الفقه الحنبلي - مناسك الحج6
(فصل) ويفارق حرم المدينة حرم مكة في شيئين (احدهما) انه يجوز أنه يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه للمساند والوسائد والرحل ومن حشيشها ما يحتاج إليه للعلف لما روى الامام احمد عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا يارسول الله انا أصحاب عمل وأصحاب نضح وانا لا نستطيع أرضا غير أرضنا فرخص لنا فقال " القائمتان والوسادة والعارضة والمسند فاما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شئ " قيل المسند مرود البكرة
فاستثنى ذلك وجعله مباحا كاستثناء الاذخر بمكة وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة حرام مابين عائر إلى ثور لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يصلح أن يقطع منها شجرة الا أن يعلف رجل بعيره " رواه أبو داود ولا المدينة يقرب منها وزرع فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى الضرر بخلاف مكة (الثاني) أن من صاد من خارج المدينة صيدا ثم أدخله إليها لم يلزمه
إرساله نص عليه احمد لان النبي صلى الله عليه وسلم " يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " وهو طائر صغير فظاهر هذا أنه أباح امساكه بالمدينة ولم ينكر ذلك وحرمة مكة أعظم من حرمة المدينة بدليل أنه لا يدخلها الا محرم وإذا جاز امساك الصيد فيها جاز ذبحه فيها كغيرها
(مسألة) (ولا جزاء في صيد المدينة وعنه جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه) ليس في صيد المدينة وشجرها جزاء في احدى الروايتين وهو قول أكثر أهل العلم لانه موضع يجوز دخوله بغير احرام فلم يجب فيه جزاء كصيد وج (والثانية) فيه الجزاء روي ذلك عن ابن أبي ذئب وهو قول الشافعي القديم وابن المنذر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اني احرم المدينة مثل ما حرم
ابراهيم مكة " ونهى أن يعضد شجرها ويؤخذ طيرها فوجب في هذا الحرم الجزاء كما وجب في ذلك إذا لم يظهر بينهما فرق وجزاؤه إباحة سلب القاتل لما أخذ لما روى مسلم باسناده عن عامر بن سعد أن سعدا رضي الله عنه ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا ويخبطه فسلبه فلما جاء سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم، وعن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من وجد أحدا يصيد فيه فليسلبه رواه أبو داود فعلى هذا يباح لمن وجد آخذ الصيد أو قاتله أو قاطع الشجر سلبه وهو أخذ جميع ثيابه حتى السراويل فان كان على دابة لم يملك أخذها لان الدابة ليست من السلب وإنما أخذها
قاتل الكافر في الجهاد لانها يستعان بها في الحرب بخلاف مسئلتنا فان لم يسلبه أحد فلا شئ عليه سوى التوبة (مسألة) (وحد حرمها بين ثور الي عير وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة اثني عشر ميلا حمى) حد حرم المدينة ما بين لا بيتها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما
بين لابيتها حرام " متفق عله واللابة الحرة وهي أرض بها حجارة سود قال احمد رحمه الله: ما بين لابيتها حرام بريد في بريد كذا فسره مالك بن أنس والبرد أربعة فراسخ وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حول المدينة اثنى عشر ميلا حمى رواه مسلم وقد روى علي رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " حرم المدينة ما بين ثور إلى عير " متفق عليه قال أهل العلم بالمدينة لا نعرف بها ثورا ولا عيرا وإنما هما جبلان بمكة فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد قدر ما بين ثور وعير ويحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة وسماها ثورا وعيرا تجوزا والله تعالى أعلم
(فصل) ولا يحرم صيد وج ولا شجره وهو واد بالطائف، وقال أصحاب الشافعي يحرم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صيد وج وعضاهها محرم " رواه الامام احمد ولنا أن الاصل الاباحة والحديث ضعفه احمد ذكره أبو بكر الخلاف في كتاب العلل (باب ذكر دخول مكة) يستحب الاغتسال لدخول مكة لان عبد الله بن عمر كان إذا دخل ادنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذى طوى ثم يصلي به الصبح ويغتسل ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك رواه
البخاري ولان مكة مجمع أهل النسك فإذا قصدها استحب له الاغتسال كالخارج إلى الجمعة والمرأة
كالرجل وان كانت حائضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير ان لا تطوفي بالبيت " ولان الغسل يراد للتنظيف وهو يحصل مع الحيض وهذا مذهب الشافعي وفعله عروة والاسود بن يزيد وعمرو بن ميمون والحرث بن سويد (مسألة) (ويستحب أن يدخل مكة من أعلاها من ثنية كداء ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من السفلى (1) وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها متفق عليهما ولا بأس بدخولها ليلا ونهارا لان النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ليلا ونهارا رواهما النسائي (فصل) ويستحب أن يدخل المسجد من باب بني شيبة لما روى جابر في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى واناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل المسجد رواه مسلم وغيره (مسألة) فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا وتكريما ومهاية وبرا، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا، الحمد الله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله وعظيم شأنه، الحمد الله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا، والحمد الله على كل حال، اللهم
انك دعوت الي حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني واصلح لي شأني كله لا اله الا أنت يرفع بذلك صوته) يستحب رفع اليدين عند رؤية البيت يروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الثوري وابن المبارك والشافعي واسحاق وكان مالك لا يرى رفع اليدين كما روي عن المهاجر المكي قال سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ فقال ما كنت أظن أحدا يفعل هذا الا اليهود حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نكن نفعله رواه النسائي ولنا ما روى ابن المنذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا ترفع الايدي الا في سبعة مواطن افتتاح الصلاة واستقبال البيت وعلى الصفا والمروة وعلى الموقفين والجمرتين " وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم وذلك
قول جابر وخبره عن ظنه وفعله وقد خالفه ابن عمر وابن عباس ولان الدعاء مستحب عند رؤية البيت وقد أمر برفع اليدين عند الدعاء (فصل) ويستحب أن يدعو عند رؤية البيت بالدعاء الذي ذكرناه لما روى ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وبرا
وزد من شرفه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا " وعن سعيد بن المسيب انه كان حين ينظر إلى البيت يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام رواهما الشافعي باسناده وباقي الدعاء ذكره الاثرم وابراهيم الحربي قال بعض أصحابنا ويرفع بذلك صوته وما زاد في الدعاء فحسن (فصل) إذا دخل المسجد فذكر صلاة مفروضة أو فائتة أو أقيمت الصلاة المكتوبة قدمهما على الطواف لان ذلك فرض والطواف تحية ولانه لو أقيمت الصلاة وهو في طوافه قطعه لاجلها فلان يبدأ بها أولى وان خاف فوات ركعتي الفجر أو الوتر أو حضرت جنازة قدمها لانها تفوت بخلاف الطواف (مسألة) ثم يبتدئ بطواف العمرة ان كان معتمرا وبطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا) يستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ بالطواف بالبيت اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فان جابرا قال في حديثه حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت متفق عليه وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله ابن عمر وغيرهم ولان الطواف تحية المسجد الحرام فاستحب البداية به كما استحب لداخل غيره من المساجد البداية بتحية المسجد بصلاة ركعتين فان كان معتمرا به أبطواف العمرة ولم يحتج الا أن يطوف لها طواف قدوم لان المقصود به تحية المسجد ومن دخل المسجد وقد قامت الصلاة اشتغل بها وأجزأت عن تحية المسجد كذلك ههنا وان كان مفردا أو قارنا بدأ بطواف القدوم وهي سنة بغير خلاف (مسلئة) (ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الا يمن وطرفيه على عاتقه الايسر) صفة الاضطباع ما ذكره ههنا وهو مأخوذ من الضبع وهو عضد الانسان افتعال منه وكان أصله اضتبع فقلبوا التاء طاء لان التاء متى وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة فلبت طاء وهو مستحب في
طواف القدوم وطواف العمرة للمتمتع ومن في معناه لما روى أبو داود وابن ماجه عن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا ورويا عن أبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى، وبه قال الشافعي وكثير من أهل العلم وقال مالك ليس الاضطباع بسنة وقال لم أسمع أحدا من بلدنا يذكر أن الاضطباع سنة وقد ثبت بما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه وقد أمر الله تعالى باتباعه وقد روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه اضطبع ورمل وقال ففيم الرمل، ولم نبدي مناكبنا وقد نفى الله المشركين؟ بل لن ندع شيئا فعلناه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود (فصل) فإذا فرغ من الطواف سوى ردائه لان الاضطباع غير مستحب في الصلاة وقال الاثرم
يزيل الاضطباع إذا فرغ من الرمل والاول أولى لان قوله طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعا ينصرف إلى جميعه ولا يضطبع في السعي وقال الشافعي يضطبع فانه أحد الطوافين فاشبه الطواف بالبيت ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضطبع فيه والسنة في الاقتداء به قال أحمد رحمه الله ما سمعنا فيه شيئا ولا يصح القياس الا فيما عقل معناه وهذا تعبد محض (مسألة) (ثم يبتدئ من الحجر الاسود فيحاذيه بجميع بدنه ثم يستلمه ويقبله وان شاء استلمه وقبل يده وان شاء أشار إليه ثم يقول الله أكبر ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم كلما استلمه يبتدئ الطواف من الحجر الاسود فيحاذيه بجميع بدنه فان حاذاء ببعضه احتمل أن يجزئه لانه حكم يتعلق بالبدن فاجزأ فيه بعضه كالحد ويحتمل أن لا يجزئه لان النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر واستلمه وظاهر هذا أنه استقبله بجميع بدنه ولان ما لزمه استقباله لزمه لجميع بدنه كالقبلة فإذا قلنا بوجوب فذلك فلم يفعله أو بدأ بالطاف من دون الركن كالباب ونحوه لم يحتسب له بذلك الشوط ويحتسب بالشوط الثاني وما بعده ويصير الثاني أوله لانه قد حاذى فيه الحجر بجميع بدنه وأتي على جميعه فمتى أكمل سبعة أشواط غير الاول صح طوافه واجزأه والا فلا (فصل) ثم يستلمه ويقبله ومعنى الاستلام المسح باليد مأخوذ من السلام وهي الحجارة فإذا
مسح الحجر قيل استلم أي مس السلام قاله ابن قتيبة وذلك لما روى أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحجر وقال: اني لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
متفق عليه وروى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب رضي الله عنه يبكي فقال " يا عمر ههنا تسكب العبرات " فان لم يكن الحجر موجودا والعياذ بالله فانه يقف مقابلا مكانه ويستلم الركن فان شق استلامه وتقبيله استمله وقبل يده روي ذلك عن ابن عمر وجابر وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس والثوري والشافعي واسحاق وقال مالك يضع يده على فيه من غير تقبيل ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده رواه مسلم فان شق عليه استلمه بشئ في يده وقبله رواه ابن عباس مرفوعا أخرجه مسلم والاقام بحذائه واستقبله بوجهه وأشار إليه وكبر وهلل وكذا ان طاف راكبا لما روى البخاري عن ابن عباس قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتي الحجر أشار إليه بشئ في يده وكبر.
فان أمكنه استلامه بشئ في يده كالعصا ونحوه فعل، فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن.
وهذا كله مستحب ويستحب أن يقول عنده ماروى عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند استلامه " بسم الله والله أكبر إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم " يقول ذلك كلما استلمه
(مسألة) (ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره) لان النبي صلى الله عليه وسلم طاف كذلك وقد قال " لتأخذوا عني مناسككم " ولان الله تعالى أمر بالطواف مجملا وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله (مسألة) (فإذا أتى على الركن اليماني استلمه وقبل يده) الركن اليماني قبلة أهل اليمن وهو آخر ما يمر عليه من الاركان في طوافه لانه يبدأ بالركن الذي فيه الحجر الاسود وهو قبلة أهل خراسان ثم يأخذ على يمين نفسه فينتهي إلى الركن الثاني وهو العراقي
ثم يمر بالثالث وهو الشامي وهذان الركنان يليان الحجر ثم يأتي على الرابع وهو الركن اليماني واستلامه مستحب ولا يستحب تقبيله، وقال الخرقي يقبله والصحيح عن احمد الاول وهو قول أكثر أهل العلم وحكي عن أبي حنيفة انه لا يستلم الركن اليماني قال ابن عبد البر جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليماني والركن الاسود لا يختلفون في شئ من ذلك وانما الذي فرقوا به بينهما التقبيل فرأوا تقبيل الاسود ولم يروا تقبيل اليماني وأما استلامهما فأمر مجتمع عليه قال وقد روى مجاهد عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده الايمن عليه قال وهذا لا يصح انما يعرف التقبيل في الحجر الاسود وحده وقد روى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم الا الحجر والركن اليماني، وقال ابن عمر ما تركت استلامهما منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا رخاء رواهما مسلم ولان الركن اليماني مبني على قواعد ابراهيم عليه السلام فسن استلامه كالركن الاسود فاما تقبيله فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسن
(فصل) وأما العراقي والشامي وهما الركنان اللذان يليان الحجر فلا يسن استلامهما في قول الاكثرين وروي عن أنس ومعاوية وجابر وابن الزبير والحسن والحسين رضي الله عنهم استلامهما قال معاوية ليس شئ من البيت مهجور ولنا قول ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم الا الحجر والركن اليماني وقال ما أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر الا لان البيت لم يتم على قواعد ابراهيم ولا طاف الناس من وراء الحجر الا لذلك وروى ابن عباس أن معاوية طاف فجعل يستلم الاركان كلها وقال له ابن عباس لم تستلم هذين الركنين ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاوية ليس شئ من هذا البيت مهجورا.
فقال ابن عباس: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
فقال معاوية: صدقت ولانهما لم يتما على قواعد ابراهيم عليه السلام فلم بسن استلامها كالحائط الذي يلي الحجر (مسألة) (ويطوف سبعا يرمل في الثلاثة الاول منها وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى ولا يثب وثبا ويمشي أربعا)
يجب الطواف سبعا لان النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا ويرمل في الثلاثة الاول منها من الحجر إلى الحجر ومعنى الرمل اسراع المشى مع مقاربة الخطو من غير وثب وهو سنة في الاشواط الثلاثة من
طواف القدوم وطواف العمرة للمتمتع لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا ويمشي أربعة أشواط لان النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا رواه جابر وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وأحاديثهم متفق عليها فان قيل انما رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاظهار الجلد للمشركين ولم يبق ذلك المعنى إذ قد نفى الله المشركين فلم قلتم أن الحكم يبقى بعد زوال علته؟ قلنا قد رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح فثبت أنها سنة ثابتة وقال ابن عباس رمل النبي صلى الله عليه وسلم في عمره كلها وفي حجه وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعده رواه الامام احمد في المسند وقد ذكرنا حديث عمر إذا ثبت أن الرمل سنة في الاشواط الثلاثة فانه يرمل من الحجر إلى الحجر لا يمشي في شئ منها روي ذلك عن عمر وابنه وابن مسعود وابن الزبير رضي الله عنهم وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال طاوس وعطاء والحسن وسعيد بن جبير والقاسم وسالم بن عبد الله يمشي مابين الركنين لما روى ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم الحمى فقال المشركون انه يقدم عليكم قوم قدوهنتهم حمى يثرب ولقوامنها شرا فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فلما قدموا قعد المشركون مما يلي الحجر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الاشواط الثلاثة ويمشوا مابين الركنين ليرى المشركين جلدهم فلما رأوهم رملوا قال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد منا قال ابن عباس ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الاشواط كلها الا الابقاء عليهم متفق عليه
ولنا ماروى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر ومن رواية مسلم عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر حتى انتهى إليه وهذا يقدم على حديث ابن عباس لوجوه منها ان هذا اثبات ومنها أن رواية ابن عباس اخبار عن عمرة القضية وهذا إخبار عن فعله في حجة الوداع فيكون متأخرا فيجب تقديمه ومنها أن ابن عباس كان صغيرا في تلك الحال
وجابر وابن عمر كانا رجلين يتبعان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ويحرصان على حفظها فهما اعلم ويحتمل أن يكون ماقاله ابن عباس اختص بالذين كانوا في عمرة القضية لضعفهم والابقاء عليهم وما رويناه سنة في سائر الناس (فصل) ولا يسن الرمل في غير الاشواط الثلاثة الاول من طواف القدوم وطواف العمرة فان ترك الرمل والاضطباع فيها لم يقضه في الاربعة الباقية لانها هيئة فان موضعها فسقطت كالجهر في الركعتين الاولتين ولان المشي هيئة في الاربعة كما ان الرمل هيئة في الثلاثة فإذا رمل في الاربعة
الاخيرة كان تاركا للهيئة في جميع طوافه كمن ترك الجهر في الاولتين من العشاء وجهر في الآخرتين فان ترك الرمل في شوط من الثلاثة الاول أنى به في الاثنين الباقيين وان تركه في اثنين أتى به في الثالث كذلك قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لان تركه للهيئة في بعض محلها لا يسقطها في بقية محلها كتارك الجهر في احدى الركعتين الاولتين لا يسقطه في الثانية (فصل) وان نسي الرمل فليس عليه إعادة لان الرمل هيئة فلم تجب الاعادة بتركه كهيئات
الصلاة وكالاضطباع في الطواف ولو تركه عمدا لم يلزمه شئ، وبه قال عامة العلماء، وحكى عن الحسن والثوري وابن الماجشون ان عليه دما لانه نسك وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك نسكا فعليه دم " ولنا أنها هيئة فلم يجب بتركها شئ كالاضطباع والحديث انما يصح عن ابن عباس وقد قال: من ترك الرمل فلا شئ عليه.
ثم قد خص بالاضطباع (فصل) ويستحب الدنو من البيت في الطواف لانه المقصود فان كان قربه زحام فظن أنه إذا وقف لم يؤذ أحدا وتمكن من الرمل وقف ليجمع بين الرمل والدنو من البيت وان لم يظن ذلك وظن أنه إذا كان حاشية الناس تمكن من الرمل فعل وكان أولى من الدنو وان كان لا يتمكن من الرمل أيضا أو يختلط بالنساء فالدنو أولى ويطول كيفما أمكنه فإذا وجد فرجة رمل فيها، وان تباعد من البيت أجزأه ما لم يخرج من المسجد سواء حال بينه وبين البيت حائل من قبة أو غيره أو لم يحل لان الحائل لا يضر في المسجد كما لو صلى مؤتما بالامام من وراء حائل فقد روت أم سلمة رضي الله عنها
قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اني اشتكي فقال " طوفي من وراء الناس " قالت فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت متفق عليه (مسألة) (وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما أو أشار اليهما ويقول كلما حاذى الحجر لا اله الا الله والله أكبر) يستحب استلام الحجر الركن اليماني في طوافه لان ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة قال نافع وكان ابن عمر يفعله رواه أبو داود فان شق عليه استلامهما أشار اليهما لما روى البخاري بأسناده عن ابن عباس قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الركن أشار بيده وكبر (فصل) ويكبر كلما حاذى الحجر الاسود لما رويناه ويقول لا اله الا الله والله أكبر قالت عاشئة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لاقامة ذكر الله عزوجل رواه الاثرم وابن المنذر (مسألة) (ويقول بين الركنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) لما روى احمد في المناسك عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن بني جمح والركن الاسود " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وكل الله به - يعني الركن اليماني - سبعين الف ملك فمن قال اللهم أني أسالك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة قالوا آمين (مسألة) (ويقول في سائر طوافه اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الاعز الاكرم) وكان عبد الرحمن بن عوف يقول رب قنى شح نفسي وعن عروة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لا اله الا الله أنت، وأنت تحيي بعدما أمت، ويدعو بما أحب، ويكثر من ذكر الله تعالى، ويكثر الدعاء لان ذلك مستحب في جميع الاحوال ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى،
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدع الحديث إلا ذكر الله تعالى أو قراءة القرآن أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ما لا بد له منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الطواف بالبيت صلاة فمن تكلم فلا يتكلم الا بخير " (فصل) ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف، وبه قال مجاهد وعطاء والثوري وابن المبارك والشافعي وأصحاب الرأي، وعن احمد كراهته وروي ذلك عن الحسن وعروة ومالك
ولنا ماروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في طوافه (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) وكان عمر وعبد الرحمن بن عوف يقولان ذلك في الطواف وهو قرآن، ولان الطواف صلاة ولا تكره القراءة في الصلاة قال ابن المبارك: ليس شئ أفضل من القرآن (فصل) والمرأة كالرجل في البداية بالطواف وفيما ذكرنا الا انها إذا قدمت مكة نهارا ولم تخش مجيئ الحيض استحب لها تأخير الطواف إلى الليل لانه أستر، ولايستحب لها مزاحمة الرجال لتستلم الحجر لكن تشير إليه بيدها كالذي لا يمكنه الوصول إليه: قال عطاء كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين فقالت انطلقي عنك وأبت (1) فان خشيت الحيض أو النفاس استحب لها تعجيل الطواف كي لا يفوتها (مسألة) (وليس على النساء ولا أهل مكة رمل ولا اضطباع وليس في غير هذا الطواف رمل والا اضطباع) قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن أضطباع وذلك لان الاصل فيها اظهار الجلد، ولا يقصد ذلك من النساء انما يقصد فيهن الستر وفي الرمل والاضطباع تعرض للانكشاف (فصل) وليس على أهل مكة رمل وهذا قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما وكان ابن
عمر إذا أحرم من مكة لم يرمل لان الرمل انما شرع في الاصل لاظهار الجلد والقوة لاهل البلد، وهذا المعنى معدوم في أهل البلد.
والحكم فيمن أحرم من مكة حكم أهل مكة لما ذكرنا عن ابن عمر، ولانه
أحرم من مكة أشبه أهل البلد.
وليس عليهم اضطباع لان من لا يشرع له الرمل لا يشرع له الاضطباع كالنساء والمتمتع إذا أحرم بالحج من مكة ثم عاد وقلنا يشرع له طواف القدوم لم يرمل فيه.
قال احمد رحمه الله: ليس على أهل مكة رمل البيت ولا بين الصفا والمروة (فصل) وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه انما رملوا واضطبعوا في ذلك وذكر القاضي أن من ترك الرمل والاضطباع في طواف القدوم أتى بهما في طواف الزيارة لانهما سنة أمكن قضاؤها فتقضى كسنن الصلاة وليس بصحيح لما ذكرنا من أن من تركه في الثلاثة الاول لا يقضيه في الاربعة.
وكذلك من ترك الجهر في صلاة الفجر لا يقضيه في صلاة الظهر، ولا يقتضى القياس أن يقضي هيئة عبادة في عبادة أخرى.
قال القاضي ولو طاف فرمل واضطبع ولم يسع بين الصفا والمروة فإذا طاف بعد ذلك رمل في طوافه لانه يرمل في السعي بعده وهو تبع في الطواف فلو قلنا لا يرمل في الطواف أفضى إلى كون التبع أكمل من المتبوع، وهذا قول مجاهد والشافعي قال شيخنا: وهذا لا يثبت بمثل هذا الرأي الضعيف فان المتبوع لا تتغير هيئاته تبعا كتبعه ولو كانا متلازمين كان ترك الرمل في السعي تبعا لعدمه في الطواف أولى من الرمل في الطواف تبعا للسعي
(مسألة) (ومن طاف راكبا أو محمولا أجزأه وعنه لا يجزئه الا لعذر ولا يجزي ء عن الحامل) يصح طواف الراكب للعذر بغير خلاف علمناه لان ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم اني أشتكي فقال " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة " متفق عليهما وقال جابر رضي الله عنه طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم يسألوه فان الناس غشوه، والمحمول كالراكب فيما ذكرنا قياسا عليه (فصل) فان فعل ذلك لغير عذر فعن احمد فيه ثلاث روايات (احداهن) لا يجزئ وهو ظاهر كلام الخرقي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت صلاة ولانها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة " (والثانية) يجزئه ويجبره بدم وهو قول أبي حنيفة الا أنه قال بعيد
ما كان بمكة فان رجع جبره بدم لانه ترك صفة واجبة في ركن الحج أشبه مالو دفع من عرفة قبل الغروب (والثالثة) يجزئ ولا شئ عليه اختارها أبو بكر وهو مذهب الشافعي وابن المنذر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا قال ابن المنذر لا قول لاحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولان الله تعالى أمر بالطواف مطلقا فكيفما أتى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل (فصل) والطواف راجلا أفضل بغير خلاف لان النبي صلى الله عليه وسلم في غير حجة الوداع طاف ماشيا
وأصحابه طافوا مشاة وفي قول أم سلمة شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم اني أشتكي فقال " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة " دليل على أن الطواف انما يكون مشيا وانا طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر فان ابن عباس روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب رواه مسلم.
وكذلك في حديث جابر: فان الناس غشوه (1) ورواه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
طاف راكبا لشكاة به وبهذا يعتذر من منع الطواف راكبا عن طواف النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الاول أثبت فعلى هذا يكون كثرة الناس وشدة الزحام عذرا، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد تعليم الناس فلا يتمكن الا بالركوب (فصل) وإذا طاف راكبا أو محمولا فلا رمل فيه وقال القاضى يخب به بعيره والصحيح الاول لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أمر به ولا يتحقق فيه معنى الرمل (فصل) فأما السعي محمولا وراكبا فيجزئه لعذر ولغير عذر لان المعنى الذي منع الطواف راكبا غير موجود فيه (فصل) من طيف به محمولا لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن ينويا جميعا عن المحمول أو ينوي المحمول على نفسه ولا ينوي الحامل شيئا فيقع عنه دون الحامل بغير خلاف (الثاني) أن يقصدا
عن الحامل فيقع عنه ولا شئ للمحمول وكذلك ان نوى الحامل عن نفسه ولم ينو المحمول (الثالث)
أن يقصد كل واحد عن نفسه فيقع للمحمول دون الحامل وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر يقع للحامل لانه الفاعل.
وقال أبو حنيفة يقع لهما لان كل واحد منهما طائف بنية صحيحة فأجزأ الطواف عنه كما لو لم ينو صاحبه شيئا ولانه لو حمله بعرفات لكان الوقوف عنهما كذا هذا، قال (شيخنا) وهو قول حسن، ووجه الاول انه طواف أجزأ عن المحمول فلم يقع عن الحامل كما لو نويا جميعا ولانه طواف واحد فلم يقع عن شخصين كالراكب أما إذا حمله بعرفة فما حصل الوقوف بالحمل فان المقصود الكون عفرفات وهما كائنان بها والمقصود ههنا الفعل وهو واحد فلا يقع عن شخصين ووقوعه عن المحمول أولى لانه لم ينو بطوافه الا لنفسه، والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه فانه لو لم يقصد الطواف بالمحمول لما حمله فان تمكنه من الطواف لا يقف على حمله قصار المحمول مقصودا لهما ولم يخلص قصد الحامل لنفسه فلم يقع لعدم التعيين.
وقال أبو حفص العكبري لا يجزئ الطواف عن واحد منهما لان فعلا واحدا لا يقع عن اثنين وليس أحدهما أولى به من الآخر، وقد ذكرنا أن المحمول أولى بخلوص نيته لنفسه وقصد الحامل له فان عدمت النية منهما أو نوى كل واحد منهما عن الآخر لم تصح لواحد منهما (مسألة) (وان طاف منكسا أو على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة، أو ترك شيئا من طوافه وان قل أو لم ينوه لم يجزه) إذا نكس الطواف فجعل البيت على يمينه لم يجزه، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يعيد ما كان بمكة فان رجع جبره بدم لانه ترك هيئة فلم تمنع الاجزاء كترك الرمل والاضطباع ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البيت في الطواف على يساره وقال عليه الصلاة والسلام " لتأخذوا
عني مناسككم " ولانها عبادة متعلقة بالبيت فكان الترتيب شرطا لصحتها كالصلاة، وما قاسوا عليه مخالف لما ذكرنا كما اختلف حكم هيئات الصلاة وترتيبها (فصل) ويطوف من وراء الحجر لان الله تعالى قال (وليطوفوا بالبيت العتيق) والحجر منه فمن لم يطف به لم يعتد بطوافه، وبهذا قال عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر.
وقال
أصحاب الرأي إن كان بمكة قضى ما بقي، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم ونحوه قول الحسن ولنا أنه من البيت لما روت عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر فقال " هو من البيت " وعنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن قومك استقصروا من بنيان البيت ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منها فان بدا لقومك من بعدي أن يبنوا فهلمي لاريك ما تركوا منها " فأراها قريبا من سبعة أذرع رواهما مسلم، وعنها قالت قلت يا رسول الله إني نذرت أن أصلي في البيت " قال صلي في الحجر فان الحجر من البيت " رواه الترمذي وقال حسن صحيح فمن ترك الطواف بالحجر لم يطف بالبيت جميعه فلم يصح كما لو ترك الطواف ببعض البناء، ولان النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر وقال " لتأخذوا عني مناسككم "
(فصل) ولو طاف على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة وهو ما فضل من جدارها لم يجز لان ذلك من البيت فإذا لم يطف به لم يطف بكل البيت، وكذلك إن ترك شيئا من طوافه وإن قل لم يجزه لان لم يطف بجميع البيت، وقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ذلك وطاف بجميع البيت من الحجر إلى الحجر (1) (فصل) والنية شرط في الطواف إن تركها لم يصح لانها عبادة تتعلق بالبيت فاشترطت لها النية كالصلاة، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت صلاة " والصلاة لا تصح بدون النية (مسألة) (وإن طاف محدثا أو نجسا أو عريانا لم يجزه وعنه يجزئه ويجبره بدم) الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة شرائط لصحة الطواف في ظاهر المذهب وهو قول مالك والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطا فمتى طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة فان خرج إلى بلده جبره بدم، وكذلك يخرج في الطهارة من النجس والستارة، وعنه فيمن طاف للزيارة وهو ناس للطهارة لا شئ عليه، وقال أبو حنيفة ليس شئ من ذلك شرطا، واختلف أصحابه فقال بعضهم هو واجب، وقال بعضهم هو سنة لان الطواف ركن للحج فلم تشترط له الطهارة كالوقوف
ولنا ما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه " رواه الترمذي والاثرم، وعن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قل حجة الوداع يوم النحر يؤذن " لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان " متفق عليه، ولانها عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة والستارة فيها شرطا كالصلاة وعكسه الوقوف، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين حاضت " أفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " (فصل) وإذا شك في الطهارة وهو في الطواف لم يصح طوافه لانه شك في شرط العبادة قبل الفراغ منها أشبه ما لو شك في الطهارة وهو في الصلاة، وإن شك بعد الفراغ منه لم يلزمه شئ لان الشك في شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها، وإن شك في عدد الطواف بنى على اليقين.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك لانها عبادة فمتى شك فيها وهو فيها بنى على اليقين كالصلاة، فان أخبره ثقة عن عدد طوافه قبل قوله إن كان عدلا، وإن شك في عدده بعد الفراغ منه لم يلتفت إليه كمن شك في عدد الركعات بعد فراغ الصلاة، قال أحمد إذا كان رجلان
يطوفان فاختلفا في الطواف بنيا على اليقين، قال شيخنا وهو محمول على أنهما شكا، فان كان أحدهما يتيقن حال نفسه لم يلتفت إلى قول غيره، (فصل) إذا فرغ المتمتع ثم علم أنه كان على غير طهارة في أحد الطوافين لا بعينه بنى الامر على الاشد وهو أنه كان محدثا في طواف العمرة فلم تصح ولم يحل منها فيلزمه دم للحلق ويكون قد أدخل الحج على العمرة فيصير قارنا ويجزئه الطواف للحج عن النسكين، ولو قدرناه من الحج لزمه أعادة الطواف ويلزمه اعادة السعي على التقديرين لانه وجد بعد طواف غير معتد به، وإن كان وطئ بعد حله من العمرة حكمنا بأنه أدخل حجا على عمرة فاسدة فلا يصح ويلغو ما فعله من أفعال الحج ويتحلل بالطواف الذي قصده للحج من عمرته الفاسدة وعليه دم للحلق ودم للمضي في عمرته ولا يحصل له حج ولا عمرة، ولو قدرناه من الحج لم يلزمه أكثر من اعادة الطواف والسعي ويحصل له الحج والعمرة
(مسألة) (وإن أحدث في بعض طوافه أو قطعه بفصل طويل ابتدأه) إذا أحدث في الطواف عمدا ابتدأ الطواف لان الطهارة شرط له، فإذا أحدث عمدا أبطله كالصلاة وإن سبقه الحدث ففيه روايتان (احداهما) يبتدئ أيضا وهو قول مالك والحسن قياسا على الصلاة (والثانية) يتوضأ ويبني وبها قال الشافعي واسحاق، وقال حنبل عن أحمد فيمن طاف ثلاثة أشواط أو أكثر يتوضأ فان شاء بنى وإن شاء استأنف، قال أبو عبد الله يبني إذا لم يحدث حدثا إلا الوضوء، فان عمل عملا غير ذلك استقبل الطواف وذلك لان المولاة تسقط عند العذر على احدى الروايتين وهذا عذر، فأما إن اشتغل بغير الوضوء لزمه الابتداء لانه ترك الموالاة لغير عذر وهذا إذا كان الطواف فرضا، فأما النفل فلا تجب اعادته كالصلاة المسنونة إذا بطلت (فصل) والموالاة شرط في الطواف فمتى قطعه بفصل طويل ابتدأه سواء كان عمدا أو سهوا مثل أن يترك شوطا من الطواف يظن أنه قد أتمه، وقال أصحاب الرأي فيمن طاف ثلاثة أشواط من طواف الزيارة ثم رجع إلى بلده عليه أن يعود فيطوف ما بقي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال " خذوا عني مناسككم " ولانه صلاة فاشترطت له الموالاة كسائر الصلوات، أو نقول: عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت لها الموالاة كالصلاة والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى إذا كان له عذر يشغله بنى، وإن قطعه لغير عذر أو لحاجة استقبل الطواف، وقال إذا أعيا في الطواف لا بأس أن
يتسريح، وقال الحسن غشي عليه فحمل إلى أهله، فلما أفاق أتمه لانه قطعه للعذر فجاز البناء عليه كما لو قطعه للصلاة (مسألة) (ولو كان يسيرا أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى) ويتخرج أن الموالاة سنة، أما إذا لم يطل الفصل فانه يبني على طوافه لانه يسير فعفي عنه، وكذلك إن أقيمت الصلاة المكتوبة فانه يقطع الطواف ويصلي جماعة في قول كثير من أهل العلم، وقال
مالك يمضي في طوافه ولا يقطعه إلا أن يخاف أن يضر بوقت الصلاة لانه صلاة فلا يقطعه لصلاة أخرى ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " والطواف صلاة فيدخل في عموم النص، وإذا صلى بنى على طوافه، قال ابن المنذر ولا نعلم أحدا خالف في ذلك إلا الحسن فانه قال: يستأنف، وقول الجمهور أولى لان هذا فعل مشروع في أثناء الطواف فلم يقطعه كاليسير، وكذلك الحكم في الجنازة إذا حضرت يصلي عليها ثم يبني على طوافه لانها تفوت بالتشاغل عنها، قال أحمد ويكون ابتداؤه من الحجر أنه يبتدئ بالحجر الشوط الذي قطعه من الحجر حين يشرع في البناء، وحكم السعي حكم الطواف فيما ذكرنا لانه إذا ثبت ذلك في الطواف مع تأكده ففي السعي بطريق الاولى، ولان ذلك يروى عن ابن عمر رضي الله عنهما ولا يعرف له في الصحابة مخالف وهذا قول عطاء والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، ويتخرج أن الموالاة في الطواف سنة وهو قول أصحاب الرأي قياسا على الصفا والمروة والصحيح الاول لما ذكرنا (مسألة) (ثم يصلي ركعتين) والافضل أن يكون خلف المقام يقرأ فيهما (قل يا أيها الكافرون) في الاولى و (قل هو الله أحد) في الثانية فان جابرا رضي الله عنه روى في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام ابراهيم فقرأ (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت، قال محمد بن علي ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في
الركعتين (قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون) وحيث ركعهما ومهما قرأ فيهما جاز فان عمر رضي الله عنه ركعهما بذي طوى، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لام سلمة " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون " ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت، ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة ويمر بين يديه الطائفون من الرجال والنساء فان النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما والطواف بين يديه ليس بينهما شئ، وكان ابن الزبير يصلي والطواف بين يديه فتمر المرأة بين يديه ينتظرها حتى ترفع رجلها ثم يسجد وكذلك سائر الصلوات بمكة لا يعتبر لها سترة وقد ذكرنا ذلك (فصل) والركعتان فيه سنة مؤكذة غير واجبة، وبه قال مالك وللشافعي قولان (أحدهما)
أنهما واجبتان لانهما تابعتان للطواف فكانا واجبتين كالسعي ولنا قول عليه السلام للاعرابي حين سأله عن الفرائض فذكر الصلوات الخمس، فقال هل علي غيرها؟ قال " لا إلا أن تطوع " ولانها صلاة لم يشرع لها جماعة فلم تكن واجبة كسائر النوافل وأما السعي فلم يجب لكونه تابعا ولا هو مشروع مع كل طواف بخلاف الركعتين فانهما يشرعان عقيب كل طواف (فصل) فان صلى المكتوبة بعد طوافه اجزأته عن ركعتي الطواف، روي نحوه عن ابن عباس
وعطاء وجابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير واسحاق، وعنه أنه يصلي ركعتي الطواف بعد المكتوبة، قال أبو بكر عبد العزيز هو أقيس، وبه قال الزهري ومالك وأصحاب الرأي لانه سنة فلم يجز عنها المكتوبة كركعتي الفجر ولنا أنهما ركعتان شرعتا للنسك فاجزأت عنهما المكتوبة كركعتي الاحرام (فصل) ولا بأس أن يجمع بين الاسابيع فإذا فرغ منها ركع لكل أسبوع ركعتين فعلته عائشة والمسور ابن مخرمة، وبه قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وكرهه ابن عمر والحسن والزهري ومالك وأبو حنيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولان تأخير الركعتين عن طوافهما يخل بالموالاة بينهما ولنا أن الطواف يجري مجرى الصلاة يجوز جمعها ويؤخر ما بينها فيصليها بعدها كذلك ههنا، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله لا يوجب كراهته فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعين ولا ثلاثة وذلك غير مكروه بالاتفاق والموالاة غير معتبرة بين الطواف والركعتين بدليل أن عمر صلاهما بذي طوى وأخرت أم سلمة ركعتي الطواف حين طافت راكبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ركع لكل أسبوع عقيبه كان أولى وفيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وخروج من الخلاف (فصل) والمشترط لصحة الطواف تسعة أشياء: الطهارة من الحدث والنجاسة، وستر العورة، والنية، والطواف بجميع البيت، وأن يكمل سبعة اشواط، ومحاذاة الحجر بجميع بدنه، والترتيب، وهو أن يطوف على يمينه، والموالاة، وسننه استلام الركن وتقبيله أو ما قام مقامه من الاشارة،
واستلام الركن اليماني والاضطباع والرمل، والمشي في موضعه، والدعاء والذكر، وركعتا الطواف، والطواف ماشيا، والدنو من البيت، وفي ذلك اختلاف ذكرناه فيما مضى (مسألة) (ثم يعود إلى الركن فيستلمه) إذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد الخروج إلى الصفا استحب أن يعود فيستلم الحجر نص عليه أحمد لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ذكره جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابن عمر يفعله وبه قال النخعي ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا (مسألة) (ثم يخرج إلى الصفا من بابه ويسعى سبعا يبدأ بالصفا فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويكبر ثلاثا ويقول الحمد لله على ما هدانا لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، لا إله الا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهرم الاحزاب وحده، لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم يلبي ويدعو بما أحب) وجملة ذلك أنه إذا فرغ من طوافه واستلم الركن فالمستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه فيأتي الصفا فيرقى عليه حتى يرى الكعبة فيستقبلها فيكبر الله عزوجل ويهلله ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وما أحب من الدنيا والآخرة قال جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) نبدأ بما بدأ الله به " فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز
وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات.
قال أحمد رحمه الله ويدعو بدعاء ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه اسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يخرج من الصفا من الباب الاعظم فيقوم عليه فيكبر سبع مرار ثلاثا ثلاثا يكبر ثم يقول لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم يدعو فيقول: اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك، اللهم جنبني حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم حببني اليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسرني لليسرى وجنبني للعسرى، واغفر لي في الآخرة والاولى، واجعلني من أئمة المتقين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، وأغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم قلت وقولك الحق (ادعوني أستجب لكم) وإنك لا تخلف المعياد، اللهم إذ هديتني للاسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى توفاني على الاسلام، اللهم لا تقدمني إلى العذاب، ولا تؤخرني لسوء الفتن.
قال ويدعو دعاء كثيرا حتى انه ليملنا وانا لشاب وكان إذا أتى على المسعى سعى وكبر، وكل ما دعا به فحسن (فصل) فان لم يرق على الصفا فلا شئ عليه، قال القاضي لكن يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة فيلصق عقبيه بأسفل الصفا ثم يسعى إلى المروة فان لم يصعد عليها ألصق أصابع رجليه
بأسفل المروة والصعود عليهما أولى اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فان ترك مما بينهما شيئا ولو ذراعا لم يجزه حتى يأتي به، وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل إلا أنها لا ترقى لئلا تزاحم الرجال ولانه استر لها (مسألة) (ثم ينزل فيمشي حتى يأتي العلم فيسعى سعيا شديدا إلى العلم الآخر، ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل عليها كما فعل على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعا) يحتسب بالذهاب سعية، وبالرجوع سعية، يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة، فان افتتح بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط، هذا وصف السعي وهو أن ينزل من الصفا فيمشي حتى يأتي العلم أي يحاذيه وهو الميل الاخضر في ركن المسجد، فإذا كان منه نحوا من ستة أذرع سعى سعيا شديدا حتى ياحذي العلم الآخر وهما الميلان الاخضران بفناء المسجد وحذاء دار العباس، ثم يترك السعي فيمشي حتى يأتي المروة فيرقى
عليها ويستقبل القبلة ويدعو بمثل دعائه على الصفا ومهما دعا به فلا بأس وليس في الدعاء شئ موقت ثم ينزل فيمشي في موضع مشبه ويسعى في موضع سعيه ويكثر من الدعاء والذكر فيما بين ذلك.
قال أبو عبد الله كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: رب أغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم،
وأنت الاعز الاكرم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " انما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لاقامة ذكر الله عزوجل " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ولا يزال حتى تكمل سبعة أشواط يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية وحكي عن أبن جرير وبعض الشافعية أنهم قالوا ذهابه ورجوعه سعية وهذا غلط لان جابرا قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل إلى المروة حتى إذا انفضت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أذا أتى المروة فعل على المروة كما فعل على الصفا فلما كان آخر طوفه على المروة قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة " وهذا يقتضي أنه آخر طوافه، ولو كان على ما ذكروه كان آخره عند الصفا في الموضع الذي بدأ منه، ولانه في كل مرة طائف بهما فاحتسب بذلك مرة كما إذا طاف بجميع البيت احتسب به مرة (فصل) ويفتتح بالصفا ويختم بالمروة لان الترتيب شرط في السعي كذلك، فان بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط، فإذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي به بعد ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا وقال " نبدأ بما بدأ الله به " وهذا قول الحسن ومالك والشافعي والاوزاعي وأصحاب الرأي، وعن ابن عباس أنه قال: قال الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله) فبدأ بالصفا وقال اتبعوا القرآن فما بدأ الله به فابدؤا به
(فصل) والرمل في السعي سنة لان النبي صلى الله عليه وسلم سعى وسعى أصحابه فروت صفية بنت شيبة عن أم ولد شيبة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة ويقول " لانقطع الابطح الا شدا " وليس ذلك بواجب ولا شئ على تاركه، فان ابن عمر قال: ان أسع بين الصفا والمروة
فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، وإن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا شيخ كبير.
رواهما ابن ماجة وأبو داود، ولان ترك الرمل في الطواف بالبيت لا شئ فيه فبين الصفا والمروة أولى (مسألة) (ويستحب أن يسعى طاهرا مستترا متواليا، وعنه أن ذلك من شرائطه) المستحب لمن قدر على الطهارة أن لا يسعى الا متطهرا من الحدث والنجاسة وكذلك جميع المناسك، فان سعى بين الصفا والمروة على غير طهارة كره له ذلك وأجزأه في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان الحسن يقول.
إذا ذكر قبل أن يحل فليعد الطواف، وإن ذكر بعد ماحل فلا شئ عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت " اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " ولان ذلك عبادة لا تتعلق بالبيت أشبهت الوقوف بعرفة، قال أبو داود سمعت أحمد يقول إذا طافت المرأة بالبيت ثم حاضت سعت بين الصفا والمروة ثم نفرت، وروي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا إذا طافت المرأة بالبيت وصلت ركعتين ثم حاضت بين الصفا والمروة فلتطف
بالصفا والمروة رواه الاثرم، ولا تشترط الطهارة من النجاسة أيضا ولا الستارة للسعي لانه إذا لم تشترط الطهارة من الحدث وهي آكد فغيرها أولى، وقد ذكر بعض أصحابنا رواية عن أحمد أنه كالطواف في اشتراط الطهارة والستارة قياسا عليه ولا عمل عليه (فصل) والموالاة في السعي غير مشترطة في ظاهر كلام أحمد رحمه الله فانه قال في رجل كان بين الصفا والمروة فلقيه قادم بعرفة يقف يسلم عليه ويسأله قال نعم أمر الصفا سهل انما كان يكره الوقوف في الطواف بالبيت، فأما بين الصفا والمروة فلا بأس؟ وقال القاضي تشترط الموالاة فيه قياسا على الطواف، وحكي رواية عن أحمد والاول أصح فانه نسك لا يتعلق بالبيت فلم تشترط له الموالاة كالرمي والحلاق، وقد روى الاثرم أن سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيام وكانت ضخمة، وكان عطاء لا يرى بأسا ان يستريح بينهم
ولا يصح قياسه على الطواف لان الطواف يتعلق بالبيت وهو صلاة، وتشترط له الطهارة والستارة فاشترطت له الموالاة بخلاف السعي (مسألة) (والمرأة لا ترمل ولا ترقى) لا يسن للمرأة ان ترقى على المروة لئلا تزاحم الرجال ولان ذلك أستر لها ولا يسن لها الرمل، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولابين الصفا والمروة، وذلك لان الاصل في ذلك اظهار الجلد ولا يقصد ذلك في حقهن، ولان النساء يقصد منهن الستر وفي ذلك تعرض للانكشاف فلم يستحب لهن (فصل) والسعي تبع للطواف لا يصح إلا بعد الطواف فان سعى قبله لم يصح، وبه قال مالك
والشافعي وأصحاب الرأي وقال عطاء يجزئه، وعن أحمد يجزئه إن نسي وإلا فلا لان النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التقدم والتأخر في حال الجهل والنسيان قال " لاحرج " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم انما سعى بعد الطوف وقال " لتأخذوا عني مناسككم " فعلى هذا إن سعى بعد طوافه ثم علم أنه طاف غير متطهر أعاد السعي، وإن سعى المفرد والقارن بعد طواف القدوم لم يلزمهما سعي بعد ذلك ولا تجب الموالاة بين الطواف والسعي، روي ذلك عن الحسن وعطاء قالا: لا بأس أن يطوف أول النهار ويسعى آخره، وفعله القاسم وسعيد بن جبير لان الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه وبين الطواف أولى (مسألة) (فإذا فرغ من السعي فإذا كان معتمرا قصر من شعره وتحلل الا أن يكون قد ساق معه هديا فلا يحل حتى يحج) إذا طاف المتمتع وسعى وقصر أو حلق وقد حل من عمرته إن لم يكن معه هدي لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس " من كان معه هدي فانه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجته ومن لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا وبالمروة وليقصر وليحلل " متفق
عليه ولا نعلم فيه خلافا، ولا يستحب تأخير التحلل قال أبو داود سمعت أحمد سئل عمن دخل مكة
معتمرا فلم يقصر حتى كان يوم التروية عليه شئ؟ قال هذا لم يحل حتى يقصر ثم يهل بالحج وليس عليه شئ وبئس ما صنع (فصل) فاما من معه الهدي فليس له أن يتحلل لكن يقيم على احرامه ويدخل الحج على العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا نص عليه احمد وهو قول أبي حنيفة، وعن احمد رواية اخرى أنه يحل له التقصير من شعر رأسه خاصة ولا يمس من أظفاره وشاربه شيئا روي ذلك عن ابن عمر وهو قول عطاء لما روي عن معاوية قال قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص عند المروة متفق عليه، وقال مالك والشافعي في قول له التحلل ونحر هديه عند المروة ويحتمله كلام الخرقي ولنا ما ذكرنا من حديث ابن عمر وروت عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فاهللت بعمرة ولم أكن سقت الهدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا " وعن حفصة أنها قلت: يارسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال " اني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " متفق عليه والاحاديث فيه كثيرة، وعن احمد رواية ثالثة فيمن قدم متمتعا في أشهر الحج وساق الهدي قال ان دخلها في العشر لم ينحر الهدي حتى ينحره يوم النحر وان قدم في العشر نحر الهدي وهذا يدل على أن المتمتع إذا قدم قبل العشر حل وان كان معه هدي وان قدم
في العشر لم يحل وهو قول عطاء رواه حنبل في المناسك وقال فيمن لبد أو ضفر هو بمنزلة من ساق الهدي لحديث حفصة والرواية الاولى أولى لما فيها من الاحاديث الصحيحة الصريحة فهي أولى بالاتباع (فصل) فاما المعتمر غير المتمتع فانه يحل سواء كان معه هدي أو لم يكن وسواء كان في أشهر الحج أو في غيرها لان النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التى مع حجته بعضهن في ذي القعدة وقيل كلهن في ذي القعدة وكان يحل فان كان معه هدي نحره عند المروة وحيث نحره
من الحرم جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل فجاج مكة طريق ومنحر " رواه أبو داود
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: