الفقه الحنبلي - البيوع - النخل - السلم
(فصل) فأما النوع الواحد من بساتين فلا يتبع أحدهما الآخر في جواز بيع أحدهما ببدو صلاح الآخر سواء كانا متجاورين أو متباعدين وهذا مذهب الشافعي، وحكي عن أحمد ان بدو الصلاح
في شجرة من القراح صلاح له ولما قاربه وبهذا
قال مالك، لانهما يتقاربان في الصلاح فأشبه القراح الواحد ولان المقصود الامن من العاهة وقد وجد والاول المذهب لانه إنما جعل ما لم يبد صلاحه
بمنزلة ما بدا دفعا لضرر الاشتراك واختلاف الايدي وإلا فالاصل اعتبار كل شئ بنفسه والذي في القراح الآخر لا يوجد فيه هذا الضرر فوجب أن لايتبع الآخر كما لو تباعدا فان بدا صلاح النوع
الواحد فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه من بقية النوع من ذلك البستان لم يجز لدخوله تحت عموم النهي وتعذر قياسه على الصورة المخصوصة من العموم وهي إذا باعه ما بدا صلاحه لانه دخل في البيع تبعا
دفعا لمضرة الاشتراك ولا يوجد ذلك ههنا، ولانه قد يدخل في البيع تبعا ما لا يجوز افراده كالثمرة تباع مع الاصل والزرع مع الارض، ويحتمل الجواز لان الكل في حكم ما بدا صلاحه فأشبه بيعه معه
وكما لو أفرد بالبيع ما بدا صلاحه { مسألة } (وبدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وفي العنب أو يتموه، وفي سائر الثمار
أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله) وجملة ذلك أن ما كان من الثمر يتغير لونه عند صلاحه كثمرة النخل والعنب غير الابيض والاجاص
فبدو صلاحه بذلك، فان كان العنب أبيض فصلاحه بتموهه وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفو
لونه، فان كان مما لا يتلون كالتفاح ونحوه فبأن يحلو ويطيب، وإن كان بطيخا أو نحوه فبأن ينمو وفيه النضج
وإن كان مما لا يتغير لونه ويؤكل طيبا كالقثاء والخيار فصلاحه بلوغه أن يؤكل عادة، وقال القاضي وأصحاب الشافعي بلوغه تناهي عظمه وما قلناه أشبه بصلاحه مما قالوه فان بدو صلاح الشئ ابتداؤه
وتناهي عظمه آخر صلاحه، ولان بدو الصلاح في الثمر يسبق حال الجزاز فلا يجوز أن يجعل بدو صلاحه فيما يقاس عليه بسبقه قطعه عادة وما قلنا في هذا الفصل فهو قول مالك والشافعي وكثير من
أهل العلم أو مقارب له، وقال عطاء لا يباع حتى يؤكل من الثمر قليل أو كثير وروي عن ابن عمر وابن عباس ولعلهم أرادوا صلاحه للاكل فيرجع معناه إلى ما قلنا فان ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل متفق عليه، وان أرادوا حقيقة الاكل فيحمل على ذلك موافقة لا كثر الاخبار وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الثمر حتى يطيب
أكله متفق عليه، ونهى أن تباع الثمرة حتى تزهو قيل وما تزهو؟ قال " تحمار أو تصفار " رواه البخاري ونهى عن بيع العنب حتى يسود، رواه الترمذي وابن ماجه والاحاديث في هذا كثيرة كلها تدل
على هذا المعنى والله أعلم.
{ مسألة } (ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع الا أن يشترطه المبتاع)
إذا باع عبده أو أمته وله مال ملكه إياه أو خصه به فهو للبائع لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " رواه مسلم
وغيره ولان العبد وماله للبائع، فإذا باع العبد اختص البيع به دون غيره كما لو كان له عبدان فباع أحدهما وان اشترطه المبتاع كان له للخبر، روي ذلك عن عمر بن الخطاب وقضى به شريح، وبه
قال مالك والشافعي وإسحاق.
{ مسألة } (فان كان قصده المال اشترط علمه وسائر شروط المبيع، وإن لم يكن قصده
المال لم يشترط علمه) إذا اشترى عبدا واشترط ماله وكان المال مقصودا بالشراء صح اشتراطه للخبر ويشترط أن يوجد
فيه شرائط البيع من العلم به وألا يكون بينه وبين الثمن ربا كما يعتبر ذلك في العينين المبيعتين لانه مبيع مقصود فأشبه مالو ضم إلى العبد عينا أخرى وباعهما، وان لم يكن قصده المال صح شرطه وان كان
مجهولا نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وأبي ثور والبتي، وسواء كان المال من جنس الثمن أو من غير جنسه عينا كان أو دينا، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو اكثر.
قال البتي: إذا باع عبدا بالف
درهم ومعه ألف درهم فالبيع جائز إذا كان رغبة المبتاع في العبد لا في الدراهم وذلك لانه دخل في البيع تبعا غير مقصود فأشبه أساسات الحيطان والتمويه بالذهب في السقوف، وقال القاضي: هذا
ينبني على كون العبد يملك اولا يملك.
فان قلنا لا يملك فاشترط المشتري ماله صار مبيعا معه فاشترط فيه ما يشترط في سائر المبيعات وهو مذهب أبي حنيفة، وان قلنا يملك احتملت فيه الجهالة وغيرها مما
ذكرنا من قبل أنه بيع تبعا فهو كطي الآبار، وهذا خلاف نص أحمد والخرقي فانهما جعلا الشرط الذي يختلف الحكم به قصد المشتري دون غيره.
قال شيخنا: وهو أصح إن شاء الله تعالى، واحتمال
الجهالة فيه لكونه غير مقصود كاللبن في الضرع والحمل في البطن وأشباه ذلك فانه مبيع ويحتمل فيه الجهالة وغيرها لما ذكرنا، وقد قيل ان المال ليس بمبيع ههنا، وانما استيقاء المشتري على ملك العبد
فلا يزول عنه إلى البائع وهو قريب من الاول (فصل) وإذا اشترط مال العبد في الشراء ثم رده باقالة أو عيب رد ماله وقال داود يرده دون ماله
لان ماله لم يدخل فيه فأشبه النماء الحادث عنده، ولنا أنه عين مال أخذها المشتري لا تحصل بدون البيع فيردها بالفسخ كالعبد، ولان العبد إذا كان ذا مال كانت قيمته أكثر فأخذ ماله ينقص قيمته فلم يملك
رده حتى يدفع ما يزيل نقصه، فان تلف ماله فاراد رده فهو بمنزلة العيب الحادث هل يمنع الرد؟ على روايتين فان قلنا بالرد فعليه قيمة ما تلف عنده.
قال أحمد في رجل اشترى أمة معها قناع فاشترطه وظهر على
عيب وقد تلف القناع غرم قيمته بحصته من الثمن { مسألة } (وان كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع، وما كان للبس
المعتاد فهو للمشتري) إذا كان على العبد أو الجارية حلي فهو بمنزلة ماله على ما ذكرنا.
فاما الثياب فقال أحمد: ما كان يلبسه
عند البائع فهو للمشتري، وان كانت ثيابا يلبسها فوق ثيابه أو شئ يزينه به فهو للبائع إلا أن يشترطه
المبتاع، وانما كان كذلك لان ثياب البذلة جرت العادة ببيعها معه، ولانها تتعلق بها حاجة العبد وإنما
يلبسها إياه لينفقه بها وهذه حاجة السيد لا حاجة العبد ولم تجر العادة بالمسامحة فيها فجرت مجرى الستور
في الدرا والدابة التي يركبه عليها.
وقال ابن عمر من باع وليدة زينها بثياب فللذي اشتراها ما عليها
إلا أن يشترطه الذي باعها، وبه قال الحسن والنخعي، ولنا الخبر المذكور ولان الثياب لم يتناولها لفظ
البيع ولا جرت العادة ببيعها معه أشبه سائر مال البائع ولانه زينة للمبيع أشبه مالو زين الدار ببسط
أو ستور والله سبحانه وتعالى أعلم
(باب السلم) وهو أن يسلم عينا حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل ويسمى سلفا وسلما يقال: أسلم واسلف وهو نوع من البيع وينعقد بلفظ السلف والسلم لانهما حقيقة فيه، ويشترط له ما يشترط للبيع إلا أنه يجوز في المعدوم، والاصل في جوازه الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ هذه الآية، رواه سعيد وان اللفظ يشمله بعمومه، وأما السنة فروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال " من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " متفق عليه، وأما الاجماع فقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز
(فصل) ولا يصح الا بشروط سبعة (أحدها) أن يكون مما يمكن ضبط صفاته التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرا كالمكيل من الحبوب وغيرها والموزون القطن والابريسم والكتان والقنت والصوف والشعر والكاغد والحديد والصفر والنحاس والطيب والادهان والخلول وكل مكيل أو موزون وكذلك المزروع كالثياب، وقد جاء الحديث في الثمار، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان السلم في الطعام جائز.
{ مسألة } (فاما المعدود المختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرءوس ونحوها ففيه روايتان)
اختلفت الرواية في السلم في الحيوان فروي أنه لا يصح السلم فيه وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن جبير والشعبي.
قال عمر: إن من الربا أبوابا لاتخفى وإن منها السلم في البسر، ولان الحيوان يختلف اختلافا متباينا فلا يمكن ظبطه، وان استقصى صفاته التي يختلف بها الثمن مثل أزج الحاجبين أكحل العينين أقنى الانف أهدب الاشفار ألمى الشفة تعذر تسلميه لندرة وجوده على تلك الصفة وان لم يذكرها اختلف بها الثمن ظاهرا والمشهور في المذهب صحة السلم فيه نص عليه أحمد في رواية الاثرم، قال ابن المنذر وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم في الحيوان ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب الحسن والشعبي ومجاهد والزهري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور، ولان أبا رافع قال: استسلف النبي صلى الله
عليه وسلم من رجل بكرا، ورواه مسلم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبتاع البعير بالبعيرين وبالابعرة إلى مجئ الصدقة، رواه أبو داود ولانه يثبت في الذمة صداقا فيثبت في السلم كالثياب.
فاما حديث عمر فلم يذكره أصحاب الاختلاف ثم هو محمول على أنهم يشترطون من ضراب فحل بني فلان، قال الشعبي إنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان لانهم اشترطوا نتاج فحل معلوم رواه سعيد، وقد روي عن علي أنه باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل، ولو ثبت قول عمر في تحريم السلم في الحيوان فقد عارضه
قول من سمينا ممن وافقنا.
(فصل) واختلفت الرواية في السلم في الحيوان مما لا يكال ولا يوزن ولا يزرع فنقل إسحاق بن ابراهيم عن أحمد أنه قال: لا أرى السلم الا فيما يكال أو يوزن أو يوقف عليه قال أبو الخطاب معناه يوقف عليه بحد معلوم لا يختلف كالزرع فأما الرمان والبيض فلا أرى السلم فيه، وحكى ابن المنذر عنه وعن اسحاق أنه لاخير في السلم في الرمان والسفرجل والبطيخ والقثاء والخيار لانه لا يكال ولا يوزن ومنه الصغير والكبير فعلى هذه الرواية لا يصح السلم في كل معدود مختلف كالذي سمينا وكالبقول لانه يختلف ولا يمكن
تقديره بالحزم لان الحزم يمكن في الصغير والكبير فلم يصح السلم فيه كالجواهر، ونقل اسماعيل بن سعيد وابن منصور جواز السلم في الفواكه والموز والخضراوات ونحوها لان كثيرا من ذلك يتقارب وينضبط بالكبر والصغر وما لا يتقارب ينضبط بالوزن كالبقول ونحوها فيصح السلم فيه كالمزروع، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي والاوزاعي، وحكى ابن المنذر عن الشافعي المنع من السلم في البيض الجوز ولعل هذا قول آخر فيكون له قولان: (فصل) وفي السلم في الرؤوس من الخلاف ما ذكرناه وكذلك الاطراف وللشافعي فيه قولان (أحدهما) يجوز وهو قول مالك والاوزاعي وأبي ثور لانه لحم فيه عظم يجوز شراؤه فجاز السلم فيه كبقية اللحم (والاخرى) لا يجوز وهو قول أبي حنيفة لان أكثره العظام والمشافر واللحم فيه قليل وليس بموزون بخلاف اللحم فان كان مطبوخا أو مشويا فقال الشافعي لا يصح السلم فيه وهو قياس قول القاضي لا يتناثر ويختلف وعلى قول أصحابنا غير القاضي حكم ما مسته النار حكم غيره وبه قال مالك والاوزاعي
وأبي ثور والعقد يقتضيه سليما من التناثر والعادة في طبخه تتقارب فأشبه غيره وفي الجلود من الخلاف ما في الرؤوس والاطراف وقال الشافعي لا يصح السلم فيها لانه يختلف فالورك ثخين قوي والصدر ثخين رخو والبطن رقيق ضعيف والظهر أقوى فيحتاج إلى وصف كل موضع منه ولا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه، ولنا أن التفاوت في ذلك معلوم فلم يمنع صحة السلم فيه كالحيوان فانه يشتمل على الرأس والجلد
والاطراف والشحم وما في البطن وكذلك الرأس يشتمل على لحم الخدين والاذنين والعينين ويختلف ولم يمنع صحة السلم فيه كذلك ههنا (فصل) ويصح السلم في اللحم وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز لانه يختلف، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم " ظاهره إباحة السلم في كل موزون ولانا قد بينا جواز السلم في الحيوان فاللحم أولى (مسألة) وفي الاواني المختلفة الرؤوس والاوساط كالقماقم والاسطال الضيقة الرؤوس وما يجمع أخلاطا مميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان) لا يصح السلم في الاواني المختلفة الرؤوس والاوساط لان الصفة لا تأتي عليها وفيه وجه آخر أنه يصح إذا ضبط بارتفاع حائطه ودون أسفله وأعلاه لان التفاوت في ذلك يسير.
فأما الثياب المنسوجة من نوعين كالقطن والكتان والابريسم فالصحيح جواز السلم فيها لان ضبطها ممكن وفيه وجه آخر أنه لا يجوز كالمعاجين.
(فصل) ويصح السلم في اللبأ والخبز وما أمكن ضبطه ما مسته النار، وقال الشافعي لا يصح السلم في كل معمول بالنار لان النار تختلف ويختلف الثمن ويختلف عملها، ولنا أنه موزون فجاز السلم فيه كسائر الموزونات ولعموم الحديث ولان عمل النار فيه معلوم بالعادة ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة فاشبه المجفف بالشمس، فأما اللحم المطبوخ والمشوي فقال القاضي لا يصح السلم فيه وهو مذهب الشافعي لانه يتفاوت كثيرا وعادة الناس فيه مختلفة فلا يمكن ضبطه وقال بعض أصحابنا: يصح السلم فيه لما ذكرنا في الخبز واللبأ.
(فصل) ويصح السلم في النشاب والنبل وقال القاضي: لا يصح السلم فيهما وهو مذهب الشافعي لانه يجمع أخلاطا من خشب وعقب وريش ونصل فرى مجرى اخلاط الصيادلة ولان فيه ريشا نجسا لانه من جوارح الطير.
ولنا أنه مما يصح بيعه ويمكن ضبطه بالصفات التي لا يتفاوت الثمن معها غالبا فصح السلم فيه كالقصب والخشب وما فيه من غيره متميز يمكن ضبطه والاحاطة به ولا يتفاوت كثيرا فلا
يمنع كالثياب المنسوجة من جنسين وقد يكون الريش طاهرا وإن كان نجسا لكن يصح بيعه فلا يمنع السلم فيه كنجاسة البغل والحمار.
{ مسألة } (ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها والحوامل من الحيوان والمغشوش من الاثمان وغيرها وما يجمع اخلاطا غير مميزة كالغالية والند والمعاجين ويصح فيما يترك فيه شئ غير مقصود لمصلحته كالجبن والعجين وخل التمر والسكنجبين ونحوه) لا يصح السلم فيما لا ينضبط بالصفة كالجوهر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والفيروزج والبلور لان أثمانها تختلف اختلافا متباينا بالصغر والكبر وحسن التدوير وزيادة ضوئها وصفائها ولا يمكن تقديرها بشئ معين لان ذلك يتلف وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن مالك صحة السلم فيها إذا اشترط منها شيئا معلوما ان كان وزنا فبوزن معروف والصحيح الاول لما ذكرناه، ولا يصح في الحوامل من الحيوان لان الصفة لا تأتي عليها، ولان الولد مجهول غير متحقق، وفيه وجه آخر انه يصح لان الحمل لا حكم له مع الام بدليل صحة بيع الحامل وإن اشترط الحمل ولا نقول بأن الجهل بالحمل مبطل للبيع لكن ان لم تكن حاملا فله الرد، وإذا صح البيع صح السلم لانه بيع، ولا يصح في المغشوش من الاثمان لانه مجهول لا ينضبط بالصفة ولا فيما يجمع اخلاطا غير مميزة كالغالية والند والمعاجين التي يتداوى بها للجهل بها.
والذي يجمع اخلاطا على أربعة إضرب (أحدها) مختلط مقصود متميز كالثياب المنسوجة من نوعين والصحيح جواز السلم فيها (الثاني) ما خلطه لمصلحته وليس بمقصود في نفسه كالانفحة في الجبن والملح في العجين والخبز والماء في خل التمر والخل في السكنجبين فيصح السلم فيه لانه يسير لمصلحته (الثالث) اخلاط مقصودة غير متميزة كالغالية والند والمعاجين
فلا يصح السلم فيه لان الصفة لا تأتي عليها (الرابع) ما خلطه غير مقصود ولا مصلحة فيه كاللبن المشوب بالماء فلا يصح السلم فيه لان غشه يمنع العلم بقدر المقصود منه فيكون مجهولا، ولا يصح السلم في القسي المشتملة على الخشب والقرن والقصب والتوز إذ لا يمكن ضبط مقادير ذلك وتمييز ما فيه منها، وقيل يجوز السلم فيها كالثياب المنسوجة من نوعين وكالنشاب المشتمل على الخشب والعقب والريش
والنصول والاولى ما ذكرنا.
(فصل) الثاني أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره انما اشترط ذلك لان المسلم فيه عوض في الذمة فلابد من العلم به كالثمن، ولان العلم شرط في البيع وطريقه الرؤية أو الوصف والرؤية متعذرة ههنا فتعين الوصف والاوصاف على ضربين متفق على اشتراطها ومختلف فيها، فالمتفق عليها ثلاثة أوصاف: الجنس والنوع والجودة والرداءة فهذه لابد منها في كل مسلم فيه وكذلك معرفته وسنذكرها وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم عن غيرهم فيه خلافا (الضرب الثاني) ما يختلف الثمن باختلافه غير هذه الاوصاف فينبغي ان يكون ذكرها شرطا قياسا على المتفق عليها ونذكرها عند ذكره وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة يكفي ذكر الاوصاف الاول لانها تشتمل على ما وراءها من الصفات.
ولنا أنه يبقى من الصفات من اللون والبلد ونحوهما ما يختلف الثمن والعوض لاجله فوجب ذكره كالنوع، ولا يجب استقصاء كل الصفات لانه يتعذر وقد ينتهي الحال فيها إلى أمر يتعذر تسليم المسلم فيه فيجب الا كتفاء بالاوصاف الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهرا، ولو استقصى الصفات حتى انتهى إلى حال يتعذر وجود المسلم فيه بتلك الصفات بطل لان من شروط السلم أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله واستقصاء الصفات يمنع منه (فصل) ولو أسلم في جارية وابنتها أو أختها أو عمتها أو خالتها أو بنت عمها لم يصح لانه لابد أن يضبط كل واحدة منهما بصفات ويتعذر وجود تلك الصفات في جارية وبنتها، ولو أسلم في ثوب على صفة خرقة معيبة لم يجز لانها قد تهلك وهذا غرر فهو كما لو شرط مكيالا بعينه غير معلوم (فصل) والجنس والجودة والقدر شرط في كل مسلم فيه فلا حاجة إلى تكرير ذكر ذلك ويذكر ما سواها فيصف التمر بأربعة أوصاف النوع برني أو معقلي والبلد إن كان يختلف فيقول بغدادي أو
بصرى فان البغدادي أحلى وأقل بقاء لعذوبة الماء، والبصري بخلافه، والقدر كبار أو صغار، أو حديث أو عتيق فان أطلق العتيق أجزأ أي عتيق كان ما لم يكن مسوسا ولا حشفا ولا متغيرا، وإن شرط عتيق
عام أو عامين فهو على ما شرط، فأما اللون فان كان النوع الواحد يختلف كالطبرزد يكون أحمر وأسود ذكره والا فلا، والرطب كالتمر في هذه الاوصاف الا الحديث والعتيق وليس له من الرطب الا ما أرطب كله ولا يأخذ مشدخا ولا ما قارب أن يتمر وهكذا ما يشبهه من العنب والفواكه (فصل) ويصف البر بأربعة أوصاف النوع فيقول سبيلة أو سلموني والبلد حوراني أو سمالي وصغار الحب أو كباره وحديث أو عتيق، وان كان النوع الواحد يختلف لونه ذكره ولا يسلم إليه إلا مصفى وهذا الحكم في الشعير وسائر الحبوب ويصف العسل بثلاثة أوصاف بالبلد ويجزئ ذلك عن النوع، والزمان ربيعي وصيفي واللون وليس له الا مصفى (فصل) ولا بد في الحيوان من ذكر النوع والسن والذكورية والانوثية ويذكر اللون ان كان النوع الواحد يختلف ويرجع في سن الغلام إليه ان كان بالغا والا فالقول قول سيده، وإن لم يعلم رجع في ذلك إلى أهل الخبرة على ما يغلب على ظنونهم تقريبا، وإذا ذكر النوع في الرقيق وكان مختلفا مثل التركي منهم الحبكلي والخزري فهل يحتاج إلى ذكره أو يكفي ذكر النوع؟ يحتمل وجهين (أولاهما) أنه يحتاج لانه يختلف به الثمن، ولا يحتاج في الجارية إلى ذكر الجعودة والسبوطة لان ذلك لا يختلف به الثمن اختلافا بينا ومثل ذلك لا يراعى كما لا تراعى صفات الحسن والملاحة، فان ذكر شيئا من ذلك
لزمه، ويذكر الثيوبة والبكارة لان الثمن يختلف بذلك ويتعلق به الغرض ويذكر القد خماسي أو سداسي يعني خمسة أشبار أو ستة أشبار.
قال أحمد: يقول خماسي سداسي أسود أبيض أعجمي أو فصيح، أما الابل فيضبطها بأربعة أوصاف فلان والسن بنت مخاض أو بنت لبون واللون بيضاء أو حمراء أو ورقاء وذكر أو أنثى، فان اختلف النتاج فكان فيه مهرية وأرجبية فهل يحتاج إلى ضبط ذلك؟ يحتمل وجهين ولا يفتقر إلى ذكر ما زاد على هذه الاوصاف، وإن ذكر بعضه كان تأكيدا ولزمه وأوصاف الخيل كأوصاف الابل، وأما البغال والحمر فلا نتاج لها فيجعل بدل ذلك نسبتها إلى بلدها، وأما البقر والغنم فان عرف لها نتاج فهي كالابل والا فهي كالحمر، ولا بد من ذكر النوع في هذه الحيوانات فيقول في الابل بختية أو عرابية، وفي الخيل عربية أو هجين أو برذون، وفي الغنم
ضأن أو معز الا الحمير والبغال فلا أنواع فيها (فصل) ويذكر في اللحم السمن والذكورية والانوثية والسمن والهزال وراعيا أو مغلوفا ونوع الحيوان وموضع اللحم منه ويزيد في الذكر فحلا أو خصيا وإن كان لحم صيد لم يحتج إلى ذكر العلف والخصى ويذكر الآلة التي يصاد بها من جارحة أو أحبولة، وفي الجارحة يذكر صيد فهد أو كلب أو صقر فان الاحبولة يؤخذ الصيد منها سليما، وصيد الكلب خير من صيد الفهد لكون الكلب أطيب نكهة من الفهد لكونه مفتوح الفم في أكثر الاوقات، والصحيح ان شاء الله أن هذا ليس بشرط لان التفاوت فيه يسير ولا يكاد الثمن يتباين باختلافه ولا يعرفه الا القليل من الناس، وإذا لم يحتج في الرقيق إلى ذكر السمن والهزال واشباهها وما يتباين بها الثمن وتتعلق بها الرغبات ويعرفها الناس
فهذا أولى، ويلزم قبول اللحم بعظامه لانه هكذا يقطع فهو كالنوى في التمر، فان كان السلم في لحم طير لم يحتج إلى ذكر الذكورية والانوثية إلا أن يختلف بذلك كلحم الدجاج ولا إلى ذكر موضع اللحم إلا ان يكون كثيرا يأخذ منه بعضه ولا يلزمه قبول الرأس والساقين لانه لا لحم عليها، ويذكر في السمك النوع بردي أو غيره والكبر والصغر والسمن والهزال والطري والملح ولا يقبل الرأس والذنب وله ما بينهما وإن كان كثيرا يأخذ بعضه ذكر موضع اللحم منه (فصل) ويضبط السمن بالنوع من ضأن أو معز أو بقر واللون أبيض أو أصفر، قال القاضي ويذكر المرعى ولايحتاج إلى ذكر حديث أو عتيق لان الاطلاق يقتضي الحديث ولا يصح السلم في عتيقه لانه عيب ولا ينتهي إلى حد يضبط به، ويصف الزبد بأوصاف السمن ويزيد زبد يومه أو أمسه ولا يلزمه قبول متغير من السمن والزبد ولا رقيق إلا أن تكون رقته للحر، ويصف اللبن بالمرعى ولايحتاج إلى اللون ولا حليب يومه لان اطلاقه يقتضي ذلك ولا يلزمه قبول متغير.
قال أحمد ويصح السلم في المخيض وقال الشافعي لا يصح لان فيه ما ليس من مصلحته وهو الماء فصار المقصود مجهولا ولنا أن الماء يسير يترك لاجل المصحلة جرت العادة به فلم يمنع صحة السلم فيه كالماء في الشيرج وفي خل التمر، ويصف الجبن بالنوع والمرعى ورطب أو يابس، ويصف اللبأ بصفات اللبن ويزيد
اللون ويذكر الطبخ وعدمه.
(فصل) ويضبط الثياب بستة أوصاف النوع كتان أو قطن والبلد والطول والعرض والصفاقة
والرقة والغلظ والنعومة والخشونة ولا يذكر الوزن وإن ذكره لم يصح لتعذر الجمع بين صفاته المشترطة مع وزن معلوم فيكون فيه تغرير لبعد اتفاقه، وان ذكر الخام أو المقصور فله شرطه وإن لم يذكره جاز وله خام لانه الاصل، وان ذكر مغسولا أو لبيسا لم يجز لان اللبيس يختلف ولا ينضبط فان أسلم في مصبوغ مما يصبغ غزله جاز لان ذلك من جملة صفات الثوب وإن كان مما يصبغ بعد نسجه لم يجز لان الصبغ يمنع من الوقوف على نعومة الثوب وخشونته ولان الصبغ غير معلوم، وان أسلم في ثوب مختلف الغزول كقطن وكتان أو قطن وابريسم أو صوف وابريسم وكانت الغزول مضبوطة بأن يقول السدى ابريسم واللحمة كتان أو نحوه جاز وقد ذكرناه، ولهذا جاز السلم في الخز وهو من غزلين مختلفين، وإن أسلم في ثوب موشى وكان الوشي من تمام نسجه جاز وإن كان زيادة لم يجز لانه لا ينضبط.
(فصل) ويصف غزل القطن والكتان بالبلد واللون والغلظ والرقة والنعومة والخشونة ويصف القطن بذلك ويجعل مكان الغلظة والرقة الطول والقصر، وان شرط في القطن منزوع احب جاز وان أطلق كان له بحبه كالتمر بنواه، ويصف الابريسم بالبلد واللون والغلظ والرقة، ويصف الصوف بالبلد واللون والطول والقصر والزمان خريفي أو ربيعي لان صوف الخريف أنظف، قال القاضي: ويصفه بالذكورية والانوثية لان صوف الاناث أنعم ويحتمل أن لا يحتاج إلى هذه الصفة لان التفاوت في هذا يسير وعليه تسليمه نقيا من الشوك والبعر وإن لم يشترطه، وان اشترطه جاز وكان تأكيدا وكذلك الشعر والوبر، ويصح السلم في الكاغد لانه يمكن ضبطه ويصفه بالطول والعرض والرقة والغلظ واستواء الصنعة وما يختلف به الثمن
(فصل) ويضبط الرصاص والنحاس والحديد بالنوع فيقول في الرصاص قلعي أو أسرب والنعومه والخشونة واللون إن كان يختلف ويزيد في الحديد ذكرا أو أنثى فان الذكر أحد وأمضى وان أسلم في الاواني التي يمكن ضبط قدرها وطولها وسمكها ودورها كالاسطال القائمة الحيطان والطسوت جاز
ويضبطها بذلك وإن أسلم في قصاع وأقداح من الخشب جاز ويذكر نوع خشبها من جوز أو توت وقدرها في الصغر والكبر والعمق والضيق والثخانة والرقة وإن أسلم في سيف ضبطه بنوع حديده وطوله وعرضه ورقته وبلده وغلظه وقديم الطبع أو محدث ماض أو غيره يصف قبضته وجفنه (فصل) والخشب على أضرب منه ما يراد للبناء فيذكر نوعه ورطوبته ويبسه وطوله ودوره أو سمكه وعرضه ويلزمه أن يدفع إليه من طرفه إلى طرفه بذلك العرض والدور، وإن كان أحد طرفيه أغلظ مما وصف فقد زاده خيرا، وان كان أدق لم يلزمه قبوله، وان ذكر الوزن أو سمحا جاز وان لم يذكره جاز وله سمح خال من العقد لان ذلك عيب وان كان للقسي ذكر هذه الاوصاف وزاد سهليا أو جبليا أو خوطا أو فلقة فان الجبلي أقوى من السهلي والخوط أقوى من الفلقة ويذكر فيما للوقود الغلظ واليبس والرطوبة والوزن، ويذكر فيما للنصب النوع والغلظ وسائر ما يحتاج إلى معرفته ويخرجه من الجهالة وان أسلم في النشاب والنبل ضبطه بنوع خشبه وطوله وقصره ودقته وغلظه ولونه ونصله وريشه.
(فصل) والحجارة منها ما هو للارحية فيضبطها بالدور والثخانة والبلد والنوع ان كان يختلف ومنها ما هو للبناء فيذكر اللون والقدر والنوع والوزن ويذكر في حجارة الآنية النوع واللون والقدر واللين والوزن ويصف البلور باوصافه ويصف الآجر واللبن بموضع التربة واللون والدور والثخانة وان أسلم
في الجص والنورة ذكر اللون والوزن ولا يقبل ما أصابه الماء فجف ولا ما قدم قدما يؤثر فيه ويضبط التراب بمثل ذلك ويقبل الطين الذي قد جف ان كان لا يتأثر بذلك (فصل) ويضبط العنبر بالوزن والبلد وان شرط قطعة أو قطعتين جاز وان لم يشترط فله اعطاؤه صغارا أو كبارا، وقد قيل العنبر نبات يخلقه الله تعالى في جنبات البحر ويضبط العود الهندي ببلده وما يعرف به ويضبط اللبان والمصطكا وصمغ الشجر والمسك وسائر ما يجوز السلم فيه بما يختلف به { مسألة } (فان شرط الاجود لم يصح) لتعذر الوصول إليه إلا نادرا (وان شرط الاردأ لم يصح في أحد الوجهين) لذلك (والثاني) يصح لانه يمكنه تسليم المسلم أو خير منه فيلزم المسلم قبوله
{ مسألة } (وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر فله أخذه) لانه رضي بدون حقه ولا يلزمه لان فيه اسقاط حقه، وقال القاضي يلزمه إذ لم يكن أدنى من النوع المشترط لانه من جنسه أشبه الزائد في الصفة.
ولنا أنه لم يأت بالمشروط فلم يلزم قبوله كالادنى بخلاف الزائد في الصفة فانه أحضر المشروط مع زيادة ولان أحد النوعين يصلح لما لا يصلح له الآخر بخلاف الصفة { مسألة } (وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه) لقوله عليه الصلاة والسلام " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " رواه أبو داود وذكر ابن ابي موسى رواية أنه يجوز أن يأخذ مكان البر شعيرا مثله ولعله بناه على أنهما جنس واحد والاول أصح { مسألة } (وإن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه قبوله) لانه أتى بما تناوله العقد وزيادة تنفعه ولا تضره { مسألة } (وإن جاءه بالاجود فقال خذه وزدني درهما لم يصح) وقال أبو حنيفة يصح كما لو جاءه بزيادة في القدر.
ولنا ان الجودة صفة فلا يجوز افرادها بالعقد كما لو كان مكيلا أو موزونا، وإن جاءه بزيادة في القدر فقال له ذلك صح لان الزيادة ههنا يجوز افرادها بالبيع { فصل } قال رحمه الله تعالى (الثالث أن يذكر قدره بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والذرع في المذروع فان أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لم يصح وعنه يصح) يشترط معرفة قدر المسلم فيه بالكيل في المكيل والوزن في الموزون في إحدى الروايتين لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " متفق عليه ويشترط معرفة المذروع بالذرع والمعدود بالعد لانه عوض غائب يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن، ولا نعلم في اعتبار معرفة مقدار المسلم فيه خلافا.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز في الثياب بذرع معلوم فان أسلف في المكيل وزنا أو في الموزون كيلا ففيه روايتان (احداهما) لا يصح نقلها عنه الاثرم فقال سئل أحمد عن السلم في التمر وزنا فقال لا إلا كيلا، قلت ان الناس ههنا لا يعرفون الكيل.
قال وان كانوا لا يعرفون الكيل
فعلى هذه الرواية لا يجوز في المكيل إلا كيلا ولا في الموزن الا وزنا ذكره القاضي وابن أبي موسى لانه مبيع يشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به في الاصل كبيع الربويات بعضها ببعض ولانه مقدر بغير ما هو مقدر به في الاصل فلم يجز كما لو أسلم في المذروع وزنا (الثانية) يجوز فنقل المروذي عن أحمد أن السلم يجوز في اللبن إذا كان كيلا أو وزنا وهذا يدل على إباحة السلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لان اللبن لا يخلو من ان يكون مكيلا أو موزونا وقد اجاز السلم فيه بكل منهما وهو قول الشافعي وابن المنذر، وقال مالك ذلك جائز إذا كان الناس يتبايعون التمر وزنا وهذا الصحيح ان شاء الله لان الغرض معرفة قدره وامكان تسليمه من غير تنازع فبأي قدر قدره جاز ويفارق بيع الربويات فان التماثل بالكيل في المكيل الوزن في الموزون شرط ولا يعلم هذا الشرط إذ قدرها بغير مقدارها الاصلي، وقد ذكرنا المكيل والموزون في باب الربا، ولا يسلم في اللبأ إلا موزونا لانه يجمد عقيب حلبه فلا يتحقق الكيل فيه وإن كان المسلم فيه مما لا يمكن وزنه بميزان لثقله كالارحية والحجارة الكبار وزن بالسفينة فتترك السفينة في الماء ثم يترك ذلك فيها فينظر إلى اي موضع تغوص فيعلمه ثم يرفع ويترك مكانه رمل أو احجار صغار إلى ان يبلغ الماء الموضع المعلم ثم يوزن بميزان فيكون زنة ذلك الشئ { مسألة } (ولا بد ان يكون المكيال معلوما فان شرط مكيالا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح) بشرط ان يكون المكيال والصنجة والذراع معروفة عند العامة فان عين مكيالا أو صنجة أو
ذراعا غير معلوم لم يصح لانه يهلك فيتعذر المسلم فيه وهذا غرر لا يحتاج إليه العقد.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام لا يجوز بقفيز لايعرف عياره ولا في ثوب بذرع فلان لان المعيار لو تلف أو مات فلان بطل السلم منهم الثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور فان عين مكيال رجل أو ميزانه وكانا معروفين عند العامة جاز ولم يختص بهما، فان لم يعلما لم يجز لما ذكرنا { مسألة } (وفي المعدود المختلف غير الحيوان روايتان) (احداهما) يسلم فيه عددا والاخرى وزنا وقيل يسلم في الجوز والبيض عددا وفي الفواكه والبقول
وزنا وما عدا المكيل والموزون الحيوان والمذروع فعلى ضربين معدود وغيره والمعدود نوعان (احدهما) لا يتباين كثيرا كالجوز والبيض فيسلم فيه عددا في أضهر الروايتين وهو قول أبي حنيفة والاوزاعي، وقال الشافعي لا يسلم فيهما عددا لان ذلك يتباين ويختلف فلم يجز عددا كالبطيخ وانما يسلم فيهما وزنا وكيلا ولنا أن التفاوت يسير ويذهب ذلك باشتراط الكبر والصغر أو الوسط فيذهب التفاوت وإن بقي شئ " يسير عفي عنه كسائر التفاوت في المكيل والموزون المعفو عنه، ويفارق البطيخ فانه يتفاوت تفاوتا كثيرا لا ينضبط ولنا فيه منع أيضا (النوع الثاني) ما يتفاوت كالرمان والسفرجل والقثاء والخيار فحكمه حكم ما ليس بمعدود من البطيخ والبقول وفيه وجهان (احدهما) يسلم فيه عددا ويضبطها بالصغر والكبر لانه يباع هكذا (والثاني) لا يسلم فيه الاوزنا وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لانه لا يمكن تقديره بالعدد لانه يختلف كثيرا ويتباين جدا، ولا بالكيل لانه يتجافى في المكيال.
ولا يمكن تقدير البقل بالحزم لانه يختلف ويمكن حزم الكبيرة والصغيرة فلم يمكن تقديرة بغير الوزن فيتعين تقديره به، وقيل يسلم في الجوز والبيض عددا لانه يباع كذلك وفي الفواكه والبقول وزنا لانه أضبط وقد ذكرناه
قال رحمه الله تعالى (فصل) (الرابع أن يشترط أجلا معلوما له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فان أسلم حالا أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح) يشترط لصحة السلم كونه مؤجلا ولا يصح السلم الحال نص عليه أحمد في رواية المروذي، وبه قال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي، وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر يجوز السلم حالا لانه عقد يصح مؤجلا فصح حالا كبيوع الاعيان، ولانه إذا جاز مؤجلا فحالا أجوز ومن الغرر أبعد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " فأمر بالاجل والامر يقتضي الوجوب، ولانه أمر بهذه الشروط تبيينا لشروط السلم ومنعا منه بدونها، ولذلك لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن فكذلك الاجل، ولانه انما جاز رخصة للمرفق ولا يحصل المرفق الا بالاجل، فإذا انتفى الاجل انتفى المرفق فلا يصح الكتابة، ولان الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه أما الاسم فانه سمي سلما وسلفا لتعجل أحد العوضين وتأخر الآخر
ومعناه ما ذكرناه في أول الباب من أن الشارع رخص فيه من اجل الحاجة الداعية إليه ومع حضور ما يبيعه حالا لا حاجة إلى السلم فلا يثبت وفارق بيوع الاعيان فانها لم تثبت على خلاف الاصل لمعنى يختص بالتأجيل وما ذكروه من التنبيه غير صحيح لان ذلك انما يجري فيما إذا كان المعنى المقتضي موجودا في الفرع بصفة التأكيد وليس كذلك ههنا فان البعد من الغرر ليس هو المقتضي لصحة السلم المؤجل وانما المصحح له شئ آخر لم يذكر اجتماعهما فيه وقد بينا افتراقهما.
إذا ثبت هذا فانه إن باعه ما يصح السلم فيه حالا في الذمة صح ومعناه معنى السلم، وانما افترقا في اللفظ لكن يشترط في البيع أن يكون المبيع مملوكا للبائع، فان باعه ما ليس عنده لم يصح وقد ذكرناه (فصل) ويشترط كون الاجل مدة لها وقع في الثمن كالشهر وما قاربه، وقال أصحاب أبي حنيفة لو قدره بنصف يوم جاز، وقدره بعضهم بثلاثة أيام وهو قول الاوزاعي لانها مدة يجوز فيها خيار الشرط وهي آخر حد القلة قالوا لان الاجل انما اعتبر في السلم لان المسلم فيه معدوم في الاصل لكون
السلم انما ثبت رخصة في حق المفاليس فلابد من الاجل ليحصل ويسلم وهذا يتحقق بأقل مدة يتصور حصوله فيها.
ولنا أن الاجل انما اعتبر ليتحقق المرفق الذي شرع من أجله السلم ولا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن، ولا يصح اعتباره بمدة الخيار لان الخيار يجوز ساعة وهذا لا يجوز والاجل يجوز أن يكون أعواما وهم لا يجيزون الخيار أكثر من ثلاث وكونها آخر حد القلة لا يقتضي التقدير بها، وقولهم إن المقصود يحصل بأقل مدة لا يصح فان السلم انما يكون لحاجة المفاليس الذين لهم ثمار أو زروع أو تجارات ينتظرون حصولها ولا يحصل هذا في المدة اليسيرة غالبا { مسألة } (إلا أن يسلم في شئ يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح) قال الاثرم قلت لابي عبد الله الرجل يدفع إلى الرجل الدراهم في الشئ يؤكل فيأخذ منه كل يوم من تلك السلعة شيئا فقال على معنى السلم؟ فقلت نعم، فقال لا بأس ثم قال مثل الرجل القصاب يعطيه الدينار على أنه يأخذ منه كل يوم رطلا من لحم قد وصفه: وبهذا قال مالك، وقال الشافعي إذا أسلم في جنس واحد إلى أجلين لم يصح في أحد القولين لان ما يقابل أبعدهما أجلا أقل مما يقابل الآخر
وذلك مجهول.
ولنا أن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال كبيوع الاعيان، فعلى هذا إذا قبض البعض وتعذر رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل للباقي فضلا على المقبوض لانه مبيع واحد متماثل الاجزاء فيقسط الثمن على اجزائه بالسوية كما لو اتفق أجله { مسألة } (فان أسلم في جنس إلى أجلين أو في جنسين إلى أجل صح) اما إذا أسلم في جنس إلى أجلين فقد ذكرناه في المسألة قبلها، وإن أسلم في جنسين إلى أجل واحد صح قياسا على البيع { مسألة } (ولابد أن يكون الاجل مقدرا بزمن معلوم للخبر) وهو أن يسلم إلى وقت يعلم بالاهلة نحو أول الشهر وأوسطه وآخره أو يوم معلوم منه لقول الله تعالى (يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك، فان أسلم إلى عيد الفطر أو النحر أو يوم عرفة أو عاشوراء أو نحوها جاز لانه معلوم بالاهلة فان
جعل الاجل مقدرا بغير الشهور الهلالية وكان ما يعرفه المسلمون وهو مشهور بينهم مثل الاشهر الرومية كشباط ونحوه أو عيد لا يختلف كالنيروز والمهرجان عند من يعرفهما فظاهر كلام الخرقي وابن أبي موسى أنه لا يصح لانه أسلم إلى غير الشهور الهلالية أشبه إذا أسلم إلى الشعانين وعيد الفطير، ولان هذه لا يعرفها كثير من المسلمين أشبه ما ذكرنا، وقال القاضي يصح وهو قول الاوزاعي والشافعي لانه معلوم لا يختلف أشبه أعياد المسلمين وفارق ما يختلف لكونه لا يعلمه المسلمون وإن كان مما لا يعرفه المسلمون كالشعانين وعيد الفطير ونحوهما لم يصح السلم إليه لان المسلمين لا يعرفونه ولايجوز تقليد أهل الذمة فيه لان قولهم غير مقبول ولانهم يقدمونه ويؤخرونه على حساب لهم لا يعرفه المسلمون، وإن أسلم إلى ما لا يختلف مثل كانون الاول ولا يعرفه المتعاقدان أو أحدهما لم يصح لانه مجهول عنده { فصل } وإذا جعل الاجل إلى شهر تعلق بأوله، وان جعل الاجل اسما يتناول شيئين كجمادى ويوم النفر تعلق بأولهما، وان قال إلى ثلاثة أشهر كان إلى انقضائها لانه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها، وكذلك لو قال إلى شهر كان إلى آخره وينصرف إلى الاشهر الهلالية لقول الله تعالى (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) وإن أراد الهلالية فان
كان في اثناء شهر كمل شهرا بالعدد وشهرين بالاهلة، وقيل تكون الثلاثة بالعدد وسنذكر ذلك في غير هذا، وان قال محلة شهر كذا صح وتعلق بأوله، وقيل لا يصح لانه جعل ذلك ظرفا فيحتمل أوله وآخره والصحيح الاول، فانه لو قال لعبده أنت حر في شهر كذا تعلق بأوله وهو نظير مسئلتنا، فان قيل العتق يتعلق بالاخطار والاغرار ويجوز تعليقه على مجهول كنزول المطر وقدوم زيد بخلاف مسئلتنا، قلنا الا انه إذا جعل محله في شهر تعلق بأوله فلا يكون مجهولا وكذا السلم { مسألة } (وان أسلم إلى الحصاد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين) لا يصح أن يؤجل السلم إلى الحصاد والجزاز وما أشبهه، كذلك قال ابن عباس وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وفيه رواية أخرى أنه يجوز.
قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال مالك وأبو ثور، وعن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء، وبه قال ابن أبي ليلى وقال أحمد ان كان شئ يعرف فأرجو، وكذلك ان قال إلى قدوم الغزاة وهذا محمول على أنه أراد وقت العطاء لان ذلك معلوم، فأما نفس العطاء فهو مجهول يختلف ويتقدم ويتأخر، ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتقارب أيضا فأشبه الحصاد ووجه ذلك انه أجل تعلق بوقت من الزمن يعرف في العادة لا يتفاوت تفاوتا كثيرا أشبه إذا قال إلى رأس السنة
ولنا قول ابن عباس: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تتبايعوا الا إلى شهر معلوم، ولان ذلك يختلف ويقرب ويبعد فلا يجوز أن يكون أجلا كقدوم زيد، فان قيل فقد روي عن عائشة أنها قالت: ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي " أن ابعث الي بثوبين إلى الميسرة " قلنا قال ابن المنذر رواه حرمي بن عمارة، وقال أحمد فيه غفلة وهو صدوق، قال ابن المنذر فأخاف ان يكون من غفلاته إذ لم يتابع عليه، ثم إنه لا خلاف في أنه لو جعل الاجل إلى الميسرة لم يصح، وان جعل الخيار إليه فهو في معنى الاجل { مسألة } (وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه والا فلا)
عبر بالسلم عن المسلم فيه كما يعبر بالسرقة عن المسروق، وبالرهن عن المرهون، وإذا حضر المسلم فيه على الصفة المشروطة لم يخل من أحوال ثلاثة (أحدها) أن يحضره في محله فيلزمه قبوله كالبيع المعين سواء تضرر بقبضه أولا لان على المسلم إليه ضررا في بقائه في يده، فان امتنع قيل له إما أن تقبض حقك أو تبرئ منه لان قبض الحاكم قام مقام قبض الممتنع بولايته الا أنه ليس له الابراء (الحال الثاني) أن يحضره بعد محل الوجوب فهو كما لو أحضر المبيع بعد تفرقهما (الحال الثالث) أن يحضره قبل محله فينظر، فان كان في قبضه قبل المحل ضرر إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والاطعمة كلها أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب ونحو هذا لم يلزم المسلم قبوله لان له غرضا في تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو طعامه في ذلك الوقت، وكذلك الحيوان لانه لا يأمن تلفه ويحتاج إلى المؤنة وهكذا ان كان يحتاج في حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه، أو كان الوقت مخوفا يخشى على ما يقبضه فلا يلزمه الاخذ في هذه الاحوال لان عليه ضررا في قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فهو كنقص صفة فيه، وان كان مما لاضرر في قبضه ولا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فانه يستوي قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولم يكن في قبضه ضرر الخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه لحصول غرضه مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وزيادة الجودة في المسلم فيه (فصل) وليس له الا أقل ما تقع عليه الصفة لانه قد سلم إليه ما تناوله العقد فبرئت ذمته منه فعليه أن يسلم الحبوب نقية، فان كان فيها تراب يأخذ موضعا من المكيال لم يجز، وان كان يسيرا لا يؤثر في الكيل ولا يعيب لزمه أخذه، ولا يلزمه أخذ التمر الا جافا، ولا يلزم أن يتناهى جفافه لانه يقع عليه
الاسم، ولا يلزمه أن يقبل معيبا بحال وإن قبضه فوجده معيبا فله المطالبة بالبدل كالمبيع والله أعلم (فصل) الشرط الخامس أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله لا نعلم فيه خلافا لانه إذا كان ظاهرا أمكن تسليمه عند وجوب التسليم، وإذا لم يكن عام الوجود لم يكن موجودا عند المحل كذلك فلا يمكن تسليمه فلم يصح كبيع الآبق، بل أولى فان السلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة فلا يحتمل فيه غرر آخر لئلا يكثر الغرر فان كان لا يوجد فيه أولا يوجد الا نادرا كالسلم في العنب
والرطب إلى شباط أو أذار أو أسلم إلى محل لا يعم وجوده فيه كزمان أول العنب أو آخره الذي لا يوجد فيه الا نادرا لم يصح لانه لا يؤمن انقطاعه فلا يغلب على الظن القدرة على تسليمه عند وجوب التسليم { مسألة } (وان أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح لانه لا يؤمن تلفه وانقطاعه) قال ابن المنذر: ابطال السلم إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه كالاجماع من أهل العلم منهم الثوري ومالك والشافعي والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، قال وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى فقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما من حائط بني فلان فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى " رواه ابن ماجه وغيره ورواه الجوزجاني في المترجم وقال اجمع الناس على الكراهة لهذا البيع ولانه لا يؤمن انقطاعه وتلفه أشبه مالو اسلم في شئ قدره مكيال معين أو صنجة معينة أو أحضر خرقة وأسلم في مثلها (فصل) ولا يشترط وجود المسلم فيه حال العقد بل يجوز ان يسلم في الرطب في أوان الشتاء
وفي كل معدوم إذا كان موجودا عند المحل وهو قول مالك والشافعي واسحاق وابن المنذر، وقال الثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي يشترط أن يكون جنسه موجودا حال العقد إلى حال المحل لان كل زمان يجوز أن يكون محلا للمسلم فيه لموت المسلم إليه فاعتبر وجوده فيه كالمحل.
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال " من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " ولم يذكر الوجود ولو كان شرطا لذكره ولنهاهم عن السلف سنتين لانه يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة ولا يثبت في الذمة ويوجد في محله غالبا أشبه الموجود ولا نسلم ان الدين يحل بالموت، وان سلمنا فلا يلزم أن يشترط ذلك الوجود إذ لو لزم أفضى إلى أن تكون آجال السلم مجهولة والمحل ما جعله المتعاقدان محلا وههنا لم يجعلاه { مسألة } (وان أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع خير بين الصبر والفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إن كان معدوما في أحد الوجهين وفي الآخر ينفسخ بنفس التعذر)
وجملة ذلك أنه تعذر تسليم المسلم فيه عند محله اما لغيبة المسلم إليه أو عجزه عن التسليم حتى عدم المسلم فيه أو لم تحمل الثمار تلك السنة فالمسلم بالخيار بين الصبر إلى أن يوجد فيطالب به وبين أن يفسخ العقد ويرجع بالثمن ان كان موجودا أو بمثله إن كان مثليا والاقيمته، وبذلك قال الشافعي واسحاق وابن المنذر، وفيه وجه آخر أنه ينفسخ بنفس التعذر لكون المسلم فيه من ثمرة العام بدليل وجوب التسليم منها فإذا هلكت انفسخ العقد به كما لو باعه قفيزا من صبرة فهلكت والاول أصح فان العقد قد صح وإنما تعذر التسليم فهو كمن اشترى عبدا فابق قبل القبض، ولا يصح دعوى التعيين في هذا العام، فانهما
لو تراضيا على دفع المسلم فيه من غيرها جاز وانما أجبر على دفعه من ثمرة العام لتمكنه من دفع ما هو نصف حقه وذلك يجب الدفع من ثمرة نفسه إذا قدر ولم يجد غيرها وليست متعينة فان تعذر البعض فللمشتري الخيار بين الفسخ في الكل والرجوع بالثمن وبين أن يصبر إلى حين الامكان ويطالب بحقه، فان أحب الفسخ في المتعذر وحده فله ذلك لان الفساد طرأ بعد صحة العقد فلم يوجب الفساد في الكل ويصبر على ما نذكره من الخلاف في الاقالة في بعض السلم، وان قلنا إن الفسخ يثبت بنفس التعذر انفسخ في المعقود دون الموجود لما ذكرنا من أن الفساد الطارئ على بعض المعقود عليه لا يوجب فساد الجميع ويثبت للمشتري خيار الفسخ في الموجود كما ذكرنا في الوجه الاول (فصل) وإذا أسلم ذمي إلى ذمي في خمر ثم أسلم أحدهما فقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المسلم يأخذ دراهمه لانه ان كان المسلم المسلم فليس له استيفاء الخمر فقد تعذر استيفاء المعقود عليه وان كان الآخر فقد تعذر عليه الايفاء فصار الامر إلى رأس ماله { فصل } (الشرط السادس) أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد فان تفرقا قبل ذلك بطل، وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة واكثر ما لم يكن ذلك شرطا لانه معاوضة لا تخرج بتأخير قبضه من أن تكون سلما فاشبه تأخيره إلى آخر المجلس ولنا أنه عقد معاوضة لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق فلا يجوز التفرق فيه قبل القبض كالصرف، ولا يصح قياسه على المجلس بدليل الصرف، وان قبض بعضه ثم تفرقا فكلام الخرقي
يقتضي أن لا يصح وحكي ذلك عن ابن شبرمة والثوري.
وقال أبو الخطاب هل يصح في المقبوض؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة وهذا الذي يقتضيه مذهب الشافعي، وقد نص أحمد في رواية ابن منصور إذا أسلمت ثلثمائة درهم في أصناف شتى مائة في حنطة ومائة في شعير ومائة في شئ آخر فخرج فيها زيوف رد على الاصناف الثلاثة على كل صنف بقدر ما وجد من الزيوف فصحح العقد في البافي بحصته من الثمن، وقال الشريف أبو جعفر فيمن أسلف الفا إلى رجل فقبضه نصفه وأحاله بنصفه أو كان له دين على المسلم إليه بقدر نصفه فحسبه عليه من الالف صح السلم في النصف المقبوض وبطل في الباقي وحكي عن أبي حنيفة انه قال يبطل في الحوالة في الكل، وفي المسألة الاخرى يبطل فيما لم يقبض وحده بناء على تفريق الصفقة (فصل) وان قبض الثمن فوجده رديئا فرده والثمن معين بطل العقد برده فان كان الثمن أحد النقدين وقلنا تتعين النقود بالتعيين بطل، ويبتدئان عقدا آخر ان اختاره، وان كان في الذمة فله ابداله في المجلس ولا يبطل العقد برده لان العقد انما وقع على ثمن سليم فإذا دفع إليه معيبا كان له رده والمطالبة بالسليم، ولم يؤثر قبض المعيب في العقد، وان تفرقا ثم علما عيبه فرده ففيه وجهان (أحدهما) يبطل العقد برده لوقوع القبض بعد التفرق (والثاني) لا يبطل لان القبض الاول كان صحيحا بدليل مالو أمسكه ولم يرده وهذا بدل عن المقبوض وهذا قول أبي يوسف ومحمد وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لكن من شرطه أن يقبض البدل في مجلس الرد، فان تفرقا عن مجلس الرد قبل قبض البدل بطل وجها واحدا لخلو العقد عن قبض الثمن بعد تفرقهما، فان وجد بعض الثمن رديئا فرده
ففي المردود ما ذكرنا من التفصيل، وهل يصح في غير الردئ.
إذا قلنا بفساده في الردئ؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة (فصل) وان ظهرت الدراهم مستحقة والثمن معين لم يصح.
قال أحمد: إذا خرجت الدراهم مسروقة فليس بينهما بيع.
وذلك لان الثمن إذا كان معينا فقد اشترى بعين مال غيره بغير اذنه وإن
كان غير معين فله المطالبة ببدله في المجلس، وان قبضه ثم تفرقا بطل العقد لان المقبوض لا يصلح عوضا فقد تفرقا قبل أخذ الثمن الاعلى الرواية التي تقول بصحة تصرف الفضول، أو أن النقود لا تتعين بالتعيين، وان وجد بعضه مستحقا بطل العقد فيه، وفي الباقي على وجهين بناء على تفريق الصفقة (فصل) وان كان له في ذمة رجل دينارا فجعله سلما في طعام إلى أجل لم يصح قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وروي عن ابن عمر أنه قال: لا يصح لذلك وذلك لان المسلم فيه دين: فإذا جعل الثمن دينا كان بيع دين بدين ولا يصح بالاجماع، ولو قال أسلمت اليك في كر طعام وشرطا أن يعجل له منها خمسين ويؤجل خمسين لم يصح العقد في الكل في قول الخرقي ويخرج في صحته في قدر المقبوض وجهان (أحدهما) يصح وهو قول أبي حنيفة بناء على تفريق الصفقة (والثاني) لا يصح وبه قال الشافعي وهو أصح لان للمعجل فضلا على المؤجل فيقتضي أن يكون في مقابلته أكثر مما في مقابلة المؤخر والزيادة مجهولة فلا يصح
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: