهب أبي الحسن الأشعري، الذي نجده ينفي مسألة التحسين والتقبيح العقليين بإطلاق، بل ويقيم الأدلة على إبطالها في محاولة لنقض نظرية التكليف العقلي عند المعتزلة فيقول:إنَّ وصفنا لبعض الاكتساب بأنه قبيح منا، ولبعضها بأنه حسن منا، إنما يستحق ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه.
وقد أشار بقوله: الاكتساب إلى نظرية الكسب -وهي نظرية شبه غامضة- حاول من خلالها التوفيق بين كون الفعل مخلوقا لله تعالى، وبين كونه كسبا للعبد، فاعتبر قدرة العبد الحادثة مقارنة للفعل المقدور، وبالتالي فهي غير مؤثرة في إيجاده، وأن القدرة الإلهية هي المعنية بالتأثير والإيجاد، بمعنى أن القدرة الحادثة، لا تأثير لها في الفعل المقدور، لامتناع اجتماع قدرتين مؤثرتين على مقدور واحد.
ولم يبتعد الأشاعرة فيما بعد عن هذا التصور كثيرا، فجلهم يعتبرون العبد فاعلا مجازا لا حقيقة.
والسؤال الذي يفرض نفسه أمام هذا التصور يتجلى فيما إذا كان العبد مختارا أم لا، فإن قيل هو مختار على الحقيقة بإرادته وإن لم يكن فاعلا بقدرته على الحقيقة، يُقال إن كان قوله تعالى:
"وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" [الصافات:96]
هو الذي ألزمكم اعتقاد استقلالية القدرة الإلهية بالتأثير، وأن قدرة العبد لا وظيفة لها حيال هذه القدرة القديمة، فما يمنع أن يكون قوله:
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ اَلْعَالمَِينَ" [التكوير:29]
ملزما -أيضا- اعتقاد استقلال الإرادة الإلهية بالاختيار، وأن إرادة العبد لا وظيفة لها حيال هذه الإرادة القديمة، فإن أبطلتم هذا فهو من ذاك.
والذي أردت بيانه من خلال هذا، أن الأشاعرة فسَّروا الكسب على النحو الذي رأينا، ليس لأن الخصم خالف في نظرهم نصا، وإنما لأجل أن هذا التفسير يتلاءم مع منهجهم المتبع، فلو أنهم فسَّروا الكسب على الوجه الذي قاله الماتريدية، لما اضطروا إلى نفي قاعدة التحسين والتقبيح في الشاهد، ولمَّا كان التعليل ينبني على هذه القاعدة العقلية، فإنهم سيضطرون حينها إلى القول به بعدما هجروا المعتزلة بسببه.
لذا فإن نظرية الكسب عندهم كان عليها أن توفق بين النص وحقيقة الحرية الإنسانية من جهة، وبين النص وطريقة المنهج المتبع من جهة أخرى، فجاءت النظرية إثر ذلك شبه غامضة، وإن حاول بعضهم تفسيرها على وجه معقول، فعلى حساب توفيق دون آخر، فبعضهم ذهب إلى أن الكسب عبارة عن وقوع الفعل حقيقة بمجموع القدرتين، القدرة الإلهية والقدرة الإنسانية، فاقترب من الجادة من حيث إنه ابتعد عن الجبر، وخالف مذهبه الذي يمنع وقوع مقدرو بتأثير قدرتين عقلا، وبعضهم فسر الكسب بأنه وقوع المقدور بقدرة يخلقها الله تعالى في العبد فخالف مذهبه الذي ينص على أن فعله تعالى لا يتحقق بواسطة، رغم أنه اقترب من النصوص الشرعية التي تضيف الأفعال إلى العباد حقيقة.
والذي يهمنا من ذلك، أن قضية القدر ارتبط مقالها عند الأشاعرة بمسائل كلامية، أهمها مسألة التحسين والتقبيح، فالأشعري -كما سبق- ذهب إلى أن أفعال العباد لا حقيقة لها في الوجود، إلا من حيث كونها حسنة أو قبيحة بالشرع، وبمعنى أوضح، الأفعال لا يتميز بعضها عن بعض إلا بعد ورود السمع، ومثال ذلك الظلم، هو فعل قبيح لا لذاته أو لوجه معقول، وإنما هو كذلك لنهيه تعالى عنه.
فلو أن الإنسان أتى بكل كبيرة قبل ورود الشرع، ما كان ذلك منه ظلما أو عدلا، أما بعد وروده، فيكون هذا الفعل مجرد أمارة سمعية نصبها الشارع لثبوت العقاب، وليس علة موجبة لذلك، لأن الحسن والقبيح لو كانا موجبين للثواب والعقاب، وكانا علتين لهما، لم يجز أن يتأخر عنهما معلولهما من الثواب والعقاب، لأن العلة لا يجوز أن تتقدم المعلول ولا أن تتأخر عنه.
فشرب الخمر -مثلا- لو كان فعلا موجبا بذاته لحكم التحريم، لكان حراما قبل نزول الوحي، لأن عادة العلة أن يكون المعلول مقارنا لها، ولما جربنا تراخي حكم التحريم الذي هو المعلول، عن شرب الخمر الذي هو العلة إلا بعد مجيء السمع، علمنا أن شرب الخمر مجرد أمارة شرعية على حكم التحريم، وليس بعلة موجبة له.
مما يفيد أن الفعل لا حقيقة له خارج الشرع، من حيث إنه لا يتصور له وجود ذاتي أو عقلي، فما سماه تعالى في شرعه حسنا، جاز أن يسميه قبيحا.
هذا كله ليستدل الأشعري، على أن أفعال العباد وإن كانت من خلقه تعالى، وأن العباد غير فاعلين لها على الحقيقة، فإن فعله تعالى لها عن طريق الخلق لا يُوصف بحسن ولا بقبح، كما لا يُوصف شيء منها في الشاهد بحسن ولا بقبح، الأمر الذي قاده إلى اعتقاد مسألة التجويز ونفي تعليل أفعاله بالمصالح.
من هنا يتبين لنا كيف أن طريقة الأشاعرة في القدر، تعلقت بطريقتهم في التحسين والتقبيح، فكبائر الأفعال -مثلا- الصادرة من العباد، يخلقها الله تعالى ويفعلها من خلال قدرته حين يقصدها العباد، فيخرجها من العدم إلى الوجود وهي غير متصفة بحسن ولا بقبح إلا على طريقة السمع، فلم يقتض ذلك أنه فاعل للقبيح.
أما طريقة مثبتي التحسين والتقبيح العقليين في القدر، فقد جاءت مفسرة عندهم بما أثبتوه من تحسين وتقبيح، ففرقة المعتزلة قالت بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، لما تتصف به حقيقةً من ظلم وكذب وجور... فلم يجز أن ننسبها إليه تعالى كسبا ولا خلقا.
أما فرقة الماتريدية، فرغم إقرارها بأن العقل لا مجال له في تحسينٍ أو تقبيح في الأفعال الإلهية، فإن اعترافها بحقيقة الأفعال في الشاهد، واتصافها الذاتي بالحسن والقبح، وأنه تعالى هو خالقها، ألزمها اعتقاد القدر على طريقة تخول لها تعليل أفعاله تعالى بالمصالح، فقالت العباد يفعلون على الحقيقة حسن الأفعال وقبحها، بقدرة يخلقها الله فيهم، وبالتالي فإن المفاسد الصادرة منهم هي من فعلهم حقيقة، لعدم ثبوت جريان الأفعال الإلهية على خلاف المصالح.
وإذا كان الأشعري قد اكتفى بالتحسين والتقبيح الشرعيين، لموانع كلامية تجلت أكثر في قضايا القدر والتعليل والتجويز، فإن الاتفاق الحاصل على أن الأفعال قبل ورود السمع يتميز بعضها عن بعض عند العقلاء بمميِّز، اضطره إلى أن يجد مسوغا له فقال: سبيل القبيح والحسن في الشاهد سبيل واحد، في أنه إنما يجتنب القبيح لما فيه من النقص والضرر الراجع إلى فاعله، ويختار الفعل الحسن لما فيه من النفع و[الكمال] العائد إلى فاعله.
وهذه إشارة منه إلى ضربين من أضرب الحسن والقبيح، الضرب الأول جاء باعتبار الكمال والنقص، وذلك لما قال:إنما يجتنب القبيح لما فيه من النقص.. والحسن في مقابله، والضرب الثاني باعتبار موافقة أو مخالفة الأغراض المعبّر عنهما بقوله:ويختار الحسن لما فيه من النفع العائد إلى فاعله.. والقبيح في مقابله أيضا.
فيكون الأشعري أول من أشار إلى التقسيم الذي تبناه الأشاعرة فيما بعد، وإن لم يصرح به فإنه -كما رأينا- جعل الحسن والقبيح باعتبار الثواب والعقاب شرعيين، وباعتبار الأغراض وصفات الكمال والنقص عقليين، يدركان في الشاهد بالعقل، دون توقف على السمع.
وإذا كان الأشعري بهذا قد بوأ للعقل مكانة، في إدراك أوصاف الحسن والقبح، إنما في حدود كثيرا ما كان يقف عندها، ويشدد النكير على من تعداها من أصحابه، كأبي بكر الصيرفي (توفي : 330 )، والقفال الشاشي (توفي : 365 )، وابن أبي هريرة (توفي : 345 ) وغيرهم ممن قالوا بوجوب شكر المنعم عقلا في بدء أمرهم، نزولا عند مذهب المعتزلة.
ولخطورة هذه المقالة على المذهب المتبع، حاول بعض الأشاعرة رفعها بإيراد جملة من التفسيرات منها، أن هؤلاء الأصحاب برعوا في الفقه ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام، وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عبارتهم وقولهم بوجوب شكر المنعم عقلا، فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدي إليه هذه المقالة من قبيح المذهب
. إنما كيف يُعتذر للإمامين الصيرفي والقفال بمثل هذا الكلام، وقد أخذا علم الكلام معا عن الأشعري نفسه، حتى ابن السبكي لم يرقه مثل هذا الاعتذار، فكتب في طبقاته، أن القفال كان يذهب إلى ذلك في بدء اعتزاله، ولقد ثبت رجوعه عنه، كذلك الصيرفي، أكد غير واحد من المؤرخين، رجوعه عن القول بوجوب شيء عقلا، لما ناظر شيخه الأشعري، إلا ابن أبي هريرة لم يثبت عنه ذلك، لعدم رسوخ قدمه في الكلام.
والغرض الذي قصده الأشاعرة من رفع مقولة وجوب شكر المنعم عقلا عن أقوال متقدميهم، هو تفادي تهمة التحسين والتقبيح العقليين بالنسبة إليهم، لأن باقي المتكلمين، حين اعترفوا بدور العقل في التحسين والتقبيح، فبعدما أثبتوا أن العباد يكسبون أفعالهم على الحقيقة، أما الأشاعرة فلم يسعهم الاعتراف بتحسين العقل ولا تقبيحه، إثر اعتقادهم بأن العباد لا يفعلون على الحقيقة، إذ لو أنهم أقروا بوجوب شكر المنعم عقلا، لقادهم مقالهم ذلك إلى شناعات عقدية لا قِبل لهم بها.
ولبيان خطورة الوضع يُقال: إن اعتقاد العبد بأن فعله مخلوق، وأنه لا حيلة له في إيجاده أو عدمه، وأن كسبه له ليس على الحقيقة، من حيث إن قدرته المخلوقة غير مؤثرة فيه، لمقارنتها له وعدم تقدمها عليه، يفضي إلى أن القدرة القديمة هي الفاعلة، وبالتالي فإن جميع ما يصدر عن العباد من أفعال قبيحة، من ظلم وجور وكذب، هي من أفعال الله تعالى. فكان المخرج من هذا المأزق، إنكار التحسين والتقبيح العقليين بالمرة، بمعنى أن تلك الأفعال -الظلم والجور والكذب- إنما هي قبيحة لأجل أن الله سماها قبيحة، فلو أنه حسَّنها لكانت حسنة.
يقول ابن تيمية (توفي : 728) موضحا ذلك:أما الطرف الآخر في مسألة التحسين والتقبيح العقليين فهو من يقول: إن الأفعال لم تشتمل على صفات هي أحكام، ولا على صفات هي علل للأحكام... ويقولون إنه يجوز أن يأمر الله بالشرك بالله، وينهى عن عبادته وحده، ويجوز أن يأمر بالظلم والفواحش، وينهى عن البر والتقوى.... والمراد بصفات الأفعال: أوصاف الحسن والقبح، وبعللها: أغراض الفاعل تعالى، والمصالح التي رتبها على أحكامه، فالأشاعرة حين فسَّروا القدر، على طريقة هي أقرب إلى عقيدة الجبر منها إلى عقيدة الاختيار، اضطرهم ذلك -كما سلف- إلى نفي التحسين والتقبيح العقليين، ثم إلى نفي تعليل أفعال الله تعالى بالمصالح، مما ألزمهم اعتناق عقيدة التجويز، كتجويزهم أن يأمر تعالى بالظلم وما شاكله من قبائح الأفعال -تعالى الله علوا كبيرا- وهذا كله مما اقتضاه وقتها الجدل، من إفحام الخصم والذَّب عن المذهب المتبع، وهو الأمر الذي يفسر كيف أن علم الكلام، استوعب قضايا مجردة لا طائل من ورائها، فالقضية العقدية على بساطتها، تعلقت بها أمور معقدة، إثر كثرة التفريعات المصطنعة لها، فكان من البديهي أن تتضارب حولها الآراء، بل وتتناقض أحيانا في المذهب الواحد إن لم يتدارك ذلك أصحابه بفرض تخريجات، ولو كانت على حساب المعتقد.
وبالرجوع إلى مدرسة الأشاعرة، وموقفها من نظرية التكليف العقلي، نجد أن أبا الحسن الأشعري، وإن اعترف بقدرٍ من التحسين والتقبيح، فباعتبار الأغراض وصفات الكمال والنقص، أما باعتبار العقل فلا حقيقة للأفعال إلا بعد ورود السمع، ليس لأنه يأتي كاشفا عن حسنها وقبحها، وإنما ليسميها، فيأمر ببعضها وينهى عن باقيها.
وهو المذهب الذي عوَّل عليه جميع الأشاعرة فيما بعد، فالباقلاني (توفي : 403 ) سلك في نفي نظرية التكليف العقلي، مسلك شيخه الأشعري.
ثم يأتي أبو المعالي الجويني، الذي وإن لمح بقاعدة التحسين والتقبيح العقليين في كتابه البرهان، فإن تلميحه لم يأت في موضعه علم الكلام، وإنما اضطر إليه في أصول الفقه، وقد ظن بعض المفكرين أنه المذهب الذي استقر عليه وليس الأمر كذلك، بيد أن مذهبه العقدي لا يسمح له بذلك، وقد رأينا كيف أن مجرد إثبات وجوب شكر المنعم عقلا في الفكر الأشعري، يقود قائله إلى مزالق عقدية شنيعة، فكيف بمن أثبت التحسين والتقبيح العقليين بإطلاق، وكل ما هنالك أنه كتب في برهانه ما نصه:والمسلك الحق عندي في ذلك، الجامع لمحاسن المذاهب، الناقض لمساويها، أن نقول: لسنا ننكر أن العقول تقتضي من أربابها اجتناب المهالك و ابتدار المنافع الممكنة على تفاصيل فيها، وجحد هذا خروج عن المعقول، ولكن ذلك في حق الآدميين، والكلام في مسألتنا مداره على ما يُقبَّح ويحسن في حكم الله تعالى.
فالملاحظ أن الجويني، لا يكاد يفرق بين ما يُحسن أو يُقبَّح من الأفعال لذاته أو لوجه معقول، وبين ما يُحسَّن أو يُقبَّح لغرض مرغوب، والفارق بين الأمرين، هو أن الفعل الذي يُحسن لصفة معقولة بالنسبة إليَّ، لا يمكن أن يكون قبيحا عقلا بالنسبة إلى غيري، أما الذي يُحسن لغرض، فهو حسن في نظري لاشتماله على ما ينفع نفسي، وقبيح بالنسبة لغيري، لاشتماله على ما يضره.
فلا يبعد أن يكون الجويني قد اصطنع نزاعا يليق بمجال أصول الفقه، حيث يجري الخلاف فيما إذا كان العقل يشرِّع أم لا، فلم يكن من اللائق الخوض في نزاع عقدي، يتجلى فيما إذا كان العقل يحسِّن أم لا، وقد تم تحريره في علم الكلام.
لذا فإن جوهر النزاع بين الأشاعرة وباقي المتكلمين في التحسين والتقبيح، لا يظهر للباحث من الوجهة الأصولية، من حيث إن أصول الفقه يبحث فيه عن أدلة الأحكام الشرعية، فكان من الطبيعي أن يتدارس الأصوليون دليل العقل في علاقته بالأحكام الشرعية فقط، أما في علم الكلام، فإن حديث المتكلمين عن العقل، اتخذ وجهة عقدية تجلت فيما إذا كان يحسِّن ويقبِّح أم لا.
وإن كان بحث الأصولي في المسألة متوقف على بحث المتكلم، فإنه من عادة العالِم أن لا يثير النزاع العقدي في غير محله، وإنما يعتبره مسلمة في أصول الفقه حتى يبني عليه.
وبالرجوع إلى الكتب العقدية، نجد النزاع قد تجلى فيما إذا كان العقل يُحسِّن ويقبِّح أم لا.
وهذا ما تنبَّه إليه ابن القيم (توفي : 751) بقوله:وقد زعم بعض نفاة التحسين والتقبيح -الأشاعرة- أن هذا متفق عليه -كالعدل والصدق- وهو راجع إلى الملائمة والمنافرة، بحسب اقتضاء الطباع، وقبولها للشيء وانتفاعها به ونفرتها من ضده، قالوا وهذا ليس الكلام فيه، وإنما الكلام في كون الفعل متعلقا للذم والمدح عاجلا والثواب والعقاب آجلا، فهذا الذي نفيناه وقلنا إنه لا يعلم إلا بالشرع، وقال خصومنا إنه معلوم بالعقل والعقل مقتض له، فيقال هذا فرار من الزحف، إذ ههنا أمران متغيران لا تلازم بينهما، أحدهما هل الفعل نفسه مشتمل على صفة اقتضت حسنه وقبحه، بحيث ينشأ الحسن والقبح منه فيكون منشأ لهما أم لا، والثاني أن الثواب المرتب على حسن الفعل، والعقاب المرتب على قبحه، ثابت بل واقع بالعقل أم لا يقع إلا بالشرع، ولما ذهب المعتزلة ومن وافقهم إلى تلازم الأصلين استطلتم عليهم وتمكنتم من إبداء تناقضهم وفضائحهم، ولما نفيتم أنتم الأصلين جميعا استطالوا عليكم وأبدوا من فضائحكم وخلافكم لصريح العقل والفطرة ما أبدوه، وهم غلطوا في تلازم الأصلين، وأنتم غلطتم في نفي الأصلين، والحق الذي لا يجد التناقض إليه السبيل أنه لا تلازم بينهما.
فهذا بيان لوجه النزاع بين الأشاعرة وغيرهم من الفرق الكلامية، أيكون للفعل وجه أو صفة معقولة تحدد وصفه من الحسن أو القبح أم لا، فالجويني تحدث في برهانه -باعتباره أصوليا- عن عدم تلازم الأصلين، أصل التحسين والتقبيح العقليين، وأصل الجزاء من تواب وعقاب، وكأنه يقر بتحسين العقل وتقبيحه في الشاهد، ثم إذا ما تحدث في إرشاده -باعتباره متكلما- عن الموضوع، وجدناه كباقي الأشاعرة يرفض دور العقل في التحسين والتقبيح، بل ويقيم الأدلة على بطلانه، وهو القائل في الإرشاد:فإننا قلنا ليس الحسن والقبح صفتين للقبيح والحسن وجهتين يقعان عليهما... فالذي أثبته المعتزلة من كون الحسن والقبيح على صفة وحكم قد أنكرناه عقلا وسمعا.
والسر في ذلك، أن علم الكلام يقتضي منه الإبانة عن مذهبه في قاعدة التحسين والتقبيح بوضوح، لما تنطوي تحته المسألة في المذهب، من قضايا عقدية أقلها بأسا مسألة أفعال العباد التي أشرنا إليها.
أما علم الأصول، فلا يستدعي مقامه الخوض في القاعدة إلا من ناحية أصولية، تتجلى فيما إذا كان التحسين والتقبيح باعتبار العقل، يستلزم تكليفا ثم ثوابا وعقابا أم لا.
وفي تقديري لا يختلف مذهب الجويني عن مذهب شيخه الأشعري، إذ كلاهما على وِفاق بأن الحسن والقبيح باعتبار الثواب والعقاب شرعيان، فلا يكون التكليف إلا عند ورود السمع، وباعتبار الأغراض -والمعبّر عنهما بالمنافع والمضار- يكون الحسن والقبح عقليين، إنما دون اعتقاد ذاتية هذين الوصفيين في الأفعال - كما هو مذهب متقدمي المعتزلة ومن وافقهم -أو بأن لهما وجوها عقلية حقيقية- كما هو مذهب متأخري المعتزلة ومن وافقهم - إنما الحسن والقبيح عند الشيخين، يكونان عقليين باعتبار الموافقة أو المخالفة، ولما كانت الأغراض في طور التبدل والتغير من حال إلى حال، لم يجز القول بأن منشأ الوصفيين كامن في الأفعال.
ويأتي من بعد أبو حامد الغزالي ففصّل مذهب شيخيه الجويني بتحديد ثلاثة اصطلاحات للحسن والقبيح أولها: إطلاق اسم الحسن على ما وافق الغرض والقبيح على ما خالفه، فلا يكون الحسن والقبيح باعتبار الأغراض ذاتيين في الأفعال.
وثانيها: إطلاق الحسن على ما أمر الشارع بالثناء على فاعله، ويدخل فيه أفعال الله تعالى والواجبات والمندوبات دون المباح، وإطلاق اسم القبيح على ما أمر الشارع بذم فاعله، ويدخل فيه الحرام دون المكروه.
وثالثها: إطلاق اسم الحسن على ما لفاعله مع العلم به والقدرة عليه أن يفعله، بمعنى نفي الحرج عنه، وهو أعم من الاعتبار الأول لدخول المباح فيه.
والقبيح في مقابلته، فما كان من أفعال الله تعالى بعد ورود الشرع فحسن بالاعتبار الثاني والثالث وقبله بالاعتبار الثالث، وما كان من أفعال العقلاء قبل ورود السمع فحسنه وقبحه بالاعتبار الأول والثالث وبعده بالاعتبارات الثلاثة.
وتفصيل ذلك، بأن نبين الخلفيات الكلامية التي تحكمت في صناعة هذا التقسيم دون غيره، فالاصطلاح الأول للحسن والقبيح عند الغزالي، جاء باعتبار الغرض، فما وافقه من الأفعال كان حسنا، وما خالفه كان قبيحا، سواء قبل ورود السمع أو بعده، فقتل زيد فعل حسن بالنسبة لأعدائه، قبيح بالنسبة لأوليائه، فلا يكون الحسن والقبح وصفين ذاتيين في الأفعال.
وقد اشترط الغزالي دخول أفعال العقلاء في هذا الباب، دون أفعال الله تعالى، وهي إشارة واضحة لنفي التعليل العقدي، فهو تعالى في عرف الأشاعرة لا يفعل لغرض، وبالتالي الحكم على فعل من أفعاله -قبل ورود السمع أو بعده- هو حسن وإن خالف أغراضنا، أما الاصطلاح الثاني فالحسن والقبيح يعرفان بالشرع، فالأول هو المقول فيه افعلوه من الواجبات والمندوبات، والثاني هو المقول فيه لا تفعلوه من المحرمات، وافق ذلك أغراضنا أم خالفها، ويدخل فيه أفعال العقلاء وأفعال الله تعالى بعد ورود السمع لا قبله.
وهذا القسم أصلَّ من خلاله الغزالي لمسألتين،
المسألة الأولى: أن التكليف -باعتباره افعل ولا تفعل- يرجع ثبوته إلى الشرع، دون العقل أو الغرض، فالأفعال لا يتميز بعضها عن بعض قبل ورود السمع بإيجاب أو تحريم.
أما المسألة الثانية: اعتبار أفعال الله تعالى حسنة، وفق ما حسنَّه السمع لا العقل أو الغرض، بمعنى أن فعله قبل ورود الشرع حسن على أي وجه وقع ولو خالف عقولنا وأغراضنا، أما بعد وروده فحسن على الوجه الذي أخبر به السمع فقط.
والاصطلاح الأخير، أشار فيه الغزالي إلى أن حسن الأفعال وقبحها يُعرف عند العقلاء قبل ورود السمع وبعده، وهو من قبيل الأفعال المباحة والمكروهة قبل مجيء الشرع باعتبار الأغراض، وبعده باعتبار السمع، ومثاله لو أن السيد كلَّف عبده ما لا يُطيق، لكان فعله قبيحا مكروها باعتبار الغرض والسمع.
أما في أفعال الله تعالى، لو أنزل شريعة لا قِبل لنا بتطبيقها، لكان فعله ذلك حسنا، وإن خالف عقولنا وأغراضنا، وهو الأمر الذي قاد الأشاعرة إلى تجويز نظرية التكليف بما لا يُطاق في علم الكلام، حيث دار الحديث عن أفعاله تعالى، أما في علم الأصول حيث أحكامه الشرعية، فقد أكدوا على أن القدرة شرط شرعي في التكليف، فعلمنا حسن التكليف بما يُطاق في فعله تعالى من هذا الوجه.
بهذا تبين لنا أن الفعل عند الغزالي، إذا لم يرد الشرع لا يتميز عن غيره إلا بالموافقة والمخالفة، وبالتالي فإن العقل عنده -متابعة لشيخه الجويني- يكون محسنا ومقبحا باعتبار موافقة ومخالفة الأغراض، فلا يمكن الاستناد إليه في استتباع الثواب والعقاب، لأن إدراكه يتغير بتغير أحوال الأغراض، وتبدلها من حين إلى آخر، فلا تكون أوصاف الحسن والقبح معلومة بضرورة العقل، بل بالأغراض التي قد تختلط عليه، مما يمنع ترتيب التكليف على أحكامه، وهو الدليل الذي عوَّل عليه الأشاعرة في الرد على المعتزلة حين قالوا:فنقول لهم لم ادعيتم العلم الضروري بالحسن والقبح، مع علمكم أن مخالفيكم طبقوا وجه الأرض، وأقل شرذمة منهم يزيدون على عدد أقل التواتر، ولا يسوغ اختصاص طائفة من العقلاء بضرب من العلوم الضرورية مع استواء الجميع في مداركها.
وهذا الكلام الذي ساقه الأشاعرة هو شطط من صنع الجدل، لأن الجم الغفير من الذين طبقوا وجه الأرض هم الذين يعتبرون الظلم -مثلا- قبيحا ببداهة عقولهم، ولما ورد السمع بتحريمه لم يكن ذلك غريبا عنهم.
وعلى أيٍ إذا كان الحسن والقبيح عند الأشاعرة غير مُدركَين بالعلم الضروري - كما صرح الأشاعرة أمثال الجويني ومن قبله شيخاه الباقلاني والأشعري- فلم يبق إلا النظر والخبر باعتبارهما من مسالك الإدراك.
فأما النظر فلا يستقل عن الخبر بحال في الوصول إلى الحقائق عند الأشاعرة، لأن دلالات العقول حظها في بعض المعلومات دون البعض، وأن لا سبيل للعاقل من جهتها إلى التوصل إلى معرفة أحكام الأفعال في القبح والحسن... و إن كان فيها دلالات يمكن أن يتوصل بها إلى معرفة أحكام الموجودات بالحدوث والقدم، والأوصاف التي تتبعها وتجري مجراها وتبنى عليها».
والسبب الوجيه عندهم في عدم حصول أحكام الأفعال عند العاقل بالنظر، هو أن العلم المكتسب يقوم على الضرورة باعتبارها أصل النظر، وقد علم بأن التحسين والتقبيح غير حاصلين من العلم الضروري، وبالتالي لا يمكن الاعتداد بالنظر العقلي في إصدار أحكام التكليف.
ومن بعد الغزالي يأتي الرازي (توفي : 606) الذي سلك هو الآخر طريقة الأشاعرة في نفي نظرية التكليف العقلي، اعتمادا على إبطال قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، فبعدما صرّح بأن الوصفين -الحسن والقبح- عقليان باعتبار الموافقة والمخالفة، وبأنهما شرعيان باعتبار المثوبة والعقوبة قال:وقد يُراد بهما- الحسن والقبيح- كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا العلم حسن والجهل قبيح،، ولا نزاع أيضا في كونهما عقليين بهذا التفسير.
عند هذا القسم الأخير الذي صرّح به الرازي، تكتمل أضرب الحسن والقبح بمعانيها الثلاثة، وإن لم يصرِّح من قبله الجويني ولا الغزالي بهذا الضرب الأخير -صفات الكمال والنقص- كما فعل هو، أو يشيرا إليه كما فعل الأشعري، فلأن اعتباره لا يخرج عن فحوى الموافقة والمخالفة، فالعلم -مثلا- صفة كمال تميل إليه الطباع السليمة، كما أن الجهل صفة نقص تنفر منه هذه الطباع، وفي هذا يقول ابن تيمية:والتحقيق أن هذا القسم -الكمال والنقص-لا يخالف الأول- الموافقة والمخالفة - فإن كان الكمال الذي يحصل للإنسان ببعض الأفعال هو يعود إلى الموافقة والمخالفة، وهو اللذة والألم، فالنفس تلتذ بما هو كمال لها وتتألم بالنقص، فيعود الكمال والنقص إلى الملائم والمنافي.
إلا أن ابن تيمية يرى بأن الحسن والقبيح باعتبار صفات الكمال والنقص، مذهب منقول عن الفلاسفة، انفرد به الرازي، ولم يسبق أن قال به أحد من الأشاعرة من قبل، ولعل شيخ الإسلام قصد التصريح بهذا القسم، لكون الأشعري له فضل السبق في الإشارة إليه لما قال:إن سبيل القبيح والحسن في الشاهد سبيل واحد، في أنه إنما يجتنب القبيح لما فيه من النقص والضرر الراجع إلى فاعله، ويختار الفعل الحسن والحكمة لما فيه من النفع و[الجمال] العائد إلى فاعله.
وعلى أي، فإن قاعدة التحسين والتقبيح العقليين في الشاهد، كلَّفت الأشاعرة ردودا نظرية عدة، ولو كانت تقتضي من قائليها مجرد شريعة عقلية، لاقتصروا في إبطالها على النصوص القرآنية والحديثية، الدالة على أن التكليف وما يتبعه من ثواب وعقاب، إنما مرجعه الشرع لا العقل، مما يعني أنهم اضطروا إلى إنكار هذه القاعدة العقلية، لعدم انسجامها مع مذهبهم العقدي، وهذا كله من تبعات المنهج المتبع في علم الكلام، فكل قضية من قضاياه يجب أن تكون مرتبطة بالتي تليها وفق طريقة نظرية معينة، فإذا ما شذَّ فرع عنها أو خرج من قضيته التي يتفرع منها، فرض عليهم المنهج رده إلى أصله، بما يتلاءم مع طبيعته بكل وسيلة ممكنة، حتى لا يتخلل المذهبَ ساعة المناظرة والجدل خللٌ أو زلل.
هامش المصادر والمراجع:
------------------------------------------------------------------------------
1- ابن فورك محمد بن الحسن: مجرد مقالات الشيخ الأشعري ص:96 (تحقيق وضبط) الدكتور أحمد عبد الرحيم السـايح، مكتبة الثقافة -الدينية بالقاهرة، ط1/1425 هـ.
2- الغزالي أبو حامد: المستصفى من علم الأصول 1/113 (تحقيق وتعليق) الدكتور محمد سليمان الأشقر – مؤسسة الرسالة – ط 1/ 1417هـ 1997م
3- الجويني: الإرشاد ص: 258 (حققه وعلق عليه وقدم له وفهرسه) محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد الحميد - مكتبة الخانجي - ط3/1422هـ 2002م.
4- الآمدي سيف الدين: الإحكام في أصول الأحكام 1/114 راجعها ودققها جماعة من العلماء– دار الكتب العلمية – بيروت. وابن السبكي: الإبهاج في شرح المنهاج 1/63 كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء– دار الكتب العلمية – ط1 /1404هـ .
5- الإسنوي جمال الدين: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص:61 حققه وعلق عليه وخرج نصه الدكتور محمد حسن هيتو –مؤسسة الرسالة–ط 2/1401هـ .
6- ابن السبكي: الإبهاج 1/61.
7- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص:96.
8- ابن فورك: المصدر نفسه ص:205.
9 - الجويني: الإرشاد ص: 258.
-10 ابن السبكي: الإبهاج 1/61.
-11 الغزالي: المنخول من تعليقات الأصول ص:8 (حققه وخرج نصه وعلق عليه) محمد حسن هيتو – دار الفكر – دمشق ط2 /1400هـ
12- كما هو الشأن بالنسبة إلى الإمام الآمدي في كتابه الإحكام في أصول الأحكام 1/114.
-13 كما هو الشأن بالنسبة إلى الإمام الإسنوي في كتابه التمهيد ص:61.
14- الإسنوي: التمهيد ص:61-62.
15- ابن السبكي: الإبهاج 1/63.
16- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص: 96.
17 - الإيجي عضد الدين: المواقف في علم الكلام ص: 323 -عالم الكتب– بيروت .
18- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص: 98.
19- الكسب عند الماتريدية هو القصد الذي يعتبر مناط الثواب والعقاب، ويأتي قبل الفعل المقارن للاستطاعة المخلوقة، وهو المعبَّر عنه بالكسب عندهم، أما الكسب عند الأشاعرة فإنه نفس تعلق هذه الاستطاعة بالمقدور، فيكون الكسب عندهم مع الفعل لا قبله.
20- عبد الرحمن كمال: علم أصول الدين وأثره في الفقه ص: 445-446 دار الكتب العلمية ط1 /1427هـ.
21- علم أصول الدين وأثره في الفقه 445.
22- ابن فورك: المصدر نفسه ص: 100.
23- ما دامت الأفعال لا يتميز بعضها عن بعض بحسن أو بقبح عقلا، فلا يُحكم على فعل من أفعاله تعالى بحسن أو بقبح على أي وجه وقع، مما يفضي إلى تجويز أن يفعل ما نظنه غير جائز في عقولنا.
24- ابن فورك: المصدر نفسه ص: 143.
25- ابن السبكي: طبقات الشافعية 2 /177 - دار المعرفة - ط.2.
26- ابن السبكي: المصدر نفسه 2 /177.
27- الزركشي بدر الدين: البحر المحيط في أصول الفقه 1/150 راجعه عمر سليمان الأشقر -وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت –ط2 /1413هـ.
28- تقي الدين أحمد بن تيمية: مجموع الفتاوى ص: 8/432 - 433 جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم مكتبة المعارف – الرباط.
29- الباقلاني أبو بكر: تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل ص:347-348 تحقيق الشيخ عماد الدين أحمد حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية ، ط.1 ـ 1407 هـ.
30- العروسي: المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص: 78- 79 دار حافظ ط1/1410 هـ.
31- الجويني أبو المعالي: البرهان في أصول الفقه 1/ 82- 83 (تحقيق) عبد العظيم محمود الديب- دار الوفاء - ط3 /1412هـ .
32- ابن القيم الجوزية: مدارج السالكين ص: 1/230-231 تحقيق محمد حامد الفقي - دار الكتاب العربي - ط.2/1393هـ.
33- الجويني: الإرشاد ص:261.
34- الغزالي: المستصفى 1/113.
35- الجويني: الإرشاد ص:261.
36- البناني: حاشية على شرح الجلال شمس الدين محمد المحلي على متن جمع الجوامع 1/57 - دار الفكر- بيروت/1402هـ .
37- الجويني: الإرشاد ص: 260.
38- الجويني: المصدر نفسه ص: 260.
39- الباقلاني: التمهيد ص:146.
40- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص:11.
41- ابن فورك: المصدر نفسه ص:30.
42- الرازي فخر الدين: المحصول في علم أصول الفقه 1/29 – دار الكتب العلمية – ط1 / 1408 هـ والأربعين في أصول الدين 1/346 - مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة ط1 /1406هـ.
43-مجموع الفتاوى 8/310 ابن تيمية تقي الدين.
44- ابن تيمية: المصدر نفسه 8/310.
45- في الغالب كلمة [الجمال] في عبارة الشيخ الأشعري موضوعة سهوا من الناسخ، والصحيح كلمة "الكمال" ليستقيم المعنى.
46- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص:143 .
مصطلح الحسن عند الأشاعرة عموما هو ما أمر به الله تعالى فيدخل فيه الواجب والندب دون المباح، لأن المباح غير مأمور به، فلا يكون حسنا، وهذا ما ذهب إليه شيخ الأشاعرة أبو الحسن الأشعري (توفي : 324) في مقالاته، ومن بعده الغزالي الذي قال:الحسن ما حسّنه الشرع بالثناء على فاعله.
وهي العبارة التي رددها من قبل شيخه أبو المعالي الجويني (توفي : 478) في إرشاده، وعوّل عليها أكثر الأشاعرة، ومعناها أن الحسن من الأفعال، ما حسَّنه السمع لا العقل، ليكون الحسن في مذهبهم ما قيل فيه افعلوه، فيدخل فيه حكمان تكليفيان الواجب والندب،
وجيء بقيد: بالثناء على فاعله لإخراج المباح الذي لا تعلق له بهذه الصيغة عندهم، إلا بعض المتأخرين أدخلوا المباح في الحسن، زعما منهم أنه مذهب الجمهور، وهو ما أشار إليه ابن السبكي (توفي : 771 ) لما حكى الخلاف في ذلك.
ولعله المذهب المختار، لأنه لا وجود لمنزلة بين الحسن والقبيح، حتى يُفترض بأن المباح لا حسن ولا قبيح، ولمجرد أن الشارع لم ينه عنه يكون حسنا، وإن لم يدخل في صيغة الأمر لكونها غير دالة عليه.
أما مصطلح القبيح، فيرى أبو الحسن الأشعري بأنه إنما كان قبيحا منا لتعلق نهي الله تعالى عنه به. أي أن الفعل إنما يكون قبيحا، لتعلقه بصيغة النهي، ولما كانت صيغة الأمر عند الأشعري، لا تقتضي الإيجاب بنفسها، لم تقتض صيغة النهي الحظر بنفسها أيضا، فيدخل المكروه في حد القبيح بجانب الحرام.
إلا أن الجويني خالف شيخه الأشعري، فأخرج المكروه من القبيح بقوله:القبيح ما ورد الشرع بذم فاعله، لكون المكروه لا يتعلق بفعله الذَّم.
ولم يَعلم ابن السبكي أحدا يُعتمد من المتأخرين خالف الجويني فيما قال، إلا ناسا أدركهم قالوا إن المكروه قبيح لأنه منهي عنه، والنهي يعم نهي تحريم ونهي تنزيه.
وتبنى مذهب الجويني تلميذه الغزالي، فقال في منخوله:القبيح ما قبّحه -الشارع- بالزجر عنه والذم عليه.
أضاف قيد: الزجر إلى الحد حتى يتبين المحدود الذي هو الحرام، ويتميز عن المكروه الذي لا تعلق للزجر بفعله، وقيد: الذَّم مشعر بخروج المكروه من الحد، فكان الأولى الاقتصار عليه.
وهذا التعريف عوّل عليه أكثر الأصوليين الأشاعرة، إلا قليلا منهم اتبعوا مذهب الأشعري، لكون اسم القبيح حسب رأيهم، يقع على كل ما نهى عنه الشارع، سواء كان حراما أو مكروها، والفعل إن لم ينه عنه الشارع كان حسنا، وقد عُلم أنه لا مدخل للمكروه في الحسن، فيكون مدخله في القبيح ضرورة.
ونسب بعضهم هذا المذهب الأخير إلى صاحب المنهاج ناصر الدين البيضاوي (توفي : 691 )، وبالوقوف على تعريفه لمصطلح القبيح، يتبين أنها نسبة لا تصح عنه، حيث قال في منهاجه معرفا القبيح أنه ما كان واقعا على صفة توجب الذم.
والمكروه لا يوجب بفعله الذم بحال.
من خلال تعاريف الحسن والقبيح عند الأشاعرة، يتبين أن الجهة الآمرة والناهية هي السمع، فيكون التكليف عندهم متوقفا على الشرع دون العقل، فالحسن هو الفعل المقول فيه افعلوه، سواء كان واجبا أو ندبا، والقبيح هو الفعل المقول فيه لا تفعلوه، سواء كان حراما أو مكروها، على اختلاف بينهم في المباح أيكون حسنا، وفي المكروه أيكون قبيحا.
وإن ذهب بعضهم إلى إخراج المباح من صيغة الحسن، والمكروه من صيغة القبيح، فلا يعني أن الوصفين عندهم عقليان، إنما لأجل أن صيغتي الأمر والنهي تدلان -بالتوالي- على الوجوب والحظر بذاتهما لا بقرائن مشيرة إليهما.
من هذا المنطلق بدأ الأشاعرة يؤصلون لنظرية التكليف الشرعي، انطلاقا من نقض قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، إلا أن الإشكال الذي يرد على جميعهم يتمثل في كونه تعالى -حسب المذهب الأشعري- لم يزل آمرا ناهيا بكلامه [النفسي القديم] والقول بالتحسين والتقبيح الشرعيين مطلقا، يلزم منه اعتقاد قدم الوصفين الحسن والقبح بقدم كلامه تعالى، واعتقاد تعدد القدماء باطل اتفاقا.
فأبو الحسن الأشعري باعتباره المؤسس الفعلي للمذهب لم يدع للخصم اعتراضا كهذا، فجاء بجديد عوّل عليه أكثر الأشاعرة من بعده فقال: إن القبيح إنما كان قبيحا منا لتعلق نهي الله تعالى عنه به، ونهيه كلامه، وكلامه غير مخلوق، فيجب أن يكون - القبيح - جاريا مجرى كونه معلوما، في باب أنه يتعلق بعلم ليس بفعل، فلا يصح أن يكون معلوما بفاعل، لما كان كونه معلوما يرجع فيه إلى تعلق علم قديم به... فإذا كان العلم به غير محدث، لم يجز أن يقال إنه معلوم بمحدثه.
والمقصد من هذا أن القبيح -وفي مقابله الحسن- وإن كان قبيحا لتعلق النهي به، فلا يعني أنه وصف قديم بقدم الكلام الإلهي، لأن ماهية التعلق ترجع إلى صفة العلم دون حدوث الفعل، فالله تعالى سبق في علمه كون الظلم -مثلا- منهيا عنه، ولا يستلزم هذا العلم حدوث الظلم، لكون صفة القدم من الصفات التي تفرد بها تعالى.
بهذا لا يكون الوصفان الحسن والقبح -حسب ما قاله الأشعري- قديمين، لتعلقهما بعلمه تعالى القديم لا بفعله المُحدث، فيكون الله آمرا بالحسن وناهيا عن القبيح فيما لم يزل عالما بهما.
وفي اعتقادي أن مثل هذه الإشكال من صنع الجدل، وأن الجواب عنه لا يشفي عليلا، فالأشعري عند حديثه عن الأفعال الإلهية، نجده يعلق الوصفين الحسن والقبح بالمشيئة، فقد يشاء تعالى أن يسمي الظلم حسنا فيأمر به، والعدل قبيحا فينهى عنه، بذريعة أن الوصفين الحسن والقبح لا حقيقة لهما، وعند حديثه عن الصفات الإلهية، نجده يعلق الوصفين بالعلم الإلهي، فيثبت لهما حقيقة علمية، فأنت ترى كيف أن أبواب الجدل موصدة، حتى إنك لا تكاد تميِّز الحجة من الشبهة، والسبب الذي كدر صفو العقيدة قياس الغائب على الشاهد، والأشعري نفسه استدرك الأمر في آخر حياته، فبسط الموضوع في الإبانة على المحجة البيضاء، وقد كفاه ذلك مئونة ما بذله في مؤلفاته القديمة.
والأشاعرة بعد أبي الحسن قسَّموا الكلام حول التحسين والتقبيح وفق ثلاثة أضرب، أما الضرب الأول: أن يكون الحسن صفة للكمال، والقبيح صفة للنقص، كأن يُقال العلم حسن لأنه من صفات الكمال، والجهل قبيح لأنه من صفات النقص.
والضرب الثاني: أن يكون الحسن والقبيح وصفين مُعبرَين عن موافقة ومخالفة الأغراض، ويعبّر عنهما بالمصلحة والمفسدة، فقتل زيد -مثلا- فيه مصلحة لأعدائه، فيكون القتل من جهتهم فعلا حسنا، ومن جهة أوليائه يكون فعلا قبيحا.
أما الضرب الثالث: هو أن يكون الحسن موجبا للمدح عاجلا وللثواب آجلا، وأن يكون القبيح موجبا للذم عاجلا وللعقاب آجلا.
فزعموا أن الاتفاق حاصل على أن الحسن والقبيح في الضربين الأولين عقليان، والاختلاف واقع حول الضرب الأخير، الأشاعرة ذهبوا إلى أن الحسن والقبيح باعتبار هذا الضرب شرعيان، وباقي المتكلمين ذهبوا إلى أنهما عقليان.
وهذا التقسيم الذي انتهى إليه الأشاعرة -في تقديري- لم يأت من فراغ، بل له دوافعه التي تبرره، كما له أطواره التي مر بها، وللوقوف على ذلك يلزم علينا تتبع أقوال الأشاعرة، بداية مع مؤسس المذهب أبي الحسن الأشعري، الذي نجده ينفي مسألة التحسين والتقبيح العقليين بإطلاق، بل ويقيم الأدلة على إبطالها في محاولة لنقض نظرية التكليف العقلي عند المعتزلة فيقول:إنَّ وصفنا لبعض الاكتساب بأنه قبيح منا، ولبعضها بأنه حسن منا، إنما يستحق ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه.
وقد أشار بقوله: الاكتساب إلى نظرية الكسب -وهي نظرية شبه غامضة- حاول من خلالها التوفيق بين كون الفعل مخلوقا لله تعالى، وبين كونه كسبا للعبد، فاعتبر قدرة العبد الحادثة مقارنة للفعل المقدور، وبالتالي فهي غير مؤثرة في إيجاده، وأن القدرة الإلهية هي المعنية بالتأثير والإيجاد، بمعنى أن القدرة الحادثة، لا تأثير لها في الفعل المقدور، لامتناع اجتماع قدرتين مؤثرتين على مقدور واحد.
ولم يبتعد الأشاعرة فيما بعد عن هذا التصور كثيرا، فجلهم يعتبرون العبد فاعلا مجازا لا حقيقة.
والسؤال الذي يفرض نفسه أمام هذا التصور يتجلى فيما إذا كان العبد مختارا أم لا، فإن قيل هو مختار على الحقيقة بإرادته وإن لم يكن فاعلا بقدرته على الحقيقة، يُقال إن كان قوله تعالى:
"وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" [الصافات:96]
هو الذي ألزمكم اعتقاد استقلالية القدرة الإلهية بالتأثير، وأن قدرة العبد لا وظيفة لها حيال هذه القدرة القديمة، فما يمنع أن يكون قوله:
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ اَلْعَالمَِينَ" [التكوير:29]
ملزما -أيضا- اعتقاد استقلال الإرادة الإلهية بالاختيار، وأن إرادة العبد لا وظيفة لها حيال هذه الإرادة القديمة، فإن أبطلتم هذا فهو من ذاك.
والذي أردت بيانه من خلال هذا، أن الأشاعرة فسَّروا الكسب على النحو الذي رأينا، ليس لأن الخصم خالف في نظرهم نصا، وإنما لأجل أن هذا التفسير يتلاءم مع منهجهم المتبع، فلو أنهم فسَّروا الكسب على الوجه الذي قاله الماتريدية، لما اضطروا إلى نفي قاعدة التحسين والتقبيح في الشاهد، ولمَّا كان التعليل ينبني على هذه القاعدة العقلية، فإنهم سيضطرون حينها إلى القول به بعدما هجروا المعتزلة بسببه.
لذا فإن نظرية الكسب عندهم كان عليها أن توفق بين النص وحقيقة الحرية الإنسانية من جهة، وبين النص وطريقة المنهج المتبع من جهة أخرى، فجاءت النظرية إثر ذلك شبه غامضة، وإن حاول بعضهم تفسيرها على وجه معقول، فعلى حساب توفيق دون آخر، فبعضهم ذهب إلى أن الكسب عبارة عن وقوع الفعل حقيقة بمجموع القدرتين، القدرة الإلهية والقدرة الإنسانية، فاقترب من الجادة من حيث إنه ابتعد عن الجبر، وخالف مذهبه الذي يمنع وقوع مقدرو بتأثير قدرتين عقلا، وبعضهم فسر الكسب بأنه وقوع المقدور بقدرة يخلقها الله تعالى في العبد فخالف مذهبه الذي ينص على أن فعله تعالى لا يتحقق بواسطة، رغم أنه اقترب من النصوص الشرعية التي تضيف الأفعال إلى العباد حقيقة.
والذي يهمنا من ذلك، أن قضية القدر ارتبط مقالها عند الأشاعرة بمسائل كلامية، أهمها مسألة التحسين والتقبيح، فالأشعري -كما سبق- ذهب إلى أن أفعال العباد لا حقيقة لها في الوجود، إلا من حيث كونها حسنة أو قبيحة بالشرع، وبمعنى أوضح، الأفعال لا يتميز بعضها عن بعض إلا بعد ورود السمع، ومثال ذلك الظلم، هو فعل قبيح لا لذاته أو لوجه معقول، وإنما هو كذلك لنهيه تعالى عنه.
فلو أن الإنسان أتى بكل كبيرة قبل ورود الشرع، ما كان ذلك منه ظلما أو عدلا، أما بعد وروده، فيكون هذا الفعل مجرد أمارة سمعية نصبها الشارع لثبوت العقاب، وليس علة موجبة لذلك، لأن الحسن والقبيح لو كانا موجبين للثواب والعقاب، وكانا علتين لهما، لم يجز أن يتأخر عنهما معلولهما من الثواب والعقاب، لأن العلة لا يجوز أن تتقدم المعلول ولا أن تتأخر عنه.
فشرب الخمر -مثلا- لو كان فعلا موجبا بذاته لحكم التحريم، لكان حراما قبل نزول الوحي، لأن عادة العلة أن يكون المعلول مقارنا لها، ولما جربنا تراخي حكم التحريم الذي هو المعلول، عن شرب الخمر الذي هو العلة إلا بعد مجيء السمع، علمنا أن شرب الخمر مجرد أمارة شرعية على حكم التحريم، وليس بعلة موجبة له.
مما يفيد أن الفعل لا حقيقة له خارج الشرع، من حيث إنه لا يتصور له وجود ذاتي أو عقلي، فما سماه تعالى في شرعه حسنا، جاز أن يسميه قبيحا.
هذا كله ليستدل الأشعري، على أن أفعال العباد وإن كانت من خلقه تعالى، وأن العباد غير فاعلين لها على الحقيقة، فإن فعله تعالى لها عن طريق الخلق لا يُوصف بحسن ولا بقبح، كما لا يُوصف شيء منها في الشاهد بحسن ولا بقبح، الأمر الذي قاده إلى اعتقاد مسألة التجويز ونفي تعليل أفعاله بالمصالح.
من هنا يتبين لنا كيف أن طريقة الأشاعرة في القدر، تعلقت بطريقتهم في التحسين والتقبيح، فكبائر الأفعال -مثلا- الصادرة من العباد، يخلقها الله تعالى ويفعلها من خلال قدرته حين يقصدها العباد، فيخرجها من العدم إلى الوجود وهي غير متصفة بحسن ولا بقبح إلا على طريقة السمع، فلم يقتض ذلك أنه فاعل للقبيح.
أما طريقة مثبتي التحسين والتقبيح العقليين في القدر، فقد جاءت مفسرة عندهم بما أثبتوه من تحسين وتقبيح، ففرقة المعتزلة قالت بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، لما تتصف به حقيقةً من ظلم وكذب وجور... فلم يجز أن ننسبها إليه تعالى كسبا ولا خلقا.
أما فرقة الماتريدية، فرغم إقرارها بأن العقل لا مجال له في تحسينٍ أو تقبيح في الأفعال الإلهية، فإن اعترافها بحقيقة الأفعال في الشاهد، واتصافها الذاتي بالحسن والقبح، وأنه تعالى هو خالقها، ألزمها اعتقاد القدر على طريقة تخول لها تعليل أفعاله تعالى بالمصالح، فقالت العباد يفعلون على الحقيقة حسن الأفعال وقبحها، بقدرة يخلقها الله فيهم، وبالتالي فإن المفاسد الصادرة منهم هي من فعلهم حقيقة، لعدم ثبوت جريان الأفعال الإلهية على خلاف المصالح.
وإذا كان الأشعري قد اكتفى بالتحسين والتقبيح الشرعيين، لموانع كلامية تجلت أكثر في قضايا القدر والتعليل والتجويز، فإن الاتفاق الحاصل على أن الأفعال قبل ورود السمع يتميز بعضها عن بعض عند العقلاء بمميِّز، اضطره إلى أن يجد مسوغا له فقال: سبيل القبيح والحسن في الشاهد سبيل واحد، في أنه إنما يجتنب القبيح لما فيه من النقص والضرر الراجع إلى فاعله، ويختار الفعل الحسن لما فيه من النفع و[الكمال] العائد إلى فاعله.
وهذه إشارة منه إلى ضربين من أضرب الحسن والقبيح، الضرب الأول جاء باعتبار الكمال والنقص، وذلك لما قال:إنما يجتنب القبيح لما فيه من النقص.. والحسن في مقابله، والضرب الثاني باعتبار موافقة أو مخالفة الأغراض المعبّر عنهما بقوله:ويختار الحسن لما فيه من النفع العائد إلى فاعله.. والقبيح في مقابله أيضا.
فيكون الأشعري أول من أشار إلى التقسيم الذي تبناه الأشاعرة فيما بعد، وإن لم يصرح به فإنه -كما رأينا- جعل الحسن والقبيح باعتبار الثواب والعقاب شرعيين، وباعتبار الأغراض وصفات الكمال والنقص عقليين، يدركان في الشاهد بالعقل، دون توقف على السمع.
وإذا كان الأشعري بهذا قد بوأ للعقل مكانة، في إدراك أوصاف الحسن والقبح، إنما في حدود كثيرا ما كان يقف عندها، ويشدد النكير على من تعداها من أصحابه، كأبي بكر الصيرفي (توفي : 330 )، والقفال الشاشي (توفي : 365 )، وابن أبي هريرة (توفي : 345 ) وغيرهم ممن قالوا بوجوب شكر المنعم عقلا في بدء أمرهم، نزولا عند مذهب المعتزلة.
ولخطورة هذه المقالة على المذهب المتبع، حاول بعض الأشاعرة رفعها بإيراد جملة من التفسيرات منها، أن هؤلاء الأصحاب برعوا في الفقه ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام، وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عبارتهم وقولهم بوجوب شكر المنعم عقلا، فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدي إليه هذه المقالة من قبيح المذهب
. إنما كيف يُعتذر للإمامين الصيرفي والقفال بمثل هذا الكلام، وقد أخذا علم الكلام معا عن الأشعري نفسه، حتى ابن السبكي لم يرقه مثل هذا الاعتذار، فكتب في طبقاته، أن القفال كان يذهب إلى ذلك في بدء اعتزاله، ولقد ثبت رجوعه عنه، كذلك الصيرفي، أكد غير واحد من المؤرخين، رجوعه عن القول بوجوب شيء عقلا، لما ناظر شيخه الأشعري، إلا ابن أبي هريرة لم يثبت عنه ذلك، لعدم رسوخ قدمه في الكلام.
والغرض الذي قصده الأشاعرة من رفع مقولة وجوب شكر المنعم عقلا عن أقوال متقدميهم، هو تفادي تهمة التحسين والتقبيح العقليين بالنسبة إليهم، لأن باقي المتكلمين، حين اعترفوا بدور العقل في التحسين والتقبيح، فبعدما أثبتوا أن العباد يكسبون أفعالهم على الحقيقة، أما الأشاعرة فلم يسعهم الاعتراف بتحسين العقل ولا تقبيحه، إثر اعتقادهم بأن العباد لا يفعلون على الحقيقة، إذ لو أنهم أقروا بوجوب شكر المنعم عقلا، لقادهم مقالهم ذلك إلى شناعات عقدية لا قِبل لهم بها.
ولبيان خطورة الوضع يُقال: إن اعتقاد العبد بأن فعله مخلوق، وأنه لا حيلة له في إيجاده أو عدمه، وأن كسبه له ليس على الحقيقة، من حيث إن قدرته المخلوقة غير مؤثرة فيه، لمقارنتها له وعدم تقدمها عليه، يفضي إلى أن القدرة القديمة هي الفاعلة، وبالتالي فإن جميع ما يصدر عن العباد من أفعال قبيحة، من ظلم وجور وكذب، هي من أفعال الله تعالى. فكان المخرج من هذا المأزق، إنكار التحسين والتقبيح العقليين بالمرة، بمعنى أن تلك الأفعال -الظلم والجور والكذب- إنما هي قبيحة لأجل أن الله سماها قبيحة، فلو أنه حسَّنها لكانت حسنة.
يقول ابن تيمية (توفي : 728) موضحا ذلك:أما الطرف الآخر في مسألة التحسين والتقبيح العقليين فهو من يقول: إن الأفعال لم تشتمل على صفات هي أحكام، ولا على صفات هي علل للأحكام... ويقولون إنه يجوز أن يأمر الله بالشرك بالله، وينهى عن عبادته وحده، ويجوز أن يأمر بالظلم والفواحش، وينهى عن البر والتقوى.... والمراد بصفات الأفعال: أوصاف الحسن والقبح، وبعللها: أغراض الفاعل تعالى، والمصالح التي رتبها على أحكامه، فالأشاعرة حين فسَّروا القدر، على طريقة هي أقرب إلى عقيدة الجبر منها إلى عقيدة الاختيار، اضطرهم ذلك -كما سلف- إلى نفي التحسين والتقبيح العقليين، ثم إلى نفي تعليل أفعال الله تعالى بالمصالح، مما ألزمهم اعتناق عقيدة التجويز، كتجويزهم أن يأمر تعالى بالظلم وما شاكله من قبائح الأفعال -تعالى الله علوا كبيرا- وهذا كله مما اقتضاه وقتها الجدل، من إفحام الخصم والذَّب عن المذهب المتبع، وهو الأمر الذي يفسر كيف أن علم الكلام، استوعب قضايا مجردة لا طائل من ورائها، فالقضية العقدية على بساطتها، تعلقت بها أمور معقدة، إثر كثرة التفريعات المصطنعة لها، فكان من البديهي أن تتضارب حولها الآراء، بل وتتناقض أحيانا في المذهب الواحد إن لم يتدارك ذلك أصحابه بفرض تخريجات، ولو كانت على حساب المعتقد.
وبالرجوع إلى مدرسة الأشاعرة، وموقفها من نظرية التكليف العقلي، نجد أن أبا الحسن الأشعري، وإن اعترف بقدرٍ من التحسين والتقبيح، فباعتبار الأغراض وصفات الكمال والنقص، أما باعتبار العقل فلا حقيقة للأفعال إلا بعد ورود السمع، ليس لأنه يأتي كاشفا عن حسنها وقبحها، وإنما ليسميها، فيأمر ببعضها وينهى عن باقيها.
وهو المذهب الذي عوَّل عليه جميع الأشاعرة فيما بعد، فالباقلاني (توفي : 403 ) سلك في نفي نظرية التكليف العقلي، مسلك شيخه الأشعري.
ثم يأتي أبو المعالي الجويني، الذي وإن لمح بقاعدة التحسين والتقبيح العقليين في كتابه البرهان، فإن تلميحه لم يأت في موضعه علم الكلام، وإنما اضطر إليه في أصول الفقه، وقد ظن بعض المفكرين أنه المذهب الذي استقر عليه وليس الأمر كذلك، بيد أن مذهبه العقدي لا يسمح له بذلك، وقد رأينا كيف أن مجرد إثبات وجوب شكر المنعم عقلا في الفكر الأشعري، يقود قائله إلى مزالق عقدية شنيعة، فكيف بمن أثبت التحسين والتقبيح العقليين بإطلاق، وكل ما هنالك أنه كتب في برهانه ما نصه:والمسلك الحق عندي في ذلك، الجامع لمحاسن المذاهب، الناقض لمساويها، أن نقول: لسنا ننكر أن العقول تقتضي من أربابها اجتناب المهالك و ابتدار المنافع الممكنة على تفاصيل فيها، وجحد هذا خروج عن المعقول، ولكن ذلك في حق الآدميين، والكلام في مسألتنا مداره على ما يُقبَّح ويحسن في حكم الله تعالى.
فالملاحظ أن الجويني، لا يكاد يفرق بين ما يُحسن أو يُقبَّح من الأفعال لذاته أو لوجه معقول، وبين ما يُحسَّن أو يُقبَّح لغرض مرغوب، والفارق بين الأمرين، هو أن الفعل الذي يُحسن لصفة معقولة بالنسبة إليَّ، لا يمكن أن يكون قبيحا عقلا بالنسبة إلى غيري، أما الذي يُحسن لغرض، فهو حسن في نظري لاشتماله على ما ينفع نفسي، وقبيح بالنسبة لغيري، لاشتماله على ما يضره.
فلا يبعد أن يكون الجويني قد اصطنع نزاعا يليق بمجال أصول الفقه، حيث يجري الخلاف فيما إذا كان العقل يشرِّع أم لا، فلم يكن من اللائق الخوض في نزاع عقدي، يتجلى فيما إذا كان العقل يحسِّن أم لا، وقد تم تحريره في علم الكلام.
لذا فإن جوهر النزاع بين الأشاعرة وباقي المتكلمين في التحسين والتقبيح، لا يظهر للباحث من الوجهة الأصولية، من حيث إن أصول الفقه يبحث فيه عن أدلة الأحكام الشرعية، فكان من الطبيعي أن يتدارس الأصوليون دليل العقل في علاقته بالأحكام الشرعية فقط، أما في علم الكلام، فإن حديث المتكلمين عن العقل، اتخذ وجهة عقدية تجلت فيما إذا كان يحسِّن ويقبِّح أم لا.
وإن كان بحث الأصولي في المسألة متوقف على بحث المتكلم، فإنه من عادة العالِم أن لا يثير النزاع العقدي في غير محله، وإنما يعتبره مسلمة في أصول الفقه حتى يبني عليه.
وبالرجوع إلى الكتب العقدية، نجد النزاع قد تجلى فيما إذا كان العقل يُحسِّن ويقبِّح أم لا.
وهذا ما تنبَّه إليه ابن القيم (توفي : 751) بقوله:وقد زعم بعض نفاة التحسين والتقبيح -الأشاعرة- أن هذا متفق عليه -كالعدل والصدق- وهو راجع إلى الملائمة والمنافرة، بحسب اقتضاء الطباع، وقبولها للشيء وانتفاعها به ونفرتها من ضده، قالوا وهذا ليس الكلام فيه، وإنما الكلام في كون الفعل متعلقا للذم والمدح عاجلا والثواب والعقاب آجلا، فهذا الذي نفيناه وقلنا إنه لا يعلم إلا بالشرع، وقال خصومنا إنه معلوم بالعقل والعقل مقتض له، فيقال هذا فرار من الزحف، إذ ههنا أمران متغيران لا تلازم بينهما، أحدهما هل الفعل نفسه مشتمل على صفة اقتضت حسنه وقبحه، بحيث ينشأ الحسن والقبح منه فيكون منشأ لهما أم لا، والثاني أن الثواب المرتب على حسن الفعل، والعقاب المرتب على قبحه، ثابت بل واقع بالعقل أم لا يقع إلا بالشرع، ولما ذهب المعتزلة ومن وافقهم إلى تلازم الأصلين استطلتم عليهم وتمكنتم من إبداء تناقضهم وفضائحهم، ولما نفيتم أنتم الأصلين جميعا استطالوا عليكم وأبدوا من فضائحكم وخلافكم لصريح العقل والفطرة ما أبدوه، وهم غلطوا في تلازم الأصلين، وأنتم غلطتم في نفي الأصلين، والحق الذي لا يجد التناقض إليه السبيل أنه لا تلازم بينهما.
فهذا بيان لوجه النزاع بين الأشاعرة وغيرهم من الفرق الكلامية، أيكون للفعل وجه أو صفة معقولة تحدد وصفه من الحسن أو القبح أم لا، فالجويني تحدث في برهانه -باعتباره أصوليا- عن عدم تلازم الأصلين، أصل التحسين والتقبيح العقليين، وأصل الجزاء من تواب وعقاب، وكأنه يقر بتحسين العقل وتقبيحه في الشاهد، ثم إذا ما تحدث في إرشاده -باعتباره متكلما- عن الموضوع، وجدناه كباقي الأشاعرة يرفض دور العقل في التحسين والتقبيح، بل ويقيم الأدلة على بطلانه، وهو القائل في الإرشاد:فإننا قلنا ليس الحسن والقبح صفتين للقبيح والحسن وجهتين يقعان عليهما... فالذي أثبته المعتزلة من كون الحسن والقبيح على صفة وحكم قد أنكرناه عقلا وسمعا.
والسر في ذلك، أن علم الكلام يقتضي منه الإبانة عن مذهبه في قاعدة التحسين والتقبيح بوضوح، لما تنطوي تحته المسألة في المذهب، من قضايا عقدية أقلها بأسا مسألة أفعال العباد التي أشرنا إليها.
أما علم الأصول، فلا يستدعي مقامه الخوض في القاعدة إلا من ناحية أصولية، تتجلى فيما إذا كان التحسين والتقبيح باعتبار العقل، يستلزم تكليفا ثم ثوابا وعقابا أم لا.
وفي تقديري لا يختلف مذهب الجويني عن مذهب شيخه الأشعري، إذ كلاهما على وِفاق بأن الحسن والقبيح باعتبار الثواب والعقاب شرعيان، فلا يكون التكليف إلا عند ورود السمع، وباعتبار الأغراض -والمعبّر عنهما بالمنافع والمضار- يكون الحسن والقبح عقليين، إنما دون اعتقاد ذاتية هذين الوصفيين في الأفعال - كما هو مذهب متقدمي المعتزلة ومن وافقهم -أو بأن لهما وجوها عقلية حقيقية- كما هو مذهب متأخري المعتزلة ومن وافقهم - إنما الحسن والقبيح عند الشيخين، يكونان عقليين باعتبار الموافقة أو المخالفة، ولما كانت الأغراض في طور التبدل والتغير من حال إلى حال، لم يجز القول بأن منشأ الوصفيين كامن في الأفعال.
ويأتي من بعد أبو حامد الغزالي ففصّل مذهب شيخيه الجويني بتحديد ثلاثة اصطلاحات للحسن والقبيح أولها: إطلاق اسم الحسن على ما وافق الغرض والقبيح على ما خالفه، فلا يكون الحسن والقبيح باعتبار الأغراض ذاتيين في الأفعال.
وثانيها: إطلاق الحسن على ما أمر الشارع بالثناء على فاعله، ويدخل فيه أفعال الله تعالى والواجبات والمندوبات دون المباح، وإطلاق اسم القبيح على ما أمر الشارع بذم فاعله، ويدخل فيه الحرام دون المكروه.
وثالثها: إطلاق اسم الحسن على ما لفاعله مع العلم به والقدرة عليه أن يفعله، بمعنى نفي الحرج عنه، وهو أعم من الاعتبار الأول لدخول المباح فيه.
والقبيح في مقابلته، فما كان من أفعال الله تعالى بعد ورود الشرع فحسن بالاعتبار الثاني والثالث وقبله بالاعتبار الثالث، وما كان من أفعال العقلاء قبل ورود السمع فحسنه وقبحه بالاعتبار الأول والثالث وبعده بالاعتبارات الثلاثة.
وتفصيل ذلك، بأن نبين الخلفيات الكلامية التي تحكمت في صناعة هذا التقسيم دون غيره، فالاصطلاح الأول للحسن والقبيح عند الغزالي، جاء باعتبار الغرض، فما وافقه من الأفعال كان حسنا، وما خالفه كان قبيحا، سواء قبل ورود السمع أو بعده، فقتل زيد فعل حسن بالنسبة لأعدائه، قبيح بالنسبة لأوليائه، فلا يكون الحسن والقبح وصفين ذاتيين في الأفعال.
وقد اشترط الغزالي دخول أفعال العقلاء في هذا الباب، دون أفعال الله تعالى، وهي إشارة واضحة لنفي التعليل العقدي، فهو تعالى في عرف الأشاعرة لا يفعل لغرض، وبالتالي الحكم على فعل من أفعاله -قبل ورود السمع أو بعده- هو حسن وإن خالف أغراضنا، أما الاصطلاح الثاني فالحسن والقبيح يعرفان بالشرع، فالأول هو المقول فيه افعلوه من الواجبات والمندوبات، والثاني هو المقول فيه لا تفعلوه من المحرمات، وافق ذلك أغراضنا أم خالفها، ويدخل فيه أفعال العقلاء وأفعال الله تعالى بعد ورود السمع لا قبله.
وهذا القسم أصلَّ من خلاله الغزالي لمسألتين،
المسألة الأولى: أن التكليف -باعتباره افعل ولا تفعل- يرجع ثبوته إلى الشرع، دون العقل أو الغرض، فالأفعال لا يتميز بعضها عن بعض قبل ورود السمع بإيجاب أو تحريم.
أما المسألة الثانية: اعتبار أفعال الله تعالى حسنة، وفق ما حسنَّه السمع لا العقل أو الغرض، بمعنى أن فعله قبل ورود الشرع حسن على أي وجه وقع ولو خالف عقولنا وأغراضنا، أما بعد وروده فحسن على الوجه الذي أخبر به السمع فقط.
والاصطلاح الأخير، أشار فيه الغزالي إلى أن حسن الأفعال وقبحها يُعرف عند العقلاء قبل ورود السمع وبعده، وهو من قبيل الأفعال المباحة والمكروهة قبل مجيء الشرع باعتبار الأغراض، وبعده باعتبار السمع، ومثاله لو أن السيد كلَّف عبده ما لا يُطيق، لكان فعله قبيحا مكروها باعتبار الغرض والسمع.
أما في أفعال الله تعالى، لو أنزل شريعة لا قِبل لنا بتطبيقها، لكان فعله ذلك حسنا، وإن خالف عقولنا وأغراضنا، وهو الأمر الذي قاد الأشاعرة إلى تجويز نظرية التكليف بما لا يُطاق في علم الكلام، حيث دار الحديث عن أفعاله تعالى، أما في علم الأصول حيث أحكامه الشرعية، فقد أكدوا على أن القدرة شرط شرعي في التكليف، فعلمنا حسن التكليف بما يُطاق في فعله تعالى من هذا الوجه.
بهذا تبين لنا أن الفعل عند الغزالي، إذا لم يرد الشرع لا يتميز عن غيره إلا بالموافقة والمخالفة، وبالتالي فإن العقل عنده -متابعة لشيخه الجويني- يكون محسنا ومقبحا باعتبار موافقة ومخالفة الأغراض، فلا يمكن الاستناد إليه في استتباع الثواب والعقاب، لأن إدراكه يتغير بتغير أحوال الأغراض، وتبدلها من حين إلى آخر، فلا تكون أوصاف الحسن والقبح معلومة بضرورة العقل، بل بالأغراض التي قد تختلط عليه، مما يمنع ترتيب التكليف على أحكامه، وهو الدليل الذي عوَّل عليه الأشاعرة في الرد على المعتزلة حين قالوا:فنقول لهم لم ادعيتم العلم الضروري بالحسن والقبح، مع علمكم أن مخالفيكم طبقوا وجه الأرض، وأقل شرذمة منهم يزيدون على عدد أقل التواتر، ولا يسوغ اختصاص طائفة من العقلاء بضرب من العلوم الضرورية مع استواء الجميع في مداركها.
وهذا الكلام الذي ساقه الأشاعرة هو شطط من صنع الجدل، لأن الجم الغفير من الذين طبقوا وجه الأرض هم الذين يعتبرون الظلم -مثلا- قبيحا ببداهة عقولهم، ولما ورد السمع بتحريمه لم يكن ذلك غريبا عنهم.
وعلى أيٍ إذا كان الحسن والقبيح عند الأشاعرة غير مُدركَين بالعلم الضروري - كما صرح الأشاعرة أمثال الجويني ومن قبله شيخاه الباقلاني والأشعري- فلم يبق إلا النظر والخبر باعتبارهما من مسالك الإدراك.
فأما النظر فلا يستقل عن الخبر بحال في الوصول إلى الحقائق عند الأشاعرة، لأن دلالات العقول حظها في بعض المعلومات دون البعض، وأن لا سبيل للعاقل من جهتها إلى التوصل إلى معرفة أحكام الأفعال في القبح والحسن... و إن كان فيها دلالات يمكن أن يتوصل بها إلى معرفة أحكام الموجودات بالحدوث والقدم، والأوصاف التي تتبعها وتجري مجراها وتبنى عليها».
والسبب الوجيه عندهم في عدم حصول أحكام الأفعال عند العاقل بالنظر، هو أن العلم المكتسب يقوم على الضرورة باعتبارها أصل النظر، وقد علم بأن التحسين والتقبيح غير حاصلين من العلم الضروري، وبالتالي لا يمكن الاعتداد بالنظر العقلي في إصدار أحكام التكليف.
ومن بعد الغزالي يأتي الرازي (توفي : 606) الذي سلك هو الآخر طريقة الأشاعرة في نفي نظرية التكليف العقلي، اعتمادا على إبطال قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، فبعدما صرّح بأن الوصفين -الحسن والقبح- عقليان باعتبار الموافقة والمخالفة، وبأنهما شرعيان باعتبار المثوبة والعقوبة قال:وقد يُراد بهما- الحسن والقبيح- كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا العلم حسن والجهل قبيح،، ولا نزاع أيضا في كونهما عقليين بهذا التفسير.
عند هذا القسم الأخير الذي صرّح به الرازي، تكتمل أضرب الحسن والقبح بمعانيها الثلاثة، وإن لم يصرِّح من قبله الجويني ولا الغزالي بهذا الضرب الأخير -صفات الكمال والنقص- كما فعل هو، أو يشيرا إليه كما فعل الأشعري، فلأن اعتباره لا يخرج عن فحوى الموافقة والمخالفة، فالعلم -مثلا- صفة كمال تميل إليه الطباع السليمة، كما أن الجهل صفة نقص تنفر منه هذه الطباع، وفي هذا يقول ابن تيمية:والتحقيق أن هذا القسم -الكمال والنقص-لا يخالف الأول- الموافقة والمخالفة - فإن كان الكمال الذي يحصل للإنسان ببعض الأفعال هو يعود إلى الموافقة والمخالفة، وهو اللذة والألم، فالنفس تلتذ بما هو كمال لها وتتألم بالنقص، فيعود الكمال والنقص إلى الملائم والمنافي.
إلا أن ابن تيمية يرى بأن الحسن والقبيح باعتبار صفات الكمال والنقص، مذهب منقول عن الفلاسفة، انفرد به الرازي، ولم يسبق أن قال به أحد من الأشاعرة من قبل، ولعل شيخ الإسلام قصد التصريح بهذا القسم، لكون الأشعري له فضل السبق في الإشارة إليه لما قال:إن سبيل القبيح والحسن في الشاهد سبيل واحد، في أنه إنما يجتنب القبيح لما فيه من النقص والضرر الراجع إلى فاعله، ويختار الفعل الحسن والحكمة لما فيه من النفع و[الجمال] العائد إلى فاعله.
وعلى أي، فإن قاعدة التحسين والتقبيح العقليين في الشاهد، كلَّفت الأشاعرة ردودا نظرية عدة، ولو كانت تقتضي من قائليها مجرد شريعة عقلية، لاقتصروا في إبطالها على النصوص القرآنية والحديثية، الدالة على أن التكليف وما يتبعه من ثواب وعقاب، إنما مرجعه الشرع لا العقل، مما يعني أنهم اضطروا إلى إنكار هذه القاعدة العقلية، لعدم انسجامها مع مذهبهم العقدي، وهذا كله من تبعات المنهج المتبع في علم الكلام، فكل قضية من قضاياه يجب أن تكون مرتبطة بالتي تليها وفق طريقة نظرية معينة، فإذا ما شذَّ فرع عنها أو خرج من قضيته التي يتفرع منها، فرض عليهم المنهج رده إلى أصله، بما يتلاءم مع طبيعته بكل وسيلة ممكنة، حتى لا يتخلل المذهبَ ساعة المناظرة والجدل خللٌ أو زلل.
هامش المصادر والمراجع:
------------------------------------------------------------------------------
1- ابن فورك محمد بن الحسن: مجرد مقالات الشيخ الأشعري ص:96 (تحقيق وضبط) الدكتور أحمد عبد الرحيم السـايح، مكتبة الثقافة -الدينية بالقاهرة، ط1/1425 هـ.
2- الغزالي أبو حامد: المستصفى من علم الأصول 1/113 (تحقيق وتعليق) الدكتور محمد سليمان الأشقر – مؤسسة الرسالة – ط 1/ 1417هـ 1997م
3- الجويني: الإرشاد ص: 258 (حققه وعلق عليه وقدم له وفهرسه) محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد الحميد - مكتبة الخانجي - ط3/1422هـ 2002م.
4- الآمدي سيف الدين: الإحكام في أصول الأحكام 1/114 راجعها ودققها جماعة من العلماء– دار الكتب العلمية – بيروت. وابن السبكي: الإبهاج في شرح المنهاج 1/63 كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء– دار الكتب العلمية – ط1 /1404هـ .
5- الإسنوي جمال الدين: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص:61 حققه وعلق عليه وخرج نصه الدكتور محمد حسن هيتو –مؤسسة الرسالة–ط 2/1401هـ .
6- ابن السبكي: الإبهاج 1/61.
7- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص:96.
8- ابن فورك: المصدر نفسه ص:205.
9 - الجويني: الإرشاد ص: 258.
-10 ابن السبكي: الإبهاج 1/61.
-11 الغزالي: المنخول من تعليقات الأصول ص:8 (حققه وخرج نصه وعلق عليه) محمد حسن هيتو – دار الفكر – دمشق ط2 /1400هـ
12- كما هو الشأن بالنسبة إلى الإمام الآمدي في كتابه الإحكام في أصول الأحكام 1/114.
-13 كما هو الشأن بالنسبة إلى الإمام الإسنوي في كتابه التمهيد ص:61.
14- الإسنوي: التمهيد ص:61-62.
15- ابن السبكي: الإبهاج 1/63.
16- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص: 96.
17 - الإيجي عضد الدين: المواقف في علم الكلام ص: 323 -عالم الكتب– بيروت .
18- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص: 98.
19- الكسب عند الماتريدية هو القصد الذي يعتبر مناط الثواب والعقاب، ويأتي قبل الفعل المقارن للاستطاعة المخلوقة، وهو المعبَّر عنه بالكسب عندهم، أما الكسب عند الأشاعرة فإنه نفس تعلق هذه الاستطاعة بالمقدور، فيكون الكسب عندهم مع الفعل لا قبله.
20- عبد الرحمن كمال: علم أصول الدين وأثره في الفقه ص: 445-446 دار الكتب العلمية ط1 /1427هـ.
21- علم أصول الدين وأثره في الفقه 445.
22- ابن فورك: المصدر نفسه ص: 100.
23- ما دامت الأفعال لا يتميز بعضها عن بعض بحسن أو بقبح عقلا، فلا يُحكم على فعل من أفعاله تعالى بحسن أو بقبح على أي وجه وقع، مما يفضي إلى تجويز أن يفعل ما نظنه غير جائز في عقولنا.
24- ابن فورك: المصدر نفسه ص: 143.
25- ابن السبكي: طبقات الشافعية 2 /177 - دار المعرفة - ط.2.
26- ابن السبكي: المصدر نفسه 2 /177.
27- الزركشي بدر الدين: البحر المحيط في أصول الفقه 1/150 راجعه عمر سليمان الأشقر -وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت –ط2 /1413هـ.
28- تقي الدين أحمد بن تيمية: مجموع الفتاوى ص: 8/432 - 433 جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم مكتبة المعارف – الرباط.
29- الباقلاني أبو بكر: تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل ص:347-348 تحقيق الشيخ عماد الدين أحمد حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية ، ط.1 ـ 1407 هـ.
30- العروسي: المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين ص: 78- 79 دار حافظ ط1/1410 هـ.
31- الجويني أبو المعالي: البرهان في أصول الفقه 1/ 82- 83 (تحقيق) عبد العظيم محمود الديب- دار الوفاء - ط3 /1412هـ .
32- ابن القيم الجوزية: مدارج السالكين ص: 1/230-231 تحقيق محمد حامد الفقي - دار الكتاب العربي - ط.2/1393هـ.
33- الجويني: الإرشاد ص:261.
34- الغزالي: المستصفى 1/113.
35- الجويني: الإرشاد ص:261.
36- البناني: حاشية على شرح الجلال شمس الدين محمد المحلي على متن جمع الجوامع 1/57 - دار الفكر- بيروت/1402هـ .
37- الجويني: الإرشاد ص: 260.
38- الجويني: المصدر نفسه ص: 260.
39- الباقلاني: التمهيد ص:146.
40- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص:11.
41- ابن فورك: المصدر نفسه ص:30.
42- الرازي فخر الدين: المحصول في علم أصول الفقه 1/29 – دار الكتب العلمية – ط1 / 1408 هـ والأربعين في أصول الدين 1/346 - مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة ط1 /1406هـ.
43-مجموع الفتاوى 8/310 ابن تيمية تقي الدين.
44- ابن تيمية: المصدر نفسه 8/310.
45- في الغالب كلمة [الجمال] في عبارة الشيخ الأشعري موضوعة سهوا من الناسخ، والصحيح كلمة "الكمال" ليستقيم المعنى.
46- ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري ص:143 .
الكلمات المفتاحية :
عقيدة الاشاعرة
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: